باب ما جاء في بيان مقتل الحسين رضي اللّه عنه و لا رضي عن قاتله ذكر أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ قال : حدثنا أبو عبد اللّه الحسين بن إسماعيل قال : حدثنا محمد بن إبراهيم الحلواني . قال ابن السكن ، و أخبرني أبو بكر محمد بن محمد بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن عبد اللّه بن زياد الحداد قالا : حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد قال : حدثنا عطاء بن مسلم ، عن أشعث بن سحيم ، عن أبيه ، عن أنس بن الحارث قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ، فمن أدركه منكم فلينصره فقتل أنس يعني مع الحسين بن علي عليهما السلام . أنبأناه إجازة الشيخ الفقيه القاضي أبو عامر عن أبي القاسم بن بشكوال ، عن أبي محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عتاب و أبي عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد ، عن أبي عمر بن عبد البر قال : حدثنا الحافظ أبو القاسم خلف بن القاسم قال : حدثنا الإمام الحافظ أبو علي بن السكن ، فذكره . و خرج الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا عمارة بن زاذان ، حدثنا ثابت عن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي النبي صلّى اللّه عليه و سلم فأذن له ، فقال لأم سلمة : أملكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد قال : و جاء الحسين ليدخل فمنعه فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلّى اللّه عليه و سلم و على منكبيه و على عاتقه قال : فقال الملك للنبي صلّى اللّه عليه و سلم أتحبه ؟ قال : نعم . قال : أما إن أمتك ستقتله و إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء ، فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها قال ثابت : بلغنا أنها كربلاء . و قال مصعب بن الزبير : حج الحسين خمسة و عشرين حجة ماشياً ، و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم فيه و في الحسن : إنهما سيداً شباب أهل الجنة و قال : هما ريحانتاي من الدنيا و كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم إذا رآهما هش لهما و ربما أخذهما . كما روى أبو داود أنهما دخلا المسجد و هو يخطب ، فقطع خطبته و نزل فأخذهما و صعد بهما . قال : رأيت هذين فلم أصبر و كان يقول فيهما اللّهم إني أحبهما و أحب من يحبهما و قتل رحمه اللّه و لا رحم قاتله يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى و ستين بكربلاء بقرب موقع يقال له الطف بقرب من الكوفة . قال أهل التواريخ : لما مات معاوية و أفضت الخلافة إلى يزيد ، و ذلك سنة ستين ـ و وردت البيعة على الوليد بن عتبة بالمدينة ليأخذ بالبيعة إلى أهلها أرسل إلى الحسين بن علي ، و إلى عبد اللّه بن الزبير ليلاً فأتي بهما ف قال : بايعاً . فقالا : مثلنا لا يبايع سراً ، و لكن نبايع على رؤوس الناس إذ أصبحنا ، فرجعا إلى بيوتهما و خرجا من ليلتهما إلى مكة ، و ذلك ليلة الأحد بقيتا من رجب ، فأقام الحسين بمكة شعبان و رمضان و شوالاً و ذا القعدة ، و خرج يوم التروية يريد الكوفة ، فبعث عبد اللّه بن زياد خيلاً لمقتل الحسين ، و أمر عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فأدركه بكر بلاء ، و قيل : إن عبيد اللّه بن زياد كتب إلى الحر بن يزيد الرياحي أن جعجع بالحسين . قال أهل اللغة أراد أحبسه و ضيق عليه ، و الجعجع : الجعجاع الموضع الضيق من الأرض ، ثم أمده بعمرو بن سعد في أربعة آلاف ، ثم ما زال عبيد اللّه يزيد العساكر و يستفز الجماهير إلى أن بلغوا اثنين و عشرين ألفاً ، و أميرهم عمرو بن سعد ، و وعده أن يملكه مدينة الري فباع الفاسق الرشد بالغي ، و في ذلك يقول : أأترك ملك الري و الري منيتي و أرجع مأثوماً بقتل حسين فضيق عليه اللعين أشد تضييق و سد بين يديه وضح الطريق إلى أن قتله يوم الجمعة . و قيل ، يوم السبت العاشر من المحرم . و قال ابن عبد البر في الاستيعاب : قتل يوم الأحد لعشر مضين من المحرم بموضع من أرض الكوفة يقال له كربلاء ، و يعرف بالطف أيضاً و عليه جبة خزد كفاء و هو ابن ست و خمسين سنة . قاله نسابة قريش الزبير بن بكار ، و مولده الخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، و فيها كانت غزوة ذات الرقاع و فيه قصرت الصلاة ، و تزوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أم سلمة ، و اتفقوا على أنه قتل يوم عاشوراء العاشر من المحرم سنة إحدى و ستين ، و يسمى عام الحزن ، و قتل معه اثنان و ثمانون رجلاً من الصحابة مبارزة ، منهم الحر بن يزيد ، لأنه تاب و رجع مع الحسين ، ثم قتل جميع بنيه إلا علياً المسمى بعد ذلك بزين العابدين كان مريضاً أخذ أسيراً بعد قتل أبيه ، و قتل أكثر إخوة الحسين و بني أعمامه رضي اللّه عنهم ثم أنشأ يقول : يا عين إبكي بعبرة و عويل و اندبي ـ إن ندبت ، آل الرسول سبعة كلهم لصلب علي قد أصيبوا و تسعة لعقيل قال جعفر الصادق : وجد بالحسين ثلاث و ثلاثون طعنة بالسيف ، و أربع و ثلاثون ضربة ، و اختلفوا فيمن قتله . فقال يحيى بن معين : أهل الكوفة يقولون : إن الذي قتل الحسين عمرو بن سعد . قال ابن عبد البر : إنما نسب قتل الحسين إلى عمرو بن سعد ، لأنه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد اللّه بن زياد إلى قتال الحسين . و أمر عليهم عمرو بن سعد و وعده أن يوليه الري إن ظفر بالحسين و قتله ، و كان في تلك الخيل و اللّه أعلم قوم من مصر و من اليمين و في شعر سليمان بن فتنة الخزاعي و قيل : إنها لأبي الرميح الخزاعي ما يدل على الاشتراك في دم الحسين ، و قيل : قتله سنان بن أبي سنان النخعي و قال مصعب النسابة الثقة : قتل الحسين بن علي سنان بن أبي سنان النخعي ، و هو جد شريك القاضي و يصدق ذلك قول الشاعر : و أي رزية عدلت حسيناً غداة تبيده كفا سنان و قال خليفة بن خياط : الذي ولي قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن و أمير الجيش عمرو بن سعد ، و كان شمر أبرص و أجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير حز رأسه و أتى به عبيد اللّه بن زياد و قال : أوقر ركابي فضة ذهباً أني قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم ـ إذ ينسبون ـ نسباً هذه رواية أبي عمر بن عبد البر في الاستيعاب و قال غيره : تولى حمل الرأس بشر بن مالك الكندي و دخل به على ابن زياد و هو يقول : أوقر ركابي فضة ذهباً إن قتلت الملك المحجبا و خيرهم إذ يذكرون النسبا قتلت خير الناس أما و أباً في أرض نجد و حرا و يثربا فغضب ابن زياد من قوله و قال : إذا عملت أنه كذلك فلم قتلته ؟ و اللّه لا نلت مني خيراً أبداً و لألحقنك به ثم قدمه فضرب عنقه . و في هذه الرواية اختلاف ، و قد قيل إن يزيد بن معاوية هو الذي قتل القاتل . و قال الإمام أحمد بن حنبل : قال عبد الرحمن بن مهدي : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال : رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه و يتتبعه فيها . قال قلت يا رسول اللّه ما هذا ؟ قال : دم الحسين و أصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم . قال عمار : فحفظنا ذلك اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم و هذا سند صحيح لا مطعن في ، و ساق القوم حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كما تساق الأسرى حتى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس فجعلوا ينظرون إليهم ، و في الأسارى علي بن حسين و كان شديد المرض قد جمعت يداه إلى عنقه ، و زينب بنت علي و بنت فاطمة الزهراء ، و أختها أم كلثوم ، و فاطمة و سكينة بنت الحسين ، و ساق الظلمة و الفسقة معهم رؤوس القتلة . روى قطر عن منذر الثوري ، عن محمد بن الحنفية قال : قتل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من ولد فاطمة عليها الصلاة و السلام . و ذكر أبو عمر بن عبد البر عن الحسن البصري قال : أصيب مع الحسين بن علي ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض لهم يومئذ شبيه . و قيل : إنه قتل مع الحسين من ولده و أخوته و أهل بيته ثلاثة و عشرون رجلاً . و في صحيح البخاري في المناقب عن أنس بن مالك : أتي عبيد اللّه بن زياد برأس الحسين ، فجعل في طست فجعل ينكت و قال في حسنة شيئاً فقال أنس : كان أشبههم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و كان مخضوباً بالوسمة . يقال : نكت في الأرض إذا أثر فيها ، و نكت بالحصباء إذا ضرب بها ، و كان الفاسق يؤثر في رأسه المكرم بالقضيب ، و أمد عبيد اللّه بن زياد من قور الرأس حتى ينصب في الرمح ، فتحاماه أكثر الناس ، فقام رجل يقال له طارق بن المبارك بل هو ابن المشؤوم الملعون المذموم فقوره و نصبه بباب دار عبيد اللّه ،و نادى في الناس و جمعهم في المسجد الجامع و خطب الناس خطبة لا يحل ذكرها ، ثم دعا بزياد ابن حر بن قيس الجعفي فسلم إليه رأس الحسين و رؤوس أخوته و بنيه و أهل بيته و أصحابه ، و دعي بعلى بن الحسين فحمله و حمل عماته و أخواته إلى يزيد على محامل بغير وطاء ، و الناس يخرجون إلى لقائهم في كل بلد و منزل ، حتى قدموا دمشق و دخلوا من باب توما و أقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي ، ثم وضع الرأس المكرم بين يدي يزيد فأمر أن يجعل في طست من ذهب و جعل ينظر إليه و يقول هذه الأبيات : صبرنا و كان الصبر منا عزيمة و أسيافنا يقطعن كفا و معصما نعلق هاماً من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما ثم تكلم بكلام قبيح و أمر بالرأس أن تصلب بالشام ، و لما صلبت أخفى خالد بن عفران شخصه من أصحابه ، و هو من أفاضل التابعين فطلبوه شهراً حتى وجدوه فسألوه عن عزلته ف قال : ألا ترون ما نزل بنا : جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد متزملاً بدمائه تزميلاً و كأنما بك يا ابن بنت محمد قتلوا جهاراً عامدين رسولا قتلوك عطشانا و لم يترقبوا في قلتك التنزيل و التأويلا و يكبرون بأن قتلت و إنما قتلوا بك التكبير و التهليلا و اختلف الناس في موضع الرأس المكرم ؟ و أين حمل من البلاد ؟ فذكر الحافظ أبو العلاء الهمداني أن يزيد حين قدم عليه رأس الحسين بعث به إلى المدينة ، فأقدم إليه عدة من موالي بني هاشم و ضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ، ثم بعث بث الحسين و بقي من أهله معهم و جهزهم بكل شيء و لم يدع لهم حاجة المدينة إلا أمر بها ، و بعث برأس الحسين عليه السلام إلى عمرو بن سعيد العاص ، و هو إذ ذلك علمله على المدينة فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به إلي . ثم أمر عمرو بن سعيد بن العاص برأس الحسين عليه السلام فكفن و دفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها الصلاة و السلام . و هذا أصح ما قيل في ذلك ، و لذلك قال الزبير بن بكار الرأس حمل إلى المدينة و الزبير أعلم أهل النسب و أفضل العلماء لهذا السبب قال : حدثني بذلك محمد بن حسن المخزومي النسابة . و الإمامية تقول إن الرأس أعيد إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوماً من المقتل و هو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة فيه زيارة الأربعين ، و ما ذكر أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فشيء باطل لا يصح و لا يثبت ، و قد قتل اللّه قاتله صبراً و لقي حزناً و ذعراً و جعل رأسه الذي اجتمع فيه العيب و الذم في الموضع الذي جعل فيه رأس الحسين ، و ذلك بعد قتل الحسين بستة أعوام و بعث المختار به إلى المدينة ، فوضع بين يدي بني الحسين الكرام ، و كذلك عمرو بن سعد و أصحابه اللئام ضربت أعناقهم بالسيف و سقوا كأس الحمام و بقي الوقوف بين يدي الملك العلام في يوم يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي و الأقدام . و في الترمذي : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير قال : لما أتي برأس عبيد اللّه بن زياد و أصحابه نصبت في المسجد في الرحبة ، فانتهيت إليهم و هم يقولون قد جاءت فإذا هي حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد اللّه ، فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ، ثم قالوا : جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً . قال العلماء : و ذلك مكافأة لفعله برأس الحسين و هي من آيات العذاب الظاهرة عليه ، ثم سلط اللّه عليهم المختار فقتلهم حتى أوردهم النار ، و ذلك أن الأمير مذحج بن إبراهيم بن مالك لقي عبيد اللّه بن زياد على خمسة فراسخ من الموصل و عبيد اللّه في ثلاثة و ثلاثين ألفاً ، و إبراهيم في أقل من عشرين ألفاً فتطاعنوا بالرماح و تراموا بالسهام و اصطفقوا بالسيوف إلى أن اختلط الظلام ، فنظر إبراهيم إلى رجل عليه بزة حسنة و درع سابغة و عمامة خز دكناء ، و ديباجة خضراء ، من فوق الدرع ، و قد أخرج يده من الديباجة و رائحة المسك تشم عليه ، و في يده صحيفة له مذهبة ، فقصده الأمير إبراهيم لا لشيء إلا لتلك الصحيفة و الفرس الذي تحته ، حتى إذا لحقه لم يلبث أن ضربه ضربة كانت فيها نفسه ، فتناول الصحيفة و غار الفرس فلم يقدر عليه و لم يبصر الناس بعضهم بعضاً من شدة الظلمة ، فتراجع أهل العراق إلى عسكرهم و الخيل لا تطأ إلا على القتلى ، فأصبح الناس و قد فقد من أهل العراق ثلاثة و سبعون رجلاً ، و قتل من أهل الشام سبعون ألفاً . فيتعشوا منهم بسبعين ألفاً أو يزيدون قبل وقت العشاء فلما أصبح وجد الأمير الفرس رده عليه رجل كان أخذه ، و لما علم أن الذي قتل هو عبيد اللّه بن زياد كبر و خر ساجداً و قال : الحمد للّه الذي أجرى قتله على يدي ، فبعث به إلى المختار زيادة على سبعين ألف رأس في أولها أشد رؤوس أهل الفساد عبيد اللّه المنسوب إلى زياد . قال المؤلف رحمه اللّه : فقلت هذا من كتاب مرج البحرين في مزايد المشرقين و المغربين للحافظ أبي الخطاب بن دحية رضي اللّه عنه . فصل و مثل صنيع عبيد اللّه بن زياد صنع قبله بشر بن أرطأة العامري الذي هتك الإسلام ، و سفك الدم الحرام ، و أذاق الناس الموت الزؤام ، لم يدع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الذمام ، فقتل أهل بيته الكرام و حكم في مفارقهم الحسام ، و عجل لهم الحمام ذبح ابني عبيد اللّه بن عباس بن عبد المطلب و هما صغيران بين يدي أمهما يمرحان ، و هما قثم و عبد الرحمن ، فوسوست أمهما و أصابها ضرب من الجان لم أشعله الثكل في قلبها من لهب النيران . روى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه في حديث فيه طول : كان أبو ذر الغفاري صاحب رسول اللّه يتعوذ من شر يوم البلاء و يوم العورة في صلاة صلاها أطال قيامها و ركوعها و سجودها ، قال : فسألناه مم تعوذت و فيم دعوت ؟ ف قال : تعوذت من يوم البلاء و يوم العورة ، فإن نساء من المسلمات ليسبين ليكشف عن سوقهن ، فأيتهن كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها ، فدعوت اللّه عز و جل أن لا يدركني هذا الزمان و لعلكما تدركانه . و ذكر أبو عمر بن عبد البر قال : أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد المؤمن ، أنبأنا أبو محمد إسماعيل بن محمد الحبطلي ببغداد في تاريخه الكبير ، حدثنا محمد بن مؤمن بن حماد قال : حدثنا سلمان بن شيخ قال : حدثنا محمد بن عبد الحكم ، عن عوانة قال : أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بشر بن أرطأة في جيش ، فساروا من الشام حتى قدموا المدينة و عامل المدينة يومئذ لعلي عليه السلام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ، ففر أبو أيوب و لحق بعلي رضي اللّه عنهما . و دخل بشر المدينة فصعد منبرها ف قال : أين شيخي الذي عهدته هنا بالأمس يعني عثمان بن عفان ، ثم قال يا أهل المدينة : و اللّه لولا ما عهدته إلى معاوية ما تركت فيها محتلماً إلا قتلته ، ثم أمر أهل المدينة بالبيعة لمعاوية ، و أرسل إلى بني سلمة فقال ما لكم عند أمان و لا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد اللّه ، فأخبر