١٨-( بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ) إنَّمَا أَفْرَدَ هَذَا الْبَابَ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّوَافِلِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَافِلُ اُخْتُصَّتْ بِخَصَائِصَ لَيْسَ هِيَ فِي مُطْلَقِ النَّوَافِلِ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَتَقْدِيرِ الرَّكَعَاتِ وَسُنَّةِ الْخَتْمِ وَعَقَّبَهُ بِالِاسْتِسْقَاءِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ مِنْ نَوَافِلِ النَّهَارِ وَهَذَا مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِيَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ } وَسُمِّيَ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ يُرْمِضُ الذُّنُوبَ أَيْ يُحْرِقُهَا ( وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْإِمَامُ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي كُلِّ تَرْوِيحَةٍ تَسْلِيمَتَانِ ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرَاوِيحَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ } ، وَأَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ أَدَاءَهَا بِالْجَمَاعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلِذَلِكَ قَالَ يُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَلَمْ يَقُلْ تُسْتَحَبُّ التَّرَاوِيحُ وَإِنَّمَا قَالَ يَجْتَمِعُ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَتَفَرَّقُونَ عَنْ هَيْئَةِ الصُّفُوفِ فَلِهَذَا قَالَ يَجْتَمِعُونَ أَيْ يَرْجِعُونَ صُفُوفًا وَمَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ كَمَا يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَتَكْثُرُ الْجَمَاعَةُ بِحُضُورِهِ وَتَقِلُّ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ ، وَقَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي كُلِّ تَرْوِيحَةٍ تَسْلِيمَتَانِ التَّرْوِيحَةُ اسْمٌ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَقْعُدُ عَقِيبَهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ . ( وَيَجْلِسُ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ ) وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَهُمْ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسِ إنْ شَاءُوا يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا وَهَلْ يُصَلُّونَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَهُ وَهَلْ يَجْلِسُ بَيْنَ التَّرْوِيحَة الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْلِسُ ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ . وَفِي الْيَنَابِيعِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَلَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ كُلَّ سِتٍّ أَوْ كُلَّ ثَمَانٍ أَوْ كُلَّ عَشْرٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ . وَفِي الْفَتَاوَى إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فِي التَّرَاوِيحِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ إنْ تَذَكَّرَ فِي الْقِيَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَيَقْعُدَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَإِنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا إذَا أَتَى بِالْأَرْبَعِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ قَعَدَ فِيهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ أَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ . وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ جَازَ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ إكْمَالِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِذَا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّهُ ظَانٌّ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَلْ تَفْسُدُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ نَعَمْ تَفْسُدُ وَلَا تُجْزِئُ عَنْ شَيْءٍ وَإِنْ شَكُّوا أَنَّهُمْ هَلْ صَلَّوْا عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ أَوْ تِسْعَ تَسْلِيمَاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ تَسْلِيمَةً أُخْرَى فُرَادَى ، وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوتِرُونَ وَلَا يَأْتُونَ بِتَسْلِيمَةٍ أُخْرَى وَلَوْ تَذَكَّرُوا بَعْدَ الْوِتْرِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا تَسْلِيمَةً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُصَلُّونَهَا فُرَادَى . وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوهَا بِجَمَاعَةٍ ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَا يَجُوزُ . وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَسْجِدَيْنِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ الْإِسْكَافِ . وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِذَا فَسَدَ الشَّفْعُ وَقَدْ قَرَأَ فِيهِ لَا يُعْتَدُّ بِمَا قَرَأَهُ فِيهِ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ لِيَحْصُلَ الْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ الْجَائِزَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَدُّ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْقِرَاءَةُ وَلَا فَسَادَ فِيهَا وَإِذَا غَلِطَ فَتَرَكَ سُورَةً أَوْ آيَةً وَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْمَتْرُوكَةَ ثُمَّ الْمَقْرُوءَةَ لِتَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْقَوْمِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْخَتْمُ مَرَّةً وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ فِي ثَلَاثِينَ لَيْلَةً سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْكَرِيمِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ . وَفِي الْفَتَاوَى الْخَتْمُ فِي التَّرَاوِيحِ مَرَّةً سُنَّةٌ وَالْخَتْمُ مَرَّتَيْنِ فَضِيلَةٌ وَالْخَتْمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ عَشْرِ لَيَالٍ مَرَّةٌ أَفْضَلُ فَالْخَتْمُ مَرَّةً يَقَعُ بِقِرَاءَةِ عَشْرِ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَالْخَتْمُ مَرَّتَيْنِ يَقَعُ بِقِرَاءَةِ عِشْرِينَ آيَةً وَالْخَتْمُ ثَلَاثًا يَقَعُ بِقِرَاءَةِ ثَلَاثِينَ آيَةً فَإِنْ أَرَادُوا الْخَتْمَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِكَثْرَةِ مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَلَا يُتْرَكُ الْخَتْمُ فِي رَمَضَانَ لِكُلِّ الْقَوْمِ يَعْنِي لَا يُقْرَأُ أَقَلُّ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْخَتْمُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيُحْتَاطُ فِيهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ . وَلَوْ حَصَلَ الْخَتْمُ بِلَيْلَةِ التَّاسِعِ أَوْ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا يَتْرُكُ التَّرَاوِيحَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ } ، وَلِهَذَا قِيلَ إذَا عَجَّلَ الْخَتْمَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ صَلَّوْهَا بِإِمَامَيْنِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ انْصِرَافُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى كَمَالِ التَّرْوِيحَةِ فَإِنْ انْصَرَفَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْوِتْرِ وَكَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَؤُمُّهُمْ فِي التَّرَاوِيحِ وَسُئِلَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ إمَامَةِ الصِّبْيَانِ فِي التَّرَاوِيحِ فَقَالَ يَجُوزُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ . وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ أَمَّ الصَّبِيُّ الصِّبْيَانَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّ إمَامَةَ الصَّبِيِّ فِي التَّرَاوِيحِ تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَؤُمُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي التَّرَاوِيحِ وَكَانَ صَبِيًّا . كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَفِي الْهِدَايَةِ إمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَبْنِي الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ ، وَأَمَّا أَدَاءُ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اعْتِبَارًا بِسُنَّةِ الْفَجْرِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَاقْتَدَى بِهِ قَوْمٌ قِيَامًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فِيهَا فَمَا الْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِينَ ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْعُدُوا احْتِرَازًا عَنْ صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ . وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الْأَفْضَلُ الْقِيَامُ عِنْدَهُمَا . وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْقُعُودُ لِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ فَيَكُونُ قَاعِدًا حَتَّى إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الرُّكُوعَ نَهَضَ لِلرُّكُوعِ مُبَادِرًا خَوْفًا مِنْ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَانِي فِي عِبَادَةِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى } وَهَلْ يَحْتَاجُ لِكُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ يَحْتَاجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى نِيَّةٍ . قَالَ فِي الْفَتَاوَى إذَا نَوَى التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي الشَّهْرِ يَجُوزُ وَإِنْ نَوَى صَلَاةً مُطْلَقَةً أَوْ تَطَوُّعًا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ وَسَائِرَ السُّنَنِ تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا نَوَى فِي التَّرَاوِيحِ صَلَاةً مُطْلَقَةً الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ التَّرَاوِيحِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي اللَّيْلُ كُلُّهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وُقِّتَ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ لَمْ يُؤَدِّهَا فِي وَقْتِهَا ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّرَاوِيحِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَإِنْ أَخَّرُوهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لَا يُسْتَحَبُّ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ عَنْ وَقْتِهَا لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْضَى مَا لَمْ يَمْضِ شَهْرُ رَمَضَانَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْضَى وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْضَى مَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِإِمَامٍ وَصَلَّى التَّرَاوِيحَ بِإِمَامٍ آخَرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَ الْعِشَاءِ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ ، وَلَوْ فَاتَتْهُ تَرْوِيحَةٌ أَوْ تَرْوِيحَتَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُوتِرُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ ثُمَّ يُوتِرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ . ( ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَقْتَ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ بِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّةٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ . وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَكُونُ تَرَاوِيحَ وَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ جَازَ وَتَكُونُ تَرَاوِيحَ . ( وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَهِيَ بِجَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي مَنْزِلِهِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ وَفِي النَّوَافِلِ يَجُوزُ الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَعْنِي بِهِ الْكَرَاهَةَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ . وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا صَلَّى الْوِتْرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . |