Geri

   

 

 

İleri

 

باب ما ينجي المؤمن من أهوال القبر و فتنته و عذابه

و ذلك خمسة أشياء : رباط . قتل . قول . بطن . زمان .

الأول : روى مسلم عن سلمان

قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : رباط يوم و ليلة خير من صيام شهر و قيامة ، و إن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله و أجرى عليه رزقه و أمن من الفتان فالرباط من أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت كما جاء في حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة [ الحديث ] . و قد تقدم و هو حديث صحيح ، انفرد بإخراجه مسلم ، و كذلك ما

أخرجه ابن ماجه و أبو نعيم من أنه يلحق الميت بعد موته ، فإن ذلك مما ينقطع بنفاده و ذهابه ، كالصدقة بنفادها ، و العلم بذهابه ، و الولد الصالح بموته ، و النخل بقطعه إلى غير ذلك مما ذكر ، و الرباط يضاعف أجره لصاحبه إلى يوم القيامة لقوله عليه الصلاة و السلام : و إن مات أجرى عليه عمله و قد جاء مفسراً مبيناً في كتاب الترمذي عن فضالة بن عبيد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل اللّه ، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة و يأمن من فتنة القبر .

قال : حديث حسن صحيح ، و

أخرجه أبو داود بمعناه و

قال : و يؤمن من فتاني القبر و لا معنى للنماء إلا المضاعفة و هي غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه ، بل هي فضل دائم من اللّه تعالى لأن أعمال البر لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو و التحرز منهم بحراسته بيضة الدين و إقامة شعائر الإسلام ، و هذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة .

و

خرجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : من مات مرابطاً في سبيل اللّه أجرى اللّه عليه عمله الصالح الذي كان يعمل و أجرى عليه و أمن من الفتان و يبعثه رزقه اللّه أميناً من الفزع الأكبر .

و خرج أبو نعيم الحافظ عن جبير بن بكير و كبير بن مرة و عمرو بن الأسود عن العرباض بن سارية رضي اللّه عنه : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل اللّه . فإنه ينمي عليه عمله يجري عليه رزقه إلى يوم الحساب .

و في هذا الحديث و حديث فضالة بن عبيد قيد ثان . و هو : الموت حالة الرباط و اللّه أعلم .

و روى عن عثمان بن عفان قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : من رابط ليلة في سبيل اللّه كانت له كألف ليلة صيامها و قيامها .

و روي عن أبي بن كعب

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لرباط يوم في سبيل اللّه من وراء عورة المسلمين محتسباً من غير شهر رمضان أعظم أجراً من عبادة مائة سنة صيامها و قيامها ، و رباط يوم في سبيل اللّه من وراء عورة المسلمين محتسباً من شهر رمضان أفضل عند اللّه و أعظم أجراً . أراه

قال : من عبادة ألف سنة صيامها و قيامها ، فإن رده اللّه إلى أهله سالماً لم يكتب عليه سيئة ألف سنة . و يكتب له من الحسنات و يجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة . فدل هذا الحديث على أن رباط يوم في شهر رمضان يحصل به الثواب الدائم و إن لم يمت مرابطاً و اللّه أعلم .

أخرجه عن محمد بن إسماعيل بن سمرة ، حدثنا محمد بن يعلى السلمي ، حدثنا عمرو بن صبيح ، عن عبد الرحمن بن عمرو ، عن مكحول ، عن أبي بن كعب فذكره .

مسألة الرباط : هو الملازمة في سبيل اللّه . مأخوذ من ربط الخيل ثم سمي ملازم لثغر من ثغور المسلمين : مرابطاً . فارساً كان أو راجلاً ، و اللفظة مأخوذة من الرباط ، و قول النبي صلّى اللّه عليه و سلم في منتظري الصلاة : فذلكم الرباط إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل اللّه ، و الرباط اللغوي هو الأول ، و هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما ، فأما سكان الثغور دائماً بأهلهم الذي يعمرون و يكتسبون هناك ، فهم و إن كانوا حماة فليسوا بمرابطين . قاله علماؤنا ، و قد بيناه في كتاب الجامع لأحكام القرآن من سورة آل عمران و الحمد للّه .

الثاني : روى النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن رجلاً قال يا رسول اللّه ، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟

قال : كفى ببارقة السيوف على رأس فتنة .

