باب ما جاء في أبواب الجنة و كم هي ؟ و لمن هي ؟ و في تسميتها و سعتها قال اللّه تعالى : حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها قال جماعة من أهل العلم : هذه واو الثمانية فللجنة ثمانية أبواب . و استدلوا بقوله عليه الصلاة و السلام : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء . رواه عمر بن الخطاب ، خرجه مسلم . و جاء في تعيين هذه الأبواب لبعض العلماء كما جاء في حديث الموطأ و صحيح البخاري و مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : من أنفق زوجين في سبيل اللّه نودي في الجنة يا عبد اللّه هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، و من كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، و من كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، و من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر : يا رسول اللّه ما على أحد يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب ؟ قال : نعم ! و أرجو أن تكون منهم . قال القاضي عياض : ذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب الجنة أربعة و زاد غيره بقية الثمانية فذكر منها : باب التوبة ، و باب الكاظمين الغيظ . و باب الراضين ، و الباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه . قلت : فذكر الترمذي الحكيم أبو عبد اللّه أبواب الجنة في نوادر الأصول فذكر باب محمد صلّى اللّه عليه و سلم ، و هو باب الرحمة ، و هو باب التوبة ، فهو منذ خلقه اللّه مفتوح لا يغلق ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق فلم يفتح إلى يوم القيامة ، و سائر الأبواب مقسومة على أعمال البر . فباب منها للصلاة ، و باب للصوم ، و باب للزكاة و الصدقة ، و باب للحج ، و باب للجهاد ، و باب للصلة ، و باب للعمرة ، فزاد باب الحج ، و باب العمرة ، و باب الصلة ، فعلى هذا أبواب الجنة أحد عشر باباً . و قد ذكر الآجري أبو الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : إن في الجنة باباً يقال له باب الضحى فإذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ؟ هذا بابكم فادخلوه ، ذكره في كتاب النصيحة و لا يبعد أن يكون لنا ثالث عشر على ما ذكره أبو عيسى الترمذي عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : باب أمتي الذين يدخلون منه الجنة عرضه مسيرة الراكب المجد ثلاثاً ، ثم إنهم ليضغطون بعليه حتى تكاد مناكبهم تزول . قال الترمذي : سألت محمداً ، يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه ، قال لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم بن عبد اللّه . قلت : فقوله باب أمتي يدل على أنه لسائر أمته ، فمن لم يغلب عليه عمل يدعى به و على هذا يكون ثالث عشر ، و لهذا يدخلون مزدحمين ، و قد تقدم أن أكثر أهل الجنة البله فاللّه أعلم . و مما يدلة على أنها أكثر من ثمانية حديث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صادقاً من نفسه أو قلبه ، شك أيهما قال فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة ، يدخل من أيها شاء . خرجه الترمذي و غيره قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد هكذا قال فتح له من أبواب الجنة ، و ذكر أبو داود و النسائي و ابن سنجر فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، ليس فيها ذكر من ، فعلى هذا أبواب الجنة ثمانية كما قالوا . قلت : قد ذكرنا أنها أكثر من ثمانية و باللّه توفيقنا ، وإما كون الواو في و فتحت أبوابها واو الثمانية ، و أن أبواب الجنة كذلك ثمانية أبواب ، فقد جاء ما يدل على أنها ليست كذلك في قوله تعالى هو اللّه الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، فخلو المتكبر و هو ثامن اسم من الواو يدل على بطلان ذلك القول و تضعيفه . و قد بيناه في سورة براءة ، و الكهف من كتاب جامع أحكام القرآن و الحمد للّه . و قد خرج مسلم ، عن خالد بن عمير ، قال : خطبنا عتبة بن غزوان ، و كان أميراً على البصرة فحمد اللّه و أثنى عليه ، و ذكر الحديث على ما تقدم ، و فيه : و لقد ذكر لنا أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة و ليأتين عليه يوم و هو كظيظ من الزحام ، الحديث . و خرج عن أنس في حديث الشفاعة ، و الذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة و هجر ، أو كما بين مكة و بصرى و خرج عن سهل بن سعد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً و أو سبعمائة ألف ، لا يدري أبو حازم أيهما قال متماسكون آخذ بعضهم بعضاً ، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ، و وجوههم على صورة القمر ليلة البدر فهذه الأحاديث مع صحتها تدل على أنها أكثر من الثمانية إذ هي غير ما تقدم ، فيحصل منها و الحمد للّه على هذا ستة عشر باباً . و قد ذكر الإمام أبو القاسم عبد الكريم القشيري في كتاب التحبير و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : الخلق الحسن طوق من رضوان اللّه عز وجل في عنق صاحبه ، و الطوق مشدود إلى سلسلة من الرحمة ، و السلسلة مشدودة إلى حلقة من باب الجنة ، حيث ما ذهب الخلق الحسن جرته السلسلة إلى نفسها تدخله من ذلك باب إلى الجنة و الخلق السوء : طوق من سخط اللّه في عنق صاحبه و الطوق مشدود إلى سلسلة من عذاب اللّه ، و السلسلة مشدودة من باب النار ، حيث ما ذهب الخلق السوء جرته السلسلة إلى نفسها تدخله من ذلك الباب إلى النار و ذكر صاحب الفردوس من حديث ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : للجنة باب يقال له الفرح ، لا يدخل منه إلا من فرح الصبيان . فصل : قوله : من أنفق زوجين في سبيل اللّه ، قال الحسن البصري : يعني إثنين من كل شيء : دينارين ، درهمين ، ثوبين ، خفين ، و قيل : يريد شيئين ديناراً و درهماً ، درهماً و ثوباً ، خفاً و لجاماً و نحو هذا . و قال الباجي ، يحتمل أن يريد بذلك العمل من صلاتين أو صيام يومين . قلت : و الأول من التفسير أولى ، لأنه مروي عن النبي المصطفى صلّى اللّه عليه و سلم : و ذكر الآجري عن أبي ذر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : من أنفق زوجين في سبيل اللّه ابتدرته حجبة الجنة ثم قال صلّى اللّه عليه و سلم : بعيرين ، درهمين ، قوسين ، نعلين وإما ما جاء من سعة أبواب الجنة ، فيحتمل أن يكون بعضها سعته كذا ، و بعضها سعته كذا كما ورد في الأخبار فلا تعارض و الحمد للّه . |