٤٠- باب بر الوالدين وصلة الأرحام قَالَ اللّه تَعَالَى : { وَاعْبُدُوا اللّه وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء : ٣٦ ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللّه الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام } [ النساء : ١ ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّه بِهِ أَنْ يُوصَلَ } [ الرعد : ٢١ ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [ العنكبوت : ٨ ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [ الإسراء : ٢٣ - ٢٤ ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك } [ لقمان : ١٤ ] . ٣١٣- وعن أَبي عبد الرحمان عبد اللّه بن مسعود رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : سألت النبي صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى اللّه تَعَالَى ؟ قَالَ : ( الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا ) ، قُلْتُ : ثُمَّ أي ؟ قَالَ : ( بِرُّ الوَالِدَيْنِ ) ، قُلْتُ : ثُمَّ أيٌّ ؟ قَالَ : ( الجِهَادُ في سبيلِ اللّه ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٣١٤- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِداً إلاَّ أنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً ، فَيَشْتَرِيهُ فَيُعْتِقَهُ ) رواه مسلم . ٣١٥- وعنه أيضاً رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أن رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللّه وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللّه وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّه وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٣١٦- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إنَّ اللّه تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ ، فَ قَالَتْ : هَذَا مُقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ، وَأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى ، قَالَ : فَذَلِكَ لَكِ ، ثُمَّ قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( اقْرَؤُوا إنْ شِئْتمْ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّه فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [ محمد : ٢٢ - ٢٣ ] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية للبخاري : فَ قَالَ اللّه تَعَالَى : ( مَنْ وَصَلَكِ ، وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ ، قَطَعْتُهُ ) . ٣١٧- وعنه رَضِيَ اللّه عَنْهُ، قَالَ: جاء رجل إِلَى رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: يَا رَسُول اللّه ، مَنْ أحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ) قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أبُوكَ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية : يَا رَسُول اللّه ، مَنْ أَحَقُّ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أَبَاكَ ، ثُمَّ أدْنَاكَ أدْنَاكَ ) . ( وَالصَّحَابَةُ ) بمعنى : الصحبةِ . وقوله : ( ثُمَّ أباك ) هكذا هُوَ منصوب بفعلٍ محذوفٍ ، أي : ثُمَّ بُرَّ أبَاكَ . وفي رواية : ( ثُمَّ أبوك ) ، وهذا واضح . ٣١٨- وعنه ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( رغِم أنفُ ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ مَنْ أدْرَكَ أبَويهِ عِنْدَ الكِبَرِ ، أَحَدهُما أَوْ كِليهمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ ) رواه مسلم . ٣١٩- وعنه رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أن رجلاً قَالَ : يَا رَسُول اللّه ، إنّ لِي قَرابةً أصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني ، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ ، وَأحْلَمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللّه ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذلِكَ ) رواه مسلم . (وَتُسِفُّهُمْ ) بضم التاء وكسرِ السين المهملة وتشديد الفاءِ ، ( وَالمَلُّ ) بفتح الميم ، وتشديد اللام وَهُوَ الرَّمادُ الحَارُّ : أيْ كَأنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الحَارَّ ، وَهُوَ تَشبِيهٌ لِمَا يَلْحَقَهُمْ من الإثم بما يلحَقُ آكِلَ الرَّمَادِ الحَارِّ مِنَ الأَلمِ ، وَلاَ شَيءَ عَلَى هَذَا المُحْسِنِ إلَيهمْ ، لكِنْ يَنَالُهُمْ إثمٌ عَظيمٌ بتَقْصيرِهم في حَقِّهِ ، وَإدْخَالِهِمُ الأَذَى عَلَيهِ ، وَاللّه أعلم . ٣٢٠- وعن أنسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أن رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( من أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ ، ويُنْسأَ لَهُ في أثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ومعنى ( ينسأ لَهُ في أثرِهِ ) ، أي : يؤخر لَهُ في أجلِهِ وعمرِهِ . ٣٢١- وعنه ، قَالَ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدينَةِ مَالاً مِنْ نَخل ، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَاله إِلَيْهِ بَيْرَحاء ، وَكَانَتْ مسْتَقْبَلَةَ المَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم يَدْخُلُهَا ، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّب ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيةُ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : ٩٢ ] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رسولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَ : يَا رَسُول اللّه ، إنَّ اللّه تبارك وتَعَالَى ، يقول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ ، وَإنَّهَا صَدَقَةٌ للّه تَعَالَى ، أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللّه تَعَالَى ، فَضَعْهَا يَا رَسُول اللّه ، حَيْثُ أرَاكَ اللّه . فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( بَخ ! ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ ! وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ ، وَإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبينَ ) ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أفْعَلُ يَا رَسُول اللّه ، فَقَسَّمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وسبق بيان ألفاظِهِ في باب الإنْفَاقِ مِمَّا يحب . ٣٢٢- وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما ، قَالَ : أقبلَ رَجُلٌ إِلَى نَبيِّ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَ : أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغي الأجْرَ مِنَ اللّه تَعَالَى . قَالَ : ( فَهَلْ لَكَ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، بَلْ كِلاهُمَا . قَالَ : ( فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ اللّه تَعَالَى ؟ ) قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : ( فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ ، فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وهذا لَفْظُ مسلِم . وفي رواية لَهُمَا : جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَأذَنَهُ في الجِهَادِ ، فقَالَ : ( أحَيٌّ وَالِداكَ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : ( فَفيهِمَا فَجَاهِدْ ) . ٣٢٣- وعنه ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِىء ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا ) رواه البخاري . وَ( قَطَعَتْ ) بِفَتح القَاف وَالطَّاء . وَ( رَحِمُهُ ) مرفُوعٌ . ٣٢٤- وعن عائشة ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي ، وَصَلَهُ اللّه ، وَمَنْ قَطَعَنِي ، قَطَعَهُ اللّه ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٣٢٥- وعن أم المؤمنين ميمونة بنتِ الحارث رضي اللّه عنها : أنَّهَا أعْتَقَتْ وَليدَةً وَلَمْ تَستَأذِنِ النَّبيَّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ ، قَالَتْ : أشَعَرْتَ يَا رَسُول اللّه ، أنِّي أعتَقْتُ وَليدَتِي ؟ قَالَ : ( أَوَ فَعَلْتِ ؟ ) قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : ( أما إنَّكِ لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ كَانَ أعْظَمَ لأجْرِكِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٣٢٦- وعن أسماءَ بنتِ أَبي بكر الصديق رضي اللّه عنهما ، قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشركةٌ في عَهْدِ رسولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فاسْتَفْتَيْتُ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قُلْتُ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ ، أفَأصِلُ أُمِّي ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَولُهَا : ( رَاغِبَةٌ ) أيْ : طَامِعَةٌ عِنْدِي تَسْألُني شَيْئاً ؛ قِيلَ : كَانَتْ أُمُّهَا مِن النَّسَبِ ، وَقيل : مِن الرَّضَاعَةِ ، وَالصحيحُ الأول . ٣٢٧- وعن زينب الثقفيةِ امرأةِ عبدِ اللّه بن مسعود رضي اللّه عَنْهُ وعنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ ) ، قَالَتْ : فَرَجَعْتُ إِلَى عبد اللّه بنِ مسعود ، فقلتُ لَهُ : إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ اليَدِ ، وَإنَّ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ أمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ ، فَاسألهُ ، فإنْ كَانَ ذلِكَ يْجُزِىءُ عَنِّي وَإلاَّ صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ . فَقَالَ عبدُ اللّه : بَلِ ائْتِيهِ أنتِ ، فانْطَلَقتُ ، فَإذا امْرأةٌ مِنَ الأنْصارِ بِبَابِ رسولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم حَاجَتي حَاجَتُها ، وَكَانَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيهِ المَهَابَةُ ، فَخَرجَ عَلَيْنَا بِلاَلٌ ، فَقُلْنَا لَهُ : ائْتِ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأخْبرْهُ أنَّ امْرَأتَيْنِ بالبَابِ تَسألانِكَ : أُتُجْزِىءُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أزْواجِهمَا وَعَلَى أيْتَامٍ في حُجُورِهِما ؟ ، وَلاَ تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ ، فَدَخلَ بِلاَلٌ عَلَى رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فسأله ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( مَنْ هُمَا ؟ ) قَالَ : امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ وَزَيْنَبُ . فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( أيُّ الزَّيَانِبِ هِيَ ؟ ) ، قَالَ : امْرَأةُ عبدِ اللّه ، فَقَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( لَهُمَا أجْرَانِ : أجْرُ القَرَابَةِ وَأجْرُ الصَّدَقَةِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٣٢٨- وعن أَبي سفيان صخر بنِ حرب رَضِيَ اللّه عَنْهُ في حديثِهِ الطويل في قِصَّةِ هِرَقْلَ : أنَّ هرقْلَ قَالَ لأبي سُفْيَانَ : فَمَاذَا يَأمُرُكُمْ بِهِ ؟ يَعْنِي النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : قُلْتُ : يقول : ( اعْبُدُوا اللّه وَحْدَهُ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيئاً ، واتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأمُرُنَا بِالصَّلاةِ ، وَالصّدْقِ ، والعَفَافِ ، والصِّلَةِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٣٢٩- وعن أَبي ذرّ رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضاً يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ ) . وفي رواية : ( سَتَفْتَحونَ مِصْرَ وَهِيَ أرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا القِيراطُ ، فَاسْتَوْصُوا بأهْلِهَا خَيْراً ؛ فَإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً ) وفي رواية : ( فإذا افتتحتموها ، فأحسنوا إلى أهلها ؛ فإن لهم ذمة ورحماً ) ، أَوْ قَالَ : ( ذِمَّةً وصِهْراً ) رواه مسلم . قَالَ العلماء : ( الرَّحِمُ ) : الَّتي لَهُمْ كَوْنُ هَاجَرَ أُمِّ إسْمَاعِيلَ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْهُمْ ، ( وَالصِّهْرُ ) : كَوْن مَارية أمِّ إبْراهيمَ ابن رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْهُمْ . ٣٣٠- وعن أَبي هريرة رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، قَالَ : لما نزلت هذِهِ الآية : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : ٢١٤] دَعَا رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم قُرَيْشاً ، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ ، وَقالَ : ( يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، يا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤيٍّ ، أنقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي مُرَّةَ بن كَعْبٍ ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاف ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يَا بني عبد المطلب ، انقذوا أنفسكم من النار ، يَا فَاطِمَةُ ، أنْقِذي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ . فَإنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّه شَيئاً ، غَيْرَ أنَّ لَكُمْ رَحِماً سَأبُلُّهَا بِبِلالِهَا ) رواه مسلم . قوله صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( بِبِلالِهَا ) هُوَ بفتح الباء الثانيةِ وكسرِها ، ( وَالبِلاَلُ ) : الماءُ . ومعنى الحديث : سَأصِلُهَا ، شَبّه قَطِيعَتَهَا بالحَرارَةِ تُطْفَأُ بِالماءِ وهذِهِ تُبَرَّدُ بالصِّلَةِ . ٣٣١- وعن أَبي عبد اللّه عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما ، قَالَ : سمعت رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم جِهَاراً غَيْرَ سِرٍّ ، يَقُولُ : ( إنَّ آل بَني فُلاَن لَيْسُوا بِأولِيَائِي ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللّه وَصَالِحُ المُؤْمِنينَ ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أبُلُّهَا بِبلاَلِهَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، واللفظ للبخاري . ٣٣٢- وعن أَبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أنَّ رجلاً قَالَ : يَا رَسُول اللّه ، أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ ، وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ . فَقَالَ النَّبيُّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( تَعْبُدُ اللّه ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيئاً ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ ، وتَصِلُ الرَّحمَ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ٣٣٣- وعن سلمان بن عامر رَضِيَ اللّه عَنْهُ ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( إِذَا أفْطَرَ أحَدُكُمْ ، فَلْيُفْطرْ عَلَى تَمْرٍ ؛ فَإنَّهُ بَرَكةٌ ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ تَمْراً ، فالمَاءُ ؛ فَإنَّهُ طَهُورٌ ) ، وَقالَ : ( الصَّدَقَةُ عَلَى المِسكينِ صَدَقةٌ ، وعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ : صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ) رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن ) . ٣٣٤- وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما ، قَالَ : كَانَتْ تَحْتِي امْرَأةٌ ، وَكُنْتُ أحِبُّهَا ، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا ، فَقَالَ لي : طَلِّقْهَا ، فَأبَيْتُ ، فَأتَى عُمَرُ رَضِيَ اللّه عَنْهُ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم : ( طَلِّقْهَا ) رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن صحيح ) . ٣٣٥- وعن أَبي الدرداءِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ : أن رجلاً أتاه ، قَالَ : إنّ لي امرأةً وإنّ أُمِّي تَأمُرُنِي بِطَلاقِهَا ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول : ( الوَالِدُ أوْسَطُ أبْوَابِ الجَنَّةِ ، فَإنْ شِئْتَ ، فَأضِعْ ذلِكَ البَابَ ، أَو احْفَظْهُ ) رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن صحيح ) . ٣٣٦- وعن البراءِ بن عازب رضي اللّه عنهما ، عن النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ : ( الخَالةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ ) رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن صحيح ) . وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة ؛ مِنْهَا حديث أصحاب الغار ، وحديث جُرَيْجٍ وقد سبقا ، وأحاديث مشهورة في الصحيح حذفتها اختِصَاراً ، وَمِنْ أهَمِّهَا حديث عَمْرو بن عَبسَة رَضِيَ اللّه عَنْهُ الطَّويلُ المُشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ كَثيرةٍ مِنْ قَواعِدِ الإسْلامِ وآدابِهِ ، وَسَأذْكُرُهُ بتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللّه تَعَالَى في باب الرَّجَاءِ ، قَالَ فِيهِ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وسَلَّم بمَكَّةَ - يَعْني : في أوَّلِ النُّبُوَّةِ - فقلتُ لَهُ : مَا أنْتَ ؟ قَالَ : ( نَبيٌّ ) ، فَقُلْتُ : وَمَا نَبِيٌّ ؟ قَالَ : ( أرْسَلنِي اللّه تَعَالَى ) ، فقلت : بأيِّ شَيءٍ أرْسَلَكَ ؟ قَالَ : ( أرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوثَانِ ، وَأنْ يُوَحَّدَ اللّه لاَ يُشْرَكَ بِهِ شَيء ... ) وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيث . واللّه أعلم . |