جابر فانطلق حتى جاء الشام فأتى أم سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال لها : ماذا ترين فإني خشيت أن أقتل و هذه بيعة ضلالة ، فقالت : أرى أن تبايع و قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع فأتى جابر بشراً فبايعه لمعاوية ، و هدم بشر دوراً بالمدينة ، ثم انطلق حتى أتى مكة و بها أبو موسى الأشعري ، فخاف أبو موسى . على نفسه أن يقتله فهرب فقيل ذلك لبشر ، ف قال : ما كنت لأقتله و قد خلع علياً . . و لم يطلبه و كتب أبو موسى إلى اليمن أن خيلاً مبعوثة من عند معاوية تقتل من الناس من أبى أن يقر بالحكومة ، ثم مضى بشر إلى اليمن و عامل اليمن لعلي رضي اللّه عنه عبيد اللّه بن العباس ، فلما بلغه أمر بشر فر إلى الكوفة و استخلف على المدينة عبيد اللّه بن عبد مدان الحارثي ، فأتى بشر فقتله و قتل ابنه ، و لقي ثقل عبيد اللّه بن العباس و فيه ابنان صغيران لعبيد اللّه بن عباس فقتلهما و رجع إلى الشام . و ذكر أبو عمرو الشيباني قال : لما وجه معاوية بشر بن أرطاة لقتل شيعة علي رضي اللّه عنه سار إلى أن أتى المدينة ، فقتل ابني عبيد اللّه بن العباس ، و فر أهل المدينة حتى دخلوا الحرة حرة بني سليم ، و هذه الخرجة التي ذكر أبو عمرو الشيباني أغار بشر على همدان فقتل و سبى نساءهم ، فكن أول نساء سبين في الإسلام و قتل أحياء من بني سعد . و قد اختلفوا كما ترى في أي موضع قتل الصغيرين من أهل البيت هل في المدينة أو في مكة أو في اليمن ، لأنه دخل هذه البلاد و أكثر فيها الفساد و أظهر لعلي رضي اللّه عنه العناد ، و أفرط في بعضه و زاد و سلط على أهل البيت الكريم الأجناد ، فقتل و سبى و أباد و لم يبق إلا أن يخد الأخاديد و يعد الأوتاد ، و كان معاوية قد بعثه في سنة أربعين إلى اليمن و عليها عبيد اللّه ابن العباس أخو عبد اللّه بن العباس ، ففر عبيد اللّه و أقام بشر باليمن و باع دينه ببخس من الثمن فأخاف السبيل و رعى المرعى الوبيل ، و باع المسلمات و هتك المحرمات ، فبعث علي رضي اللّه عنه في طلبة حارثة بن قدامة السعدي ، فهرب بشر إلى الشام ، و قد ألبس بذميم أفعاله ثياب العار و الذمام و بقي الوقوف بين يدي الملك العلام يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي و الأقدام و رجع الشريف أبو عبد اللّه محمد إلى بلاد اليمن ، فلم يزل والياً عليهم حتى قتل علي رضي اللّه عنه . و يقال : إن بشر بن أطأرة لم يسمع من النبي صلّى اللّه عليه و سلم حرفاً لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قبض و هو صغير فلا تصح له صحبة . قاله الإمام أحمد بن حنبل و يحيى بن معين و غيرهما ، و قال آخرون : خوف في آخر عمره . قال يحيى بن معين : و كان الرجل سوء . قال المؤلف رحمه اللّه : كذا ذكره الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه اللّه . و قد ذكر أبو داود ، عن جنادة ، عن ابن أبي أمية قال : كنا مع بشر بن أطأرة في البحر فأتى بشارق يقال له منصور و قد سرق بختية ، فقال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : لا تقطع الأيدي في الغزو و لولا ذلك لقطعته . قال أبو محمد عبد الحق : بشر هذا يقال ولد في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ، و كانت له أخبار سوء في جانب علي و أصحابه ، و هو الذي ذبح طفلين لعبيد اللّه بن العباس ، ففقدت أمهما عقلها و هامت على وجهها ، فدعا عليه علي رضي اللّه عنه أن يطيل اللّه عمره و يذهب عقله ، كان كذلك ، قال ابن دحية : و لما ذبح الصغيرين و فقدت أمهما عقلهما كانت تقف في الموسم تشعر شعراً يبكي العيون و يهيج بلابل الأحزان و العيون و هو هذا : هامن أحس بإبني اللذين هما كالدرتين تسطا عنهما الصدف يقال تسطعت العصاة إذا صارت فلقاً ، قاله في المجمل و غيره . هامس أحس بإنبي اللذين هما سمعي و عقلي فقلبي اليوم مختطف حدثت بشراً و ما صدقت ما زعموا من قولهم و من الإفك الذي اقترف أحنى على و دجي إبني مرهف مشحوذة وكذاك الإثم يقترف |