٥٦- باب الأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكرِ هذا الباب أهمُّ الأبواب، أو من أهمِّها لكثرة النصوص الواردة فيه، لعظم موقعه وشدّة الاهتمام به، وكثرة تساهل أكثر الناس فيه، ولا يمكن استقصاء ما فيه هنا لكن لا نخلّ بشيء من أصوله، وقد صنَّفَ العلماء فيه متفرّقات، وقد جمعتُ قطعةً منه في أوائل شرح صحيح مسلم، ونبّهت فيه على مهمات لا يُستغنى عن معرفتها، قال اللّه تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ؛ ويأْمرونَ بالمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَن المنكَر وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] وقال تعالى: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ} [الأعراف: ١٩٩] وقال تعالى: {وَالمُؤْمِنُونَ والمُؤْمناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ، يأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ المُنْكَرِ} [التوبة: ٧١] وقال تعالى: {كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: ٧٩] والآيات بمعنى ما ذكرته مشهورة. ٨٧٧- وروينا في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول قال: ”مَنْ رأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَم يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ". (٥٤) ٨٧٨- وروينا في كتاب الترمذي، عن حذيفة رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال قال: ”وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللّه تَعالى أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقاباً مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابَ لَكُمْ" قال الترمذي: حديث حسن. (٥٥) ٨٧٩- وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، بأسانيد صحيحةعن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال: يا أيّها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة: ١٠٥] وإني سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول قال: ”إِنَّ النَّاسَ إذَا رأوا الظَّالِمَ فَلَمْ يأخُذُوا على يَدَيْهِ أوْشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللّه بِعِقابٍ مِنْهُ". (٥٦) ٨٨٠- وروينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال قال: ”أفْضَلُ الجهادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عنْدَ سُلْطَانٍ جائرٍ"، قال الترمذي: حديث حسن. (٥٧) قلت: والأحاديثُ في الباب أشهر من أن تُذكر، وهذه الآية الكريمة مما يَغترّ بها كثير من الجاهلين ويحملونها على غير وجهها، بل الصواب في معناها: أنكم إذا فعلتم ما أُمرتم به فلا يَضرّكم ضَلالةُ مَن ضلّ. ومن جملة ما أمروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية قريبة المعنى من قوله تعالى: {ما على الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ} [العنكبوت: ١٨]. واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط وصفات معروفة ليس هذا موضع بسطها، وأحسنُ مظانّها إحياء علوم الدين، وقد أوضحتُ مهماتها في شرح مسلم، وباللّه التوفيق. |