٨ - كِتَابُ الْحَجْرِ الْحَجْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَجَرُ حَجَرًا لِصَلَابَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ عَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجَرًا ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْبَيْتِ ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَقُومُ الْغَيْرُ فِيهِ مَقَامَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ . ( الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ ) أَرَادَ بِالْمُوجِبَةِ الْمُثْبِتَةَ . ( الصِّغَرُ ، وَالرِّقُّ ، وَالْجُنُونُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيّه ) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ وَتَفْسِيرُ الْعَاقِلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَبِيعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الثَّمَنُ ، وَالْمُثَمَّنُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي شَاهَانْ : وَمِنْ عَلَامَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ إذَا أَعْطَى الْحَلْوَانِيَّ فُلُوسًا فَأَخَذَ الْحَلْوَى وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : أَعْطِنِي فُلُوسِي فَهَذَا عَلَامَةُ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ ، وَإِنْ أَخَذَ الْحَلْوَى وَذَهَبَ وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْفُلُوسَ فَهُوَ عَاقِلٌ . ( وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ) كَيْ لَا تُمْلَكَ رَقَبَتُهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ وَبِالْإِذْنِ رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ . ( وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ بِحَالٍ ) أَيْ سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَمْ لَا ، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يُفِيقُ أَصْلًا أَمَّا إذَا كَانَ يُفِيقُ وَيَعْقِلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَتَصَرُّفُهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ جَائِزٌ . ( وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا ، أَوْ اشْتَرَاهُ ) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ } وَالْمُرَادُ الْأَخَوَانِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ ، وَالْمَجْنُونَ الَّذِي لَا يُفِيقُ . ( وَهُوَ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ ) أَيْ لَيْسَ بِهَازِلٍ وَلَا خَاطِئٍ فَإِنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ . ( فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ ) يَحْتَرِزُ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَإِنْ قِيلَ : التَّوَقُّفُ عِنْدَكُمْ فِي الْبَيْعِ أَمَّا الشِّرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ النَّفَاذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ قُلْنَا : نَعَمْ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا فِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ النَّفَاذُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ، أَوْ لِضَرَرِ الْمَوْلَى فَأَوْقَفْنَاهُ قَوْلُهُ ( وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ ) يُرِيدُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ، وَالْمَأْذُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَمَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا يُؤَاخَذُ فِي الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ كَمَا يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ سُلِّمَ مِنْهُ لَلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ وَالصَّبِيُّ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ ( دُونَ الْأَفْعَالِ ) لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا مَرَدَّ لَهَا لِوُجُودِهَا حِسًّا وَمُشَاهَدَةً بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالشَّرْعِ ، وَالْقَصْدِ مِنْ شَرْطِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ فَيُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ وَإِنَّمَا لَمْ تُوجِبْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْحَجْرَ فِي الْأَفْعَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَصِحُّ مِنْهُمْ كَمَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ اسْتِيلَادَ الْمَجْنُونِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ نَاقِصٌ وَلَوْ مَلَكَ الصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَصِحُّ مِنْهُمَا وَلَوْ أَعْتَقَاهُ بِالْقَوْلِ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَصُورَةُ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ جَارِيَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِنِكَاحٍ . ( وَالصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا ) لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمَا أَمَّا النَّفْعُ الْمَحْضُ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مُبَاشَرَتُهُ مِثْلُ قَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَكَذَا إذَا آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا وَيَصِحُّ قَبُولُ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَتَصِحُّ عِبَارَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالٍ غَيْرِهِ وَطَلَاقِ غَيْرِهِ وَعَتَاقِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا . ( وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ ، وَالْمَعْتُوهِ } ، وَالْعَتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ، وَالْعَتَاقَ إسْقَاطُ حَقٍّ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ كَالْهِبَةِ ، وَالْبَرَاءَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ وَيَعْنِي بِالطَّلَاقِ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ أَمَّا إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ صَبِيًّا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا طَلُقَتْ امْرَأَةُ الْمُوَكِّلِ وَيَعْنِي بِالْعَتَاقِ أَيْضًا إذَا كَانَ بِالْقَوْلِ أَمَّا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ . ( وَإِنْ أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَصِحُّ مِنْهُمَا ، أَوْ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ كَمَا فِي مَالٍ يَتْلَفُ بِانْقِلَابِ النَّائِمِ عَلَيْهِ ، وَالْحَائِطِ الْمَائِلِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ . ( فَأَمَّا الْعَبْدُ فَأَقْوَالُهُ نَافِذَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ ) أَمَّا نُفُوذُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلِقِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ ، وَأَمَّا عَدَمُ نُفُوذِهَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَرِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يُعَرَّى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ ، أَوْ كَسْبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى . ( فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ) لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ . ( وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ ) لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا ، أَوْ مَحْجُورًا : فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ دُونَ أَقْوَالِهِ إلَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِهِ مِثْلُ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهَا وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَهَذَا إذَا أَقَرُّوا ، أَمَّا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَحَضْرَةُ الْمَوْلَى شَرْطٌ عِنْدَهُمَا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالًا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ مَحْجُورًا كَانَ ، أَوْ مَأْذُونًا ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَحْجُورِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ لَا يَصِحُّ وَمِنْ الْمَأْذُونِ يَصِحُّ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ الدَّفْعَ ، أَوْ الْفِدَاءَ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ مَحْجُورًا كَانَ ، أَوْ مَأْذُونًا وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ بِالدُّيُونِ ، وَالْغُصُوبِ وَاسْتِهْلَاكِ الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ ، وَالْجِنَايَاتِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَهْرِ امْرَأَةٍ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِافْتِضَاضِ امْرَأَةٍ بِالْأُصْبُعِ فَعِنْدَهُمَا هَذَا إقْرَارٌ بِالْجِنَايَةِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا إقْرَارٌ بِالْمَالِ فَيَصِحُّ . ( فَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ ، أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ ) لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً ، أَوْ كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدًا ، أَوْ خَطَأً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إمَّا دَفْعُهُ ، وَإِمَّا فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَجَبَ الْأَرْشُ حَالًّا وَكَذَا إذَا اخْتَارَ دَفْعَ الْعَبْدِ دَفَعَهُ حَالًّا أَيْضًا وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ حُرًّا وَهُوَ مَحَلٌّ لِلْقِصَاصِ وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي حَالِ الرِّقِّ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ ، وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَهُوَ مَأْذُونٌ ، أَوْ مَحْجُورٌ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَةِ أَمَّا الْمَحْجُورُ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِإِقْرَارِهِ حُكْمٌ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ بِالدُّيُونِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَأْذُونُ فِيهَا فَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَلَمْ يَأْذَنْ فِيهَا الْمَوْلَى فَالْمَأْذُونُ فِيهَا كَالْمَحْجُورِ . ( وَيَنْفُذُ طَلَاقُهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ ، وَالْمَعْتُوهِ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ ، وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ } وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ فَيَنْفُذُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ الْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ لَكِنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمَجْنُونُ . ( وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ مَلَكَ السَّاقَ وَلِأَنَّ الْحِلَّ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فَكَانَ الرَّفْعُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْلَى . ( وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا أَحْجُرُ عَلَى السَّفِيهِ إذَا كَانَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا ) السَّفِيهُ خَفِيفُ الْعَقْلِ الْجَاهِلُ بِالْأُمُورِ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ الْعَامِلُ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ وَلِأَنَّ فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ ، وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْذِيرِ فَلَا يُحْتَمَلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ كَالْحَجْرِ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ ، وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُحْجَرُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ إذْ هُوَ دَفْعُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى ، الْمُفْتِي الْمَاجِنُ هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ حِيَلًا بَاطِلَةً كَارْتِدَادِ الْمَرْأَةِ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا ، أَوْ الرَّجُلِ لِيُسْقِطَ الزَّكَاةَ وَلَا يُبَالِي أَنْ يُحَلِّلَ حَرَامًا ، أَوْ يُحَرِّمَ حَلَالًا . وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ هُوَ أَنْ يَسْقِيَ النَّاسَ دَوَاءً مُهْلِكًا . وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ أَنْ يُكْرِيَ إبِلًا وَلَيْسَتْ لَهُ إبِلٌ وَلَا مَالٌ يَشْتَرِيهَا بِهِ ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي نَفْسَهُ . ( وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ ) لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ لِقَوْلِهِ ( وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا ) فَقَوْلُهُ " مُفْسِدًا " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُبَذِّرًا وَسَوَاءٌ كَانَ يُبَذِّرُ مَالَهُ فِي الْخَيْرِ ، أَوْ الشَّرِّ . ( يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ ) بِأَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ ، أَوْ يُحْرِقَهُ . ( إلَّا أَنَّهُ قَالَ : إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ ) وَلَا يُقَالُ : كَيْفَ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ قَوْلُهُ ( فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً سُلِّمَ إلَيْهِ مَالُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ ) لِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَلَا تَأْدِيبَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ . قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ : إنَّمَا قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ وَوَلَدُهُ قَاضِيًا ، وَفِي حِجْرِ وَلَدِهِ وَلَدٌ مَعَ كَوْنِهِ حُرًّا بَالِغًا فَيُؤَدِّي الْحَجْرُ عَلَيْهِ إلَى أَمْرٍ قَبِيحٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ لَهُ فَتَلِدُ امْرَأَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَكْبَرُ وَلَدُهُ وَيَبْلُغُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ لَهُ فَتَلِدُ امْرَأَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ جَدًّا وَلَمْ يَبْلُغْ أَشُدَّهُ . ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ) ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إلَّا بِحَجْرِ الْحَاكِمِ وَلَا يَصِيرُ مُطْلَقًا بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى يُطْلِقَهُ الْحَاكِمُ . وَقَالَ مُحَمَّدٌ : فَسَادُهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَصَلَاحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِنَفْسِ السَّفَهِ وَيَذْهَبُ عَنْهُ الْحَجْرُ بِنَفْسِ الْإِصْلَاحِ فِي مَالِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا بَاعَهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ ، ثُمَّ إذَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهَا كَحُكْمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ ، وَإِنْ أَعْتَقَ جَازَ عِتْقُهُ وَلَكِنَّهُ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ . وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ وَطَلَاقُهُ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ الزَّكَاةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا صَارَ مَحْجُورًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ وَصِيِّ الْأَبِ عَلَيْهِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ وَتَزْوِيجُهُ بِمِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ ، وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ ، وَإِقْرَارُهُ بِالْمَالِ ، وَإِجَارَتِهِ فَلَا تَجُوزُ مِنْهُ كَمَا لَا تَجُوزُ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ . ( فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِ السَّفِيهِ ، وَفِيهِ رِبْحٌ ، أَوْ مِثْلُ الْقِيمَةِ فَأَمَّا إذَا ضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ السَّفِيهِ فَلَا يُجِيزُهُ الْقَاضِي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ وَصِيِّ أَبِيهِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ ( وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يَنْفُذُ ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ وَمَا لَا فَلَا ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْهَزْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْهَازِلَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ لَا عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ هَوَاهُ ، وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ عِنْدَهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ شَيْءٌ إلَّا الطَّلَاقَ كَالْمَرْقُوقِ ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ قَوْلُهُ ( وَكَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي إبْطَالِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذَّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَقِيمَة الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا ، وَقِيلَ : نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ كَانَ فِيهِ نَوْعَا مَنْفَعَةٍ وَهُمَا الْبَيْعُ ، وَالْإِجَارَةُ وَقَدْ بَطَلَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْبَيْعُ وَقِيمَة أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا وَبَقِيَ مِلْكُ الْإِعْتَاقِ وَقِيمَة الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا لَا رَقَبَةً ، وَالْقِنُّ مَمْلُوكٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَكَانَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِيلَادِ إيجَابَ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالْعِتْقِ فَإِنْ مَاتَ كَانَتْ حُرَّةً لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ مِنْهُ ، وَالْحَجْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا سَقَطَتْ السِّعَايَةُ عَنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ : هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَزِمَتْهَا السِّعَايَةُ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ حُرِّيَّةٍ ثَبَتَتْ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ فَصَارَ كَالتَّدْبِيرِ . ( فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ ) وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مُجْتَمِعَاتٍ وَمُتَفَرِّقَاتٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَلِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ : الْمَحْجُورُ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ وَلَا أُخْتَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ . ( وَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَاضِلُ ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ ، وَقَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِإِزَائِهِ بَدَلٌ - وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ - فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ، وَكُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مُفْسِدَةً تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِيهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ الْحَجْرِ . وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ لَهُ إنْ شِئْت فَتَمِّمْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَكُمَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مَحْجُورًا مِثْلَهَا فَإِنْ كَانَ سَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ خُوطِبَ بِالْإِتْمَامِ ، أَوْ الْفُرْقَةِ ، وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا أَدْخَلَتْ الشَّيْنَ عَلَى أَوْلِيَائِهَا فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَجْلِهِمْ وَلَوْ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ جَازَ الْخُلْعُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَصَارَتْ بِبَذْلِ الْمَالِ مُتَبَرِّعَةً وَتَبَرُّعُهَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا جَوَازُ الْخُلْعِ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقَبُولِهَا وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ فَإِنَّ الْمَالَ لَمَّا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ يَكُونُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَانَ بَائِنًا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَذَلِكَ إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ كَانَ بَائِنًا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَمَةَ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً عَلَى مَالٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بَائِنًا ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمَوْلَى وَلِهَذَا يَلْزَمُهَا مَا بَذَلَتْهُ لَهُ فِي خُلْعِهَا إذَا أُعْتِقَتْ فَتُؤْخَذُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَا بَذَلَتْهُ ثَابِتًا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا . ( وَقَالَا فِيمَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ . ( وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالٍ السَّفِيهِ ) ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتُخْرَجُ بِإِذْنِهِ وَقِيلَ فِي السَّائِمَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ . وَفِي الْهِدَايَةِ يَدْفَعُ الْقَاضِي قَدْرَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لِيُفَرِّقَهَا إلَى مَصْرِفِهَا ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّتِهِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ . ( وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ ) لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ ، أَوْ نَذَرَ ، أَوْ ظَاهَرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مِمَّا وَجَبَ بِفِعْلِهِ فَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَنَفَذَتْ أَمْوَالُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا كَذَلِكَ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَيُصَدَّقُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ ، وَالْوَالِدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرَابَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ التَّزْوِيجَ يَصِحُّ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ . ( فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا ) ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا . ( وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ ) كَيْ لَا يُتْلِفَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ . ( وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ إتْلَافُ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ فَيَحْتَاطُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ بِدَفْعِهَا إلَى ثِقَةٍ يَقُومُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَفْسَدَ هَذَا الْمَحْجُورُ الْحَجَّ بِأَنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي نَفَقَةَ الرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالِابْتِدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا فِي حَالِ الْحَجْرِ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْوُجُوبُ إلَى وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ كَالْعَبْدِ ، وَالْمُعْسِرِ ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ إذَا أَفْسَدَهَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَهَا وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا فَإِنْ أُحْصِرَ فِي حَجَّتِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلَّذِي أُعْطِيَ نَفَقَتَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ فَيُحِلَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ احْتَاجَ إلَى تَخْلِيصِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الدَّوَاءِ ، وَإِنْ اصْطَادَ فِي إحْرَامِهِ ، أَوْ حَلَقَ مِنْ أَذًى ، أَوْ صَنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَكَانَ فَرْضُهُ الصَّوْمَ ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ كَالْمُعْسِرِ ، وَإِنْ ظَاهَرَ صَحَّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ وَيَجْزِيهِ الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ سَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَتِهِ وَلَا يَجْزِيهِ الْعِتْقُ فَإِنْ صَامَ شَهْرًا ، ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَمْ يَجْزِهِ إلَّا الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَعْنَى الْعَارِضُ فَصَارَ كَالْمُعْسِرِ إذَا صَامَ شَهْرًا ، ثُمَّ وَجَدَ مَا يُعْتِقُ وَهَذَا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمَحْجُورِ . ( فَإِنْ مَرِضَ فَأَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ مَالِهِ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَأْمُورٌ بِهَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا تَقَرُّبٌ إلَى اللَّهِ فَكَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ أَنَّ الْقُرْبَةَ هِيَ مَا تَصِيرُ عِبَادَةً بِوَاسِطَةٍ كَبِنَاءِ السِّقَايَةِ ، وَالْمَسَاجِدِ ، وَالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ ، وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْقُرْبَةَ وَغَيْرَهَا كَالْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ فَكَأَنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ أَعَمُّ مِنْ الْقُرَبِ وَقِيلَ الْقُرْبَةُ هِيَ الْوَسِيلَةُ إلَى الْعِبَادَةِ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ يَتَنَاوَلُ الْعِبَادَةَ ، وَالْوَسِيلَةَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ أَنَّ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً بِأَنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ : خَالِعْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ، أَوْ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الضَّمَانَ هُنَا عَلَى الضَّامِنِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَرْأَةِ . ( وَبُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ ، وَالْإِنْزَالِ وَالْإِحْبَالِ إذَا وَطِئَ ) فَ بِالِاحْتِلَامِ أَيْ مَعَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالِاحْتِلَامُ يَكُونُ فِي النَّوْمِ فَإِذَا احْتَلَمَ وَأَنْزَلَ عَنْ شَهْوَةٍ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ ، وَالْإِنْزَالُ يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ وَالنَّوْمِ وَهَذَا الْبُلُوغُ الْأَعْلَى ، وَأَمَّا الْأَدْنَى فَأَقَلُّ مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، وَالْأُنْثَى تِسْعٌ . ( فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } وَأَشُدُّ الصَّبِيِّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِي الْأَشُدِّ فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ . ( وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ ، وَالْحَبَلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ) لِأَنَّ الْإِنَاثَ نَشْؤُهُنَّ ، وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ مِنْ إدْرَاكِ الذُّكُورِ فَنَقَصْنَا عَنْهُ سَنَةً ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إذَا تَمَّ لِلْغُلَامِ ، وَالْجَارِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَا ) وَلَا مُعْتَبَرَ بِنَبَاتِ الْعَانَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : أَنَّهُ اعْتَبَرَ نَبَاتَهَا الْخَشِنَ بُلُوغًا وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى حَلْقٍ ، وَأَمَّا نُهُودُ الثَّدْيِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ بُلُوغًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْكَمُ بِهِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ ، وَأَمَّا شَعْرُ الْإِبِطِ وَالشَّارِبِ فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَعْرِ الْعَانَةِ وَقِيلَ لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَأَمَّا الزَّغَبُ وَهُوَ الشَّعْرُ الضَّعِيفُ وَثِقَلُ الصَّوْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ . ( وَإِذَا رَاهَقَ الْغُلَامُ ، وَالْجَارِيَةُ وَأَشْكَلَ أَمْرُهُمَا فِي الْبُلُوغِ فَقَالَا قَدْ بَلَغْنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ ) الْمُرَاهَقَةُ مُقَارَبَةُ الِاحْتِلَامِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَقُبِلَ قَوْلُهُمَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : صَبِيٌّ بَاعَ وَاشْتَرَى وَقَالَ أَنَا بَالِغٌ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا غَيْرُ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الْبُلُوغُ فِيهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى جُحُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا فِي صِبَاهُ لَزِمَهُ الْآنَ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ( وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا أَحْجُرُ فِي الدَّيْنِ ) أَيْ لَا أَحْجُرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَإِذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ ، وَإِقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ . ( وَإِذَا وَجَبَتْ الدُّيُونُ عَلَى رَجُلٍ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ ، وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ ) وَهَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ . ( وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْحَاكِمُ ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَدْيُونِ أَمَّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ قَدْ ثَبَتَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ ، أَوْ بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا ، وَيَقْضِي بِهِ دُيُونَهُ وَيَكُونُ عُهْدَةُ مَا بَاعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ دُونَ الْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكَذَا إذَا بَاعَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ لِأَجْلِ الْمُوصَى لَهُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ دُونَ الْقَاضِي ، أَوْ بَاعَ لِأَجْلِ الصَّغِيرِ تُجْعَلُ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَكَذَا أَمِينُ الْقَاضِي . ( وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ ) إيفَاءً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَدَفْعًا لِظُلْمِهِ . اعْلَمْ أَنَّ الْحَبْسَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَ تَعَالَى { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ } أَيْ يُحْبَسُوا ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَإِنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَبَسَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ فِي ذَلِكَ } وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَنَى حَبْسًا بِالْكُوفَةِ وَسَمَّاهُ نَافِعًا فَهَرَبَ النَّاسُ مِنْهُ فَبَنَى حَبْسًا أَوْثَقَ مِنْهُ وَسَمَّاهُ مُخَيَّسًا وَقَالَ : أَمَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيَّسًا بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُقَالُ مُخَيَّسٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ مُذَلَّلٌ يُقَالُ خَيَّسَهُ أَيْ أَذَلَّهُ . وَقَوْلُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَبِيعَ الْعُرُوضَ ، ثُمَّ الْعَقَارَ . ( فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَرَاهِمُ قَضَاهَا الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ إذَا وَجَدَ جِنْسَ حَقِّهِ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَدَفْعُ الْقَاضِي أَوْلَى . ( وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ ، أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ بَاعَهَا الْقَاضِي فِي دَيْنِهِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ جَبْرًا . ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ ، وَالْبَيْعِ ، وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَمَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا يَمْنَعُهُ قَوْلُهُ ( وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ ) وَيُبَعْ فِي الدَّيْنِ الْعُرُوض أَوَّلًا ، ثُمَّ الْعَقَارُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتٌ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي . وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لَهُ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِهَا فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ ؛ لِأَنَّ لُبْسَ ذَلِكَ لِلتَّجَمُّلِ ، وَقَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَصْرِفُ بَعْضَ ثَمَنِهِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَبِيتُ فِيهِ وَقِيلَ يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحَالِ حَتَّى إنَّهُ يَبِيعُ الْجُبَّةَ وَاللِّبْدَ فِي الصَّيْفِ وَالنِّطْعَ فِي الشِّتَاءِ . ( وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ ) أَيْ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ قَوْلُهُ ( فَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ الْحَجْرِ بِإِقْرَارٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ) هَذَا قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ حَقُّ الْأَوَّلِينَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا مَرَدَّ لَهُ ، وَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ . ( وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ ) الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ هَذَا الْمَدْيُونُ الْمَحْجُورُ . ( وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ ) أَيْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ . ( فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالٍ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُحْبَسُ فِي الدِّرْهَمِ ، وَفِي أَقَلَّ مِنْهُ ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يُحْبَسُ فِي قَلِيلِ الدَّيْنِ وَكَثِيرِهِ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْمَطْلُ ( وَفِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ ) الْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّ فِي الْمُؤَجَّلِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْإِعْسَارِ ؛ لِأَنَّا قَدْ عَرَفْنَا غِنَاهُ بِهِ فَدَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ دَعْوَى زَوَالِ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ مَعْنًى حَادِثٌ فَلَا يُصَدَّقُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِعْسَارِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِدَعْوَاهُ أَنْ يُسْقِطَ مَا الْتَزَمَهُ فَلَا يُقْبَلُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالتَّزْوِيجِ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْإِعْسَارِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ . ( وَلَمْ يَحْبِسْهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ كَعِوَضِ الْمَغْصُوبِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ ) إذَا قَالَ أَنَا فَقِيرٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ فَمَنْ ادَّعَى الْغِنَى يَدَّعِي مَعْنًى حَادِثًا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ . ( إلَّا أَنْ يُقِيمَ غَرِيمُهُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ مَالًا ) فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَاهُ الْفَقْرَ ، ثُمَّ الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ لَا يَخْرُجُ لِمَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا لِلْعِيدَيْنِ وَلَا لِلْجُمُعَةِ وَلَا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَا لِحَجَّةِ فَرِيضَةٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةِ بَعْضِ أَهْلِهِ وَلَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَاتَ لَهُ وَالِدٌ ، أَوْ وَلَدٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيَخْرُجَ حِينَئِذٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْرُجُ وَقِيلَ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْأَجْدَادِ ، وَالْجَدَّاتِ ، وَالْأَوْلَادِ ، وَفِي غَيْرِهِمْ لَا يَخْرُجُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ فِي مَوْضِعٍ خَشِنٍ لَا يُبْسَطُ لَهُ فِيهِ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَسْتَأْنِسُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا شُرِعَ لِيَضْجَرَ فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ وَإِذَا مَرِضَ وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ لَا يَخْرُجُ لِيَزْدَادَ ضَجَرًا فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُدَاوَاةِ وَيُدَاوَى فِي السِّجْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ وَخُشِيَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَجُوزُ إهْلَاكُهُ لِأَجْلِ مَالِ الْغَيْرِ ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ ، أَوْ جَارِيَتُهُ فَيَطَأَهَا حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ . وَفِي النِّهَايَةِ إذَا طَلَبَ الْمَحْبُوسُ امْرَأَتَهُ ، أَوْ أَمَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فِي الْحَبْسِ لَمْ يُمْنَعْ إنْ كَانَ فِي الْحَبْسِ مَوْضِعٌ خَالٍ فَإِنْ امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ لَمْ تُجْبَرْ ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ أُجْبِرَتْ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَمْتَنِعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَالزَّوْجَةُ الْأَمَةُ تُجْبَرُ إذَا رَضِيَ سَيِّدُهَا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِيُشَاوِرَهُمْ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُمَكَّنُونَ بِأَنْ يَمْكُثُوا مَعَهُ طَوِيلًا ، وَالْمُحْتَرِفُ لَا يُمَكَّنُ فِي الْحَبْسِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِحِرْفَتِهِ لِيَضْجَرَ فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ ، وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِذَلِكَ ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ صَغِيرًا وَلَهُ وَلِيّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ حَبَسَ الْقَاضِي وَلِيَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ . ( فَإِذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي شَهْرَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً سَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ ) ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَالِ الْمَحْبُوسِ فَمِنْ النَّاسِ مِنْ يُضْجِرُهُ الْحَبْسُ الْقَلِيلُ وَمِنْهُمْ مِنْ لَا يُضْجِرُهُ الْكَثِيرُ فَوُقِفَ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْحَاكِمِ أَنَّ لَهُ مَالًا بِأَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ سَأَلَ جِيرَانَهُ الْعَارِفِينَ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ إنَّهُ لَا مَالَ لَهُ قَبْلَ حَبْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَطَّلِعُ عَلَى إعْسَارِهِ وَلَا يَسَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَجْنِهِ لِيَضْجَرَ بِذَلِكَ . ( وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالٍ لَهُ ) يَعْنِي خَلَّى سَبِيلَهُ لِوُجُوبِ النَّظِرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ وَهَذِهِ قُبِلَتْ ، قُلْنَا : هَذِهِ شَهَادَةٌ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ فَالْحَبْسُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ عَلَى إفْلَاسِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا تُقْبَلُ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْحَبْسِ فَهِيَ تُقْبَلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ : كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ : إنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدِمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ . ( فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ ) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا . ( وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ السِّجْنِ وَيُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ ) وَيَدُورُونَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ وَلَا يَحْبِسُونَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتَهُ لِحَاجَةٍ لَا يَتْبَعُونَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهِ فِي الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تَلَازُمُهَا . وَ وَيُلَازِمُونَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ } الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةُ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ الضَّرْبُ وَالشَّتْمُ . ( وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ ) أَيْ يَأْخُذُونَ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ . ( وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّدٌ : إذَا فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ فَتَثْبُتُ الْعُسْرَةُ فَيَسْتَحِقُّ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ ؛ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا ظَاهِرًا فَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِإِبْطَالِ الْحَقِّ فِي الْمُلَازَمَةِ . ( إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَالٌ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ؛ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْعُسْرَةُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ إذَا قَالُوا : إنَّهُ كَثِيرُ الْعِيَالِ ضَيِّقُ الْحَالِ أَمَّا إذَا قَالُوا : لَا مَالَ لَهُ لَا تُقْبَلُ . وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْإِعْسَارِ لَمْ يَحْبِسْهُ الْقَاضِي حَتَّى يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ مَالًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى إعْسَارِهِ وَيَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ . ( وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : يَحْجُرُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً . ( وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ ) يَعْنِي إذَا بَلَغَ فَاسِقًا ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ . ( وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِمَتَاعِهِ وَصُورَتُهُ اشْتَرَى سِلْعَةً وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعٍ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي ، أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ ، أَوْ بَعْدَمَا دَفَعَ طَائِفَةً مِنْهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِأُنَاسٍ شَتَّى فَالْغُرَمَاءُ جَمِيعًا فِي الثَّمَنِ أُسْوَةٌ وَلَيْسَ بَائِعُهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ عَيْنِهِ وَرَضِيَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُنْظَرُ : إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إجْمَاعًا وَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِثَمَنِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ كَالْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الْمَرْهُونِ ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ حَلَّتْ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ وَقَدْ خَرِبَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَحَلٌّ مَعْلُومٌ فَتَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ وَمُقْتَضَاهَا الْحُلُولُ . ( مَسْأَلَةٌ ) فِي قِسْمَةِ الدَّيْنِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ : رَجُلٌ مَاتَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ لِآخَرَ ثَلَاثُونَ وَلِآخَرَ عِشْرُونَ وَلِآخَرَ عَشَرَةٌ فَخَلَّفَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَنَقُولُ : مَجْمُوعُ الدَّيْنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَيُضْرَبُ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةٌ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَصِحُّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ - لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ نَقُولَ : كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَضْرُوبٌ فِي التَّرِكَةِ مَقْسُومٌ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ - ، وَتَضْرِبُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَخْرُجُ الْقَسْمُ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَلِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ أَرْبَعُونَ ، وَإِنْ شِئْت فَانْسُبْ الْمِائَةَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدْهَا خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا ، فَيُعْطَى صَاحِبُ الْمِائَةِ خَمْسَةَ أَثْمَانِ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَتَنْسُبُ الثَّلَاثِينَ أَيْضًا مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدُهُ ثُمُنًا وَنِصْفَ ثُمُنٍ فَيُعْطَى صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَنِصْفَ ثُمُنِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ ، وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ ثُمُنُهُ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ خَمْسَةٌ ، وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ نِصْفُ ثُمُنٍ فَيُعْطَى نِصْفَ ثُمُنِ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ . |