الكتاب الأولفي شرح القواعد الخمس التي ذكر الأصحاب أن جميع مسائل الفقه ترجع إليها حكى القاضي أبو سعيد الهروي أن بعض أئمة الحنفية بهراة بلغه أن الإمام أبا طاهر الدباس إمام الحنفية بما وراء النهر رد جميع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة فسافر إليه وكان أبو طاهر ضريرا وكان يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه فالتف الهروي بحصير وخرج الناس وأغلق أبو طهر المسجد وسرد من تلك القواعد سبعا فحصلت للّهروي سعلة فأحس به أبو طاهر فضربه وأخرجه من المسجد ثم لم يكررها فيه بعد ذلك فرجع الهروي إلى أصحابه وتلا عليهم تلك السبع قال القاضي أبو سعيد فلما بلغ القاضي حسينا ذلك رد جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد الأولى اليقين لا يزال بالشك وأصل ذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول له أحدثت فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا والثانية المشقة تجلب التيسير قال تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج وقال صلى اللّه عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة الثالثة الضرر يزال وأصلها قوله صلى اللّه عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار الرابعة العادة محكمة لقوله صلى اللّه عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن انتهى (١/٧) قال بعض المتأخرين في كون هذه الأربع دعائم الفقه كله نظر فإن غالبه لا يرجع إليها إلا بواسطة وتكلف وضم بعض الفضلاء إلى هذه قاعدة خامسة وهي الأمور بمقاصدها لقوله صلى اللّه عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وقال بني الإسلام على خمس والفقه على خمس قال العلائي وهو حسن جدا فقد قال الإمام الشافعي يدخل في هذا الحديث ثلث العلم وقال الشيخ تاج الدين السبكي التحقيق عندي أنه إن أريد رجوع الفقه إلى خمس بتعسف وتكلف وقول حملي فالخامسة داخلة في الأولى بل رجع الشيخ عز الدين بن عبدالسلام الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد بل قد يرجع الكل إلى اعتبار المصالح فإن درء المفاسد من جملتها ويقال على هذا واحدة من هؤلاء الخمس كافية والأشبه أنها الثالثة وإن أريد الرجوع بوضوح فإنها تربو على الخمسين بل على المئين اه وها أنا أشرح هذه القواعد وأبين ما فيها من النظائر القاعدة الأولى الأمور بمقاصدها فيها مباحث ( الأول ) الأصل في هذه القاعدة قوله صلى اللّه عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وهذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب والعجب أن مالكا لم يخرجه في الموطأ وأخرجه ابن الأشعث في سننه من حديث علي بن أبي طالب والدارقطني في غرائب مالك وأبو نعيم في الحلية من حديث أبي سعيد الخدري وابن عساكر في أماليه من حديث أنس كلهم بلفظ واحد وعند البيهقي في سننه من حديث أنس لا عمل لمن لا نية له وفي مسند الشهاب من حديثه نية المؤمن خير من عمله وهو بهذا اللفظ في معجم الطبراني الكبير من حديث سهل بن سعد والنواس بن سمعان وفي مسند الفردوس للديلمي من حديث أبي موسى وفي الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللّه إلا أجرت فيها حتى ما تجعل في في امرأتك ومن حديث ابن عباس ولكن جهاد ونية وفي مسند أحمد من حديث ابن مسعود رب قتيل بين الصفين اللّه أعلم بنيته وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة وجابر بن عبداللّه يبعث الناس على نياتهم وفي السنن الأربعة من حديث عقبة بن عامر إن اللّه يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة وفيه وصانعه يحتسب في صنعته الأجر وعند النسائي من حديث أبي ذر من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى وفي معجم الطبراني من حديث صهيب (١/٨) أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها من صداقها شيئا مات يوم يموت وهو زان وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن وفيه أيضا من حديث أبي أمامة من ادان دينا وهو ينوي أن يؤديه أداه اللّه عنه يوم القيامة ومن ادان دينا وهو ينوي أن لا يؤديه فمات قال اللّه يوم القيامة ظننت أني لا آخذ لعبدي بحقه فيؤخذ من حسناته فتجعل في حسنات الآخر فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فجعلت عليه المبحث الثاني فيما يرجع إلى هذه القاعدة من أبواب الفقه اعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية قال أبو عبيدة ليس في أخبار النبي صلى اللّه عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منهواتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي وابن المديني وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم ومنهم من قال ربعه ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها ومن ثم ورد نية المؤمن خير من عمله وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده فإنه قال أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث الأعمال بالنية وحديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ١ وحديث الحلال بين والحرام بين وقال أبو داود مدار السنة على أربعة أحاديث حديث الأعمال بالنيات وحديث من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه وحديث الحلال بين والحرام بين وحديث إن اللّه طيب لا يقبل إلا طيبا وفي لفظ عنه يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث فذكرها وذكر بدل الأخير حديث لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه وعنه أيضا الفقه يدور على خمسة أحاديث الأعمال بالنيات و الحلال بين و لا ضرر ولا ضرار و ما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم ٢ وقال الدارقطني أصول الأحاديث أربعة الأعمال بالنيات و من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه و الحلال بين و ازهد في الدنيا يحبك اللّه وحكى الخفاف من أصحابنا في كتاب الخصال عن ابن مهدي وابن المديني أن مدار الأحاديث على أربعة الأعمال بالنيات و لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث و بني الإسلام على خمس و والبينة على المدعي واليمين على من أنكر وقال ابن مهدي أيضا حديث النية يدخل في ثلاثين بابا من العلم وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا قلت وهذا ذكر ما يرجع إليه من الأبواب إجمالا من ذلك ربع العبادات بكماله كالوضوء والغسل فرضا ونفلا ومسح الخف في مسئلة (١/٩) الجرموق إذا مسح الأعلى وهو ضعيف فينزل البلل إلى الأسفل والتيمم وإزالة النجاسة على رأي وغسل الميت على رأي والأواني في مسألة الضبة بقصد الزينة أو غيرها والصلاة بأنواعها فرض عين وكفاية وراتبة وسنة ونفلام مطلقا والقصر والجمع والإمامة والاقتداء وسجود التلاوة والشكر وخطبة الجمعة على أحد الوجهين والأذان على رأي وأداء الزكاة واستعمال الحلي أو كنزه والتجارة والقنية والخلطة على رأي وبيع المال الزكوي وصدقة التطوع والصوم فرضا ونفلا والاعتكاف والحج والعمرة كذلك والطواف فرضا واجبا وسنة والتحلل للمحصر والتمتع على رأي ومجاوزة الميقات والسعي والوقوف على رأي والفداء والهدايا والضحايا فرضا ونفلا والنذور والكفارات والجهاد والعتق والتدبير والكتابة والوصية والنكاح والوقف وسائر القرب بمعنى توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها إلى اللّه تعالى وكذلك نشر العلم تعليما وإفتاء وتصنيفا والحكم بين الناس وإقامة الحدود وكل ما يتعاطاه الحكام والولاة وتحمل الشهادات وأداؤها بل يسري ذلك إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوي على العبادة أو التوصل إليها كالأكل والنوم واكتساب المال وغير ذلك وكذلك النكاح والوطء إذا قصد به إقامة السنة أو الإعفاف أو تحصيل الولد الصالح وتكثير الأمة ويندرج في ذلك ما لا يحصى من المسائل ومما تدخل فيه من العقود ونحوها كنايات البيع والهبة والوقف والقرض والضمان والإبراء والحوالة والإقالة والوكالة وتفويض القضاء والإقرار والإجارة والوصية والعتق والتدبير والكتابة والطلاق والخلع والرجعة والإيلاء والظهار والأيمان والقذف والأمان ويدخل أيضا فيها في غير الكنايات في مسائل شتى كقصد لفظ الصريح لمعناه ونية المعقود عليه في المبيع والثمن وعوض الخلع والمنكوحة ويدخل في بيع المال الربوي ونحوه وفي النكاح إذا نوى ما لو صرح به بطل وفي القصاص في مسائل كثيرة منها تمييز العمد وشبهه من الخطأ ومنها إذا قتل الوكيل في القصاص إن قصد قتله عن الموكل أو قتله بشهوة نفسه وفي الردة وفي السرقة فيما إذا أخذ آلات الملاهي بقصد كسرها وإشهارها أو بقصد سرقتها وفيما إذا أخذ الدائن مال المدين بقصد الاستيفاء أو السرقة فلا يقطع في الأول ويقطع في الثاني وفي أداء الدين فلو كان عليه دينان لرجل بأحدهما رهن فأدى أحدهما ونوى به دين الرهن انصرف إليه والقول قوله في نيته وفي اللقطة يقصد الحفظ أو التمليك وفيما لو أسلم على أكثر من أربع فقال فسخت نكاح هذه فإن نوى به الطلاق كان تعيينا لاختيار النكاح وإن نوى الفراق أو طلق حمل على اختيار الفراق وفيما لو وطئ أمة بشبهة وهو يظنها زوجته الحرة فإن الولد ينقعد حرا وفيما لو تعاطى فعل شيء مباح له وهو يعتقد عدم حله كمن وطئ امرأة يعتقد أنها (١/١٠) أجنبية وأنه زان بها فإذا هي حليلته أو قتل من يعتقده معصوما فبان أنه يستحق دمه أو أتلف مالا لغيره فبان ملكه قال الشيخ عز الدين يجري عليه حكم الفاسق لجرأته على اللّه لأن العدالة إنما شرطت لتحصل الثقة بصدقه وأداء الأمانة وقد انخرمت الثقة بذلك لجرأته بارتكاب ما يعتقده كبيرة قال وأما مفاسد الآخرة فلا يعذب تعذيب زان ولا قاتل ولا آكل مالا حراما لأن عذاب الآخرة مرتب على ترتب المفاسد في الغالب كما أن ثوابها مرتب على ترتب المصالح في الغالب قال والظاهر أنه لا يعذب تعذيب من ارتكب صغيرة لأجل جرأته وانتهاك الحرمة بل عذابا متوسطا بين الصغيرة والكبيرة وعكس هذا من وطئ أجنبية وهو يظنها حليلة له لا يترتب عليه شيء من العقوبات المؤاخذات المترتبة على الزاني اعتبار بنيته ومقصده وتدخل النية أيضا في عصير العنب بقصد الخلية والخمرية وفي الهجر فوق ثلاثة أيام فإنه حرام إن قصد الهجر وإلا فلا ونظيره أيضا ترك الطيب والزينة فوق ثلاثة أيام لموت غير الزوج فإنه إن كان بقصد الإحداد حرم وإلا فلا وتدخل أيضا في نية قطع السفر وقطع القراءة في الصلاة وقراءة القرآن جنبا بقصده أو بقصد الذكر وفي الصلاة بقصد الإفهام وفي غير ذلك وفي الجعالة إذا التزم جعلا لمعين فشاركه غيره في العمل إن قصد إعانته فله كل الجعل وإن قصد العمل للمالك فله قسطه ولا شيء للمشارك وفي الذبائح فهذه سبعون بابا أو أكثر دخلت فيها النية كما ترى فعلم من ذلك فساد قول من قال إن مراد الشافعي بقوله تدخل في سبعين بابا من العلم المبالغة وإذا عددت مسائل هذه الأبواب التي للنية فيها مدخل لم تقصر عن أن تكون ثلث الفقه أو ربعه وقد قيل في قوله صلى اللّه عليه وسلم نية المؤمن خير من عمله أن المؤمن يخلد في الجنة وإن أطاع اللّه مدة حياته فقط لأن نيته أنه لو بقي أبد الآباد لاستمر على الإيمان فجوزي على ذلك بالخلود في الجنة كما أن الكافر يخلد في النار وإن لم يعص اللّه إلا مدة حياته فقط لأن نيته الكفر ما عاش (١/١١) المبحث الثالث فيما شرعت النية لأجله المقصود الأهم منها تمييز العبادات من العادات وتمييز رتب العبادات بعضها من بعض كالوضوء والغسل يتردد بين التنظف والتبرد والعبادة والإمساك عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوي أو لعدم الحاجة إليه والجلوس في المسجد قد يكون للاستراحة ودفع المال للغير قد يكون هبة أو وصلة لغرض دنيوي وقد يكون قربة كالزكاة والصدقة والكفارة والذبح قد يكون بقصد الأكل وقد يكون للتقرب بإراقة الدماء فشرعت النية لتمييز القرب من غيرها وكل من الوضوء والغسل والصلاة والصوم ونحوها قد يكون فرضا ونذرا ونفلا والتيمم قد يكون عن الحدث أو الجنابة وصورته واحدة فشرعت لتمييز رتب العبادات بعضها من بعض ومن ثم ترتب على ذلك أمور أحدها عدم اشتراط النية في عبادة لا تكون عادة أو لا تلتبس بغيرها كالإيمان باللّه تعالى والمعرفة والخوف والرجاء والنية وقراءة القرآن والأذكار لأنها متميزة بصورتها نعم يجب في القراءة إذا كانت منذورة لتمييز الفرض من غيره نقله القمولي في الجواهر عن الروياني وأقره وقياسه إن نذر الذكر والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم كذلك نعم إن نذر الصلاة عليه كلما ذكر فالذي يظهر لي أن ذلك لا يحتاج إلى نية لتميزه بسببه وأما الأذان فالمشهور أنه لا يحتاج إلى نية وفيه وجه في البحر وكأنه رأى أنه يستحب لغير الصلاة كما سيأتي فأوجب فيه النية للتمييز وأما خطبة الجمعة ففي اشتراط نيتها والتعرض للفرضية فيها خلاف في الشرح والروضة بلا ترجيح وفي الكفاية أنه مبني على أنها بمثابة ركعتين ومقتضاه ترجيح أنها شرط وجزم به الأذرعي في التوسط وعندي خلافه بل يجب أن لا يقصد غيرها وأما التروك كترك الزنا وغيره فلم يحتج إلى نية لحصول المقصود منها وهو اجتناب المنهي بكونه لم يوجد وإن يكن نية نعم يحتاج إليها في حصول الثواب المترتب على الترك ولما ترددت إزالة النجاسة بين أصلين الأفعال من حيث إنها فعل والتروك من حيث إنها قريبة منها جرى في اشتراط النية خلاف ورجح الأكثرون عدمه تغليبا لمشابهة التروك ونظير ذلك أيضا غسل الميت والأصح فيه أيضا عدم الاشتراط لأن القصد منه التنظيف كإزالة النجاسة ونظيره أيضا نية الخروج من الصلاة هل تشترط والأصح لا قال الإمام لأن النية إنما تليق بالإقدام لا بالترك (١/١٢) ونظيره أيضا صوم التمتع والقران هل يشترط فيه نية التفرقة والأصح لا لأنها حاصلة بدونها ونظيره أيضا نية التمتع هل تشترط في وجوب الدم والأصح لا لأنه متعلق بترك الإحرام للحج من الميقات وذلك موجود بدونها ونظيره أيضا نية الخلطة هل تشترط والأصح لا لأنها إنما أثرت في الزكاة للاقتصار على مؤنة واحدة وذلك حاصل بدونها ومقابل الأصح في الكل راعى جانب العبادات فقاس غسل الميت على غسل الجنابة والتمتع على الجمع بين الصلاتين فإنه جمع بين نسكين ولهذا جرى في وقت نيته الخلاف في وقت نية الجمع وفي الجمع وجه أنه لا يشترط فيه النية واختاره البلقيني قال لأنه ليس بعمل وإنما العمل الصلاة وصورة الجمع حاصلة بدون نية ولهذا لا تجب في جمع التأخير نعم يجب فيه أن يكون التأخير بنية الجمع ويشترط كون هذه النية في وقت الأولى بحيث يبقى من وقتها بقدر ما يسعها فإن أخر بغير نية الجمع حتى خرج الوقت أو ضاق بحيث لا يسع الفرض عصى وصارت الأولى قضاء هكذا جزم به الأصحاب ويقرب منه ما ذكر النووي في شرح المهذب والتحقيق أن الأصح في الصلاة وفي كل واجب موسع إذا لم يفعل في أول الوقت أنه لا بد عند التأخير من العزم على فعله في أثناء الوقت والمعروف في الأصول خلاف ذلك وقد جزم ابن السبكي في جمع الجوامع بأنه لا يجب العزم على المؤخر وأورد عليه ما ذكره منووي فيما تقدم فأجاب في منع الموانع بأن مثل هذا لا يؤخذ من التحقيق ولا من شرح المهذب وأن القول بالوجوب لا يعرف إلا عن القاضي ومن تبعه قال ولولا جلالة القاضي لقلت إن هذا من أفحش الأقوال ولولا أني وجدته منصوصا في كلامه منقولا في كلام الأثبات عنه لجوزت الزلل على الناقل لسفاهة هذا القول في نفسه وهو قول مهجور في هذه الملة الإسلامية أعتقد أنه خارق لإجماع المسلمين ليس لقائله شبهة يرتضيها محقق وهو معدود من هفوات القاضي ومن العظائم في الدين فإنه إيجاب بلا دليل انتهى ضابط قال بعضهم ليس لنا عبادة يجب العزم عليها ولا يجب فعلها سوى الفار من الزحف لا يجوز إلا بقصد التحيز إلى فئة وإذا تحيز إليها لا يجب القتال معها في الأصح لأن العزم مرخص له في الانصراف لا موجب للرجوع (١/١٣) الأمر الثاني اشتراط التعيين فيما يلتبس دون غيره قال في شرح المذهب ودليل ذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم وإنما لكل امرئ ما نوى فهذا ظاهر في اشتراط التعيين لأن أصل النية فهم من أول الحديث إنما الأعمال بالنيات فمن الأول الصلاة فيشترط التعيين في الفرائض لتساوي الظهر والعصر فعلا وصورة فلا يميز بينهما إلا التعيين وفي النوافل غير المطلقة كالرواتب فيعينها بإضافتها إلى الظهر مثلا وكونها التي قبلها أو التي بعدها كما جزم به في شرح المهذب والعيدين فيعينهما بالفطر والنحر وقال الشيخ عز الدين ينبغي أن لا يجب التعرض لذلك لأنهما يستويان في جميع الصفات فيلحق بالكفارات والتراويح والضحى والوتر والكسوف والاستسقاء فيعينها بما اشتهرت به هذا ما ذكر في الروضة وأصلها وشرح المهذب في باب صفة الصلاة وبقي نوافل أخر منها ركعتا الإحرام والطواف قال في المهمات وقد نقل في الكفاية عن الأصحاب اشتراط التعيين فيهما وصرح بركعتي الطواف النووي في تصحيح التنبيه وعدها فيما يجب فيه التعيين بلا خلاف قلت وصرح بركعتي الإحرام في المناسك ومنها التحية فنقل في المهمات عن الكفاية أنها تحصل بمطلق الصلاة ولا يشترط فيها التعيين بلا شك وقال في شرح المنهاج فيه نظر لأن أقلها ركعتان ولم ينوهما إلا أن يريد الإطلاق مع التقييد بركعتين ومنها سنة الوضوء قال في المهمات ويتجه إلحاقها بالتحية وقد صرح بذلك الغزالي في الإحياء قلت المجزوم به في الروضة في آخر باب الوضوء خلاف ذلك وأما الغزالي فإنه أنكر في الإحياء سنة الوضوء أصلا ورأسا ومنها صلاة الاستخارة والحاجة ولا شك في اشتراط التعيين فيهما ولم أر من تعرض لذلك لكن قال النووي في الأذكار الظاهر أن الاستخارة تحصل بركعتين من السنن الرواتب وبتحية المسجد وبغيرها من النوافل قلت فعلى هذا يتجه إلحاقها بالتحية في عدم اشتراط التعيين ومثلها صلاة الحاجة ومنها سنة الزوال وهي أربع ركعات تصلى بعده لحديث ورد بها وذكرها المحاملي في الكتاب وغيره والمتجه أنها كسنة الوضوء فإن قلنا باشتراط التعيين فيها فكذا هنا وإلا فلا لأن المقصود إشغال ذلك الوقت بالعبادة كما أشار إليه النبي (١/١٤) صلى اللّه عليه وسلم حيث قال إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح ومنها صلاة التسبيح والقتل ولا شك في اشتراط التعيين في الأولى وإن كانت ليست ذات وقت ولا سبب وأما الثانية فلها سبب متأخر كالإحرام فيحتمل اشتراط التعيين فيها ويحتمل خلافه ومنها صلاة الغفلة بين المغرب والعشاء والصلاة في بيته إذا أراد الخروج لسفر والمسافر إذا نزل منزلا وأراد مفارقته يستحب أن يودعه بركعتين والظاهر في الكل عدم اشتراط التعيين لأن المقصود إشغال الوقت أو المكان بالصلاة كالتحية ولم أر من تعرض لذلك كله ومن ذلك الصوم والمذهب المنصوص الذي قطع به الأصحاب اشتراط التعيين فيه لتمييز رمضان من القضاء والنذر والكفارة والفدية وعن الحليمي وجه أنه لا يشترط في رمضان قاله النووي وهو شاذ مردود نعم لا يشترط تعيين السنة على المذهب ونظيره في الصلاة أنه لا يشترط تعيين اليوم لا في الأداء ولا في القضاء فيكفي فيه فائتة الظهر ولا يشترط أن يقول يوم الخميس وقياس ما تقدم في النوافل المرتبة اشتراط التعيين في رواتب الصوم كصوم عرفة وعاشوراء وأيام البيض وقد ذكره في شرح المهذب بحثا ولم يقف على نقل فيه وهو ظاهر إذا لم نقل بحصولها بأي صوم كان كالتحية كما سيأتي عن البارزي ومثل الرواتب في ذلك الصوم ذو السبب وهو الأيام المأمور بها في الاستسقاء ومن الثاني أعني مالا يشترط فيه التعيين الطهارات والحج والعمرة لأنه لو عين غيرها انصرف إليها وكذا الزكاة والكفارات ضابط قال الشيخ في المهذب كل موضع افتقر إلى نية الفريضة افتقر إلى تعيينها إلا التيمم للفرض في الأصح قاعدة وما لا يشرتط التعرض له جملة وتفصيلا إذا عينه وأخطأ لم يضر كتعيين مكان الصلاة وزمانها وكما إذا عين الإمام من يصلي خلفه أو صلى في الغيم أو صام الأسير ونوى الأداء والقضاء فبان خلافه وما يشترط فيه التعيين فالخطأ فيه مبطل كالخطأ هن الصوم إلى الصلاة وعكسه ومن صلاة الظهر إلى العصر وما يجب التعرض له جملة ولا يشترط تعيينه تفصيلا إذا عينه وأخطأ ضر وفي ذلك فروع (١/١٥) أحدها نوى الاقتداء بزيد فبان عمرا لم يصح الثاني نوى الصلاة على زيد فبان عمرا أو على رجل فكان امرأة أو عكسه لم تصح ومحله في الصورتين مالم يشر كما سيأتي في مبحث الإشارة وقال السبكي في الصورة الأولى ينبغي بطلان نية الاقتداء لا نية الصلاة ثم إذا تابعه خرج على متابعة من ليس بإمام بل ينبغي هنا الصحة وجعل ظنه عذرا وتابعه في المهمات على هذا البحث وأجيب بأنه قد يقال فرض المسئلة حصول المتابعة فإن ذلك شأن من ينوي الاقتداء والأصح في متابعة من ليس بإمام البطلان الثالث لا يشترط تعيين عدد الركعات فلو نوى الظهر خمسا أو ثلاثا لم يصح لكن قال في المهمات إنما فرض الرافعي المسئلة في العلم فيؤخذ منه أنه لا يؤثر عند الغلط قلت ذكر النووي المسألة في شرح المهذب في باب الوضوء وفرضها في الغلط فقال ولو غلط في عدد الركعات فنوى الظهر ثلاثا أو خمسا قال أصحابنا لا يصح ظهره هذه عبارته ويؤيده تعليله البطلان في باب الصلاة بتقصيره ونظير هذه المسئلة من صلى على موتى لا يجب تعيين عددهم ولا معرفته فلو اعقتدهم عشرة فبانوا أكثر أعاد الصلاة على الجميع لأن فيهم من لم يصل عليه وهو غير معين قاله في البحر قال وإن بانوا أقل فالأظهر الصحة ويحتمل خلافه لأن النية قد بطلت في الزائد لكونه معدوما فتبطل في الباقي الرابع نوى قضاء ظهر يوم الاثنين وكان عليه ظهر يوم الثلاثاء لم يجزئه الخامس نوى ليلة الاثنين صوم يوم الثلاثاء أو في سنة أربع صوم رمضان سنة ثلاث لم يصح بلا خلاف السادس عليه قضاء يوم الأول من رمضان فنوى قضاء اليوم الثاني لم يجزئه على الأصح السابع عين زكاة ماله الغائب فكان تالفا لم يجزئه عن الحاضر الثامن نوى كفارة الظهار فكان عليه كفارة قتل لم يجزئه التاسع نوى دينا وبان أنه ليس عليه لم يقع عن غيره ذكره السبكي وخرج عن ذلك صور منها أو نوى رفع حدث النوم مثلا وكان حدثه غيره أو رفع جنابة الجماع وجنابته باحتلام أو عكسه أو رفع حدث الحيض وحدثها الجنابة أو عكسه خطأ لم يضر وصح الوضوء والغسل في الأصح واعتذر عن خروج ذلك عن القاعدة بأن النية في الوضوء والغسل ليست للقربة بل (١/١٦) للتمييز بخلاف تعيين الإمام والميت مثلا وبأن الأحداث وإن تعددت أسبابها فالمقصود منها واحد وهو المنع من الصلاة ولا أثر لأسبابها من نوم أو غيره ومنها ما لو نوى المحدث رفع الأكبر غالطا فإنه يصح كما ذكره في شرح المهذب ولم يستحضره الأسنوي ومن تابعه فنقلوه عن المحب الطبري وعبارة شرح المهذب لو نوى المحدث غسل أعضائه الأربعة عن الجنابة غلطا ظانا أنه جنب صح وضوءه وأما عكسه وهو أن ينوي الجنب رفع الأصغر غلطا فالأصح أنه يرتفع عن الوجه واليدين والرجلين فقط دون الرأس لأن فرضها في الأصغر المسح فيكون هو المنوي دون الغسل والمسح لا يغني عن الغسل ومنها إذا قلنا باشتراط نية الخروج من الصلاة لا يشترط تعيين الصلاة التي يخرج منها فلو عين غير التي هو فيها خطأ لم يضر بل يسجد للسهو ويسلم ثانيا أو عمدا بطلت صلاته وإن قلنا بعدم وجوبها لم يضر الخطأ في التعيين مطلقا تنبيه أما لو وقع الخطأ في الاعتقاد دون التعيين فإنه لا يضر كأن ينوي ليلة الاثنين صوم غد وهو يعتقده الثلاثاء أو ينوي صوم غد من رمضان هذه السنة وهو يعتقدها سنة ثلاث فكانت سنة أربع فإنه يصح صومه ونظيره في الاقتداء أن ينوي لاقتداء بالحاضر مع اعتقاد أنه زيد وهو عمرو فإنه يصح قطعا صرح به الروياني في البحر وفي الصلاة لو أدى الظهر في وقتها معتقدا أنه يوم الاثنين فكان الثلاثاء صح نقله في شرح المهذب عن البغوي قال ولو غلط في الأذان فظن أنه يؤذن للظهر وكانت العصر فلا أعلم فيه نقلا وينبغي أن يصح لأن المقصود الإعلام ممن هو أهله وقد حصل ولو تيمم معتقدا أن حدثه أصغر فبان أكبر أو عكسه صح ولو طاف الحاج معتقدا أنه محرم بعمرة أو عكسه أجزأه تنبيه من المشكل على ما قررناه ما صححوه من أن الذي أدرك الإمام في الجمعة بعد ركوع الثانية ينوي الجمعة مع أنه إنما يصلي الظهر وعللّه الرافعي بموافقة الإمام قال الأسنوي ولا يخفى ضعف هذا التعليل بل الصواب ما ذكروه فيمن لا عذر له إذا ترك الإحرام بالجمعة حتى رفع الإمام من الركعة الثانية ثم أراد الإحرام بالظهر قبل السلام فإنهم قالوا إن الأصح عدم انعقادها وعللوه بأنا تيقنا انعقاد الجمعة وشككنا في فواتها إذ يحتمل أن يكون الإمام قد ترك ركنا من الركعة الأولى ويتذكره قبل السلام فيأتي به وعلى هذا فليس لنا من ينوي غير ما يؤدي إلا في هذه الصورة (١/١٧) الأمر الثالث مما يترتب على ما شرعت النية لأجله وهو التمييز اشتراط التعرض للفرضية وفي وجوبها في الوضوء والغسل والصلاة والزكاة والصوم والخطبة وجهان والأصح اشتراطها في الغسل دون الوضوء لأن الغسل قد يكون عادة والوضوء لا يكون إلا عبادة ووجه اشتراطها في الوضوء أنه قد يكون تجديدا فلا يكون فرضا وهو قوي وفي الصلاة دون الصوم لأن الظهر تقع مثلا نفلا كالمعادة وصلاة الصبي ورمضان لا يكون من البالغ إلا فرضا فلم يحتج إلى التقييد به وأما الزكاة فالأصح الاشتراط فيها إن أتى بلفظ الصدقة وعدمه إن أتى بلفظ الزكاة لأن الصدقة قد تكون فرضا وقد تكون نفلا فلا يكفى مجردها والزكاة لا تكون إلا فرضا لأنها اسم للفرض المتعلق بالمال فلا حاجة إلى تقييدها به وأما الحج والعمرة فلا يشترط فيهما بلا خلاف لأنه لو نوى النفل انصرف إلى الفرض ويشترط في الكفارات بلا خلاف لأن العتق أو الصوم أو الإطعام يكون فرضا ونفلا إذا عرفت ذلك فقول ابن القاص في التلخيص لا يجزي فرض بغير نية فرض إلا في ثلاثة الحج والعمرة والزكاة