باب في ولاة آخر الزمان و صفتهم و فيمن ينطق في أمر العامة البخاري عن أبي هريرة قال : بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في مجلس يحدث القوم إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة ؟ فمضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في حديثه ، فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال . و قال بعضهم : بل لم يسمع ما قال حتى إذا قضى حديثه قال : أين السائل عن الساعة ؟ قال : ها أنا ذا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال : و كيف إضاعتها ؟ قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة . قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه اللّه : الرواية الصحيحة عند جميع رواة البخاري [ إذا وسد ] و رواه الفقيه الإمام المحدث أبو الحسن القابسي : [ أسد ] قال : و الذي أحفظ [ وسد ] و في نسخة من البخاري إشكال بين وسد أو أسد على ما قيد له لأنه كان أعمى و هما بمعنى . قال أهل اللغة : يقال إساد و وساد و اشتقاقهما واحد يقال : إساد و وسادة و وساد فمعنى قوله صلّى اللّه عليه و سلم : إذا وسد الأمر إلى غير أهله أي أسند و جعل إليهم و قلدوه بمعنى الإمارة ، كما في زماننا اليوم ، لأن اللّه تعالى ائتمن الأئمة و الولاة على عباده و فرض عليهم النصيحة لهم لقوله صلّى اللّه عليه و سلم كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته فينبغي لهم تولية أهل الدين و الأمانة للنظر في أمور الأمة ، فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي فرض اللّه عليهم . و خرج مسلم من حديث جبريل الطويل و فيه قال : أخبرني عن الساعة قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال : أن تلد الأمة ربتها و أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان . و في رواية : إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها ، و إذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها . الترمذي عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع قال حديث حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو. و خرج الغيلاني أبو طالب محمد : حدثنا أبو بكر و الشافعي : حدثنا موسى بن سهل بن كثير ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن عبد الملك بن قدامة عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين ، و ينطق فيها الرويبضة قيل يا رسول اللّه و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه ينطق في أمر العامة و قال أبو عبيد : التافه الرجل الخسيس الخامل من الناس ، و كذلك كل شيء خسيس فهو تافه قال : و مما يثبت حديث الرويبضة الحديث الآخر أنه قال : من أشراط الساعة أن ترى رعاء الشاء رؤوس الناس ، و أن ترى العراة الحفاة يتبارون في البنيان ، و أن تلد الأمة ربتها . و ذكر أبو عبيد في الغريب له في حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش و البخل ، و يخون الأمين و يؤتمن الخائن ، و يهلك الوعول و يظهر التحوت . قالوا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و ما الوعول و ما التحوت ؟ قال : الوعول وجوه الناس و التحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم و أسند أبو نعيم عن حذيفة مرفوعاً : من أشراط الساعة ، علو أهل الفسق في المساجد ، و ظهور أهل المنكر على أهل المعروف فقال أعرابي فما تأمرني يا رسول اللّه ؟ قال : دع و كن حلساً من أحلاس بيتك و في معناه أنشدوا : أيا دهر أعملت فينا أذاكا و وليتنا بعد وجه قفاكا قلبت الشرار علينا رؤوساً و أجلست سفلتنا مستواكا فيا دهر إن كنا عاديتنا فها قد صنعت بنا ما كفاكا و قال آخر : ذهب الرجال الأكرمون ذوو الحجا و المنكرون لكل أمر منكر و بقيت في خلف يزين بعضهم بعضاً ليدفع مغرور عن معور فصل قال علماؤنا رحمة اللّه عليهم : ما أخبر به النبي صلّى اللّه عليه و سلم في هذا الباب و غيره مما تقدم و يأتي قد ظهر أكثره و شاع في الناس معظمه ، فوسد الأمر إلى غير أهله و صار رؤوس الناس أسافلهم عبيدهم و جهالهم فيملكون البلاد و الحكم في العباد فيجمعون الأموال و يطيلون البنيان كما هو مشاهد في هذه الأزمان ، فلا يسمعون موعظة و لا ينزحرون عن معصية فهم صم بكم عمي . قال قتادة : صم عن استماع الحق بكم عن التكلم به . عمي عن الإبصار له ، و هذه صفة أهل البادية و الجهالة . و البهم : جمع بهيمة و أصلها صغار الضأن و المعز ، و قد فسره في الرواية الأخرى في قوله : رعاء الشاه . و قوله و أن تلد الأمة ربها ، و في رواية ربتها تأنيث رب أي سيدها ، و قال وكيع ، و هو أن تلد العجم العرب ، ذكره ابن ماجه في السنن . قال علماؤنا : و ذلك بأن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه و منزلته بأبيه ، و على هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين و اتساع خطتهم و كثرة الفتوح و هذا قد كان . و قيل : هو أن يبيع السادات أمهات الأولاد و يكثر ذلك . فيتداول الملاك المستولدت ، فربما يشتريها ولدها و لا يشعر فيكون ربها ، و على هذا الذي يكون من أشراط الساعة غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد و هم الجمهور . و قيل : المراد أن يكثر العقوق في الأولاد ، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة و السب ، و يشهد لهذا ما جاء في حديث أبي هريرة المرأة مكان الأمة . و قوله عليه الصلاة و السلام : حتى يكون الولد غيظاً . و سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى . قلت : و هذا ظاهر في الوجود من غير نكير مستفيض و شهير . و قيل : إنما كان سيدها و ربها لأنه كان سبب عتقها ، كما قال عليه الصلاة و السلام في مارية : أعتقها ولدها . قلت : و قول خامس سمعت شيخنا الأستاذ المحدث النحوي المقرئ أبا جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بابن حجة يقوله غير مرة و هو الإخبار عن استيلاء الكفار على بلاد المسلمين كما في هذه الأزمان التي قد استولى فيها العدو على بلاد الأندلس و خراسان و غيرهما من البلدان ، فتسبى المرأة و هي حبلى أو ولدها صغير فيفرق بينهما فيكبر الولد فربما يجتمعان و يتزوجها كما قد وقع من ذلك كثير ، فإنا للّه و إنا إليه راجعون . و يدل على هذا قوله : إذا ولدت المرأة بعلها ، و هذا هو المطابق للأشراط مع قوله عليه الصلاة و السلام لا تقوم الساعة حتى تكون الروم أكثر أهل الأرض و اللّه أعلم . |