Geri

   

 

 

İleri

 

باب بيان شرائط الراوي التي هي من صفات الراوي

ما ذكر في الباب المتقدم من كون الراوي معروفا أو مجهولا ليس بصفة له حقيقة وإن كان له تعلق به لأن المعرفة أو الجهل ليس بقائم به بل يقوم بغيره كالعلم لا يقوم بالمعلوم بل بالعالم فأما المذكور في هذا الباب من العقل والضبط والإسلام والعدالة فقائم بالراوي وصفة له فلهذا قيد بقوله من صفات الراوي

قوله لأن المراد بالكلام كذا يعني الخبر الذي يرويه كلام لا محالة والكلام في العرف ماله صورة وهي أن ينظم من حروف مهجاة ومعنى وهو أن يدل على مدلوله والدلالة على معنى لا توجد بدون العقل لأنه أي الكلام وضع للبيان أي لإظهار المعنى الذي وقع في القلب ولا يحصل البيان بمجرد الصوت والحروف بلا معنى ولا يوجد المعنى بدون العقل ألا ترى أنه قد يسمع من الطيور حروف منظومة ويسمى ذلك لحنا لا كلاما لعدم صدورها عن عقل وتمييز ولهذا لا يجب سجود التلاوة بقراءة الببغاء عند أكثر المحققين لعدم صدورها عن عقل وتمييز وكذلك لو سمع من إنسان حروف منظومة لا تدل على معنى معلوم لا تسمى كلاما فعرفنا أن معنى الكلام في الشاهد ما يكون مميزا بين أسماء الأعلام فما لا يكون بهذه الصفة يكون كلاما صورة لا معنى بمنزلة

(٢/٥٧١)

ما لو صنع من خشب صورة آدمي لا يكون آدميا لعدم معناه فيها ثم التمييز الذي يتم به الكلام بصورته ومعناه لا يكون إلا بعد وجود العقل فلذلك شرطناه في المخبر ليصير خبره كلاما بمنزلة المعرفة والتمييز لأصل الكلام يعني لا بد لأصل الكلام عن أن يصدر عن معرفة أي عن عقل وتمييز ليقع صحيحا هكذا لا بد لهذا النوع منه وهو الخبر عن أن يصدر عن ضبط ليكون محتملا للصدق لأن المرء بدون الضبط لا يتمكن من التكلم صادقا وبالضبط يتمكن منه

ثم الضابط قد يكذب وقد يصدق لأن كلامنا في خبر مخبر غير معصوم فلا يثبت صدقه في خبره ضرورة أي لا يكون جهة الصدق متعينة في خبره بطريق الضرورة كما في خبر الرسول بل بالاستدلال والاحتمال أو بل يثبت الصدق في خبره بالاستدلال وذلك بالعدالة والانزجار أي الامتناع عن محظورات دينه ليثبت به أي بالانزجار عن المحظورات رجحان الصدق في خبره لأن الكذب محظور دينه فيستدل بانزجاره عن سائر ما يعتقده محظورا على انزجاره عن الكذب الذي يعتقده محظورا أو لما كان منزجرا عن الكذب في أمور الدنيا كان ذلك دليل انزجاره عن الكذب في أمور الدين وأحكام الشرع بالطريق أولى وإذا لم يكن عدلا في تعاطيه فاعتبار جانب اعتقاده وإن دل على الصدق في خبره فاعتبار جانب تعاطيه يرجح معنى الكذب في خبره لأنه لم يبال من ارتكاب سائر المحظورات مع اعتقاد حرمتها فالظاهر أنه لا يبالي من الكذب مع اعتقاد حرمته أيضا فيقع المعارضة ويجب التوقف للعمل شرعا فعرفنا أن العدالة في الراوي شرط لكون خبره حجة

قوله

وأما الإسلام فكذا ذكر بعض الأصوليين أن اشتراط الإسلام في الراوي باعتبار أن الكفر أعظم أنواع الفسق والفاسق غير مقبول الرواية فالكافر أولى بأن لا يوثق به فشرط الإسلام لترجح الصدق كما شرطت العدالة والضبط

فأشار الشيخ إلى ضعف هذا الدليل وقال ليس الإسلام بشرط لثبوت الصدق إذ الكفر لا ينافي الصدق لأن الكافر إذا كان مترهبا عدلا في دينه معتقدا لحرمة الكذب تقع الثقة بخبره كما لو أخبر عن أمر من

(٢/٥٧٢)

أمور الدنيا بخلاف الفاسق فإن جرأته على فعل المحرمات مع اعتقاد تحريمها تزيل الثقة عن خبره ولكن اشتراط الإسلام باعتبار أن الكفر يورث تهمة زائدة في خبره يدل على كذبه لأن الكلام في الأخبار التي تثبت بها أحكام الشرع وهم يعادوننا في الدين أشد العداوة فتحملهم المعاداة على السعي في هدم أركان الدين بإدخال ما ليس منه فيه وإليه أشار اللّه تعالى في

قوله عز ذكره لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون في الإفساد عليكم وقد ظهر منهم هذا بطريق الكتمان فإنهم كتموا نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وثبوته من كتابهم بعدما أخذ عليهم الميثاق بإظهار ذلك فلا يؤمن من أن يقصدوا مثل ذلك بزيادة هي كذب لا أصل له بطريق الرواية بل هذا هو الظاهر فلهذا شرطنا الإسلام في الراوي فتبين بهذا أن رد خبر الكافر ليس لعين الكفر بل لمعنى زائد تمكن تهمة الكذب في خبره وهو المعاداة بمنزلة شهادة الأب لولده فإنها لا تقبل لمعنى زائد تمكن تهمة الكذب في شهادته وهو الشفقة والميل إلى الولد طبعا وذكر بعض الأصوليين أن الاعتماد في رد رواية الكافر على الإجماع المنعقد على سلب أهلية هذا المنصب في الدين عن الكافر لخسته

وإن كان عدلا في دين نفسه ولهذا أي ولثبوت التهمة لم تقبل شهادة الكافر على المسلم لأن العداوة ربما تحملهم على القصد إلى الإضرار بالمسلم بشهادة الزور كما لا تقبل شهادة ذي الضغن لظهور عداوته بسبب باطل وقبلنا شهادة بعضهم على بعض لانتفاء هذه التهمة فيما بينهم ثم أشار إلى معنى آخر لرد شهادته بقوله ولانقطاع الولاية يعني لو لم تكن هذه التهمة لم تقبل شهادته على المسلم أيضا لأن الشهادة من باب الولاية وانقطعت ولاية الكافر عن المسلم شرعا بقوله عز اسمه ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا

واعلم أن حاصل الشروط الأربعة وإن كان يرجع إلى اثنين وهما الضبط والعدالة لأن الضبط بدون العقل لا يتصور وكذا العدالة بدون الإسلام لأن تفسيرها الاستقامة في الدين وهي بدون الإسلام لا توجد ولهذا قال بعض الأصوليين ملاك الأمر شيئان صدق اللّهجة وجودة الضبط لما يرويه إلا أن عامتهم لما رأوا المغايرة بين العقل والضبط وبين العدالة والإسلام من حيث إن العقل لا يستلزم الضبط والإسلام لا يستلزم العدالة فصلوا بينها وجعلوا كل واحد شرطا على حدة ولأنهم لو ذكروا الضبط ولم يذكروا العقل لا يحصل

(٢/٥٧٣)

الاحتراز عن رواية الصبي لأنه قد يكون له الضبط الكامل كالبالغ إلا أن يجعل الضبط الكامل متوقفا على العقل الكامل وهو بعيد ولو اقتصروا على ذكر العدالة ربما لا يحصل الاحتراز عن رواية الكافر فإن الكافر قد يوصف بالعدالة لاستقامته على معتقده ويسمى معتقده دينا

وإن كان باطلا ولهذا يسأل القاضي عن عدالة الكافر إذا شهد على كافر آخر عند طعن الخصم فثبت أنه لا بد من ذكر الكل واللّه أعلم

(٢/٥٧٤)