Geri

   

 

 

İleri

 

باب ما جاء أن للموت سكرات و في تسليم الأعضاء بعضها على بعض و فيما يصير الإنسان إليه

وصف اللّه سبحانه و تعالى شدة الموت في أربع آيات :

الأولى : قوله الحق : و جاءت سكرة الموت بالحق .

الثانية : قوله تعالى : و لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت .

الثالثة : قوله تعالى : فلولا إذا بلغت الحلقوم .

الرابعة : كلا إذا بلغت التراقي .

روى البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء . فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه و يقول لا إله إلا اللّه إن للموت سكرات ثم نصب يديه فجعل يقول : في الرفيق الأعلى حتى قبض و مالت يده .

و خرج الترمذي عنها قالت : [ ما أغبط أحداً بهون موت . بعد الذي رأيت من شدة موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ] .

و في البخاري عنها قالت : [ مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و إنه لبين حاقنتي و ذاقنتي . فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي صلّى اللّه عليه و سلم ] الحاقنة : المطمئن بين الترقوة و الحلق ، و الذاقنة : نقره الذقن و قال الخطابي : الذاقنة : ما تناوله الذقن من الصدر .

و ذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن جابر بن عبد عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : تحدثوا عن بني إسرائيل . فإنه كانت فيهم أعاجيب . ثم أنشأ يحدثنا

قال : [ خرجت طائفة منهم فأتوا على مقبرة من مقابرهم فقالوا لو صلينا ركعتين و دعونا اللّه يخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت

قال : ففعلوا . فبينما هم كذلك إذا طلع رجل رأسه بيضاء ، أسود اللون خلا شيء ، بين عينيه أثر السجود فقال يا هؤلاء ما أردتم إلي ؟ لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن . فادعوا اللّه أن يعيدني كما كنت ] .

و روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة

قال : حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم

قال : إن العبد ليعالج كرب الموت و سكرات الموت و إن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول : عليك السلام تفارقني و أفارقك إلى يوم القيامة .

و ذكر المحاسبي في الرعاية : أن اللّه تعالى قال لإبراهيم عليه السلام : [ يا خليلي كيف وجدت الموت ؟

قال : كسفود محمى جعل في صوف رطب ، ثم جذب

قال : [ أما إنا قد هونا عليك يا إبراهيم ] .

و روى أن موسى عليه السلام لما صار روحه إلى اللّه . قال له ربه : [ يا موسى كيف وجدت الموت ] ؟

قال : وجدت نفسي كالعصفور الحي حين يقلى على المقلى لا يموت فيستريح و لا ينجو فيطير .

و روى عنه أنه

قال : وجدت نفسي كشاة تسلخ بيد القصاب و هي حية . و قال عيسى بن مريم عليه السلام :[ يا معشر الحواريين ادعوا اللّه أن يهون عليكم هذه السكرة ] يعني سكرات الموت .

و روي : أن الموت أشد من ضرب بالسيوف و نشر بالمناشير ، و قرض بالمقاريض .

و ذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب الحلية من حديث مكحول ، عن وائلة ابن الأسقع عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه

قال : و الذي نفسي بيده لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف و سيأتي بكماله إن شاء اللّه تعالى .

و في الخبر من حديث حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن الملائكة تكتنف العبد ، و تحبسه ، و لولا ذلك لكان يعدو في الصحاري و البراري من شدة سكرات الموت . و جاءت الرواية بأن ملك الموت عليه السلام إذا تولى اللّه قبض نفسه بعد موت الخلائق يقول : [ و عزتك لو علمت من سكرة الموت ما أعلم ما قبضت نفس مؤمن ] . ذكره القاضي أبو بكر بن العربي .

و عن شهر بن حوشب

قال : سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن الموت و شدته ؟ ف

قال : إن أهون الموت بمنزلة حسكة كانت في صوف . فهل تخرج الحسكة من الصوف إلا و معها الصوف ؟

قال شهر : و لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال له ابنه يا أبتاه ؟ إنك لتقول لنا : ليتني كنت ألقى رجلاً عاقلاً لبيباً عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد . و أنت ذلك الرجل فصف لي الموت ف

قال : يا بني و اللّه كأن جنبي في تخت . و كأني أتنفس من سم إبرة . و كأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي . ثم أنشأ يقول :

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في تلال الجبال أرعى الوعولا

و عن أبي ميسرة رفعه

قال : [ لو أن ألم شعرة من الميت وضع على أهل السماء و الأرض لماتوا جميعاً ] و أنشدوا :

