الباب الأولالمجوسأثبتوا أصلين كما ذكرنا إلا أن المجوس الأصلية زعموا: أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين بل النور ازلي والظلمة محدثة. ثم لهم اختلاف في سبب حدوثها: أمن النور حدثت! والنور لا يحدث شراً جزئياً فكيف يحدث أصل الشر أم من شيء آخر! ولا شيء يشرك النور في الإحداث والقدم. وبهذا يظهر خبط المجوس. وهؤلاء يقولون: المبدأ الأول من الأشخاص: كيومرث وربما يقولون: زروان الكبير والنبي الثاني: زردشت والكيومرثية يقولون: كيومرث هو آدم عليه السلام وتفسير كيومرث هو: الحي الناطق. وقد ورد في تواريخ الهند والعجم: أن كيومرث هو آدم عليه السلام. ويخالفهم سائر أصحاب التواريخ. الكيومرثية أصحاب المقدم الأول: كيومرث. أثبتوا أصلين: يزدان وأهرمن وقالوا: يزدان أزلي قديم وأهرمن محدث مخلوق وقالوا: إن سبب خلق أهرمن أن يزدانن فكر في نفسه: أنه لو كان لي منازع كيف يكون وهذه الفكرة كانت رديئة غير مناسبة لطبيعة النور فحدث الظلام من هذه الفكرة وسمى: أهرمن وكان مطبوعاً على الشر و الفتنة والفساد والفسق والضرر والإضرار فخرج على النور وخالفه طبيعة وفعلاً وجرت محاربة بين عسكر النور وعسكر الظلمة. ثم إن الملائكة توسطوا فصالحوا على أن يكون العالم السفلي خالصاً لأهرمن سبعة آلاف سنة ثم يخلى العالم ويسلمه إلى النور والذين كانوا في الدنيا قبل الصلح أبادهم وأهلكهم. ثم بدأ برجل يقال له: كيومرثن وحيوان يقال له: ثور فقتلهما فنبت من مسقط ذلك الرجل ريباس وخرج من أصل ريباس: رجل يسمى ميشة وامراة اسمها: ميشانة وهما أبوا البشر ونبت من مسقط الثور: الأنعام وسائر الحيوانات. وزعموا: أن النور خير الناس وهو أرواح بلا أجساد بين أن يرفعهم عن مواضع أهرمن وبين أن يلبسهم الأجساد فيحاربون أهرمن فاختاروا لبس الأجساد ومحاربة أهرمن. على أن تكون لهم النصرة من عند النور والظفر بجنود أهرمن وحسن العاقبة. وعند الظفر به وإهلاك جنوده: تكون القيامة. فذاك: سبب الامتزاج وهذا: سبب الخلاص. الزروانية قالوا: إن النور أبدع أشخاصاً من نور كلها: روحانية نورانية ربانية ولكن الشخص الأعظم اسمه زروان شك في شيء من الأشياء فحدث أهرمن الشيطان من ذلك الشك. وقال بعضهم: لا بل إن زروان الكبير قام فزمزم تسعة آلاف وتسعمائة وتسعاً وتسعين سنة ليكون له ابن فلم يكن ثم حدث نفسه وفكر وقال: لعل هذا العلم ليس بشيء فحدث أهرمن من ذلك الهم الواحد وحدث هرمز من ذلك العلم فكانا جميعاً في بطن واحد وكان هرمز أقرب من باب الخروج فاحتالاهرمن الشيطان حتى شق بطن أمه فخرج قبله وأخذ الدنيا. وقيل: إنه لما مثل بين يدي زروان فابصره ورأى ما فيه من الخبث والشرارة والفساد: أبغضه ولعنه وطرده فمضى واستولى على الدنيا. وأما هرمز فبقى زماناً لا يد له عليه وهو الذي اتخذه قوم ربا وعبدوه لما وجدوا فيه من: الخير والطهارة والصلاح وحسن الأخلاق. وزعم بعض الزروانية: أنه لم يزل كان مع اللّه شيء رديء: إما فكرة رديئة وإما عفونة رديئة وذلك هو مصدر الشيطان. وزعموا أن الدنيا كانت سليمة من: الشرور والآفات والفتن والمحن. وكان بمعزل عن السماء فاحتال حتى خرق السماء وصعد. وقال بعضهم: كان هو في السماء والأرض خالية عنه فاحتال حتى خرق السماء ونزل إلى الأرض بجنوده كلها فهرب النور بملائكته واتبعه الشيطان حتى حاصره في جنته وحاربه ثلاثة آلاف سنة لا يصل الشيطان إلى الرب تعالى ثم توسط الملائكة وتصالحا: على أن يكون إبليس وجنوده في قرار الأرض تسعة آلاف سنة بالثلاثة آلاف التي قاتله فيها ثم يخرج إلى موضعه. ورأى الرب تعالى عن قولهم الصلاح في احتمال المكروه من إبليس وجنوده وأن لا ينقض الشرط حتى تنقضي المدة المضروبة للصلح. فالناس في: البلايا والفتن والخزايا والمحن. إلى انقضاء المدةن ثم يعودون إلى النعيم الأول. وشرط إبليس عليه: أن يمكنه من أشياء يفعلها ويطلقه في أفعال رديئة يباشرها. فلما فرغا من الشرط: أشهدا عليهما عدلين ودفعا سيفهما إليهما وقالا لهما: من نكث فاقتلاه بهذا السيف. ولست أظن عاقلاً يعتقد هذا الرأي الفائل ويرى هذا الإعتقاد المضمحل الباطل ولعله كان رمزاً إلى ما يتصور في العقل. ومن عرف اللّه سبحانه وتعالى بجلاله وكبريائه: لم يسمح بهذه الترهات عقله ولم يسمع مثل هذه الترهات سمعه. وأقب من هذا ما حكاه أبو حامد الزوزني: أن المجوس زعمت أن إبليس كان لم يزل في الظلمة والجو خلاء بمعزل عن سلطان اللّهن ثم لم يزل يزحف ويقرب بحيله حتى رأى النور فوثب وثبة فصار في سلطان اللّه في النور وأدخل معه هذه الآفات والشرور فخلق اللّه تعالى هذا العالم شبكة له فوقع فيها وصار متعلقاً بها لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه فهو محبوس في هذا العالم مضرب في الحبس يرمى بالآفات والمحن والفتن إلى خلق اللّه تعالى فمن أحياه اللّه رماه بالموت ومن أصحه رماه بالسقم ومن