بسم اللّه الرحمن الرحيم وهي مدنية
من ذلك قوله جل وعز { الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه أضل أعمالهم } آية
روى أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه } قال أهل مكة { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال الأنصار { وأصلح بالهم } قال أمرهم
قال أبو جعفر معنى { أضل أعمالهم } أبطلها كما
قال تعالى { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض } والمعنى لم نثبهم على ما عملوا لكفرهم ومعنى { كفر عنهم سيئاتهم } غطى عليها ولم يؤاخذهم بما عملوا وقت كفرهم
وقوله جل وعز { كذلك يضرب اللّه للناس أمثالهم } آية
المعنى كذلك يبين اللّه أمر الحسنات والسيئات
ومعنى ضربت له مثلا بينت له ضربا من الأمثال أي نوعا منها
ثم قال جل وعز { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } آية
أي فاقتلوهم وذكرت الرقاب لأن القتل أكثر ما يقع بها
ثم قال جل وعز { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } آية
قال سعيد بن جبير لا ينبغي أن يقع أسر حتى يثخن بالقتل في العدو كما قال جل وعز { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض }
ثم قال جل وعز { فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها } آية
قال أبو جعفر في هذه الآية اختلاف
قال ابن جريج كان عطاء يكره قتل الأسير صبرا لقول اللّه جل وعز { فإما منا بعد وإما فداء } وقال امنن أو فاد ولا تقتل وقال قتادة الآية منسوخة نسخها قوله تعالى { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم }
وروى شعبة عن الحكم قال سألني مغيرة عن آية غامضة منسوخة وهي قوله تعالى { فإما منا بعد وإما فداء }
وقال الضحاك هي ناسخة نسخت قوله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } قال أبو جعفر البين في الآية أنها ليست بمنسوخة ولا ناسخة وإنما هذا إباحة وكذلك القتل لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد قتل وفادى وذكر القتل في آية أخرى وهو { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } فاجتزأ بذلك
وقوله جل وعز { حتى تضع الحرب أوزارها } آية
قال قتادة أي حتى يسلم أهل الشرك فسماهم حربا قال سعيد بن جبير ومجاهد في قوله تعالى { حتى تضع الحرب أوزارها } حتى ينزل عيسى بن مريم فيكسر الصليب
ويقتل الخنزير وتزول الأديان إلا دين الإسلام وتكون الملة واحدة
قال أبو جعفر فهذا قول في الآية أي حتى يضع أهل الحرب أوزارهم فيسلموا أو يسالموا
وقيل يعني بالأوزار ههنا السلاح كما قال الشاعر
وأعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا وخيلا ذكورا
والمعنى على هذا فشدوا الوثاق حتى تضع الحرب أوزارها فإما منا بعد وإما فداء
وقوله جل وعز { ولكن ليبلو بعضكم ببعض } آية
أي ليمحص المؤمنين ويمحق الكافرين
ثم قال جل وعز { والذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضل أعمالهم } آية ويقرأ { قتلوا } و { قتلوا } و { قتلوا }
وقوله جل وعز { سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم } آية
في معناه ثلاثة أقوال قال مجاهد عرفهم بيوتها ومساكنها وقسمهم منها فلا
يغلط أحد منهم فيدخل إلى موضع غيره ولا يحتاج أن يستدل
وقال سلمة بن كهيل { عرفها لهم } عرفهم طرقها فهذا قول
وقيل { عرفها } طيبها
وقيل { عرفها } رفعها
قال أبوجعفر القول الأول وإن كان بعض أهل اللغة قد أنكره وقال لو كان كذا لقال عرفهم بها أحسن الأقوال وأصحها ولا يلزم هذا الرد
والمعنى بينها لهم فتبينوها
والقول الثاني ليس بممتنع لأنه يقال طعام معرف أي مطيب
والقول الثالث مأخوذ من العرف لارتفاعه
وقيل أي عرف المكلفين من عباده بأنها لهم
وقوله جل وعز { والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم } آية
أي ممن ينبغي أن يقال لهم أتعسهم اللّه أي لا جبرهم وهذا يدعى به على العاثر
وقال ثعلب التعس الشر قال وقيل هو البعد وانتكس قلب أمره وأفسد
وقال البن السكيت التعس أن يخر على رأسه قال
والتعس أيضا الهلاك
وقوله جل وعز { دمر اللّه عليهم وللكافرين أمثالها } آية
قال مجاهد وللكافرين التدمير وعيدا من اللّه
وقال غيره فقتل منهم من قتل بالسيف
ثم قال جل وعز { ذلك بأن اللّه مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } آية
قال قتادة أي ولي الذين آمنوا
قال أبو جعفر وفي قراءة عبد اللّه كذلك وقال الشاعر
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها
أي ولي المخافة
وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس { ذلك بأن اللّه مولى الذين آمنوا } قال لا مولى لهم غيره
