باب ما جاء أن اللّه تعالى يكلم العبد ليس بينه و بينه ترجمان مسلم عن عدي بن حاتم قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه اللّه ليس بينه و بينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، و ينظر أيسر منه فلا يرى إلا ما قدم ، و ينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار و لو بشق تمرة زاد ابن حجر قال الأعمش : و حدثني عمرو بن مرة عن خيثمة عن عدي مثله و زاد فيه و لو بكلمة طيبة . أخرجه البخاري و الترمذي ، و قال : حديث حسن صحيح . ابن المبارك قال : أخبرنا إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن و قتادة ، عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : يجاء بابن آدم يوم القيامة فيوقف بين يدي اللّه تعالى فيقول له : أعطيتك و خولتك و أنعمت عليك ، فماذا صنعت ؟ فيقول : يا رب جمعته و ثمرته فتركته أكثر ما كان فارجعني آتيك به فيقول اللّه تعالى : أرني ما قدمت . فيقول : فإذا عبد لم يقدم خيراً فيمضي به إلى النار . خرجه ابن العربي في سراج المريدين و زاد فيه بعد قوله كأنه بذج . و قال فيه حديث صحيح من مراسيل الحسن ، و قال الهروي كأنه بدوج من الذل . قال أبو عبيد : هو ولد الضأن و جمعه بدجان . و قال الجوهري : البدوج من الضأن بمنزلة العقود من أولاد المعز و أنشدوا : قد هلكت جارتنا من الهمج و إن تجع تأكل عقوداً أو بدج قلت : و قوله : ما منكم من أحد مخصوص بما ذكرناه في الباب قبل أي ما منكم ممن لا يدخل الجنة بغير حساب من أمتي إلا وسيكلمه اللّه ، و اللّه أعلم فتكفر في عظيم حياتك إذا ذكرك ذنوبك شقاها إذ يقول : يا عبدي أما استحييت مني فبارزتني بالقبح و استحييت من خلقي فأظهرت لهم الجميل أكنت أهون عليك من سائر عبادي استخففت بنظري إليك فلم تكترث به ، و استعظمت نظر غيري ألم أنعم عليك فماذا غرك بي ؟ . و عن ابن مسعود قال : ما منكم من أحد إلا سيخلو اللّه به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ثم يقول يا ابن آدم ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ يا ابن آدم ألم أكن رقيباً على عينيك و أنت تنظر بهما إلى ما لا يحل لك ألم أكن رقيباً على أذنيك ؟ و هكذا عن سائر الأعضاء فكيف ترى حياءك و خجلك و هو يعد عليك إنعامه و معاصيك و أياديه و مساويك ؟ فإن أنكرت شهدت عليك جوارحك ، فنعوذ باللّه من الافتضاح على ملأ الخلق بشهادة الأعضاء إلا أن اللّه وعد المؤمن أن يستر عليه ، و لا يطلع عليه غيره كما ذكرنا ، و ذلك بفضل منه . و هل يكلم الكفار عند المحاسبة لهم ؟ فيه خلاف تقدم بيانه في أسماء القيامة . و يأتي أيضاً في باب ما جاء في شهادة أركان الكافر و المنافق عليهما ، و لقائهما باللّه عز و جل مستوفي إن شاء اللّه تعالى . فصل : فإن قيل : أخبر اللّه تعالى عن الناس أنهم مجزيون محاسبون ، و أخبر أنه يملأ جهنم من الجنة و الناس أجمعين و لم يخبر عن ثواب الجن و لا عن حسابهم بشيء فما القول في ذلك عندكم ، و هل يكلمهم اللّه ؟ فالجواب أن اللّه تعالى أخبر أن الإنس و الجن يسألون فقال خبراً عما يقال لهم يا معشر الجن و الإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي و ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا الآية و هذا سؤال فإذا ثبت بعض السؤال ثبت كله ، و لما كانت الجن ممن يخاطب و يعقل ، قال منكم ، و إن كانت الرسل من الإنس و غلب الإنس في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث ، و أيضاً لما كان الحساب عليهم دون الخلق قال منكم فصير الرسل في مخرج اللفظ من الجميع لأن الثقلين قد ضمتهما عرضة القيامة ، فلما صاروا في تلك العرضة في حساب واحد في شأن الثواب و العقاب خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة كأنهم جماعة واحدة لأن بدء خلقهم للعبودية ، كما قال تعالى : و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون و الثواب و العقاب على العبودية إلا أن الجن أصلهم من مارج من نار ، و أصلنا من تراب و خلقهم غير خلقنا ، و منهم مؤمن و كافر ، و عدونا إبليس عدو لهم يعادي مؤمنهم و يوالي كافرهم ، و فيهم أهواء شيعية و قدرية و مرجئة ، و هو معنى قوله : كنا طرائق قدداً . و قيل : إن اللّه تعالى لما قال : و الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون دخل في الجملة الجن و الإنس ، فثبت للجن من وعد الجنة لعموم الآية ما ثبت للإنس . فإن قيل : فما الحكمة في ذكر الجنة مع الإنس في الوعيد و ترك إفراده الإنس عنهم في الوعد ؟ . فالجواب : أنهم قد ذكروا أيضاً في الوعد لأنه سبحانه يقول : أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن و الإنس إنهم كانوا خاسرين ثم قال : و لكل درجات مما عملوا و إنما أراد لكل من الإنس و الجن فقد ذكروا في الوعد مع الإنس . فإن قيل : فقد ذكر يخاطب الجن والإنس في النار لأن اللّه تعالى قال : و قال الشيطان لما قضي الأمر إن اللّه وعدكم وعد الحق إلى قوله و لوموا أنفسكم قال قرينه ربنا ما أطغيته و لكن كان في ضلال بعيد و لم يأت عن تفاوض الفريقين في الجنة خبر ، قيل : إنما ذكر من تفاوضهم في النار أن الواحد من الإنس يقول للشيطان الذي كان قرينه في الدينا إنه أطغاني و أضلني فيقول له قرينه : ربنا ما أطغيته و لكنه كان ضالاً بنفسه و لا سبب بين الفريقين يدعو أهل الجنة فيهما إلى التفاوض فلذلك سكت عنهما ، و أيضاً فإن اللّه تعالى أخبر الناس أن عصاتهم يكونون قرناء الشياطين يتخاصمون في النار ليزجرهم بذلك عن التمرد و العصيان ، و هذا المعنى مقصود في الأخبار ، فلهذا سكت عن ذلك في الوعد به . |