باب ذكر آخر من يخرج من النار و آخر من يدخل الجنة و في تعيينه و تعيين قبيلته و اسمه مسلم عن عبد اللّه بن مسعود قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها ، و آخر أهل النار دخولاً الجنة ، رجل يخرج من النار حبواً فيقول اللّه تعالى . اذهب فادخل الجنة فيأتيها ، فيخيل إليه أنها ملأى ، فيقول يا رب وجدتها ملأى ، فيقول اللّه : اذهب فادخل الجنة ، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى ، فيرجع فيقول : يا رب وجدتها ملأى ، فيقول : اذهب فادخل الجنة ، فإن لك مثل الدنيا و عشرة أمثالها أو أن لك عشرة أمثال الدنيا ، قال فيقول . أتسخر بي ؟ أو أتضحك بي و أنت الملك ؟ قال : لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ضحك حتى بدت نواجذه ، قال : فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة . و عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال : آخر من يدخل الجنة رجل ، فهو يمشي مرة ، و يكبو مرة ، و تسفعه النار مرة ، فإذا جاوزها التفت إليها ، ف قال : تبارك الذي نجاني منك ، لقد أعطاني اللّه شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين و الآخرين ، فترفع له شجرة فيقول : أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها و أشرب من مائها ، فيقول اللّه تعالى : يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول : لا يا رب ! و يعاهد أن لا يسأله غيرها ، و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه ، فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها . ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى ، فيقول : أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها و أستظل بظلها ، لا أسألك غيرها ، فيقول : يا ابن آدم : لعلي إن أديتك منها تسألني غيرها ؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها ، و ربه يعذره ، لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها ، فإذا منها ترفع له شجرة عند باب الجنة أحسن من الأوليين ، فيقول مثله . فيدنيه منها ، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة ، فيقول : أي رب أدخلينها . فيقول : يا ابن آدم ما يصريني منك ؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا و مثلها معها ؟ فيقول : أي رب أتستهزئ بي ، و أنت رب العالمين ؟ فضحك ابن سمعود ف قال : ألا تسألوني مم أضحك ؟ فقالوا مم تضحك ؟ قال : هكذا ضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ، فقالوا : مم تضحك يا رسول اللّه ؟ قال : من ضحك رب العالمين ، فيقول : إني لا أستهزئ منك و لكني على ما أشاء قادر . و قال ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم : آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة ، يقال له جهينة ، تقول أهل الجنة : عند جهينة الخبر اليقين . ذكره الميانشي أبو حفص عمر ابن عبد المجيد القرشي في كتاب الاختيار له في الملح من الأخبار و الآثار . و رواه أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، من حديث عبد الملك بن الحكم قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة ، فيقول أهل الجنة : عند جهينة الخبر اليقين سلوه . هل بقي من الخلائق أحد ؟ و رواه الدراقطني أيضاً في كتاب رواه مالك ، ذكره السهيلي . و قد قيل : إن اسمه هناد ، و اللّه أعلم . فصل : قوله : أتستهزئ مني ؟ ـ و في رواية : أتسخر ؟ ـ و الهزوء ، و السخرية بمعنى واحد ، و فيه تأويلان . أحدهما : أنه صدر منه هذا القول عند غلبة الفرح عليه و استخفافه إياه ، كما غلط الذي قال : [ اللّهم أنت عبدي و أنا ربك ] خرجه مسلم . الثاني : أن يكون معناه : أتجازيني على ما كان مني في الدنيا من قلة احتفالي بأعمالي ، و عدم مبالاتي بها ؟ فيكون هذا على وجه المقابلة ، كما قال اللّه تعالى مخبراً عن المنافقين إنما نحن مستهزئون * اللّه يستهزئ بهم أي ينتقم منهم و يجازيهم على استهزائهم ، و الاستهزاء في اللغة : الانتقام . قال الشاعر : قد استهزءوا منهم بألفي مدجج سراتهم وسط الضحاضح جثم و مثله : و مكروا و مكر اللّه الآية . و هو كثير ، و سيأتي لبيان الاستهزاء من اللّه مزيد بيان ، و الضحك من اللّه تعالى راجع إلى معنى الرضى عن العبد . فاعلم ذلك . |