Geri

   

 

 

İleri

 

باب ما جاء في عظم جهنم و أزمتها و كثرة ملائكتها و في عظم خلقها و تفلتها من أيديهم و في قمع النبي صلّى اللّه عليه و سلم إياها وردها عن أهل الموقف

مسلم عن عبد اللّه بن مسعود

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها .

و ذكر ابن وهب

قال : حدثني زيد بن أسلم

قال : جاء جبريل إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فناجاه ، فقام النبي صلّى اللّه عليه و سلم منكس الطرف ، فأرسلوا إلى علي فقالوا : يا أبا الحسن ما بال النبي صلّى اللّه عليه و سلم محزوناً منذ خرج جبريل عنه ، فأتاه علي فوضع يده على عضديه من خلفه و قبل بين كتفيه و

قال : ما هذا الذي نراه منك يا رسول اللّه ؟ ف

قال : يا أبا الحسن أتاني جبريل فقال لي : إذا دكت الأرض دكاً دكاً الآية و جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام ، كل زمام يقوده سبعون ألف ملك ، فبينما هم كذلك إذ شردت عليهم شردة انفلتت من أيديهم فلولا أنهم أدركوها لأحرقت من في الجمع فأخذوها .

و ذكر أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة أنهم يأتون بها تمشي على أربع قوائم و تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك بيد كل واحد حلقة لو جمع حديد الدنيا كله ما عدل منها بحلقة واحدة على كل حلقة سبعون ألف زبني لو أمر زبني منهم أن يدك الجبال لدكها و أن يهد الأرض لهداها ، و أنها إذا انفلتت من أيديهم لم يقدروا على إمساكها لعظم شأنها ، فيجثو كل من في الموقف على الركب حتى المرسلون ، و يتعلق إبراهيم و موسى و عيسى بالعرش . هذا قد نسي الذبيح و هذا قد نسي هارون و هذا قد نسي مريم عليهم السلام و كل واحد منهم يقول : نفسي نفسي لا أسألك اليوم غيرها

قال : و هو الأصح عندي صلّى اللّه عليه و سلم يقول أمتي أمتي سلمها يا رب و نجها يا رب و ليس في الموقف من تحمله ركبتاه و هوقوله تعالى : و ترى كل أمة جاثية الآية و عند تفلتها تكبو من الغيظ و الحنق و هوقوله تعالى : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً و زفيراً أي تعظيماً لغيظها و حنقها يقول اللّه تعالى : تكاد تميز من الغيظ أي تكاد تنشق نصفين من شدة غيظها ، فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بأمر اللّه تعالى و يأخذ بخطامها و يقول ارجعي مدحورة إلى خلقك حتى يأتيك أهلك أفواجاً فتقول : خلي سبيلي فإنك يا محمد حرام علي ، فينادي مناد من سرادقات العرش اسمعي منه و أطيعي له ، ثم تجذب و تجعل عن شمال العرش و يتحدث أهل الموقف بجذبها فيخف وجلهم و هوقوله تعالى : و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين و هناك تنصب الموازين على ما تقدم .

فصل : هذا يبين لك ما قلناه أن جهنم اسم علم لجميع النار ، و معنى : يؤتى بها يجاء بها من المحل الذي خلقها اللّه تعالى فيه ، فتدار بأرض المحشر حتى لا يبقى للجنة طريق إلا الصراط كما تقدم . و الزمام ما يزم به الشيء أي يشد و يربط به ، و هذه الأزمة التي تساق بها جهنم تمنع من خروجها على أرض المحشر فلا يخرج منها إلا الأعناق التي أمرت بأخذ من شاء اللّه بأخذه على ما تقدم و يأتي و ملائكتها كما وصفهم اللّه غلاظ شداد .

و قد ذكر ابن وهب ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في خرنة جهنم : ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق و المغرب .

