باب لا تخرج روح عبد مؤمن أو كافر حتى يبشر و أنه يصعد بها ابن المبارك قال : أخبرنا حيوة قال : أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت ف قال : السلام عليك يا ولي اللّه ، اللّه يقرئك السلام ثم نزع بهذه الآية الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم . و قال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام . و عن البراء بن عازب في قوله : تحيتهم يوم يلقونه سلام فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه ، لا يقبض روحه حتى يسلم عليه . وقال مجاهد : إن المؤمن ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر عينه . ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحاً قالوا : أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب . أخرجي حميدة وأبشري روح وريحان ورب راض غير غضبان . فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيفتح لها في قال : من هذا ؟ فيقولون : فلان بن فلان في قال : مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب . ادخلي حميدة و أبشري بروح و ريحان و رب راض غير غضبان . فلا يزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء التي فيها اللّه تعالى . فإذا كان الرجل السوء قال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث . أخرجي ذميمة و أبشري بجحيم وغساق لآخر من شكله أزواج . فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها في قال : من هذا ؟ في قال : فلان . في قال : لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث . ارجعي ذميمة فإنها لا تفتح لك أبواب السماء . فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر . خرجه عن أبي بكر بن أبي شبيبة . قال : حدثنا شبابة بن يسار ، سوار عن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة و هذا إسناد صحيح ثابت اتفق على رجاله البخاري و مسلم ما عدا ابن أبي شيبة فإنه لمسلم وحده خرجه عبد بن حميد أيضاً عن ابن أبي ذئب قال محمد بن عمر ، فحدثني سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : إن الميت تحضرة الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها الروح الطيبة فذكره مسلم عن أبي هريرة قال : إذا خرجت روح العبد المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها . قال حماد : فذكر من طيب ريحها و ذكر المسك : قال و يقول أهل السماء : روح طيبة جاءت من قبل الأرض . صلّى اللّه عليك و على جسد كنت تعمرينه . فينطلق بها إلى ربه ثم يقول : انطلقوا بها إلى آخر الأجل ، و إن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد : و ذكر من نتنها و ذكر لعناً . و يقول أهل السماء : روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال : في قال : انطلقوا بها إلى آخر الآجل قال أبو هريرة : فرد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا . البخاري . عن عبادة بن الصامت عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه ، و من كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه ، فقالت عائشة ـ أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت ف قال : ليس ذاك و لكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان من اللّه و كرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء اللّه و أحب اللّه لقاءه و إن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب اللّه و عقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء اللّه و كره اللّه لقاءه ، أخرجه مسلم و ابن ماجه من حديث عائشة و ابن المبارك من حديث أنس رضي اللّه عنه . فصل : هذا الحديث . و إن كان مفسراً مبيناً . فقد روي عن عائشة رضي اللّه عنها في تفسير هذا الحديث أنها قالت لشريح بن هاني و قد سألها عما سمعه من أبي هريرة و ليس بالذي تذهب إليه ، و لكن إذا شخص البصر و حشرج الصدر و اقشعر الجلد تشنجت الأصابع فعند ذلك من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه ، و من كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه . خرجه مسلم . و روي عنها أيضاً في تفسيره أنها قالت إذا أراد اللّه بعبد خيراً قيض به قبل موته بعام ملكاً فسدده و وقفه حتى يقول الناس : مات فلان خير ما كان ، فإذا أحضر و رأى ثوابه تهوع نفسه أو قال تهوعت نفسه ، فذلك حين أحب لقاء اللّه و أحب اللّه لقاءه ، و إذا أراد اللّه بعبده شراً قيض له قبل موته بعام شيطاناً فأضله و فتنه حتى يقول الناس مات فلان شر ما كان فإذا أحضر و رأى ما ينزل به من العذاب تبلغ نفسه فذلك حين يكره لقاء اللّه و كره اللّه لقاءه . و خرج الترمذي في أبواب القدر عن أنس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : إن اللّه عز و جل إذا أراد بعبد خيراً استعمله . فقيل : كيف يستعمله يا رسول اللّه ؟ قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت . قال أبو عيسى هذا حديث صحيح . قال الشيخ المؤلف رحمه اللّه و منه الحديث الآخر : إذا أراد اللّه بعبده خيراً عسله . قالوا يا رسول اللّه و ما عسله ؟ قال : يفتح اللّه له عملاً صالحاً بين يدي موته متى يرضى عنه من حوله . و عن قتادة في تفسير قوله تعالى : فروح و ريحان قال : الروح : الرحمة ، و الريحان : تتلقاه به الملائكة عند الموت . و روى ابن جريج عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال لعائشة : في تفسير قوله تعالى : حتى إذا جاء أحدهم الموت قال : رب ارجعون إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا ؟ فيقول إلى دار الهموم و الأحزان ؟ و يقول قدماً إلى اللّه عز و جل ، وإما الكافر فيقولون : نرجعك إلى الدنيا ؟ فيقول : ارجعون * لعلي أعمل صالحاً الآية وإما قوله في الحديث حتى ينتهي إلى السماء التي فيها اللّه تعالى فالمعنى أمر اللّه و حكمه و هي السماء السابعة التي عندها سدرة المنتهى التي إليها يصعد ما يعرج به من الأرض و منها يهبط ما ينزل به منها . كذا في صحيح مسلم من حديث الإسراء . و في حديث البارء أنه ينتهي به إلى السماء و سيأتي إن شاء اللّه تعالى . و قد كنت تكلمت مع بعض أصحابنا القضاة ممن له علم و نظر ، و معنا جماعة من أهل النظر فيما ذكر أبو عمر بن عبد البر من قوله : الرحمن على العرش استوى فذكرت له هذا الحديث فما كان منه إلا أن بادر إلى عدم صحته و لعن رواته و بين أيدينا رطب نأكله ، فقلت له : الحديث صحيح خرجه ابن ماجه في السنن و لا ترد الأخبار بمثل هذا القول ، بل تتأول و تحمل على ما يليق من التأويل و الذين رووا لنا الصلوات الخمس و أحكامها ، فإن صدقوا هنا صدقوا هناك و إن كذبوا هناك و لا تحصل الثقة بأحد منهم فيما يرويه . و قد خرج البزار في مسنده من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال : إن المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك و ضبائر ريحان فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين و يقال : يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضياً عنك إلى روح اللّه و كرامته ، فإذا خرجت روحه و ضعت على ذلك المسك و الريحان و طيت عليها الحريرة و ذهب بها إلى عليين و إن الكافر إذا احتضرا أتته الملائكة بمسح فيه جمرة ، فتنزع روحه انتزاعاً شديداً و يقال : أيتها النفس الخبيثة اخرجي ساخطة مسخوطاً عليك إلى هوان اللّه و عذابه ، فإذا خرجت روحه وضعت على تلك الجمرة ، و يطوى عليها المسح و يذهب بها إلى سجين . قال الشيخ المؤلف رحمه اللّه : فقوله في روح المؤمن : يذهب بها إلى عليين هو معنى ما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم إلى السماء التي فيها اللّه . و الأحاديث يقسر بعضها بعضاً و لا إشكال . و ذكرته عند بعض من يتسم بالعلم و الفقه و القضاء فلم يكن منه إلا أن بادر بلعن من رواه و نقله . فظن منه التجسيم . فقلت له : الحديث صحيح و الذين رووه هم الذين جاءوا بالصلوات الخمس و غيرها من أمور الدين ، فإن كذبوا هنا كذبوا هنالك ، و إن صدقوا هنا صدقوا هنالك . و التأويل مزيل ما توهمته . و كان في ذلك كلام . و حضره جماعة من أهل الفقه و النظر فذكرت له ما ذكرناه ، و ذكرت له حديث التنزيل وقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى و ما تأوله العلماء في ذلك ، و سيأتي من ذلك في هذا الكتاب ما فيه كفاية لمن اهتدى و الحمد للّه . وإما قوله ، في حديث محمد بن كعب أول الباب ، إذا استنقعت نفس المؤمن ، فقال شمر لا أعرفه و سمعت الزهري يقول : يعني إذا اجتمعت في فيه حين تريد أن تخرج كما يستنقع الماء في قراره ، و النفس : الروح ها هنا حكاه الهروي . |