باب منه و ذكر أصحاب الأعراف ذكر خيثمة بن سليمان في مسنده عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم توضع الموازين يوم القيامة فتوزن السيئات و الحسنات ، فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ، و من رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار قيل يا رسول اللّه : فمن استوت حسناته و سيئاته ؟ قال : أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها و هم يطعمون . و ذكر ابن المبارك قال ، أخبرنا أبو بكر الهذلي ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد اللّه بن مسعود قال يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، و من كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ، ثم قرأ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ثم قال إن الميزان يخف بمثقال حبة أو ترجح . قال و من استوت حسناته و سيئاته كان من أصحاب الأعراف . و ذكر الحديث . و قال كعب الأحبار : إن الرجلين كانا صديقين في الدنيا ، فيمر أحدهما بصاحبه و هو يجر إلى النار فيقول له أخوه : و اللّه ما بقي لي إلا حسنة أنجو بها خذها أنت يا أخي فتنجو بها مما أرى و أبقى أنا و إياك من أصحاب الأعراف ، قال : فيأمر اللّه بهما جميعاً فيدخلان الجنة . و ذكر أبو حامد في كتاب كشف علم الآخرة : أنه يؤتى برجل يوم القيامة فما يجد له حسنة ترجح ميزانه و قد اعتدلت بالسوية ، فيقول اللّه تعالى رحمة منه : اذهب في الناس فالتمس من يعطيك حسنة أدخلك بها الجنة فيصير يجوس خلال العالمين فيما يجد أحداً يكلمه في ذلك الأمر إلا يقول له خفت أن يخف ميزاني فأنا أحوج منك إليها ، فييأس فيقول له رجل : ما الذي تطلب ؟ فيقول : حسنة واحدة فلقد مررت بقوم لهم منها الألف فبخلوا علي ، فيقول له الرجل : لقد لقيت اللّه تعالى فما وجدت في صحيفتي إلا حسنة واحدة و ما أظنها تغني عني شيئاً خذها هبة مني إليك ، فينطلق فرحاً مسروراً فيقول اللّه له : ما بالك و هو أعلم فيقول : رب اتفق من أمري كيت و كيت ، ثم ينادي سبحانه بصاحبه الذي وهبه الحسنة فيقول له سبحانه : كرمي أوسع من كرمك خذ بيد أخيك و انطلقا إلى الجنة ، و كذا تستوي كفتا الميزان لرجل فيقول اللّه تعالى له : لست من أهل الجنة و لا من أهل النار ، فيأتي الملك بصحيفة فيضعها في كفة الميزان فيها مكتوب أف فترجح على الحسنات لأنها كلمة عقوق ترجح بها جبال الدنيا فيؤمر به إلى النار قال : فيطلب الرجل أن يرده اللّه تعالى فيقول : ردوه فيقول له أيها العبد العق لأي شيء تطلب الرد إلي فيقول : إلهي رأيت أني سائر إلى النار و إذ لا بد لي منها و كنت عاقاً لأبي و هو سائر إلى النار مثلي فضعف علي به عذابي و أنقذه منها . قال : فيضحك اللّه تعالى و يقول : عققته في الدينا و بررته في الآخرة خذ بيد أبيك و انطلقا إلى الجنة . فصل : ذكر اللّه تعالى الميزان في كتابه بلفط الجمع ، و جاء السنة بلفظ الإفراد و الجمع ، فقيل : يجوز أن يكون هنالك موازين للعمل الواحد يوزن بكل ميزان منها صنف من الأعمال كما قال : ملك تقوم الحادثات لعدله فلكل حادثة لها ميزان تتصرف الأشياء في ملكوته و لك شيء مدة و أوان و يمكن أن يكون ميزاناً واحداً عبر عنه بلفظ الجمع كما قال تعالى كذبت عاد المرسلين و كذبت قوم نوح المرسلين و إنما هو رسول واحد ، و قيل : المراد بالموازين جمع موزون أي الأعمال الموزونة لا جمع ميزان . و خرج اللالكائي في سننه ، عن أنس رفعه : أن ملكاً موكل بالميزان فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان ، فإن رجح نادى الملك بصوت يسمع الخلائق كلها : سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً و إن خف نادى الملك : شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً و خرج عن حذيفة قال : [ صاحب الميزان يوم القيامة جبريل عليه السلام ] . فصل : وإما أصحاب الأعراف في قال : إنهم مساكين أهل الجنة . ذكر هناد بن السري قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن مجاهد ، عن حبيب ، عن عبد اللّه بن الحارث قال : أصحاب الأعراف ينتهي بهم إلى نهر يقال له الحياة حافتاه قصب الذهب