يزاد عليه والوضوء والصوم فتصير خمسة وسادس وهو الجماعة فإنها فرض ولا يشترط في نيتها الفرضية وسابع وهو الخطبة إن قلنا باشتراط نيتها وبعدم فرضيتها وإن شئت قلت العبادات في التعرض للفرضية على أربعة أقسام ما يشترط فيه بلا خلاف وهو الكفارات وما لا يشترط فيه بلا خلاف وهو الحج والعمرة والجماعة وما يشترط فيه على الأصح وهو الغسل والصلاة والزكاة بلفظ الصدقة ومالا يشترط فيه على الأصح وهو الوضوء والصوم والزكاة بلفظها والخطبة تنبيهات الأول لا خلاف أن التعرض لنية الفرضية في الوضوء أكمل إذا لم نوجبه وفيه إشكال إذا وقع قبل الوقت بناء على أن الوضوء لا يجب بالحدث وجوابه أن المراد بها فعل الطهارة الحدث المشروطة في صحة الصلاة وشرط الشيء يسمى فرضا من حيث إنه لا يصح إلا به ولو كان المراد حقيقة الفرضية لما صح وضوء الصبي بهذه النية الثاني يختص وجوب نية الفرضية في الصلاة بالبالغ أما الصبي فنقل في شرح المهذب عن الرافعي أنه كالبالغ ثم قال إنه ضعيف والصواب أنه لا يشترط (١/١٨) في حقه نية الفرضية وكيف ينويها وصلاته لا تقع فرضا الثالث من المشكل ما صححه الأكثرون في الصلاة المعادة أن ينوى بها الفرض مع قولهم بأن الفرض لأولى ولذلك اختار في زوائد الروضة وشرح المهذب قول إمام الحرمين إنه ينوي للظهر أو للعصر مثلا ولا يتعرض للفرص قال في شرح المهذب وهو ا لذي تقتضيه القواعد والأدلة وقال السبكي لعل مراد الأكثرين أنه ينوي إعادة الصلاة المفروضة حتى لا يكون نقلا مبتدأ الرابع لا يكفي في التيمم نية الفرضية في الأصح فلو نوى فرض التيمم أو التيمم المفروض أو فرض الطهارة لم يصح وفي وجه يصح كالوضوء قال إمام الحرمين والفرق أن الوضوء مقصود في نفسه ولهذا استحب تجديده بخلاف التيمم قلت والأولى عندي أن يقال إن التمييز لا يحصل بذلك لأن التيمم عن الحدث والجنابة فرض وصورته واحدة بخلاف الوضوء والغسل فإنهما يتميزان بالصورة وإنما قلت هذا ليتخرج على قاعدة التمييز كما قال الشيخ عز الدين إنما شرعت النية في التيمم وإن لم يكن متلبسا بالعادة لتمييز رتبته فإن التيمم عن الحديث الأصغر عين التيمم عن الأكبر وهما مختلفان الخامس لا يشترط في الفرائض تعيين فرض العين بلا خلاف وكذا صلاة الجنازة لا يشترط فيها نية فرض الكفاية على الأصح والثاني يشترط لتتميز عن فرض العين الأمر الرابع اشتراط الأداء والقضاء وفيهما في الصلاة أوجه أحدها الاشتراط واختاره إمام الحرمين طرد لقاعدة الحكمة التي شرعت لها النية لأن رتبة إقامة الفرض في وقته تخالف رتبة تدارك الفائت فلا بد من التعرض في كل منهما للتمييز والثاني تشترط نية القضاء دون الأداء لأن الأداء يتميز بالوقت بخلاف القضاء والثالث إن كان عليه فائتة اشترط في المؤداة نية الأداء وإلا فلا وبه قطع الماوردي والرابع وهو الأصح لا يشترطان مطلقا لنص الشافعي على صحة الصلاة المجتهد في يوم الغيم وصوم الأسير إذا نوى الأداء فبانا بعد الوقت وللأولين أن يجيبوا بأنهما معذوران وأما غير الصلاة فقل من تعرض له وقد بسط العلائي الكلام في ذلك في كتابه ( فصل القضاء في الأداء والقضاء ) فقال مالا يوصف من العبادات بأداء ولا قضاء فلا ريب في أنه لا يحتاج إلى نية أداء ولا قضاء ويلحق بذلك ما له وقت محدود ولكنه لا يقبل القضاء كالجمعة فلا يحتاج فيها إلى نية الأداء إذ لا يلتبس بها قضاء فتحتاج إلى نية مميزة وأما سائر النوافل التي تقضى فهي كبقية الصلوات في جريان الخلاف وأما الصوم فالذي يظهر ترجيحه أن نية القضاء لا بد منها وقد صرح به (١/١٩) في التتمة فجزم باشتراط التعرض فيه لنية القضاء دون الأداء لتمييزه بالوقت انتهى قلت وقد ذكر الشيخان في الصوم الخلاف في نية الأداء وبقي الحج والعمرة ولا شك أنهما لا يشترطان فيهما إذ لو نوى بالقضاء الأداء لم يضره وانصرف إلى القضاء ولو كان عليه قضاء حج أفسده في صباه أو رقه ثم بلغ أو عتق فنوى القضاء انصرف إلى حجة الإسلام وهي الأداء وأما صلاة الجنازة فالذي يظهر أنه يتصور فيها الأداء والقضاء لأن وقتها محدود بالدفن فإن صح أنها بعده قضاء فلا يبعد جريان الخلاف فيهما وأما الكفارة فنص الشافعي في كفارة الظهار على أنها تصير قضاء إذا جامع قبل أدائها ولا شك في عدم الاشتراط فيها وأما الزكاة فيتصور القضاء فيها في زكاة الفطر والظاهر أيضا عدم الاشتراط وإذا ترك رمي يوم النحر أو يوم آخر تداركه في باقي الأيام ولا دم وهل هو أداء أو قضاء سيأتي الكلام فيه في مبحثه الأمر الخامس مما يترتب على التمييز الإخلاص ومن ثم لم تقبل النيابة لأن المقصود اختبار سر العبادة قال ابن القاص وغيره لا يجوز التوكيل في النية إلا فيما اقترنت بفعل كتفرقة زكاة وذبح أضحية وصوم عن الميت وحج وقال بعض المتأخرين الإخلاص أمر زائد على النية لا يحصل بدونها وقد تحصل بدونه ونظر الفقهاء قاصر على النية وأحكامهم إنما تجري عليها وأما الإخلاص فأمره إلى اللّه ومن ثم صححوه عدم وجوب الإضافة إلى اللّه في جميع العبادات ثم للتشريك في النية نظائر وضابطها قسام الأول أن ينوي مع العبادة ما ليس بعبادة فقد يبطلها ويحضرني منه صورة وهي ما إذا ذبح الأضحية للّه ولغيره فانضمام غيره يوجب حرمة الذبيحة ويقرب من ذلك ما لو كبر للإحرام مرات ونوى بكل تكبيرة افتتاح الصلاة فإنه يدخل في الصلاة بالأوتار ويخرج بالأشفاع لأن من افتتح صلاة ثم افتتح أخرى بطلت صلاته لأنه يتضمن قطع الأولى فلو نوى الخروج بين التكبيرتين خرج بالنية ودخل بالتكبيرة ولو لم ينو بالتكبيرات شيئا لا دخولا ولا خروجا صح دخوله بالأولى والبواقي ذكر وقد لا يبطلها وفيه صور منها ما لو نوى الوضوء أو الغسل والتبرد ففي وجه لا يصح للتشريك والأصح الصحة لأن التبرد حاصل قصده أم لا فلم يجعل قصده تشريكا وتركا للإخلاص (١/٢٠) بل هو قصد للعبادة على حسب وقوعها لأن من ضرورتها حصول التبرد ومنها ما لو نوى الصوم أو الحمية أو التداوي وفيه الخلاف المذكور ومنها ما لو نوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته لأن اشتغاله عن الغريم لا يفتقر إلى قصد وفيه وجه خرجه ابن أخي صاحب الشامل من مسألة التبرد ومنها لو نوى الطواف وملازمة غريمه أو السعي خلفه والأصح الصحة لما ذكر فلو لم يفرد الطواف بنية لم يصح لأنه إنما يصح بدونها لانسحاب حكم النية في أصل النسك عليه فإذا قصد ملازمة الغريم كان ذلك صارفا له ولم يبق للاندراج أثر كما سيأتي ونظير ذلك في الوضوء أن تعزب نية رفع الحديث ثم ينوي التبرد أو التنظيف والأصح أنه لا يحسب المغسول حينئذ من الوضوء ومنها ما حكاه النووي عن جماعة من الأصحاب فيمن قال له إنسان صل الظهر ولك دينار فصلى بهذه النية أنه تجزئه صلاته ولا يستحق الدينار ولم يحك فيها خلافه ومنها ما إذا قرأ في الصلاة آية وقصد بها القراءة والإفهام فإنها لا تبطل ومنها ١ تنبيه ما صححوه من الصحة في هذه الصور هو بالنسبة إلى الإجزاء وأما الثواب فصرح ابن الصباغ بعدم حصوله في مسئلة التبرد نقله في الخادم ولا شك أن مسئلة الصلاة والطواف أولى بذلك ومن نظائر ذلك مسألة السفر للحج والتجارة والذي اختاره ابن عبدالسلام أنه لا أجر له مطلقا تساوى القصدان أم لا واختار الغزالي اعتبار الباعث على العمل فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر وإن كان الديني أغلب كان له الأجر بقدره وإن تساويا تساقطا قلت المختار قول الغزالي ففي الصحيح وغيره أن الصحابة تأثموا أن يتجروا في الموسم بمنى فنزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج القسم الثاني أن ينوي مع العبادة المفروضة عبادة أخرى مندوبة وفيه صور منها مالا يقتضي البطلان ويحصلان معا ومنها ما يحصل الفرض فقط ومنها ما يحصل النفل فقط ومنها ما يقتضي البطلان في الكل فمن الأول أحرم بصلاة ونوى بها الفرض والتحية صحت وحصلا معا قال في شرح المهذب اتفق عليه أصحابنا ولم أر فيه خلافا بعد البحث الشديد سنين وقال الرافعي وابن الصلاح لا بد من جريان خلاف فيه كمسئلة التبرد قال النووي والفرق (١/٢١) ظاهر فإن الذي إعتمده الأصحاب في تعليل البطلان في مسألة التبرد هو التشريك بين القرية وغيرها وهذا مفقود في مسألة التحية فإن الفرض والتحية قربتان إحداهما تحصل بلا قصد فلا يضر فيها القصد كما لو رفع الإمام صوته بالتكبير ليسمع المأمومين فإن صلاته صحيحة بالإجماع وإن كان قصد أمرين لكنهما قربتان انتهى وى بغسله غسل الجنابة والجمعة حصلا جميعا على الصحيح وفيه وجه والفرق بينه وبين التحية حيث لم يجر فيها أنها تحصل ضمنا ولو لم ينوها وهذا بخلافها نوى بسلامة الخروج من الصلاة والسلام على الحاضرين حصلا نوى حج الفرض وقرنه بعمرة تطوع أو عكسه حصلا ولو نوى بصلاته الفرض وتعليم الناس جاز للحديث ذكره السنجي في شرح التلخيص صام في يوم عرفة مثلا قضاء أو نذرا أو كفارة ونوى معه الصوم عن عرفة فأفتى البارزي بالصحة والحصول عنهما قال وكذا إن أطلق فألحقه بمسألة التحية قال الأسنوي وهو مردود والقياس أن لا يصلح في صورة التشريك واحد منهما وأن يحصل الفرض فقط في صورة الإطلاق ومن الثاني نوى بحجة الفرض والتطوع وقع فرضا لأنه لو نوى التطوع انصرف إلى الفرض صلى الفائتة في ليالي رمضان ونوى معها التراويح ففي فتاوي ابن الصلاح حصلت الفائتة دون التراويح قال الأسنوي وفيه نظر لأن التشريك مقتضى للإبطال ومن الثالث أخرج خمسة دراهم ونوى بها الزكاة وصدقة التطوع لم تقع زكاة ووقعت صدقة تطوع بلا خلاف عجز عن القراءة فانتقل إلى الذكر فأتى بالتعوذ ودعاء الإستفتاح قاصدا به السنة والبدلية لم يحسب عن الفرض جزم به الرافعي خطب بقصد الجمعة والكسوف لم يصح للجمعة لأنه تشريك بين فرض ونفل جزم به الرافعي ومن الرابع كبر المسبوق والإمام راكع تكبيرة واحدة ونوى بها التحرم والهوى إلى الركوع لم تنعقد الصلاة أصلا للتشريك وفي وجه تنعقد نفلا كمسألة الزكاة وفرق بأن الدراهم لم تجزئه عن الزكاة فبقيت تبرعا وهذا معنى صدقة التطوع وأما تكبيرة الإحرام فهي ركن لصلاة الفرض والنفل معا ولم يتمحض هذا التكبير للإحرام فلم ينعقد فرضا وكذا نفلا إذ لا فرق بينهما في اعتبار تكبيرة الاحرام نوى بصلاته الفرض والراتبة لم تنعقد أصلا (١/٢٢) القسم الثالث أن ينوي مع المفروضة فرضا آخر قال ابن السبكي ولا يجزئ ذلك إلا في الحج والعمرة قلت بل لهما نظير آخر وهو أن ينوي الغسل والوضوء معا فإنهما يحصلان على الأصح وفي قول نص عليه في الأمالي لا يحصلان لأنهما واجبان مختلفان فلا يتداخلان كالصلاتين ولو طاف بنية الفرض والوداع صح للفرض وهل يكفي للوداع حتى لو خرج عقبه أجزأه ولا يلزمه دم لم أر فيه نقلا صريحا وهو محتمل وربما يفهم من كلامهم أنه لا يكفي وما عدا ذلك إذا نوى فرضين بطلا إلا إذا أحرم بحجتين أو عمرتين فإنه ينعقد واحدة وإذا تيمم لفرضين صح او احد على الأصح ( تذنيب ) يشبه ذلك ما قيل هل يتصور وقوع حجتين في عام وقد قال الأسنوي إنه ممنوع وما قيل في طريقه من أنه يدفع بعد نصف الليل فيرمي ويحلق ويطوف ثم يحرم من مكة ويعوود قبل الفجر إلى عرفات مردود بأنهم قالوا إن المقيم بمنى للرمي لا تنعقد عمرته لاشتغاله بالرمي والحاج بقي عليه رمي أيام منى قال وقد صرح استحالة وقوع حجتين في عام جماعة منهم الماوردي وكذلك أبو الطيب وحكى في الإجماع ونص عليه الشافعي في الأم الرابع أن ينوي مع النفل نفلا آخر فلا يحصلان قاله القفال ونقض عليه بنيته الغسل للجمعة والعيد فإنهما يحصلان قلت وكذا لو اجتمع عيد وكسوف خطب لهما خطبتين بقصدهما جميعا ذكره في أصل الروضة وعللّه بأنهما سنتان بخلاف الجمعة والكسوف وينبغي أن يلحق بها مالو نوى صوم يوم عرفة والاثنين مثلا فيصح وإن لم نقل بما تقدم عن البارزي فيما لو نوى فيه فرضا لأنهما سنتان لكن في شرح المهذب في مسألة اجتماع العيد والكسوف أن فيما قالوه نظرا قال لأن السنتين إذا لم تدخل إحداهما في الأخرى لا ينعقد عند التشريك بينهما كسنة الضحى وقضاء سنة الفجر بخلاف تحية المسجد وسنة الظهر مثلا لأن التحية تحصل ضمنا الخامس أن ينوي مع غير العبادة شيئا آخر غيرها وهما مختلفان في الحكم ومن فروعه أن يقول لزوجته أنت علي حرام وينوي الطلاق والظهار فالأصح أنه يخير بينهما فما اختاره ثبت وقيل يثبت الطلاق لقوته وقيل الظهار لأن الأصل بقاء النكاح (١/٢٣) البحث الرابع في وقت النية الأصل أن وقتها أول العبادات ونحوها وخرج عن ذلك الصوم فجوز تقديم نيته على أول الوقت لعسر مراقبته ثم سرى ذلك إلى أن وجب فلو نوى مع الفجر لم يصح في الأصح قلت وعلى حده جواز تأخير نية صوم النفل عن أوله وبقي نظائر يجوز فيها تقديم النية على أول العبادة منها الزكاة فالأصح فيها جواز التقديم للنية على الدفع للعسر قياسا على الصوم وفي وجه لا يجوز بل يجب حالة الدفع إلى الأصناف أو الإمام كالصلاة ومنها الكفارة وفيها الوجهان في الزكاة وذكر في الفرق بين الزكاة والكفارة وبين الصلاة أنهما يجوز تقديمهما على وجوبهما فجاز تقديم نيتهما بخلاف الصلاة وأنهما تقبلان النيابة بخلافها قلت الأول ينتقض بالصوم والثاني بالحج ومنها الجمع فإن نيته في الصلاة ألأولى ولو كان في أول العبادة لكان في أول الصلاة الثانية لأنها المجموعة وإن جعلت الأولى أول العبادة فهو مما جاز فيه التأخير عن أولها لأن الأظهر جواز النية في أثنائها ومع التحلل منها وفي قول لا يجوز إلا في أول الأولى وفي وجه لا يجوز مع التحلل وفي آخر يجوز بعده قبل الإحرام بالثانية قال في شرح المهذب وهو قوي ومنها نية التمتع على الوجه القائل به وفيه الأوجه في الجمع فالأصح أن وقتها مالم يفرغ من العمرة والثاني حالة الإحرام بها والثالث بعد التحلل منها ما لم يشرع في الحج ومنها نية الأضحية يجوز تقديمها على المذبح ولا يجب اقترانها به في الأصح مع وجوبها في الاستثناء أيضا فرع مما جرى على هذا الأصل من اعتبار النية أول الفعل ما نقله في الروضة اصلها عن فتاوى البغوي وأقره أنه لو ضرب زوجته بالسوط عشر ضربات فصاعدا متوالية فماتت فإن قصد في الابتداء العدد المهلك وجب القصاص وإن قصد تأديبها بسوطين أو ثلاثة ثم بدا له فجاوز فلا لأنه اختلط العمد بشبه العمد (١/٢٤) تنبيهات الأول ما أوله من العبادات ذكر وجب اقترانها بكل اللفظ وقيل يكفي بأوله فمن ذلك الصلاة ومعنى اقترانها بكل التكبير أن يوجد جميع النية المعتبرة عند كل حرف منه ومعنى الاكتفاء بأوله أنه لا يجب استصحابها إلى آخره واختاره الإمام والغزالي ونظير ذلك نية كناية الطلاق وفيها الوجهان قال في المنهاج وشرط نية الكناية اقترانها بكل اللفظ وقيل يكفي بأوله ورجح في أصل الروضة خلافهما فقال ولو اقترنت بأول اللفظ دون آخره أو عكسه طلقت في الأصح والذي في الشرح نقل ترجيح الوقوع في اقترانها بأوله عن الإمام والغزالي قال وسكتا عن الترجيح في اقترانها بآخره خاصة وهو يشعر بأنهما رأيا فيه البطلان وفي الشرح الصغير في الأولى الأظهر الوقوع وميل الإمام في الثانية إلى ترجيح عدمه ثم حكى الرافعي عن المتولي أنه قرب الخلاف في الأولى من الخلاف فيما إذا اقترنت نية الصلاة بأول التكبير دون آخره والخلاف في الثانية من الخلاف في نية الجمع في أثناء الصلاة قال الرافعي وقضيته أنه إذا كان الوقوع في أولى أظهر ففي الثانية أولى لأن الأظهر في اقتران النية بأول التكبير عدم الانعقاد وفي الجمع الصحة وهذا هو الذي حمل النووي على تصحيح الوقوع فيهما وهنا دقيقة وهو أن الرافعي مثل اقترانها بأوله دون آخره بأن توجد عند قوله أنت وقال في المهمات المعتبر اقترانها بلفظ الكناية إما كله وإما بعضه لأن القصد منها تفسير إرادة الطلاق به فلا عبرة باقترانها بلفظ أنت قال وقد صرح بهذا البندنيجي والماوردي وغيرهما قلت ونظير ذلك في الصلاة أن يقال المعتبر اقترانها باللفظ الذي يتوقف الانعقاد عليه وهو اللّه أكبر فلو قال اللّه الجليل أكبر فهل يجب اقترانها بالجليل محل نظر ولم أر من ذكره وفي الكواكب للأسنوي إذا كتب زوجتي طالق ونوى وقع الطلاق في الأصح قال والقياس اشتراط النية في جميع اللفظ الذي لا بد منه لا في لفظ الطلاق خاصة لأنا إنما اشترطنا النية فيه لكونه غير ملفوظ به لا لانتفاء الصراحة فيه وهذا المعنى موجود في الجميع وحينئذ فينوي الزوجة حين يكتب زوجتي والطلاق حين يكتب طالق انتهى ونظير ذلك أيضا كنايات البيع وسائر العقود قال في الخادم سكتوا عن وقتها ويحتمل أن يأتي فيها ما في الطلاق ويحتمل المنع واشتراط وجودها في جميع اللفظ (١/٢٥) ويفرق بأن الطلاق مستقل بنفسه بخلاف البيع ونحوه ومن ذلك الوضوء والغسل فيستحب اقتران النية فيهما بالتسمية كما صرح به في شرح المهذب وعبادته في باب الغسل ويستحب أن يبتدىء بالنية مع التسمية ولم يستحضره الأسنوي فنقله عن المحب الطبري وعبارته والأولى أن تقارنها النية لأن تقديم النية عليها يؤدي إلى خلو بعض الفرائض عن التسمية والعكس يؤدي إلى خلو بعض السنن عن النية ومن ذلك الإحرام فينبغي أن يقال بمقارنة النية التلبية وهو ظاهر كما يفهم من كلامهم وإن لم يصرحوا به ومن ذلك الطواف وينبغي اقتران نيته بقوله بسم اللّه واللّه أكبر ومن ذلك الخطبة إن أوجبنا نيتها والظاهر وجوب اقترانها بقوله الحمد للّه لأنه أول الأركان التنبيه الثاني قد يكون للعبادة أول حقيقي وأول نسبي فيجب اقتران النية بهما من ذلك التيمم فيجب اقتران نيته بالنقل لأنه أول المفعول من أركانه وبمسح الوجه لأنه أول الأركان المقصودة والنقل وسيلة إليه ومن ذلك الوضوء والغسل فيجب للصحة اقتران نيتهما بأول مغسول من الوجه والبدن ويجب للثواب اقترانهما بأول السنن السابقة ليثاب عليها فلو لم يفعل لم يثب عليها في الأصح لأنه لم ينوها وفي نظيره من الصوم لو نوى أثناء النهار حصل له ثواب الصوم من أوله وخرج منه وجه في الوضوء لأنه من جملة طهارة منوية ولكن فرق بأن الصوم خصلة واحدة فإذا صح بعضها صح كلها والوضوء أفعال متغايرة فالانعطاف فيه بعيد وبأنه لا ارتباط لصحة الوضوء بما قبله بخلاف إمساك أول النهار والوجهان جاريان فيمن أكل بعض الأضحية وتصدق ببعضها هل يثاب على الكل أو على ما تصدق به قال الرافعي وينبغي أن يقال له ثواب التضحية بالكل والتصدق بالبعض ومن نظائر ذلك نية الجماعة في الأثناء أما في أثناء صلاة الإمام وفي أول صلاة المأموم فلا شك في حصول الفضيلة لكن هل هي فضيلة الجماعة الكاملة أو لا سيأتي تحرير القول في ذلك فإن قلنا بالأول فقد عادت النية بالانعطاف وبه صرح بعض شراح الحديث وأما في أثناء صلاة المأموم فإن الصلاة تصح في الأظهر لكن تكره (١/٢٦) كما في شرح المهذب وأخذ من ذلك بعض المحققين عدم حصول الفضيلة بالكلية لا أصلا ولا انعطافا وسيأتي ومن النظائر المهمة وقت نية الإمامة ولم يتعرض الشيخان لهذه المسألة وفيها اختلاف قال صاحب البيان عند حضور من يريد الاقتداء به لأنه قبل ذلك ليس بإمام وارتضاه ابن الفركاح فعلى هذا يأتي الانعطاف وقال الجويني عند التحرم قال الأذرعي وهو اصوب ومقتضى كلام الأصحاب قلت صدق وبر فإن الأصحاب صححوا اشتراطها في الجمعة فلو لم يأت بها في التحرم لم تنعقد جمعته ومنها وقت نية الاغتراف هل هو عند وضع يده في الماء أو عند انفصاله قال في الخادم ينبغي أن يتخرج على الوجهين المحكيين عن القاضي حسين أن الماء هل يحكم باستعماله إذا لم ينوها من إدخال اليد أو من انفصالها عن الماء قال والأشبه الثاني التنبيه الثالث العبادات ذات الأفعال يكتفى بالنية في أولها ولا يحتاج إليها في كل فعل اكتفاء بانسحابها عليها كالوضوء والصلاة وكذا الحج فلا يحتاج إلى إفراد الطواف والسعي والوقوف بنية على الأصح ثم منها ما يمنع في ذلك ومنها مالا يمنع ومنها ما يشترط أن لا يقصد غيره ومنها مالا يشترط من الأول الصلاة فلا يجوز تفريق النية على أركانها ومن الثاني الحج فيجوز نية الطواف والسعي والوقوف بل هو الأكمل وفي الوضوء وجهان احدهما لا يجوز كالصلاة والأصح الجواز والفرق أن الوضوء يجوز تفريق أفعاله فجاز تفريق نيته بخلاف الصلاة ولتفريق النية في صور الأولى أن ينوى عند كل عضو رفع حدثه الثانية أن ينوى رفع حدث المغسول دون غيره الثالثة أن ينوى رفع الحدث عند كل عضو ويطلق صرح بها ابن الصلاح ومن الثالث الوضوء والصلاة والطواف والسعي فلو عزبت نيته ثم نوى التبرد لم يحسب المفعول حتى يجدد النية أو هوى لسجود تلاوة فجعله ركوعا أو ركع ففزع من شيء فرفع رأسه أو سجد فشاكته شوكة فرفع رأسه لم يجزه فعليه العود واستئناف الركوع والرفع ولو طاف للحج بلا نية وقصد ملازمة غريمه لم يحسب عن الطواف ومن ذلك مسألة الحامل فاذا حمل محرم عليه طواف محرما وطاف به وقصد الحامل الطواف عن المحمول فقط دون نفسه وقع للمحمول فقط على الأصح لأنه (١/٢٧) صرف الطواف لغرض آخر ولو قصد نفسه أو كليهما وقع للحامل فقط وكذا لو لم يقصد شيئا كما في شرح المهذب ولو نام في الطواف على هيئة لا تنقض الوضوء قال إمام الحرمين هذا يقرب من صرف النية إلى طلب الغريم قال ويجوز أن يقطع بصحة الطواف لأنه لم يصرف الطواف إلى غير النسك ولا يضر كونه غير ذاكرها قال النووي وهذا أصح قلت ونظيره في الوضوء لو نام قاعدا ثم انتبه في مدة يسيرة لم يجب تجديد النية في الأصح كما في شرح المهذب ولو أمر بصب الماء في وضوئه فصب عليه ناسيا بعد ما غسل بعض أعضائه بنفسه فإنه يصح ذكره فيه أيضا ومن الرابع الوقوف فالأصح أنه لا يضر صرفه إلى غيره فلو مر بعرفات في طلب آبق أو ضالة ولا يدري أنها عرفات صح وقوفه قال الإمام والفرق بينه وبين مسألة صرف الطواف أن الطواف قد يقع قرية مستقلة بخلاف الوقوف ولهذا لو حمله في الوقوف أجزأ عنهما مطلقا بخلاف الطواف ( تنبيه ) من مشكلات هذا الأصل ما سمعته من بعض مشايخي أن الأصح إيجاب نية سجود السهو دون نية سجود التلاوة في الصلاة وعلل الأخير بأن نية الصلاة تشمله وعندي أن العكس كان أولى لأن سجود السهو أعلق بالصلاة من سجود التلاوة لأنه آكد بدليل أنه يشرع للمأموم إذا سها الإمام ولم يسجد بخلاف ما إذا تلا الإمام ولم يسجد والذي يظهر لي في توجيه ذلك إن صح أن يقال التلاوة من لوازم الصلاة فكأن الناوي عند نيتها مستحضر لها وفي ذكره تعرض لها وليس السهو نفسه من لوازم الصلاة بل وقوعه فيها خلاف الغالب فلم يكن في النية إيماء إليه ولا ادكار ونظير ذلك فدية المحظورات في الحج والعمرة فإنها لا بد لها من النية ولا يقال يكتفى بنية الإحرام لأنها ليست من لوازم الإحرام ولا من ضرورياته بخلاف طواف القدوم مثلا فإنه وإن لم يكن من ماهية الحج ولا أبعاضه ولا هيئاته بل هو أجنبي منه محض لكنه من لوازمه فلذلك لا يشترط له نية كما صرح به الشيخ أبو حامد ونقله عنه ابن الرفعة اكتفاء بنية الحج فهو نظير سجود السهو في الصلاة ثم إني تتبعت كلام الشيخين وغيرهما فلم أر أحدا ذكر وجوب النية في سجود السهو إلا على القول القديم أن محله بعد السلام أما على الجديد الأظهر فلم يذكروا ذلك أصلا بل صرحوا بخلافه فقالوا فيما إذا سلم ناسيا ثم عاد للسجود هل يكون عائدا الى الصلاة وجهان أصحهما نعم والثاني لا فإن قلنا نعم لم يحتج إلى تحريم وإلا احتاج إليه وهذا كلام لا غبار عليه والتقليد آفة كبيرة ومن ذلك الوضوء المسنون في الغسل قال الرافعي وإنما يعد الوضوء من مندوبات (١/٢٨) الغسل إذا كان جنبا غير محدث أو قلنا بالاندراج وإلا فلا وعلى هذا يحتاج إلى إفراده بنية لأنه عبادة مستقلة وعلى الأصح لا قال الأسنوي ومقتضاه أن نية الغسل تكفي فيه كما تكفي نية الوضوء في حصول المضمضة والاستنشاق وبه صرح ابن الرفعة في الكفاية ورأيته في شرح المفتاح لأبي خلف الطبري قال وهو عجيب فإن نية الغسل على هذا التقدير لا بد أن تقارن أول هذا الوضوء إذ لو تأخرت عنه لم يكن المأتي به وضوءا بل ولا عبادة ونية الغسل فقط لا تكفي بل لا بد أن ينوي الغسل من الجنابة أو نحوه وإذا أتى بذلك ارتفعت الجنابة عن المغسول من أعضاء الوضوء بلا نزع وجود الشرائط فيكون المأتي به غسلا لا وضوءا وليس ذلك كالمضمضة والاستنشاق فإن محلهما غير محل الواجب فظهر اندفاع ما قالوه قال فالصواب ما ذكره النووي في الروضة وغيرها أنه إن تجردت الجنابة عن الحدث نوى بوضوئه سنة الغسل وإن اجتمعا نوى به رفع الحدث الأصغر ليخرج من الخلاف وسبقه إليه ابن الصلاح ومن ذلك الأغسال المسنونة في الحج أما الغسل بدخول مكة فصرح في التتمة بأنه لا يحتاج إلى نية لأن نية الحج تشمله وقياسه أن يكون غسل الوقوف وما بعده كذلك وأما غسل الإحرام فجزم الإمام بعدم احتياجه إلى النية أيضا ثم قال وفيه أدنى نظر وفي الذخائر في صحة غسل الإحرام من الحائض دليل أنه لا يحتاج إلى نية قال ويفرق بينه وبين غسل الجمعة بأن الإحرام من سننه ونية الحج مشتملة على جميع أفعاله فرضا وسنة فلا يحتاج إلى نية بخلاف غسل الجمعة فإنه سنة مستقلة وليس جزءا من الصلاة ورد هذا بأنه إنما يصح لو نوى الإحرام أولا والسنة تقديم الغسل فلا تنعطف عليه النية ولهذا صحح في الروضة وأصلها احتياجه إلى النية وإن كان فرض المسألة في الحائض فقط وقال ابن الرفعة ينبغي أن يبنى ذلك على انعطاف النية في الوضوء فإن قلنا به فكذلك هنا فلا يحتاج إلى النية وإلا فلا ومن ذلك ركعتا الطواف يشترط فيهما النية قطعا ولا ينسحب عليهما نية الإحرام لأنها محض صلاة فافتقرت إليها بخلاف الطواف فإنه بالوقوف أشبه ولأنها تابعة للطواف وهو تابع للإحرام فلا تنسحب نيته على تابع التابع وهذا تعليل حسن ظريف له نظير في العربية ومن ذلك طواف الوداع وقد حكى السنجي في شرح التلخيص عن القفال أنه (١/٢٩) لا يحتاج إلى النية كسائر الأركان وجزم ابن الرفعة بأنه يحتاج إليها لأنه يقع بعد التحلل التام قال في الخادم وينبغي أن يتخرج على الخلاف في أنه من المناسك أم لا تنبيه تشترط النية في طواف النذر والتطوع بلا خلاف لانتفاء العلة وهي الاندراج وعلى هذا يقال لنا عبادة تجب النية في نفلها دون فرضها وهو الطواف ولا نظير لذلك خاتمة من نظائر هذا الأصل أن نية التجارة إذا اقترنت بالشراء صار المشترى مال تجارة ولا تحتاج كل معاملة إلى نية جديدة لانسحاب حكم النية أولا عليه المبحث الخامس في محل النية محلها القلب في كل موضع لأن حقيقتها القصد مطلقا وقيل المقارن للفعل وذلك عبارة عن فعل القلب قال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضا اللّه تعالى وامتثال حكمه والحاصل أن هنا أصلين الأول أنه لا يكفي التلفظ باللسان دونه والثاني أنه لا يشترط مع القلب التلفظ أما الأول فمن فروعه لو اختلف اللسان والقلب فالعبرة بما في القلب فلو نوى بقلبه الوضوء وبلسانه التبرد صح الوضوء أو عكسه فلا وكذا لو نوى بقلبه الظهر وبلسانه العصر أو بقلبه الحج وبلسانه العمرة أو عكسه صح له ما في القلب ومنها إن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد فلا تنعقد ولا يتعلق به كفارة أو قصد الحلف على شيء فسبق لسانه إلى غيره هذا في الحلف باللّه فلو جرى مثل ذلك في الإيلاء أو الطلاق أو العتاق لم يتعلق به شيء باطنا ويدين ولا يقبل في الظاهر لتعلق حق الغير به وذكر الإمام في الفرق أن العادة جرت بإجراء ألفاظ اليمين بلا قصد بخلاف الطلاق والعتاق فدعواه فيهما تخالف الظاهر فلا يقبل قال وكذا لو اقترن باليمين ما يدل على القصد وفي البحر أن الشافعي نص في البويطي على أن من صرح بالطلاق أو الظهار أو العتاق ولم يكن له نية لا يلزمه فيما بينه وبين اللّه تعالى طلاق ولا ظهار ولا عتق ومنها أن يقصد لفظ الطلاق أو العتق دون معناه الشرعي بل يقصد معنى له آخر أو يقصد ضم شيء إليه برفع حكمه وفيه فروع بعضها يقبل فيه وبعضها لا وكلها لا تقتضي الوقوع في نفس الأمر لفقد القصد القلبي قال الفوراني في الإبانة الأصل أن كل من أفصح بشيء وقبل منه فإذا نواه قبل (١/٣٠) فيما بينه وبين اللّه تعالى دون الحكم وقال نحوه القاضي حسين والبغوي والإمام في النهاية وغيرهم وهذه أمثلته قال أنت طالق ثم قال أردت من وثاق ولا قرينة لم يقبل في الحكم ويدين فإن كان قرينة كأن كانت مربوطة فحلها وقال ذلك قبل ظاهرا مر بعبد له على مكاس فطالبه بمكسه فقال إنه حر وليس بعبد وقصد التخلص لا العتق لم يعتق فيما بينه وبين اللّه تعالى كذا في فتاوي الغزالي قال الرافعي وهو يشير إلى أنه لا يقبل ظاهرا قال في المهمات وقياس مسألة الوثاق أن يقبل لأن مطالبة المكاس قرينة ظاهرة في إرادة صرف اللفظ عن ظاهره ورد بأنه ليس قرينة دالة على ذلك وإنما نظير مسألة الوثاق أن يقال له أمتك بغي فيقول بل حرة فهو قرينة ظاهرة على إرادة العفة لا العتق انتهى زاحمته امرأة فقال تأخري يا حرة وكانت أمته وهو لا يشعر أفتى الغزالي بأنها لا تعتق قال الرافعي فإن أراده في الظاهر فيمكن أن يفرق بأنه لا يدري من يخاطب هاهنا وعنده أنه يخاطب غير أمته وهناك خاطب العبد باللفظ الصريح وفي البسيط أن بعض الوعاظ طلب من الحاضرين شيئا فلم يعطوه فقال متضجرا منهم طلقتكم ثلاثا وكانت زوجته فيهم وهو لا يعلم فأفتى إمام الحرمين بوقوع الطلاق قال الغزالي وفي القلب منه شيء قال الرافعي ولك أن تقول ينبغي أن لا تطلق لأن قوله طلقتكم لفظ عام وهو يقبل الاستثناء بالنية كما لو حلف لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه لم يحنث وإذا لم يعلم أن زوجته في القوم كان مقصوده غيرها وقال النووي ما قاله الإمام والرافعي عجيب أما العجب من الرافعي فلأن هذه المسألة ليست كمسألة السلام على زيد لأنه هناك علم به واستثناه وهنا لم يعلم بها ولم يستثنها واللفظ يقتضي الجميع إلا ما أخرجه ولم يخرجها وأما العجب من الإمام فلأن الشرط قصد لفظ الطلاق بمعنى الطلاق ولا يكفي قصد لفظ من غير قصد معناه ومعلوم أن الواعظ لم يقصد معنى الطلاق فينبغي أن لا تطلق لذلك لما ذكره الرافعي قال في المهمات ونظير ذلك ما حكيناه عن الغزالي في مسألة تأخري يا حرة أنها لا تعتق وقال البلقيني فتح اللّه بتخريجين آخرين يقتضيان عدم وقوع الطلاق أحدهما أن يخرج ذلك على من حلف لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم وهو لا يعلم أنه فيهم والمذهب أنه لا يحنث وهذه غير مسألة الرافعي التي قاس عليها فإنه هناك علم واستثني وهنا لم يعلم أصلا الثاني أن الطلاق لغة الهجر وشرعا حل قيد النكاح بوجه مخصوص ولا يمكن حمل كلام الواعظ على المشترك لأنه هنا متعذر لأن شرط حمل المشترك على معنييه أن (١/٣١) لا يتضادا فتعينت اللغوية وهو لا يفيد إيقاع الطلاق على زوجته بل لو صرح فقال طلقتكم وزوجتي لم يقع الطلاق عليها كما قالوه في نساء العالمين طوالق وأنت يا فاطمة من جهة أنه عطف على نسوة لم تطلق انتهى قال يا طالق وهو اسمها ولم يقصد الطلاق لم تطلق وكذا لو كان اسمها طارقا أو طالبا وقال قصدت النداء فالتف الحرف قال أنت طالق ثم قال أردت إن شاء زيد أو إن دخلت لدار دين ولم يقبل ظاهرا قال كل امرأة لي طالق وقال أردت غير فلانة دين ولم يقبل ظاهرا إلا لقرينة بأن خاصمته وقالت تزوجت فقال ذلك وقال أردت غير المخاصمة ولو وقع ذلك في اليمين قبل مطلقا كأن يحلف لا يكلم أحدا ويريد زيدا أو لا يأكل طعاما ويريد شيئا معينا قال أنت طالق ثم قال أردت غيرها فسبق لساني إليها دين قال طلقتك ثم قال أردت طلبتك دين قال أنت طالق إن كلمت زيدا ثم قال أردت إن كلمته شهرا قال الإمام نص الشافعي أنه لا يقع الطلاق باطنا بعد الشهر فلو كان في الحلف باللّه قبل ظاهرا أيضا قال أنت طالق ثلاثا للسنة وقال نويت تفريقها على الأقراء دين ولم يقبل ظاهرا لأن اللفظ يقتضي وقوع الكل في الحال إلا لقرينة بأن كان يعتقد تحريم الجمع في قرء واحد ولو لم يقل للسنة ففي المنهاج أنه كما لو قال والذي في الشرحين والمحرر أنه لا يقبل مطلقا ولا من يعتقد التحريم قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق وقال أردت الأجنبية قبل بخلاف ما لو قال عمرة طالق وهو اسم امرأته وقال أردت أجنبة فإنه يدين ولا يقبل تتمة استثنى مواضع يكتفى فيها باللفظ على رأي ضعيف منها الزكاة ففي وجه أو قول يكفي نيتها لفظا واستدل بأنها تخرج من مال المرتد ولا تصح نيته وتجوز النيابة فيها ولو كانت نية القلب متعينة لوجب على المكلف بها مباشرتها لأن النيات سر العبادات والإخلاص فيها قال ولا يرد على ذلك الحج حيث تجري فيه النيابة وتشترط فيه نية القلب لأنه لا ينوب فيه من ليس من أهل الحج وفي الزكاة ينوب فيها من ليس من أهلها كالعبد والكافر ومنها إذا لبى بحج أو عمرة ولم ينو ففي قول إنه ينعقد ويلزمه ما سمى لأنه التزمه بالتسمية وعلى هذا لو لبى مطلقا انعقد الإحرام مطلقا ومنها إذا أحرم مطلقا ففي وجه يصح صرفه إلى الحج والعمرة باللفظ والأصح في الكل أنه لا أثر للفظ (١/٣٢) وأما الأصل الثاني وهو أنه لا يشترط مع نية القلب التلفظ فيه ففيه فروع كثيرة منها كل العبادات ومنها إذا أحيا أرضا بنية جعلها مسجدا فإنها تصير مسجدا بمجرد النية ولا يحتاج إلى لفظ ومنها من حلف لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بالنية فإنه لا يحنث بخلاف من حلف لا يدخل عليه فدخل على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه وقصد الدخول على غيره فإنه يحنث في الأصح والفرق أن الدخول فعل لا يدخله الاستثناء ولا ينتظم أن يقول دخلت عليكم إلا على فلان ويصح أن يقال سلمت عليكم إلا على فلان وخرج عن هذا الأصل صور بعضها على رأي ضعيف منها الإحرام ففي وجه أو قول أنه لا ينعقد بمجرد النية حتى يلبي وفي آخر يشترط التلبية أو سوق الهدي وتقليده وفي آخر أن التلبية واجبة لا شرط لللانعقاد فعليه دم والأصح أنها لا شرط ولا واجبة فينعقد الإحرام بدونها ولا يلزمه شيء ومنها لو نوى النذر أو الطلاق بقلبه ولم يتلفظ لم ينعقد النذر ولا يقع الطلاق ومنها اشترى شاة بنية التضحية أو الإهداء لم تصر كذلك على الصحيح حتى يتلفظ ومنها باع بألف وفي البلد نقود لا غالب فيها فقبل ونويا نوعا لم يصح في الأصح حتى يبيناه لفظا وفي نظيره من الخلع يصح في الأصح لأنه يغتفر فيه ما لا يغتفر في البيع وفي نظيره من النكاح لو قال من له بنات زوجتك بنتي ونويا واحدة صح على الأصح ومنها لو قال أنت طالق ثم قال أردت إن شاء اللّه تعالى لم يقبل قال الرافعي والمشهور أنه لا يدين أيضا بخلاف ما إذا قال أردت إن دخلت أو إن شاء زيد فإنه يدين وإن لم يقبل ظاهرا قال والفرق بين إن شاء اللّه وبين سائر صور التعليق أن التعليق بمشيئة اللّه يرفع حكم الطلاق جملة فلا بد فيه من اللفظ والتعليق بالدخول ونحوه لا يرفعه جملة بل يخصصه بحال دون حال ومنها من عزم على المعصية ولم يفعلها أو لم يتلفظ بها لا يأثم لقوله صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ووقع في فتاوي قاضي القضاة تقي الدين بن رزين أن الإنسان إذا عزم على معصية فإن كان قد فعلها ولم يتب منها فهو مؤاخذ بهذا العزم لأنه إصرار وقد تكلم السبكي في الحلبيات على ذلك كلاما مبسوطا أحسن فيه جدا فقال الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمس مراتب الأولى الهاجس وهو ما يلقى فيها ثم جريانه فيها وهو الخاطر ثم حديث النفس وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا ثم الهم وهو ترجيح قصد الفعل ثم العزم وهو قوة ذلك القصد والجزم به فالهاجس لا يؤاخذ به إجماعا لأنه ليس (١/٣٣) من فعله وإنما هو شيء ورد عليه لا قدرة له ولا صنع والخاطر الذي بعده كان قادرا على دفعه بصرف الهاجس أول وروده ولكنه هو وما بعده من حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح وإذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بطريق الأولى وهذه المراتب الثلاثة أيضا لو كانت في الحسنات لم يكتب له بها أجر أما الأول فظاهر وأما الثاني والثالث فلعدم القصد وأما الهم فقد بين الحديث الصحيح أن الهم بالحسنة يكتب حسنة والهم بالسيئة لا يكتب سيئة وينتظر فإن تركها للّه كتبت حسنة وإن فعلها كتبت سيئة واحدة والأصح في معناه أنه يكتب عليه الفعل وحده وهو معنى قوله واحدة وأن الهم مرفوع ومن هذا يعلم أن قوله في حديث النفس ما لم يتكلم أو يعمل ليس له مفهوم حتى يقال إنها إذا تكلمت أو عملت يكتب عليه حديث النفس لأنه إذا كان الهم لا يكتب فحديث النفس أولى هذا كلامه في الحلبيات وقد خالفه في شرح المنهاج فقال إنه ظهر له المؤاخذة من إطلاق قوله صلى اللّه عليه وسلم أو تعمل ولم يقل أو تعمله قال فيؤخذ منه تحريم المشي إلى معصية وإن كان المشي في نفسه مباحا لكن لانضمام قصد الحرام إليه فكل واحد من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده أما إذا اجتمعا فإن مع الهم عملا لما هو من أسباب المهموم به فاقتضى إطلاق أو تعمل المؤاخذة به قال فاشدد بهذه الفائدة يديك واتخذها أصلا يعود نفعه عليك وقال ولده في منع الموانع هنا دقيقة نبهنا عليها في جمع الجوامع وهي أن عدم المؤاخذة بحديث النفس والهم ليس مطلقا بل بشرط عدم التكلم والعمل حتى إذا عمل يؤاخذ بشيئين همه وعمله ولا يكون همه مغفورا وحديث نفسه إلا إذا لم يتعقبه العمل كما هو ظاهر الحديث ثم حكى كلام أبيه الذي في شرح المنهاج والذي في الحلبيات ورجح المؤاخذة ثم قال في الحلبيات وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به وخالف بعضهم وقال إنه من الهم المرفوع وربما تمسك بقول أهل اللغة هم بالشيء عزم عليه والتمسك بهذا غير سديد لأن اللغوي لا يتنزل إلى هذه الدقائق واحتج الأولون بحديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول اللّه هذا القاتل فما بال المقتول قال كان حريصا على قتل صاحبه فعلل بالحرص واحتجوا أيضا بالإجماع على المؤاخذة بأعمال القلوب كالحسد ونحوه وبقوله تعالى ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم على تفسير الإلحاد بالمعصية ثم قال إن التوبة واجبة على الفور ومن ضرورتها العزم على عدم العود فمتى عزم على العود (١/٣٤) قبل أن يتوب منها فذلك مضاد للتوبة فيؤاخذ به بلا إشكال وهو الذي قاله ابن رزين ثم قال في آخر جوابه والعزم على الكبيرة وإن كان سيئة فهو دون الكبيرة المعزوم عليها المبحث السادس في شروط النية الأول الإسلام ومن ثم لم تصح العبادت من الكافر وقيل يصح غسله دون وضوئه وتيممه وقيل يصح الوضوء أيضا وقيل يصح التيمم أيضا ومحل الخلاف في الأصلي أما المرتد فلا يصح منه غسل ولا غيره كذا قال الرافعي لكن في شرح المهذب أن جماعة أجروا الخلاف في المرتد وخرج من ذلك صور الأولى الكتابية تحت المسلم يصح غسلها عن الحيض ليحل وطؤها بلا خلاف للضرورة ويشترط نيتها كما قطع به المتولي والرافعي في باب الوضوء وصححه في التحقيق كما لا يجزي الكافر العتق عن الكفارة إلا بينة العتق وادعى في المهمات أن المجزوم به في الروضة وأصلها في النكاح عدم الاشتراط وما ادعاه باطل سببه سوء الفهم فإن عبارة الروضة هناك إذا طهرت الذمية من الحيض والنفاس ألزمها الزوج الاغتسال فإن امتنعت أجبرها عليه واستباحها وإن لم تنو للضرورة كما يجبر المسلمة المجنونة فقوله وإن لم تنو بالتاء الفوقية عائد إلى مسئلة الامتناع لا إلى أصل غسل الذمية وحينئذ لا شك في أن نيتها لا تشترط كالمسلمة المجنونة وأما عدم اشتراط نية الزوج عند الامتناع والمجنون أو عدم اشتراط نيتها في غير حال الإجبار فلا تعرض له في الكلام لا نفيا ولا إثباتا بل في قوله في مسألة الامتناع استباحها وإن لم تنو للضرورة ما يشعر بوجوب النية في غير حال الامتناع وعجبت للأسنوي كيف غفل عن هذا وكيف حكاه متابعوه عنه ساكتين عليه والفهم من خير ما أوتي العبد الثانية الكفارة تصح من الكافر ويشترط منه نيتها لأن المغلب فيها جانب الغرامات والنية فيها للتمييز لا للقربة وهي بالديون أشبه وبهذا يعرف الفرق بين عدم وجوب إعداتها بعد الإسلام ووجوب إعادة الغسل بعده الثالثة إذا أخرج المرتد الزكاة في حال الردة تصح وتجزيه الرابعة ذكر قاضي القضاءة جلال الدين البلقيني أنه يصح صوم الكافر في صورة وذلك إذا أسلم مع طلوع الفجر ثم إن وافق آخر إسلامه الطلوع فهو مسلم حقيقة ويصح منه النفل مطلقا قال ونظيرها من المنقول صورة المجامع يحس وهو مجامع بالفجر فينزع بحيث يوافق آخر نزعه الطلوع وإن وافق أول إسلامه الطلوع فهذا إذا نوى (١/٣٥) النفل صح على الأرجح ولا أثر لما وجد من موافقة أول الإسلام الطلوع كما ذكره الأصحاب في صورة أن يطلع وهو مجامع ويعلم بالطلوع في أوله فينزع في الحال أنه لا يبطل الصوم فيها على الأصح فحينئذ تلك اللحظة التي كانت وقت الطلوع هي المرادة بالتصوير وذلك قبل الحكم بالإسلام والأخذ في الإسلام ليس بقاء على الكفر كما أن النزع ليس بقاء على الجماع ولا يصح منه صوم الفرض والحالة هذه لأن التبييت شرط فإن بيت وهو كافر ثم أسلم كما صورنا قال فهل لهذه النية أثر لم أر من تعرض لذلك ويجوز أن يقال الشروط لا تعتبر وقت النية كما قالوا في الحائض تنوي من الليل قبل انقطاع دمها ثم ينقطع الأكثر أو العادة فلا يحتاج إلى التجديد ويجوز أن يقال يعتبر شرط الإسلام وقت النية لأن المعتادة على يقين من الانقطاع لأكثر الحيض وعلى ظن قوي للعادة بظهورها وليس في إسلام الكافر يقين ولا ظاهر فكان متردد حال النية فيبطل الجزم كما إذا لم يكن لها عادة أو لها عادة مختلفة ولو اتفق الطهر بالليل لعدم الجزم قال ومما يناظر ذلك ما إذا نوى سفر القصر وهو كافر فإنه تعتبر نيته فإذا أسلم في أثناء المسافة قصر على الأرجح اه الشرط الثاني التمييز فلا تصح عبادة صبي لا يميز ولا مجنون وخرج عن ذلك الطفل يوضئه الولي للطواف حيث يحرم عنه والمجنونة يغسلها الزوج عن الحيض وينوي على الأصح ومن فروع هذا الشرط مسألة عمدها في الجنايات هل هو عمد أو لا لأنه لا يتصور منهما القصد وصححوا أن عمدهما عمد وخص الأئمة الخلاف بمن له نوع تمييز فغير المميز منهما عمده خطأ قطعا ونظير ذلك السكران لا يقضى عليه بالحديث حتى يستغرق دون أول النشوة وكذا حكم صلاته وسائر أفعاله الشرط الثالث العلم بالمنوي قال البغوي وغيره فمن جهل فرضية الوضوء أو الصلاة لم يصح منه فعلها وكذا لو علم أن بعض الصلاة فرض ولم يعلم فرضية التي شرع فيها وإن علم الفرضية وجهل الأركان فإن اعتقد الكل سنة أو البعض فرضا والبعض سنة ولم يميزها لم تصح قطعا أو الكل فرضا فوجهان أصحهما الصحة لأنه ليس فيه أكثر من أنه أدى سنة باعتقاد الفرض وذلك لا يؤثر وقال الغزالي الذي لا يميز الفرائض من السنن تصح عبادته بشرط أن لا يقصد التنفل بما هو فرض فإن قصده لم يعتد به وإن غفل عن التفصيل فنية الجملة كافية واختاره في الروضة (١/٣٦) قال الأسنوي وغير الوضوء والصلاة في معناهما وقال في الخادم الظاهر أن لا يشترط ذلك في الحج ويفارق الصلاة فإنه لا يشترط فيه تعيين المنوي بل ينعقد مطلقا ويصرفه بخلاف الصلاة ويمكن تعلم الأحكام بعد الإحرام بخلاف الصلاة ولا يشترط العلم بالفرضية لأنه لو نوى النفل انصرف إلى الفرض ومن فروع هذا الشرط ما لو نطق بكلمة الطلاق بلغة لا يعرفها وقال قصدت بها معناها بالعربية فإنه لا يقع الطلاق في الأصح وكذا لو قال لم أعلم معناها ولكن نويت بها الطلاق وقطع النكاح فإنه لا يقع كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها وقال أردت الطلاق ونظير ذلك لو قال أنت طالق طلقة في طلقتين وقال أردت معناه عند أهل الحساب فإن عرفه وقع طلقتان وإن جهله فواحدة في الأصح لأن ما لا يعلم معناه لا يصح قصده ونظيره أيضا أن يقول طلقتك مثل ما طلق زيد وهو لا يدري كم طلق زيد وكذا لو نوى عدد طلاق زيد ولم يتلفظ ونظير أنت طالق طلقة في طلقتين قول المقر له على درهم في عشرة فإنه إن قصد الحساب يلزمه عشرة كذا أطلقه الشيخان هنا وقيده في الكفاية بأن يعرفه قال فإن لم يعرفه فيشبه لزوم درهم فقط وإن قال أردت ما يريده الحساب على قياس ما في الطلاق انتهى وقد جزم به في الحاوي الصغير ونظير طلقتك مثل ما طلق زيد بعتك بمثل ما باع به فلان فرسه وهو لا يعلم قدره فإن البيع لا يصح الشرط الرابع أن لا يأتي بمناف فلو ارتد في أثناء الصلاة أو الصوم أو الحج أو التيمم بطل أو الوضوء أو الغسل لم يبطلا لأن أفعالهما غير مرتبطة ببعضها ولكن لا يحسب المغسول في زمن الردة ولو ارتد بعد الفراغ فالأصح أنه لا يبطل الوضوء والغسل ويبطل التيمم لضعفه ولو وقع ذلك بعد فراغ الصلاة أو الصوم أو الحج أو أداء الزكاة لم يجب عليه الإعادة وأما الأجر فإن لم يعد إلى الإسلام فلا يحصل له لأن الردة تحبط العمل وإن عاد فظاهر النص أنها تحبط أيضا والذي في كلام الرافعي أنها إنما تحبط إذا اتصلت بالموت بل في الأساليب لو مات مرتدا فحجه وعبادته باقية وتفيده المنع من العقاب فإنه لو لم يؤدها لعوقب على تركها ولكن لا تفيده ثوابا لأن دار الثواب الجنة وهو لا يدخلها وحكى الواحدي في تفسير سورة النساء خلافا في الكافر يؤمن ثم يرتد أنه يكون مطالبا بجميع كفره وأن الردة تحبط الإيمان السابق قال وهو غلط لأنه صار بالإيمان كمن لم يكفر فلا يؤاخذ به بعد أن ارتفع حكمه قال وهو نظير الخلاف في أن من تاب من المعصية ثم عاود الذنب هل يقدح في صحة التوبة الماضية والمشهور لا (١/٣٧) قلت ليس بنظيره بل بينهما بون عظيم لفحش أمر الردة فقد نص اللّه تعالى على أنها تحبط العمل بخلاف الذنب فإنه لا يحبط عملا وقد صح في الحديث في الكافر يسلم أنه إن أساء أوخذ بالأول والآخر ومن نظائر ذلك أن من صحب النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم ارتد ومات على الردة كابن خطل لا يطلق عليه اسم الصحابي وأما من ارتد بعده ثم أسلم ومات مسلما كالأشعث بن قيس فقال الحافظ أبو الفضل العراقي في دخوله في الصحابة نظر فقد نص الشافعي وأبو حنيفة على أن الردة محبطة للعمل قال والظاهر أنها محبطة للصحبة السابقة قال أما من رجع إلى الإسلام في حياته كعبداللّه بن أبي سرح فلا مانع من دخوله في الصحبة انتهى وفي البحر لو اعتقد صبي أبواه مسلمان الكفر وهو في الصلاة بطلت قال والذي كنت أقول صلاته صحيحة لأن ردته لم تصح ثم ظهر لي الآن بطلانها لأن اعتقاد الكفر إبطال لها فلو وقع ذلك في وضوء أو صوم فوجهان مبنيان على نية الخروج أو في حج أو عمرة لم يضر لأنه لا يبطل بنية الإبطال انتهى كلام صاحب البحر فصل ومن المنافي نية القطع وفي ذلك فروع نوى قطع الإيمان والعياذ باللّه تعالى صار مرتدا في الحال نوى قطع الصلاة بعد الفراغ منها لم تبطل بالإجماع وكذا سائر العبادات وفي الطهارة وجه لأن حكمها باق بعد الفراغ نوى قطع الصلاة أثناءها بطلت بلا خلاف لأنها شبيهة بالإيمان نوى قطع الطهارة أثناءها لم يبطل ما مضى في الأصح لكن يجب تجديد النية لما بقي نوى قطع الصوم والاعتكاف لم يبطلا في الأصح لأن الصلاة مخصوصة من بين سائر العبادات بوجوه من الربط ومناجاة العبد ربه نوى الأكل أو الجماع في الصوم لم يضره نوى فعل مناف في الصلاة كالأكل والفعل الكثير لم تبكل قبل فعله نوى الصوم من الليل ثم قطع النية قبل الفجر سقط حكمها لأن ترك النية ضد النية بخلاف ما لو أكل بعدها لا تبطل لأن الأكل ليس ضدها نوى قطع الحج والعمرة لم يبطلا بلا خلاف لأنه لا يخرج منهما بالإفساد نوى قطع الجماعة بطلت ثم في الصلاة قولان إذا لم يكن عذر أصحهما لا تبطل وأما ثواب الجماعة لما سبق فيسقط كما صرح به الشيخ أبو إسحاق الشيرازي واعتمده خاتمة المحققين الشيخ جلال الدين المحلي وأما الثواب في الصلاة والوضوء ونحوه إذا قلنا ببطلانه ففي شرح المهذب عن البحر (١/٣٨) لو نوى نية صحيحة وغسل بعض أعضائه ثم بطل في أثنائه بحدث أو غيره فهل له ثواب المفعول منه كالصلاة إذا بطلت في أثنائها أو لا لأنه مراد لغيره بخلاف الصلاة أو إن بطل بغير اختياره فله وإلا فلا احتمالات وظاهره أن الحصول في الصلاة متفق عليه نوى فطع الفاتحة فإن كان مع سكوت يسير بطلت القراءة في الأصح وإلا فلا نوى قطع السفر والإقامة فإن كان سائرا لم يؤثر لأن السير يكذبها كما في شرح المهذب وإن كان نازلا انقطع وكذا لو كان في مفازة لا تصلح للإقامة على الأظهر نوى الإتمام في أثناء الصلاة امتنع عليه القصر نوى بمال التجارة القنية انقطع حول التجارة ولو نوى بمال القنية التجارة لم يؤثر في الأصح نوى بالحلي المحرم استعمالا مباحا بطل الحول نوى بالمباح محرما أو كنزا ابتدأ حول الزكاة نوى الخيانة في الوديعة لم يضمن على الصحيح إلا أن يتصل به نقل من الحرز كما في قطع القراءة مع السكوت نوى أن لا يردها وقد طلبها المالك فيه الوجهان نوى الخيانة في اللقطة فيه الوجهان فرع ويقرب من نية القطع نية القلب قال في شرح المهذب قال الماوردي نقل الصلاة إلى أخرى أقسام أحدها نقل فرض إلى فرض فلا يحصل واحد منهما الثاني نقل نفل راتب إلى نفل راتب كوتر إلى سنة الفجر فلا يحصل واحد منهما الثالث نقل نفل إلى فرض فلا يحصل واحد منهما الرابع نقل فرض إلى نفل فهذا نوعان نقل حكم كمن أحرم بالظهر قبل الزوال جاهلا فيقع نفلا ونقل نية بأن ينوي قبله نفلا عامدا فتبطل صلاته ولا ينقلب نفلا على الصحيح فإن كان لعذر كأن أحرم بفرض منفردا ثم أقيمت جماعة فسلم من ركعتين ليدركها صحت نفلا في الأصح فصل ومن المنافي عدم القدرة على المنوي إما عقلا وإما شرعا وإما عادة فمن الأول نوى بوضوئه أن يصلي صلاة وأن لا يصليها لم يصح لتناقضه ومن الثاني نوى به الصلاة في مكان نجس قال في شرح المهذب عن البحر ينبغي أن لا يصح ومن الثالث نوى به صلاة العيد وهو في أول السنة أو الطواف وهو بالشأم ففي صحته خلاف حكاه في الأول الروياني وفي الثاني بعض المصنفين وقربه من الخلاف فيمن أحرم بالظهر قبل الزوال (١/٣٩) قلت لكن الأصح الصحة كما جزم به في التحقيق وحكاه في شرح المهذب عن البحر وأقره نوى العبد أو الزوجة أو الجندي مسافة القصر وهم مع مالك أمرهم ولا يعرفون مقصده لم يقصر العبد ولا الزوجة لأنهما لا يقدران على ذلك إذ هما تحت قهر السيد والزوج بخلاف الجندي لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره فصل ومن المنافي التردد وعدم الجزم وفيه فروع تردد هل يقطع الصلاة أو لا أو علق إبطالها على شيء بطلت وكذا في الإيمان تردد في أنه نوى القصر أولا وهل يتم أو لا لم يقصر تيقن الطهارة وشك في الحديث فاحتاط وتطهر ثم بان أنه محدث لم يصح وعليه الإعادة في الأصح بخلاف ا لو شك في الطهارة وقد تيقن الحدث لأن معه أصلا وبخلاف ما لو شك في نجاسة فغسلها لأنها لا تحتاج إلى نية نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد عن رمضان إن كان منه فكان منه لم يقع عنه بخلاف ما لو وقع ذلك ليلة الثلاثين من رمضان لاستصحاب الأصل عليه فائتة فشك هل قضاها أو لا فقضاها ثم تيقنها لم تجزئه هجم فتوضأ بأحد الإناءين لم يصح وضوؤه وإن بان أنه توضأ بالطاهر شك في جواز المسح على الخف فمسح ثم بان جوازه وجب إعادة المسح وقضى ما صلى به تيمم أو صلى أو صام شاكا في دخول الوقت فبان في الوقت لم تصح تيمم بلا طلب للماء ثم بان أن لا ماء لم يصح تيمم لفائتة ظنها عليه أو لفائتة الظهر فبانت العصر لم يصح صلى إلى جهة شاكا أنها القبلة فإذا هي هي لم تصح قصر شاكا في جواز القصر لم يصح وإن بان جوازه صلى على غائب ميت شاكا أنه من أهل الصلاة عليه فبان أنه من أهلها لم يصح صلى خلف خنثى فبان رجلا لم يسقط القضاء في الأظهر بخلاف ما لو عقد به النكاح فبان رجلا مضى على الصحة في الأظهر لأن المقصود فيه الحضور ولا نية يقع فيها التردد قال هذه زكاة أو صدقة لم تقع زكاة للتردد هذا عن مالي الغائب إن كان سالما وإلا فعن الحاضر أو صدقة فبان سالما أجزأه وإلا لم يجزه عن الحاضر للترديد فيه بخلاف ما سيأتي (١/٤٠) قال إن كان مورثي مات وورثت ماله فهذه زكاته فبان لم يجزه بلا خلاف لأنه لم يستند إلى أصل بخلاف مسألة الغائب لأن الأصل بقاؤه وبخلاف البيع فإنه لا يحتاج إلى نية عقب النية بالمشيئة فإن نوى التعليق بطلت أو التبرك فلا أو أطلق قال في الشافي تبطل لأن اللفظ موضوع للتعليق قال أصوم غدا إن شاء زيد لم يصح وإن شاء زيد أو إن نشطت فكذلك لعدم الجزم بخلاف ما لو قال ما كنت صحيحا مقيما فإنه يجزئه ذكر صور صحت فيها النية مع تردد أو تعليق اشتبه عليه ماء وماء ورد لا يجتهد بل يتوضأ بكل مرة ويغتفر التردد في النية للضرورة قال الأسنوي ويندفع التردد بأن يأخذ غرفة من هذا وغرفة من هذا ويغسل شقي وجهه وينوي حينئذ ثم يعكس المأخوذ والمغسول عليه صلاة من الخمس فنسيها فصلى الخمس ثم تذكرها قال في شرح المهذب لم أر فيه نقلا ويحتمل أن يكون على الوجهين فيمن تيقن الطهارة وشك في الحدث ويحتمل أن يقطع بأن لا تجب الإعادة لأنا أوجبناها عليه ففعلها بينة الواجب ولا نوجبها ثانيا بخلاف مسألة الوضوء فإنه تبرع به ولا يسقط به الفرض قال وهذا الاحتمال أظهر قلت صرح بالثاني في البحر ونظيره من صلى منفردا ثم أعاد مع جماعة ونوى الفرضية كما هو المشهور ثم بان فساد الأولى فإن الثانية تجزيه ولا يلزم الإعادة صرح به الغزالي في فتاويه عليه صوم واجب لا يدرى هل هو من رمضان أو نذر أو كفارة فنوى صوما واجبا أجزأه كمن نسى صلاة من الخمس ويعذر في عدم جزم النية للضرورة نقله في شرح المهذب عن الصيمري وصاحب البيان وأقرهما وأما التعليق ففيه صور منها الحج بأن يقول مريد الإحرام إن كان زيد محرما فقد أحرمت فإن كان زيد محرما انعقد إحرامه وإلا فلا ولو علقه بمستقبل كقوله إذا أحرم زيد أو جاء رأس الشهر فقد أحرمت فالذي نقله البغوي وآخرون أنه لا يصح وذكر ابن القطان والدارمي والشاشي فيه وجهين أصحهما لا ينعقد قال الرافعي وقياس تجويز تعليق أصل الإحرام بإحرام الغير تجويز هذا لأن التعليق موجود في الحالين إلا أن هذا تعليق بمستقبل وذاك تعليق بحاضر وما يقبل التعليق من العقود يقبلهما جميعا (١/٤١) قلت ويؤيد ما ذكره القاضي أبو حامد أنه لو قال في إحرامه إن شاء اللّه انعقد سواء قصد التعليق أم لا فقيل له أليس وقال لعبده أنت حر إن شاء اللّه صح استثناؤه فيه فقال الفرق أن الاستثناء يؤثر في النطق ولا يؤثر في النيات والعتق ينعقد بالنطق فلذلك أثر الاستثناء فيه والإحرام ينعقد بالنية فلم يؤثر الاستنثاء فيه فقيل له أليس لو قال لزوجته أنت خلية إن شاء اللّه ونوى الطلاق أثر الاستثناء فيه فقال الفرق أن الكناية مع النية في الطلاق كالصريح فلهذا صح الاستثناء قال في شرح المهذب والصواب أن الحكم فيه كسائر العبادات إن نوى التبرك انعقد وإلا فلا ومن صور التعليق في الحج لو أحرم يوم الثلاثين من رمضان وهو شاك فقال إن كان من رمضان فإحرامي بعمرة أو من شوال فحج فكان شوالا كان حجا صحيحا نقله في شرح المهذب عن الدارمي وأقره ونظيره في الطهارة إن شك في الحدث فنوى الوضوء إن كان محدثا وإلا فتجديد صح نقله في شرح المهذب عن البغوي وأقره أو ينوي بوضوئه القراءة إن صح الوضوء لها وإلا فالصلاة صح نقله في شرح المهذب عن البحر وفي الصلاة شك في قصر إمامه فقال إن قصر قصرت وإلا أتممت فبان قاصرا قصر جزم به الأصحاب اختلط مسلمون بكفار أو شهداء بغيرهم صلى على كل واحد بنية الصلاة عليه إن كان مسلما أو غير شهيد عليه فائتة وشك في أدائها فقال أصلي عنها إن كانت وإلا فنافلة فبانت أجزأه نقله في شرح المهذب عن الدارمي قال بخلاف ما لو شك في دخول وقت الصلاة فنوى إن كانت دخلت فعنها وإلا فنافلة أو فائتة فإنه لا يجزيه بالاتفاق وبخلاف ما لو قال فائتة أو نافلة للترديد وفي الزكاة نوى زكاة ماله الغائب إن كان باقيا وإلا فعن الحاضر فبان باقيا أجزأه عنه أو تالفا أجزأه عن الحاضر قال إن كان سالما فعنه وإلا فتطوع فبان سالما أجزأه بالاتفاق وفي الصوم نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد إن كان من رمضان فهو فرض وإن لم يكن فتطوع صحح السبكي والأسنوي أنه يصح ويجزيه ولا يضر هذا التعليق قلت وهو المختار والمرجح في أصل الروضة خلافه وفي الجمعة أحرم بالصلاة في آخر وقتها فقال إن كان الوقت باقيا فجمعة وإلا فظهر فبان بقاؤه ففي صحة الجمعة وجهان في شرح المهذب بلا ترجيح (١/٤٢) المبحث السابع في أمور متفرقة اختلف الأصحاب هل النية ركن في العبادات أو شرط فاختار الأكثر أنها ركن لأنها داخل العبادة وذلك شأن الأركان والشرط ما يتقدم عليها ويجب استمراره فيها واختار القاضي أبو الطيب وابن الصباغ أنها شرط وإلا لافتقرت إلى نية أخرى تندرج فيه كما في أجزاء العبادات فوجب أن تكون شرطا خارجا عنها والأولون انفصلوا عن ذلك بلزوم التسلسل واختلف كلام الغزالي في ذلك فعدها في الصوم ركنا وقال في الصلاة هي بالشروط أشبه ووقع العكس من ذلك في كلام الشيخين فإنهما عداها في الصلاة ركنا وقالا في الصوم النية شرط الصوم وهذا يمكن أن يكون له وجه من جهة أنها في الصوم متقدمة عليه وقال العلائي يمكن أن يقال ما كانت النية معتبرة في صحته فهي ركن فيه وما يصح بدونها ولكن يتوقف حصول الثواب عليها كالمباحات والكف عن المعاصي فنية التقرب شرط في الثواب تنبيه قال ابن دقيق العيد كان الشيخ عز الدين بن عبدالسلام يستشكل معرفة حقيقة الإحرام جدا ويبحث فيه كثيرا فإذا قيل له إنه النية اعترض عليه بأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه وشرط الشيء غيره وإذا قيل له إنه التلبية اعترض عليه بأنها ليست بركن وعبارته في القواعد ومن المشكل قولهم إن الحج والعمرة ينعقدان بمجرد نية الإحرام من غير قول ولا فعل فإن أريد بالإحرام أفعال الحج لم يصح لأنه لم يتلبس بشيء منها وقت النية وإن أريد الانكفاف عن المحظورات لم يصح لأنه لو نوى الإحرام مع ملابسة المحظورات صح ولأنه لو كان كذلك لما صح إحرام من جهل وجوب الكف لأن الجهل به يمنع توجه النية إليه إذ لا يصح قصد ما يجهل حقيقته وفي التلقين لابن سراقة الإحرام النية بالحج والعزم على فعله وقال ابن عبدان الإحرام أن ينوي أنه قد أحرم وغلط بعض أصحابنا فجعل النية غير الإحرام وأشار به إلى ابن سريج حيث قال لا يتم الحج إلا بالنية للإحرام والإحرام وعبارة التنبيه وينوي الإحرام بقلبه وهو يدل على أن النية غير الإحرام وذلك هو التحقيق فإنه لو أحرم إحراما مطلقا فله صرفه إلى ما شاء فالنية غير المنوي وقال النووي الإحرام نية الدخول في الحج أو العمرة قال ابن الرفعة وهذا التفسير يخرج الإحرام المطلق فالوجه أن يقال هو نية حج أو عمرة أو هما أو ما يصلح لأحدهما وهو المطلق تنبيه آخر أجروا النية مجرى الشروط في مسألة وهي ما لو شك بعد الصلاة في تركها أو ترك الطهارة فإنه يجب الإعادة بخلاف ما لو شك في ترك ركن قال في شرح (١/٤٣) المهذب والفرق أن الشك في الأركان يكثر لكثرتها بخلاف الشروط وقال في الروضة وشرح المهذب في الصوم لو شك الصائم في النية بعد الغروب فلا أثر له قاعدة قال الرافعي وتبعه في الروضة النية في اليمين تخصص اللفظ العام ولا تعمم الخاص مثال الأول أن يقول واللّه لا أكلم أحدا وينوي زيدا ومثال الثاني أن يمن عليه رجل ما نال منه فيقول واللّه لا أشرب منه ماء من عطش فإن اليمين تنعقد على الماء من عطش خاصة ولا يحنث بطعامه وثيابه ولو نوى أن لا ينتفع بشيء منه ولو كانت المنازعة تقتضي ذلك لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ ما نوى بجهة يتجوز بها قال الأسنوي وفي ذلك نظر لأن فيه جهة صحيحة وهي إطلاق اسم البعض على الكل قاعدة مقاصد اللفظ على نية اللافظ إلا في موضع واحد وهو اليمين عند القاضي فإنها على نية القاضي دون الحالف إن كان موافقا له في الاعتقاد فإن خالفه كحنفي استحلف شافيا في شفعة الجوار ففيمن تعتبر نيته وجهان أصحهما القاضي أيضا وهذه فروع منثورة مع نظير فأكثر لكل فرع فرع فرع أدخل الجنب يده في الإناء بعد النية أو المحدث بعد غسل الوجه فإن نوى رفع الحدث صار مستعملا أو الاغتراف فلا أو أطلق فوجهان أصحهما يصير وله نظائر منها إذا عقب النية بالمشيئة فإن نوى التعليق بطلت أو التبرك فلا أو أطلق فوجهان أصحهما تبطل ومنها لو كان اسمها طالق أو حرة فقال يا طالق أو يا حرة فإن قصد الطلاق أو العتق حصلا أو النداء فلا وإن أطلق فوجهان لكن الأصح هنا عدم الحصول ومنها لو كرر لفظ الطلاق بلا عطف فإن قصد الاستئناف وقع الثلاث أو التأكيد فواحدة أو أطلق فقولان الأصح ثلاث ومنها قال أنت طالق طلقة في طلقتين فإن قصد الظرف فواحدة أو الحساب فثنتان أو أطلق فقولان أصحهما واحدة وكذا في الإقرار ومنها لو قال أنت طالق وطالق وطالق وقصد الاستئناف أو تأكيد الأول بالثاني أو بالثالث فثلاث أو تأكيد الثاني بالثالث فثنتان أو أطلق فقولان أصحهما ثلاث وكذا في الإقرار (١/٤٤) ومنها لو قال واللّه لا أجامع واحدة منكن فإن قصد الامتناع عن كل واحدة فمول من الكل أو واحدة فقط فمول منها أو أطلق فوجهان أصحهما الحمل على التعميم ومنها لو قال أنت علي كعين أمي فإن قصد الظهار فمظاهر أو الكرامة فلا أو أطلق فوجهان أصحهما لا شيء ومنها لو قال لعلوي لست ابن علي وقال أردت لست من صلبه بل بينك وبينه آباء فلا حد أو قصد القذف حد وإن أطلق وقال لم أرد به شيئا لم يحد جزم به في زوائد الروضة ومنها إذا اتخذ الحلي بقصد استعماله في مباح لم تجب فيه الزكاة أو بقصد كنزه وجبت أو لم يقصد استعمالا ولا كنزا فوجهان أصحهما في أصل الروضة لا زكاة ومنها لو انكسر الحلي المباح بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحتاج إلى صوغ ويقبل الإصلاح بالإلحام فإن قصد جعله تبرا أو دراهم أو كنزه انعقد الحول عليه من يوم الانكسار وإن قصد إصلاحه فلا زكاة وإن تمادت عليه أحوال وإن لم يقصد هذا ولا ذاك فوجهان أرجحهما الوجوب ومنها مسح على الجرموق ووصل البلل إلى الأسفل فإن كان يقصد الأسفل صح أو الأعلى فقط فلا أو أطلق فوجهان الأصح الصحة وله حالة رابعة أن يقصدهما والحكم الصحة وله في ذلك نظيران أحدهما إذا نطق في الصلاة بنظم القرآن ولم يقصد سواه فواضح وإن قصد به التفهيم فقط بطلت وإن قصدهما معا لم تبطل وإن أطلق فوجهان الأصح البطلان الثاني إذا تلفظ الجنب أذكار القرآن ونحوها فإن قصد القراءة فقط حرم أو الذكر فقط فلا وإن قصدهما حرم أو أطلق حرم أيضا بلا خلاف ويقرب من ذلك حمل المصحف في أمتعة فإنه إن كان هو المقصود بالحمل حرم وإن كان المقصود الأمتعة فقط أو هما فلا فرع إذا اقترنت نية الوضوء بالمضمضة أو الاستنشاق لم تصح إلا أن ينغسل معهما شيء من الوجه فتصح النية لكن لا يجزئ المغسول عن الوجه على الأصح لأنه لم يغسله بقصد أداء الفرض فتجب إعادته كذا في الروضة من زوائده وادعى في المهمات أن القول بالصحة وعدم إجزاء المغسول عن الفرض غير معقول قلت وجدت له نظيرا وهو ما إذا أحرم بالحج في غير أشهره فإنه ينعقد عمرة على الصحيح ولا تجزيه عن عمرة الإسلام على قول وعلى هذا فقد صححنا نية أصل (١/٤٥) الإحرام ولم نعتد بالمفعول عن الواجب وهذا نظير حسن لم أر من تفطن له ومن هنا انجر بنا القول إلى تأدي الفرض بنية النفل والأصل عدم إجزائه وفيه فروع أتى بالصلاة معتقدا أن جميع أفعالها سنة عطس فقال الحمد للّه وبنى عليه الفاتحة سلم الأولى على نية الثانية ثم بان خلافه لم تحسب ولا خلاف في كل ذلك توضأ الشاك احتياطا ثم تيقن الحدث لم يجزئه في الأصح ترك لمعة ثم جدد الوضوء فانغسلت فيه لم تجزئه في الأصح اغتسل بنية الجمعة لا تجزيه عن الجنابة في الأصح ترك سجدة ثم سجد سجدة للتلاوة لا تجزئ عن الفرض في الأصح ذكر صور خرجت عن هذا الأصل فتأدى فيها الفرض بنية النفل قال النووي في شرح الوسيط ضابطها أن تسبق نية تشمل الفرض والنفل جميعا ثم يأتي بشيء من تلك العبادات ينوي به النفل ويصادف بقاء الفرض عليه قلت هذا الضابط منتقص طردا وعكسا كما يعرف من الأمثلة السابقة والآتية من ذلك جلس للتشهد الأخير وهو يظنه الأول ثم تذكر أجزأه نوى الحج أو العمرة أو الطواف تطوعا وعليه الفرض انصرف إليه بلا خلاف تذكر في القيام ترك سجدة وكان جلس بنية الاستراحة كفاه عن جلوس الركن في الأصح أغفل المتطهر لمعة وانغسلت بنية التكرار في الثانية والثالثة أجزأه في الأصح بخلاف ما لو انغسلت في التجديد لأن التجديد طهارة مستقلة لم ينو فيه رفع الحديث أصلا والثلاث طهارة واحدة وقد تقدمت فيه نية الفرض والنفل جميعا ومقتضى نيته أن لا يقع شيء عن النفل حتى يرتفع الحدث بالفرض قام في الصلاة الرباعية إلى ثالثة ثم ظن في نفسه أنه سلم وأن الذي يأتي به الآن صلاة نفل ثم تذكر الحال قال العلائي لم أر هذه المسئلة بعينها والظاهر أن ذلك يجزيه عن الفرض كما في مسئلة التشهد قال والمسئلة منقولة عن المالكية وفيها عندهم قولان وكذلك لو سلم من ركعتين سهوا ثم قام فصلى ركعتين بنية النفل هل تتم الصلاة الأولى بذلك وفيها عندهم قولان قال ولا شك أن الإجزاء في هذه أبعد من الأولى قلت المسئلة الثانية منقولة في الروضة وغيرها قال في الروضة من زيادته لو سلم من صلاة وأحرم بأخرى ثم تيقن أنه ترك ركنا من الأولى لم تنعقد الثانية وأما (١/٤٦) الولى فإن قصر الفصل بنى عليها وإن طال وجب استئنافها وكذا في شرح المهذب ومن الفروع ما قاله القاضي الحسين ونقله القمولي في الجواهر أنه لو قنت في سنة الصبح ظانا أنه الصبح فسلم وبان قال القاضي يبطل لشكه في النية وإتيان أفعال الصلاة على الشك يقتضي البطلان قلت ولا يخلو ذلك من نظر ثم رأيت صاحب الكافي توقف فيه قال فإن غايته أنه أخطأ وسها والخطأ في الصلاة لا يفسدها فرع لو دخل المسجد وقت الكراهة بقصد أن يصلي التحية كرهت له في الأصح ونظيره فيما ذكره النووي بحثا أن يقرأ آية السجدة في الصلاة بقصد أن يسجد فعلى هذا إذا سجد بطلت الصلاة ونازع في ذلك البلقيني وقال لا ينهى في قراءة آية السجدة في الصلاة ليسجد وذكر القاضي حسين أنه لا يستحب جمع آيات السجود وقراءتها دفعة واحدة من أجل السجود وذلك يقتضي جوازه ومنعه الشيخ عز الدين بن عبدالسلام وأفتى ببطلان الصلاة ونظيره أيضا ما لو أخر الفائتة ليصليها في وقت الكراهة فإنه يرحم وقاس عليه في المهمات أن يؤخر قضاء الصوم ليوقعه يوم الشك ونظيره أيضا من سلك الطريق الأبعد بقصد القصر لا غير لا يقصر في الأصح ولو أحرم مع الإمام فلما قام إلى الثانية نوى مفارقته واقتدى آخر قد ركع بقصد إسقاط الفاتحة قال الزركشي فيحتمل أن لا تصح القدوة لذلك قال وليس هذا كمن سافر لقصد القصر والفطر فإن هذا قاصد أصل السفر وذاك قاصد في أثناء السفر ونظير هذا أن يقصد بأصل الاقتداء تحمل الفاتحة وسجود السهو فإنه يحصل له ذلك وقد قال النووي وابن الصلاح فيمن حلف ليطأن زوجته في نهار رمضان الجواب فيها ما قاله أبو حنيفة لسائل سأله عن ذلك أنه يسافر فرع المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها إذا كانت نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها كما اختاره في الكفاية ونقله عن التلخيص للروياني قال في المهمات ونقله في البحر عن القفال وارتضاه وجزم به الماوردي في الحاوي والغزالي في الخلاصة وهو الحق انتهى واختار السبكي أن معتاد الجماعة إذا تركها لعذر يحصل له أجرها قال ابنه في التوشيح هذا أبلغ من قول الروياني من وجه ودونه من وجه فأبلغ من وجهة أنه لم يشترط فيه القصد بل اكتفى بالعادة السابقة ودونه من جهة (١/٤٧) أنه اشترط فيه العادة وممن اختار ذلك البلقيني أيضا والمصحح في شرح المهذب أنه لا يحصل له الأجر ولكن المختار الأول والأحاديث الصحيحة تدل لذلك ونظيره المعذور في ترك المبيت بمنى لا يلزمه دم ولولا أنه نزل منزلة الحاضر لزمه الدم ويلزم من ذلك حصول الأجر له بلا شك وخرج البلقيني من ذلك أن الواقف لو شرط المبيت في خانقاه مثلا فبات من شرط مبيته خارجها لعذر من خوف على نفس أو زوجة أو مال أو نحوها لا يسقط من معلومه شيء ذكره في فتاويه قال وهو من القياس الحسن لم أسبق إليه ومن نظائر ذلك من حضر الوقعة وهو صحيح فعرض له مرض لم يبطل حقه من الإسهام له سواء كان مرجو الزوال أم لا على الأصح ومن تحيز إلى فئة قريبة ليستنجد بها يشارك الجيش فيما غنموه بعد مفارقته فرع ذكر الرافعي في الطلاق أنه إذا وطئ امرأتين واغتسل عن الجنابة وحلف أنه لم يغتسل عن الثانية لم يحنث ونظير ذلك ما ذكره في الأوائل أنه لو قال واللّه لا أغتسل عنك سألناه فإن قال أردت لا أجامعك فمول وإن قال أردت الامتناع من الغسل أو أني أقدم على وطئها وطء غيرها فيكون الغسل عن الأولى بحصول الجنابة بها قبل ولا يكون موليا وفي شرح التلخيص للسنجي لو أجنبت المرأة ثم حاضت واغتسلت وكانت حلفت أنها لا تغتسل عن الجنابة فالعبرة عندنا بالنية فإن نوت الاغتسال عنهما تكون مغتسلة عنهما وتحنث وإن نوت عن الحيض وحده لم تحنث لأنها لم تغتسل عن الجنابة وإن كانت غسلها مجزيا عنهما معا فرع تقدم أن الأصح أن الطواف والسعي لا يشترط فيهما القصد وإنما يشترط عدم قصد غيرهما ولذلك نظائر منها هل يشترط قصد المشتري بقوله اشتريت الجواب أو الشرط أن لا يقصد الابتداء فيه وجهان أصحهما الثاني ومنها الخمر المحترمة هي التي عصرت بقصد الخلية أو لا بقصد الخمرية عبارتان للرافعي ذكر الأولى في الرهن والثانية في الغصب فلو عصرت بلا قصد فمحترمة على الثانية دون الأولى ومنها هل يشترط في الوضوء الترتيب أو الشرط عدم التنكيس وجهان الأصح الأول فلو غسل أربعة أعضاء معا صح على الثاني دون الأول ومنها هل يشترط الترتيب بين حجة الإسلام والنذر أو الشرط عدم تقديم النذر خلاف الأصح الثاني فلو استناب المعضوب رجلين فحجا في عام واحد صح على الثاني دون الأول (١/٤٨) ومنها هل يشترط في الوقف ظهور القربة أو الشرط انتفاء المعصية وجهان أصحهما الثاني فيصح على الأغنياء وأهل الذمة والفسقة على الثاني دون الأول وجزم في الوصية بالثاني ومنها هل يشترط في الوقف القبول أو الشرط عدم الرد وجهان صحح الرافعي الأول ووافقه النووي في كتاب الوقف وصحح في السرقة من زوائد الروضة الثاني ويجريان في الإبراء والأصح فيه الثاني على قول التمليك أما على قول الإسقاط فلا يشترط جزما ومنها إذا ضربت القرعة بين مستحقي القصاص فخرجت لواحد لم يجز له الاستيفاء إلا بإذن جديد وهل الإذن شرط أو الشرط عدم المنع وجهان أصحهما الأول ومنها المتصرف عن الغير شرطه أن يتصرف بالمصلحة أو الشرط عدم المفسدة وجهان أصحهما الأول فإذا استوت المصلحة والمفسدة لم يتصرف على الأول ويتصرف على الثاني ومنها المكره على الصلاق هل يشترط قصد غيره بالتورية أو الشرط أن لا يقصده وجهان أصحهما الثاني وأجراهما الماوردي وغيره في الإكراه على كلمة الكفر ومنها من أقر لغيره بشيء هل يشترط تصديقه أو الشرط عدم تكذيبه وجهان والأصح في الروضة الثاني لطيفة هذه النظائر نظائر في العربية ويحضرني منها مسئلة في باب ما لا ينصرف وهو أن فعلان الوصف هل يشترط في منع صرفه وجود فعلى أو الشرط انتفاء فعلانة قولان أصحهما الثاني فعلى الأول يصرف نحو رحمن ولحيان وعلى الثاني لا تنبيه اشتملت قاعدة الأمور بمقاصدها على عدة قواعد كما تبين ذلك مشروحا وقد أتينا على عيون مسائلها وإلا فمسائلها لا تحصى وفروعها لا تستقصى خاتمة تجري قاعدة الأمور بمقاصدها في علم العربية أيضا فالأول ما اعتبر ذلك في الكلام فقال سيبويه والجمهور باشتراط القصد فيه فلا يسمى كلاما ما نطق به النائم والساهي وما تحكيه الحيوانات المعلمة وخالفه بعضهم فلم يشترطه وسمى كل ذلك كلاما واختاره أبو حيان وفرع على ذلك من الفقه ما إذا حلف لا يكلمه فكلمه نائما أو مغمى عليه (١/٤٩) فإنه لا يحنث كما جزم به الرافعي قال وإن كلمه مجنونا ففيه خلاف والظاهر تخريجه على الجاهل ونحوه وإن كان سكرانا حنث في الأصح إلا إذا انتهى إلى السكر الطافح هذه عبارته ولو قرأ حيوان آية سجدة قال الأسنوي فكلام الأصحاب مشعر بعدم استحباب السجود لقراءته ولقراءة النائم والساهي أيضا ومن ذلك المنادى النكرة إن قصد نداء واحد بعينه تعرف ووجب بناؤه على الضمن وإن لم يقصد لم يتعرف وأعرب بالنصب ومن ذلك أن المنادى المنون للضرورة يجوز تنوينه بالنصب والضم فإن نون بالضم جاز ضم نعته ونصبه أو بالنصب تعين نصبه لأنه تابع لمنصوب لفظا ومحلا فإن نون مقصور نحو يا فتى بني النعت على ما نوى في المنادى فإن نوى فيه الضم جاز الأمران أو النصب تعين ذكر هذه المسئلة أبو حيان في كتابيه الارتشاف وشرح التسهيل ومن ذلك قالوا ما جاز إعرابه بيانا جاز إعرابه بدلا وقد استشكل بأن البدل في نية سقوط الأول والبيان بخلافه فكيف تجتمع نية سقوطه وتركها في تركيب واحد فأجاب رضي الدين الشاطبي بأن المراد أنه مبني على قصد المتكلم فإن قصد سقوطه وإحلال التابع محله أعرب بدلا وإن لم يقصد ذلك أعرب بيانا ومن ذلك العلم المنقول من صفة إن قصد به لمح الصفة المنقول منها أدخل فيه أل وإلا فلا وفروع ذلك كثيرة بل أكثر مسائل علم النحو مبنية على القصد وتجري أيضا هذه القاعدة في العروض فإن الشعر عند أهله كلام موزون مقصود به ذلك أما ما يقع موزونا اتفاقا لا عن قصد من المتكلم فإنه لا يسمى شعرا وعلى ذلك خرج ما وقع في كلام اللّه تعالى كقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون أو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كقوله هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل اللّه ما لقيت القاعدة الثانية اليقين لا يزال بالشك ودليلها قوله صلى اللّه عليه وسلم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا رواه مسلم من حديث أبي هريرة وأصله في الصحيحين عن عبداللّه بن زيد قال شكى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وابن عباس وروى مسلم عن (١/٥٠) أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن وروى الترمذي عن عبدالرحمن بن عوف قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة فإن لم يتيقن صلى اثنتين أم ثلاثا فليبن على اثنتين فإن لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر ولو سردتها هنا لطال الشرح ولكني أسوق منها جملة صالحة فأقول يندرج في هذه القاعدة عدة قواعد منها قولهم الأصل بقاء ما كان على ما كان فمن أمثلة ذلك من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر أو تيقن في الحدث وشك في الطهارة فهو محدث ومن فروع الشك في الحدث أن يشك هل نام أو نعس أو ما رآه رؤيا أو حديث نفس أو لمس محرما أو غيره أو رجلا أو امرأة أو بشرا أو شعرا أو هل نام ممكنا أو لا أو زالت إحدى أليتيه وشك هل كان قبل اليقظة أو بعدها أو مس الخنثى أحد فرجيه ثم مس مرة ثانية وشك هل الممسوس ثانيا الأول أو الآخر ومن ذلك عدم النقض بمس الخنثى أو لمسه أو جماعه ومن ذلك مسئلة من تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق والأصح أنه يؤمر بالتذكر فيما قبلهما فإن كان محدثا فهو الآن متطهر لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في انتقاضها لأنه لا يدري هل الحدث الثاني قبلها أو بعدها وإن كان متطهرا فإن كان يعتاد التجديد فهو الآن محدث لأنه تيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك في زواله لأنه لا يدري هل الطهارة الثانية متأخرة عنه أم لا بأن يكون والى بين الطهارتين ونظير ذلك ما لو علمنا لزيد على عمرو ألفا فأقام عمرو بينة بالأداء أو الإبراء فأقام زيد بينة أن عمرا أقر له بألف مطلقا لم يثبت بهذه البينة شيء لاحتمال أن الألف الذي أقر به هو الألف الذي علمنا وجوبه وقامت البينة بإبرائه فلا نشغل ذمته بالاحتمال وفرع في البحر على قولنا يأخذ بالضد فرعا حسنا وهو ما إذا قال عرفت قبل هاتين الحالتين حدثنا وطهرا أيضا ولا أدري أيهما السابق قال فيعتبر ما كان قبلهما (١/٥١) أيضا ونأخذ بمثله بعكس ما تقدم وهو في الحقيقة ضد هذه الحالة قال في الخادم والحاصل أنه في الأوتار يأخذ بضد ما قبله وفي الأشفاع يأخذ بمثله شك في الطاهر المغير للماء هل هو قليل أو كثير فالأصل بقاء الطهورية أحرم بالعمرة ثم بالحج وشك هل كان أحرم بالحج قبل طوافها فيكون صحيحا أبو بعده فيكون باطلا حكم بصحته قال الماوردي لأن الأصل جواز الإحرام بالحج حتى يتيقن أنه كان بعده قال وهو كمن تزوج وأحرم ولم يدر هل أحرم قبل تزويجه أو بعده فإن الشافعي نص على صحة نكاحه لأن الأصل عدم الإحرام ونص فيمن وكل في النكاح ثم لم يدر أكان وقع عقد النكاح بعد ما أحرم أو قبله أنه صحيح أيضا أحرم بالحج ثم شك هل كان في أشهر الحج أو قبلها كان حجا لأنه على يقين من هذا الزمان وعلى شك من تقدمه ذكره في شرح المهذب أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر صح صومه لأن الأصل بقاء الليل وكذا في الوقوف أكل آخر النهار بلا اجتهاد وشك في الغروب بطل صومه لأن الأصل بقاء النهار نوى ثم شك هل طلع الفجر أم لا صح صومه بلا خلاف تعاشر الزوجان مدة مديدة ثم ادعت عدم الكسوة والنفقة فالقول قولها لأن الأصل بقاؤهما في ذمته وعدم أدائهما زوج الأب ابنته معتقدا بكارتها فشهد أربع نسوة بثيوبتها عند العقد لم يبطل لجواز إذالتها بإصبع أو ظفر والأصل البكارة اختلف الزوجان في التمكين فقالت سلمت نفسي إليك من وقت كذا وأنكر فالقول قوله لأن الأصل عدم التمكين ولدت وطلقها فقال طلقت بعد الولادة فلي الرجعة وقالت قبلها فلا رجعة ولم يعينا وقتا للولادة ولا للطلاق فالقول قوله لأن الأصل بقاء سلطنة النكاح فإن اتفقا على يوم الولادة كيوم الجمعة وقال طلقت يوم السبت وقالت الخميس فالقول قوله لأن الأصل بقاء النكاح يوم الخميس وعدم الطلاق أو على وقت الطلاق واختلفا في وقت الولادة فالقول قولها لأن الأصل عدم الولادة إذ ذاك أسلم إليه في لحم فجاء به فقال المسلم هذا لحم ميتة أو مذكى