و خرج ابن ماجة في سننه و الترمذي في جامعه و غيرهما عن المقدام بن معدي كرب

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : للشهيد عند اللّه ست خصال : يغفر له في أول دفعة . و يرى مقعده من الجنة . و يجار من عذاب القبر . و يأمن من الفزع الأكبر . و يوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا و ما فيها . و يزوج إثنتين و سبعين زوجة من الحور العين ، و يشفع في سبعين من أقاربه لفظ الترمذي ، و قال حديث حسن صحيح غريب ، و قال ابن ماجه : [ يغفر له في أول دفعه من دمه

قال : و يحلى حلة الإيمان ] بدل : [ و يوضع على رأسه تاج الوقار ] قال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إسماعيل بن عياش

قال : حدثني بجير بن سعد ، و قال الترمذي : حدثنا عيد اللّه بن عبد الرحمن

قال : حدثنا نعيم بن حماد

قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن بجير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن المقدام بن معدي كرب . فذكره .

قال المؤلف و وقع في جميع نسخ الترمذي و ابن ماجه : [ ست خصال ] و هي في متن الحديث : [ سبع ] و على ما ذكر ابن ماجه : [ و يحلى بحلة الإيمان ] تكون ثمانية ، و كذا ذكره أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد بسنده عن المقدام بن معدي كرب

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : للشهيد عند اللّه ثمانية خصال .

الثالث : روى الترمذي عن ابن عباس

قال : ضرب رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم خباءه على قبره و هو لا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم ف

قال : يا رسول اللّه ضربت خبائي على قبر و أنا لا أحسب أنه قبر ، فإذا بقبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها . ف

قال صلّى اللّه عليه و سلم : هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر . قال حديث حسن غريب . و خرج أيضاً عنه صلّى اللّه عليه و سلم : أن من قرأها كل ليلة جاءت تجادل عن صاحبها . و روي أنها المجادلة تجادل عن صاحبها يعني قارئها في القبر ، و روي أن من قرأها كل ليلة لم يضره الفتان .

و أنبأنا الشيخ الفقيه الإمام المحدث أبو العباس أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي بثغر الإسكندرية حماه اللّه

قال : حدثني الشيخ الصالح أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن العربي المعافري ابن أخي الشيخ الإمام أبي بكر

قال : حدثني الشيخ الشريف أبو محمد يونس بن أبي الحسين بن أبي البركات الهاشمي البغدادي ، حدثنا أبو الوقت عن الداودي ، عن الحموي ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن خزيم الشاشي ، عن عبد اللّه بن حميد الكشي ، عن إبراهيم بن الحكم ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه قال لرجل : ألا أتحفك بحديث تفرح به ؟ قال الرجل : بلى يا ابن عباس رحمك اللّه .

قال : تبارك الذي بيده الملك احفظها و علمها أهلك و جمع ولدك و صبيان بيتك و جيرانك فإنها المنجية و المجادلة تجادل أو تخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها ، و تطلب له إلى ربها أن ينجيه من عذاب النار إذا كانت في جوفه و ينجي اللّه بها صاحبها من عذاب القبر . قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي و أخبرناه عالياً الشيخ المحدث أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم الأنصاري التلمساني بثغر الإسكندرية عن شيخه الشريف أبي محمد يونس عن أبي الوقت . و قد تقدم : أن قراءة الرجل قل هو اللّه أحد في مرض الموت تنجي من ذلك .

الرابع : روى ابن ماجه عن أبي هريرة

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : من مات مريضاً مات شهيداً ، و وقى فتنة القبر ، و غدى و ريح عليه برزقه من الجنة .

و خرج النسائي عن جامع بن شداد

قال : سمعت عبد اللّه بن يسار يقول : كنت جالساً عند سليمان بن صرد ، و خالد بن عرفطة فذكرا أن رجلاً مات ببطنه فإذا هما يشتهيان أن يشهدا جنازته . فقال أحدهما للآخر : ألم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : من يقتله بطنه لم يعذب في قبره .

أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده

قال : حدثنا شعبة ، قال ، أخبرني جامع بن شداد فذكره و زاد فقال الآخر : بلى .

