Geri

   

 

 

İleri

 

باب تقسيم العلامة

قوله فما يكون علما على الوجود يعني من غير أن يتعلق به وجوب ولا وجود على ما قلنا قبيل باب تقسيم السبب وقد تسمى العلامة شرطا يعني إذا كان للحكم نوع تعلق به مثل الإحصان في الزنا فإنه وإن كان علامة كما بينا لكن الحكم لما لم يثبت عند عدمه كان فيه جهة الشرط من هذا الوجه فيجوز أن يسمى شرطا فصارت العلامة أي العلامة المحضة نوعا واحدا وهي مثل تكبيرات الصلاة فإنها علامات الانتقال من ركن إلى ركن من غير أن يكون فيها معنى الشرط بوجه ومثل رمضان في قول الرجل لامرأته أنت طالق قبل رمضان بشهر فإنه معرف محض للزمان الذي يقع فيه الطلاق فإن قيل قد ذكر في عقد الباب تقسيم العلامة ثم قال هي نوع واحد فما وجهه قلنا معناه أن العلامة المحضة التي ليس فيها معنى الشرط نوع واحد لكن العلامة قد يكون فيها معنى الشرط كالإحصان وقد تكون بمعنى العلة كعلل الشرع فإنها بمنزلة العلامات للأحكام غير موجبة بذواتها شيئا فمن حيث إنها لا توجب بذواتها شيئا كانت إعلاما وإذا كان كذلك جاز أن ينقسم العلامة بهذا الاعتبار كما انقسم السبب والعلة والشرط وإلى التقسيم أشار الشيخ بقوله وقد تسمى العلامة شرطا

قوله وقال الشافعي إلى آخره والقذف بنفسه لا يوجب رد الشهادة عندنا كما لا يوجب الحد بل يتوقف على العجز عن إقامة الشهود وعند الشافعي رحمه اللّه نفسه يوجب رد الشهادة ولا يتوقف ذلك على العجز حتى لو شهد القاذف في حادثة قبل تحقق العجز وإقامة الحد عليه تقبل عندنا وعنده لا تقبل لأن اللّه تعالى علق رد الشهادة بالقذف بقوله عز وجل والذين يرمون المحصنات إلى أن قال ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا

وأشار إلى المعنى بقوله وأولئك هم الفاسقون أي لأنهم فاسقون والفسق

(٤/٣١٨)

يثبت بنفس القذف لأنه كبيرة على ما نبين فيوجب بنفسه رد الشهادة كالزنا وشرب الخمر فعرفنا أن ذكر العجز عن إقامة البينة لبيان أنه علامة على أن القذف جناية لا لأنه شرط لأن صيرورته قذفا وكذبا لا يتوقف على العجز بل هو كذب من الأصل لكن القاضي لا يعرف كونه كذبا لاحتمال كونه صدقا فبالعجز عن إقامة البينة يظهر كونه كذبا من الأصل عنده وأن الشهادة كانت مردودة لا أنها صارت مردودة بالعجز كمن قال لامرأته إن كان زيد في الدار فأنت طالق فخرج زيد في آخر اليوم من الدار كان خروجه مبينا أن الطلاق وقع حين أوجب لا أنه وقع عند الخروج فكان الخروج علامة لا شرطا فكذا العجز ها هنا

وقوله فيكون سقوط الشهادة إلى آخره جواب عما يقال لما جعلت العجز معرفا في حق سقوط الشهادة ينبغي أن يجعل كذلك في حق الجلد حتى يثبت الجلد قبل العجز كالسقوط لأن العجز ثبت في حق الحكمين بنظم واحد فقال يمكن جعله علامة في حق سقوط الشهادة لأنه أي سقوط الشهادة أمر حكمي أي شرعي فيمكن إثباته بالقذف سابقا على العجز وجعل العجز في حقه معرفا بخلاف الجلد لأنه فعل يقام على القاذف فلا يمكن إثباته بالقذف سابقا على العجز فكان العجز فيه شرطا لأن إقامة الجلد يصير مضافة إليه وجودا عنده