قال قتادة نزلت هذه الآية يوم أحد والنبي صلى اللّه عليه وسلم في الشعب وقد اثخن في المسلمين بالقتل والجراح فصاح المشركون يوم بيوم بدر لنا العزى ولا عزى لكم فأنزل اللّه جل وعز { والذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضل أعمالهم } إلى قوله { ذلك بأن اللّه مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم }
فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم قولوا اللّه مولانا ولا مولى لكم
وقتلانا أحياء يرزقون في الجنة وقتلاكم في النار
قال أبو جعفر والمعنى اللّه ولي الذين آمنوا في الهداية والنصرة فلما أخبر بولايته المؤمنين وخذلانه الكافرين أعلم بما أعده للمؤمنين والكافرين فقال { إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } أي منزل لهم
{ والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } آية
ثم قال جل وعز { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } آية
قال قتادة يعني أهل مكة قال فلا ناصر لهم
ثم قال جل وعز { أفمن كان على بينة من ربه } آية
قال قتادة هو محمد صلى اللّه عليه وسلم { كمن زين له سوء عمله } قال هم مشركو العرب
ثم قال { واتبعوا أهواءهم } على معنى من
ثم قال جل وعز { مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن } آية
ولم يأت بالمماثل
في معناه ثلاثة أقوال
أ منها أن مثلا بمعنى صفة قال ذلك النضر بن شميل والفراء
وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قرأ{ أمثال الجنة التي وعد المتقون }
قال أبو جعفر فهذا قول ويكون على هذا مثل على معنى مثل ويكون فيه خلاف معناه كما ان في عدل خلاف معنى عدل
ب وقيل المعنى مثل الجنة التي وعد المتقون فيما تعرفون في الدنيا جنة فيها أنهار
ج والقول الثالث أن المعنى على التوبيخ والتقرير أي مثل الجنة التي وعد المتقون كمن هو خالد في النار أي مثل المطيع عندكم كمثل العاصي
وروى معمر عن قتادة { من ماء غير آسن } قال غير منتن
قال قتادة الاسن المتغير الآجن
قال أبو جعفر قول قتادة اصح لأنه يقال أسن الماء يأسن ويأسن فهو آسن وأسن إذا أنتن فلم يقدر أحد على شربه وأجن يأجن وهو آجن إذا تغير وإن كان شرب على كره
وقوله جل وعز { وأنهار من خمر لذة للشاربين } آية
يقال شراب لذيذ ولذ
{ وأنهار من عسل مصفى } أي ليس كعسل الدنيا الذي فيه الشمع وغيره
{ ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم } أي ولهم مغفرة من ربهم
ثم قال تعالى { كمن هو خالد في النار }
قال ابو جعفر قد تقدم القول فيها
وفيه قول آخر وهو ان المعنى أمن يخلد في الجنة وفي هذا النعيم المذكور كمن هو خالد في الن
ثم حذف هذا لعلم السامع كما قال تعالى { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما }
وغن كان قد قيل إن المعنى يا من هو قانت
وقوله جل وعز { ومنهم من يستمع إليك } آية
قال قتادة هم المنافقون
ثم قال تعالى { حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا } آية
أي إذا سمعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم يخ
ثم خرجوا قالوا للمسلمين استهزاء { ماذا قال آنفا } أي لم نلتفت إلى ما قال
والمعنى ماذا قال الساعة أي في أقرب الأوقات إلينا من قولهم استأنفت الشيء وروضة أنف لم ترع
وقوله جل وعز { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } آية
المعنى زادهم اللّه هدى فيكون الضمير يعود على قوله { أولئك الذين طبع اللّه على قلوبهم }
ويجوز أن يكون المعنى وزادهم قول النبي هدى
ويجوز أن يكون المعنى وزادهم استهزاء المنافقين هدى
ثم قال تعالى { وآتاهم تقواهم } أي ألهمهم
ويجوز أن يكون المعنى ثواب تقواهم
وقوله جل وعز { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها } آية
أي فهل ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة فجأة
{ فقد جاء أشراطها }
قال الفراء أي علامتها الواحد شرط
ثم قال جل وعز { فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم } آية
قال قتادة أي فأنى لهم أن يتذكروا
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا فمن أين لهم منفعة الذكرى إذا جاءت الساعة وانقطعت التوبة
ثم قال جل وعز { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } آية
والمخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم مخاطبة لأمته
أي اثبتوا على هذا
وقوله جل وعز { ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال } آية
قال قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة
قال أبو جعفر وهذه آية مشكلة وفي قراءة عبد اللّه{ وإذا أنزلت سورة محدثة }
والمعنى واحد أي لم يقع عليها النسخ وذكر فيها القتال
وإنما كان المسلمون يقولون هذا لأنهم كانوا يأنسون بنزول الوحي
{ رأيت الذين في قلوبهم مرض } أي ريب وشك { ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } أي نظر مغتاظين مغمومين كما قال تعالى { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم } وإنما كانوا يكرهون ذكر القتال لأنهم إذا تأخروا عنه تبين نفاقهم فخافوا القتل
ثم قال تعالى { فأولى لهم } على التهديد
وحقيقته وليهم المكروه أي أولى لهم المكروه والعرب تقول
لكل من قارب الهل
ثم افلت أولى لك أي كدت تهلك
كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي الصيد فيفلت منه فيقول أولى لك رمى صيدا فقار
ثم افلت منه فقال
فلو كان أولى يطعم القوم صدتهم ولكن أولى تترك الناس جوعا
ثم قال تعالى { طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا اللّه لكان خيرا لهم } آية
قال قتادة أي طاعة اللّه وقول بالمعروف في حقائق الأمور
أي سمع وطاعة خير لهم
وقال الخليل وسيبويه أي طاعة وقول معروف أمثل
وفي المعنى قول آخر وهو انه حكى ما كانوا يقولون قبل نزول القتال وقبل الفرض
فالمعنى على هذا يقولون منا طاعة وقول معروف
ويدل على صحة هذا القول { فإذا عزم الأمر }
قال مجاهد أي جد الأمر
قال أبو جعفر فالتقدير على هذا فإذا جد الأمر بفرض القتال كرهوا ذ
ثم حذف
ثم قال جل وعز { فلو صدقوا اللّه لكان خيرا لهم } آية قال قتادة فلو صدقوا اللّه في الإيمان والجهاد
وقوله جل وعز { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } آية
قال بكر بن عبد اللّه المزني هؤلاء الحرورية
قال محمد بن كعب أي فهل عسيتم إن توليتم الأمور أن يقتل بعضكم بعضا كقتل قريش بني هاشم وكقتل بني هاشم قريشا
وفي المعنى قول آخر وهو فهل تريدون إن توليتم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وكفرتم بما جاءكم به على أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه من الكفر فتفسدوا في الأرض بالكفر وتقطعوا أرحامكم بان تئدوا بناتكم
وقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام { فهل عسيتم إن توليتم }
أي ولي عليكم
وقوله جل وعز { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم } آية
قال قتادة هؤلاء أهل الكتاب عندهم صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم فأنكروها وكفروا من بعد ما تبين لهم الهدى
وقال الضحاك هم أهل النفاق
{ الشيطان سول لهم } قال قتادة أي زين لهم
ثم قال تعالى { وأملي لهم }
المعنى وأملى اللّه لهم أي مد اللّه لهم في آجالهم ملاوة
من الدهر كما قال تعالى { وأملي لهم إن كيدي متين }
وقرأ مجاهد { الشيطان سول لهم وأملى لهم }
وهذه قراءة حسنة والمعنى وأنا أملي لهم
وحكى الفراء انه قرىء { وأملي لهم } وهي قراءة شيبة وأبي عمرو
ثم قال جل وعز { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر } آية
أي في التضافر على عداوة محمد صلى اللّه عليه وسلم
وقال سفيان يعني الفرائض
قال قتادة هم المنافقون
وقوله جل وعز { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج اللّه أضغانهم } آية
أي عداوتهم أي يظهروا عداوتهم لأهل الإسلام
ثم قال جل وعز { ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول } آية
أي لعرفناكهم يقال قد أريتك كذا أي عرفتكه
{ فلعرفتهم بسيماهم } أي بعلامتهم
ثم قال تعالى { ولتعرفنهم في لحن القول } آية
أي فحواه ومعناه كما قال الشاعر
منطق صائب وتلحن أحيانا وخير الحديث ما كان لحنا
أي ما لم يصرح به وما عرف بالمعنى ونحو الكلام
وقولهم لحن فلان في هذا إنما معناه أخذ في ناحية غير الصواب
وقوله جل وعز { واللّه معكم ولن يتركم أعمالكم } آية
قال مجاهد لن ينقصكم
قال أبو جعفر من هذا حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله
وقوله جل وعز { إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم } آية
{ فيحفكم } أي يجهدكم ومنه حفيت الدابة
{ ويخرج أضغانكم } قيل أي عداوتكم
وقال الضحاك غش قلوبكم إذا سئلتم أموالكم
وقوله جل وعز { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } آية
قال قتادة أي إن تتولوا عن طاعة اللّه
ثم قال { يستبدل قوما غير
ثم لا يكونوا أمثالكم } آية
قال مجاهد من شاء
وروى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول اللّه من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل
ثم لا يكونوا أمثالنا فضرب بيده على فخذ سلمان رضي اللّه عنه فقال هم قوم هذا لو كان الدين بالثريا لتناوله رجال من الفرس تمت سورة محمد صلى اللّه عليه وسلم