Geri

   

 

 

İleri

 

باب منه ـ و هل تفضل جنة جنة ؟

قال اللّه تعالى و لمن خاف مقام ربه جنتان ثم وصفهما ، ثم قال بعد ذلك ومن دونهما جنتان و عن ابن عباس في تأويل قوله تعالى و لمن خاف مقام ربه جنتان أي بعد أداء الفرائض جنتان ، قيل : على حدة ، فلكل خائف جنتان .

و قيل : جنتان لجميع الخائفين ، و الأول أظهر . قال الترمذي محمد بن علي : جنة لخوفه من ربه ، و جنة لتركه لشهوته ، و المقام الوضيع ، أي : خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية ،

و قيل : خاف قيام ربه عليه ، أي : إشرافه و اطلاعه عليه ، بيانه : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت .

و قال مجاهد و النخعي : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر اللّه فيدعها من خوفه .

و روي عن ابن عباس ، عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه

قال : الجنتان بستنان في عرض الجنة ، كل بستان مسيرة مائة عام ، في وسط كل بستان دار من نور على نور ، و ليس منها شيء إلا يهتز نعمة و خضرة ، قرارها ثابت و شجرها نابت ذكره الهروي و الثعلبي أيضاً من حديث أبي هريرة ،

و قيل : إن إحدى الجنتين أسافل القصور ، و الأخرى أعاليها . و قال مقاتل : هما جنة عدن و جنة النعيم .

و قوله و من دونهما جنتان قال ابن عباس : أي و له من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان ، قال ابن عباس : و من دونهما ، أي في الدرج ، و الجنات لمن خاف مقام ربه فيكون في الأوليين ، النخل و الشجر ، و في الأخريين : الزرع و النبات و ما انبسط .

قال الماوردي : و يحتمل أن يكون و من دونهما جنتان لأتباعه لقصور منزلتهم عن منزلته ، إحداهما للحور العين ، و الأخرى للولدان المخلدين ليتميز فيها الذكور من الإناث .

و قال ابن جريج هي أربع جنان : جنتان منها للسابقين المقربين فيهما من كل فاكهة زوجان و عينان تجريان ، و جنتان لأصحاب اليمين فيهما فاكهة و نحل و رمان و فيهما عينان تضاختان ، و قال ابن زيد : الأوليان من ذهب للمقربين ، و الأخريان من ورق لأصحاب اليمين .

قال المؤلف رحمه اللّه : و إلى هذا ذهب الحليمي أبو عبد اللّه الحسن بن الحسين في كتاب منهاج الدين له و احتج لما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ، و لمن خاف مقام ربه جنتان إلى قوله مدهامتان

قال : هاتان للمقربين و هاتان لأصحاب اليمين ، و عن أبي موسى الأشعري نحو ذلك .

و لما وصف اللّه الجنتين أشار إلى الفرق بينهما : فقال في الأولين فيهما عينان تجريان و في الأخريين ‌ فيهما عينان نضاختان أي فوارتان بالماء ، لكنهما ليستا كالجاريتين لأن النضخ دون الجري ، و قال فيهما من كل فاكهة زوجان معروف و غريب أو رطب و يابس ، فعم و لم يخص ، و في الأخريين فيهما فاكهة و نخل و رمان و لم يقل من كل فاكهة ، و قال في الأوليين متكئين على فرش بطائنها من إستبرق و هو الديباج ، و في الأخريين متكئين على رفرف خضر و عبقري حسان .

و العبقري : الوشي . و لا شك أن الديباج أعلى من الوشي ، و الرفرف كسر الخباء و لا شك أن الفرش المعدة للاتكاء عليها أفضل من فضل الخباء ، و قال في الأولييم في صفة الحور العيم كأنهن الياقوت و المرجان ، و في الأخريين فيهن خيرات حسان و ليس كل حسن كحسن الياقوت و المرجان ، و قال في الأوليين ذواتا أفنان و في الأخريين مدهامتان أي خضروان كأنهما من شدة خضرتهما سوداوان . و وصف الأوليين بكثرة الأغصان ، و الأخريين بالخضرة وحدها و في هذا كله تحقيق للمعنى الذي قصدناه ، قوله و من دونهما جنتان و لعل ما لم يذكره من تفاوت ما بينهما أكثر مما ذكر .

فإن قيل كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟

قال : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه ، إلا أن الخائفين لهم مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من اللّه تعالى ، و الجنتان الأخريان لمن قصر حاله في الخوف من اللّه تعالى .

قال المؤلف رحمه اللّه : فهذا قول ، و القول الثاني أن الجنتين في قوله تعالى : و من دونهما جنتان أعلى و أفضل من الأوليين ، ذهب إلى هذا الضحاك ، و أن الجنتين الأوليين من ذهب و فضة ، و الأخريين من ياقون و زمرد .

و قوله : و من دونهما جنتان أي و من أمامهما و من قبلهما ، و إلى هذا القول ذهب أبو عبد اللّه محمد الترمذي الحكيم في : نوادر الأصول و

قال : و معنى و من دونهما جنتان أي دون هاتين إلى العرش أي أقرب و أدنى إلى العرض ، و قال مقاتل الجنتان الأوليان : جنة عدن و جنة النعيم ، و الأخريان جنة الفردوس و جنة المأوى .

قال المؤلف رحمه اللّه : و يدل على هذا قوله عليه الصلاة و السلام : إذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس ، الحديث ، و سيأتي . قال الترمذي : و قوله فيهما عينان نضاختان أي بألوان الفواكه و النعيم و الجواري المزينات ، و الدواب المسرجات و الثياب الملونات و هذا يدل على أن النضخ أكثر من الجري .