وذلك أي كون العجز معرفا باعتبار أن القذف كبيرة لما فيه من إشاعة الفاحشة وهتك ستر العفة على المسلم والأصل في المسلم العفة عن الزنا لأن العقل والدين يمنعانه عن ذلك والتمسك بالأصل واجب حتى يتبين خلافه فصار القذف بنفسه كبيرة وكذبا بناء على هذا الأصل فيكون بمنزلة سائر الكبائر في ثبوت سمة الفسق وسقوط الشهادة به إلا أنه لما احتمل أن يكون صدقا وبالعجز يزول هذا الاحتمال ويتبين كذبه من الأصل كان العجز معرفا فإذا قضى القاضي بشهادته ثم تحقق العجز أنه قضى بشهادة من لا شهادة له فينقض قضاؤه

كما لو قضى بشهادة رجل ثم تبين أنه عبد أو كافر ولا معنى لقول من يقول إنه متردد بين الجناية والحسبة لأنا لا نسلم التردد في نفس الجناية بل التردد في علم القاضي ويحصل له العلم بالجناية من الأصل على أنه لا عبرة بمثل هذا التردد فإنه بعد إقامة الحد قائم بدليل أنه لو جاء بالبينة بعدها تقبل مع ذلك يصير فاسقا مردود الشهادة

قوله والجواب عنه أي عن كلام الشافعي رحمه اللّه هو أن الثابت بالكتاب في

(٤/٣١٩)

جزاء هذه الجملة وهي قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فعل كله أي ليس كما زعم الخصم أن

أحدهما أمر حكمي والآخر فعل بل كل واحد منهما فعل خوطب الإمام بإقامته على القاذف وهو أي الفعل الثابت بالكتاب الجلد وإبطال الشهادة لا سقوط الشهادة بل السقوط حكم الإبطال لا أن يكون حكما للقذف

ألا ترى إلى قوله تعالى ولا تقبلوا عطفا أي معطوفا على

قوله عز اسمه فاجلدوهم يعني أنه تعالى خاطب الأئمة بقوله فاجلدوهم وعطف عليه

قوله جل ذكره ولا تقبلوا مخاطبا لهم أيضا فكان كل واحد منهما فعلا خوطب الأئمة بإقامته لأن ما لا يكون فعلا ويكون أمرا حكميا لا يجوز أن يفوض إليهم وإذا كان كذلك أي إذا كان كل واحد منهما فعلا لم يصلح العجز أن يجعل معرفا للجناية السابقة كما لم يجعل كذلك أي لم يجعل معرفا في حق الجلد بل يجعل شرطا لإبطال الشهادة كما جعل شرطا للجلد والمعلق بالشرط معدوم قبل وجوده وذكر الإمام البرغري في طريقته أن قوله تعالى والذين يرمون المحصنات شرط

وقوله ثم لم يأتوا بأربعة شهداء معطوف عليه فيكون شرطا لأن المعطوف على الشرط شرط كما في قول الرجل لنسائه التي تدخل منكن الدار ثم تكلم زيدا فهي طالق كان كلام زيد شرطا لوقوع الطلاق مثل الدخول وقد تعلق بهذين الشرطين الجلد ورد الشهادة فيكون كل واحد منهما متعلقا بهما فلا يجوز أن يجعل رد الشهادة متعلقا بالرمي وحده لتأديه إلى إلغاء الشرط الثاني في حقه وهو فاسد وأصل ذلك أي أصل ما ذكرنا أن العجز شرط وليس بعلامة محضة أنا نحتاج في العمل بالتعريف أي جعله معرفا إلى أن نثبت أن القذف بنفسه كبيرة موجبة للفسق كما قال الشافعي رحمه اللّه

