باب لا يموت أحد و هو يحسن باللّه الظن و في الخوف من اللّه تعالى مسلم عن جابر قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول قبل وفاته بثلاثة أيام : لا يموتن أحدكم إلا و هو يحسن الظن باللّه أخرجه البخاري . و ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن باللّه و زاد : فإن قوماً قد أرادهم سوء ظنهم باللّه فقال لهم تبارك و تعالى : و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين . ابن ماجه ، عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم دخل على شاب و هو في الموت ف قال : كيف تجدك ؟ ف قال : أرجو اللّه يا رسول اللّه و أخاف ذنوبي ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن في مثل هذا الموطن إلا عطاء اللّه ما يرجو و أمنه مما يخاف . ذكره ابن أبي الدنيا أيضاً ، و خرجه الترمذي و قال : هذا حديث حسن غريب . و قد روى بعضهم هذا الحديث عن ثابت عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم مرسلاً . و ذكر الترمذي الحكيم في الأصل السادس و الثمانين من نوادر الأصول : حدثنا يحيى بن حبيب عن عدي قال ، حدثنا بشر المفضل عن عوف عن الحسن أنه قال : بلغني عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال : قال ربكم عز و جل : لا أجمع على عبدي خوفين و لا أجمع له أمنين . فمن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة و من أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة . حدثنا أبو بكر بن سابق الأموي قال أبو مالك الجنبي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فيما يذكر من مناجاة موسى عليه السلام أنه قال : يا موسى إنه لن يلقاني عبد لي في حاضر القيامة إلا فتشته عما في يديه إلا ما كان من الورعين فإني أستحييهم و أجلهم فأكرمهم فأدخلهم الجنة بغير حساب فمن استحيى من اللّه تعالى في الدنيا مما صنع استحيى اللّه تعالى من تفتيشه و سؤاله . و لم يجمع عليه حياءين ، كما لا يجمع عليه خوفين . فصل : حسن الظن باللّه تعالى ، ينبغي أن يكون أغلب على العبد عند الموت منه في حال الصحة ، و هو أن اللّه تعالى يرحمه و يتجاوز عنه و يغفر له و ينبغي لجلسائه أن يذكروه بذلك حتى يدخل في قوله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء . و روى حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم : لا يموتن أحدكم حتى يحسن الظن باللّه . فإن حسن الظن باللّه ثمن الجنة و روى عن ابن عمر أنه قال : [ عمود الدين و غاية مجده و ذروة سنامة : حسن الظن باللّه . فمن مات منكم و هو يحسن الظن باللّه : دخل الجنة مدلاً ] أي منبسطاً لا خوف عليه . و قال عبد اللّه بن مسعود : [ و اللّه الذي لا إله إلا غيره . لا يحسن أحد الظن باللّه إلا أعطاه اللّه ظنه و ذلك أن الخير بيده ] . و ذكر ابن المبارك قال أخبر سفيان : أن ابن عباس قال : إذا رأيتم بالرجل الموت فبشروه ليلقي ربه و هو حسن الظن به ، و إذا كان حياً فخوفوه و قال الفضيل : الخوف أفضله من الرجاء . ما كان العبد صحيحاً فإذا نزل به الموت ، فالرجاء أفضل من الخوف . و ذكر ابن أبي الدنيا : قال ، حدثنا يحيى بن عبد اللّه بن البصري . قال حدثنا سوار بن عبد اللّه قال حدثنا المعتمر . قال : قال أبي حين حضرته الوفاة : يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى اللّه و أنا أحسن الظن به . قال : و حدثنا عمرو بن محمد الناقد . قال : حدثنا خلف بن خليفة عن حصين عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند الموت ، حتى يحسن ظنه بربه عز و جل . و قال ثابت البناني : كان شاب به رهق فلما نزل به الموت انكبت عليه أمه و هي تقول : يا بني قد كنت أحذرك مصرعك هذا ، قال : يا أماه إن لي رباً كثير المعروف ، و إني لأرجو اليوم أن لا يعدمني بعض معروفه ، فقال ثابت : فرحمه اللّه يحسن ظنه باللّه في حاله تلك . و قال عمر بن ذر يوماً في كلامه ـ و عنده ابن أبي داود و أبو حنيفة ـ أتعذبنا و في أجوافنا التوحيد ؟ لا أراك تفعل . اللّهم اغفر لمن لم يزل على مثل حال السحرة في الساعات التي غفرت لهم ، فإنهم قالوا : آمنا برب العالمين فقال أبو حنيفة : رحمك اللّه القصص بعدك حرام . و كان يحيى بن زكريا إذا لقي عيسى بن مريم عليهما السلام : عبس ، و إذا لقيه عيسى ، تبسم ، فقال له عيسى : تلقاني عابساً كأنك آيس ؟ فقال له يحيى : تلقائي ضاحكاً كأنك آمن ؟ فأوحى اللّه تبارك و تعالى إليهما : إن أحبكما إلي أحسنكما ظناً بي ذكره الطبري . و قال زيد بن أسلم : يؤتي بالرجل يوم القيامة ، في قال : انطلقوا به إلى النار فيقول : يا رب فأين صلاتي و صيامي ؟ فيقول اللّه تعالى : اليوم أقنطك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي من رحمتي . و في التنزيل : قال : و من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون و سيأتي لهذا الباب مزيد بيان في باب سعة رحمة اللّه و عفوه يوم القيامة ، إن شاء اللّه تعالى . |