سره رماه بالحزن فلا يزال كذلك إلى يوم القيامة وفي كل يوم ينقص سلطانه حتى لا تبقى له قوة. فإذا كانت القيامة: ذهب سلطانه وخمدت نيرانه وزالت قوته و اضمحلت قدرته. فيطرحه في الجو والجو ظلمة ليس لها حد ولا منتهى. ثم يجمع اللّه تعالى اهل الأديان فيحاسبهم ويجازيهم على طاعة الشيطان وعصيانه. وأما المسخية فقالت: إن النور كان وحده نوراً محضاً ثم انمسخ بعضه فصار ظلمة. وكذلك الخرمدينية: قالوا بأصلين ولهم ميل إلى التناسخ والحلول. وهم لا يقولون: بأحكام وحلال وحرام. ولقد كان في كل أمة من الأمم قوم مثل: الإباحية والمزدكية والزنادقة الزرداشتية أولئك هم أصحاب زرددشت ابن بورشب الذي ظهر في زمان كشتاسب ابن لهراسب الملك وأبوه كان من أذربيجان وأمه من الري واسمها: دغدوية. زعموا: أن لهم أنبياء وملوكاً: او لهم كيومرث وكان أول من ملك الأرض وكان مقامه بإصطخر. وبعده: أوشهنك بن فراوك ونزل أرض الهند وكانت له دعوة ثمة. وبعده: طهمورث وظهرت الصابئة في أول سنة من ملكه. وبعده: أخوه جم الملك. ثم بعده أنبياء وملوك منهم منوجهر ونزل بابل وأقام بها. وزعموا أن موسى عليه السلام ظهر في زمانه. حتى انتهى الملك إلى كشتاسب بن لهراسب وظهر في زمانه زردشت الحكيم. وزعموا: أن اللّه عز وجل خلق من وقت ما في الصحف الأولى والكتاب الأعلى من ملكوته خلقاً روحانياً فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور متلألأ على تركيب صورة الإنسان و أحف به سبعين من الملائكة المكرمين وخلق الشمس والقمر والكواكب والارض وبني آدم غير متحركة ثلاثة آلاف سنة. ثم جعل روح زردشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين وأحف بها سبعين من الملائكة المكرمين وغرسها في قلة جبل من جبال أذربيجان يعرف باسمويذخر ثم مازج شبح زردشت بلبن بقرة فشربه أبو زردشت فصار: نطفة ثم مضغة في رحم أمه فقصدها الشيطان وعيرها فسمعت أمه نداء من السماء فيه دلالة على برئها فبرئت ثم لما ولد ضحكك ضحكة تبينها من حضر فاحتالوا على زردشت حتى وضعوه بين مدرجة البقر ومدرجة الخيل ومدرجة الذئب فكان ينهض كل واحد منهم لحمايته من جنسه. ونشأ بعد ذلك إلى أن بلغ ثلاثين سنة فبعثه اللّه تعالى: نبياً ورسولاً إلى الخلق. فدعا: كشتاسب الملك فأجابه إلى دينه. وكان دينه: عبادة اله والكفر بالشيطان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الخبائث. وقال: النور والظلمة أصلان متضادان وكذلك يزدان وأهرمن وهما مبدأ موجودات العالمن وحصلت التراكيب من امتزاجهما وحدثت الصور من التراكيب المختلفة. والباري تعالى خالق النور والظلمة ومبدعهما وهو واحد: لا شريك له ولاضد ولا ند ولا يجوزأن ينسب إليه وجود الظلمة كما قالت الزروانية. لكن: الخير والشر والصلاح والفساد والطهارة والخبث: إنما حصلت من امتزاج النور والظلمة ولو لم يمتزجا لما كان وجود العالم. وهما: يتقاومان ويتغالبان. إلى أن يغلب النور الظلمة والخير الشر ثم يتخلص الخير إلى عالمه والشر ينحط إلى عالمه وذلك هو: سبب الخلاص والباري تعالى هو الذي مزجهما وخلطهما لحكمة رآها في التراكيب. وربما جعل النور أصلاً وقال: وجوده وجود حقيقي وأما الظلمة فتبع كالظل بالنسبة إلى الشخص فإته يرى أنه موجود وليس بموجود حقيقة فأبدع النور وحصل الظلام تبعاً لأن من ضرورة الوجود التضاد فوجوده ضروري وواقع في الخلق لا بالقصد الأول كما ذكرنا في الشخص والظل. وله كتاب قد صنفه وقيل: إن ذلك أنزل عليه وهو: زند أوستا يقسم العالم قسمين: مبنة وكيتي يعني: الروحاني والجسماني أو: الروح الشخص. وكما قسم الخلق إلى عالمين يقول: غنما في العالم ينقسم قسمين: بخشش وكنش يريد به: التقدير والفعل وكل واحد مقدر على الثاني. ثم يتكلم في موارد التكليف وهي: حركات الإنسان فيقسمها ثلاثة أقسام: منش وكويش وكنش يعني بذلك: الإعتقاد والقول والعمل وبالثلاثة يتم التكليف فإذا قصر الإنسان فيها خرج عن الدين والطاعة وإذا جرى في هذه الحركات على مقتضى الأمر والشريعة فاز الفوز الأكبر. وتدعي الزردشتية له معجزات كثيرة منها: دخول قوائم فرس كشتاسب في بطنه وكان زردشت في الحبس فأطلقه فانطلقت قوائم الفرس. ومنها: أنه مر على أعمى بالدينور فقال: خذوا حشيشة وصفها لهم واعصروا ماءها في عينه فإنه يبصر ففعلوا فأبصر الأعمى. وهذا من جملة معرفتهم بخاصية الحشيشة. وليس من المعجزات في شيء!. ومن المجوس الزردشتية صنف يقال لهم: السيسانية والبهافريدية رئيس رجل يقال له سيسان من رستاق نيسابور من ناحية يقال لها: خواف. خرج في أيام أبي مسلم صاحب الدولة. كان زمزمياً في الأصل يعبد النيرانح ثم ترك ذلكن ودعا المجوس إلى: ترك الزمزمة ورفض عبادة النيران. ووضع لهم كتاباً وأمرهم فيه بإرسال الشعور وحرم عليهم: الأمهات والبنات والأخوات وحرم عليهم الخمر وأمرهم باستقبال الشمس عند السجود على ركبة واحدة وهم: يتخذون الرباطات ويتباذلون الأموال ولا يأمكلون الميتة ولا يذبحون الحيوان حتى يهرم. وهم أعدى خلق اللّه للمجوس الزمازمة. ثم إن موبذ المجوس رفعه إلى أبي مسلم فقتله على باب الجامع بنيسابور. وقال أصحابه: إنه صعد إلى السماء على برذون اصفر وأنه سينزل على البرذون فينتقم من أعدائه. وهؤلاء اقروا بنبوة زردشت وعظموا الملوك الذين يعظمهم زردشت. ومما خبر به زردشت في كتاب زند أوستا أنه قال: سيظهر في آخر الزمان رجل اسمه أشيزريكا ومعناه: الرجل العالم يزين العالم بالدين والعدل ثم يظهر في زمانه بتيارهن فيوقع الآفة في أمره وملكه عشرين سنة ثم يظهر بعد ذلك أشيزريكا عالاى أهل العالم ويحيي العدل ويميت الجور ويرد السنن المغيرة إلى أوضاعها الأول وتنقاد له الملوك وتتيسر له الأمور وينصر الدين الحق ويحصل في زمانه: الأمن والدعة وسكون الفتن وزوال المحن. مقالة زردشت في المبادىء وقد نقل الجيهاني في مقالة من المقالات لزردشت في المبادىء: أن دين زردشت: هو الدعوة إلى دين مارسيان وأن معبوده: أورمزد والملائكة المتوسطون في رسالاته إليه: بهمن و أرديبهشت وشهريورن وإ سفندارمز وخرداد ومرداد. وقد رآهم زردشت واستفاد منهم العلوم. وجرت مساءلات بينه وبين أورمزد من غير توسط: أولهما: قال زردشت: ما الشيء الذي كان ويكون وهو الآن موجود. قال اورمزد: أنا والدين والكلام أما الدين فعمل أورمزد وكلامه وإيمانه وأما الكلام فكلامهن والدين أفضل من الكلام إذ العمل أفضل من القول. وأول من أبدع من الملائكة: بهمن وعلمه الدين وخصه بموضع النور مكاناً وأقنعه بذاته ذاتاً فالمبادىء على هذا الرأي ثلاثة. السؤال الثاني: قال: لم لم تخلق الأشياء كلها في زمان غير متناه إذ قد جعلت الزمان نصفين: نصفه متناه ونصفه غير متناه فلو خلقتها في زمان غير متناه: كان لا يستحيل شيء منها. قال أورمزد: فإذاً كان لا يمكن أن تفنى ثم آفات الأثيم إبليس. السؤال الثالث: قال: مما ذا خلقت هذا العالم. قال أورمزد: خلقت جميع هذا العالم من نفسي: أما أنفس الابرار فمن شعر رأسي وأما السماء فمن أم رأسي والظفر والمعاضد فمن جهتي والشمس فمن عيني والقمر فمن أنفي والكواكب فمن لساني وسروس وسائر الملائكة فمن أذني والأرض فمن عصب رجلي. وأريت هذا الدين أولاً كيومرث فشعر به وحفظه من غير تعلم ولا مدارسة. قال زردشت: فلماذا أريت هذا الدين كيومرث بالوهم وألقيته إلي بالقول. قال: أورمزد: لأنك تحتاج أن تتعلم هذا الدين وتعلمه غيرك وكيومرث لم يجد من يقبله فأمسك عن التكلم وهذا خير لك لأني أقول وأنت تسمع وأنت تقول والناس يسمعون ويقبلون. فقال زردشت لأورمزد: هل أريت هذا الدين أحداً قبلي غير كيومرث قال: بلى! أريت هذا الدين جم خمسين نجماً مخمساً من أجل إنكاره الضحاك. قال: إذاً كنت عالماً أنه لا يقبله فلماذا أريته قال: لو لم أره لما صار إليك وقد أريته أيضاً: أفريدون وكيكاوس وكيقباد وكشتاسب. قالزردشت: خلقك العالم و ترويجك الدين لأي شيء قال: لأن فناء العفريت الأثيم لا يمكن إلا بخلق العالم وترويج الدين ولو لم يتروج أمر الدين لما أمكن أن تتروج أمور العالم. فلما إخذ زردشت الدين من أورمز الوهاب واستحكمه وعمل به وزمزم في بيت أبيه عليه. وغاظ ذلك كون الأثيم وأقلقه إذ كان شريراً ممتلئاً موتاً وظلمة وبلاء ومحنة فدعا بشياطنه وأسماؤهم: يرى ديوانياخ ديويهمان زوش ونومر بفنارديو وأمرهم جميعاً بالمسير إلى زردشت وقتله فعلم زردشت بذلك فقرأ وزموم وأراق الماء على يد مارسيان فانهزموا عنه مقهورين. وجرت محاربات أخرى فهزمهم زردشت بإحدى وعشرين آية من كتابه: أوستا وتوارت الشياطين عن الناس. ولما بلغ زردشت مبلغ الكمال بأربعين سنة وتمت له المخاطبات في سبع عودات إلى أورمزد اكمل فيها معرفة شرائع دين اللّه وفرائضه وسسنه. أمره اللّه بالمسير إلى كشتاسب الملك وإظهار ذكر اللّه واسمه فنفذ لأمر اللّه ودعا ملكين كانا بذلك الصقعة يقال لهما: فوربماراى وبيويدست فدعاهما إلى دين اللّه والكفر بالشيطان وفعل الخير واجتناب الشر فلم يقبلا قوله وأخذتهما العزة بالإثم فجاءتهما ريح فحملتهما من الأرض ووقفت بهما في الهواء واجتمع الناس ينظرون إليهما فقشيهما الطير من كل ناحية واتوا على لحومهما وسقطت عظامهما على الأرض. ولما بلغ كشتاسب لقي منه كل ما أنبأه بهأورمزد من الحبس والبلاء حتى حدث أمر الفرس الذيدخلت قوائمه في باطن بدنه حتى لم ير أثرها في جسده واستبهم حاله على الناس وتحيروا وأخرجه كشتاسب من الحبس وسأله الحال فقال: تلك آية من آيات صدقى الذي أخبرني به إلهي وخالقي وشارطهم على الإيمان به إن هو دعا وأخرج قوائم الفرس وشرطوا ودعا باسم اللّه فخرجت قوائم الفرس كما كانت فآمن به كشتاسب وأمر بجمع علماء أهل زمانه من: بابل وإيران شهر وأمرهم بمحاورة زردشت فناظروه فاعترفوا له بالفضيلةز قال: ومما جاء به زردشت المصطفى من دين مارسيان: أن إلهه أورمزد لم يزل ولم يزل معه شيء سماه: أسنى أسنه وهو شيء مضيء حوله وهو فوق وأن إبليس لم يزل معه شيء سماه: أستا أستاه وهو مظلم حوله. وهو أسفل. وأول ما خلق اللّه من الملائكة: بهمن ثم أررديهشت ثم شهريور ثم اسفندارمز ثم خرداد ثم مرداد. وخلق بعضهم من بعض كما يؤخذ السراج من السراج من غير أن ينقص من الأول شيء وقال لهم: من ربكم وخالقكم فقالوا: أنت ربنا وخالقنا. وعلم أورمزد أن إبليس ستيتحرك من ظلمته فأعلم بذلك الملائكة وبدأ بإعداد ما يورطه ويدفع شره وأذاه عن عالمه ويبطل إرادته فخلق السماء في خمسة وأربعين يوماً وسمى: كاهينازاى شورم ومهناه: ظهور ضمائر أهل الدنيا. إلى سائر الكاهينازات المذكورات عندهم وخلق الأرض في خمسة وأربعين يوماً وأول من ابتعثه أورمزد إلى الأرض: كيومرث وقد كان يستنشق النسيم ثلاثة آلاف سنة ثم أخرجه في قامة ثلاثة رجال. ولما ان جاء وقت تحريك إبليس في ظلمته ارتفع ورأى النور وطمع في الإستيلاء على أسنى أورمزد و تصييره مظلماً ودخل السماء يكيد ثم لكيومرث ثلاثين سنة وصارت نطفته ثلاثة أقسام قسم: أمر اللّه الأرض أن تحفظه وقسم: أمر سروس الملك أن يحفظه وثلث: اختطفته الشياطين. وأمر أورمزد بسد الثقوب التي صعد منها إبليس فبقي داخل السماء منقطعاً عن أصله وقوته فانتصب لمنابذة أورمزد ورام الصعود إلى الجنان فدفعه عن ذلك قدر ثلاثة آلاف سنة ثم أعلمه أنه يسعى في الباطل والخسار وبروم ما لا يقدر عليه. واتفق الأمر بينهما على أن يبقى إبليس وجنوده في قرار الضوء تسعة آلاف سنة ويروى سبعة آلاف سنة ثم يبطل ويحتمل خلقه الأذى في هذه السنين ويصبرون عليه وعلى ما ينالهم: من الفقر والبلاء والموت وسائر الآفات ليعوضهم منها الحياة الدائمة في الجنان. واشترط إبليس لنفسه وشياطينه ثمانية عشر شرطاً: الأول منها: أن تصير معيشة خلقه من خلق اللّه والثاني: أن يكون ممن خلقه على خلق اللّه والثالث: أن يصلت خلقه على خلق اللّه والرابع: أن يخلط جوهر خلقه بجوهر خلق اللّه والخامس: أن يصير له السبيل لى أن يأخذ الطين الذي في خلق اللّه والسادس: أن يصير له من النور الذي في خلق اللّه ما يريد والسابع: أن يصير له من الرياح التي في خلق اللّه حاجته والثامن: ان يصير له من الرطوبة التي في خلق اللّه والتاسع: أن يصير له من النار التي في خلق اللّه والعاشر: أن يصير له من المودة والمصاهرة التي في خلق اللّه ليخلط الأشرار بالأخيار والحادي عشر: أن يصير له من العقل والبصر الذي في خلق اللّه ليعرف خلقه مسالك المنافع والمضار والثاني عشر: ان يصير له من العدل الذي في خلق اللّه ليجعل للأشرار فيه نصيباً والثالث عشر: أن تخفى على الناس معرفة عمل الصالحين والأشرار إلى يوم القيامة والحساب والرابع عشر: أن يصير له السبيل إلى أن يبلغ بأهل بيت الشرارة والخبث غاية الغنى والدرجات ويصيرهم عند الناس صالحين والخامس عشر: أن يصير له السبيل إلى أن يعمر من أهل الدنيا من أراد من خلقه ألف سنة او ثلاثة ىلاف سنة ويصيرهم أغنياء أقوياء قادرين على ما يريدون وأن يلهم الناس حتى يكونوا بإعطاء الأشرار أسخى منهم بإعطاء الأخيار وأطيب نفساً والسابع عشر: أن يصير له السبيل إلى إفناء أهل بيت الصالحين حتى لا يعرف منهم أحد بعد ثلاثمائةو خمسن سنة والثامن عشر: أن يملك امر من: يحيي الأموات ويبقى الأخيار وينفي الأشرار إلى يوم القيامة. فتمت البيعة واقاما عليها ودفعا سيفيهما إلى عدلين على أن يقتلا من رجع عن شرطه. وأمر اللّه تعالى: الشمس والقمر والكواكب. أن تجري لمعرفة: الأيام والشهور والأعوام. التي جعلها عدة الإنظارو الإمهال. ومما نص عليه زردشت: ان للعالم قوة إلهية هي المدبرة لجميع ما في العالم المنتهية مبادئها إلى كمالاتها. وهذه القوة تسمى: مشاسبند وهي: على لسان الصابئة: المدبر الأقرب وعلى لسان الفلاسفة: العقل الفعال ومنه: الفيض الإلهي والعناية الربانية وعلى لسان المانوية: الأرواح الطيبة وعلى لسان العرب: الملائكة وعلى لسان الشرع والكتاب الإلهي: الروح: تنزل الملائكة والروح فيها. وأثبت غيره: منشاه ومنشاية ويعني بهما: آدم وحواء في العالم الجسماني والعقل والنفس في العالم الروحاني. الثنوية هؤلاء: هم أصحاب الإثنين الأزليين. يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس فإنهم قالوا: بحدوث الظلام وذكرواسبب حدوثه. وهؤلاء قالوا: بتساويهما في القدم واختلافهما: في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والابدان والارواح. المانويةأصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور وذلك بعد عيسى بن مريم عليه السلام. أحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية و كان يقول بنبوة المسيح عليه السلام ولا يقول بنبوة موسى عليه السلام. حكى محمد بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق وكان في الأصل مجوسياً عارفاً بمذاهب القوم: ان الحكيم ماني زعم: أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين: أحدهماا نور والآخر ظلمة وأنهما: أزليان لم يزالا ولن يزالا وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم وزعم أنهما لم يزالا: قويين حساسين دراكين سميعين بصيرين وهما مع ذلك: في النفسن والصورة والفعل والتدبير. متضادان. وفي الحيز: متحاذيان: تحاذي الشخص والظل. وإنما تتبين جواهرهما وأفعالهما: في هذا النور جوهره: حسن فاضل كريم صاف نقي طيب الريح الظلمة جوهرها: قبيح ناقص لئيم كدر خبيث منتن الريح النور حسن المنظر. الظلمة قبيحة المنظر. النور نفسه: خيرة كريمة حكيمة نافعة عالمة. الظلمة نفسها: شريرة لئيمة سفيهة ضارة جاهلة. النور فعله: الخير والصلاح والنفع والسرور والترتيب والنظام والإتفاق. الظلمة فعلها: الشر والفساد والضر والغم والتشويش والتتبير والإختلاف. النور جهته: جهة فوق وأكثرهم على أنه مرتفع من ناحية الشمال و زعم بعضهم أنه تجنب الظلمة. الظلمة جهتها: جهة تحت وأكثرهم على أنها منحطة من ناحية الجنوب وزعم بعضهم أنها تجنب النور. النور أجناسه خمسة: أربعة منها أبدان والخامس روحه فالأبدان هي: النار والنور والريح والماء وروحها النسيم وهي تتحرك في هذه الأبدان. الظلمة أجناسها خمسة: أربعة منها أبدان والخامس روحها. فالأبدان هي: الحريق والظلمة والسموم والضباب وروحها الدخان وتدعى الهامة وهي تتحرك في هذه الأبدان. النور صفاته حية خيرة طاهرة زكية. وقال بعضهم: كون النور لم يزل على مثال هذا العالم: له أرض وجو. فأرض النور: لم تزل لطيفة على غير صورة الأرض وشعاعها كشعاع الشمس ورائحتها أطيب رائحة وألوانها ألوان قوس قزح. وقال بعضهم: لا شيء إلا الجسم والأجسام على ثلاثة أنواع: أرض النور: أرض وهي خمسة. وهناك جسم آخر الطف منه وهو: الجو وهو نفس النور. وجسم آخر وهو ألطف منه وهو النسيم. قال: ولم يزل يولد النور ملائكة وآلهة وأولياء لا على سبيل المناكحة بل كما تتولد الحكمة من الحكيم والمنطق الطيب من الناطق. قال: وملك ذلك العالم: هو روحه. ويجمع عالمه: الخير والحمد والنور. الظلمة صفاتها ميتة شريرة نجسة دنسة. و قال بعضهم: كون الظلمة لم تزل على مثال هذا العالم: لها ارض وجو. فأرض الظلمة: لم تزل كثيفة على غير صورة هذه الأرض بل هي أكثف وأصلب ورائحتها كريهة أنتن الروائح وألوانها ألوان السواد. وقال بعضهم: لا شيء إلا الجسم. والأجسام على ثلاثة أنواع: أرض الظلمة وجسم آخر أظلم منه وهو الجو. وجسم آخر اظلم منه وهو السموم روح النور. قال: ولم تزل تولد الظلمة شياطين وأراكنة وعفاريت لا على سبيل لا على سبيل المناكحة بل كما تتولد الحشرات من العفونات القذرة. قال: وملك ذلك العالم هو: روحه الشر والذميمة والظلمة. ثم اختلفت المانوية في: المزاج وسببه والخلاص وسببه: قال بعضهم: إن النور والظلام امتزجا بالخبط والإتفاق لا بالقصد والإختيار. وقال أكثرهم: إن سبب المزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغلن فنظرت الروح فرأت النور فبعثت الأبدان على ممازجة النور فأجابتها لإسراعها إلى الشر فلما رأى ذلك ملك النور وجه إليها ملكاً من ملائكته في خمسة أجناس من أجناسها الخمسة فاختلطت الخمسة النورية بالخمسة الظلامية: فخالط الدخان النسيم وإنما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم والهلاك والآفات من الدخان و خالط الحريق النار والنور الظلمة والسموم الريح والضباب الماء. فما في العالم من: منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور ومافيه من: مضرة وشر وفساد فمن أجناس الظلمة. فلما رأى ملك النور هذا الإمتزاج أمر ملكاً من ملائكته فخلق هذا العالم على هذه الهيئة لتخلص أجناس النور من أجناس الظلمة. وإنما سارت الشمس والقمر وسائر النجوم والكواكب لاستصفاء أجزاء النور من أجزاء الظلمة: فالشمس تصطفي النور الذي امتزج بشياطين الحر والقمر يصطفي النور الذي امتزج بشياطين البرد والنسيم الذي في الأرض لا يزال يرتفع لأن من شأنها الارتفاع إلى عالمها وكذلك جميع أجزاء النور أبداً في الصعود والارتفاع وأجزاء الظلمة أبداً في النزول والتسفل. حتى تتخلص الأجزاء من الأجزاء ويبطل الامتزاج وتنحل التراكيب ويصل كل إلى كله وعالمه وذلك هو القيامة والمعاد. قال: ومما يعين في التخليص والتمييز ورفع أجزاء النور: التسبيح والتقديس والكلام الطيب وأعمال البر فترتفع بذلك الأجزاء النورية في عمود الصبح إلى فلك القمر ولا يزال القمر يقبل ذلك من أول الشهر إلى نصفه فيمتلىء فيصير بدراً ثم يؤدي إلى الشمس إلى آخر الشهر وتدفع الشمس إلى نور فوقها. فيسري ذلك في العالم. إلى أن يصل إلى النور الأعلى الخالص. ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقي من أجزاء النور شيء في هذا العالم إلا قدر يسير منعقد لاتقدر الشمس والقمر على استصفائه فعند ذلك يرتفع الملك الذي يحمل الأرض ويدع الملك الذي يجذب السماوات فيسقط الأعلى على الأسفل ثم توقد نار حتى يضطرم الأعلى والأسفل ولا تزال تضطرم حتى يتحلل ما فيها من النور وتكون مدة الاضطرام: ألفاً وأربعمائة وثمانياًو ستين سنة. و ذكر الحكيم ماني في باب الألف من الجبلة وفي أول الشابرقان : أن ملك عالم النور في كل أرضه لا يخلو منه شيء وأنه ظاهر باطن وأنه لا نهاية له إلا من حيث تناهى أرضه إلى أرض عدوه. و قال أيضاً: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والمزاج المحدث هو: الخير والشر. وقد فرض ماني على أصحابه: العشر في الأموال كلها والصلوات الأربع في اليوم والليلة والدعاء إلى الحق. وترك: الكذب والقتل والسرقة والزنا والبخل والسحر وعبادة الأوثان وان يأتي على ذي روح ما يكره أن يؤتى إليه بمثله. واعتقاده في الشرائع والأنبياء: ان أول من بعث اللّه تعالى بالعلم والحكمة. آدم أبو البشر ثم بعث شيثا بعده ثم نوحاً بعده ثم إبراهيم بعده عليهم الصلاة والسلام. ثم بعث بالبددة إلى أرض الهند وزردشت إلى أرض فارس والمسيح كلمة اللّه وروحه إلى أرض الروم والمغرب وبولس بعد المسيح إليهم ثم يأتي خاتم النبيين إلى أرض العرب. وزعم أبو سعيد المانوي رئيس من رؤسائهم: أن الذي مضى من المزاج إلى الوقت الذي هو فيه وهو سنة إحدى وسبعين ومائتين من الهجرة: أحد عشر ألفاً وسبعمائة سنة وأن الذي بقي إلى وقت الخلاص: ثلاثمائة سنة. وعلى مذهبه مدة المزاج. اثنا عشر الف سنة فيكون قد بقي من المدة خمسون سنة في زماننا هذا: وهو غحدى وعشرون وخمسمائة هجرية. فنحن في آخر المزاج وبدء الخلاص فغلى الخلاص الكلي وانحلال التراكيب خمسون سنة!. المزدكية اصحاب: مزدك ومزدك هو الذي ظهر في أيام قباذ والد أنوشروان فدعا قباذ إلى مذهبه فأجابه. وطلع أنوشروان على: خزييه وافترائه فطلبه فوجده فقتله. حكى الوراق: أن قول المزدكية كقول كثير من المانوية: في الكومين والأصلين إلا أن مزدك كان يقول: إن النور يفعل بالقصد والاختيار والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق. والنور: عالم حساس والظلام: جاهل أعمى. وإن المزاج كان على الاتفاق والخبط لا بالقصد والاختيار وكذلك الخلاص إنما يقع بالاتفاق دون الاختيار. وكان مزدك ينهي الناس عن: المخالفة والمباغضة والقتال ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب: النساء والأموال أحل النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيهما كاشتراكهم في: الماء والنار والكلأ. وحكى عنه: انه أمر بقتل الأنفس ليخلصها من الشر ومزاج الظلمة. ومذهبه في الاصول والأركان انها ثلاثة: الماء والأرض والنار. ولما اختلطت حدث عنها: مدبر الخيرن ومدبر الشر فما كان من صفوها فهو مدبر الخير وما كان من كدرها فهو مدبر الشر. وروي عنه: أن معبوده قاعد على كرسيه في العالم الأعلى على هيئة قعود خسرو في العالم الأسفل وبين يديه أربع قوى: قوة التمييز والفهم والحفظ والسرور كان بين يدي خسرو أربعة أشخاص: موبذان والهربد الأكبر والأصهبدن والرامشكر. وتلك الأربع يدبرون امر العالم بسبعة من وراءهم: سالار وبيشكار وبالون وكازران ودستور وكوذك. وهذه السبعة تدور في إثني عشر روحانيين: خوانندهن ودهنده وستاننده وبرنده خور ننده ودونده وخيزنده وكشنده وزننده وكنندهن وآبنده و شونده وباينده. و كل إنسان اجتمعت له هذه القوى الأربع والسبع والإثنا عشر: صار ربانياً في العالم السفلي و ارتفع عنه التكليف. قال: وإن خسرو العالم الأعلى إنما يدبر بالحروف التي مجموعها الاسم الأعظم ومن تصور من تلك الحروف شيئاً انفتح له السر الأكبر ومن حرم ذلك بقي في عمى الجهل والنسيان والبلادة والغم: في مقابلة القوى الأربع الروحانية. وهم فرق: الكوذية وابو مسلمية والماهانية والإسبيد خانمكية. والكوذية بنواحي: الأهواز وفارس وشهرزور والآخر بنواحي: سغدسمرقند والشاش وإيلاق. الديلصانية أصحاب ديصان. اثبتوا اصلين: نوراً وظلاماً فالنور: يفعل الخير قصداً واختياراً والظلام: يفعل الشر طبعاً واضطراراً فما كان من: خير ونفع وطيب وحسن فمن النور وما كان من: شر وضرر ونتن وقبح فمن الظلام. وزعموا أن النور: حي عالم قادرن حساس دراك ومنه تكون الحركة والحياة. والظلام: ميت جاهل عاجز جمام موات لا فعل له ولا تمييز وزعموا أن الشر يقع منه طباعاً وخرقاً وزعموا أن النور جنس واحد وكذلك الظلام جنس واحد وأن ادراك النور ادراك متفق فإن سمعه وبصره وسائر حواسه: شيء واحد فسمعه هو بصره وبصره هو حواسه وإن ما قيل: سميع بصير لاختلاف التركيب لا لأنهما في نفسهما شيئان مختلفان. وزعموا: أن اللون هو الطعم وهو الرائحة وهو المحسة وإنما وجده لوناً لأن الظلم خالطته ضرباً من المخالطة ووجده طعماً لأنها خالطته بخلاف