وليس كذلك أي ليس القذف بنفسه كبيرة لأنه متردد بين أن يكون جناية وبين أن يكون حسبة فإنه لو أقام أربعة من الشهود على زنا المقذوف يقبل ويتيقن أنه محتسب بذلك القذف في إقامة حد الشرع عليه بل يجب عليه دعوى الزنا بطريق الحسبة إذا علم إصراره عليه ووجد أربعة من الشهود ولو كان القذف كبيرة بنفسه لا يتمكن من إثباته بالبينة ولم يكن مسموعا أصلا لأنه إشاعة الفاحشة والأصل فيها الإخفاء فإذا احتمل القذف أن يكون حسبة قبل تحقق العجز بإقامة البينة عليه كيف يصح القول بكونه كبيرة مع هذا الاحتمال وبعد تحقق العجز يصير القذف جناية

(٤/٣٢٠)

مقتصرة على الحال لا أنه ظهر كونه جناية من الأصل لاحتمال أنه قذف وله بينة عادلة فعجز عن إقامتهما لموتهم أو لغيبتهم أو لامتناعهم من الأداء فيصير مردود الشهادة مقتصرا على الحال لكن بسبب الفسق لا بطريق الحد حتى إذا تاب قبل إقامة الحد تقبل شهادته ولا تسقط شهادته حدا قبل الجلد لأن القاضي هو المأمور بإبطال شهادته تتميما للحد والبطلان حكم الإبطال فلا يثبت قبله

وأما

قوله العفة أصل فنعم أي نحن نسلم أن العفة أصل ولكنه أي هذا الأصل لا يصلح علة لاستحقاق رد الشهادة على القاذف لأن الأصل يصلح دافعا لا مثبتا فيصلح هذا الأصل لدفع الزنا عن المقذوف حتى لا يثبت زناه بقذفه ولا يصلح سببا لاستحقاق رد الشهادة على القاذف ولو صلح هذا الأصل علة لاستحقاق رد الشهادة على القاذف لما قبلت بينة القاذف على زنا المقذوف لأنه كما استحق على القاذف بهذا الأصل رد شهادته استحق به على الشهود رد شهادتهم أيضا لأنه قذفه في الحقيقة فإذا لا يمكن إثبات زنا بالبينة أصلا وهو خلاف موضوع الشرع

قوله لكن الإطلاق متصل بقوله فكيف يكون كبيرة بل كان فيه احتمال الحسبة قائما حتى قبلت البينة عليه حسبة كان ينبغي أن لا يتعلق به الحد ورد الشهادة أصلا فقال نعم إلا أن الإطلاق أي تجويز القذف والإقدام على دعوى الزنا لما كان بطريق الحسبة حتى لو كان عن ضغينة لا تحل وإن كان صادقا وذلك أي القذف حسبة لا تحل إلا بشهود حضور أي في البلد حتى لو كان له شهود غيب لا يحل له الإقدام عليه ولا يمهله القاضي إلى إحضارهم وجب تأخيره أي تأخير القذف يعني تأخير حكمه وهو الحد ورد الشهادة إلى ما يتمكن به أي إلى زمان يتمكن القاذف به من إحضار الشهود مجلس الحكم عملا باحتمال الحسبة وذلك أي التأخير للتمكن من إقامة الشهود إلى آخر المجلس في ظاهر الرواية

أو إلى ما يراه الإمام وهو المجلس الثاني في رواية عن أبي يوسف رحمه اللّه فقد ذكر في المبسوط أن القاذف إذا ادعى أن له بينة أجل ما بينه وبين قيام القاضي من مجلسه من غير أن يطلق عنه وعن أبي يوسف رحمه اللّه أنه قال يمهل إلى المجلس الثاني ليحضر شهوده لأن القذف موجب للحد بشرط العجز وهو لا يتحقق إلا بالإمهال ألا ترى أن المدعى عليه إذا ادعى دفعا أو طعنا في الشهود يمهل إلى المجلس الثاني ليأتي به فهذا مثله وجه ظاهر الرواية أن سبب وجود الحد ظهر عند القاضي فلا

(٤/٣٢١)

يجوز له أن يؤخر الإقامة لما فيه من الضرر بالمقذوف بتأخير دفع العار عنه ولكن إلى آخر المجلس لا يكون تأخيرا فلا يتضرر بذلك القدر ألا ترى أن له أن يؤخر إلى أن يحضر الجلاد فلهذا جوزنا له أن يمهله إلى آخر المجلس من غير أن يطلق عنه ثم لم يؤخر حكم قد ظهر أي لا يجوز بعد الإمهال إلى آخر المجلس أو إلى المجلس الثاني تأخير حكم قد ظهر وكأنه جواب عما يقال العجز لا يتحقق بهذا القدر لاحتمال أن يقدر على إقامة البينة بعد كما في

قوله إن لم آت النصرة فكذا لا يتحقق العدم إلا في آخر العمر لاحتمال وجود الإتيان في كل ساعة وإذا لم يتحقق العجز لا يثبت الحكم المتعلق به فقال لا يجوز تأخير حكم قد ظهر وهو الحد ورد الشهادة يتحقق العجز في الحال لأجل ما يحتمل الوجود بعد ذلك من القدرة على إقامة الشهود لأن الشرط هو العجز الخالي كما في الكفارات لا العجز في جميع العمر إذ لو شرط العجز في العمر لم يبق لإيجاب الحد ورد الشهادة فائدة إذ لا يمكن إقامتهما على القاذف بعد موته

قوله فإذا أقيم عليه أي على القاذف الحد يعني لما ظهر عجزه وأقيم عليه الحد وردت شهادته رعاية لجانب المقذوف لم يبطل احتمال الحسبة بالكلية رعاية لجانب القاذف أيضا حتى لو جاء ببينة بعد إقامة الحد ورد الشهادة يشهدون على زنا المقذوف يقبل ويقام حد الزنا على المقذوف إن لم يتقادم العهد ويصير القاذف مقبول الشهادة لأن سقوط الشهادة كان بحسب ظهور عجزه وهو من حيث الظاهر فإذا أقام البينة فقد تبين أن العجز لم يكن متحققا وأنه لم يكن مردود الشهادة لعدم الشرط وإن كان تقادم العهد لم نقم الحد على المشهود عليه لأن التقادم مانع من القبول في حق الحد وأبطلنا رد الشهادة عن القاذف لعدم تأثير التقادم فيه بالمنع فكان بمنزلة ما لو شهد رجل وامرأتان بسرقة تقبل في حق المال ولا تقبل في حق الحد

كذلك ذكره في المنتقى أي مثل ما أجبنا ذكر الحاكم الشهيد أبو الفضل المروزي الجواب في المنتقى غير فصل تقادم العهد فإنه لم يذكره أي الفصل الأول مذكور فيه دون الثاني هذا هو الذي يفهم من ظاهر هذا الكلام والمفهوم من سياق كلام شمس الأئمة رحمه اللّه أن التقادم مذكور في المنتقى أيضا فإنه قال وإن تقادم العهد يصير مقبول الشهادة أيضا وإن كان لا يقام الحد على المشهود عليه أورد ذلك في المنتقى رواية عن أبي يوسف أو محمد هذا قول

أحدهما وقول الآخر لا تقبل الشهادة بعد إقامة الحد عليه لأن إقامة الحد على القاذف حكم بكذب الشهود

(٤/٣٢٢)

في شهادتهم على المقذوف بالزنا وكل شهادة جرى الحكم بتعين جهة الكذب فيها لا تكون مقبولة أصلا كالفاسق إذا شهد في حادثة فردت شهادته ثم أعادها بعد التوبة

قوله ويتصل بهذه الجملة أي ببيان الأحكام المشروعة وما يتعلق به الأحكام المشروعة من السبب والعلة والشرط والعلامة

(٤/٣٢٣)