١- باب الاستغفار اعلم أن هذا الكتاب من أهمّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به. وقصدت بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم اللّه الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين. قال اللّه تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعَشِيّ وَالإِبْكارِ} [غافر: ٥٥] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَللْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ} [محمد: ١٩] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللّه إنَّ اللّه كانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: ١٠٦] وقال تعالى: {لِلَّذينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها وأزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللّه، وَاللّه بَصِيرٌ بالعِبادِ، الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بالأسحَارِ} [آل عمران: ١٥ـ١٧] وقال تعالى: {وَما كانَ اللّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: ٣٣] وقال تعالى: {وَالَّذينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّه فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّه؟ وَلَمْ يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: ١٣٥] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّه يَجِدِ اللّه غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: ١١٠] وقال تعالى: {وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَيْهِ..} الآية [هود: ٣]، وقال تعالى إخباراً عن نوح صلى اللّه عليه وسلم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ غَفَّاراً} [نوح: ١٠] وقال تعالى حكاية عن هود صلى اللّه عليه وسلم: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ..} الآية [هود: ٥٢]، والآيات في الاستغفار كثيرة معروفة، ويحصل التنبيه ببعض ما ذكرناه. وأما الأحاديث الواردة في الاستغفار فلا يمكن استقصاؤها، لكني أُشير إلى أطراف من ذلك. ١٠٤٧- روينا في صحيح مسلم، عن الأغرّ المزنيّ الصحابيّ رضي اللّه تعالى عنه: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال قال: ”إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللّه في اليَوْمِ مِئَة مَرَّةٍ". (١) ١٠٤٨- وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول قال: ”واللّه إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللّه وأتُوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة". (٢) (البخاري (٦٣٠٧)، والترمذي (٣٢٥٥) سَيِّدُ الاسْتغْفارِ١٠٤٩- وروينا في صحيح البخاري أيضاً، عن شداد بن أوس رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "سَيِّدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْدُ: اللّهمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عليَّ وأبُوءُ بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ؛ مَنْ قَالَهَا بالنَّهارِ مُوقِناً بِها فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ موقِن بها فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ". (٣) قلت: أبوء بضم الباء وبعد الواو همزة ممدودة، ومعناه: أقرّ وأعترف. ١٠٥٠- وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما، قال: كنّا نعدُّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المجلس الواحد مِئَةَ مرّة: "ربّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" قال الترمذي: حديث صحيح. (٤) ١٠٥١- وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَمِنْ كُلّ هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ". (٥) ١٠٥٢- وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللّه بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللّه تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ". (٦) ١٠٥٣- وروينا في سنن أبي داود، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالى عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يُعجبه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفرَ ثلاثاً. وقد تقدم هذا الحديث قريباً في جامع الدعوات(٧) ١٠٥٤- وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن مولى لأبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ. (٨) ١٠٥٥- وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي اللّه تعالى عنه قال: سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "قال اللّه تعالى: يا بْنَ آدَمَ! إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كانَ منْكَ وَ لا أُبالي، يا بْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يابْنَ آدَمَ! لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطايَا ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِها مَغْفِرَةً" قال الترمذي: حديث حسن. (٩) قلت: عنان السماء بفتح العين: وهو السحاب، واحدتها عنانة؛ وقيل العنان: ما عنّ لك منها، أي ما اعترضَ وظهر لك إذا رفعت رأسك. وأما قراب الأرض فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهور، ومعناه: ما يُقارب مِلْئَها، وممّن حكى كسرها صاحب المطالع. ١٠٥٦- وروينا في سنن ابن ماجه، بإسناد جيد عن عبد اللّه بن بُسْرٍ ـ بضم الباء وبالسين المهملة ـ رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفاراً كَثِيراً". (١٠) ١٠٥٧- وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ قالَ: أسْتَغْفِرُ اللّه الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِليْهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم. (١١) قلتُ: وهذا الباب واسع جداً، واختصاره أقرب إلى ضبطه، فنقتصر على هذا القدر منه. فصل:ومما يتعلَّق بالاستغفار ما جاء عن الرَّبيع بن خُثَيْم رضي اللّه تعالى عنه قال: لا يقلْ أحدُكم: أستغفر اللّه وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم يفعل، بل يقولُ: اللّهمّ اغفر لي وتُبْ عليّ، وهذا الذي قاله من قوله: اللّهمّ اغفر لي وتب عليّ حسن. وأما كراهيته أستغفرُ اللّه وتسميته كذباً فلا نُوافق عليه، لأن معنى أستغفرُ اللّه أطلبُ مغفرتَه، وليس في هذا كذب، ويكفي في ردّه حديث ابن مسعود المذكور قبله. وعن الفُضيل رضي اللّه تعالى عنه: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين، ويُقاربه ما جاءَ عن رابعة العدوية رضي اللّه تعالى عنها قالت: استغفارُنا يحتاجُ إلى استغفار كثير. وعن بعضِ الأعراب أنه تعلَّقَ بأستار الكعبة وهو يقول: اللّهمّ إن استغفاري مع إصراري لؤم، وإن تركي الاستغفارَ مع علمي بسَعَة عفوك لعجز، فكم تَتَحَبَّبُ إليّ بالنعم مع غِناكَ عني، وأَتَبَغَّضُ إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا مَن إذا وَعدَ وَفَّى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفا، أدخلْ عظيمَ جُرمي في عظيم عفوكَ يا أرحم الراحمين. |