ذلك الضرب وكذلك القول في لون الظلمة وطعمها ورائحتها ومحستها. وزعموا: أن النور بياض كله وأن الظلام سواد كله وزعموا: أن النور لم يزل يلقي الظلمة بأسفل صفحة منه وأن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحة منها. واختلفوا في المزاج والخلاص: فزعم بعضهم أن النور داخل الظلمة والظلمة تلقاه بخشونة وغلظ فتاذى بها وأحب أن يرققها ويلينها ثم يتخلص منها وليس ذلك لاختالف جنسهما ولكن كما أن المنشار جنسه حديد وصفحته لينة وأسنانه خشنة فاللين في النور والخشونة في الظلمة وهما جنس واحد فتلطف النور بلينه حتى يدخل تلك الفرج فما أمكنه إلا بتلك الخشونة فلا يتصور الوصول إلى كمال وجود إلا بلين وخشونة. وقال بعضهم: بل الظلام لما احتال حتى تشبثت بالنور من أسفل صفحته فاجتهد النور حتى يتخلص منه ويدفعه عن نفسه فاعتمد عليه فلجج فيه وذلك بمنزلة الإنسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه فيعتمد على رجله ليخرج فيزداد لجوجاً فيه. فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه والتفرد بعالمه. وقال بعضهم: إن النور إنما دخل أجزاء الظلام اختياراً ليصلحها ويستخرج منها أجزاء صالحة لعالمه فلما دخل تشبثت به زماناً فصار يفعل الجور والقبيح اضطراراً لا اختياراً ولو افرد في عالم ما كان يحصل منه إلا الخير المحض والحسن البحت. وفرق بين الفعل الاضطراري وبين الفعل الاختياري. المرقيونية أصحاب: مرقيون. أثبتوا أصلين قديمين متضادين: أحدهما النورن والثاني الظلمة و أثبتوا أصلاً ثالثاً هو: المعدل الجامع وهو سبب المزاج فإن المتنافرين المتضادين لا يمتزجان إلا بجامع. وقالوا: إن الجامع دون النور في المرتبة وفوق الظلمة وحصل من الإجتماع والامتزاج هذا العام ومنهم من يقول الامتزاج إنما حصل بين الظلمة والمعدل إذ هو أقرب منها فامتزجت به لتطيب به وتلتذ بملاذه فبعث النور إلى العالم الممتزج روحاً مسيحية وهو روح اللّه وابنه: تحنناً على المعدل الجامع السليم الواقع في شبكة الظلام الرجيم حتى يخلصه من حبائل الشياطين فمن اتبعه فلم يلامس النساء ولم يقرب الزهومات: أفلت ونجا ومن خالفه: خسر وهلك. قالوا: وإنما أثبتنا المعدل لأن النور الذي هو اللّه تعالى: لا يجوز عليه مخالطة الشياطين وأيضاً فإن الضدين يتنافران طبعاً ويتمانعان ذاتاً ونفساً فكيف يجوز اجتماعهما وامتزاجهما فلا بد من معدل يكون بمنزلة دون النور وفوق الظلام فيقع الامتزاج منه. وهذا على خلاف ما قالته المانوية وإن كان ديصان أقدم وإنما أخذ ماني منه مذهبه وخالفه في المعدل. وهو أيضاً خلاف ما قال زردشت فإنه يثبت التضاد بين النور والظلمة ويثبت المعدل كالحاكم على الخصمين الجامع بين المتضادين: لا يجوز أن يكون طبعه وجوهره من أحد الضدين: وهو اللّه عز وجل الذي لا ضد له ولا ند. وحكى محمد بن شبيب عن الديصانية أنهم زعموا: أن المعدل هو الإنسان الحساس الدراك إذ هو ليس بنور محض ولا ظلام محض. حكي عنهم: أنهم يرون المناكحةة وكل ما فيه منفعة لبدنه وروحه حراماً ويحترزرن عن ذبح الحيوان لما فيه من الألم. وحكي عن قوم من الثنوية: أن النور والظلمة لا يزالا حيين إلا أن النور حساس عالم والظلام جاهل أعمى والنور يتحرك حركة مستوية مستقيمة والظلام يتحرك حركة عجرفية خرقاء معوجة. فبينا هما كذلك إذ هجم بعض هامات الظلام على حاشية من حواشي النور فابتلع النور منه قطعة على الجهل لا على القصد والعلم ثم إن النور الأعظم دبر في الخلاص فبنى هذا العالم ليستخلص ما امتزج به من النور ولا يمكنه استخلاصه إلا بهذا التدبير. الكينوية والصيامية والتناسخية منهم: حكي جماعة من المتكلمين أن الكينوية زعموا أن الأصول ثلاثة: النار والأرض والماء. وإنما حدثت الموجودات من هذه الأصول دون الأصلي الذين أثبتهما الثنوية. قالوا: والنار بطبعها: خيرة نورانية والماء ضدها في الطبع فما كان من خير في هذا العالم فمن النار وما كان من شر فمن الماء والأرض متوسطة. وهؤلاء يتعصبون للنار شديداً من حيث أنها: علوية نورانية لطيفة: لا وجود إلا بها ولا بقاء إلا بإمدادها. والماء يخالفها في الطبع فيخالفها في الفعل والأرض متوسطة بينهما. فتركيب العالم من هذه الأصول. والصيامية منهم: أمسكوا عن طيبات الرزق وتجردوا لعبادة اللّه وتوجهوا في عباداتهم إلى النيران تعظيماً لها وأمسكوا أيضاً عن النكاح والذبائح. والتناسخية منهم: قالوا بتناسخ الأرواح في الأجساد والانتقال من شخص إلى شخص وما يلقي الإنسان من: الراحة والتعب والدعة والنصب: فمرتب على ما أسلفه من قبل وهو في بدن آخر جزاء على ذلك. والإنسان أبداً في أحد أمرين: إما في فعل وإما في جزاء. وما هو فيه: فإما مكافئة على عمل قدمه وإما عمل ينتظر المكافأة علية. والجنة والنار في هذه الأبدان وأعلى عليين: درجة النبوة وأسفل السافلين: دركة الحية فلا وجود أعلى من درجة