باب أسباب الفتن و المحن و البلاء أبو نعيم ، عن إدريس الخولاني ، عن عبيدة بن الجراح ، عن عمر بن الخطاب قال : أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بلحيتي و أنا أعرف الحزن في وجهه ف قال : إنا للّه و إنا إليه راجعون أتاني جبريل آنفاً ف قال : إنا للّه و إنا إليه راجعون ، فقلت إنا للّه و إنا إليه راجعون فمم ذلك يا جبريل ؟ ف قال : إن أمتك مفتتنة بعدك من دهر غير كثير ، ف قلت : فتنة كفر أو فتنة ضلال ؟ ف قال : كل سيكون ، فقلت و من أين و أنا تارك فيهم كتاب اللّه ؟ قال فبكتاب اللّه يفتنون و ذلك من قبل أمرائهم و قرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيظلمون حقوقهم و لا يعطونها فيقتتلوا و يفتتنوا ، و يتبع القراء أهواء الأمراء الناس الحقوق فيظلمون حوققهم و لا يعطونها فيقتتلوا و يفتتنوا ، و يتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون . قلت : كيف يسلم من يسلم منهم ؟ قال : بالكف و الصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه و إن منعوا تركوه . البزار عن ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : لم تظهر الفاحشة في قوم فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ، و لا نقضوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جوار السلطان ، و لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، و لولا البهائم لم يمطروا ، و لم ينقضوا عهد اللّه و لا عهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم ، فأخذ بعض ما كان في أيديهم ، و إذا لم يحكم أئمتهم بكتاب اللّه إلا جعل اللّه بأسهم بينهم أخرجه ابن ماجه أيضاً في سننه . و ذكره أبو عمر بن عبد البر ، و أبو بكر الخطيب من حديث سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم بن يزيد قال : حدثنا مالك عن عمه أبي سهيل ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر أن رجلاً قال للنبي صلّى اللّه عليه و سلم : أي المؤمنين أفضل ؟ قال : أحسنهم خلقاً قال : فأي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم للموت ذكراً و أحسنهم له استعداداً أولئك الأكياس ثم قال يا معشر المهاجرين : لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم و ذكر الحديث . و قال عطاء الخراساني : إذا كان خمس كان خمس : إذا أكل الربا كان الخسف و الزلزلة ، و إذا جار الحكام قحط المطر ، و إذا ظهر الزنا كثر الموت ، و إذا منعت الزكاة هلكت الماشية ، و إذا تعدى على أهل الذمة كانت الدولة ذكره أبو نعيم . الترمذي عن ابن عمر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا مشت أمتي المطيطا و خدمها أبناء الملوك فارس و الروم سلط شرارها على خيارها قال : هذا حديث غريب . ابن ماجه ، عن قيس بن أبي حازم قال : قام أبو بكر رضي اللّه عنه فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم و إنا سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك أن يعمهم اللّه بعقابه أخرجه أبو داود في سننه ، و الترمذي في جامعه . مسلم ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال : إذا فتحت عليكم فارس و الروم أي قوم أنتم ؟ قال عبد الرحمن بن عوف : نكون كما أمر اللّه ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : أو غير ذلك تنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض . و أخرج أيضاً عن عمرو بن عوف ، و هو حليف بني عامر بن لؤي ، و كان شهد بدراً مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعث أبو عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها ، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قد صالح أهل البحرين و أمر عليهم العلاء بن الحضرمي ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ، فلما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حين رآهم ثم قال : أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين قالوا أجل يا رسول اللّه قال : فأبشروا و أملوا ما بسركم فو اللّه ما الفقر أخشى عليكم ، و لكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم كما بسطت على من كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم . و في رواية : فتلهيكم كما ألهتكم بدل فتهلككم . و أخرج ابن ماجه عن أسامة بن زيد قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : ما أدع بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء أخرجه البخاري و مسلم أيضاً . و أخرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : ما من صباح إلا و ملكان يناديان ويل للرجال من النساء و ويل للنساء من الرجال . و أخرج أيضاً عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قام خطيباً و كان فيما قال : إن الدنيا خضرة حلوة و إن اللّه مستخفلكم فيها فناظر كيف تعملون ألا فاتقوا اللّه و اتقوا النساء خرجه مسلم أيضاً و قال : بدل قوله فاتقوا اللّه فاتقوا النار و اتقوا النساء و زاد فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء . الترمذي ، عن كعب بن عياض قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : إن لكل أمة فتنة و فتنة أمتي المال . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب . و عن ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : من سكن البادية جفا ، و من اتبع الصيد غفل ، و من أتى أبواب السلطان افتتن قال : و في الباب عن أبي هريرة . و هذا حديث حسن غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من حديث الثوري . فصل حذر اللّه سبحانه و تعالى عباده فتنة المال و النساء في كتابه و على لسان نبيه صلّى اللّه عليه و سلم فقال عز من قائل يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم و قال تعالى : إنما أموالكم و أولادكم فتنة ثم قال سبحانه و تعالى : فاتقوا اللّه ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * إن تقرضوا اللّه قرضا حسنا يضاعفه لكم فنبه اللّه على ما يعتصم به من فتنة حب المال و الولد في آي ذكر اللّه فيها فتنة و ما كان عاصماً من فتنة المال و الولد فهو عاصم من كل الفتن و الأهواء . و قال تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث ثم قال تعالى : قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات فوصف تعالى ما للمتقين عند ربهم ، ثم وصف أحوالهم بنعتهم إلى قوله و المستغفرين بالأسحار و هذا تنبيه لهم على تزهيدهم فيما زين لهم و ترغيبهم فيما هو خير منه و مثل هذا في القرآن كثير . و المطيطاء : بضم الميم و المد : المشي بتبختر و هي مشية المتكبرين المفتخرين و هو مأخوذ من مط يمط إذا مد ، قال الجوهري : و المطيطاء بضم الميم ممدوداً التبختر و مد اليدين في المشي ، و في الحديث إذا مشت أمتي المطيطياء و خدمتهم فارس و الروم كان بأسهم بينهم و قوله : ثم ينطلقون في مساكن المهاجرين . قيل في الكلام حذف أي في مساكين المهاجرين ، و المعنى أنه إذا وقع التنافس و التحاسد و التباغض حملهم ذلك على أن يأخذ القوي على ما أفاء اللّه المساكين الذي لا يقدر على مدافعته ، فيمنعه عنه ظلماً و قهراً بمقتضى التنافس و التحاسد . و قيل : ليس في الكلام حذف و أن المعنى المراد أن مساكين المهاجرين و ضعفاءهم سيفتح عليهم إذ ذاك من الدنيا حتى يكونوا أمراء بعضهم على رقاب بعض ، و هذا اختيار القاضي عياض ، و الأول اختيار شيخنا أبي العباس القرطبي قال : و هو الذي يشهد له مساق الحديث و معناه ، و ذلك أنه عليه الصلاة و السلام أخبرهم أنه يتغير بهم الحال و أنهم عنهم أو عن بعضهم أحوال غير مرضية تخالف أحوالهم التي كانوا عليها من التنافس و التباغض و انطلاقهم في مساكين المهاجرين ، فلا بد أن يكون هذا الوصف غير مرضى كالأوصاف التي قبله ، و أن تكون تلك الأوصاف المتقدمة توجيهاً ، و حينئذ يلتئم الكلام أوله و أخره و اللّه أعلم ، و يعضده رواية السمرقندي فيحملون بعضهم على رقاب بعض أي بالقهر و الغلبة . |