Geri

   

 

 

İleri

 

باب وجوه دفع العلل

ولما بين الشيخ رحمه اللّه شروط القياس وركنه وحكمه شرع في بيان القسم الرابع وهو الدفع

فقال العلل قسمان طردية ومؤثرة

والاحتجاج بالطرد وإن كان فاسدا إلا أنه لما عم بين الجدليين ومال إليه عامة أهل النظر ذكر العلل الطردية في التقسيم ليبين الاعتراضات الواردة عليها

وعلى كل قسم ضروب من الدفع أي أنواع من الاعتراضات بعضها صحيح وبعضها فاسد كما ذكر

المناقضة تخلف الحكم عن الوصف المدعى عليه سواء كان لمانع أو لغير مانع عند من لم يجوز تخصيص العلة إذ التخصيص مناقضة عندهم

وعند من جوز التخصيص هي تخلف الحكم عما ادعاه المعلل علة لا لمانع

وفساد الوضع عبارة عن كون الجامع في القياس بحيث قد ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم

وعبارة بعضهم فساد الوضع أن لا يكون القياس على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم كتلقي التضييق من التوسع والتخفيف من التغليظ والإثبات من النفي وبالعكس

وصورة الفرق أن يقول السائل ليس المعنى في الأصل ما ذكرت ولكن المعنى فيه كذا ولم يوجد ذلك في الفرع

قوله أما المناقضة أي الفساد الدفع بالمناقضة فلأن المناقضة لا ترد على العلل المؤثرة إذ التأثير لا يثبت إلا بدليل الكتاب أو السنة أو الإجماع وهذه الأدلة لا تحتمل

(٤/٦٢)

التناقض فكذا التأثير الثابت بها لأن في مناقضته مناقضة هذه الأدلة

مثال ذلك ما قال علماؤنا رحمهم اللّه في شهادة أحد الزوجين لصاحبه هذه شهادة تمكنت فيها تهمة فلا تقبل كشهادة الولد لوالده وبالعكس فلو أورد عليه شهادة صاحب الدين لمديونه أو شهادة أحد الشريكين لصاحبه فإنها تقبل مع وجود التهمة في الفرع كان باطلا لأن الإجماع منعقد على أن التهمة مانعة من القبول فكان الاشتغال بنقيضه سفها لأنه لا ينتقض لكن يجب على المجيب أن يبين أن التهمة غير متحققة فيما ذكر السائل ويجب على السائل أن يشتغل بأن التهمة في الفرع أعني شهادة أحد الزوجين لصاحبه غير متحققة لا بالنقض كذا ذكر الشيخ في شرح التقويم

فإن قيل العلل المؤثرة تحتمل المعارضة بالاتفاق مع أن هذه الأدلة تحتمل حقيقة التعارض كما لا تحتمل حقيقة التناقض وإذا كان كذلك وجب أن يصح الاعتراض عليها بالمناقضة كما يصح بالمعارضة قلنا النصوص قد تحتمل لزوم التعارض صورة بحيث يجب التهاتر ويرجع إلى دليل آخر لجهلنا بالناسخ والمنسوخ فكذا العلل المستنبطة منها يجوز أن تتعارض لجهلنا بما هو علة الحكم حقيقة فأما النصوص فلا تحتمل التناقض فكذا العلل الثابتة بها

وحقيقة المعنى منه أن التناقض يبطل نفس الدليل ويلزم منه نسبة الجهل والسفه إلى صاحب الشرع وهو منزه عنهما فأما التعارض فلا يبطل الدليل بل يقرره ويؤدي إلى نسبة الجهل إلينا لا إلى صاحب الشرع وذلك جائز كذا قيل

لكنه الضمير للشأن إذا تصور مناقضته أي مناقضة الصحيح من العلل أي إذا وقع صورة نقض في العلة الصحيحة وجب تخريجه أي تخريج النقض على الأصل الذي بيناه من عدم الحكم لعدم العلة باعتبار نقصان وصف أو زيادته

مثل قولنا في مسألة تكرار المسح إنه مسح مشروع في الطهارة فلا يسن تكراره كمسح الخف

ولا يلزم عليه الاستنجاء بالأحجار نقضا لأنه ليس بمسح بل المشروع فيه إزالة النجاسة بدليل أنه إذا لم يعقب أثرا بأن خرج منه ريح لا يسن مسحه بل الاستنجاء من الريح بدعة على ما قيل

وبدليل أن غسل المخرج بالماء أفضل ولو كان المشروع مسحا لكان الغسل بدعة كما في مسح الرأس ومسح الخف

ثم ما ذكر الشيخ رحمه اللّه من فساد دفع العلل المؤثرة بالمناقضة مختار القاضي الإمام أبي زيد والشيخين ومتابعيهم

ومذهب عامة الأصوليين أن النقض سؤال صحيح

(٤/٦٣)

يبطل به العلة خصوصا عند من لم يجوز تخصيص العلة فإن التخصيص إذا لم يجز لا بد أن يكون النقض مبطلا للعلة وذلك لأن المعلل متى نصب علة قد التزم طردها وادعى أن هذه العلة متى وجدت فالحكم يتبعها فإذا لم يف بقوله ووجد عليه مناقضة بطلت علته لعدم وفائه لدعواه وتصحيحه ما يدعيه ثم على المعلل الدفع ببيان أنه لم يرد على المعنى الذي جعله علة فإذا لم يقدر عليه لزم النقض وبطلت العلة وظهر أنها لم تكن مؤثرة

قلت فعلى هذا يجوز أن يكون مراد الشيخ ما ذكر أن سؤال المناقضة فاسد على العلل المؤثرة فساده بعدما ظهر تأثيرها باتفاق الخصمين كما ذكرنا من المثال فأما قبل تسليم الخصم ظهور التأثير فهو صحيح كما هو مذهب الجمهور وهو ممانعة في نفس الوصف في التحقيق

ونقل عن بعض الأصوليين أن النقض ليس من مبطلات العلة ومن ألزم عليه نقض فعليه تعليل تلك المسألة التي نقضت بها

وبيان الفرق بينها وبين المسائل التي يدعي اطراد العلة فيها

ولكن الحق وهو مذهب الجمهور أنه من مفسدات العلة لأن العلة لما كانت مستلزمة للحكم لا يجوز تخلف الحكم عنها إلا لمانع أو لزوال قيد ولما رأيناها قد تخلف حكمها بدون المانع أو بدون زوال وصف علمنا أنها ليست بعلة

قوله وكذلك فساد الوضع أي وكما لا يتصور المناقضة بعد صحة الأثر وظهوره لا يتصور فساد الوضع أيضا لأن التأثير لا يثبت إلا بدليل مجمع عليه فبعد ذلك دعواه أن الوصف يأبى عن هذا الحكم وأنه في وضعه فاسد لا تسمع لأن الكتاب والسنة والإجماع لا يضع الفاسد وهو مثل النقض بل أقوى منه على ما يأتيك بيانه في موضعه

وأما عدم العلة وقيام الحكم فلا بأس به أي لا يدل على فساد العلة لأن الغرض بيان أن هذه العلة موجبة لهذا الحكم فإذا ظهر أثرها في جنس ذلك الحكم وجب إثبات ذلك الحكم بها

فأما ثبوته بعلة أخرى فجائز لأن التعليل لم يقع لإبطال علة أخرى بل لإيجاب الحكم بها ومع كونه ثابتا بها يجوز أن يثبت بغيرها لأن الثبوت بعلة لا ينافي الثبوت بعلة أخرى ألا ترى أن الحكم يجوز أن يثبت بشهادة الشاهدين ويجوز أن يثبت بشهادة أربعة حتى إذا رجع اثنان قبل القضاء يبقى القضاء واجبا بشهادة الباقين فلا يكون عدم العلة مع بقاء الحكم في موضع ثابتا بعلة أخرى دليل فساد العلة

وحاصله يرجع إلى

(٤/٦٤)

أن تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين أو بعلل مستقلة جائز عند جمهور الأصوليين وأنكره بعض أصحاب الشافعي وبعض المعتزلة وعليه يبتنى اشتراط العكس وهو انتفاء الحكم عند انتفاء العلة لصحة العلة فمن منع من تعليل الحكم بعلتين لزمه القول بانحصار علة الحكم في واحدة ولزم منه اشتراط الانعكاس لأن الحكم لا بد له من علة فإذا اتحدت العلة انتفى الحكم بانتفائها إذ لو بقي لكان ثابتا من غير سبب

ومن جوز تعليله بعلتين لا يلزمه القول باشتراط الانعكاس إذ لا يلزم من انتفاء بعض الأدلة انتفاء الحكم مع وجود دليل آخر

احتج المانعون بأنه لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين أو بعلل مستقلة لكانت كل واحدة مستقلة في التعليل غير مستقلة به وذلك تناقض وذلك لأن معنى كون العلة مستقلة بالتعليل ثبوت الحكم بها وحدها دون غيرها فإذا تعددت العلة يلزم من استقلال كل واحدة منها عدم استقلال كل واحدة منها لاستلزام علية كل واحدة عدم علية الغير فضلا عن استقلالها

