١٩- فصل: في زيارة قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأذكارها. اعلم أنه ينبغي لكل من حجّ أن يتوجه إلى زيارة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن، فإن زيارته صلى اللّه عليه وسلم من أهمّ القربات وأربح المساعي (٣٢) وأفضل الطلبات، فإذا توجَّه للزيارة أكثرَ من الصلاة عليه صلى اللّه عليه وسلم في طريقه، فإذا وقعَ بصرُه على أشجار المدينة وحَرمِها وما يَعرفُ بها زاد من الصلاة والتسليم عليه صلى اللّه عليه وسلم، وسألَ اللّه تعالى أن ينفعَه بزيارته صلى اللّه عليه وسلم، وأن يُسعدَه بها في الدارين، وليقلْ: اللّهمَّ افْتَحْ عَليَّ أبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَارْزُقْنِي في زِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ صلى اللّه عليه وسلم ما رزقْتَهُ أوْلِياءَكَ وأهْلَ طَاعَتِكَ واغْفِرْ لي وارْحمنِي يا خَيْرَ مَسْؤُول. وإذا أراد دخول المسجد استحبّ أن يقولَ ما يقوله عند دخول باقي المساجد، وقد قدّمناه في أول الكتاب، فإذا صلّى تحية المسجد أتى القبر الكريم فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربع أذرع من جدار القبر، وسلَّم مقتصداً لا يرفع صوته، فيقول قال: ”السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللّه! السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيرَةَ اللّه مِنْ خَلْقِهِ! السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللّه! السَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ! السَّلامُ عَلَيْكَ وَعلى آلِكَ وأصْحابِكَ وأهْلِ بَيْتِكَ وَعَلى النَّبيِّينَ وَسائِرِ الصَّالِحِينَ؛ أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ، وأدَّيْتَ الأمانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمَّةَ، فَجَزَاكَ اللّه عَنَّا أفْضَلَ مَا جَزَى رَسُولاً عَنْ أُمَّتِهِ" (٣٣) وإن كان قد أوصاه أحدٌ بالسَّلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: السَّلام عليك يا رسولَ اللّه من فلان بن فلان! ثم يتأخرَ قدر ذراع إلى جهة يمينه فيُسلِّم على أبي بكر، ثم يتأخرُ ذراعاً آخرَ للسلام على عُمر رضي اللّه عنهما، ثم يرجعُ إلى موقفه الأول قُبالة وجهِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيتوسلُ به في حقّ نفسه، ويتشفعُ به إلى ربه سبحانه وتعالى، ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومَن أحسنَ إليه وسائر المسلمين، وأن يَجتهدَ في إكثار الدعاء، ويغتنم هذا الموقف الشريف ويحمد اللّه تعالى ويُسبِّحه ويكبِّره ويُهللّه ويُصلِّي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويُكثر من كل ذلك، ثم يأتي الروضةَ بين القبر والمنبر، فيُكثر من الدعاء فيها. ٥٠٦- فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما بَيْنَ قبري وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ". (٣٤) وإذا أراد الخروج من المدينة والسفرَ استحبّ أن يُودِّع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحبّ، ثم يأتي القبر فيُسلّم كما سلَّم أوّلاً، ويُعيد الدعاء، ويُودّع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ويقول قال: ”اللّهمَّ لا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ العَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِكَ، وَيَسِّرْ لي العَوْدَ إِلى الحَرَمَيْنِ سَبِيلاً سَهْلَةً بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ، وَارْزقْنِي العَفْوَ والعَافِيةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وَرُدَّنا سالِمِينَ غانِمِينَ إلى أوْطانِنا آمِنِينَ فهذا آخرُ ما وفّقني اللّه بجمعه من أذكار الحجّ. وهي وإن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب فهي مختصرة بالنسبة إلى ما نحفظه فيه، واللّه الكريم نسأل أن يوفِّقنا لطاعته، وأن يجمعَ بيننا وبين إخواننا في دار كرامته. وقد أوضحت في كتاب المناسك ما يتعلَّق بهذه الأذكار من التتمّات والفروع الزائدات، واللّه أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة والتوفيق والعصمة. وعن العُتْبيّ (٣٥) قال: كنتُ جالساً عند قبر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فجاء أعرابيٌّ فقال: السلام عليك يا رسول اللّه! سمعتُ اللّه تعالى يقول: {وَلَوْ أنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللّه واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لوَجَدُوا اللّه تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء: ٦٤] وقد جئتُك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول: يا خيرَ مَنْ دُفنتْ بالقاع أعظُمُه * فطابَ من طيبهنَّ القَاعُ والأكمُ نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُهُ * فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ قال: ثم انصرفَ، فحملتني عيناي فرأيت النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم في النوم فقال لي: يا عُتْبيّ، الحقِ الأعرابيَّ فبشِّره بأن اللّه تعالى قد غفر له. |