باب ما يكون من الفتن و إخبار النبي صلّى اللّه عليه و سلم بها مسلم عن حذيفة قال : قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مقاماً ما ترك فيه شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به . حفظ من حفظه و نسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء و إن ليكون منه الشيء قد نسيه ، فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه . و خردج أبو داود أيضاً عنه قال : و اللّه ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوه ، و اللّه ما ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاث مائة فصاعداً إلا قد سماه لنا باسمه و اسم أبيه و اسم قبيلته . مسلم عن حذيفة بن اليمان قال : حدثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مجلساً أنبأنا فيه عن الفتنة فقال و هو يعد الفتن : منها ثلاثة لا يكدن يذرن شيئاً و منهن فتن كرياح الصيف منها صغاراً و منها كبار ، قال حذيفة : فذهب أولئك الرهط كلهم غيري . أبو داود عن عبد اللّه بن عمر : كنا قعوداً عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فذكر الفتن فأكثر فيها ، حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل يا رسول اللّه : و ما فتنة الأحلاس ؟ قال : هي هرب و خرب ثم فتنة السوء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني و ليس مني و إنما أوليائي المتقون ، ثم يصطلح الناس على رجل كودك على ضلع ، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمناً و يمسي كافراً و يمسي مؤمناً و يصبح كافراً ، حتى يصير الناس فسطاطين : فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، و فسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من سومه أو من غده . فصل قول حذيفة : قيام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مقاماً . و في الرواية الأخرى مجلساً . قد جاء مبيناً في حديث أبي زيد ، قال : صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الفجر و صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ، فنزل فصلى ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى فصعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس ، فأخبرنا بما كان و ما هو كائن فأعلمنا أحفظنا . أخرجه مسلم . و روى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم صلاة العصر نهاراً ، ثم قام خطيباً فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه و نسيه من نسيه ، فظاهر هذا أن ذلك المقام كان من بعد العصر لا قبل ذلك ، و هذا تعارض ، فيجوز أن يكون ذلك كله في يومين فيوم خطب فيه من بعد العصر ، و يوم قام فيه خطيباً كله ، و يجوز أن تكون الخطبة من بعد صلاة الصبح إلى غروب الشمس كما في حديث أبي زيد ، و اقتصر بعض الرواة في الذكر على ما بعد العصر كما في حديث أبي سعيد الخدري و فيه بعد . و اللّه أعلم . و قوله : حتى ذكر فتنة الأحلاس قال الخطابي : إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها و طول لبثها ، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه : هو حلس بيته . و يحتمل أن تسمى هذه الفتنة بالأحلاس لسوادها و ظلمتها . و الحرب ذهاب الأهل و المال . يقال حرب الرجل فهو حريب إذا سلب أهله و ماله ، و من هذا المعنى أخذ لفظ الحرب لأن فيها ذهاب النفوس و الأموال و اللّه أعلم . و الدخن : الدخان يريد أنها تثور كالدخان من تحت قدميه . و قوله : كودك على ضلع مثل و معناه الأمر الذي لا يثبت و لا يستقيم يريد أن هذا الرجل غير خليق بالملك . و الدهيماء : تصغير الدهماء على معنى المذمة لها و التعظيم لأمرها كما قال : [ دويهية تصفر منها الأنامل ] أي ههذ الفتنة سوداء مظلمة ، و دلت أحاديث هذا الباب على أن الصحابة رضي اللّه عنهم كان عندهم من علم الكوائن إلى يوم القيامة العلم الكثير ، لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث الأحكام و ما كان فيه شيء من ذلك حدثوا به و تقصروا عنه . و قد روى البخاري عن أبي هريرة قال : حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم وعاءين أما أحدهما فبثثته ، وإما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم . قال أبو عبد اللّه البلعوم مجرى الطعام ، و الفسطاط الخيمة الكبيرة و تسمى مدينة مصر الفسطاط ، و المراد به في هذا الحديث الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى تشبيهاً بانفراد الخيمة عن الأخرى . و تشبيهاً بانفراد المدينة عن الأخرى حملاً على تسمية مصر بالفسطاط و اللّه أعلم . |