قال : أراه قال مكلل باللؤلؤ فيغتسلون منه اغتسالة فيبدو في نحورهم شامة بيضاء ، ثم يعودون فيغتسلون فكلما اغتسلوا زادت بياضاً فيقال لهم : تمنوا فيتمنون ما شاءوا . قال : فيقال لهم لكم ما تمنيتم و سبعين ضعفاً . قالوا : فهم مساكين أهل الجنة . و في رواية : فإذا دخلوا الجنة و في نحورهم تلك الشامة البيضاء فيعرفون بها . قال : فهو يسمون في الجنة مساكين أهل الجنة . و اختلف العلماء في تعيينهم على اثني عشر قولاً : الأول : ما تقدم ذكره في الحديث ، و هو قول ابن مسعود و كعب الأحبار كما ذكرنا و ذكره ابن وهب عن ابن عباس . الثاني : قوم صالحون فقهاء علماء . قاله مجاهد . الثالث : هم الشهداء ذكره المهدوي . الرابع : هم فضلاء المؤمنين و الشهداء فرغوا من شغل أنفسهم و تفرغوا لمطالعة أحوال الناس . ذكره أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري . الخامس : هم المستشهدون في سبيل اللّه الذين خرجوا عصاة لآبائهم . قاله شرحبيل بن سعد . و ذكر الطبري في ذلك حديثاً عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : و أنه تعادل عقوقهم و استشهادهم . السادس : هم العباس و حمزة و علي بن أبي طالب و جعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم ببياضالوجوه و مبغضيهم بسواد الوجوه . ذكره الثعلبي عن ابن عباس . السابع : هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم و هم في كل أمة . ذكره الزهراوي و اختاره النحاس . الثامن : هم قوم أنبياء . قاله الزجاج . التاسع : هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام و المصائب في الدنيا فوقفوا و ليست لهم كبائر فحيسبون عن الجنة لينالهم بذلك غم ، فيقع في مقابلة صغائرهم . حكاه ابن عطية القاضي أبو محمد في تفسيره . العاشر : ذكره ابن وهب عن ابن عباس قال : أصحاب الأعراف الذين ذكر اللّه في القرآن أصحاب الذنوب العظام من أهل القبلة ، و ذكره ابن المبارك قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام ، و كان جسيم أمرهم للّه فأقيموا ذلك المقام إذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه و قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ، و إذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض وجوههم . قال ابن عباس : أدخل اللّه أصحاب الأعراف الجنة ، و في رواية سعيد بن جبير عن عبد اللّه بن مسعود و كانوا آخر أهل الجنة دخولاً الجنة . قال ابن عطية : و تمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف لأن مذهبه أنهم مذنبون . الحادي عشر : أنهم أولاد الزنا . ذكره أبو نصر القشيري عن ابن عباس . الثاني عشر : أنهم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل دخالهم الجنة و النار . قاله أبو مجلز لاحق بن حميد ، فقيل له : لا يقال للملائكة رجال ف قال : إنهم ذكور و ليسوا بإناث فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم كما وضع على الجن في قوله تعالى و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن . و الأعراف : سور بين الجنة و النار . قيل : هو جبل أحد يوضع هناك . روى عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم من طريق أنس و غيره ذكره أبو عمر بن عبد البر و غيره حسب ما ذكرناه في كتاب جامع أحكام القرآن من سورة الأعراف و الحمد للّه . حكاية روي عن بعض الصالحين رضي اللّه عنه أنه قال : أخذتني ذات ليلة سنة فنمت فرأيت في منامي كأن القيامة قد قامت و كأن الناس يحاسبون ، فقوم يمضي بهم إلى الجنة و قوم يمضي بهم إلى النار قال : فأتيت إلى الجنة فناديت أهل الجنة بماذا نلتم سكنى الجنة في محل الرضوان ؟ فقالوا : بطاعة الرحمن و مخالفة الشيطان ، ثم أتيت إلى باب النار فناديت يا أهل النار : بماذا نلتم النار ؟ قالوا : بطاعة الشيطان و مخالفةالرحمن . قال : فنظرت فإذا أنا بقوم موقوفون بين الجنة و النار ، فقالوا لي : لنا ذنوب جلت و حسنات قلت ، فالسيئات منعتنا من دخول الجنة و الحسنات منعتنا دخول النار و أنشدوا : نحن قوم لنا ذنوب كبار منعتنا من الوصول إليه تركتنا مذبذبين حيارى أمسكتنا من القدوم عليه |