الرسالة ولا وجود أسفل من دركة الحية. ومنهم من يقول: الدرجة الأعلى درجة الملائكة والأسفل دركة الشياطين. ويخالفون بهذا المذهب سائر الثنوية فإنهم يعنون بأيام الخلاص: رجوع أجزاء النور إلى عالمه الشريف الحميد وبقاء أجزاء الظلام في عالمه الخسيس الذميم. وأما بيوت النيران للمجوس: فأول بيت بناه أفريدون: بيت نار بطوس وآخر بمدينة بخارى هو بردسون. واتخذ بهن بيتاً بسجستان يدعى: كركوا. ولهم بيت نار آخر في نواحي بخارى يدعى قباذان وبيت نار يسمى كويسة بين فارس وأصبهان بناه كيخسرو. وآخر بقومس يسمى: جرير. وبيت نار يسمى كنكدز بناه سياوش في مشرق الصين. وآخر بأرجان من فارس واتخذه أرجان جد كشتاسب وهذه البيوت كات قبل زردشت. ثم جدد زردشت بيت نار بنيسابور وآخر بنسة. وأمر كشتاسب أن يكلب ناراً كان يعظمها جم فوجدها بمدينة خوارزم فنقلها إلى دارابجرد وتسمى أذرخرهو المجوس يعظمونها أكثر من غيرها. وكيخسرو لما خرج إلى غزو أفراسياب عظمها وسجد لها ويقال: إن انوشروان هو الذي نقلها إلى كاريان فتركوا بعضها وحملوا بعضها إلى نسا. وفي بلاد الروم على أبواب قسطنطينية: بيت نار اتخذه سابور ابن أردشير فلم يزل كذلك إلى أيام المهدي وبيت نار بإستينيا على قرب مدينة السلام لبوران بنت كسرى. وكذلك بالهند والصين: بيوت نيران. وأما اليونانيون: فكان لهم ثلاثة أبيات ليست فيها نار وقد ذكرناها: والمجوس إنما يعظمون النار لمعان فيها منها: أنها جوهر شريف علوي ومنها: أنها ما أحرقت الخليل إبراهيم عليه السلام ومنها: ظنهم أن التعظيم لها ينجيهم في المعاد من عذاب النار. وبالجملة هي: قبلة لهمن هذا آخر تفصيل أرباب الديانات والملل. وبعد هذا شرح آهل الأهواء والنحل والحمد للّه وحده القسم الثاني أهل الأهواءأهل الأهواء والنحل من الصابئة والفلاسفة وآراء العرب في الجاهلية وآراء الهند وهؤلاء: يقابلون أرباب الديانات تقابل التضاد كما ذكرنا. واعتمادهم على: الفطرة السليمة والعقل الكامل والذهن الصافي. فمن: معطل بطال لا يرد عليه فكره براد ولا يهديه عقله ونظره إلى اعتقاد ولا يرشده فكره وذهنه إلى معاد قد ألف المحسوس وركن إليه وظن أنه لا عالم سوى ما هو فيه: من مطعم شهين ومنظر بهي ولا عالم وراء هذا المحسوس. وهؤلاء: هم الطبيعيون الدهريون لا يثبتون معقولاً. ومن: محصل نوع تحصيل قد ترقى عن المحسوس وأثبت المعقول لكنه لا يقول بحدود وأحكام وشريعة وإسلام ويظن أنه إذا حصل المعقول وأثبت للعالم مبدأً ومعاداً: وصل إلى الكمال المطلوب من جنسه فتكون سعادته على قدر إحاطته وعلمه وشقاوته بقدر سفاهته وجهله. وعقله هو المستبد بتحصيل هذه السعادة ووضعه هو المستعد لقبول تلك الشقاوة. وهؤلاء: هم الفلاسفة الإلهيون قالوا: الشرائع وأصحابها: أمرر مصلحية عامية والحدود والأحكام والحلال والحرام: أمور وضعية وأصحاب الشرائع: رجال لهم حكم عملية وربما يؤيدون من عند واهب الصور بإثبات أحكام ووضع حلال وحرام: مصلحة للعباد وعمارة للبلاد وما يخبرون عنه من الأمور الكائنة في حال من أحوال عالم الروحانيين من: الملائكة والعرش والكرسي واللوح والقلم. فإنما هي أمور معقولة لهم قد عبروا عنها بصورة خيالية جسمانية وكذلك ما يخبرون به من أحوال المعاد من الجنة والنار مثل: قصور وأنهار وطور وثمار في الجنة فترغيبات للعوام بما يميل إليه طباعهم وسلاسل وأغلال وخزي ونكال في النار فترهيبات للعوام بما ينزجر عنه طباعهم وإلا ففي العالم العلوي لا يتصور أشكال جسمانية وصور جرمانية. وهذا أحسن ما يعتقدونه في الأنبياء عليهم السلام لست أعني بهم: الذين أخذوا علومهم من مشكاة النبوة وغنما أعني بهؤلاء: الذين كانوا في الزمن الأول: دهرية وحشيشية وطبيعية وإلهيية قد اغتروا بحكمهم واستقلوا بأهوائهم وبدعهم. ثم يتلوهم ويقرب منهم: قوم يقولون بحدود وأحكام عقلية وربما أخذوا أصولها وقوانينها من مؤيد بالوحي إلا انهم اقتصروا على الأول منهم وما نفذوا إلى الآخر. وهؤلاء: هم الصابئة الأولى الذين قالوا بعاذيمون وهرمس وهما: شيث وإدريس عليهما السلام ولم يقولوا بغيرهما من الأنبياء عليهم السلام والتقسيم الضابط أن نقول: من الناس من لا يقول بمحسوس ولا معقول وهم: السوفسطائية. ومنهم من يقول بالمحسوس ولا يقول بالمعقول وهم: الطبيعية. ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ولا يقول بحدود وأحكام وهم: الفلاسفة الدهرية. ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والأحكام ولا يقول بالشريعة والإسلام وهم: الصابئة. ومنهم من يقول بهذه كلها وبشريعة ما وإسلام ولا يقول بشريعة نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم وهم: المجوس واليهود والنصارى. ومنهم من يقول بهذه كلها وهم: المسلمون. ونحن قد فرغنا عمن يقول بالشرائع والأديان فنتكلم الآن فيمن لا يقول بها ويستبد برأيه وهواه في مقابلتهم. |