Geri

   

 

 

İleri

 

١- باب حفظ اللسان

قال اللّه تعالى‏:

{‏وما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏} ‏‏[‏ق‏: ‏١٨‏]

وقال اللّه تعالى‏:

{‏إنَّ رَبَّكَ لَبالمِرْصَادِ‏} ‏[‏الفجر‏: ‏١٤‏]‏‏.‏ وقد ذكرت ما يَسَّرَهُ اللّه سبحانه وتعالى من الأذكار المستحبة ونحوها فيما سبقَ، وأردتُ أن أضمَّ إليها ما يُكره أو يَحرم من الألفاظ ليكونَ الكتابُ جامعاً لأحكام الألفاظ، ومُبيِّناً أقسامَها، فأذكرُ من ذلك مقاصدَ يحتاج إلى معرفتها كلُّ متدين، وأكثرُ ما أذكره معروف، فلهذا أترك الأدلة في أكثره، وباللّه التوفيق‏.‏

فصل‏:

اعلم أنه لكلّ مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهرُ المصلحة فيه، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنّة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء‏.‏

٨٨١- وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّه وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ‏"‏‏.‏ (١)

قلت‏: فهذا الحديث المتفق على صحته نصّ صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلم‏.‏ وقد قال الإِمام الشافعي رحمه اللّه‏: إذا أراد الكلام فعليه أن يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر‏.‏

٨٨٢- وروينا في صحيحيهماعن أبي موسى الأشعري قال‏: قلتُ يا رسولُ اللّه، أيُّ المسلمين أفضلُ‏؟‏ قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ‏"‏‏.‏‏.‏‏ (٢)

٨٨٣- وروينا في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ‏"‏‏.‏ (٣)

٨٨٤- وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، أنه سمع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يقول ‏قال‏:‏

‏”‏‏إِنَّ العَبْدَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَد مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ‏"‏

وفي رواية البخاري ‏قال‏:‏

‏”‏‏أبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ‏"‏ من غير ذكر المغرب، ومعنى يتبين‏: يتفكر في أنها خير أم لا‏.‏ (٤)

٨٨٥- وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللّه تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللّه تَعالى بها دَرَجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللّه تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ‏"‏

قلت‏: كذا في أصول البخاري ‏"‏يَرْفَعُ اللّه بِها دَرَجاتٍ‏"‏ وهو صحيح‏: أي درجاته، أو يكون تقديره‏: يرفعه، ويُلقي بالقاف‏.‏ (٥)

٨٨٦- وروينا في موطأ الإِمام مالك وكتابي الترمذي وابن ماجه، عن بلال بن الحارث المزني رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللّه تَعالى ما كَانَ يَظُن أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ؛ يَكْتُبُ اللّه تَعالى لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يَلْقاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللّه تَعالى ما كانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ؛ يَكْتُبُ اللّه تَعالى بِها سَخَطَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ‏"‏

قال الترمذي‏: حديث حسن صحيح‏.‏‏ (٦)

٨٨٧- وروينا في كتاب الترمذي والنسائي وابن ماجه، عن سفيان بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال‏:

قلت‏: يا رسول اللّه‏!‏ حدّثني بأمر أعتصم به، قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏قُلْ رَبِّيَ اللّه ثُمَّ اسْتَقِمْ‏"‏

قلت‏: يا رسول اللّه‏!‏ ما أخوف ما يخاف عليّ‏؟‏ فأخذ بلسان نفسه ثم قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏هَذَا‏"‏‏.‏

قال الترمذي‏: حديث حسن صحيح‏.‏‏ (٧)

٨٨٨- وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال‏: ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏قال‏:‏

‏”‏‏لا تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللّه، فإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللّه تَعالى قَسْوَةٌ للْقَلْبِ، وَإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللّه تَعالى القَلْبُ القَاسِي‏"‏‏.‏‏ (٨)

٨٨٩- وروينا فيه، عن أبي هريرة قال‏: ‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:

"‏مَنْ وَقاهُ اللّه تَعالى شَرَّ ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ ما بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ‏"‏

قال الترمذي‏: حديث حسن‏.‏ (٩)

٨٩٠- وروينا فيه، عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال‏: ‏قلتُ يا رسولَ اللّه، ما النجاة‏؟‏ قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ‏"‏

قال الترمذي‏: حديث حسن‏.‏ (١٠)

٨٩١- وروينا فيه، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏إذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَم فإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّها تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ‏: اتقِ اللّه فِينا فإنما نَحْنُ مِنْكَ، فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وَإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا‏"‏‏.‏‏ (١١)