يبينه أن الأئمة تعلقوا بالترجيح في علة الربا فرجح بعضهم الكيل وبعضهم الطعم وبعضهم القوت تفاديا عن لزوم تعليل الحكم الواحد بعلتين ولولا امتناعه لم يرجحوا البعض بل جوزوا كون كل واحد من الثلاثة علة من صحة استقلال واحدة منها بالعلية لأن الاستقلال من ضرورة الترجيح بعد التعارض ولا تعارض إلا أن يكون

أحدهما في قوة صاحبه أو قريبا منه فعلى هذا لولا صحة استقلال كل بالعلية لما رجحوا

واحتج من جوز ذلك بأن العلل الشرعية أمارات في الحقيقة ولا يمتنع نصب علامتين على شيء واحد وإنما يمتنع ذلك في العلل العقلية

ودليل جوازه وقوعه فإن الحدث يقع بالبول والغائط والمذي وخروج الدم من الجراحة معا مع استقلال كل منها في إيجاب الحدث

وكذا القتل حكم واحد لأن إبطال حياة الواحد شيء واحد ثم إنه قد يقع بالقصاص والردة معا كمن قتل وارتد مع استقلال كل منهما في إيجاب القتل

وكذا لو جمعت لبن زوجة أخيك ولبن أختك وأوجرت مرتضعة دفعة منها تحرم عليك لأنك عمها وخالها مع أن الحرمة حكم واحد معلل بالخؤولة والعمومة إذ لا يمكن أن تحال إلى أحديهما دون الأخرى

فإن قيل العلل إذا كانت متعددة كانت الأحكام متعددة تقديرا لأن قتل القصاص مثلا مغاير لقتل الردة ولذلك ينتفي قتل القصاص بالعفو ويبقى الآخر وهو قتل الردة لعدم عوده إلى الإسلام وبالعكس إذا عاد إلى الإسلام ولم يعف عنه ينتفي قتل الردة ويبقى قتل القصاص ولولا تغاير القتلين لما كان كذلك

قلنا إضافة الشيء إلى أحد دليليه لا يوجب تعددا في ذلك الشيء وإلا لزم مغايرة حدث البول حدث الغائط وهو باطل

وأما العقل فلا

(٤/٦٥)

تعدد فيه بل في استناده ولهذا كان الزائل بالعفو هو استناده إلى القتل العمد العدوان والزائل بالإسلام هو استناده إلى الردة لا نفس القتل فإنه باق على ما كان ولم يزل عما عليه

وأما دعواهم لزوم التناقض ففاسد لأنه إنما يلزم لو كان معنى الاستقلال ما ذكروا ولا نسلم لهم ذلك بل معناه عندنا أن كل علة إذا انفردت استقلت على أنه ثبت بها لا غير وإذا كان كذلك فلا تناقض في التعدد إذ قد يجتمع لحكم واحد علل لو انفردت استقلت بإثباته كما اجتمع للملك وهو حكم واحد أسباب متعددة من البيع والهبة والميراث وغيرها

وكذا تعلقهم ترجيح الأئمة علة الربا فاسد لأنا لا نسلم أنهم تعرضوا للترجيح بل إنما تعرضوا لإبطال كون الغير علة ولو سلم أنهم تعرضوا للترجيح فلا نسلم أنهم تعرضوا له لامتناع التعليل بعلتين بل لانعقاد الإجماع على اتحاد العلة في الربا ولا يمكن أن يكون اتحاد العلة هاهنا بكون المجموع علة إذ يلزم منه جعل علل الربا المختلف فيها آخر العلة ولا قائل به

وإذا حققت هذا علمت أن ما ذكر الشيخ من عدم فساد العلة لوجود الحكم عند عدمها وعدم اشتراط العكس لصحة العلة قول الجمهور وإن على قول أولئك البعض وجود الحكم بدون العلة يدل على فسادها فيصح الدفع بهذا الوجه عندهم

قوله فأما الفرق فإنما فسد لوجوه ثلاثة وصورته أن يقول السائل ليس المعنى في الأصل ما ذكرت ولكن المعنى منه كذا وهو مفقود في الفرع ولهذا فسروه بأنه بيان وصف في الأصل له مدخل في التعليل ولا وجود له في الفرع واختلف فيه فزعم بعض المتأخرين من أصحابنا وأصحاب الشافعي أن الفرق اعتراض صحيح وسموه فقها

قال صدر الإسلام وعليه أكثر فقهاء خراسان وفقهاء غزنة مستدلين في ذلك بأن شرط صحة العلة خلوها عن المعارضة فإذا عورضت امتنعت صحتها

