١٠٧- باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه ، وجوازه لمن أمِنَ ذلك في حقه ١٧٨٩- وعن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللّه عَنْهُ قال : سَمِعَ النَّبِيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم رَجُلاً يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ في المِدْحَة ، فقالَ : ( أهْلَكْتُمْ - أوْ قَطَعْتُمْ - ظَهْرَ الرَّجُلِ ) . متفق عليه . ( وَالإطْرَاءُ ) : المُبَالَغَةُ فِي المَدْحِ . ١٧٩٠- وعن أبي بكرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّ رجلاً ذُكِرَ عند النبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْراً ، فقال النبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( وَيْحَكَ ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ) يَقُولُهُ مِرَاراً : ( إنْ كَانَ أحَدُكُمْ مَادِحاً لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ : أحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إنْ كَانَ يَرَى أنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللّه ، وَلاَ يُزَكّى عَلَى اللّه أحَدٌ ) . متفق عليه . ١٧٩١- وعن همام بن الحارث ، عن المِقْدَادِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمانَ رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، فَعَمِدَ المِقْدَادُ ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَجَعَلَ يَحثو في وَجْهِهِ الحَصْبَاءَ . فقالَ لَهُ عُثْمَانُ : مَا شَأنُكَ ؟ فقال : إنَّ رسولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قال : ( إذَا رَأَيْتُمُ المَدَّاحِينَ ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ ) . رواه مسلم . فهذهِ الأحاديث في النَهي ، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة . قال العلماءُ : وطريق الجَمْعِ بين الأحاديث أنْ يُقَالَ : إنْ كان المَمْدُوحُ عِنْدَهُ كَمَالُ إيمانٍ وَيَقينٍ ، وَرِيَاضَةُ نَفْسٍ ، وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِحَيْثُ لاَ يَفْتَتِنُ ، وَلاَ يَغْتَرُّ بِذَلِكَ ، وَلاَ تَلْعَبُ بِهِ نَفْسُهُ ، فَليْسَ بِحَرَامٍ وَلاَ مَكْرُوهٍ ، وإنْ خِيفَ عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْ هذِهِ الأمورِ ، كُرِهَ مَدْحُهُ في وَجْهِهِ كَرَاهَةً شَديدَةً ، وَعَلَى هَذا التَفصِيلِ تُنَزَّلُ الأحاديثُ المُخْتَلِفَةُ فِي ذَلكَ . وَمِمَّا جَاءَ فِي الإبَاحَةِ قَولُهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم لأبي بكْرٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ : ( أرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ) أيْ مِنَ الَّذِينَ يُدْعَونَ مِنْ جَمِيعِ أبْوابِ الجَنَّةِ لِدُخُولِهَا . وَفِي الحَدِيثِ الآخر : ( لَسْتَ مِنْهُمْ ) : أيْ لَسْتَ مِنَ الَّذِينَ يُسْبِلُونَ أُزُرَهُمْ خُيَلاَءَ . وَقالَ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم لعُمَرَ رَضِيَ اللّه عَنْهُ : ( مَا رَآكَ الشَّيْطَانُ سَالِكاً فَجّاً إلاَّ سَلَكَ فَجّاً غَيْرَ فَجِّكَ ) . والأحاديثُ في الإباحة كثيرةٌ ، وقد ذكرتُ جملةً مِنْ أطْرَافِهَا في كتاب " الأذكار" . |