و قال ابن عباس : ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة ، و قوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمعة فيدفع بتلك الضربة بسعين ألف إنسان في قعر جهنم .

وإما قوله تعالى : عليها تسعة عشر فالمراد رؤساؤهم على ما يأتي ،

وإما جملتهم فالعبارة عنهم كما

قال اللّه تعالى : و ما يعلم جنود ربك إلا هو .

فصل :

قال العلماء : إنما خص النبي بردها و قمعها و كفها عن أهل المحشر دون غيره من الأنبياء صلوات اللّه عليهم ، لأنه رآها في مسراه و عرضت عليه في صلاته حسب ما ثبت في الصحيح قال و في ذلك فوائد ثمان :

الأولى : أن الكفار لما كانوا يستهزئون به و يكذبونه في قوله ، و يؤذونه أشد الأذى أراه اللّه تعالى النار التي أعدها للمستخفين به و بأمره تطييباً لقلبه و تسكيناً لفؤاده .

الثانية : الإشارة في ذلك إلى أن من طيب قلبه في شأن أعدائه بالإهانة و الانتقام ، فالأولى أن يطيب قلبه في شأن أوليائه و أحبابه بالتحية و الشفاعة و الإكرام .

الفائدة الثالثة : و يحتمل أن عرضها عليه ليعلم منة اللّه تعالى حين أنقذهم منها ببركته و شفاعته .

الفائدة الرابعة : و يحتمل أنه عرضها عليه ليكون في القيامة إذا قال سائر الأنبياء نفسي نفسي يقول نبينا محمد صلّى اللّه عليه و سلم أمتي أمتي ، و ذلك حين تسجر جهنم ، و لذلك أمر اللّه عز و جل محمداً صلّى اللّه عليه و سلم ، فقال جل من قائل : يوم لا يخزي اللّه النبي الآية .

قال الحافظ أبو الخطاب : و الحكمة في ذلك أن يفرغ إلى شفاعة أمته و لو لم يؤمنه لكان مشغولاً بنفسه كغيره من الأنبياء .

الفائدة الخامسة : أن سائر الأنبياء لم يروا قبل يوم القيامة شيئاً منها ، فإذا رأوها جزعوا و كفت ألسنتهم عن الخطيئة و الشفاعة من هولها و شغلهم أنفسهم عن أممهم ،

وإما نبينا محمد صلّى اللّه عليه و سلم ، فقد رأى جميع ذلك فلا يفزع منه مثل ما فزغوا ليقدر على الخطبة ، و هو المقام المحمود الذي وعده به ربه تبارك و تعالى في القرآن المجيد و ثبت في صحيح السنة .

الفائدة السادسة : فيه دليل فقهي على أن الجنة و النار قد خلقتا خلافاً للمعتزلة المنكرين لخلقها ، و هو يجزي على ظاهر القرآن في قوله تعالى : أعدت للمتقين أعدت للكافرين و الاعداد دليل الخلق و الإيجاد .

الفائدة السابعة : و يحتمل أنه أراه إياها ليعلم خسة الدنيا في جنب ما أراه ، فيكون في الدنيا أزهد و على شدائدها أصبر ، حتى يؤديه إلى الجنة فقد قيل : حبذا محنة تؤدي بصاحبها إلى الرخاء ، و بؤساً لنعمة تردي بصاحبها إلى البلاء .

الفائدة الثامنة : و يحتمل أن اللّه تعالى أراد ألا يكون لأحد كرامة إلا يكون لمحمد صلّى اللّه عليه و سلم مثلها ، و لما كان لإدريس عليه السلام كرامة الدخول إلى الجنة قبل يوم القيامة أراد اللّه تعالى أن يكون ذلك لصفه و نجيه و حبيبه و أمينه على وحيه محمد صلّى اللّه عليه و سلم و كرم و عظم و بجل و وقر ، قال ذلك جميعه الحافظ بن دحية رضي اللّه عنه في كتاب الابتهاج في أحاديث المعراج .