مجوسي وأنكر المسلم إليه فالقول قول المسلم القابض قطع به الزبيري في المسكت والهروي في الأشراف والعبادي في آداب القضاء قال لأن الشاة في حال حياتها محرمة فيتمسك بأصل التحريم إلى أن يتحقق زواله (١/٥٢) اشترى ماء وادعى نجاسته ليرده فالقول قول البائع لأن الأصل طهارة الماء ادعت الرجعية امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة صدقت ولها النفقة لأن الأصل بقاؤها وكل شخصا في شراء جارية ووصفها فاشترى الوكيل جارية بالصفة ومات قبل أن يسلمها للموكل لم يحل للموكل وطؤها لاحتمال أنه اشتراها لنفسه وإن كان شراء الوكيل الجارية بالصفات الموكل بها ظاهرا في الحل ولكن الأصل التحريم ذكره في الإحياء قاعدة الأصل براءة الذمة ولذلك لم يقبل في شغل الذمة شاهد واحد مالم يعتضد بآخر أو يمين المدعي ولذا أيضا كان القول قول المدعى عليه لموافقته الأصل وفي ذلك فروع منها اختلفا في قيمة المتلف حيث تجب قيمته على متلفه كالمستعير والمستام والغاصب والمودع المتعدي فالقول قول الغارم لأن الأصل براءة ذمته مما زاد ومنها توجهت اليمين على المدعى عليه فنكل لا يقضى بمجرد نكوله لأن الأصل براءة ذمته بل تعرض على المدعي ومنها من صيغ القرض ملكتكه على أن ترد بدله فلو اختلفا في ذكر البدل فالقول قول الآخذ لأن الأصل براءة ذمته ومنها لو قال الجاني هكذا أوضحت وقال المجني عليه بل أوضحت موضحتين وأنا رفعت الحاجز بينهما صدق الجاني لأن الأصل براءة ذمته لطيفة قال ابن الصائغ فيما نقلته من خطه نظير قول الفقهاء إن الأصل براءة الذمة فلا يقوى الشاهد على شغلها مالم يعتضد بسبب آخر قول النحاة الأصل في الأسماء الصرف يقوى سبب واحد على خروجه عن أصله حتى يعتضد بسبب آخر قاعدة قال الشافعي رضي اللّه عنه أصل ما انبنى عليه الإقرار أني أعمل اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة وهذه قاعدة مطردة عند الأصحاب ومرجعها إلى أن الأصل براءة الذمة كقولهم فيما لو أقر أنه وهبه وملكه لم يكن مقرا بالقبض لأنه ربما اعتقد أن الهبة لا تتوقف على القبض وأصل الإقرار البناء على اليقين فلو أقر لابنه بعين فيمكن تنزيل الإقرار على البيع وهو سبب قوي يمنع الرجوع وعلى (١/٥٣) الهبة فلا يمنع الرجوع فأفتى أبو سعيد الهروي بإثبات الرجوع تنزيلا على أقل السببين وأضعف الملكين وأفتى أبو عاصم العبادي بعدمه لأن الأصل بقاء الملك للمقر له وحكى الرافعي عن الماوردي والقاضي أبي الطيب موافقة أبي سعيد ثم قال ويمكن أن يتوسط فيقال إن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن فالأمر كما قال القاضيان وإن أقر بالملك المطلق فالأمر كما قال العبادي وقال النووي في فتاويه الأصح المختار قول الهروي وقبول تفسيره بالهبة ورجوعه مطلقا ومن الفروع أن إقرار الحاكم بالشيء إن كان على جهة الحكم كان حكما وإن لم يكن بأن كان في معرض الحكايات والإخبار عن الأمور المتقدمة لم يكن حكما قاله الرافعي في أواخر الإقرار قال الأسنوي وهذا من القواعد المهمة قال فإذا شككنا في ذلك لم يكن حكما لأن الأصل بقاؤه على الإخبار وعدم نقله إلى الإنشاء ومنها لو أقر بمال أو مال عظيم أو كثير أو كبير قبل تفسيره بما يتمول وإن قل ولو قال له عندي سيف في غمد أو ثوب في صندوق لا يلزمه الظرف أو غمد فيه سيف أو صندوق فيه ثوب لزمه الظرف وحده أو خاتم فيه فص لم يلزمه الفص أو عبد على رأسه عمامة لم تلزمه العمامة أو دابة في حافرها نعل أو جارية في بطنها حمل لم يلزمه النعل والحمل ولو أقر له بألف ثم أقر له بألف في يوم آخر لزمه ألف فقط أو بأكثر دخل الأقل في الأكثر وفروع القاعدة كثيرة ( تنبيه ) سئل السبكي عن اتفاق الأصحاب على أن من قال له على دراهم يلزمه ثلاثة ولم يقل بلزوم درهمين مع أن بضع أصحابنا قال إن أقل الجمع اثنان وإن كان المشهور أنه ثلاثة فلم لا قيل بلزوم درهمين على كلا القولين بجواز أن يكون تجوز وأطلق الجمع على الاثنين فإن ذلك مجاز شائع بالاتفاق من القائلين بالمنع مع أن الإقرار مبني على اليقين فأجاب بأن الإقرار إنما يحمل على الحقيقة واحتمال المجاز لا يقتضي الحمل عليه إذ لو فتح هذا الباب لم يتمسك بإقرار وقد قال الهروي إن أصل هذا ما قاله الشافعي إنه يلزم في الإقرار باليقين وظاهر المعلوم وهو الظن القوي ولا يلزم بمجرد الظن كما لا يلزم في حال الشك إذ الأصل براءة الذمة هذه عبارته قال وهذا الذي قاله الهروي صحيح واحتمال إرادة المجاز دون الشك لأنه وهم فكيف يعمل به بل لو قال أردت بقولي دراهم درهمين لم يقبل لكن له تحليف غريمه وكون الإقرار مبينا على اليقين لا يقدح في هذا لأن هذا يقين فإنه موضوع اللفظ لغة وليس المراد باليقين القطع (١/٥٤) ولو أريد القطع فقد تقدم في كلام الهروي أنه يأخذ باليقين وبالظن القوي وحمل اللفظ على المجاز إنم ايكون لقرينة أما بغير قرينة فيحمل على الحقيقة قطعا وهذا هو المراد باليقين انتهى قاعدة من شك هل فعل شيئا أو لا فالأصل أنه لم يفعله ويدخل فيها قاعدة أخرى من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل لأنه المتيقن اللّهم إلا أن تشتغل الذمة بالأصل فلا تبرأ إلا بيقين وهذا الاستثناء راجع إلى قاعدة ثالثة ذكرها الشافعي رضي اللّه عنه وهي أن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين فمن فروع ذلك شك في ترك مأمور في الصلاة سجد للسهو أو ارتكاب فعل منهي فلا يسجد لأن الأصل عدم فعلهما ومنها سها وشك هل سجد للسهو يسجد ومنها شك في أثناء الوضوء أو الصلاة أو غيرهما من العبادات في ترك ركن وجبت إعادته فلو علمه وشك في عينه أخذ بالأسوإ فإن احتمل أنه النية وجب الاستئناف فلو ترك سجدة وشك هل هي من الركعة الأخيرة أو غيرها لزمه ركعة لاحتمال أن تكون من غيرها فتكمل بركعة تليها ويلغو باقيها ولو شك في محل سجدتين أو ثلاث وجب ركعتان لاحتمال ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية فيكمل الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة ويلغو الباقي وكذا لو انضم إلى ذلك ترك سجدة أخرى هكذا أطبق عليه الأصحاب وأورد على ذلك أن الصواب في ثلاث لزوم ركعتين وسجدة لأن أسوأ الأحوال أن يكون المتروك السجدة الأولى من الركعة الأولى والثانية من الثانية وواحدة من الرابعة فيبقى عليه من الركعة الأولى الجلوس بين السجدتين والسجدة الثانية فلما قدرنا أنه ترك السجدة الثانية من الركعة الثانية لم يمكن أن يكمل لسجدتها الأولى الركعة الأولى لفقدان الجلوس بين السجدتين قبلها نعم بعدها جلوس محسوب فيحصل له من الركعتين ركعة إلا سجدة فيكملها بسجدة من الثالثة ويلغو باقيها ثم ترك واحدة من الرابعة فيبقى عليه ركعتان وسجدة وقد اعتمد الأصفوني هذا الإيراد في مختصر الروضة والأسنوي في تصحيح التنبيه وقال في شرح المنهاج إنه عمل عقلي واضح لا شك فيه وأجاب عنه النشائي بأن هذا خلاف التصوير فإنهم حصروا المتروك في ثلاث (١/٥٥) سجدات وهذا يستدعي ترك فرض آخر واتفاقهم على أن المتروك من الأولى واحدة يبطل هذا الخيال وذكر ابن السبكي في التوشيح أن والده وقف على رجز له في الفقه وفيه اعتماد هذا الإيراد فكتب على الحاشية لكنه مع حسنه لا يرد إذ الكلام في الذي لا يفقد إلا السجود فإذا ما انضم له ترك الجلوس فليعامل عمله وإنما السجدة للجلوس وذاك مثل الواضح المحسوس ولو شك في محل أربع سجدات لزمه سجدة وركعتان لاحتمال أن يكون ترك سجدتين من الأولى وسجدة من الثالثة وأخرى من الرابعة وعلى ما تقدم من الاستدراك يجب سجدتان وركعتان لاحتمال ترك الأولى من الأولى والثانية من الثانية وثنتين من الرابعة فحصل من الثلاث ركعة ولا سجود في الرابعة ولو شك في محل خمس سجدات لزمه ثلاث ركعات لاحتمال ترك سجدتين من الأولى وسجدتين من الثالثة وسجدة من الرابعة ومنها لو شك هل غسل ثنتين أو ثلاثة بنى على الأقل وأتى بالثالثة وقال الجويني لا لأن ترك سنة أهون من فعل بدعة ورد بأنها إنما تكون بدعة مع العلم بأنها رابعة ومنها شك هل أحرم بحج أو عمرة نوى القران ثم لا يجزيه إلا الحج فقط لاحتمال أن يكون أحرم به فلا يصح إدخال العمرة عليه ومنها شك هل طلق واحدة أو أكثر بنى على الأقل ومنها عليه دين وشك في قدره لزمه إخراج القدر المتيقن كما قطع به الإمام إلا أن تشتغل ذمته بالأصل فلا يبرأ إلا مما تيقن أداءه كما لو نسي صلاة من الخمس تلزمه الخمس ولو كان عليه زكاة بقرة وشاة وأخرج أحدهما وشك فيه وجبا قاله ابن عبدالسلام قياسا على الصلاة وصرح به القفال في فتاويه فقال لو كانت له أموال من الإبل والبقر والغنم وشك في أن عليه كلها أو بعضها لزمه زكاة الكل لأن الأصل بقاء زكاته كما لو شك في الصيام وقال أنا شاك في العشر الأول هل علي صوم كله أو ثلاثة أيام منه وجب قضاء كله ولو اتخذ إناء من فضة وذهب وجهل الأكثر ولم يميزه وجب أن يزكي الأكثر ذهبا وفضة ولو كانت عليها عدة وشكت هل هي عدة طلاق أو وفاة لزمها الأكثر وإنما وجب الأكثر في هذه الصورة لأن المكلف ينسب إلى القصير بخلاف من شك في الخارج أمني أم مذي حيث يتخير ولو كان عليه نذر وشك هل هو صلاة أو صوم أو عتق أو صدقة قال البغوي (١/٥٦) في فتاويه يحتمل أن يقال عليه الإتيان بجميعها كمن نسي صلاة من الخمس ويحتمل أن يقال يجتهد بخلاف الصلاة لأنا تيقنا هناك وجوب الكل فلا يسقط إلا بيقين وهنا لم يجب إلا شيء واحد واشتبه فيجتهد كالقبلة والأواني ولو حلف وشك هل حلف باللّه تعالى أو الطلاق أو العتق قال الزركشي ففي التبصرة للخمي المالكي أن كل يمين لم يعتد الحلف بها لا تدخل في يمينه مع الشك قال وقياس مذهبنا أن يقال إذا حنث لا يقع الطلاق لأنه لا يقع بالشك وأما الكفارة فيحتمل أن لا تجب في الحال لعدم تحقق شغل الذمة ويحتمل أن تجب في الحال فإذا أعتق برئ لأنها إن كانت باللّه أو الظهار أو العتق فالعتق تجزئ في كلها ولا يضر عدم التعيين بخلاف ما لو أطعم أو كسا قلت الاحتمال الأول أرجح ونظيره ما لو شك في الحد أرجم أو جلد فإنه لا يحد بل يعزر كما قرره ابن المسلم أن التردد بين جنسين من العقوبة إذا لم يكونا قتلا يقتضي إسقاطهما والانتقال إلى التعزير وسيأتي في أحكام الخنثى ومنها رجل فاتته صلاة يومين فصلى عشر صلوات ثم علم ترك سجدة لا يدري من أيها أفتى القاضي حسين بأنه يلزمه إعادة صلوات يوم وليلة وهو قياس قوله فيمن ترك صلوات لا يدري عددها أنه يجب القضاء إلى أن يتيقن إتيانه بالمتروك وقال ابن القطان في المطارحات الصحيح الاكتفاء بواحدة فبإعادتها يصير شاكا في وجوب الباقي فلا يلزمه بالشك وجوب إعادة الباقي وهو قياس قول القفال في تلك يكتفى بقضاء ما يشك بعده في أنه هل بقي في ذمته شيء قاعدة الأصل العدم فيها فروع منها القول قول نافى الوطء غالبا لأن الأصل العدم ومنها القول قول عامل القراض في قوله لم أربح لأن الأصل عدم الربح أو لم أربح إلا كذا لأن الأصل عدم الزائد وفي قوله لم تنهني عن شراء كذا لأن الأصل عدم النهي ولأنه لو كان كما يزعمه المالك لكان خائنا والأصل عدم الخيانة وفي قدر رأس المال لأن الأصل عدم دفع الزيادة وفي قوله بعد التلف أخذت المال قراضا وقال المالك قرضا كما قاله البغوي وابن الصلاح في فتاويهما لأنهما اتفقا على جواز التصرف والأصل عدم الضمان ولو قال المالك قراضا وقال الآخر قرضا وذلك عند بقاء المال وربحه فلم أر فيها نقلا والظاهر أن القول قول مدعي القرض أيضا لأمور منها أنه أغلظ عليه (١/٥٧) لأنه بصدد أن يتلف المال أو يخسر ومنها أن اليد له في المال والربح ومنها أنه قادر على جعل الربح له بقوله اشتريت هذا لي فإنه يكون القول قوله ولو اتفقا على أن المال قراض فدعواه أن المال قرض يستلزم دعواه أنه اشتراه له فيكون ربحه له ومنها لو ثبت عليه دين بإقرار أو بينة فادعى الأداء والإبراء فالقول قول غريمه لأن الأصل عدم ذلك ومنها لو اختلفا في قدم العيب فأنكره البائع فالقول قوله واختلف في تعليله فقيل لأن الأصل عدمه في يد البائع وقيل لأن الأصل لزوم العقد وبهذا التعليل جزم الرافعي والنووي قال الماوردي وينبني على الخلاف ما لو ادعى البائع قدمه والمشتري حدوثه ويتصور ذلك بأن يبيعه بشرط البراءة فيدعي المشتري الحدوث قبل القبض حتى يرد به لأنه لا يبرأ منه فإن عللنا بكون الأصل عدمه في يد البائع صدقنا المشتري لأن ذلك المعنى يقتضي الرد هنا وإن عللنا بكون الأصل اللزوم صدقنا البائع قال الأسنوي ومقتضى ذلك تصحيح تصديق البائع ومنها اختلف الجاني والولي في مضي زمن يمكن في الاندمال فالمصدق الجاني لأن الأصل عدم المضي ومنها أكل طعام غيره وقال كنت أبحته لي وأنكر المالك صدق المالك لأن الأصل عدم الإباحة ومنها سئل النووي عن مسلم له ابن ماتت أمه فاسترضع له يهودية لها ولد يهودي ثم غاب الأب مدة وحضر وقد ماتت اليهودية فلم يعرف ابنه من ابنها وليس لليهودية من يعرف ولدها ولا قافة هناك فأجاب يبقى الولدان موقوفين حتى يبين الحال ببينة أو قافة أو يبلغا فينتسبان انتسابا مختلفا وفي الحال يوضعان في يد المسلم فإن بلغا ولم توجد بينة ولا قافة ولا انتسبا دام الوقف فيما يرجع إلى النسب ويتلطف بهما إلى أن يسلما جميعا فإن أصرا على الامتناع من الإسلام لم يكرها عليه ولا يطالب واحد منهما بالصلاة ولا غيرها من أحكام الإسلام لأن الأصل عدم إلزامهما به وشككنا في الوجوب على كل واحد منهما بعينه وهما كرجلين سمع من أحدهما صوت حدث وتناكراه لا يلزم واحدا منهما الوضوء بل يحكم بصحة صلاتهما في الظاهر وإن كانت إحداهما باطلة في نفس الأمر وكما لو قال رجل إن كان هذا الطائر غرابا فامرأتي طالق فقال آخر إن لم يكن فامرأتي طالق فطار ولم يعرف فإنه يباح لكل واحد منهما في الظاهر الاستمتاع بزوجته للبقاء على الأصل وأما نفقتهما ومؤنتهما فإن كان لكل منهما مال كانت فيه وإلا وجبت على أب المسلم نفقة ابن بشرطه (١/٥٨) وتجب نفقة آخر وهو اليهودي في بيت المال بشرط كونه ذميا وشرطه أن لا يكون هناك أحد من أصوله ممن تلزمه نفقة القريب وإن مات من أقارب الكافر أحد وقف نصيبه حتى يتبين الحال أو يقع اصطلاح وكذا إن مات من أقارب المسلم أحد وإن مات الولدان أو أحدهما وقف ماله أيضا وإن مات أحدهما قبل البلوغ غسل وصلي عليه ودفن بين مقابر المسلمين واليهود أو بعد البلوغ والامتناع من الإسلام جاز غسله دون الصلاة عليه لأنه يهودي أو مرتد ولا يصح نكاح واحد منهما لأنه يحتمل أنه يهودي أو مرتد فلا يصح نكاحه كالخنثى المشكل قاعدة الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن ومن فروعها رأى في ثوبه منيا ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل على الصحيح قال في الأم وتجب إعادة كل صلاة صلاها من آخر نومة نامها فيه ومنها توضأ من بئر أياما وصلى ثم وجد فيها فأرة لم يلزمه قضاء إلا ما تيقن أنه صلاه بالنجاسة ومنها ضرب بطن حامل فانفصل الولد حيا وبقي زمانا بلا ألم ثم مات فلا ضمان لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر ومنها فتح قفصا عن طائر فطار في الحال ضمنه وإن وقف ثم طار فلا إحالة على اختيار الطائر ومنها ابتاع عبدا ثم ظهر أنه كان مريضا ومات فلا رجوع له في الأصح لأن المرض يتزايد فيحصل الموت بالزائد ولا يتحقق إضافته إلى السابق ومنها تزوج أمة ثم اشتراها وأتت بولد يحتمل أن يكون من ملك اليمين وأن يكون من ملك النكاح صارت أم ولد في الأصح وقيل لا لاحتمال كونه من النكاح وخرج عن ذلك صور منها لو كان المرض مخوفا فتبرع ثم قتله إنسان أو سقط من سطح فمات أو غرق حسب تبرعه من الثلث كما لو مات بذلك المرض ومنها لو ضرب يده فتورمت وسقطت بعد أيام وجب القصاص قلت هذه لا تستثنى لأن باب القصاص كله كذلك لو ضربه أو جرحه وتألم إلى الموت وجب القصاص (١/٥٩) قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم هذا مذهبنا وعند أبي حنيفة الأصل فيها التحريم حتى يدل الدليل على الإباحة ويظهر أثر الخلاف في المسكوت عنه ويعضد الأول قوله صلى اللّه عليه وسلم ما أحل اللّه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من اللّه عافيته فإن اللّه لم يكن لينسى شيئا أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن وروى الطبراني أيضا من حديث أبي ثعلبة إن اللّه فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها وفي لفظ وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمة لكم فاقبلوها وروى الترمذي وابن ماجه من حديث سلمان أنه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والفراء فقال الحلال ما أحل اللّه في كتابه والحرام ما حرم اللّه في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه وللحديث طرق أخرى ويتخرج عن هذه كثير من المسائل المشكل حالها منها الحيوان المشكل أمره وفيه وجهان أصحهما الحل كما قال الرافعي ومنها النبات المجهول تسميته قال المتولي يحرم أكله وخالفه النووي وقال الأقرب الموافق للمحكي عن الشافعي في التي قبلها الحل ومنها إذا لم يعرف حال النهر هل هو مباح أو مملوك هل يجري عليه حكم الإباحة أو الملك حكى الماوردي فيه وجهين مبنيين على أن الأصل الإباحة أو الحظر ومنها لو دخل حمام برجه وشك هل هو مباح أو مملوك فهو أولى به وله التصرف فيه جزم به في أصل الروضة لأن الأصل الإباحة ومنها لو شك في كبر الضبة فالأصل الإباحة ذكره في شرح المهذب ومنها مسألة الزرافة قال السبكي المختار حل أكلها لأن الأصل الإباحة وليس لها ناب كاسر فلا تشملها أدلة التحريم وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا لها أصلا لا بحل ولا بحرمة وصرح بحلها في فتاوي القاضي الحسين والغزالي وتتمة القول وفروع ابن القطان وهو المنقول عن نص الإمام أحمد وجزم الشيخ في التنبيه بتحريمها ونقل في شرح المهذب الاتفاق عليه وبه قال أبو الخطاب من الحنابلة ولم يذكرها أحد من المالكية والحنفية وقواعدهم تقتضي حلها (١/٦٠) قاعدة الأصل في الأبضاع التحريم فإذا تقابل في المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة ولهذا امتنع الاجتهاد فيما إذا اختلطت محرمة بنسوة قرية محصورات لأنه ليس أصلهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد باستصحابه وإنما جاز النكاح في صورة غير المحصورات رخصة من اللّه كما صرح به الخطابي لئلا ينسد باب النكاح عليه ومن فروع هذه القاعدة ما ذكره الغزالي في الإحياء أنه لو وكل شخصا في شراء جارية ووصفها فاشترى الوكيل جارية بالصفة ومات قبل أن يسلمها للموكل لم يحل للموكل وطؤها لاحتمال أنه اشتراها لنفسه وإن كان شراء الوكيل الجارية بالصفات المذكورة ظاهرا في الحل ولكن الأصل التحريم حتى يتيقن سبب الحل ومنها ما ذكره الشيخ أبو محمد في التبصرة أن وطء السراري اللائي يجلبن اليوم من الروم والهند والترك حرام إلا أن ينتصب في المغانم من جهة الإمام من يحسن قسمتها فيقسمها من غير حيف ولا ظلم أو تحصل قسمة من محكم أو تزوج بعد العتق بإذن القاضي والمعتق والاحتياط اجتنابهن مملوكات وحرائر قال السبكي في الحلبيات ولا شك أن الذي قاله الورع وأما الحكم اللازم فالجارية إما أن يعلم حالها أو يجهل فإن جهل فالرجوع في ظاهر الشرع إلى اليد إن كانت صغيرة وإلى اليد وإقرارها إن كانت كبيرة واليد حجة شرعية كالإقرار وإن علم فهي أنواع أحدها من تحقق إسلامها في بلادها وأنه لم يجر عليها رق قبل ذلك فهذه لا تحل بوجه من الوجوه ن إلا بنكاح بشروطه الثاني كافرة ممن لهم ذمة وعهد فكذلك الثالث كافرة من أهل الحرب مملوكة لكافر حربي أو غيره فباعها فهي حلال لمشتريها الرابع كافرة من أهل الحرب قهرها وقهر سيدها كافر آخر فإنه يملكها كلها ويبيعها لمن يشاء وتحل لمشتريها وهذان النوعان الحل فيهما قطعي وليس محل الورع كما أن النوعين الأولين الحرمة فيهما قطعية النوع الخامس كافرة من أهل الحرب لم يجر عليها رق وأخذها مسلم فهذا أقسام (١/٦١) أحدها أن يأخذها جيش من جيوش المسلمين بإيجاف خيل أو ركاب فهي غنيمة أربعة أخماسها للغانمين وخمسها لأهل الخمس وهذا لا خلاف فيه وغلط الشيخ تاج الدين الفزاري فقال إن حكم الفيء والغنيمة راجع إلى رأي الإمام يفعل فيه ما يراه مصلحة وصنف في ذلك كراسة سماها الرخصة العميمة في أحكام الغنيمة وانتدب له الشيخ محيي الدين النووي فرد عليه في كراسة أجاد فيها والصواب معه قطعا وقد تتبعت غزوات النبي صلى اللّه عليه وسلم وسراياه فكل ما حصل فيه غنيمة أو فيء قسم وخمس وكذلك غنائم بدر ومن تتبع السير وجد ذلك مفصلا ولو قال الإمام من أخذ شيئا فهو له لم يصح القسم الثاني أن ينجلي الكفار عنها بغير إيجاب من المسلمين أو يموت عنها من لا وارث له من أهل الذمة وما أشبه ذلك فهذه فيء يصرف لأهله فالجارية التي توجد من غنيمة أو فيء لا تحل حتى تتملك من كل من يملكها من أهل الغنيمة أو الفيء أو من المتولى عليهم أو الوكيل عنهم أو ممن انتقل الملك إليه من جهتهم ولو بقي فيها قيراط لا تحل حتى يتملكه ممن هو له القسم الثالث أن يغزو واحد أو اثنان بإذن الإمام فما حصل لهما من الغنيمة يختصان بأربعة أخماسها والخمس لأهله هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء فلا فرق بين أن تكون السرية قليلة أو كثيرة الرابع أن يغزو واحد أو اثنان أو أكثر بغير إذن الإمام فالحكم كذلك عندنا وعند جمهور العلماء الخامس أن يكون الواحد أو الاثنان ونحوهما ليسوا على صورة الغزاة بل متلصصين فقد ذكر الأصحاب أنهم إذا دخلوا بخمس ما أخذوه على الصحيح وعللوه بأنهم غرروا بأنفسهم فكان كالقتال وهذا التعليل يقتضي أنه لم ينقطع في الجملة عن معنى الغزو والإمام في موضع حكى هذا وضعفه وقال إن المشهور عدم التخميس وفي موضع ادعى إجماع الأصحاب على أنه يختص به ولا يخمس وجعل مال الكفار على ثلاثة أقسام غنيمة وفيء وغيرهما كالسرقة فيتملكه من يأخذه قياسا على المباحات ووافقه الغزالي على ذلك وهو مذهب أبي حنيفة وقال البغوي إن الواحد إذا أخذ من حربي شيئا على جهة السوم فجحده أو هرب به اختص به وفيما قاله نظر يحتمل أن يقال يجب رده لأنه كان ائتمنه فإن صح ما قاله البغوي وافق الغزالي بطريق الأولى وقال أبو إسحاق إن المأخوذ على جهة الاختلاس فيء وقال الماوردي غنيمة وما قاله الماوردي موافق لكلام الأكثرين وما قاله أبو إسحاق إن أراد بالفيء (١/٦٢) الغنيمة حصل الوفاق وإلا فلا وزعم أنه ينزع من المختلس ويعطى جميعه لغيره من المقاتلة وأهل الخمس فبعيد فهذا القسم الخامس من النوع الخامس قد اشتمل على صور ولم يفردها الأصحاب بل ذكروها مدرجة مع القسم الرابع والجارية المأخوذة على هذه الصورة فيها هذا الخلاف واجتنابها محل الورع انتهى قاعدة الأصل في الكلام الحقيقة وفي ذلك فروع منها إذا وقف على أولاده أو أوصى لهم لا يدخل في ذلك ولد الولد في الأصح لأن اسم الولد حقيقة في ولد الصلب وفي وجه نعم حملا له على الحقيقة والمجاز ومنها لو حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يضرب عبده فوكل في ذلك لم يحنث حملا للفظ على حقيقته وفي قول إن كان ممن لا يتولاه بنفسه كالسلطان أو كان المحلوف عليه مما لا يعتاد الحالف فعله بنفسه كالبناء ونحوه حنث إذا أمر بفعله ومنها لو قال وقفت على حفاظ القرآن لم يدخل فيه من كان حافظا ونسيه لأنه لا يطلق عليه حافظ إلا مجازا باعتبار ما كان نقله الأسنوي عن البحر ومنها وقف على ورثة زيد وهو حي لم يصح لأن الحي لا ورثة له قاله في البحر أيضا قال الأسنوي ولو قيل يصح حملا على المجاز أي ورثته لو مات لكان محتملا ومنها لو حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يستأجر أو نحو ذلك لم يحنث إلا بالصحيح دون الفاسد بناء على أن الحقائق الشرعية إنما تتعلق بالصحيح دون الفاسد ومنها لو قال هذه الدار لزيد كان إقرارا له بالملك حتى لو قال أردت أنها مسكنه لم يسمع ومنها لو حلف لا يدخل دار زيد لم يحنث إلا بدخول ما يملكها دون ما يسكنها بإعارة أو إجارة لأن إضافتها إليه مجاز إلا أن يريد مسكنه ولو حلف لا يدخل مسكنه لم يحنث بدخول داره التي هي ملكه ولا يسكنها في الأصح لأنها ليست مسكنه حقيقة ومنها لو حلف لا يأكل من هذه الشاة حنث بلحمها لأنه الحقيقة دون لبنها ونتاجها لأنه مجاز نعم إن هجرت الحقيقة تعين العمل بالمجاز الراجح كأن حلف (١/٦٣) لا يأكل من هذه الشجرة فإنه يحنث بثمرها وإن كان مجازا دون ورقها وأغصانها وإن كان حقيقة ( تنبيه ) قد يشكل على هذا الأصل ما لو حلف لا يصلي فالأصح في أصل الروضة أنه يحنث بالتحرم وفي وجه لا يحنث إلا بالفراغ لأنها قد تفسد قبل تمامها فلا يكون مصليا حقيقة وهذا هو قياس القاعدة وفي ثالث لا يحنث حتى يركع لأنه حينئذ يكون أتى بالمعظم فيقوم مقام الجميع والرافعي حكى الأوجه في الشرح ولم يصحح شيئا ذكر تعارض الأصل والظاهر قال النووي في شرح المهذب ذكر جماعة من متأخري الخراسانيين أن كل مسئلة تعارض فيها أصل وظاهر أو أصلان فيها قولان وهذا الإطلاق ليس على ظاهره فإن لنا مسائل يعمل فيها بالظاهر بلا خلاف كشهادة عدلين فإنها تفيد الظن ويعمل فيها بالإجماع ولا ينظر إلى أصل براءة الذمة ومسألة بول الظبية وأشباهها ومسائل يعمل فيها بالأصل بلا خلاف كمن ظن حدثا أو طلاقا أو عتقا أو صلى ثلاثا أم أربعا فإنه يعمل فيها بالأصل بلا خلاف قال والصواب في الضابط ما حرره ابن الصلاح فقال إذا تعارض أصلان أو أصل وظاهر وجب النظر في الترجيح كما في تعارض الدليلين فإن تردد في الراجح فهي مسائل القولين وإن ترجح دليل الظاهر حكم به بلا خلاف وإن ترجح دليل أصلي حكم به بلا خلاف انتهى فالأقسام حينئذ أربعة الأول ما يرجح فيه الأصل جزما ومن أمثلته جميع ما تقدم من الفروع وضابطه أن يعارضه احتمال مجرد الثاني ما يرجح فيه الظاهر جزما وضابطه أن يستند إلى سبب منصوب شرعا كالشهادة تعارض الأصل والرواية واليد في الدعوى وإخبار الثقة بدخول الوقت أو بنجاسة الماء وإخبارها بالحيض وانقضاء الأقراء أو معروف عادة كأرض على شط نهر الظاهر أنها تغرق وتنهار في الماء فلا يجوز استئجارها وجوز الرافعي تخريجه على تقابل الأصل والظاهر ومثل الزركشي لذلك باستعمال السرجين في أواني الفخار فيحكم بالنجاسة قطعا ونقله عن الماوردي وبالماء الهارب من الحمام لاطراد العادة بالبول فيه أو يكون معه ما يعتضد به كمسئلة بول الظبية ومنه لو أخذ المحرم بيض دجاجة وأحضنها صيدا ففسد بيضه ضمنه لأن الظاهر أن الفساد نشأ من ضم بيض الدجاج إلى بيضه ولم يحك الرافعي فيه خلافا (١/٦٤) الثالث ما يرجح فيه الأصل على الأصح وضابطه أن يستند الاحتمال إلى سبب ضعيف وأمثلته لا تكاد تحصر منها الشيء الذي لا يتيقن نجاسته ولكن الغالب فيه النجاسة كأواني وثياب مدمني الخمر والقصابين والكفار المتدينين بها كالمجوس ومن ظهر اختلاطه بالنجاسة وعدم احترازه منها مسلما كان أو كافرا كما في شرح المهذب عن الإمام وطين الشارع والمقابر المنبوشة حيث لا تتيقن والمعنى بها كما قال الإمام وغيره التي جرى النبش في أطرافها والغالب على الظن انتشار النجاسة فيها وفي جميع ذلك قولان أصحهما الحكم بالطهارة استصحابا للأصل ومن ذلك ما لو أدخل الكلب رأسه في الإناء وأخرجه وفمه رطب ولم يعلم ولوغه والأصح أنه لا يحكم بنجاسة الإناء فإن أخرجه يابسا فطاهر قطعا ومن ذلك لو سقط في بئر فأرة وأخذ دلو قبل أن ينزح إلى الحد المعتبر وغلب على الظن أنه لا يخلو من شعر ولم ير ففيه القولان والأظهر الطهارة ومنها إذا تنحنح الإمام وظهر منه حرفان فهل يلزم المأموم المفارقة إعمالا للظاهر الغالب المقتضي لبطلان الصلاة أو لا لأن الأصل بقاء صلاته ولعله معذور في التنحنح فلا يزال الأصل إلا بيقين قولان أصحهما الثاني ومنها لو امتشط المحرم فانفصلت من لحيته شعرات ففيه وجهان أصحهما لا فدية لأن النتف لم يتحقق والأصل براءة الذمة والثاني يجب لأن المشط سبب ظاهر فيضاف إليه كإضافة الإجهاض إلى الضرب ومنها الدم الذي تراه الحامل هل هو حيض قولان أصحهما نعم لأن الأمر متردد بين كونه دم علة أو دم جبلة والأصل السلامة والثاني لا لأن الغالب في الحامل عدم الحيض ومنها لو قذف مجهولا وادعى رقه فقولان أصحهما أن القول قول القاذف لأن الأصل براءة ذمته والثاني قول المقذوف لأن الظاهر الحرية فإنها الغالب في الناس ومنها لو جرت خلوة بين الزوجين وادعت الإصابة فقولان أصحهما تصديق المنكر لأن الأصل علمها والثاني تصديق مدعيها لأن الظاهر من الخلوة الإصابة غالبا ومنها لو اختلف الزوجان الوثنيان قبل الدخول فقال الزوج أسلمنا معا فالنكاح باق وأنكرت فالقول قوله في الأظهر لأن الأصل بقاء النكاح والثاني قولها لأن التساوي في الإسلام نادر فالظاهر خلافه (١/٦٥) ومنها دعوى المديون لا في مقابلة مال الإعسار فيه وجهان أصحهما القول قوله لأن الأصل العدم والثاني لا لأن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا ومنها إذا ادعى الغاصب عيبا خلقيا في المغصوب كقوله ولد أكمه أو أعرج أو فاقد اليد فوجهان أصحهما القول قوله لأن الأصل العدم ويمكن المالك إقامة البينة والثاني تصديق المالك لأن الغالب السلامة بخلاف ما لو ادعى عيبا حادثا فإن الأظهر تصديق المالك لأن الأصل والغالب دوام السلامة والثاني الغاصب لأن الأصل براءة ذمته فهذه الصورة تعارض فيها أصلان واعتضد أحدهما بظاهر ونظير ذلك ما لو جني على طرف وزعم نقصه فإنه إن ادعى عيبا خلقيا في عضو ظاهر صدق الجاني في الأظهر لأن الأصل العدم وبراءة الذمة والمالك يمكنه إقامة البينة وإن ادعى عيبا حادثا أو أصليا في عضو باطن فالأظهر تصديق المجني عليه لأن الأصل السلامة ومنها لو ادعى المالك أنه كان كاتبا صدق الغاصب لأن الأصل العدم وبراءة الذمة مما زاد والقول الثاني المالك لأن الغالب أن صفات العبد لا يعرفها إلا السيد ومنها لو قال هذا ولدي من جاريتي هذه لحقه عند الإمكان وهل يثبت كون الجارية أم ولد لأنه الظاهر أو لا لاحتمال أن يكون استولدها بالزوجية فيه قولان رجح الرافعي الثاني قال ولهما خروج على تقابل الأصل والظاهر ومنها لو قال الراهن للمرتهن لم تقبض العين المرهونة عن الرهن بل أعرتكها فالأصح أن القول قوله لأن الأصل عدم اللزوم وعدم الإذن في القبض وقيل قول المرتهن لأن الظاهر أنه قبضه عن الرهن ومنها جاء المتبايعان معا فقال أحدهما لم أفارقه فلي خيار المجلس فالقول قوله لأن الأصل عدم التفرق كذا أطلق الأصحاب قال الرافعي وهو بين إن قصرت المدة وأما إذا طالت فدوام الاجتماع خلاف الظاهر فلا يبعد تخريجه على تعارض الأصل والظاهر وتابعه ابن الرفعة ومنها طرح العصير في الدن وأحكم رأسه ثم حلف أنه لم يستحل خمرا ولم يفتح رأسه إلى مدة ولما فتح وجده خلا فوجهان أحدهما لا يحنث لأن الأصل عدم الاستحالة وعدم الحنث والثاني إن كان ظاهر الحال صيرورته خمرا وقت الحلف حنث وإلا فلا ومنها جرح المحرم صيدا وغاب ولم يعلم هل برئ أو مات فالمذهب أن (١/٦٦) عليه ضمان ما نقص لأن الأصل براءة الذمة من الزائد وقيل عليه الجزاء كاملا لأنه قد صيره غير ممتنع والظاهر بقاؤه على هذه الحالة ولو غاب ووجده ميتا ولم يدر هل مات بجرحه أو بسبب آخر فهل يجب جزاء كامل أو ضمان الجرح فقط قولان قال في الروضة أصحهما الثاني ونظيره في مسئلة الظبية أن لا يرى الماء عقب البول بل تغيب ثم يجده متغيرا فإنه لا يحكم بأن التغير عن البول ونظيره أيضا لو جرح الصيد وغاب ثم وجده ميتا فإنه لا يحل في الأظهر ومنها لو رمى حصاة إلى المرمى وشك هل وقعت فيه أو لا فقولان أصحهما لا يجزيه لأن الأصل عدم الوقوع فيه وبقاء الرمي عليه والثاني يجزيه لأن الظاهر وقوعها في المرمى الرابع ما ترجح فيه الظاهر على الأصل بأن كان سببا قويا منضبطا وفيه فروع منها من شك بعد الصلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن غير النية فالمشهور أنه لا يؤثر لأن الظاهر انقضاء العبادة على الصحة والثاني يقول الأصل عدم فعله ومثله ما لو قرأ الفاتحة ثم شك بعد الفراغ منها في حرف أو كلمة فلا أثر له نقله في شرح المهذب عن الجويني وكذا لو استجمر وشك هل استعمل حجرين أو ثلاثة كما في فتاوي البغوي قال الزركشي وقياسه كذلك فيما لو غسل النجس وشك بعد ذلك هل استوعبه ومنها اختلف المتعاقدان في الصحة والفساد فالأصح تصديق مدعي الصحة لأن الظاهر جريان العقود بين المسلمين على قانون الشرع والثاني لا لقول الأصل عدمها ومنها لو جاء من قدام الإمام واقتدى وشك هل تقدم فالأصح الصحة وقيل لا لأن الأصل عدم تأخره ومنها لو وكل بتزويج ابنته ثم مات الموكل ولم يعلم هل مات قبل العقد أو بعده فالأصل عدم النكاح وصححه الروياني وقال القاضي حسين الأصح صحته لأن الظاهر بقاء الحياة ومنها لو ادعى الجاني رق المقتول صدق القريب في الأصح لأنه الظاهر الغالب ومنها شهد في واقعة وعدل ثم شهد في أخرى بعد زمان طويل فالأصح طلب تعديله ثانيا لأن طول الزمان يغير الأحوال والثاني لا لأن الأصل عدم التغيير ومنها إذا جومعت فقضت شهوتها ثم اغتسلت ثم خرج منها مني الرجل فالأصح وجوب إعادة الغسل لأن الظاهر خروج منيها معه والثاني لا لأن الأصل عدم خروجه (١/٦٧) ومنها قال المالك أجرتك الدابة وقال الراكب بل أعرتني ففي قول يصدق الراكب لأن الأصل براءة ذمته من الأجرة والأصح تصديق المالك إذا مضت مدة لمثلها أجرة والدابة باقية لأن الظاهر يقتضي الاعتماد على قوله في الإذن فكذلك في صفته ومنها لو ألقاه في ماء أو نار فمات وقال الملقي كان يمكنه الخروج ففي قول يصدق لأن الأصل براءة ذمته والأصح عند النووي يصدق الولي لأن الظاهر أنه لو تمكن لخرج ومنها إذا رأت المرأة الدم لوقت يجوز أن يكون حيضا أمسكت عما تمسك عنه الحائض لأن الظاهر أنه حيض وقيل لا عملا بالأصل فصل في تعارض الأصلين قال الإمام وليس المراد بتعارض الأصلين تقابلهما على وزن واحد في الترجيح فإن هذا كلام متناقض بل المراد التعارض بحيث يتخيل الناظر في ابتداء نظره لتساويهما فإذا حقق فكره رجح ثم تارة يجزم بأحد الأصلين وتارة يجري الخلاف ويرجح بما عضده من ظاهر أو غيره قال ابن الرفعة ولو كان في جهة أصل وفي جهة أصلان جزم لذي الأصلين ولم يجر الخلاف فمن فروع ذلك إذا ادعى العنين الوطء في المدة وهو سليم الذكر والأنثيين فالقول قوله قطعا مع أن الأصل عدم الوطء لأن الأصل بقاء النكاح واعتضد بظاهره أن سليم ذلك لا يكون عنينا في الغالب فلو كان خصيا أو مجبوبا جرى وجهان والأصح تصديقه أيضا لأن إقامة البينة على الوطء تعسر فكان الظاهر الرجوع إلى قوله فلو ثبتت بكارتها رجعنا إلى تصديقها قطعا لاعتضاد أحد الأصلين بظاهر قوي ومنها قالت سألتك الطلاق بعوض فطلقتني عليه متصلا فأنا منك بائن وقال بل يعد طول الفصل فلي الرجعة فالمصدق الزوج قال السبكي ولم يخرجوه على تقابل الأصلين ومنها قال بعتك الشجرة بعد التأبير فالثمرة لي وعاكسه المشتري صدق البائع لأن الأصل بقاء ملكه جزم به في الروضة ومنها اختلفا في ولد المبيعة فقال البائع وضعته قبل العقد وقال المشتري بل بعده قال الإمام كتب الحليمي إلى الشيخ أبي حامد يسأله عن ذلك فأجاب بأن القول قول البائع لأن الأصل بقاء ملكه وحكى الدارمي في المصدق وجهين (١/٦٨) ومنها اختلف مع مكاتبته فقالت ولدته بعد الكتابة فمكاتب مثلي وقال السيد بل قبلها صدق السيد قاله البغوي والرافعي قالا ولو زوج أمته بعبده ثم باعها له فولدت وقد كاتبه وقال السيد ولدت قبل الكتابة فهو لي وقال المكاتب بل بعد الشراء فمكاتب صدق المكاتب وفرقا بأن المكاتب هنا يدعي ملك الولد لأن ولد أمته ملكه ويده مقرة على هذا الولد وهي تدل على الملك والمكاتب لا يدعي الملك بل ثبوت حكم الكتابة فيه ومنها لو وقع في الماء نجاسة وشك هل هو قلتان أو أقل فوجهان أحدهما يتنجس وبه جزم صاحب الحاوي وآخرون لتحقق النجاسة والأصل عدم الكثرة والثاني لا وصوبه النووي لأن الأصل الطهارة وقد شككنا في نجاسة منجسة ولا يلزم من النجاسة التنجيس ورجح الشيخ زين الدين الكيناني مقالة صاحب الحاوي وتبعه البلقيني لأن النجاسة محققة وبلوغ القلتين شرط والأصل عدمه ولا يجوز الأخذ بالاستصحاب عند القائلين به إلا أن يقطع بوجود المنافي وأما السبكي فإنه رجح مقالة النووي وخرج ابن أبي الصيف على هذه المسئلة فرعا وهو قلتان متغيرتان بنجاسة ثم غاب عنهما ثم عاد ولا تغير وشك في بقاء الكثرة فقال إن قلنا بالطهارة في الأولى فهنا أولى وإلا فوجهان لأن الأصل بقاء الكثرة ونازعه المحب الطبري فقال لا وجه للبناء ولا للخلاف لأن تلك تعارض فيها أصلان فنشأ قولان وهنا الأصل بقاء الكثرة بلا معارض ومنها لو شككنا فيما أصاب من دم البراغيث أقليل أم كثير ففيه احتمالان للإمام لأن الأصل اجتناب النجاسة والأصل في هذه النجاسة العفو وهذه المسئلة نظير ما قبلها وقد رجح في أصل الروضة أن له حكم القليل ومنها لو أدرك الإمام وهو راكع وشك هل فارق حد الركوع قبل ركوعه فقولان أحدهما أنه مدرك لأن الأصل بقاء ركوعه والثاني لا لأن الأصل عدم الإدراك وهو الأصح ومنها لو نوى وشك هل كانت نيته قبل الفجر أو بعده لم يصح صومه لأن الأصل عدم النية قال النووي ويحتمل أن يجيء فيه وجه لأن الأصل بقاء الليل كمن شك في إدراك الركوع ومنها لو أصدقها تعليم قرآن ووجدناها تحسنه فقال أنا علمتها وقالت بل غيره فقولان لأن الأصل بقاء الصداق وبراءة ذمته والأصح تصديقها ومنها إذا غاب العبد وانقطعت أخباره ففي قول تجب فطرته وهو الأصح لأن (١/٦٩) الأصل بقاء حياته وفي قول لا لأن الأصل براءة ذمة السيد ورجح الأول بأنه ثبت اشتغال ذمة السيد قبل غيبة العبد بفطرته فلا تزال إلا بيقين موته ويجري القولان في إجزاء عتقه عن الكفارة والأصح أنه لا تجزيه لأن الأصل اشتغال ذمته بالكفارة فلا تبرأ إلا بيقين ونظيره في إعمال كل من الأصلين في حالة ما إذا أدخل رجله الخف وأحدث قبل وصول القدم إلى مستقرها لا يجوز المسح ولو أخرجها إلى الساق ثم أدخلها لا يضر عملا بالأصل في الموضعين ولو أراد جماعة إنشاء قرية لا للسكن فأقيم بها الجمعة لم يجز ولو كانت قرية وانهدمت وأقام أهلها لبنائها وأقيم بها الجمعة صح عملا بالأصل في الموضعين ولو وجد لحما ملقى وشك هل هو ميتة أو مذكى لا يحل أكله ولو لاقى شيئا لم ينجسه عملا بالأصل فيهما ومنها أذن المرتهن في البيع ورجع ثم ادعى الرجوع قبل البيع فوجهان لأن الأصل عدم البيع وعدم الرجوع والأصح تصديق المرتهن ومنها لو شك هل رضع في الحولين أم بعدهما فقولان لأن الأصل الحل وبقاء الحولين والأصح لا تحريم ولو شك هل رضع خمسا أو أقل فلا تحريم قطعا لعدم معارضة أصل الإباحة بأصل آخر ومنها باعه عصيرا وأقبضه ووجد خمرا فقال البائع تخمر عندك وقال المشتري بل عندك فالأصل عدم التخمر وعدم قبض الصحيح وصحح النووي تصديق البائع ترجيحا لأصل استمرار البيع ويجري القولان فيما لو كان رهنا مشروطا في بيع ومنها لو قبض المسلم فيه فجاء بمعيب وقال هذا الذي قبضته وأنكر المسلم إليه فالأصح تصديق المسلم لأن الأصل اشتغال ذمة المسلم إليه ولم يتيقن البراءة والثاني يصدق المسلم إليه لأن الأصل السلامة واستقرار العقد ولهذا يصدق البائع قطعا فيما لو جاء المشتري بمعيب وقال هذا المبيع لأنه لم يعارضه أصل اشتغال الذمة وفارق المسلم لأنهما اتفقا على قبض ما ورد عليه الشراء وتنازعا في عيب الفسخ والأصل عدمه والثمن المعين كالبيع وفي الذمة فيه الوجهان في السلم ومنها لو رأى المبيع قبل العقد ثم قال البائع هو بحاله وقال المشتري بل تغير فوجهان أحدهما يصدق البائع لأن الأصل عدم التغيير والأصح المشتري لأن البائع يدعى عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة والمشتري ينكر ذلك ومنها إذا سلم الدار المستأجرة ثم ادعى المستأجر أنها غصبت فالأصح أن القول قول المكري لأن الأصل عدم الغصب ووجه الآخر أن الأصل عدم الانتفاع لكن اعتضد (١/٧٠) الأول بأنه بعد التسليم بقي الأصل وجوب الأجرة عليه إلى أن يتبين ما يسقطها ومنها لو أعطاه ثوبا ليخيطه فخاطه قباء وقال أمرتني بقطعه قباء فقال بل قمصا فالأظهر تصديق المالك لأن الأصل عدم الإذن في ذلك والثاني المستأجر لأن الأصل براءة ذمته والظاهر أنه لا يتجاوز إذنه ومنها قد ملفوفا وزعم موته ففي قول يصدق القاد لأن الأصل براءة ذمته والأصح يصدق الولي لأن الأصل بقاء الحياة ومنها لو زعم الولي سراية والجاني سببا آخر فالأصح تصديق الولي لأن الأصل عدم السبب والثاني الجاني لأن الأصل براءة الذمة ولو عكس بأن قطع يديه ورجليه وزعم الولي سببا آخر والجاني سراية فالأصح تصديق الولي لأن الأصل بقاء الديتين الواجبتين والثاني الجاني لأن الأصل براءة ذمته ومنها لو قلع سن صغير ومات قبل العود فقيل يجب الأرش لأن الجناية قد تحققت والأصل عدم العود والأصح لا لأن الأصل براءة الذمة والظاهر أنه لو عاش لعادت ومنها ادعى أحد الزوجين التفويض والآخر التسمية فالأصل عدم التسمية من جانب وعدم التفويض من جانب كذا في أصل الروضة قال البلقيني لم يبين فيه الحكم وكأنه أحاله على ما إذا اختلفا في عقدين فإن كلا يحلف على نفي دعوى الآخر ومنها إذا قال كان له علي كذا ففي كونه مقرا به خلاف لأن الأصل الاستمرار والأصل براءة الذمة والأصح أنه ليس بإقرار ومنها اطلعنا على كافر في دارنا فقال دخلت بأمان مسلم ففي مطالبته بالبينة وجهان لأن الأصل عدم الأمان ويعضده أن الغالب على من يستأمن الاستئناس بالإشهاد والأصل حقن الدماء ويعضده أن الظاهر أن الحربي لا يقدم على هذا إلا بأمان وهذا هو الأصح ومنها لو شهد عليه بكلمة الكفر فادعى الإكراه فليجدد الإسلام فإن قتله مبادرا قبل التجديد ففي الضمان وجهان قال في الوسيط مأخوذان من تقابل الأصلين عدم الإكراه وبراءة الذمة ومنها طار طائر فقال إن لم أصد هذا الطائر اليوم فأنت طالق ثم اصطاد ذلك اليوم طائرا وجهل هل هو ذلك أو غيره ففي وقوع الطلاق تردد لتعارض أصلين بقاء النكاح وعدم اصطياده ورجح النووي من زوائده عدم الوقوع ومنها زاد المقتص في الموضحة وقال حصلت الزيادة باضطراب الجاني وأنكر (١/٧١) ففي المصدق وجهان في الروضة بلا ترجيح لأن الأصل براءة الذمة وعدم الاضطراب قال ابن الرفعة وينبغي القطع بتصديق المشجوج يعني وهو المقتص لأنه وجد في حقه أصلان براءة الذمة وعدم الارتعاش ولم يوجد في حق الآخر إلا أصل واحد بل والظاهر أيضا أن من مسه آلة القصاص يتحرك بالطبع ومنها ضربها الزوج وادعى نشوزها وادعت هي أن الضرب ظلم فقد تعارض أصلان عدم ظلمه وعدم نشوزها قال ابن الرفعة لم أر فيها نقلا قال والذي يقوي في ظني أن القول قوله لأن الشارع جعله وليا في ذلك تذنيب لهم أيضا تعارض الظاهرين ومن أمثلته إذا أقرت بالنكاح وصدقها المقر له بالزوجية فالجديد قبول الإقرار لأن الظاهر صدقهما فيما تصادقا عليه والقديم إن كانا بلديين طولبا بالبينة لمعارضة هذا الظاهر بظاهر آخر وهو أن البلديين يعرف حالهما غالبا ويسهل عليهما إقامة البينة فوائد نختم بها الكلام على هذه القاعدة الأولى قال ابن القاص في التلخيص لا يزال حكم اليقين بالشك إلا في إحدى عشرة مسألة إحداها شك ماسح الخف هل انقضت المدة أم لا الثانية شك هل مسح في الحضر أو في السفر يحكم في المسألتين بانقضاء المدة الثالثة إذا أحرم المسافر بنية القصر خلف من لا يدري أمسافر هو أم مقيم لم يجز القصر الرابعة بال حيوان في ماء كثير ثم وجده متغيرا ولم يدر أتغير بالبول أم بغيره فهو نجس الخامسة المستحاضة المتحيرة يلزمها الغسل عند كل صلاة يشك في انقطاع الدم قبلها السادسة من أصابته نجاسة في ثوبه أو بدنه وجهل موضعها يجب غسله كله السابعة شك مسافر أوصل بلده أم لا لا يجوز له الترخص الثامنة شك مسافر هل نوى الإقامة أم لا لا يجوز له الترخص التاسعة المستحاضة وسلس البول إذا توضأ ثم شك هل انقطع حدثه أم لا فصلى بطهارته لم تصح صلاته (١/٧٢) العاشرة تيمم ثم رأى شيئا لا يدري أسراب هو أم ماء بطل تيممه وإن بان سرابا الحادية عشرة رمى صيدا فجرحه ثم غاب فوجده ميتا وشك هل أصابته رمية أخرى من حجر أو غيره لم يحل أكله وكذا لو أرسل عليه كلبا هذا ما ذكره ابن القاص وقد نازع القفال وغيره في استئثنائها بأنه لم يترك اليقين فيها بالشك وإنما عمل فيها بالأصل الذي لم يتحقق شرط العدول عنه لأن الأصل في الأولى والثانية غسل الرجلين وشرط المسح بقاء المدة وشككنا فيه فعمل بأصل الغسل وفي الثالثة والسابعة والثامنة القصر رخصة بشرط فإذا لم يتحقق رجع إلى الأصل وهو الإتمام وفي الخامسة الأصل وجوب الصلاة فإذا شكت في الانقطاع فصلت بلا غسل لم تتيقن البراءة منها وفي السادسة الأصل أنه ممنوع من الصلاة إلا بطهارة عن هذه النجاسة فلما لم يغسل الجميع فهو شاك في زوال منعه من الصلاة وفي العاشرة إنما بطل التيمم لأنه توجه الطلب عليه وفي الحادية عشرة في حل الصيد قولان فإن قلنا لا يحل فليس ترك يقين بشك لأن الأصل التحريم وقد شككنا في الإباحة وقد نقل النووي ذلك في شرح المهذب وقال ما قاله القفال فيه نظر والصواب في أكثر هذه المسائل مع ابن القاص قال وقد استثنى إمام الحرمين أيضا والغزالي ما إذا شك الناس في انقضاء وقت الجمعة فإنهم لا يصلون الجمعة وإن كان الأصل بقاء الوقت قال ومما يستثنى إذا توضأ وشك هل مسح رأسه أم لا وفيه وجهان الأصح صحة وضوئه ولا يقال الأصل عدم المسح ومنه لو سلم من صلاته وشك هل صلى ثلاثا أو أربعا والأظهر أن صلاته مضت على الصحة قال فإن تكلف متكلف وقال المسألتان داخلتان في القاعدة فإنهه شك هل ترك أو لا والأصل عدمه فليس بشيء لأن الترك عدم باق على ما كان عليه وإنما المشكوك فيه الفعل والأصل عدمه ولم يعمل بالأصل قال وأما إذا سلم من صلاته فرأى عليه نجاسة واحتمل وقوعها في الصلاة وحدوثها بعدها فلا تلزمه إعادة الصلاة بل مضت على الصحة فيحتمل أن يقال الأصل عدم النجاسة فلا يحتاج إلى استثنائها لدخولها في القاعدة ويحتمل أن يقال تحقق النجاسة وشك في انعقاد الصلاة والأصل عدمه وبقاؤها في الذمة فيحتاج إلى استثنائها انتهى كلام النووي (١/٧٣) وزاد ابن السبكي في نظائره صور أخرى منها إذا جاء من قدام الإمام واقتدى به وشك هل هو متقدم عليه فالصحيح في التحقيق وشرح المهذب أنه تصح صلاته فهذا ترك أصل من غير معارض ولذلك رجح ابن الرفعة مقابله أنه لا يصح عملا بالأصل السالم عن المعارض ولو كان جاء من خلف الإمام صحت قطعا لأن الأصل عدم تقديمه وفي نظير هذه المسألة لو صلى وشك هل تقدم على الإمام بالتكبير أو لا لا تصح صلاته وفرق بأن الصحة في التقديم أكثر وقوعا فإنها تصح في صورتين التأخير والمساواة وتبطل في التقدم خاصة والصحة في التكبير أقل وقوعا فإنها تبطل بالمقارنة والتقدم وتصح في صورة واحدة وهي التأخر ومنها من له كفان عاملتان أو غير عامليت فبأيهما مس انتقض وضوؤه مع الشك في أنها أصلية أو زائدة والزائدة لا تنقض ولهذا لو كانت إحداهما عاملة فقط انتقض بها وحدها على الصحيح ومنها إذا ادعى الغاصب تلف المغصوب صدق بيمينه على الصحيح وإلا لتخلد الحبس عليه إذا كان صادقا وعجز عن البينة والثاني يصدق المالك لأن الأصل البقاء وزاد الزركشي في قواعده صورا أخرى منها مسألة الهرة فإن الأصل نجاسة فمها فترك لاحتمال ولوغها في ماء كثير وهو شك ومنها من رأى منيا في ثوبه أو فراشه الذي لا ينام فيه غيره ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل في الأصح مع أن الأصل عدمه ومنها من شك بعد صوم يوم من الكفارة هل نوى لم يؤثر على الصحيح مع أن الأصل عدم النية ومنها من عليه فائتة شك في قضائها لا يلزمه مع أن الأصل بقاؤها ذكره الشيخ عز الدين في مختصر النهاية الفائدة الثانية قال الشيخ أبو حامد الإسفرايني الشك على ثلاثة أضرب شك طرأ على أصل حرام وشك طرأ على أصل مباح وشك لا يعرف أصله فالأول مثل أن يجد شاة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا يحل حتى يعلم أنها ذكاة مسلم لأنها أصلها حرام وشككنا في الذكاة المبيحة فلو كان الغالب فيها المسلمون جاز الأكل عملا بالغالب المفيد للظهور (١/٧٤) والثاني أن يجد ماء متغيرا واحتمل تغيره بنجاسة أو بطول المكث يجوز التطهر به عملا بالغالب عملا بأصل الطهارة والثالث مثل معاملة من أكثر ماله حرام ولم يتحقق أن المأخوذ من ماله عين الحرام فلا تحرم مبايعته لإمكان الحلال وعدم تحقق التحريم ولكن يكره خوفا من الوقوع في الحرام انتهى الثالثة قال النووي اعلم أن مراد أصحابنا بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والعتق والطلاق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء كان الطرفان في التردد سواء أو أحدهما راجحا فهذا معناه في استعمال الفقهاء وكتب الفقه أما أصحاب الأصول فإنهم فرقوا بين ذلك وقالوا التردد إن كان على السواء فهو شك وإن كان أحدهما راجحا فالراجح ظن والمرجوح وهم ووقع للرافعي أنه فرق بينهما في الحدث فقال إنه يرفع بظن الطهر لا بالشك فيه وتبعه في الحاوي الصغير وقيل إنه غلط معدود من أفراده قال ابن الرفعة لم أره لغيره قال في المهمات وفي الشامل إنما قلنا بنقض الوضوء بالنوم مضطجعا لأن الظاهر خروج الحدث فصدق أن يقال رفعنا يقين الطهارة بظن الحدث بخلاف عكسه فكأن الرافعي أراد ما ذكره ابن الصباغ فانعكس عليه ولمجلي احتمال فيما إذا ظن الحدث بأسباب عارضة في تخريجه على قولي الأصل والغالب قال الزركشي وما زعمه النووي من أنه في سائر الأبواب لا فرق فيه بين المساوي والراجح يرد عليه أنهم فرقوا في مواضع كثيرة منها في الإيلاء لو قيد بمستبعد الحصول في الأربعة كنزول عيسى فمؤول وإن ظن حصوله قبلها فلا وإن شك فوجهان ومنها شك في المذبوح هل فيه حياة مستقرة حرم للشك في المبيح وإن غلب على ظنه بقاؤها حل ومنها في الأكل من مال الغير إذا غاب عل ظنه الرضى جاز وإن شك فلا ومنها وجوب ركوب البحر في الحج إذا غلبت السلامة وإن شك فلا ومنها المرض إذا غلب على ظنه كونه مخوفا نفذ التصرف من الثلث وإن شككنا في كونه مخوفا لم ينفذ إلا بقول أهل الخبرة ومنها قال الرافعي في كتاب الاعتكاف قولهم لا يقع الطلاق بالشك مسلم لكنه يقع بالظن الغالب انتهى (١/٧٥) ويشهد له لو قال إن كنت حاملا فأنت طالق فإذا مضت ثلاثة أقراء من وقت التعليق وقع الطلاق مع أن الأقراء لا تفيد إلا الظن ولهذا أيد الإمام احتمالا بعدم الوقوع الرابعة يعبر عن الأصل في جميع ما تقدم بالاستصحاب وهو استصحاب الماضي في الحاضر وأما استصحاب الحاضر في الماضي فهو الاستصحاب المقلوب قال الشيخ تقي الدين السبكي ولم يقل به الأصحاب إلا في مسألة واحدة وهو ما إذا اشترى شيئا فادعاه مدع وانتزعه منه بحجة مطلقة فإنهم أطبقوا على ثبوت الرجوع له على البائع بل لو باع المشتري أو وهب وانتزع من المشترى منه أو الموهوب له كان للمشتري الأول الرجوع أيضا فهذا استصحاب الحال في الماضي فإن البينة لا تنشئ الملك ولكن تظهره والملك سابق على إقامتها لا بد من تقدير زمان لطيف له ويحتمل انتقال الملك من المشتري إلى المدعي ولكنهم استصحبوا مقلوبا وهو عدم الانتقال عنه فيما مضى قال ابنه تاج الدين وقيل به أيضا على وجه ضعيف فيما إذا وجدنا ركازا ولم ندر هل هو جاهلي أو إسلامي أنه يحكم بأنه جاهلي ولو كان المغصوب باقيا وهو أعور مثلا فقال الغاصب هكذا غصبته فالقول قول الغاصب صرح به الشيخ أبو حامد وغيره فهذا استصحاب مقلوب ونظيره لو قال المالك كان طعامي جديدا وقال الغاصب عتيقا فالمصدق الغاصب القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير الأصل في هذه القاعدة قوله تعالى يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج وقوله صلى اللّه عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة أخرجه أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبداللّه ومن حديث أبي أمامة والديلمي وفي مسند الفردوس من حديث عائشة رضي اللّه عنها وأخرج أحمد في مسنده والطبراني والبزار وغيرهما عن ابن عباس قال قيل يا رسول اللّه أي الأديان أحب إلى اللّه قال الحنيفية السمحة وأخرجه البزار من وجه آخر بلفظ أي الإسلام وروى الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه إن أحب الدين إلى اللّه الحنيفية السمحة وروى الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين وحديث يسروا ولا تعسروا (١/٧٦) وروى أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا إن دين اللّه يسر ثلاثا وروى أيضا من حديث الأعرابي بسند صحيح إن خير دينكم أيسره إن خير دينكم أيسره وروى ابن مردويه من حديث محجن بن الأدرع مرفوعا إن اللّه إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولم يرد بهم العسر وروى الشيخان عن عائشة رضي اللّه عنها ما خير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما وروى الطبراني عن ابن عباس مرفوعا إن اللّه شرع الدين فجعله سهلا سمحا واسعا ولم يجعله ضيقا قال العلماء يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة الأول السفر قال النووي ورخصه ثمانية منها ما يختص بالطويل قطعا وهو القصر والفطر والمسح أكثر من يوم وليلة ومنها ما لا يختص به قطعا وهو ترك الجمعة وأكل الميتة ومنها ما فيه خلاف والأصح اختصاصه به وهو الجمع ومنها ما فيه خلاف والأصح عدم اختصاصه به وهو التنفل على الدابة وإسقاط الفرض بالتيمم واستدرك ابن الوكيل رخصة تاسعة صرح بها الغزالي وهي ما إذا كان له نسوة وأراد السفر فإنه يقرع بينهن ويأخذ من خرجت لها القرعة ولا يلزمه القضاء لضراتها إذا رجع وهل يختص ذلك بالطويل وجهان أصحهما لا الثاني المرض ورخصه كثيرة التيمم عند مشقة استعمال الماء وعدم الكراهة في الاستعانة بمن يصب عليه أو يغسل أعضاءه والقعود في صلاة الفرض وخطبة الجمعة والاضطجاع في الصلاة والإيماء والجمع بين الصلاتين على وجه اختاره النووي والسبكي والأسنوي والبلقيني ونقل عن النص وصح فيه الحديث وهو المختار والتخلف عن الجماعة والجمعة مع حصول الفضيلة كما تقدم والفطر في رمضان وترك الصوم للشيخ الهرم مع الفدية والانتقال من الصوم إلى الإطعام في الكفارة والخروج من المعتكف وعدم قطع التتابع المشروط في الاعتكاف والاستنابة في الحج وفي رمي الجمار وإباحة محظورات الإحرام مع الفدية والتحلل على وجه فإن شرطه فعلى المشهور والتداوي بالنجاسات وبالخمر على وجه وإساغة اللقمة بها إذا غص بالاتفاق وإباحة النظر حتى للعورة والسوأتين (١/٧٧) الثالث الإكراه الرابع النسيان الخامس الجهل وسيأتي لها مباحث السادس العسر وعموم البلوى كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها كدم القروح والدمامل والبراغيث والقيح والصديد وقليل دم الأجنبي وطين الشارع وأثر نجاسة عسر زواله وذرق الطيور إذا عم في المساجد والمطاف وما يصيب الحب في الدوس من روث البقر وبوله ومن ذلك العفو عما لا يدركه الطرف وما لا نفس له سائلة وريق النائم وفم الهرة ومن ثم لا يتعدى إلى حيوان لا يعم اختلاطه بالناس كما قال الغزالي وأفواه الصبيان وغبار السرجين ونحوه وقليل الدخان أو الشعر النجس ومنفذ الحيوان ومن ثم لا يعفى عن منفذ الآدمي لإمكان صونه عن الماء ونحوه وروث ما نشوءه في الماء والمائع وما في جوف السمك الصغار على وجه اختاره الروياني ومن ذلك مشروعية الاستجمار بالحجر وإباحة الاستقبال والاستدبار في قضاء الحاجة في البنيان ومس المصحف للصبي المحدث ومن ثم لا يباح له إذا لم يكن متعلما كما نقله في المهمات عن مفهوم كلامهم وجواز المسح على العمامة لمشقة استيعاب الرأس ومسح الخف في الحضر لمشقة نزعه في كل وضوء ومن ثم وجب نزعه في الغسل لعدم تكرره وأنه لا يحكم على الماء بالاستعمال ما دام مترددا على العضو ولا يضره التغيير بالمكث والطين والطحلب وكل ما يعسر صونه عنه وإباحة الأفعال الكثيرة والاستدبار في صلاة شدة الخوف وإباحة النافلة على الدابة في السفر وفي الحضر على وجه وإباحة القعود فيهما مع القدرة وكذا الاضطجاع والإبراد بالظهر في شدة الحر ومن ثم لا إبراد بالجمعة لاستحباب التبكير إليها والجمع في المطر وترك الجماعة والجمعة بالأعذار المعروفة وعدم وجوب قضاء الصلاة على الحائض لتكررها بخلاف الصوم وبخلاف المستحاضة لندرة ذلك وأكل الميتة ومال الغير مع ضمان البدل إذا اضطر وأكل الولي من مال اليتيم بقدر أجرة عمله إذا احتاج وجواز تقديم نية الصوم على أوله ونية صوم النفل بالنهار وإباحة التحلل من الحج بالإحصار والفوات ولبس الحرير للحكة والقتال وبيع نحو الرمان والبيض في قشره والموصوف في الذمة وهو السلم مع النهي عن بيع الغرر والاكتفاء برؤية ظاهر الصبرة وأنموذج المتماثل وبارز الدار عن أسها ومشروعية الخيار لما كان البيع يقع غالبا من غير ترو ويحصل فيه الندم فيشق على العاقد فسهل الشارع ذلك عليه بجواز الفسخ في مجلسه (١/٧٨) وشرع له أيضا شرطه ثلاثة أيام ومشروعية الرد بالعيب والتحالف والإقالة والحوالة والرهن والضمان والإبراء والقرض والشركة والصلح والحجر والوكالة والإجارة والمساقاة والمزارعة والقراض والعارية والوديعة للمشقة العظيمة في أن كل أحد لا ينتفع إلا بما هو ملكه ولا يستوفي إلا ممن عليه حقه ولا يأخذه إلا بكماله ولا يتعاطى أموره إلا بنفسه فسهل الأمر بإباحة الانتفاع بملك الغير بطريق الإجارة أو الإعارة أو القراض وبالاستعانة بالغير وكالة وإيداعا وشركة وقراضا ومساقاة وبالاستيفاء من غير المديون حوالة وبالتوثق على الدين برهن وضامن وكفيل وحجر وبإسقاط بعض الدين صلحا أو كله إبراء ومن التخفيف جواز العقود الجائزة لأن لزومها يشق ويكون سببا لعدم تعاطيها ولزوم اللازم وإلا لم يستقر بيع ولا غيره ومنه إباحة النظر عند الخطبة وللتعليم والإشهاد والمعاملة والمعالجة وللسيد ومنه جواز العقد على المنكوحة من غير نظر لما في اشتراطه من المشقة التي لا يحتملها كثير من الناس في بناتهم وأخواتهم من نظر كل خاطب فناسب التيسير لعدم اشتراطه بخلاف المبيع فإن اشتراط الرؤية فيه لا يفضي إلى عسر ومشقة ومنه إباحة أربع نسوة فلم يقتصر على واحدة تيسيرا على الرجال وعلى النساء أيضا لكثرتهن ولم يزد على أربع لما فيه من المشقة على الزوجين في القسم وغيره ومنه مشروعية الطلاق لما في البقاء على الزوجية من المشقة عند التنافر وكذا مشروعية الخلع والافتداء والفسخ بالعيب ونحوه والرجعة في العدة لما كان الطلاق يقع غالبا بغتة في الخصام والجرح ويشق عليه التزامه فشرعت له الرجعة في تطليقتين ولم تشرع دائما لما فيه من المشقة على الزوجة إذا قصد إضرارها بالرجعة والطلاق كما كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ ومنه مشروعية الإجبار على الوطء أو الطلاق في المولى ومنه مشروعية الكفارة في الظهار واليمين تيسيرا على المكلفين لما في التزام موجب ذلك من المشقة عند الندم وكذا مشروعية التخيير في كفارة اليمين لتكرره بخلاف كفارة الظهار والقتل والجماع لندرة وقوعها ولأن المقصود الزجر عنها ومشروعية التخيير في نذر اللجاج بين ما التزم والكفارة لما في الالتزام بالمنذور لجاجا من المشقة ومنه مشروعية التخيير بين القصاص والدية تيسيرا على هذه الأمة على الجاني والمجني عليه وكان في شرع موسى عليه السلام القصاص متحتما ولا دية (١/٧٩) وفي شرع عيسى عليه السلام الدية ولا قصاص ومنه مشروعية الكتابة ليتخلص العبد من دوام الرق لما فيه من العسر فيرغب السيد الذي لا يسمح بالعتق مجانا بما يبذل له من النجوم ومنه مشروعية الوصية عند الموت ليتدارك الإنسان ما فرط منه في حال الحياة وفسح فه في الثلث دون ما زاد عليه دفعا لضرر الورثة فحصل التيسير ودفع المشقة في الجانبين ومنه إسقاط الإثم عن المجتهدين في الخطأ والتيسير عليهم بالاكتفاء بالظن ولو كلفوا الأخذ باليقين لشق وعسر الوصول إليه فقد بان بهذا أن هذه القاعدة يرجع إليها غالب أبواب الفقه السبب السابع النقص فإنه نوع من المشقة إذ النفوس مجبولة على حب الكمال فناسبه التخفيف في التكليفات فمن ذلك عدم تكليف الصبي والمجنون وعدم تكليف النساء بكثير مما يجب على الرجال كالجماعة والجمعة والجهاد والجزية وتحمل العقل وغير ذلك وإباحة لبس الحرير وحلي الذهب وعدم تكليف الأرقاء بكثير مما على الأحرار ككونه على النصف من الحر في الحدود والعدد وغير ذلك مما سيأتي في الكتاب الرابع وهذه فوائد مهمة نختم بها الكلام على هذه القاعدة الأولى في ضبط المشاق المقتضية للتخفيف المشاق على قسمين مشقة لا تنفك عنها العبادة غالبا كمشقة البرد في الوضوء والغسل ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار ومشقة السفر التي لا نفكاك للحج والجهاد عنها ومشقة ألم الحدود ورجم الزناة وقتل الجناة فلا أثر لهذه في إسقاط العبادات في كل الأوقات ومن استثنى من ذلك جواز التيمم للخوف من شدة البرد فلم يصب لأن المراد أن يخاف من شدة البرد حصول مرض من الأمراض التي تبيح التيمم وهذا أمر ينفك عنه الاغتسال في الغالب أما ألم البرد الذي لا يخاف معه المرض المذكور فلا يبيح التيمم بحال وهو الذي لا يبيح الانتقال إلى التيمم وأما المشقة التي لا تنفك عنها العبادات غالبا فعلى مراتب الأولى مشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء فهي موجبة للتخفيف والترخيص قطعا لأن حفظ النفوس والأطراف (١/٨٠) لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات يفوت بها أمثالها الثانية مشقة خفيفة لا وقع لها كأدنى وجع في إصبع وأدنى صداع في الرأس أو سوء مزاج خفيف فهذه لا أثر لها ولا التفات إليها لأن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع مثل هذه المفسدة التي لا أثر لها الثالثة متوسطة بين هاتين المرتبتين فما دنا من المرتبة العليا أوجب التخفيف أو من الدنيا لم يوجبه كحمى خفيفة ووجع الضرس اليسير وما تردد في إلحاقه بأيهما اختلف فيه ولا ضبط لهذه المراتب إلا بالتقرب وقد أشار الشيخ عز الدين إلى أن الأولى في ضبط مشاق العبادات أن تضبط مشقة كل عبادة بأدنى المشاق المعتبرة في تخفيف تلك العبادة فإن كانت مثلها أو أزيد ثبتت الرخصة ولذلك اعتبر في مشقة المرض المبيح للفطر في الصوم أن يكون كزيادة مشقة الصوم في السفر عليه في الحضر وفي إبحة محظورات الإحرام أن يحصل بتركها مثل مشقة القمل الوارد فيه الرخصة وأما أصل الحج فلا يكتفى في تركه بذلك بل لا بد من مشقة لا يحتمل مثلها كالخوف على النفس والمال وعدم الزاد والراحلة وفي إباحة ترك القيام إلى القعود أن يحصل به ما يشوش الخشوع وإلى الاضطجاع أشق لأنه مناف لتعظيم العبادات بخلاف القعود فإنه مباح بلا عذر كما في التشهد فلم يشترط فيه العجز بالكلية وكذلك اكتفي في إباحة النظر إلى الوجه والكفين بأصل الحاجة واشترط في سائر الأعضاء تأكدها وضبطه الإمام بالقدر الذي يجوز الانتقال معه إلى التيمم واشترط في السوأتين مزيد التأكيد وضبطه الغزالي بما لا يعد التكشف بسببه هتكا للمروءة ويعذر فيه في العادة تنبيه من المشكل على هذا الضابط التيمم فإنهم اشترطوا في المرض المبيح له أن يخاف معه تلف نفس أو عضو أو منفعته أو حدوث مرض مخوف أو بطء البرء أو شين فاحش في عضو ظاهر ومشقة السفر دون ذلك بكثير قال العلائي ولعل الفارق بين السفر والمرض أن المقصود أن لا ينقطع المسافر عن رفقته ولا يحصل له ما يعوق عليه التقلب في السفر بالمعايش فاغتفر فيه أخف مما يلحق المريض أشار إلى ذلك إمام الحرمين وأشكل من هذا أنهم لم يوجبوا شراء الماء بزيادة يسيرة على ثمن المثل وجوزوا التيمم ومنعوه فيما إذا خاف شيئا فاحشا في عضو باطن مع أن ضرره أشد من ضرر (١/٨١) بذل الزيادة اليسيرة جدا خصوصا إذا كان رقيقا فإنه ينقص بذلك قيمته أضعاف قدر الزيادة المذكورة وقد استشكله الشيخ عز الدين وغيره ولا جواب عنه تنبيه ضبط في الروضة وأصلها نقلا عن الأصحاب المرض المبيح للفطر ولأكل الميتة بالمبيح للتيمم الفائدة الثانية قال الشيخ عز الدين تخفيفات الشرع ستة أنواع الأول تخفيف إسقاط كإسقاط الجمعة والحج والعمرة والجهاد بالأعذار الثاني تخفيف تنقيص كالقصر الثالث تخفيف إبدال كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم والقيام في الصلاة بالقعود والاضطجاع أو الإيماء والصيام بالإطعام الرابع تخفيف تقديم كالجمع وتقديم الزكاة على الحول وزكاة الفطر في رمضان والكفارة على الحنث الخامس تخفيف تأخير كالجمع وتأخير رمضان للمريض والمسافر وتأخير الصلاة في حق مشتغل بإنقاذ غريق أو نحوه من الأعذار الآتية السادس تخفيف ترخيص كصلاة المستجمر مع بقية النجو وشرب الخمر للغصة وأكل النجاسة للتداوي ونحو ذلك واستدرك العلائي سابعا وهو تخفيف تغيير كتغيير نظم الصلاة في الخوف الفائدة الثالثة الرخص أقسام ما يجب فعلها كأكل الميتة للمضطر والفطر لمن خاف الهلاك بغلبة الجوع والعطش وإن كان مقيما صحيحا وإساغة الغصة بالخمر وما يندب كالقصر في السفر والفطر لمن يشق عليه الصوم في سفر أو مرض والإبراد بالظهر والنظر إلى المخطوبة وما يباح كالسلم وأما الأولى تركها كالمسح على الخف والجمع والفطر لمن لا يتضرر والتيمم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل وهو قادر عليه وما يكره فعلها كالقصر في أقل من ثلاثة مراحل (١/٨٢) الفائدة الرابعة تعاطي سبب الرخصة لقصد الترخيص فقط هل يبيحه فيه صور تقدمت في أواخر القاعدة الأولى الفائدة الخامسة بمعنى هذه القاعدة قول الشافعي رضي اللّه عنه ( إذا ضاق الأمر اتسع ) وقد أجاب بها في ثلاثة مواضع أحدها فيما إذا فقدت المرأة وليها في سفر فولت أمرها رجلا يجوز قال يونس بن عبدالأعلى فقلت له كيف هذا قال إذا ضاق الأمر اتسع الثاني في أواني الخزف المعمولة بالسرجين أيجوز الوضوء منها فقال إذا ضاق الأمر اتسع حكاه في البحر الثالث حكى بعض شراح المختصر أن الشافعي سئل عن الذباب يجلس على غائط ثم يقع على الثوب فقال إن كان في طيرانه ما يجف فيه رجلاه وإلا فالشيء إذا ضاق اتسع ولهم عكس هذه القاعدة إذا اتسع الأمر ضاق قال ابن أبي هريرة في تعليقه وضعت الأشياء في الأصول على أنها إذا ضاقت اتسعت وإذا اتسعت ضاقت ألا ترى أن قليل العمل في الصلاة لما اضطر إليه سومح به وكثيره لما لم يكن به حاجة لم يسامح به وكذلك قليل البراغيث وكثيره وجمع الغزالي في الإحياء بين القاعدتين بقوله كل ما تجاوز عن حده انعكس إلى ضده ونظير هاتين القاعدتين في التعاكس قولهم يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء وقولهم يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام وسيأتي ذكر فروعها القاعدة الرابعة الضرر يزال أصلها قوله صلى اللّه عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار أخرجه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلا وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي والدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت (١/٨٣) اعلم أن هذه القاعدة ينبني عليها كثير من أبواب الفقه من ذلك الرد بالعيب وجميع أنواع الخيار من اختلاف الوصف المشروط والتعزير وإفلاس المشتري وغير ذلك والحجر بأنواعه والشفعة لأنها شرعت لدفع ضرر القسمة والقصاص والحدود والكفارات وضمان المتلف والقسمة ونصب الأئمة والقضاة ودفع الصائل وقتال المشركين والبغاة وفسخ النكاح بالعيوب أو الإعسار أو غير ذلك وهي مع القاعدة التي قبلها متحدة أو متداخلة ويتعلق بهذه القاعدة قواعد الأولى الضروريات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة وإساغة اللقمة بالخمر والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه وكذا إتلاف المال وأخذ مال الممتنع من أداء الدين بغير إذنه ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله ولو عم الحرام قطرا بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادرا فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه ولا يقتصر على الضرورة قال الإمام ولا يرتقى إلى التبسط وأكل الملاذ بل يقتصر على قدر الحاجة قال ابن عبدالسلام وفرض المسألة أن يتوقع معرفة صاحب المال في المستقبل فأما عند اليأس فالمال حينئذ للمصالح لأن من جملة أموال بيت المال ما جهل مالكه ويجوز إتلاف شجر الكفار وبنائهم لحاجة القتال والظفر بهم وكذا الحيوان الذي يقاتلون عليه ونبش الميت بعد دفنه للضرورة بأن دفن بلا غسل أو لغير القبلة أو في أرض أو ثوب مغصوب وغصب الخيط لخياطة جرح حيوان محترم وقولنا بشرط عدم نقصانها عنها ليخرج ما لو كان الميت نبيا فإنه لا يحل أكله للمضطر لأن حرمته أعظم في نظر الشرع من مهجة المضطر وما لو أكره على القتل أو الزنا فلا يباح واحد منهما بالإكراه لما فيهما من المفسدة التي تقابل حفظ مهجة المكره أو تزيد عليها وما لو دفن بلا تكفين فلا ينبش فإن مفسدة هتك حرمته أشد من عدم تكفينه الذي قام الستر بالتراب مقامه الثانية ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ومن فروعه المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق ومن استشير في خاطب واكتفى بالتعريض كقوله لا يصلح لك لم يعدل إلى التصريح ويجوز أخذ نبات الحرم لعلف البهائم ولا يجوز أخذه لبيعه لمن يعلف والطعام في دار الحرب يؤخذ على سبيل الحاجة لأنه أبيح للضرورة فإذا وصل عمران الإسلام امتنع ومن معه بقية ردها ويعفى عن محل استجماره ولو حمل مستجمرا في الصلاة بطلت ويعفى عن (١/٨٤) الطحلب في الماء فلو أخذ ورق وطرح فيه وغيره ضر ويعفى عن ميت لا نفس له سائلة فإن طرح ضر ولو فصد أجنبي امرأة وجب أن تستر جميع ساعدها ولا يكشف إلا ما لا بد منه للفصد والجبيرة يجب أن لا تستر من الصحيح إلا ما لا بد منه للاستمساك والمجنون لا يجوز تزويجه أكثر من واحدة لاندفاع الحاجة بها وإذا قلنا يجوز تعدد الجمعة لعسر الاجتماع في مكان واحد لم يجز إلا بقدر ما يندفع فلو اندفع بجمعتين لم يجز بالثالثة صرح به الإمام وجزم به السبكي والأسنوي ومن جاز له اقتناء الكلب للصيد لم يجز له أن يقتني زيادة على القدر الذي يصطاد به صرح به بعضهم وخرجه في الخادم على هذه القاعدة تنبيه خرج عن هذا الأصل صور منها العرايا فإنها أبيحت للفقراء ثم جازت للأغنياء في الأصح ومنها الخلع فإنه أبيح مع المرأة على سبيل الرخصة ثم جاز مع الأجنبي ومنها اللعان جوز حيث تعسر إقامة البينة على زناها ثم جاز حيث يمكن على الأصح فائدة قال بعضهم المراتب خمسة ضرورة وحاجة ومنفعة وزينة وفضول فالضرورة بلوغه حدا إن لم يتناوله الممنوع هلك أو قارب وهذا يبيح تناول الحرام والحاجة كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة وهذا لا يبيع الحرام ويبيح الفطر في الصوم والمنفعة كالذي يشتهي خبز البر ولحم الغنم والطعام الدسم والزينة كالمشتهي الحلوى والسكر والثوب المنسوج من حرير وكتان والفضول التوسع بأكل الحرام والشبهة تذنيب قريب من هذه القاعدة ما جاز لعذر بطل بزواله كالتيمم يبطل بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة ونظيره الشهادة على الشهادة لمرض ونحوه يبطل إذا حضر الأصل عند الحاكم قبل الحكم (١/٨٥) الثالثة الضرر لا يزال بالضرر قال ابن السبكي وهو كعائد يعود على قولهم الضرر يزال ولكن لا بضرر فشأنهما شأن الأخص مع الأعم بل هما سواء لأنه لو أزيل بالضرر لما صدق الضرر يزال ومن فروع هذه القاعدة عدم وجوب العمارة على الشريك في الجديد وعدم إجبار الجار على وضع الجذوع وعدم إجبار السيد على نكاح العبد والأمة التي لا تحل له ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر إلا أن يكون نبيا فإنه يجوز له أخذه ويجب على من معه بذله له ولا قطع فلذة من فخذه ولا قتل ولده أو عبيده ولا قطع فلذة من نفسه إن كان الخوف من القطع كالخوف من ترك الأكل أو أكثر وكذا قطع السلعة المخوفة ولو مال حائط إلى الشارع أو ملك غيره لم يجب إصلاحه ولو سقطت جرة ولم تندفع عنه إلا بكسرها ضمنها في الأصح ولو وقع دينار في محبرة ولم يخرج إلا بكسرها كسرت وعلى صاحبه الأرش فلو كان بفعل صاحب المحبرة فلا شيء ولو أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولم يخرج إلا بكسرها فإن كان صاحبها معها فهو مفرط بترك الحفظ فإن كانت غير مأكولة كسرت القدر وعليه أرش النقص أو مأكولة ففي ذبحها وجهان وإن لم يكن معها فإن فرط صاحب القدر كسرت ولا أرش وإلا فله الأرش ولو التقت دابتان على شاهق ولم يمكن تخليص واحدة إلا بإتلاف الأخرى لم يفت واحد منهما بل من ألقى دابة صاحبه وخلص دابته ضمن ولو سقط على جريح فإن استمر قتله وإن انتقل قتل غيره فقيل يستمر لأن الضرر لا يزال بالضرر وقيل يتخير للاستواء وقال الإمام لا حكم فيه في هذه المسئلة ولو كانت ضيقة الفرج لا يمكن وطؤها إلا بإفضائها فليس له الوطء ولو رهن المفلس المبيع أو غرس أو بنى فيه فليس للبائع الرجوع في صورة صحة الرهن لأن فيه إضرارا بالمرتهن ولا في صورة الغرس ويبقى الغرس والبناء للمفلس لأنه ينقص قيمتها ويضر بالمفلس والغرماء (١/٨٦) تنبيه قال ابن السبكي يستثنى من ذلك ما لو كان أحدهما أعظم ضررا وعبارة ابن الكتاني لا بد من النظر لأخفهما وأغلظهما ولهذا شرع القصاص والحدود وقتال البغاة وقاطع الطريق ودفع الصائل والشفعة والفسخ بعيب المبيع والنكاح والإعسار والإجبار على قضاء الديون والنفقة الواجبة ومسئلة الظفر وأخذ المضطر طعام غيره وقتاله عليه وقطع شجرة الغير إذا حصلت في هواء داره وشق بطن الميت إذا بلع مالا أو كان في بطنها ولو ترجى حياته ورمي الكفار إذا تترسوا لنساء وصبيان أو بأسرى المسلمين ولو كان له عشر دار لا يصلح للسكنى والباقي لآخر وطلب صاحب الأكثر القسمة أجيب في الأصح وإن كان فيه ضرر شريكه ولو أحاط الكفار بالمسلمين ولا مقاومة بهم جاز دفع المال إليهم وكذا استنقاذ الأسرى منهم بالمال إذا لم يمكن بغيره لأن مفسدة بقائهم في أيديهم واصطلامهم للمسلمين أعظم من بذل المال والخلع في الحيض لا يحرم لأن إنقاذها منه مقدم على مفسدة تطويل العدة عليها ولو وقع في نار تحرقه ولم يخلص إلا بماء يغرقه ورآه أهون عليه من الصبر على لفحات النار فله الانتقال إليه في الأصح ولو وجد المضطر ميتة وطعام غائب فالأصح أنه يأكل الميتة لأنها مباحة بالنص وطعام الغير بالاجتهاد أو المحرم ميتة وصيدا فالأصح كذلك لأنه يرتكب في الصيد محظورين القتل والأكل ونشأ من ذلك قاعدة رابعة وهي إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما ونظيرها قاعدة خامسة وهي درء المفاسد أولى من جلب المصالح فإذا تعارض مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبا لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات ولذلك قال صلى اللّه عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فئتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ومن ثم سومح في ترك بعض الواجبات بأدنى مشقة كالقيام في الصلاة والفطر والطهارة ولم يسامح في الإقدام على المنهيات وخصوصا الكبائر ومن فروع ذلك (١/٨٧) المبالغة في المضمضة والاستنشاق مسنونة وتكره للصائم تخليل الشعر سنة في الطهارة ويكره للمحرم وقد يراعى المصلحة لغلبتها على المفسدة من ذلك الصلاة مع اختلال شرط من شروطها من الطهارة والستر والاستقبال فإن في كل ذلك مفسدة لما فيه من الإخلال بجلال اللّه في أن لا يناجى إلا على أكمل الأحوال ومتى تعذر شيء من ذلك جازت الصلاة بدونه تقديما لمصلحة الصلاة على هذه المفسدة ومنه الكذب مفسدة محرمة ومتى تضمن جلب مصلحة تربو عليه جاز كالكذب للإصلاح بين الناس وعلى الزوجة لإصلاحها وهذا النوع راجع إلى ارتكاب أخف المفسدتين في الحقيقة القاعدة الخامسة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة من الأولى مشروعية الإجارة والجعالة والحوالة ونحوها جوزت على خلاف القياس لما في الأولى من ورود العقد على منافع معدومة وفي الثانية من الجهالة وفي الثالثة من بيع الدين بالدين لعموم الحاجة إلى ذلك والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة ومنها ضمان الدرك جوز على خلاف القياس إذ البائع إذا باع ملك نفسه ليس ما أخذه من الثمن دينا عليه حتى يضمن لكن لاحتياج الناس إلى معاملة من لا يعرفونه ولا يؤمن خروج المبيع مستحقا ومنها مسئلة الصلح وإباحة النظر للمعاملة ونحوها وغير ذلك ومن الثانية تضبيب الإناء بالفضة يجوز للحاجة ولا يعتبر العجز عن غير الفضة لأنه يبيح أصل الإناء من النقدين قطعا بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سوى التزيين كإصلاح موضع الكسر والشد والتوثق ومنها الأكل من الغنيمة في دار الحرب جائز للحاجة ولا يشترط للآكل أن لا يكون معه غيره تنبيه من المشكل قول المنهاج ويباح النظر لتعليم مع قولهم في الصداق ولو أصدقها تعليم قرآن فطلق قبله تعذر تعليمه في الأصح وأجاب السبكي بأنه إنما تعذر لأن القرآن وإن أمكن تنصيفه من جهة (١/٨٨) الحروف والكلمات لكنه يختلف سهولة وصعوبة وتابعه في المهمات فقال لأن القيام بتعليم نصف مشاع لا يمكن والقول باستحقاق نصف معين تحكم لا دليل عليه ويؤدي إلى النزاع فإن السورة الواحدة مختلفة الآيات في الطول والقصر والصعوبة والسهولة فتعين البدل واعترض هذا الجواب بأنه خاص بالطلاق قبل الدخول وقد صرحوا بتعذر التعليم ولو طلق بعد الدخول والمستحق بعد الدخول تعليم الكل وأجاب الشيخ الإمام جلال الدين المحلي في شرح المنهاج بأن ما ذكره النووي من إباحة النظر للتعليم تفرد به وهو خاص بالأمرد لأنه لما حرم النظر إليه مطلقا ولو بلا شهوة