قال المؤلف رحمه اللّه : على هذا تدل أقوال المفسرين : روي عن ابن عباس نضاختان : أي فوارتان بالماء ، و النضخ بالخاء أكثر من النضح بالحاء ، و عنه أيضاً أن المعنى نضاختان بالخير و البركة ، قاله الحسن و مجاهد ، و عن ابن عباس أيضاً و ابن مسعود : تنضخ على أولياء بالمسك و الكافور و العنبر في دور أهل الجنة ، كما ينضخ رش المطر و قال سعيد بن جبير : بأنواع الفواكه و الماء .

و قوله : فيهما فاكهة و نخل و رمان قال بعض العلماء : ليس الرمان و النخل من الفاكهة لأن الشيء لا يعطف على نفسه ، و هذا ظاهر الكلام ، و قال الجمهور : هما من الفواكه ، و إنما أعاد ذكر النخل و الرمان لفضلهما على الفواكه ، كقوله تعالى حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و قوله من كان عدوا للّه و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال و قيل إنما كررهما لأن النخل و الرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا ، لأن النخل عامة قوتهم ، و الرمان كالثمرات ، فكان يكثر غرسها عندهم لحاجتهم إليها . و كانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها ، و إنما ذكر الفواكه ثم ذكر النخل و الرمان لعمومها و كثرتهما عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاهما من بلاد اليمين ، فأخرجهما في الذكر من الفواكه و أفرد الفواكه على حدتها .

و قوله : فيهن خيرات حسان يعني النساء و الواحدة خيرة ، قاله الترمذي : الخيرة ما اختارهن اللّه فأبدع خلقهن باختياره ، و اختيار اللّه لا يشبه اختيار الآدميين ، ثم قال حسان فوصفهن بالحسن ، فإذا وصف خالق الشيء شيئاً بالحسن فمن ذا الذي يقدر أن يصف حسنهن ؟ فانظر ما هنالك ، و في الأوليين ذكر بأنهن قاصرات الطرف و كأنهن الياقوت و المرجان ، فانظركم بين الخيرة و هي مختارة اللّه و بين قاصرات الطرف ؟ ثم قال حور مقصورات في الخيام و قال في الأوليين : فيهن قاصرات الطرف قصران طرفهن على الأزواج ، و لم يذكر أنهن مقصورات : فدل على أن المقصورات أعلى و أفضل .

و قد بلغنا في الرواية : أن سحابة مطرت من العرش فخلقن من قطرات الرحمة ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار ، سعتها أربعون ميلاً و ليس لها باب ، حتى إذا حل ولى اللّه بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي اللّه أن أبصار المخلوقين من الملائكة و الخدم لم تأخذها و هي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين و اللّه أعلم .

ثم

قال : متكئين على رفرف خضر اختلف في الرفرف ، ما هو ؟ فقيل : كسر الخباء و جوانب الدرع و ما تدلى منها ، الواحدة رفرفة .

و قيل : الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به و أهوى به كالمرجاج يميناً و شمالاً ، و رفعاً و خفضاً . يتلذذ به مع أنيسته و اشتقاقه على هذا من رف يرف إذا ارتفع ، و منه رفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء ، و ربما سمي الظليم رفرفاً بذلك ، لأنه يرف بجناحيه ثم يعدو . و رفرف الطائر أيضاً إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه .

قال الترمذي الحكيم : فالرفرف أعظم خطراً من العرش ، و ذكر في الأوليين : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق و قال هنا متكئين على رفرف خضر فالرفرف هو مستقر الولي على شيء إذا استوى عليه الولي رفرف به ، أي طار هكذا و هكذا حيث ما يريد كالمرجاح .

و روي لنا حديث المعراج أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل و طار به إلى سند العرش ، فذكر أنه طار بي و يخفضني و يرفعني حتى وقف بي على ربي ثم لما حان الأنصراف تناوله فطار به خفضاً و رفعاً يهوي به حتى أدله إلى حبريل صلوات اللّه عليهما ، و جبريل يبكي و يرفع صوته بالتحميد ، و الرفرف خادم من الخدم بين يدي اللّه تعالى له خواص الأمور في محل الدنو و القربة ، كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء صلوات اللّه عليهم مخصوصة بذلك في أرضه . فهذا الرفرف الذي سخره اللّه لأجل الجنتين الدانيتين هو متكأهما و فرشهما ، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار و شطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان .

ثم

قال : و عبقري حسان و العبقري : ثياب منقوشة تبسط ، فإذا قال خالق النقوش : إنها حسان ، فما ظنك بتلك العباقر ، و العبقري : قرية من ناحية اليمن فيما بلغنا ينسج فيها بسط منقوشة ، فذكر اللّه ما خلق في تلك الجنتين من البسط المنقوشة الحسان و الرفرف الخضر . إنما ذكر لهم من الجنان ما يعرفون أسماءها هنا ، فبان تفاوت هاتين الجنتين .

و قد روي عن بعض السلف : فإذا هو يشير إلى أن هاتين الجنتين من دونهما ، أي أسفل منهما وادون : فكيف يكون مع هذه الصفة أدون فحسبته لم يفهم الصفة ذكره في الأصل التاسع و الثمانين من كتاب : نوادر الأصول .

فصل : لما

قال اللّه تعالى سبحانه و تعالى و لمن خاف مقام ربه جنتان ثم

قال : و من دونهما جنتان دل على أن الجنان أربع لا سبع على ما يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى .