٥١- باب الرجاء قَالَ اللّه تَعَالَى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه إِنَّ اللّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر : ٥٣ ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُور } [ سـبأ : ١٧ ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [ طـه : ٤٨ ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : ١٥٦ ] . ٤١٣- وعن عبادة بن الصامتِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( مَنْ شَهِدَ أنَّ لا إلهَ إلاَّ اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأنَّ مُحَمداً عَبْدهُ ورَسُولُهُ ، وَأنَّ عِيسى عَبْدُ اللّه وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ ، وَأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ ، وَالنَّارَ حَقٌّ ، أدْخَلَهُ اللّه الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية لمسلم : ( مَنْ شَهِدَ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللّه وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ، حَرَّمَ اللّه عَلَيهِ النَّارَ ) . ٤١٤- وعن أَبي ذر رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( يقول اللّه عزَّ وجَلَّ : مَنْ جَاء بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا أَوْ أزْيَد ، وَمَنْ جَاءَ بالسَيِّئَةِ فَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أغْفِرُ . وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً ، وَمَنْ أتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ، وَمَنْ لَقِيني بِقُرَابِ الأرْض خَطِيئةً لا يُشْرِكُ بِي شَيئاً ، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغفِرَةً ) رواه مسلم . معنى الحديث : ( مَنْ تَقَرَّبَ ) إلَيَّ بطَاعَتِي ( تَقَرَّبْتُ ) إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَإنْ زَادَ زِدْتُ ( فَإنْ أتَاني يَمْشِي ) وَأسرَعَ في طَاعَتي ( أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) أيْ : صَبَبْتُ عَلَيهِ الرَّحْمَةَ وَسَبَقْتُهُ بِهَا وَلَمْ أحْوِجْهُ إِلَى المَشْيِ الكَثِيرِ في الوُصُولِ إِلَى المَقْصُودِ ( وقُرَابُ الأَرضِ ) بضم القافِ ، ويقال : بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه : مَا يُقَارِبُ مِلأَهَا ، واللّه أعلم . ٤١٥- وعن جابر رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : جاء أعرابي إِلَى النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَ : يَا رَسُول اللّه ، مَا الموجِبَتَانِ ؟ قَالَ : ( مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ باللّه شَيئاً دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّار ) رواه مسلم . ٤١٦- وعن أنس رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ومعاذ رديفه عَلَى الرَّحْل ، قَالَ : ( يَا مُعَاذُ ) قَالَ : لَبِّيْكَ يَا رَسُول اللّه وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : ( يَا مُعَاذُ ) قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُول اللّه وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : ( يَا مُعَاذُ ) قَالَ : لَبِّيْكَ يَا رَسُول اللّه وسَعْدَيْكَ ، ثَلاثاً ، قَالَ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللّه ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صِدْقاً مِنْ قَلْبِهِ إلاَّ حَرَّمَهُ اللّه عَلَى النَّار ) قَالَ : يَا رَسُول اللّه ، أفَلاَ أخْبِرُ بِهَا النَّاس فَيَسْتَبْشِروا ؟ قَالَ : ( إِذاً يَتَّكِلُوا ) فأخبر بِهَا مُعاذٌ عِنْدَ موتِه تَأثُّماً . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وقوله : ( تأثُّماً ) أي خوفاً مِنْ الإثم في كَتْم هَذَا العلم . ٤١٧- وعن أَبي هريرة- أَوْ أَبي سعيد الخدري رضي اللّه عنهما - شك الراوي - ولا يَضُرُّ الشَّكُّ في عَين الصَّحَابيّ ؛ لأنَّهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ - قَالَ : لَمَّا كَانَ غَزوَةُ تَبُوكَ ، أصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ ، فقالوا : يَا رَسُول اللّه ، لَوْ أذِنْتَ لَنَا فَنَحرْنَا نَواضِحَنَا فَأكَلْنَا وَادَّهَنَّا ؟ فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( افْعَلُوا ) فَجاء عُمَرُ رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُول اللّه ، إنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ ، وَلَكِن ادعُهُمْ بفَضلِ أزْوَادِهِمْ ، ثُمَّ ادعُ اللّه لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ ، لَعَلَّ اللّه أنْ يَجْعَلَ في ذلِكَ البَرَكَةَ . فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( نَعَمْ ) فَدَعَا بِنَطْع فَبَسَطَهُ ، ثُمَّ دَعَا بِفضلِ أزْوَادِهِمْ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بكَفّ ذُرَة وَيَجيءُ بِكَفّ تمر وَيجيءُ الآخرُ بِكِسرَة حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النّطعِ مِنْ ذلِكَ شَيء يَسيرٌ ، فَدَعَا رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بِالبَرَكَةِ ، ثُمَّ قَالَ : ( خُذُوا في أوعِيَتِكُمْ ) فَأَخَذُوا في أوْعِيَتهم حَتَّى مَا تَرَكُوا في العَسْكَرِ وِعَاء إلاَّ مَلأوهُ وَأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللّه وَأنّي رَسُولُ اللّه ، لا يَلْقَى اللّه بِهِما عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنِ الجَنَّةِ ) رواه مسلم . ٤١٨- وعن عِتْبَانَ بن مالك رَضِيَ اللّه عَنْهُ وَهُوَ مِمَّن شَهِدَ بَدراً ، قَالَ : كنت أُصَلِّي لِقَوْمِي بَني سَالِم ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءتِ الأَمْطَار ، فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مسْجِدِهم ، فَجِئتُ رسولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم فقلت لَهُ : إنّي أنْكَرْتُ بَصَرِي وَإنَّ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وبَيْنَ قَومِي يَسيلُ إِذَا جَاءتِ الأمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ فَوَدِدْتُ أنَّكَ تَأتِي فَتُصَلِّي في بَيْتِي مَكَاناً أتَّخِذُهُ مُصَلّى ، فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( سَأفْعَلُ ) فَغَدَا رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم وَأَبُو بكر رَضِيَ اللّه عَنْهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ ، وَاسْتَأذَنَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم فَأذِنْتُ لَهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ : ( أيْنَ تُحِبُّ أنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ ؟ ) فَأشَرْتُ لَهُ إِلَى المَكَانِ الَّذِي أُحبُّ أنْ يُصَلِّيَ فِيهِ ، فَقَامَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى رَكعَتَينِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزيرَةٍ تُصْنَعُ لَهُ ، فَسَمِعَ أهلُ الدَّارِ أنَّ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم في بَيْتِي فَثَابَ رِجالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ في البَيْتِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَا فَعَلَ مَالِكٌ لا أرَاهُ ! فَقَالَ رَجُلٌ : ذلِكَ مُنَافِقٌ لا يُحِبُّ اللّه ورسولَهُ ، فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( لا تَقُلْ ذلِكَ ، ألاَ تَرَاهُ قَالَ : لا إلهَ إلاَّ اللّه يَبْتَغي بذَلِكَ وَجهَ اللّه تَعَالَى ) فَقَالَ : اللّه ورسُولُهُ أعْلَمُ أمَّا نَحْنُ فَوَاللّه مَا نَرَى وُدَّهُ وَلاَ حَدِيثَهُ إلاَّ إِلَى المُنَافِقينَ ! فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( فإنَّ اللّه قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إلهَ إلاَّ اللّه يَبْتَغِي بذَلِكَ وَجْهَ اللّه ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَ( عِتْبَان ) : بكسر العين المهملة وإسكان التاءِ المثناةِ فَوق وبعدها باءٌ موحدة . وَ( الخَزِيرَةُ ) بالخاءِ المعجمةِ والزاي : هِيَ دَقيقٌ يُطْبَخُ بِشَحم . وقوله : ( ثَابَ رِجَالٌ ) بِالثاءِ المثلثةِ : أيْ جَاؤُوا وَاجْتَمَعُوا . ٤١٩- وعن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قدِم رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأةٌ مِنَ السَّبْيِ تَسْعَى ، إِذْ وَجَدَتْ صَبياً في السَّبْيِ أخَذَتْهُ فَألْزَقَتهُ بِبَطْنِهَا فَأَرضَعَتْهُ ، فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( أتَرَوْنَ هذِهِ المَرْأةَ طَارِحَةً وَلَدَها في النَّارِ ؟ ) قُلْنَا : لاَ وَاللّه . فَقَالَ : ( للّه أرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هذِهِ بِوَلَدِهَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٤٢٠- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( لَمَّا خَلَقَ اللّه الخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابٍ ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوقَ العَرْشِ : إنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبي ) . وفي رواية : ( غَلَبَتْ غَضَبي ) وفي رواية : ( سَبَقَتْ غَضَبي ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٤٢١- وعنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول : ( جَعَلَ اللّه الرَّحْمَةَ مِئَةَ جُزْءٍ، فَأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَأنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءاً وَاحِداً، فَمِنْ ذلِكَ الجُزءِ يَتَرَاحَمُ الخَلائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابّةُ حَافِرهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أنْ تُصِيبَهُ ) . وفي رواية : ( إنّ للّه تَعَالَى مئَةَ رَحمَةٍ ، أنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجنِّ وَالإنس وَالبهائِمِ وَالهَوامّ ، فبها يَتَعاطَفُونَ ، وبِهَا يَتَرَاحَمُونَ ، وبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا ، وَأخَّرَ اللّه تَعَالَى تِسْعاً وَتِسْعينَ رَحْمَةً يرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ القِيَامَة ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ورواه مسلم أيضاً مِنْ رواية سَلْمَانَ الفارِسيِّ رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إنَّ للّه تَعَالَى مِئَة رَحْمَةٍ فَمِنْهَا رَحْمَةٌ يَتَرَاحمُ بِهَا الخَلْقُ بَيْنَهُمْ ، وَتِسْعٌ وَتِسعُونَ لِيَومِ القِيَامَةِ ) . وفي رواية : ( إنَّ اللّه تَعَالَى خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ مَئَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّماءِ إِلَى الأرْضِ ، فَجَعَلَ مِنْهَا في الأرضِ رَحْمَةً فَبِهَا تَعْطفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا ، وَالوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْض ، فَإذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أكملَهَا بِهذِهِ الرَّحمَةِ ) . ٤٢٢- وعنه ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم فيما يحكِي عن ربهِ تبارك وتعالى ، قَالَ : ( أذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً ، فَقَالَ : اللّهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ اللّه تَبَاركَ وَتَعَالَى : أذنَبَ عبدي ذَنباً ، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأذْنَبَ ، فَقَالَ : أيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبي ، فَقَالَ تبارك وتعالى : أذنَبَ عبدِي ذَنباً ، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وقوله تَعَالَى : ( فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ ) أيْ : مَا دَامَ يَفْعَلُ هكذا ، يُذْنِبُ وَيَتُوبُ أغفِرُ لَهُ ، فَإنَّ التَّوْبَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا . ٤٢٣- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا ، لَذَهَبَ اللّه بِكُمْ ، وَجَاءَ بِقَومٍ يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللّه تَعَالَى ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ) رواه مسلم . ٤٢٤- وعن أَبي أيوب خالد بن زيد رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول : ( لَوْلاَ أنَّكُمْ تُذْنِبُونَ ، لَخَلَقَ اللّه خَلْقاً يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرونَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ) رواه مسلم . ٤٢٥- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : كُنَّا قُعُوداً مَعَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمْرُ رضي اللّه عنهما ، في نَفَرٍ فَقَامَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ بَيْنِ أظْهُرِنَا ، فَأبْطَأَ عَلَيْنَا فَخَشِينَا أنْ يُقتطَعَ دُونَنَا ، فَفَزِعْنَا فَقُمْنَا فَكُنْتُ أوَّلَ مَنْ فَزِعَ فَخَرَجْتُ أبْتَغِي رسولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، حَتَّى أتَيْتُ حَائِطاً للأنْصَارِ ... وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى قوله : فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( اذهَبْ فَمَن لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أنْ لا إله إلاَّ اللّه ، مُسْتَيقِناً بِهَا قَلبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ ) رواه مسلم . ٤٢٦- وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما : أنَّ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم تَلاَ قَولَ اللّه عزَّ وجَلَّ في إبراهيم صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [ إبراهيم : ٣٦ ] الآية ، وقَولَ عِيسَى صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ المائدة : ١١٨ ] فَرَفَعَ يَدَيهِ وَقالَ : ( اللّهمَّ أُمّتي أُمّتي ) وبَكَى ، فَقَالَ اللّه عزَّ وجَلَّ : ( يَا جِبْريلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيهِ ؟ ) فَأتَاهُ جبريلُ ، فَأخْبَرَهُ رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، بِمَا قَالَ - وَهُوَ أعْلَمُ - فَ قَالَ اللّه تَعَالَى : ( يَا جِبريلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمّدٍ ، فَقُلْ : إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمّتِكَ وَلاَ نَسُوءكَ ) رواه مسلم . ٤٢٧- وعن معاذ بن جبل رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبيِّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى حِمَارٍ ، فَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ ، هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللّه عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللّه ؟ ) قُلْتُ : اللّه وَرَسُولُهُ أعْلَمُ . قَالَ : ( فإنَّ حَقَّ اللّه عَلَى العِبَادِ أنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيئاً ، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللّه أنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيئاً ) فقلتُ : يَا رَسُول اللّه ، أفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : ( لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٤٢٨- وعن البراءِ بن عازب رضي اللّه عنهما ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبْرِ يَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللّه ، وَأنّ مُحَمّداً رَسُول اللّه ، فذلك قوله تَعَالَى : { يُثَبِّتُ اللّه الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة } [ إبراهيم : ٢٧ ] ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٤٢٩- وعن أنس رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، عن رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( إنّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً ، أُطعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا ، وَأَمَّا المُؤْمِنُ فَإنَّ اللّه تَعَالَى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ ) . وفي رواية : ( إنَّ اللّه لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَةِ . وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للّه تَعَالَى في الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أفْضَى إِلَى الآخرَةِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا ) رواه مسلم . ٤٣٠- وعن جابر رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْم خَمْسَ مَرَّات ) رواه مسلم . ( الغَمْرُ ) : الكَثِيرُ . ٤٣١- وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول : ( مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ ، فَيقُومُ عَلَى جَنَازَتهِ أرْبَعونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللّه شَيئاً ، إلاَّ شَفَّعَهُمُ اللّه فِيهِ ) رواه مسلم . ٤٣٢- وعن ابن مسعود رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم في قُبَّة نَحْوَاً مِنْ أربَعِينَ ، فَقَالَ : ( أتَرْضَونَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ ؟ ) قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : ( أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهلِ الجَنَّةِ ؟ ) قُلْنَا : نَعَمْ ، قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بيَدِهِ ، إنِّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ وذلك أنَّ الجنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ، ومَا أنْتُم في أهْلِ الشِّركِ إلاَّ كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسْوَدِ ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأحْمَر ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٤٣٣- وعن أَبي موسى الأشعري رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ دَفَعَ اللّه إِلَى كُلِّ مُسْلِم يَهُودياً أَوْ نَصْرانِياً ، فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ ) . وفي رواية عَنْهُ ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَال الجِبَالِ يَغْفِرُهَا اللّه لَهُمْ ) رواه مسلم . قوله : ( دَفَعَ إِلَى كُلِّ مُسْلِم يَهُوديّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً ، فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِن النَّارِ ) مَعنَاهُ مَا جَاءَ في حديث أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ : ( لِكُلِّ أَحَدٍ مَنْزلٌ في الجَنَّةِ ، وَمَنْزِلٌ في النَّارِ ، فَالمُؤْمِنُ إِذَا دَخَلَ الجَنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ في النَّارِ ؛ لأنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ بِكفْرِهِ ) ومعنى ( فِكَاكُكَ ) : أنَّكَ كُنْتَ معْرَّضاً لِدُخُولِ النَّارِ ، وَهَذَا فِكَاكُكَ ؛ لأنَّ اللّه تَعَالَى ، قَدَّرَ للنَّارِ عَدَداً يَمْلَؤُهَا ، فَإذَا دَخَلَهَا الكُفَّارُ بِذُنُوبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ ، صَارُوا في مَعنَى الفِكَاك للمُسْلِمِينَ ، واللّه أعلم . ٤٣٤- وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول : ( يُدْنَى المُؤْمِنُ يَوْمَ القِيَامَة مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ ، فَيُقَرِّرُهُ بذُنُوبِهِ ، فيقولُ : أتعرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أتَعرفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فيقول : رَبِّ أعْرِفُ ، قَالَ : فَإنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيا ، وَأنَا أغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ ، فَيُعْطَى صَحيفَةَ حَسَنَاتِهِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ( كَنَفَهُ ) : سَتْرُهُ وَرَحْمَتُهُ . ٤٣٥- وعن ابن مسعود رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّ رَجُلاً أصَابَ مِن امْرَأة قُبْلَةً ، فَأتَى النَّبيَّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم فَأخْبَرَهُ ، فَأنْزَلَ اللّه تَعَالَى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات } [ هود : ١١٤] فَقَالَ الرجل: أَليَ هَذَا يَا رَسُول اللّه ؟ قَالَ : ( لجميعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٤٣٦- وعن أنس رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ: جاء رجل إِلَى النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَ : يَا رَسُول اللّه، أَصَبْتُ حَدّاً ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ ، فَصَلَّى مَعَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ ، قَالَ : يَا رَسُول اللّه ، إنِّي أصَبْتُ حَدّاً فَأقِمْ فيَّ كِتَابَ اللّه . قَالَ : ( هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاةَ ) ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : ( قَدْ غُفِرَ لَكَ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وقوله : ( أصَبْتُ حَدّاً ) مَعنَاهُ : مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزيرَ ، وَلَيْسَ المُرَادُ الحدّ الشَّرعيَّ الحَقِيقيَّ كَحَدِّ الزِّنَا وَالخمر وَغَيرِهِمَا ، فإنَّ هذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بالصَّلاةِ ، وَلاَ يَجُوزُ للإمَامِ تَرْكُهَا . ٤٣٧- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إنَّ اللّه لَيرْضَى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ ، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا ) رواه مسلم . ( الأَكْلَة ) : بفتح الهمزة وهي المرةُ الواحدةُ مِنَ الأكلِ كَالغَدوَةِ وَالعَشْوَةِ ، واللّه أعلم . ٤٣٨- وعن أَبي موسى رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( إنَّ اللّه تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ ، حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) رواه مسلم . ٤٣٩- وعن أَبي نجيح عمرو بن عَبَسَة - بفتح العين والباءِ - السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : كُنْتُ وأنَا في الجاهِلِيَّةِ أظُنُّ أنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلاَلَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أخْبَاراً ، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي ، فَقَدِمْتُ عَلَيهِ ، فإِذَا رسولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم مُسْتَخْفِياً ، جرَءاءُ عَلَيهِ قَومُهُ ، فَتَلَطَّفَتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا أنْتَ ؟ قَالَ : ( أنا نَبيٌّ ) قُلْتُ : وما نبيٌّ ؟ قَالَ : ( أرْسَلَنِي اللّه ) قُلْتُ : وبأيِّ شَيْء أرْسَلَكَ ؟ قَالَ : ( أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأرْحَامِ ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ ، وَأنْ يُوَحَّدَ اللّه لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْء ) قُلْتُ : فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : ( حُرٌّ وَعَبْدٌ ) ومعه يَوْمَئذٍ أَبُو بكرٍ وبلالٌ رضي اللّه عنهما ، قُلْتُ : إنّي مُتَّبِعُكَ ، قَالَ : ( إنَّكَ لَنْ تَسْتَطيعَ ذلِكَ يَومَكَ هَذَا ، ألا تَرَى حَالي وحالَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلَى أهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بي قَدْ ظَهرْتُ فَأتِنِي ) قَالَ : فَذَهَبْتُ إِلَى أهْلِي وقَدِمَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم المَدِينَةَ حَتَّى قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ أهْلِي المَدِينَةَ ، فقلتُ : مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ المَدِينَةَ ؟ فقالوا : النَّاس إلَيهِ سِرَاعٌ ، وَقَدْ أرادَ قَومُهُ قَتْلَهُ ، فلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذلِكَ ، فقَدِمْتُ المدينَةَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيهِ ، فقلتُ : يَا رَسُول اللّه أَتَعْرِفُني ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، أنْتَ الَّذِي لَقَيْتَنِي بمكّةَ ) قَالَ : فقلتُ : يَا رَسُول اللّه ، أخْبِرنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللّه وأَجْهَلُهُ ، أخْبِرْنِي عَنِ الصَّلاَةِ ؟ قَالَ : ( صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ ، فَإنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيطَان ، وَحينَئذٍ يَسجُدُ لَهَا الكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ فَإنَّ الصَلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمْحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ ، فَإنَّهُ حينئذ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فإذَا أقْبَلَ الفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّي العصرَ ، ثُمَّ اقْصرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فإنَّهَا تَغْرُبُ بينَ قَرْنَيْ شَيطانٍ ، وَحِينَئذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفّارُ ) قَالَ : فقلتُ : يَا نَبيَّ اللّه ، فالوضوءُ حدثني عَنْهُ ؟ فَقَالَ : ( مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءهُ ، فَيَتَمَضْمَضُ وَيسْتَنْشِقُ فَيَسْتَنْثِرُ ، إلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ المَاءِ ، ثُمَّ يَغْسِلُ يديهِ إِلَى المِرفقَيْن ، إلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أنَامِلِهِ مَعَ الماءِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأسَهُ ، إلاَّ خرّتْ خطايا رأسِهِ من أطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الماءِ ، ثُمَّ يغسل قدميه إِلَى الكعْبَيْنِ ، إلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رِجلَيْهِ مِنْ أنَاملِهِ مَعَ الماءِ ، فَإنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى ، فَحَمِدَ اللّه تَعَالَى ، وأثنى عَلَيهِ ومَجَّدَهُ بالَّذي هُوَ لَهُ أهْلٌ ، وَفَرَّغَ قلبه للّه تَعَالَى ، إلاَّ انْصَرفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كهيئته يَومَ وَلَدتهُ أُمُّهُ ) . فحدث عَمرُو بن عَبسَة بهذا الحديث أَبَا أُمَامَة صاحِب رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَة : يَا عَمْرُو بنُ عَبسَة ، انْظُر مَا تقولُ ! في مقامٍ واحدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ ؟ فَقَالَ عَمْرٌو : يَا أَبَا أُمَامَة ، لقد كَبرَتْ سِنّي ، وَرَقَّ عَظمِي ، وَاقْتَرَبَ أجَلِي ، وَمَا بِي حَاجَةٌ أنْ أكْذِبَ عَلَى اللّه تَعَالَى ، وَلا عَلَى رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، لَوْ لَمْ أسمعه مِنْ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، إلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثاً - حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّات - مَا حَدَّثْتُ أبداً بِهِ ، وَلكنِّي سمعتُهُ أكثَر من ذلِكَ . رواه مسلم . قوله : ( جُرَءاءُ عَلَيهِ قَومُه ) هُوَ بجيم مضمومة وبالمد عَلَى وزنِ عُلماءَ ، أيْ : جَاسِرونَ مُستَطِيلُونَ غيرُ هائِبينَ ، هذِهِ الرواية المشهورةُ ، ورواه الحُمَيْدِيُّ وغيرُهُ ( حِرَاءٌ ) بكسر الحاء المهملة ، وَقالَ : معناه غِضَابٌ ذَوُو غَمّ وهَمّ ، قَدْ عِيلَ صَبرُهُمْ بِهِ ، حَتَّى أثَّرَ في أجسامهم ، من قولِهِم : حَرَى جسمهُ يَحْرَى ، إِذَا نَقَصَ مِنْ ألمٍ أَوْ غَمٍّ ونحوهِ ، والصَّحيحُ أنَّهُ بالجيمِ . قوله صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( بَيْنَ قَرنَيْ شيطان ) أيْ ناحيتي رأسِهِ والمرادُ التَّمْثيلُ ، وَمعْنَاهُ : أنه حينئذٍ يَتَحرَّكُ الشَّيطَانُ وَشيعَتُهُ ، وَيتَسَلَّطُونَ . وقوله : ( يُقَرِّبُ وَضوءهُ ) معناه يُحضِرُ الماءَ الَّذِي يَتَوضّأ بِهِ ، وقوله : ( إلاَّ خَرَّت خطايا ) هُوَ بالخاءِ المعجمة : أيْ سقطت ، ورواه بعضُهم ( جَرَت ) بالجيم ، والصحيح بالخاءِ وَهُوَ رواية الجمهور . وقوله : ( فينْتَثرُ ) أيْ يَستخرجُ مَا في أنفهِ مِنْ أذىً والنَّثْرَةُ : طَرَفُ الأنْفِ . ٤٤٠- وعن أَبي موسى الأشعري رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( إِذَا أرادَ اللّه تَعَالَى رَحمةَ أُمَّةٍ ، قَبَضَ نَبيَّهَا قَبْلَها ، فَجعلهُ لَهَا فَرطاً وسلَفاً بَيْنَ يَديْهَا ، وإذَا أرادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ ، عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ ، فَأهلكَها وَهُوَ حيٌّ يَنظُرُ ، فَأقرّ عَينَهُ بهلاكِها حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوا أمْرَهُ ) رواه مسلم . |