استشعر أن يورد عليه أن الأمرد يحتاج إلى مخالطة الرجال للتعليم ويشق عليه الاحتجاب والتستر وما زال السلف والعلماء على مخالطة المرد ومجالستهم وتعليمهم فاستثنى النظر للتعليم لذلك وأما المرأة فلا تحتاج إلى التعلم كاحتياج الأمرد وأما الواجبات فلا تعدم من يعلمها إياها من محرم أو زوج أو غيره من وراء حجاب وكان شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي يأبى هذا الجواب ويقول بعموم الإباحة للمرأة أيضا ويجيب عن مسئلة الصداق بأن المطلقة امتدت إليها الأطماع فناسب أن لا يؤذن في النظر إليها بخلاف غيرها والتحقيق ما قاله الشيخ جلال الدين وقد أشار إلى نحو ما قاله السبكي فقال قد كشفت كتب المذهب فإنما يظهر منها جواز النظر للتعليم فيما يجب تعلمه وتعليمه كالفاتحة وما يتعين من الصنائع بشرط التعذر من وراء حجاب وأما غير ذلك فإن كلامهم يقتضي المنع ثم استشهد بالمذكور في الصداق القاعدة السادسة العادة محكمة قال القاضي أصلها قوله صلى اللّه عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن قال العلائي ولم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال وإنما هو من قول عبداللّه بن مسعود موقوفا عليه أخرجه أحمد في مسنده (١/٨٩) اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعد كثرة فمن ذلك سن الحيض والبلوغ والإنزال وأقل الحيض والنفاس والطهر وغالبها وأكثرها وضابط القلة والكثرة في الضبة والأفعال المنافية للصلاة والنجاسات المعفو عن قليلها وطول الزمان وقصره في موالاة الوضوء في وجه والبناء على الصلاة في الجمع والخطبة والجمعة وبين الإيجاب والقبول والسلام ورده والتأخير المانع من الرد بالعيب وفي الشرب وسقي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة إقامة له مقام الإذن اللفظي وتناول الثمار الساقطة وفي إحراز المال المسروق وفي المعاطاة على ما اختاره النووي وفي عمل الصناع على ما استحسنه الرافعي وفي وجوب السرج والإكاف في استئجار دابة للركوب والحبر والخيط والكحل على من جرت العادة بكونها عليه وفي الاستيلاء في الغصب وفي رد ظرف الهدية وعدمه وفي وزن أو كيل ما جهل حاله في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإن الأصح أنه يراعى فيه عادة بلد البيع وفي إرسال المواشي نهارا وحفظها ليلا ولو اطردت عادة بلد بعكس ذلك اعتبرت العادة في الأصح وفي صوم يوم الشك لمن له عادة وفي قبول القاضي الهدية ممن له عادة وفي القبض والإقباض ودخول الحمام ودور القضاة والولاة والأكل من الطعام المقدم ضيافة بلا لفظ وفي المسابقة والمناضلة إذا كانت للرماة عادة في مسافة تنزل المطلق عليها وفيما إذا اطردت عادة المتبارزين بالأمان ولم يجر بينهما شرط فالأصح أنها تنزل منزلة الشرط وفي ألفاظ الواقف والموصي وفي الأيمان وسيأتي ذكر أمثلة من ذلك ويتعلق بهذه القاعدة مباحث الأول فيما تثبت به العادة وفي ذلك فروع أحدها الحيض قال الإمام والغزالي وغيرهما العادة في باب الحيض أربعة أقسام أحدها ما تثبت فيه بمرة بلا خلاف وهو الاستحاضة لأنها علة مزمنة فإذا وقعت فالظاهر دوامها وسواء في ذلك المبتدأة والمعتادة والمتحيرة الثاني مالا يثبت فيه بالمرة ولا بالمرات المتكررة بلا خلاف وهي المستحاضة إذا انقطع دمها فرأت يوما دما ويوما نقاء واستمر لها أدوار هكذا ثم أطبق الدم على لون واحد فإنه لا يلتقط لها قدر أيام الدم بلا خلاف وإن قلنا باللقط بل نحيضها بما كنا نجعله حيضا بالتلفيق وكذا لو ولدت مرارا ولم تر نفاسا ثم ولدت وأطبق الدم (١/٩٠) وجاوز ستين يوما فإن عدم النفاس لا يصير عادة لها بلا خلاف بل هذه مبتدأة في النفاس الثالث مالا يثبت بمرة ولا بمرات على الأصح وهو التوقف عن الصلاة ونحوها بسبب تقطع الدم إذا كانت ترى يوما دما ويوما نقاء الرابع ما يثبت بالثلاث وفي ثبوته بالمرة والمرتين خلاف والأصح الثبوت وهو قدر الحيض والطهر الثاني الجارحة في الصيد لا بد من تكرار يغلب على الظن أنه عادة ولا يكفي مرة واحدة قطعا وفي المرتين والثلاث خلاف الثالث القائف لا خلاف في اشتراط التكرار فيه وهل يكتفى بمرتين أو لا بد من ثلاث وجهان رجح الشيخ أبو حامد وأصحابه اعتبار الثلاث وقال إمام الحرمين لا بد من تكرار يغلب على الظن به أنه عارف الرابع اختبار الصبي قبل البلوغ بالمماكسة قالوا يختبر مرتين فصاعدا حتى يغلب على الظن رشده الخامس عيوب البيع فالزنا يثبت الرد بمرة واحدة لأن تهمة الزنا لا تزول وإن تاب ولذلك لا يحد قاذفه والإباق كذلك قال القاضي حسين وغيره يكفي المرة الواحدة منه في يد البائع وإن لم يأبق في يد المشتري قال الرافعي والسرقة قريب من هذين وأما البول في الفراش فالأظهر اعتبار الاعتياد فيه السادس العادة في صوم يوم الشك كما إذا كان له عادة بصوم يوم الاثنين أو الخميس فصادف يوم الشك أحدهما بماذا تثبت العادة قال الشيخ تاج الدين السبكي لم أر فيه نقلا وقال الإمام في الخادم لم يتعرضوا لضابط العادة فيحتمل ثبوتها بمرة أو بقدر يعد في العرف متكررا السابع العادة في الإهداء للقاضي قبل الولاية قال ابن السبكي لم أر فيه نقلا بماذا تثبت به قال وكلام الأصحاب يلوح بثبوتها بمرة واحدة ولذلك عبر الرافعي بقوله تعهد منه الهدية والعهد صادق بمرة الثامن العادة في تجديد الطهر لمن يتيقن طهرا وحدثا وكان قبلهما متطهرا فإنه يأخذ بالضد إن اعتاد التجديد وبالمثل إن لم يعتده لم يبينوا بم تثبت به العادة لكن ذكر السبكي في شرح المنهاج أن من ثبتت له عادة محققة كمن اعتاده (١/٩١) فيأخذ بالضد وظاهر هذا الاكتفاء فيه بالمرة ونحوها التاسع إنما يستدل بحيض الخنثى وإمنائه على الأنوثة والذكورة بشرط التكرار ليتأكد الظن ويندفع توهم كونه اتفاقيا قال الأسنوي وجزم في التهذيب بأنه لا يكفي مرتان بل لا بد أن يصير عادة قال ونظير التحاقه بما قيل في كلب الصيد المبحث الثاني إنما تعتبر العادة إذا اطردت فإن اضطربت فلا وإن تعارضت الظنون في اعتبارها فخلاف قال الإمام في باب الأصول والثمار كل ما يتضح فيه اطراد العادة فهو المحكم ومضمره كالمذكور صريحا وكل ما تعارض الظنون بعض التعارض في حكم العادة فيه فهو مثار الخلاف انتهى وفي ذلك فروع منها باع شيئا بدراهم وأطلق نزل على النقد الغالب فلو اضطربت العادة في البلد وجب البيان وإلا يبطل البيع ومنها غلبت المعاملة بجنس من العروض أو نوع منه انصرف الثمن عليه عند الإطلاق في الأصح كالنقد ومنها استأجر للخياطة والنسخ والكحل فالخيط والحبر والكحل على من خلاف صحح الرافعي في الشرح الرجوع فيه إلى العادة فإن اضطربت وجب البيان وإلا فتبطل الإجارة ومنها البطالة في المدارس سئل عنها ابن الصلاح فأجاب بأن ما وقع منها في رمضان ونصف شعبان لا يمنع من الاستحقاق حيث لا نص فيه من الواقف على اشتراط الاشتغال في المدة المذكورة وما يقع منها قبلهما يمنع لأنه ليس فيها عرف مستمر ولا وجود لها قطعا في أكثر المدارس والأماكن فإن سبق بها عرف في بعض البلاد واشتهر غير مضطرب فيجري فيها في ذلك البلد الخلاف في أن العرف الخاص هل ينزل في التأثير منزلة العرف العام والظاهر تنزيله في أهله بتلك المنزلة انتهى ومنها المدارس الموقوفة على درس الحديث ولا يعلم مراد الواقف فيها هل يدرس فيها علم الحديث الذي هو معرفة المصطلح كمختصر ابن الصلاح ونحوه أو يقرأ متن الحديثين كالبخاري ومسلم ونحوهما ويتكلم على ما في الحديث من فقه وغريب ولغة ومشكل واختلاف كما هو عرف الناس الآن وهو شرط المدرسة الشيخونية كما رأيته في شرط واقفها (١/٩٢) وقد سأل شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر شيخه الحافظ أبا الفضل العراقي عن ذلك فأجاب بأن الظاهر اتباع شروط الواقفين فإنهم يختلفون في الشروط وكذلك اصطلاح أهل كل بلد والشام يلقون دروس الحديث كالشيخ المدرس في بعض الأوقات بخلاف المصريين فإن العادة جرت بينهم في هذه الأعصار بالجمع بين الأمرين بحسب ما يقرأ فيه من الحديث فصل في تعارض العرف مع الشرع هو نوعان أحدهما أن لا يتعلق بالشرع حكم فيقدم عليه عرف الاستعمال فلو حلف لا يأكل لحما لم يحنث بالسمك وإن سماه اللّه لحما أو لا يجلس على بساط أو تحت سقف أو في ضوء سراج لم يحنث بالجلوس على الأرض وإن سماها اللّه بساطا ولا تحت السماء وإن سماها اللّه سقفا ولا في الشمس وإن سماها اللّه سراجا أو لا يضع رأسه على وتد لم يحنث بوضعها على جبل أو لا يأكل ميتة أو دما لم يحنث بالسمك والجراد والكبد والطحال فقدم العرف في جميع ذلك لأنها استعملت في الشرع تسمية بلا تعلق حكم وتكليف والثاني أن يتعلق به حكم فيقدم على عرف الاستعمال فلو حلف لا يصلي لم يحنث إلا بذات الركوع والسجود أو لا يصوم لم يحنث بمطلق الإمساك أو لا ينكح حنث بالعقد لا بالوطء أو قال إن رأيت الهلال فأنت طالق فرآه غيرها وعلمت به طلقت حملا له على الشرع فإنها فيه بمعنى العلم لقوله إذا رأيتموه فصوموا ولو كان اللفظ يقتضي العموم والشرع يقتضي الخصوص اعتبر خصوص الشرع في الأصح فلو حلف لا يأكل لحما لم يحنث بالميتة أو لا يطأ لم يحنث بالوطء في الدبر على ما رجحه في كتاب الأيمان أو أوصى لأقاربه لم تدخل ورثته عملا بتخصيص الشرع إذ لا وصية لوارث أو حلف لا يشرب ماء لم يحنث بالمتغير كثيرا بزعفران ونحوه فصل في تعارض العرف مع اللغة حكى صاحب الكافي وجهين في المقدم أحدهما وإليه ذهب القاضي حسين الحقيقة اللفظية عملا بالوضع اللغوي (١/٩٣) والثاني وعليه البغوي الدلالة العرفية لأن العرف يحكم في التصرفات سيما في الأيمان قال فلو دخل دار صديقه فقدم إليه طعاما فامتنع فقال إن لم تأكل فامرأتي طالق فخرج ولم يأكل ثم قدم اليوم الثاني فقدم إليه ذلك الطعام فأكل فعلى الأول لا يحنث وعلى الثاني يحنث انتهى وقال الرافعي في الطلاق إن تطابق العرف والوضع فذاك وإن اختلفا فكلام الأصحاب يميل إلى الوضع والإمام والغزالي يريان اعتبار العرف وقال في الأيمان ما معناه إن عمت اللغة قدمت على العرف وقال غيره إن كان العرف ليس له في اللغة وجه ألبتة فالمعتبر اللغة وإن كان له فيه استعمال ففيه خلاف وإن هجرت اللغة حتى صارت نسيا منيسا قدم العرف ومن الفروع المخرجة على ذلك حلف لا يسكن بيتا فإن كان بدويا حنث بالمبنى وغيره لأنه قد تظاهر فيه العرف الكل واللغة لأن يسمونه بيتا وإن كان من أهل القرى فوجهان بناء على الأصل المذكور إن اعتبرنا العرف لم يحنث والأصح الحنث ومنها حلف لا يشرب ماء حنث بالمالح وإن لم يعتد شربه اعتبارا بالإطلاق والاستعمال اللغوي ومنها حلف لا يأكل الخبز حنث بخبز الأرز وإن كان من قوم لا يتعارفون ذلك لإطلاق الاسم عليه لغة ومنها قال أعطوه بعيرا لا يعطى ناقة على المنصوص وقال ابن شريح نعم لاندراجه فيها لغة ومنها قال أعطوه دابة أعطي فرسا أو بغلا أو حمارا على المنصوص لا الإبل والبقر إذ لا يطلق عليها عرفا وإن كان يطلق عليها لغة وقال ابن شريح إن كان ذلك في غير مصر لم يدفع إليه إلا الفرس ومنها حلف لا يأكل البيض أو الرءوس لم يحنث ببيض السمك والجراد ولا برءوس العصافير والحيتان لعدم إطلاقها عليها عرفا ومنها قال زوجتي طالق لم تطلق سائر زوجاته عملا بالعرف وإن كان وضع اللغة يقتضي ذلك لأن اسم الجنس إذا أضيف عم وكذلك قوله الطلاق يلزمني لا يحمل على الثلاث وإن كانت الألف واللام للعموم ومنها أوصي للقراء فهل يدخل من لا يحفظ ويقرأ في المصحف أو لا وجهان ينظر في أحدهما إلى الوضع وفي الثاني إلى العرف وهو الأظهر ومنها أوصى للفقهاء فهل يدخل الخلافيون المناظرون قال في الكافي يحتمل وجهين لتعارض العرف والحقيقة (١/٩٤) تنبيه قال الشيخ أبوزيد لا أدري ماذا بنى الشافعي مسائل الأيمان إن اتبع اللغة فمن حلف لا يأكل الرءوس فينبغي أن يحنث برءوس الطير والسمك وإن اتبع العرف فأهل القرى لا يعدون الخيام بيوتا قال الرافعي يتبع مقتضى اللغة تارة وذلك عند ظهورها وشمولها وهو الأصل وتارة يتبع العرف إذا استمر واطرد وقال ابن عبدالسلام قاعدة الأيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة تنبيه إنما يتجاذب الوضع والعرف في العربي أما الأعجمي فيعتبر عرفه قطعا إذ لا وضع يحمل عليه فلو حلف على البيت بالفارسية لم يحنث ببيت الشعر ولو أوصى لأقاربه لم يدخل قرابة الأم في وصية العرب ويدخل في وصية العجم ولو قال إن رأيت الهلال فأنت طالق فرآه غيرها قال القفال إن علق بالعجمية حمل على المعاينة سواء فيه البصير والأعمى قال والعرف الشرعي في حمل الرؤية على العلم لم يثبت إلا في اللغة العربية ومنع الإمام الفرق بين اللغتين ولو حلف لا يدخل دار زيد فدخل ما سكنه بإجارة لم يحنث وقال القاضي حسين إن حلف على ذلك بالفارسية حمل على المسكن قال الرافعي ولا يكاد يظهر فرق بين اللغتين فصل في تعارض العرف العام والخاص والضابط أنه إن كان المخصوص محصورا لم يؤثر كما لو كانت عادة امرأة في الحيض أقل مما استقر من عادات النساء ردت إلى الغالب في الأصح وقيل تعتبر عادتها وإن كان غير محصور اعتبر كما لو جرت عادة قوم بحفظ زرعهم ليلا ومواشيهم نهارا فهل ينزل ذلك منزلة العرف العام في العكس وجهان الأصح نعم (١/٩٥) المبحث الثالث العادة المطردة في ناحية هل تنزل عادتهم منزلة الشرط فيه صور منها لو جرت عادة قوم بقطع الحصرم قبل النضج فهل تنزل عادتهم منزلة الشرط حتى يصح بيعه من غير شرط القطع وجهان اصحهما لا وقال القفال نعم ومنها لو عم في الناس إعتياد إباحة منافع الرهن للمرتهن فهل ينزل منزلة شرطه حتى يفسد الرهن قال الجمهور لا وقال القفال نعم ومنها لو جرت عادة المقترض برد أزيد مما إقترض فهل ينزل منزلة الشرط فيحرم إقراضه وجهان أصحهما لا ومنها لو اعتاد بيع العينة بأن يشتري مؤجلا بأقل مما باعه نقدا فهل يحرم ذلك وجهان أصحهما لا ومنها لو بارز كافر مسلما وشرط الأمان لم يجز للمسلم إعانة المسلم فلو لم يشرط ولكن اطردت العادة بالمبارزة بالأمان فهل هو كالمشروط وجهان أصحهما نعم فهذه الصور مستثناة ومنها لو دفع ثوبا مثلا إلى خياط ليخيطه ولم يذكر أجرة وجرت عادته بالعمل بالأجرة فهل ينزل منزلة شرط الأجرة خلاف والأصح في المذهب لا واستحسن الرافعي مقابلة المبحث الرابع العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن السابق دون المتأخر قال الرافعي العادة الغالبة إنما تؤثر في المعاملات لكثرة وقوعها ورغبة الناس فيما يروج في النفقة غالبا ولا يؤثر في التعليق والإقرار بل يبقى اللفظ على عمومه فيها أما في التعليق فلقلة وقوعه وأما في الإقرار فلإنه إخبار عن وجوب سابق وربما يقدم الوجوب على العرف الغالب فلو أقر بدراهم وفسرها بغير سكة البلد قبل قال الإمام وكذا الدعوى بالدراهم لا تنزل على العادة كما أن الإقرار بها لا ينزل على العادة بل لا بد من الوصف وكذا قال الشيخ أبو حامد والمارودي والروياني وغيرهم وفرقوا بما سبق أن الدعوى والإقرار إخبار عما تقدم فلا يفيده العرف المتأخر بخلاف العقد فانه أمر باشره في الحال فقيده العرف ولو أقر بألف مطلقة في بلد دراهمه ناقصة لزمه الناقصة في الأصح وقيل يلزمه وافية لعرف الشرع ولا خلاف أنه لو اشترى بألف في هذه البلد لزمه الناقصة لأن البيع معاملة والغالب أن المعاملة تقع بما يروج فيها بخلاف الإقرار (١/٩٦) ومن الفروع المخرجة على هذا الأصل ما سبق في مسألة البطالة فاذا استمر عرف بها في أشهر مخصوصة حمل عليه ما وقف بعد ذلك لا ما وقف قبل هذه العادة ومنها كسوة الكعبة نقل الرافعي عن ابن عبدان أنه منع من بيعها وشرائها وقال ابن الصلاح الأمر فيها الى رأي الإمام واستحسنه النووي وقال العلائي وغيره الذي يقتضيه القياس أن العادة استمرت بأنها تبدل كل سنة وتؤخذ تلك العتيقة فيتصرف فيها بيعا وغيره ويقرهم الأئمة على ذلك في كل عصر فلا تردد في جوازه وأما بعد ما اتفق في هذا القرن من وقف الإمام ضيعة معينة على أن يصرف ريعها في كسوة الكعبة فلا يتردد في جواز ذلك لأن الوقف بعد استقرار هذه العادة والعلم بها فينزل لفظ الواقف عليها ومنها الأوقاف القديمة المشروط نظرها للحاكم وكان الحاكم إذ ذاك شافعيا ثم إن الملك الظاهر أحدث القضاة الأربعة سنة أربع وستين وستمائة فما كان موقوفا قبل ذلك اختص نظره بالشافعي فلا يشاركه غيره وما أطلق من النظر بعد ذلك فمحمول عليه أيضا لأن أهل العرف غالبا لا يفهمون من إطلاق الحاكم غير الشافعي قال السبكي في فتاويه ذكر الشيخ برهان الدين بن الفركاح قال وقفت على فتيا صورتها أنه جعل النظر لحاكم دمشق وكان حينئذ في دمشق حاكم واحد على مذهب معين ثم ولى السلطان في دمشق أربع قضاة ومات القاضي الذي كان موجودا حين الوقف وبعد ذلك ولى القضاة الأربعة وأحدهم على مذهب الذي كان حين الوقف أولا وقد كتب عليها جماعة منهم الشيخ زين الدين الفارقي والصفي الهندي وآخرون أنه يختص بذلك الذي هو على مذهب الموجود حين الوقف قال السبكي ومستند ذلك أنه لما حصلت التولية في زمن الملك الظاهر حصلت لثلاثة مع القاضي الذي كان حين الوقف وذلك القاضي لم ينعزل عن نظره ولا جعل الثلاثة مزاحمين له في كل ما يستحق بل أفرد هو بالأوقاف والأيتام والنواب وبيت المال وجعل الثلاثة مشاركين في الباقي كأنهم نواب له في بعض الأشياء وفصل الحكومات على مذهبهم لا في الأنظار ثم لما مات ذلك القاضي تولى واحد مكانه على عادته فينتقل إليه كل ما كان بيد الذي قبله ولا يشاركه فيه واحد من الثلاثة قال وأيضا فان قول الواقف النظر للحاكم إن حمل على العموم اقتضى دخول النواب والعرف بخلافه فإنما يحمل على المعهود والمعهود هو ذلك الشخص والحمل عليه بعيد لأنه لا يدوم فوجب أن يحمل عليه وعلى من كان مكانه فكأنه هو بالنوع لا بالشخص والذي ولي معه ليس مكانه ولا هو من نوعه وإنما أريد بولايته إقامة من يحكم بذلك المذهب المتجدد فيما لا يمكن الحاكم المستمر الحكم به لكونه خلاف مذهبه فلا مدخل للأنظار في ذلك (١/٩٧) قال فإن قلت لو قال لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي فالأصح أنه لا يتعين ذلك القاضي بل قاضي تلك البلد من كان حالة اليمين أو بعدها قلت نعم وكذا أقول لا يتعين قاضي حالة الوقف بل هو أو من تولى مكانه والثلاثة لم يولوا مكانه قال فإن قلت لو كان حال اليمين في البلد قاضيان بر بالرفع إلى من شاء منهما فقياسه إذا شرط النظر للقاضي وهناك قاضيان أن يشتركا فيه قلت المقصود في اليمين الرفع إلى من يغير المنكر وكلاهما يغير المنكر فكل منهما يحصل به الغرض والمقصود باشتراط النظر فعل مصلحة الوقف والاشتراك يؤدي إلى المفسدة باختلاف الآراء فوجب الصرف إلى واحد وهو الكبير قال وقد وقع في بعض الأوقاف وقف بلد على الحرم وشرط النظر فيه للقاضي وأطلق ففيه احتمالات أحدها أنه قاضي الحرم والثاني أنه قاضي البلد الموقوفة قال وهذان الاحتمالان يشبهان الوجهين في أنه إذا كان اليتيم في بلد وماله في بلد آخر والأصح عند الرافعي أن النظر لقاضي بلد اليتيم وعند الغزالي أنه لقاضي بلد المال فعلى ما قال الرافعي يكون لقاضي الحرم والثاني أن يكون لقاضي بلد السلطان كما في اليمين فعلى هذا هل يكون قاضي بلد السلطان الأصلية التي هي مصر أو قاضي البلد التي كان السلطان بها حين الوقف قال والذي يترجح أن يكون النظر لقاضي البلد الموقوفة لأنه أعرف بمصالحها فالظاهر أن الواقف قصده وبه تحصل المصلحة لا سيما إذا كان السلطان حين الوقف فيها قلت الظاهر احتمال رابع وهو أن يكون لقاضي البلد التي جرى الوقف بها والظاهر أنه مراد السبكي ببلد السلطان بقرينة تشبيهه بمسألة اليتيم واللّه أعلم المبحث الخامس قال الفقهاء كل ما ورد به الشرع مطلقا ولا ضابط له فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف ومثلوه بالحرز في السرقة والتفرق في البيع والقبض ووقت الحيض وقدره والإحياء والاستيلاء في الغصب والاكتفاء في نية الصلاة بالمقارنة العرفية بحيث يعد مستحضرا للصلاة على ما اختاره النووي وغيره وقالوا في الأيمان إنها تبنى أولا على اللغة ثم على العرف (١/٩٨) وخرجوا عن ذلك في مواضع لم يعتبروا فيها العرف مع أنها لا ضابط لها في الشرع ولا في اللغة منها المعاطاة على أصل المذهب لا يصح البيع بها ولو اعتيدت لا جرم أن النووي قال المختار الراجح دليلا الصحة لأنه لم يصح في الشرع اعتبار لفظ فوجب الرجوع إلى العرف كغيره من الألفاظ ومنها مسألة استصناع الصناع الجارية عادتهم بالعمل بالأجرة لا يستحقون شيئا إذا لم يشرطوه في الأصح ومن أمثلة ذلك أن يدفع ثوبا إلى خياط ليخيطه أو قصار ليقصره أو جلس بين يدي حلاق فحلق رأسه أو دلاك فدلكه أو دخل سفينة بإذن وسار إلى الساحل وأما دخول الحمام فإنه يوجب الأجرة وإن لم يجر لها ذكر قطعا لأن الداخل مستوف منفعة الحمام بسكوته وهناك صاحب المنفعة صرفها ومنها لم يرجعوا في ضبط موالاة الوضوء وخفة الشعر وكثافته للعرف في الأصح ولا في ضابط التحذير فرع سئل الغزالي عن اليهودي إذا أجر نفسه مدة معلومة ما حكم السبوت التي تتخللّها إذا لم يستثنها فإن استثناها فهل تصح الإجارة لأنه يؤدي إلى تأخير التسليم عن العقد فأجاب إذا اطرد عرفهم بذلك كان إطلاق العقد كالتصريح بالاستثناء كاستثناء الليل في عمل لا يتولى إلا بالنهار وحكمه أنه لو أنشأ الإجارة في أول الليل مصرحا بالإضافة إلى أول الغد لم يصح وإن أطلق صح وإن كان الحال يقتضي تأخير العمل كما لو أجر أرضا للزراعة في وقت لا يتصور المبادرة إلى زرعها أو أجر دارا مشحونة بالأمتعة لا تفرغ إلا في يوم أو يومين انتهى وقد نقله عنه الرافعي والنووي ولم ينقلاه عن غيره قال السبكي ولا ينبغي أن يؤخذ مسلما بل ينظر فيه قال وقد سئل عنه قاضي القضاة أبو بكر الشامي فقال يجبر على العمل فيها لأن الاعتبار بشرعنا في ذلك فذكر له كلام الغزالي فقال ليس بصحيح ثم قال يحتمل أن يقال ذلك ويستثنى بالعرف قال السبكي وكلام الغزالي متين وقويم وفيه فوائد وهو أولى من قول أبي بكر الشامي لأن العرف وإن لم يكن عاما لكنه موجود فيه فينزل منزلة العرف في أوقات الراحة ونحوها (١/٩٩) قال وقوله إذا اطرد عرفهم بذلك فينبغي أن يحمل على عرف المستأجر والمؤجر جميعا سواء كان المستأجر مسلما أم لا فلو كان عرف اليهود مطردا بذلك ولكن المستأجر المسلم لم يعرف ذلك لم يكن إطلاق العقد في حقه منزلا منزلة الاستثناء والقول قول المسلم في ذلك إذا لم يكن من أهل تلك البلدة ولم يعلم من حاله ما يقتضي معرفته بذلك العرف وحينئذ هل يقول العقد باطل أو يصح ويثبت له الخيار أو يلزم اليهودي بالعمل فيه نظر والأقرب الثالث لأن اليهودي مفرط بالإطلاق مع من ليس من أهل العرف قال وإذا اقتضى الحال استثناءها وأسلم الذمي في مدة الإجارة وأتى عليه بعد إسلامه يوم سبت وجب العمل فيه لأنا نقول عند الاستثناء أنه خارج عن عقد الإجارة فإنه لو كان كذلك لجرى في الإجارة خلاف كإجارة العقب ولجاز له أن يؤجر نفسه يوم السبت لآخر وتجويز ذلك بعيد فإنه يلزم منه عقد الإجارة على العين لشخصين على الكمال في مدة واحدة وكلام الفقهاء يأباه وصرحوا بأنه إذا ورد عقد على عين لا يجوز أن يعقد عليها مثله وهكذا نقول في استثناء أوقات الصلوات ونحوها ليس معناه أن تلك الأوقات متخللة بين أزمان الإجارة كإجارة العقب بل يقول في كل ذلك إن منفعة ذلك الشخص في جميع تلك المدة مستحقة للمستأجر مملوكة بمقتضى العقد ومع هذا يجب عليه توفيره من العمل في تلك الأوقات كما أن السيد يستحق منفعة عبده في جميع الأوقات ومع ذلك يجب توفيره في أوقات الصلوات والراحة بالليل ونحوها فهذا هو معنى الاستثناء وهو استثناء من الاستيفاء لا من الاستحقاق وإن شئت قلت من استيفاء المملوك لا من الملك وإن شئت قلت العقد مقتض لاستحقاقها ولكن منع مانع فاستثناها وحينئذ فالسبوت داخلة في الإجارة وملك المستأجر منفعته فيها وإنما امتنع عليه الاستيفاء لأمر عرفي مشروط ببقاء اليهودية فإذا أسلم لم يبق مانع والاستحقاق ثابت لعموم العقد فيستوفيه ويجب عليه بعدما أسلم أن يؤدي الصلوات في أوقاتها ويزول استحقاق المستأجر لاستيفائها بالإسلام وإن كانت مملوكة له بالعقد كما لم يستحق استيفائها في استئجار المسلم وإن كانت مملوكة له بالعقد وإنما وجب استحقاق صرفها قبل الإسلام إلى العمل لعدم المانع من استيفائها مع استحقاقها ونظيره لو استأجر امرأة لعمل مدة فحاضت في بعضها فأوقات الصلاة في زمن الحيض غير مستثناة وفي غيره مستثناة ولا ينظر في ذلك إلى حال العقد بل حال الاستيفاء وهكذا اكتراء الإبل إلى الحج وسيرها محمول على العادة والمنازل المعتادة فلو اتفق في مدة الإجارة تغيير العادة وسار الناس على خلاف ما كانوا يسيرون فيما لا يضر بالأجير (١/١٠٠) والمستأجر وجب الرجوع إلى ما صار عادة الناس ولا نقول بانفساخ العقد واعتبار العادة الأولى هذا مقتضى الفقه وإن لم أجده منقولا قال ولو استعمل المستأجر اليهودي يوم السبت ظالما أو ألزم المسلم العمل في أوقات الصلاة ونحوها لم يلزمه أجرة المثل وقد قال البغوي في فتاويه إنه لو استأجر عبدا فاستعمله في أوقات الراحة لم يجب عليه أجرة زائدة لأن جملة الزمان مستحقة وترك الراحة ليتوفر عليه عمله فإن دخله نقص وجب عليه أرش نقصه كما لو استعمله في أوقات الصلاة لا يجب عليه زيادة أجرة وعليه تركه لقضاء الصلاة هذه عبارته انتهى ونظير مسألة إسلام الذمي ما لو أجر دارا ثم باعها لغير المستأجر ثم تقايل البائع والمستأجر الإجارة والذي ذكره المتولي أن المنافع تعود إلى البائع سواء قلنا إن الإقالة بيع أو على فسخ الصحيح لأنها ترفع العقد من حينها قطعا فلم يوجد عند الرد ما يوجب الحق للمشتري وحكي فيما لو فسخت الإجارة بعيب أو طروء ما يقتضي ذلك وجهين مبنيين على أن الرد بالعيب يرفع العقد من أصله أو حينه إن قلنا بالأول فللمشتري وكأن الإجارة لم تكن أو بالثاني فللبائع لما تقدم |