١٢- باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير قَالَ اللّه تَعَالَى : { فَبَشَّرْ عبادِ الذينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فيتَّبِعُونَ أَحْسَنهُ } [ الزمر : ١٧-١٨ ] ، وقال تَعَالَى : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ } [ التوبة : ٢١ ] ، وقال تَعَالَى : { وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنْتُم تُوعَدُونَ } [ فصلت : ٣٠ ] ، وقال تَعَالَى : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } [ الصافات : ١٠١ ] ، وقال تَعَالَى : { وَلَقدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبْراهِيمَ بِالبُشْرَى } [ هود : ٦٩ ] ، وقال تَعَالَى : { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هود : ٧١ ] ، وقال تَعَالَى : { فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي في المِحْرَابِ أَنَّ اللّه يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى } [ آل عمران : ٣٩ ] ، وقال تَعَالَى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ اللّه يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمسِيحُ } [ آل عمران : ٤٥ ] الآية ، والآيات في الباب كثيرة معلومة . وأما الأحاديث فكثيرةٌ جِدّاً وهي مشهورة في الصحيح ، مِنْهَا : ٧٠٨- عن أَبي إبراهيم ، ويقال : أَبُو محمد ، ويقال : أَبُو معاوية عبد اللّه بن أَبي أوفى رضي اللّه عنهما : أنّ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بَشَّرَ خَدِيجَةَ رضي اللّه عنها ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ، لاَ صَخَبَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَبَ . متفقٌ عَلَيْهِ . ( القَصَبُ ) : هُنَا اللُّؤْلُؤُ الْمُجَوَّفُ . وَ( الصَّخَبُ ) : الصِّياحُ وَاللَّغَطُ .وَ( النَّصَبُ ) : التَّعَبُ . ٧٠٩- وعن أَبي موسى الأشعري رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أَنَّهُ تَوَضَّأ في بَيْتِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَقَالَ : لأَلْزَمَنَّ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا ، فَجَاءَ الْمَسْجِدَ ، فَسَألَ عَنِ النَّبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالُوا وجَّهَ هاهُنَا، قَالَ : فَخَرَجْتُ عَلَى أثَرِهِ أسْألُ عَنْهُ ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أريسٍ، فَجَلَسْتُ عِندَ البَابِ حتَّى قضى رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم حاجتهُ وتوضأ ، فقمتُ إليهِ ، فإذا هو قد جلسَ على بئرِ أريسٍ وتوَسَّطَ قُفَّهَا ، وكشَفَ عنْ ساقيهِ ودلاّهُما في البئرِ ، فسلمتُ عَليهِ ثمَّ انصَرَفتُ ، فجلستُ عِندَ البابِ ، فَقُلْتُ : لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رسولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم الْيَوْمَ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ فَدَفَعَ الْبَابَ ، فقلتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : أَبُو بَكْرٍ ، فقُلتُ : عَلَى رِسْلِكَ ، ثُمَّ ذَهبْتُ ، فقلتُ : يَا رسول اللّه ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَستَأْذِنُ ، فَقَالَ : ( ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ) فَأقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبي بَكْرٍ : ادْخُلْ وَرسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم يُبَشِّرُكَ بِالجَنَّةِ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكرٍ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَمينِ النَّبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم مَعَهُ في القُفِّ ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئْرِ كَمَا صَنَعَ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَجَلَسْتُ ، وَقَدْ تَرَكْتُ أخِي يَتَوَضَّأ وَيَلْحَقُنِي ، فقلتُ : إنْ يُرِدِ اللّه بِفُلانٍ – يُريدُ أخَاهُ – خَيْراً يَأتِ بِهِ . فَإذَا إنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَاب ، فقلتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : عُمَرُ بن الخَطّابِ ، فقلتُ : عَلَى رِسْلِكَ ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ : هَذَا عُمَرُ يَسْتَأذِنُ ؟ فَقَالَ : ( ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ ) فَجِئْتُ عُمَرَ ، فقلتُ : أَذِنَ وَيُبَشِّرُكَ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بِالجَنَّةِ ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم في القُفِّ عَنْ يَسَارِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئرِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ ، فَقُلتُ : إنْ يُرِدِ اللّه بِفُلاَنٍ خَيْراً – يَعْنِي أخَاهُ – يَأْتِ بِهِ ، فَجَاءَ إنْسَانٌ فَحَرَّكَ الْبَابَ . فَقُلتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : عُثْمَانُ بن عَفَّانَ . فقلتُ : عَلَى رِسْلِكَ ، وجِئْتُ النَّبيَّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم فأخْبَرْتُهُ ، فقالَ : ( ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصِيبُهُ ) فَجِئْتُ ، فقلتُ : ادْخُلْ وَيُبَشِّرُكَ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصيبُكَ ، فَدَخَلَ فَوجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ ، فجلس وِجَاهَهُمْ مِنَ الشِّقِّ الآخرِ . قَالَ سَعيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : فَأوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ . متفقٌ عَلَيْهِ . وزاد في رواية : وأمرني رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بحفظِ الباب . وَفيها : أنَّ عُثْمانَ حِيْنَ بَشَّرَهُ حَمِدَ اللّه تَعَالَى ، ثُمَّ قَالَ : اللّه المُسْتَعانُ . وَقَوْلُه : ( وَجَّهَ ) بفتحِ الواوِ وتشديد الجيمِ . أيْ : تَوَجَّهَ . وَقَوْلُه : ( بِئْر أَرِيْسٍ ) هُوَ بفتح الهمزة وكسرِ الراءِ وبعدها ياءٌ مثناة من تحت ساكِنة ثُمَّ سِين مهملة وَهُوَ مصروف ومنهم من منع صرفه ، وَ( القُفُّ ) بضم القاف وتشديد الفاءِ : وَهُوَ المبنيُّ حول البئر . وَقَوْلُه : ( عَلَى رِسْلِك ) بكسر الراء عَلَى المشهور ، وقيل : بفتحِهَا ، أيْ : ارفق . ٧١٠- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : كُنَّا قُعُوداً حَوْلَ رسولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَمَعَنَا أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ رضي اللّه عنهما في نَفَرٍ ، فَقَامَ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ بَيْنِ أظْهُرِنَا فَأبْطَأ عَلَيْنَا ، وَخَشِينَا أنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ ، فَخَرَجْتُ أبْتَغِي رسولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، حَتَّى أتَيْتُ حَائِطاً للأنصَارِ لِبَني النَّجَارِ ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أجِدُ لَهُ بَاباً ؟ فَلَمْ أجِدْ ! فَإذَا رَبيعٌ يَدْخُلُ في جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَهُ – وَالرَّبِيعُ : الجَدْوَلُ الصَّغِيرُ – فَاحْتَفَرْتُ ، فَدَخَلْتُ عَلَى رسول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: ( أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ ) فقلتُ : نَعَمْ ، يَا رسول اللّه ، قَالَ : ( مَا شأنُكَ ؟ ) قُلْتُ : كُنْتَ بَيْنَ أظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأبْطَأتَ عَلَيْنَا ، فَخَشِينَا أنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا ، ففزعنا ، فَكُنْتُ أوّلَ مَنْ فَزِعَ ، فَأتَيْتُ هَذَا الحَائِطَ ، فَاحْتَفَرْتُ كَمَا يَحْتَفِرُ الثَّعْلَبُ ، وهؤلاء النَّاسُ وَرَائِي . فَقَالَ : ( يَا أَبَا هُرَيرَةَ ) وَأعْطَانِي نَعْلَيْهِ ، فَقَالَ : ( اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللّه مُسْتَيْقِنَاً بِهَا قَلْبُهُ ، فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ ... ) وَذَكَرَ الحديثَ بطوله ، رواه مسلم . ( الرَّبِيعُ ) : النَّهْرُ الصَّغَيرُ ، وَهُوَ الجَدْوَلُ – بفتح الجيمِ – كَمَا فَسَّرَهُ في الحديث . وَقَوْلُه : ( احْتَفَرْتُ ) روِي بالراء وبالزاي ، ومعناه بالزاي : تَضَامَمْتُ وتَصَاغَرْتُ حَتَّى أمْكَنَنِي الدُّخُولُ . ٧١١- وعن ابن شِمَاسَة ، قَالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بنَ العَاصِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ وَهُوَ في سِيَاقَةِ الْمَوْتِ ، فَبَكَى طَوِيلاً ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الجِدَارِ ، فَجَعَلَ ابْنُهُ ، يَقُولُ : يَا أبَتَاهُ ، أمَا بَشَّرَكَ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بكَذَا ؟ أمَا بَشَّرَكَ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بِكَذَا ؟ فَأقْبَلَ بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : إنَّ أفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللّه ، وَأنَّ مُحَمَّداً رسول اللّه ، إنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أطْبَاقٍ ثَلاَثٍ : لَقَدْ رَأيْتُنِي وَمَا أحَدٌ أشَدُّ بُغضاً لرسولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم مِنِّي ، وَلاَ أحَبَّ إليَّ مِنْ أنْ أكُونَ قدِ اسْتَمكنتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُه ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تلكَ الحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أهْلِ النَّارِ ، فَلَمَّا جَعَلَ اللّه الإسلامَ في قَلْبِي أتَيْتُ النبيَّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقُلْتُ : ابسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعُك ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي ، فَقَالَ : ( مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ ) قلتُ: أردتُ أنْ أشْتَرِطَ ، قَالَ : ( تَشْتَرِط مَاذا ؟ ) قُلْتُ : أنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : ( أمَا عَلِمْتَ أن الإسلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأن الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا ، وَأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ ) وَمَا كَانَ أحدٌ أحَبَّ إليَّ مِنْ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلاَ أجَلَّ في عَيني مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطيقُ أن أملأ عَيني مِنْهُ ؛ إجلالاً لَهُ ، ولو سئلت أن أصفه مَا أطقت ، لأني لَمْ أكن أملأ عيني مِنْهُ ، ولو مُتُّ عَلَى تِلْكَ الحالِ لَرجَوْتُ أن أكُونَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ، ثُمَّ وَلِينَا أشْيَاءَ مَا أدْرِي مَا حَالِي فِيهَا ؟ فَإذَا أنَا مُتُّ فَلاَ تَصحَبَنِّي نَائِحَةٌ وَلاَ نَارٌ ، فَإذا دَفَنْتُمُونِي ، فَشُنُّوا عَليَّ التُّرابَ شَنّاً ، ثُمَّ أقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزورٌ ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا ، حَتَّى أَسْتَأنِسَ بِكُمْ ، وَأنْظُرَ مَا أُرَاجعُ بِهِ رسُلَ رَبّي . رواه مسلم . قَوْله : ( شُنُّوا ) رُوِي بالشّين المعجمة والمهملةِ ، أيْ : صُبُّوه قَليلاً قَليلاً ، واللّه سبحانه أعلم . |