٨٩٢- وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أُمِّ حبيبة رضي اللّه عنها، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ‏قال‏:‏

‏”‏‏كُلُّ كَلامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لا لَهُ، إِلاَّ أمْراً بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْياً عَنْ مُنْكَرٍ، أوْ ذِكْراً للّه تَعالى‏"‏‏.‏‏ (١٢)

٨٩٣- وروينا في كتاب الترمذي، عن معاذ رضي اللّه عنه قال‏:

قلت‏: يا رسول اللّه‏!‏ أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني من النار، قال‏: لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ وإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللّه تَعالى عَلَيْهِ‏: تَعْبُدُ اللّه لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتِي الزَّكاةَ، وَتَصًومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ، ثم قال‏: ألا أدُلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ‏؟‏ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفىءُ المَاءُ النارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تلا

{‏تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجعِ‏} ‏حتى بلغ

{‏يَعْمَلُونَ‏} ‏ثم قال‏: ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ‏؟‏

قلت‏: بلى يا رسول اللّه‏!‏ قال‏: رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ، ثم قال‏: ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ‏؟‏

قلت‏: بلى يا رسول اللّه‏!‏ فأخذ بلسانه ثم قال‏: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا،

قلت‏: يا رسول اللّه‏!‏ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به‏؟‏

فقال‏: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ‏؟‏‏"‏

قال الترمذي‏: حديث حسن صحيح‏.‏

قلت‏: الذِّروة بكسر الذال المعجمة وضمّها‏: وهي أعلاه‏.‏ (١٣)

٨٩٤- وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال ‏قال‏:‏

‏قال‏:‏

‏”‏‏  ‏منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ‏"‏ حديث حسن‏.‏‏ (١٤)

٨٩٥- وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص؛ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال ‏قال‏:‏

‏”‏‏مَنْ صَمَتَ نَجا‏"‏ (١٥) ‏إسناده ضعيف، وإنما ذكرته لأُبيِّنه لكونه مشهوراً، والأحاديث الصحيحة بنحو ما ذكرته كثيرة، وفيما أشرت به كفاية لمن وفّق، وسيأتي إن شاء اللّه في باب الغيبة جُمَل من ذلك، وباللّه التوفيق

وأما الآثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب فكثيرة، ولا حاجة إليها مع ما سبق، لكن ننبّه على عيونٍ (١٦)  منها‏:

بلغنا أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال

أحدهما لصاحبه‏: كم وجدت في ابن آدم من العيوب‏؟‏

فقال‏: هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانيةُ آلاف عيب، ووجدتُ خصلةً إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها، قال‏: ما هي‏؟‏ قال‏: حفظ اللسان‏.‏

وروينا عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي اللّه عنه قال‏: مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه‏.‏

وقال الإِمامُ الشافعي رحمه اللّه لصاحبه الرَّبِيع‏: يا ربيعُ‏!‏ لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها‏.‏

وروينا عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‏: ما من شيء أحقُّ بالسجن من اللسان‏.‏

وقال غيرُه‏: مَثَلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع إن لم تُوثقه عَدَا عليك‏.‏

وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه اللّه في رسالته المشهورة قال‏: الصمتُ سلامةٌ وهو الأصل، والسكوتُ في وقته صفةُ الرجال؛ كما أن النطق في موضعه أشرفُ الخصال، قال‏: سمعت أبا عليّ الدقاق رضي اللّه عنه يقول‏: مَنْ سكتَ عن الحقّ فهو شيطانٌ أخرس‏.‏ قال‏: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السكوتَ فلِمَا علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظّ النفس وإظهار صفاتِ المدح، والميل إلى أن يتميزَ بين أشكاله بحسن النطق وغير هذا من الآفات، وذلك نعتُ أرباب الرياضة، وهو أحدُ أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق، ومما أنشدوه في هذا الباب‏:

احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ * لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ

كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه * قد كانَ هابَ لقاءَه الشجعانُ (١٧)

وقال الرِّيَاشِيُّ رحمه اللّه‏:

لعمرُك إنَّ في ذنبي لَشُغْلاً * لِنَفْسِي عن ذنوب بني أُمَيَّه

على ربِّي حِسَابُهمُ إليه * تَنَاهَى عِلمُ ذلكَ لا إِليَّهْ

وليسَ بضائري ما قَدْ أتوْهُ * إذا ما اللّه أصلحَ ما لديَّهْ