أذكر الموت و لا أرهبه إن قلبي لغليظ كالحجر

أطلب الدنيا كأني خالد و ورائي الموت يقفو بالأثر

و كفى بالموت فاعلم واعظاً لمن الموت عليه قد قدر

و المنايا حوله ترصده ليس ينجي المرء منهن المفر

و قال آخر :

بينا الفتى مرح الخطا فرح بما يسع له إذ قيل : قد مرض الفتى

إذ قيل : بات بليلة ما نامها إذ قيل : أصبح مثخناً ما يرتجى

إذ قيل : أصبح شاخصاً و موجها و معللاً . إذ قيل : أصبح قد قضى

فصل : أيها الناس : قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه ، و حان للغافل أن يتنبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه ، و قبل سكون حركاته ، و خمود أنفاسه ، و رحلته إلى قبره ، و مقامه بين أرماسه .

و روى عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أناس من أصحابه يوصيهم فكان فيما أوصاهم به أن كتب إليهم :

[ أما بعد : فإني أوصيكم بتقوى اللّه العظيم ، و المراقبة له ، و اتخذوا التقوى و الورع زاداً . فإنكم في دار عما قريب تنقلب بأهلها ، و اللّه في عرضات القيامة و أهوالها . يسألكم عن الفتيل و النقير . فاللّه اللّه عباد اللّه . اذكروا الموت الذي لا بد منه ، و اسمعوا قول اللّه تعالى : كل نفس ذائقة الموت .

و قوله عز و جل : كل من عليها فان .

و قوله عز و جل : فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم فقد بلغني ـ و اللّه أعلم ـ أنهم يضربون بسياط من نار .

و قال جل ذكره : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون .

و قد بلغني ـ و اللّه أعلم و أحكم ـ أن ملك الموت رأسه في السماء و رجلاه في الأرض و أن الدنيا كلها في يد ملك الموت كالقصعة بين يدي أحدكم يأكل منها . و قد بلغني ـ و اللّه أعلم و أحكم ـ أن ملك الموت ينظر في وجه كل آدمي ثلاثمائة نظرة و ستاً و ستين نظرة .

و بلغني أن ملك الموت ينظر في كل بيت تحت ظل السماء ستمائة مرة .

و بلغني أن ملك الموت قائم وسط الدنيا فينظر الدنيا كلها برها و بحرها و جبالها و هي بين يديه كالبيضة بين رجلي أحدكم .

و بلغني أن لملك الموت أعواناً اللّه أعلم بهم ليس منهم ملك إلا لو أذن له أن يلتقم السموات و الأرض في لقمة واحدة لفعل .

و بلغني أن ملك الموت تفزغ منه الملائكة أشد من فزع أحدكم من السبع .

و بلغني أن حملة العرش إذا قرب ملك الموت من أحدهم ذاب حتى يصير مثل الشعرة من الفزع منه

و بلغني أن ملك الموت ينتزع روح بني آدم من تحت عضوه و ظفره و عروقه و شعره و لا تصل الروح من مفصل إلى مفصل إلا كان أشد عليه من ألف ضربة بالسيف .

و بلغني أنه لو وضع وجع شعرة من الميت على السموات و الأرض لأذابها حتى إذا بلغت الحلقوم و لي القبض ملك الموت .

و بلغني أن ملك الموت إذا قبض روج مؤمن جعلها في حريرة بيضاء و مسك أذفر . و إذا قبض روح الكافر جعلها في خرقة سوداء في فخار من نار أشد نتناً من الجيف .

و في الخبر إذا دنت منية المؤمن نزل عليه أربعة من الملائكة : ملك يجذب النفس من قدمه اليمنى و ملك يجذبها من قدمه اليسرى ، و النفس تنسل انسلال القطرة من السقاء و هم يجذبونها من أطراف البنان و رؤوس الأصابع . و الكافر تنسل روحه كالسفود من الصوف المبتل . ذكره أبو حامد في كشف علوم الآخرة فمثل نفسك يا مغرور و قد حلت بك السكرات ، و نزل بك الأنين و الغمرات فمن قائل يقول : إن فلاناً قد أوصى و ماله قد احصى ، و من قائل يقول : إن فلاناً ثقل لسانه ، فلا يعرف جيرانه ، و لا يكلم إخوانه ، فكأني أنظر إليك تسمع الخطاب ، و لا تقدر على رد الجواب ، ثم تبكي ابنتك و هي كالأسيرة ، و تتضرع و تقول : حبيبي أبي من ليتمي من بعدك ؟ و من لحاجتي ؟ و أنت و اللّه تسمع الكلام و لا تقدر على رد الجواب و أنشدوا :

و أقبلت الصغرى تمرغ خدها على وجنتي حيناً و حيناً على صدري

و تخمش خديها و تبكي بحرقة تنادي : أبي إني غلبت على الصبر

حبيبي أبي من لليتامى تركتهم كأفراخ زغب في بعيد من الوكر ؟

فخيل لنفسك يا ابن آدم إذا أخذت من فراشك ، إلى لوح مغتسلك فغسلك الغاسل ، و ألبست الأكفان ، و أوحش منك الأهل و الجيران ، و بكت عليك الأصحاب و الإخوان ، و قال الغاسل أين زوجة فلان تحاللّه ؟ و أين اليتامى ترككم أبوكم فما ترونه بعد هذا اليوم أبداً ؟ و أنشدوا :

ألا أيها المغرور ما لك تلعب تؤمل آمالاً و موتك أقرب

و تعلم أن الحرص بحر مبعد سفينته الدنيا فإياك تعطب

و تعلم أن الموت ينقص مسرعاً عليك يقينا طعمه ليس يعذب

كأنك توصي و اليتامى تراهم و أمهم الثكلى تنوح و تندب

تغص بحزن ثم تلطم وجهها يراها رجال بعد ما هي تحجب

و أقبل بالأكفان نحوك قاصد و يحثى عليك الترب و العين تسكب

فصل : قول عائشة رضي اللّه عنها : كانت بين يديه ركوة أو علبة العلبة : قدح من خشب ضخم يحلب فيه ، قال ابن فارس في المجمل و قال الجوهري في الصحاح العلبة محلب من جلد ، و الجمع علب و علاب ، والمعلب الذي يتخذها . . .

قال الكميت يصف خيلاً :

سقينا دما القوم طوراً ، و تارة صبوحاً لإقتار الجلود المعلب

و قيل : أسفله جلد و أعلاه خشب مدور مثل إطار الغربال ، و هو الدائر به ،

و قيل : هو عس يحلب فيه . و العس : القدح الضخم . و قال اللغوي أبو هلال الحسن بن عبد اللّه بن سهل العسكري في كتاب التلخيص له : و العلبة : قدح للأعراب مثل العس ، و العس يتخذ من جنب جلد البعير و الجمع علاب ،

و قوله : إن الموت سكرات أي شذائد و سكرة الموت شدته .

فصل : قال علماؤنا رحمة اللّه عليهم : فإذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء و المرسلين و الأولين و المتقين فمالنا عن ذكره مشغولين ؟ و عن الاستعداد له متخلفين ؟ قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون قالوا : و ما جرى على الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين من شدائد الموت و سكراته ، فله فائدتان .

إحداهما : أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت و أنه باطن و قد يطلع الإنسان على بعض الموتى فلا يرى عليه حركة و لا قلقاً و يرى سهولة خروج روحه ، فيغلب على ظنه سهولة أمر الموت و لا يعرف ما الميت فيه ؟ فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم : شدة ألمه ، مع كرامتهم على اللّه تعالى و تهونيه على بعضهم ، قطع الخلق بشدة الموت الذي يعانيه و يقاسيه الميت مطلقاً لإخبار الصادقين عنه ، ما خلا الشهيد قتيل الكفار على ما يأتي ذكره .

الثانية : ربما خطر لبعض الناس أن هؤلاء : أحباب اللّه ، و أنبياؤه و رسله ، فكيف يقاسون هذه الشدائد العظيمة ؟ و هو سبحانه قادر أن يخفف عنهم أجمعين ، كما قال في قصة إبراهيم :

أما إنا قد هونا عليك . فالجواب : أن أشد الناس بلاء في الدنيا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كما قال نبينا عليه السلام .

خرجه البخاري و غيره ، فأحب اللّه أن يبتليهم تكميلاً لفضلاً لديه ، و رفعة لدرجاتهم عنده ، و ليس ذلك في حقهم نقصاً ، و لا عذاباً . بل هو كما قال ، كمال رفعة ، مع رضاهم بجميل ما يجزي اللّه عليهم ، فأراد الحق ، سبحانه أن يختم لهم بهذه الشدائد ، مع إمكان التخفيف و التهوين عليهم ، ليرفع منازلهم ، و يعظم أجورهم قبل موتهم .

كما ابتلى إبراهيم بالنار ، و موسى بالخوف و الأسفار ، و عيسى بالصحارى و القفاز ، و نبينا محمداً صلّى اللّه عليه و سلم بالفقر في الدنيا و مقاتلة الكفار ، كل ذلك لرفعة في أحوالهم ، و كمال في درجاتهم ، و لا يفهم من هذا أن اللّه شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة المخلطين فإن ذلك عقوبة لهم ، و مؤاخذة على إجرامهم فلا نسبة بينه و بين هذا .

