Geri

   

 

 

İleri

 

اعلم أن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، والمطلوب القراءة بالتدبر، وللقراءة آدابٌ ومقاصد، وقد جمعت قبل هذا فيها كتاباُ مختصراً‏ (١) ‏مشتملاً على نفائس من آداب القرّاء والقراءة وصفاتها وما يتعلق بها، لا ينبغي لحامل القرآن أن يخفى عليه مثله، وأنا أُشِيرُ في هذا الكتاب إلى مقاصدَ من ذلك مختصرة، وقد دللتُ من أراد ذلك وإيضاحه على مظنته، وباللّه التوفيق‏.‏

فصل‏: ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، وقد كانت للسلف رضي اللّه عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه، فكان جماعةٌ منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليالٍ ختمة، وآخرون في كل سبع ليالٍ ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السلف، وآخرون في كل ستّ ليال، وآخرون في خمس، وآخرون في أربع، وكثيرون في كل ثلاث، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين‏.‏ وآخرون في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وختم بعضهم في اليوم والليلة ثماني ختمات‏: أربعاً في الليل، وأربعاً في النهار‏: وممّن ختم أربعاً في الليل وأربعاً في النهار السيد الجليل ابن الكاتب الصوفي‏ (٢) ‏رضي اللّه عنه، وهذا أكثر ما بلغنا في اليوم والليلة‏.‏

وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زاذان بن عباد التابعي رضي اللّه عنه أنه كان يختم القرآن ما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئاً، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل‏.‏

وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أنّ مجاهداً رحمه اللّه كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء‏.‏

وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم، فمنهم عثمان بن عفان، وتميم الدّاري، وسعيد بن جبير‏.‏

والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم أو فصل الحكومات بين المسلمين أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامَّة للمسلمين، فليقتصر على قدر لا يحصل له بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوت كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثْر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل أو الهذرمة في القراءة‏.‏

وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدلّ عليه‏:

٢٨٣- ما

رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال‏: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:

‏"‏لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرأ القُرآنَ فِي أقَلّ مِنْ ثَلاثٍ‏"‏‏.‏

وأما وقت الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارىء، فإن كان ممّن يختم في الأسبوع مرّة، فقد كان عثمان رضي اللّه عنه يبتدىء ليلة الجمعة ويختم ليلة الخميس، وقال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء‏:

الأفضل أن يختم ختمة بالليل، وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أوّل النهار وآخره‏.‏

وروى ابن أبي داود عن عمرو بن مرّة التابعي الجليل رضي اللّه عنه قال‏:

كانوا يحبّون أن يختم القرآن من أوّل الليل أو من أوّل النهار‏.‏ وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل الإِمام قال‏:

من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلّتْ عليه الملائكةُ حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلَّت عليه الملائكةُ حتى يُصبح‏.‏ وعن مجاهد نحوه‏.‏‏ (٣)

٢٨٤- وروينا في مسند الإِمام المجمع على حفظه وجلالته وإتقانه وبراعته أبي محمد الدارمي رحمه اللّه، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال‏:

إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يُمسي‏.‏ قال الدارمي‏: هذا حسن عن سعد‏.‏‏ (٤)

١- فصل‏: في الأوقات المختارة للقراءة،

اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وآخرين رحمهم اللّه‏:

أن تطويلَ القيام في الصلاة بالقراءة أفضلُ من تطويل السجود وغيره‏.‏

وأما القراءةُ في غير الصلاة فأفضلُها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأول، والقراءةُ بين المغرب والعشاء محبوبة‏.‏

وأما قراءةُ النهار فأفضلُها ما بعد صلاة الصبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة‏.‏

وأما ما حكاه ابن أبي داود رحمه اللّه عن مُعان بن رفاعة رحمه اللّه عن مشيخته‏ (٥)  أنهم كرهوا القراءة بعدَ العصر وقالوا‏: إنها دراسة يهود، فغير مقبول ولا أصل له، ويختار من الأيام‏: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عَرَفَة؛ ومن الأعشار‏: العشر الأول من ذي الحجة والعشر الأخير من رمضان؛ ومن الشهور‏: رمضان‏.‏