الخامس : روى الترمذي ، عن ربيعة بن سيف ، عن عبد اللّه بن عمرو

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : ما من مسلم يموت يوم الجمعة ، أو ليلة الجمعة إلا وقاه اللّه فتنة القبر ، قال هذا حديث حسن غريب ، و ليس إسناده بمتصل ربيعة بن سيف إنما يروي عن عبد الرحمن الحبلي عن عبد اللّه بن عمرو ، و لا نعرف لربيعة بن سيف سماعاً من عبد اللّه بن عمرو .

قلت : قد

خرجه أبو عبد اللّه الترمذي في نوادر الأصول متصلاً عن ربيعة بن سيف الإسكندري ، عن عياض بن عقبة الفهري ، عن عبد اللّه بن عمرو

قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

قال : من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقاه اللّه فتنة القبر و

خرجه علي بن معبد عنه ـ أعني عبد اللّه بن عمرو الترمذي

قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول : من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقى فتنة القبر و

أخرجه أبو نعيم الحافظ من حديث محمد بن المنكدر عن جابر رضي اللّه عنه

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر ، و جاء يوم القيامة و عليه طابع الشهداء . غريب من حديث جابر و محمد تفرد به عمر بن موسى الوجيهي و هو مدني فيه لين عن محمد بن جابر .

فصل :

قلت : اعلم رحمك اللّه أن هذا الباب لا يعارض ما تقدم من الأبواب ، بل يخصصها و يبين من لا يسأل في قبره و لا يفتن فيه ، ممن يجري عليه السؤال ، و يقاسي تلك الأهوال و هذا كله ليس فيه مدخل للقياس و لا مجال للنظر فيه . و إنما فيه التسليم و الانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد صلّى اللّه عليه و سلم .

و قد روى ابن ماجه في سننه عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : إذا دخل الميت في قبره مثلت له الشمس عند غروبها فيجلس فيمسح عينيه و يقول : دعوني أصلي و لعل هذا ممن وقى فتنة القبر فلا تعارض و الحمد للّه .

فصل : قوله عليه السلام في الشهيد كفي ببارقة السيوف على رأسه فتنة معناه : أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق كان إذا التقى الزحفان ، و برقت السيوف فروا لأنه من شأن المنافق : الفرار و الروغان عند ذلك . و من شأن المؤمن : البذل و التسليم للّه نفساً و هيجان حمية اللّه ، و التعصب له ، لإعلاء كلمته . فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره حيث برز للحرب و القتل ، فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر ؟ قاله الترمذي الحكيم .

قلت : و إذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل خطراً و أعظم أجراً ، فهو أحرى أن لا يفتن لأنه المقدم ذكره في التنزيل على الشهداء في قوله تعالى : فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و قد جاء في المرابط الذي هو أقل مرتبة من الشهيد أنه لا يفتن ، فكيف بمن هو أعلى مرتبة منه و من الشهيد ؟ و اللّه أعلم فتأمله .

فصل : قوله عليه السلام : من مات مريضاً مات شهيداً عام في جميع الأمراض لكن قيده قوله في الحديث الآخر : من يقتله بطنه و فيه قولان :

أحدهما : أنه الذي يصيبه الذرب و هو الإسهال تقول العرب أخذه البطن إذا أصابه الداء و ذرب الجرح إذا لم يقبل الدواء و ذربت معدته فسدت .

الثاني : أنه الاستسقاء و هو أظهر القولين فيه ، لأن العرب تنسب موته إلى بطنه تقول قتله بطنه يعنون الداء الذي أصابه في جوفه و صاحب الاستسقاء قل إن يموت إلا بالذرب فكأنه قد جمع الوصفين و غيرهما من الأمراض و الوجود شاهد للميت بالبطن إن عقله لا يزال حاضراً ، و ذهنه باقياً إلى حين مكوته و مثل ذلك صاحب السل إذ موت الآخر إنما يكون بالذرب ، و ليست حالة هؤلاء كحال من يموت فجأة أو من يموت بالسام و البرسام ، و الحميات المطبقة أو القولنج أو الحصاة فتغيب عقولهم لشدة الآلام ، و لزوم أدمغتهم ، و لفساد أمزجتها ، فإذا كان الحال هكذا فالميت يموت و ذهنه حاضر و هو عارف . و اللّه أعلم .