فصل : إن قال قائل : كل المخلوقات تجد هذه السكرات ؟ قيل له : قال بعض العلماء قد وجب بحكم القول الصدق ، و الكلمة الحق ، أن الكأس مر المذاق ، و إن قد ذيق و يذاق و لكن ثم فريقان ، و تقديرات و أوزان ، و إن اللّه سبحانه و تعالى لما انفرد بالبقاء وحده لا شريك له و أجرى سنة الهلاك و الفناء على الخلق دونه ، خالف في ذلك جل جلاله بين المخلوقات ، و فرق بين المحسوسات ، بحسب ما خالف بين المنازل و الدرجات ، فنوع أرضي حيواني . إنساني و غير إنساني و فوقه عالم روحاني و ملأ علواني رضواني ، كل يشرب من ذلك الكأس جرعته . و بغتص منه غصته ،

قال اللّه تعالى : كل نفس ذائقة الموت .

قال أبوحامد في كتاب الكشف علوم الأخرة : و ثبت ذلك في ثلاثة مواضع من كتابه ، و إنما أراد سبحانه بالموتات الثلاث للعالمين : فالمتحيز إلى العالم الدنيوي يموت ، و المتحيز إلى العالم الملكوتي يموت ، و المتحيز إلى العالم الجبروتي يموت ، فالأول آدم و ذرتيه و جميع الحيوان على ضروبه ، و الملكوتي و هو الثاني أصناف الملائكة و الجن ، و أهل الجبروت هم المصطفون من الملائكة .

قال اللّه تعالى : اللّه يصطفي من الملائكة رسلاً و من الناس فهم كروبيون و حملة العرش و أصحاب سر دقات الجلال كما وصفهم اللّه في كتابه و أثنى عليهم حيث يقول و من عنده لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون * يسبحون الليل و النهار لا يفترون و هم أهل حضرة القدس المعنيون بقوله تعالى : لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين و هم يموتون على هذه المكانة من اللّه تعالى و القربة ، و ليس زلفاهم بمانع لهم من الموت .

قال ابن قسي : و كما تفرقت الطرق بهذه العوالم كذلك تفرقت طرقت الإحساسات في اجتراع الغصص و المرارات فإحساس روحاني للروحانيات كما يجده النائم في سنته ، أو الغصة الوجيعة تغصه في نومته فيغص منها في حال رقدته و يتململ ذلك إلى حين يقتظه ، حتى إذا استيقظ لم يجده شيئاً و وجد الإنس عنده فأزال ألمه ، و وافاه أمانه و نعمه ، و إحساس علوي قدسي كما يجده الوسنان الروحانية . و هو ما لا يدركه العقل البشري إلا توهما ، و لا يبلغه التحصيل إلا تخيلاً و توسماً ، و إحساس بشري سفلي إنسي و جني ، و هو ما لا يكاد أن توصف شدائده ، و غصصه ، فكيف و قد قالوا بالغصة الواحدة منه كألف ضربة السيف فما عسى أن ينعت و يوصف و هذا الذي لا يمكن أن يعرف ؟ و الخلق أيضاً في هذا الإحساس فرق ، يختلفون باختلاف المنازل و الطرق ، فالفرقة الإسلامية في نفسها لا تجد منه غير الإسلامية ، ثم الإسلامية نفسها لا تجد منه النبوية ، كما تجد التبعية . ثم النبوية في ذاتها و مقاماتها إحساساتها تختلف على حكم الكلمة و صدق القيا باختلاف التقديم و التفضيل ،

قال اللّه تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ، منهم من كلم اللّه ، و رفع بعضهم درجات الآية . و قد نبهت الخلة الذاتية عزت سبحاتها ، و تقدست صفاتها ، على صفة ذلك عن إبراهيم و أشارت إلى تهوين الأمر عليه ، و تبين ما خفف عنه ، صلوات اللّه و سلامه عليه ، ف

قال :

أما إنا قد هونا عليك يا إبراهيم و ما وصفه الحق جل جلاله بالهون فلا أهون منه ، كما ما كبره و عظمه فلا أكبر و لا أعظم منه ، و لا فرق بين أن

قال : موتاً هيناً و ملكاً عظيماً كبيراً ، و قال في نعيم الجنة و إذا رأيت ثم رأيت نعيماً و ملكاً كبيراً فكما أنه لا أكبر من ملك الجنة . كذلك لا هون من موت الخلة ، و اللّه أعلم .

