٥- باب الدعاء والتضرّع والتكبير عند القتال واستنجاز اللّه ما وعد من نصر المؤمنين. قال اللّه عزّ وجلّ: {يا أيُّها الَّذين آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّه كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللّه مَعَ الصَّابِرِينَ. وَلا تَكُونُوا كالَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاء النَّاسِ وَيَصُدُونَ عَنْ سَبِيلِ اللّه} [الأنفال: ٤٥ـ٤٧] قال بعض العلماء هذه الآية الكريمة أجمع شيء جاء في آداب القتال. ٥١٤- وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو في قُبّته قال: ”اللّهمَّ إني أنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللّهمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ اليَوْمِ، فأخذ أبو بكر رضي اللّه عنه بيده فقال: حَسْبُكَ يا رسول اللّه! فقد أَلْحَحْتَ على ربِّك، فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأمَرُّ} [القمر: ٤٥ـ٤٦]" وفي رواية "كان ذلك يوم بدر" هذا لفظ رواية البخاري. وأما لفظ مسلم فقال قال: ”استقبل نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم القبلة ثم مَدَّ يديه فجعل يهتفُ بربه يقول قال: ”اللّهمَّ أنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللّهمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللّهمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ مِنْ أهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ، فما زال يهتف بربه مادّاً يديه حتى (٨) قلتُ: يَهتف بفتح أوله وكسر ثالثه ومعناه: يرفع صوته بالدعاء. ٥١٥- وروينا في صحيحيهما، عن عبد اللّه بن أبي أوفى رضي اللّه عنهما؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ـ في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ـ انتظر حتى مالتِ الشمسُ ثم قامَ في الناس فقال قال: ”أيُّها النَّاسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوّ ("لا تتمنّوا لقاء العدو" قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلمُ ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن) وَسَلُوا اللّه العافِيَةَ، فإذَا لَقيتُموهُم فاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ، ثم قال: اللّهمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحابِ، وَهازِم الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ" وفي رواية قال: ”اللّهمَّ مُنْزِلَ الكتابِ، سَرِيعَ الحِسابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللّهمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". (٩) ٥١٦- وروينا في صحيحيهما، عن أنس رضي اللّه عنه قال: صبَّحَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم خيبرَ، فلما رأوْه قالوا: محمد والخميس، فلجؤوا إلى الحصن، فرفعَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم يديه فقال قال: ”اللّه أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنا بِساحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ". (١٠) ٥١٧- وروينا بالإِسناد الصحيح، في سنن أبي داود، عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ”ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ ـ أوْ قَلَّما تُرَدَّانِ ـ الدُعاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ البأسِ حِينَ يُلْجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً" (١١) قلت: في بعض النسخ المعتمدة "يُلْحِمُ" بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر. ٥١٨- وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن أنس رضي اللّه عنه قال: كأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا غزا قال قال: ”اللّهمَّ أنْتَ عَضُدِي وَنَصيرِي، بِكَ أحُولُ وَبِكَ أصُولُ، وَبِكَ أُقاتِلُ". قال الترمذي: حديث حسن. قُلْتُ: معنى عَضُدِي: عوني. قال الخطابي: معنى أحول: أحتال. قال: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون معناه: المنع والدفع، من قولك: حال بين الشيئين: إذا منع أحدهما من الآخر، فمعناه: لا أمنعُ ولا أدفعُ إلا بك. (١٢) ٥١٩ وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه: أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا خافَ قوماً قال قال: ”اللّهمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ". (١٣) ٥٢٠- وروينا في كتاب الترمذي، عن عمارة بن زَعْكَرَةَ رضي اللّه عنه قال: سمعت رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول قال: ”إنَّ اللّه تَعالى يَقُولُ: إنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي، الَّذي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلاقٍ قِرْنَهُ" يعني عند القتال. قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ. (١٤) قلت: زَعْكَرة بفتح الزاي والكاف وإسكان العين المهملة بينهما. ٥٢١- وروينا في كتاب ابن السني، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم خيبَر "لا تَتَمَّنَّوْا لِقَاءَ العَدُوّ، فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ ما تُبْتَلوْ بِهِ مِنْهُمْ، فإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَقُولُوا: اللّهمَّ أنْتَ رَبُّنا وَرَبُّهُمْ، وَقُلُوبُنا وَقُلُوبُهُمْ بِيَدِكَ، وإنَّمَا يَغْلِبُهُمْ أنْتَ". (١٥) ٥٢٢- وروينا في الحديث الذي قدّمناه عن كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه قال: كنّا مع النبيِّ صلى اللّه عليه وسلم في غزوةٍ فلقيَ العَدُوَّ، فسمعتُه يقول قال: ”يا مالك يَوْمِ الدّينِ، إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ" فلقد رأيتُ الرِّجالَ تُصرَع تضربُها الملائكةُ من بين أيديها ومن خلفها.(١٦) ٥٢٣-وروى الإِمام الشافعي رحمه اللّه في "الأمّ" (١٧) بإسناد مُرسل، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال قال: ”اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعاءِ عِنْدَ الْتِقاءِ الجُيُوشِ، وإقامَةِ الصَّلاةِ، وَنُزُولِ الغَيْثِ". قلت: ويستحبّ استحباباً متأكداً أن يقرأ ما تيسر له من القرآن، وأن يقول دعاء الكرب الذي قدَّمنا ذكره، وأنه في الصحيحين (١٨) "لا إِلهَ إِلاَّ اللّه العَظيمُ الحَليمُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّه رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللّه رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ". ويقول ما قدَّمناه هناك في الحديث الآخَر "لا إِلهَ إِلاَّ اللّه الحَلِيمُ الكَريمُ، سُبْحان اللّه رَبّ السَّمَوَاتِ السَّبْع وَرَبّ العَرْشِ العَظيم، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ عَزَّ جارُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ". ويقول: ما قدَّمناه في الحديث الآخر "حَسْبُنا اللّه وَنِعْمَ الوَكِيلُ". ويقول قال: ”لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللّه العَزيزِ الحَكيم، ما شاء اللّه لا قُوَّةَ إِلاَّ باللّه، اعْتَصَمْنا باللّه، اسْتَعَنَّا باللّه، تَوَكَّلْنا على اللّه". ويقول قال: ”حَصَّنْتُنا كُلَّنا أجْمَعِينَ بالحَيّ القَيُّومِ الَّذي لا يَمُوتُ أَبَدَاً، وَدَفَعْتُ عَنَّا السُّوءَ بلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللّه العَليّ العَظيمِ". ويقول قال: ”يا قَدِيمَ الإِحْسانِ! يا مَنْ إحْسانُهُ فَوْقَ كُلّ إِحْسان! يا مالك الدُّنْيا والآخِرَةِ! يا حَيّ يا قَيُّومَ! يا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ! يا مَنْ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلا يَتَعاظَمُهُ! انْصُرْنا على أعْدَائنا هَؤُلاءِ وَغَيْرِهِمْ، وأظْهِرْنا عَلَيْهِمْ فِي عافِيَةٍ وَسلامَةٍ عامَّة عاجلاً" فكلُّ هذه المذكورات جاء فيها حثٌّ أكيد، وهي مجرَّبة. |