باب حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات . خرجه البخاري أيضاً و الترمذي و قال : حديث صحيح غريب . و خرج الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : لما خلق اللّه الجنة أرسل جبريل إلى الجنة ف قال : انظر إليها و إلى ما أعددت لأهلها فيها . قال فجاءها و نظر إليها و إلى ما أعد اللّه لأهلها فيها قال : فرجع إليه و قال : و عزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها . قال : فأمر بها فحفت بالمكاره ف قال : فأرجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها . قال : فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره فرجع إليه ف قال : و عزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد . قال اذهب إلى النار فانظر إليها و إلى ما أعددت لأهلها فيها فإذا هي يركب بعضها بعضاً فرجع إليه ف قال : و عزتك لقد خفت ألا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات ، فقال ارجع إليها فرجع إليها ف قال : و عزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلا دخلها . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . فصل : المكاره : كل ما يشق على النفس و يصعب عليها عمله كالطهارة في السبرات و غيرها من أعمال الطاعات ، و الصبر على المصائب ، و جميع المكروهات . و الشهوات : كل ما يوافق النفس و يلائمها و تدعو إليه و يوافقها . و أصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إليه بعد أن يتحظى ، فمثل صلّى اللّه عليه و سلم المكاره و الشهوات بذلك ، فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره و الصبر عليها ، و النار لا ينجو منها إلا بترك الشهوات و فطام النفس عنها . و قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه مثل طريق الجنة و طريق النار بتمثيل آخر ف قال : طريق الجنة حزن بربوة ، و طريق النار سهل بسهوة ذكره صاحب الشهاب . و الحزن : هو الطريق الوعر المسلك . و الربوة : هو المكان المرتفع و أراد به أعلى ما يكون من الروابي . و السهوة : بالسين المهملة هو الموضع السهل الذي لا غلط فيه و لا وعورة . و قال القاضي أو بكر بن العربي في سراج المريدين له و معنى قوله عليه السلام : حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات أي جعلت على حافاتها و هي جوانبها و يتوهم الناس أنه ضرب فيها المثل فجعله في جوانبها من الخارج ، و لو كان ذلك ما كان مثلاً صحيحاً و إنما هي من داخل و هذه صورتها : الجنة النار الصبر الألم الجاه المال النساء المكاره الغزو و عن هذا قال ابن مسعود : حفت الجنة بالمكاره ، و النار حفت بالشهوات فمن اطلع الحجاب فقد واقع ما وراء ، و كل من تصورها من خارج فقد ضل عن معنى الحديث و عن حقيقة الحال . فإن قيل : فقد حجبت النار بالشهوات . قلنا : المعنى واحد لأن الأعمى عن التقوى : الذي أخذت سمعه و بصره الشهوات يراها و لا يرى النار التي هي فيها ، و إن كانت باستيلاء الجهالة و رين الغفلة على قلبه كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ و هي محجوبة عنه و لا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه و تعلق باله بها ، و جهله بما جعلت فيه و حجبت . |