فصل : إذا ثبت ما ذكرناه . فاعلم : أن الموت هو الخطب الأفظع ، و الأمر الأشنع و الكأس التي طعمها أكره و أبشع ، و أنه الحارث الأهذم للذات و الأقطع للراحات ، و الأجلب للكريهات ، فإن أمراً يقطع أوصالك ، و يفرق أعضاءك ، و يهدم أركانك ، لهو الأمر العظيم ، و الخطب الجسيم ، و إن يومه لهو اليوم العظيم .

و يحكى أن الرشيد لما اشتد مرضه أحضر طبيباً طوسياً فارسياً و أمر أن يعرض عليه ماؤه أي بوله مع مياه كثيرة لمرضى و أصحاء ، فجعل يستعرض القوارير حتى رأى قارورة الرشيد ف

قال : قولوا : لصاحب هذا الماء يوصي . فإنه قد انحلت قواه ، و تداعت بنيته ، و لما استعرض باقي المياه أقيم فذهب ، فيئس الرشيد من نفسه و أنشد :

إن الطيب بطبه و دوائه لا يستطيع دفاع نحب قد أتى

ما للطبيب يموت بالداء الذي قد كان أبرأ مثله فيما مضى

مات المداوي ، و المداوى ، و الذي جلب الدواء أو باعه ، و من اشترى

و بلغه أن الناس أرجفوا بموته . فاستدعى حماراً و أمر أن يحمل عليه فاسترحت فخذاه . ف

قال : أنزلوني صدق المرجفون ، و دعا بأكفان فتخير منها ما أعجبه و أمر فشق له قبر أمام فراشه ثم اطلع فيه ف

قال : ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية . فمات من ليلته ، فما ظنك ـ رحمك اللّه ـ بنازل ينزل بك فيذهب رونقك و بهاك و يغير منظرك و رؤياك ، و يمحو صورتك و جمالك ، و يمنع من اجتماعك و اتصالك ، و يردك بعد النعمة و النضرة ، و السطوة و القدرة ، و النخوة و العزة ، إلى حالة يبارد فيها أحب الناس إليك ، و أرحمهم بك ، و أعطفهم عليك ، فيقذفك في حفرة من الأرض قريبة أنحاؤها مظلمة أرجاؤها ، محكم عليك حجرها و صيدانها ، فتحكم فيك هوامها و ديدانها ، ثم بعد ذلك تمكن منك الأعدام و تختلط بالرغام ، و تصير تراباً توطأ بالأقدام ، و ربما ضرب منك الإناء فخار ، أو أحكم بك بناء جدار ، أو طلي بك محس ما ، أو موقد نار .

كما روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه يأتي بإناء ماء ليشرب منه فأخذه بيده و نظر إليه و

قال : اللّه أعلم كم فيك من عين كحيل ، و خذ أسيل .

و يحكى أن رجلين تنازعاً و تخاصماً في أرض فأنطلق اللّه عزوجل لبنة من حائط من تلك الأرض فقالت : يا هذان فيم تتنازعان ؟ و فيم تتخاصمان ؟ إني كنت ملكاً من الملوك ملكت كذا و كذا سنة ثم مت و صرت تراباً . فبقيت كذلك ألف سنة ثم أخذني خزاف ـ يعني فخاراً فعمل مني إناء فاستعملت حتى تكسرت ، ثم عدت تراباً فبقيت ألف سنة . ثم أخذني رجل فضرب مني لبنة ، فجعلني في هذا الحائط . ففيم تنازعكما و فيم تخاصمكما ؟ .

قلت : و الحكايات في هذا المعنى و الوجود شاهد بتجديد ما دثر ، و تغيير ما غير و عن ذلك أن يكون الحفر و الإخراج ، و اتخاذ الأواني و بناء الأبراج ، و لقد كنت في زمن الشباب أنا و غيري ننقل التراب على الدواب من مقبرة عندنا تسمى بمقبرة اليهود خارج قرطبة و قد اختلط بعظام من هناك و عظمهم و لحومهم و شعورهم و أبشارهم إلى الذيم يصنعون القرمد للشقف .

قال علماؤنا رضوان اللّه عليهم : و هذا التغير إنما يحل بجسدك ، و ينزل ببدنك لا بروحك ، لأن الروح لها حكم آخر ، و ما مضى منك فغير مضاع ، و تفرقة لا تمنع من الاجتماع ،

قال اللّه تعالى : قد علمنا ما تنقص الأرض منهم و عندنا كتاب حفيظ و

قال : فما بال القرون الأولى * قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي و لا ينسى .