قالوا وحقيقته راجعة إلى أن المعلل لا يستقر كلامه ما لم يبطل بمسلك السير كل ما عدا علته مما يمكن التعليل به فإذا علل ولم يسير فعورض معنى الأصل فكأنه طولب بالوفاء بالسير وتتبع كل ما عدا علته بالنقض والإبطال

وقد ثبت اعتناء السلف بالفرق ونقل ذلك في وقائع جرت في مجامع أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ورضي عنهم منها قصة إجهاض المرأة فإن عمر رضي اللّه عنه لما استشار الصحابة في ذلك قال عبد الرحمن بن عوف إنما أنت مؤدب ولا أرى عليك شيئا وقال علي رضي اللّه عنه إن لم يجتهد فقد غشك وإن اجتهد فقد أخطأ أرى أن عليك

(٤/٦٦)

الغرة

فعبد الرحمن رضي اللّه عنه شبه فعله بالمباحات التي لا توجب ضمانا وجعل الجامع أنه فعل ما له أن يفعله

واعترض عليه علي رضي اللّه عنه وتشبث بالفرق وأبان أن المباحات المضبوطة النهايات ليست كالتعزيرات التي يجب الوقوف فيها دون ما يؤدي إلى الإتلاف ولو تتبعنا معظم ما خاض فيه الصحابة من المسائل علمنا أنهم كانوا يفرقون ويجمعون

ثم الغرض من الفرق ليس مقابلة علة الأصل بعلة الفرع بل الغرض بيان مناقضة الجمع وإبطال فقهه وإلحاقه بالطرد وذلك لأن الجمع ينتظم بفرع وأصل ومعنى رابط بينهما على شرائط معلومة والفرق معنى يشمل ذكر أصل وفرع وهما يفترقان في المعنى فكان وقوعه على نقيض غرض الجمع ويظهر له فقه يشعر بمفارقة الفرع الأصل على مناقضة الجمع وإذا كان كذلك يكون هذا اعتراضا صحيحا

وذهب المحققون من الفريقين إلى أنه اعتراض فاسد لا يبطل به العلة لوجوه ثلاثة كما ذكر الشيخ رحمه اللّه

أحدها أن السائل جاهل مسترشد في موقف الإنكار إلى أن يتبين له الحجة لا في موضع الدعوى فإذا ذكر في الأصل معنى آخر انتصب مدعيا ولم يبق سائلا فيكون تجاوزا عن حده وذلك لا يجوز

بخلاف ما إذا عارضه في الفرع لأنه لم يبق سائلا بعد حيث تم دليل المعلل بل يكون مدعيا ابتداء فأما ما دام في موقف الإنكار فلم يسع له الدعوى

والثاني أن الحكم في الأصل يجوز أن يكون معلولا بعلتين ثم يتعدى الحكم إلى بعض الفروع بإحدى العلتين دون الأخرى فبأن عدم في الفرع الوصف الذي يدوم به السائل الفرق إن سلم له أنه علة لإثبات حكم في الأصل لا يمنع من أن يعدي حكم الأصل إلى الفرع بالوصف الذي يدعيه أنه علة للحكم فلم يبق لدعوى السائل اتصال بالمسألة إذ كل سؤال يمكن للمعلل الاعتراف به مع الاستقرار على مدعاه كان فاسدا ولا يكون قدحا في كلام المعلل فكان الاشتغال به عبثا

والثالث أن الخلاف وقع في حكم الفرع لا في حكم الأصل ولم يصنع السائل بما ذكر من الفرق في الفرع إلا أن أرانا عدم العلة فيه

وعدم العلة لا يصلح دليلا على عدم الحكم عند مقابلة العدم يعني إذا لم يوجد دليل آخر يوجب وجود الحكم حتى لو علل وقال الحكم معدوم لأن علته معدومة لا يصح وإن لم يعارضه دليل موجب للحكم على ما مر ذكره في باب المقالة الثانية في بيان فساد التعليل بالنفي

فلأن لا يصلح عدم العلة دليلا على عدم الحكم عند مقابلة الحجة الموجبة للحكم كان أولى

قال صدر الإسلام المفارقة بين

(٤/٦٧)

الفرع والأصل من أفسد الاعتراضات إلا أن يذكر معنى في الفرع يفيد خلاف الحكم الذي أفاده المعنى الأول وأسنده إلى أصل فحينئذ يصير معارضة ولم يبق فرقا

وأما ما ذكروا أن من شرط صحة العلة خلوها عن المعارضة فمسلم ولكن المعارضة إنما تتحقق في حكمين على التضاد فأما إذا ذكرت علتان لحكم واحد فليس ذلك بمعارضة

وقولهم لا يصح تعليل المعلل ما لم يبطل كل ما عدا علته باطل إذ لم يكلف المعلل سوى تصحيح علته ببيان التأثير فأما السبر والتقسيم فليس بشيء وإنما اختاره بعض المتكلمين الذين لا حظ لهم في الفقه

وكذا ما ذكروا من اعتناء السلف بالفرق ليس بصحيح إذ لم ينقل المفارقة على الوجه الذي يخوض فيه عنهم أصلا

ومن تأمل فيما نقل عنهم على أنهم كانوا يطلبون المعاني المؤثرة وما ذكر عبد الرحمن بن عوف في قصة الإجهاض معنى صحيح والذي أشار إليه علي رضي اللّه عنه معنى ألطف من الأول لأن ما فعل عمر رضي اللّه عنه كان جائز الإتيان به والترك ولم يكن على حد مضبوط في الشرع ومثله مطلق بشرط السلامة كالمشي في الطريق وهذا ليس من الفرق والجمع الذي نحن فيه بوجه

وما ذكروا من ظهور فقه إلى آخره ليس بصحيح أيضا لأن المفاقهة في هذا الموضع في الممانعة دون المفارقة قال شمس الأئمة رحمه اللّه من الناس من ظن أن المفارقة مفاقهة ولعمري المفارقة مفاقهة ولكن في غير هذا الموضع بل الاعتراض بها على العلل المؤثرة مجادلة لا فائدة فيها في موضع النزاع وإنما المفاقهة في الممانعة حتى يبين المجيب تأثير علته فالفقه حكمة باطنة وما يكون مؤثرا في إثبات الحكم شرعا فهو الحكمة الباطنة فالمطالبة به تكون مفاقهة فأما الاعتراض عنها والاشتغال بالفرق فيكون قبولا لما فيه احتمال أن لا يكون حجة لإثبات الحكم واشتغالا لا بإثبات الحكم بما ليس بحجة أصلا في موضع النزاع وهو عدم العلة فتبين أن هذا ليس من المفاقهة في شيء

قوله

وأما القسم الصحيح أي دفع العلل المؤثرة بالطريق الصحيح فوجهان الممانعة والمعارضة

واعلم أن الشيخ رحمه اللّه في هذا الباب جعل الدفع بالمناقضة وفساد الوضع فاسدا أو الدفع بالممانعة صحيحا

واعترض عليه بأنه إن أراد بفساد القسم الأول فساده قبل ظهور أثر الوصف وصحته فذلك غير مسلم لأن الاعتراض بالممانعة لما صح لاحتمال أن لا يكون الوصف صحيحا أو لا يكون مؤثرا صح الاعتراض بالمناقضة وفساد الوضع أيضا كما في العلل الطردية

وإن أراد به أنه فاسد بعد ظهور صحة الوصف وتأثيره كما يدل عليه عبارة التقويم حيث قيل فيه دعوى فساد الوضع بعد ثبوته مؤثرا

(٤/٦٨)

لا يتصور

وكذا دعوى المناقضة لأن النقض لا يتصور بعد ثبوت التأثير بدليل مجمع عليه فذلك مسلم ولكن الممانعة بعد ثبوت الأثر فاسدة أيضا لأن تأثير الوصف لما ثبت بدليل مجمع عليه لم يبق محل الممانعة ولم يصح بعده إلا المعارضة فثبت أن الفرق المذكور غير صحيح

وأجيب بأنه أراد فساده قبل ظهور التأثير لكنه تبين بالتأثير لأنه لما ثبت بالدليل تأثير الوصف تبين أنه لم يكن محتملا للمناقضة وفساد الوضع بخلاف الممانعة فإنها طلب الدليل على صحة الوصف وتأثيره وبعد ظهوره لم يتبين أن ذلك الطلب كان باطلا

ولا يخلو هذا الجواب عن وهاء وتمحل كما ترى

وذكر صدر الإسلام أبو اليسر أن الاعتراضات الصحيحة على العلل خمسة أوجه أولها الممانعة وبعدها بيان فساد الوضع وبعده المناقضة وبعد الثلاثة القلب والعكس والخامس وهو الأخير المعارضة وبين هذه الأقسام ثم قال

وأما الاعتراضات الفاسدة فلا نهاية لها لأن كل إنسان فاسد الخاطر يعترض بما بدا له فلا يقدر أحد على حصر الاعتراضات الفاسدة وهكذا ذكر عامة الأصوليين وهو الأظهر على ما بينا واللّه أعلم

(٤/٦٩)