٤ - باب الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ٢١٢١ - قَالَ يَحْيَى : قَالَ مَالِكٌ : عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ(١٨٩). ٢١٢٢ - وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَامِلٌ عَلَى الْكُوفَةِ : أَنِ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. ٢١٢٣ - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ : أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلاَ : هَلْ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ؟ فَقَالاَ : نَعَمْ. ٢١٢٤ - قَالَ مَالِكٌ : مَضَتِ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ، فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ. ٢١٢٥ - قَالَ مَالِكٌ : وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الأَمْوَالِ خَاصَّةً، وَلاَ يَقَعُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ، وَلاَ فِي نِكَاحٍ، وَلاَ فِي طَلاَقٍ، وَلاَ فِي عَتَاقَةٍ، وَلاَ فِي سَرِقَةٍ، وَلاَ فِي فِرْيَةٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ الْعَتَاقَةَ مِنَ الأَمْوَالِ، فَقَدْ أَخْطَأَ، لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ، لَحَلَفَ الْعَبْدُ مَعَ شَاهِدِهِ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى مَالٍ مِنَ الأَمْوَالِ ادَّعَاهُ، حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ كَمَا يَحْلِفُ الْحُرُّ(١٩٠). ٢١٢٦ - قَالَ مَالِكٌ : فَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى عَتَاقَتِهِ، اسْتُحْلِفَ سَيِّدُهُ مَا أَعْتَقَهُ، وَبَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ. ٢١٢٧ - قَالَ مَالِكٌ : وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَيْضاً فِي الطَّلاَقِ، إِذَا جَاءَتِ الْمَرْأَةُ بِشَاهِدٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، أُحْلِفَ زَوْجُهَا مَا طَلَّقَهَا، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ. ٢١٢٨ - قَالَ مَالِكٌ : فَسُنَّةُ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقَةِ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَاحِدَةٌ، إِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ، وَعَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا الْعَتَاقَةُ حَدٌّ مِنَ الْحُدُودِ لاَ تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ، لأَنَّهُ إِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ، وَوَقَعَتْ لَهُ الْحُدُودُ، وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ، وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدَ قُتِلَ بِهِ، وَثَبَتَ لَهُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُوَارِثُهُ، فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ سَيِّدَ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ، فَشَهِدَ لَهُ عَلَى حَقِّهِ ذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ, فَإِنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ الْحَقَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، حَتَّى تُرَدَّ بِهِ عَتَاقَتُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ، يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى مَا قَالَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْتِقُ عَبْدَهُ، ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الْحَقِّ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، ثُمَّ يَسْتَحِقُّ حَقَّهُ، وَتُرَدُّ بِذَلِكَ عَتَاقَةُ الْعَبْدِ، أَوْ يَأْتِى الرَّجُلُ قَدْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِ الْعَبْدِ مُخَالَطَةٌ وَمُلاَبَسَةٌ، فَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مَالاً، فَيُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ : احْلِفْ مَا عَلَيْكَ مَا ادَّعَى، فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ يَرُدُّ عَتَاقَةَ الْعَبْدِ، إِذَا ثَبَتَ الْمَالُ عَلَى سَيِّدِهِ(١٩١). ٢١٢٩ – قَالَ : وَكَذَلِكَ أَيْضاً الرَّجُلُ يَنْكِحُ الأَمَةَ، فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ، فَيَأْتِي سَيِّدُ الأَمَةِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فَيَقُولُ : ابْتَعْتَ مِنِّي جَارِيَتِى فُلاَنَةَ أَنْتَ وَفُلاَنٌ بِكَذَا وَكَذَا دِينَاراً. فَيُنْكِرُ ذَلِكَ زَوْجُ الأَمَةِ، فَيَأْتِي سَيِّدُ الأَمَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَيَشْهَدُونَ عَلَى مَا قَالَ، فَيَثْبُتُ بَيْعُهُ، وَيَحِقُّ حَقُّهُ، وَتَحْرُمُ الأَمَةُ عَلَى زَوْجِهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِرَاقاً بَيْنَهُمَا، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لاَ تَجُوزُ فِي الطَّلاَقِ. ٢١٣٠ - قَالَ مَالِكٌ : وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتُرِيَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، فَيَضَعُ ذَلِكَ الْحَدَّ عَنِ الْمُفْتَرِي، بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لاَ تَجُوزُ فِي الْفِرْيَةِ. ٢١٣١ - قَالَ مَالِكٌ : وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضاً مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ : أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلاَلِ الصَّبِيِّ، فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَرِثَ، وَيَكُونُ مَالُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ إِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ، وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا رَجُلٌ وَلاَ يَمِينٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الأَمْوَالِ الْعِظَامِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالرِّبَاعِ وَالْحَوَائِطِ وَالرَّقِيقِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَمْوَالِ، وَلَوْ شَهِدَتِ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئاً، وَلَمْ تَجُزْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ(١٩٢). ٢١٣٢ - قَالَ مَالِكٌ : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : لاَ تَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ. وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَوْلُهُ الْحَقُّ : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ) [البقرة : ٢٨٢] يَقُولُ : فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَلاَ يُحَلَّفُ مَعَ شَاهِدِهِ. قَالَ مَالِكٌ : فَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، أَنْ يُقَالَ لَهُ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالاً، أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ ؟ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ، إِنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ. وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَهَذَا مَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ بِبَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ, فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا، أَوْ فِي أَىِّ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ ؟ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقْرِرْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ لَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ، وَلَكِنِ الْمَرْءُ قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ، فَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(١٩٣). |