مدنية وآياتها آية
بسم اللّه الرحمن الرحيم سورة النور وهي مدينة
من ذلك قوله جل وعز { سورة أنزلناها وفرضناها } آية أي هذه سورة
وقرأ الأعرج ومجاهد وقتادة وأبو عمرو { وفرضناها }
قال قتادة أي بيناها
وقال أبو عمرو أي فصلناها
ومعنى { وفرضناها } فرضنا الحدود التي فيها أي أوجبناها بأن جعلناها فرضا
وقوله جل وعز { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة }
قال أبو جعفر ليس بين أهل التفسير اختلاف أن هذا ناسخ لقوله تعالى { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } إلى آخر الآية ولقوله { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما }
فكان من زنى من النساء حبست حتى تموت ومن زنى من الرجال أوذي
قال مجاهد بال
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة }
واختلفوا في المعنى
فقال أكثر أهل التفسير هذا عام يراد به خاص
والمعنى الزانية والزاني من الأبكار فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
وقال بعضهم هو عام على كل من زنى من بكر ومحصن واحتج بحديث عبادة وبحديث علي رضي اللّه عنه أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب اللّه عز وجل ورجمتها بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وقوله جل وعز { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه }
قال مجاهد وعطاء والضحاك أي في تعطيل الحدود
والمعنى على قولهم لا ترحموهما فتتركوا حدهما إذا زنيا
وقوله جل وعز { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين }
روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الطائفة الرجل فما فوقه
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الطائفة الرجل فما زاد
وكذا قال الحسن والشعبي
وروى ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال الطائفة الرجلان فصاعدا
وقال مالك الطائفة أربعة
قال أبو إسحاق لا يجوز أن تكون الطائفة واحدا لأن معناها معنى الجماعة والجماعة لا تكون لأقل من اثنين لأن معنى طائفة قطعة يقال أكلت طائفة من الشاة أي قطعة منها
وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول اللّه عز وجل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } أنهما كانا رجلين
قال أبو جعفر إلا أن الأشبه بمعنى الآية واللّه أعلم أن تكون الطائفة لأكثر من واحد في هذا الموضع لأنه إنما يراد به الشهرة وهذا بالجماعة أشبه
وقوله جل وعز { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } قال مجاهد والزهري وقتادة كان في الجاهلية نساء معلوم منهن الزنى فأراد ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت فنزلت الآية
{ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } وهذا القول الأول
وقال الحسن الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله
قال حبيب المعلم فقال رجل لعمرو بن شعيب إن الحسن يقول كذا فقال ما عجبك من هذا حدثني سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله
وقال إبراهيم النخعي نحوه
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال النكاح ههنا الجماع
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية من أهل القبلة أو مشركة والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان من أهل القبلة أو مشرك
قال أبو جعفر فهذه ثلاثة أقوال
وفي الآية قول رابع كأنه أولاها
حدثنا إسحاق بن إبراهيم المعروف بالقطان قال حدثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكير قال حدثنا الليث قال حدثنا يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب أنه قال يزعمون أن تلك الآية { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } نسخت بالآيات التي بعدها { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } فدخلت الزانية في أيامى المسلمين
وإنما قلنا كأن هذا أولى لأن حديث القاسم عن عبد اللّه مضطرب الإسناد وحديث سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يجوز أن يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاله قبل نزول الآية الناسخة
والقول الثالث أن يكون النكاح هو الجماع زعم أبو إسحاق أنه بعيد وأنه لا يعرف في القرآن النكاح بمعنى الجم
وقوله تعالى { وحرم ذلك على المؤمنين } فدل على أنه التزويج لأنه لا يقال في الزنى هو محرم على المؤمن خاصة
وقول من قال إنهن نساء معلومات يدل على أن ذلك كان في شيء بعي
ثم زال فقد صار قول سعيد أولاها
وأيضا فإن سعيدا قال يزعمون فدل على أنه أخه عن غيره وإنما يأخذه عن الصحابة
ثم قال جل وعز { وحرم ذلك على المؤمنين }
قال ابن عباس يعني الزنى
وقوله جل وعز { والذين يرمون المحصن
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدو
ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك }
قال أبو جعفر في هذه الآية ثلاثة أحكام على القاذف منها جلده
وترك قبول شهادته
وتفسيقه
وفيها ثلاثة أقوال
أحدها قاله الحسن وشريح وإبراهيم أن الاستثناء من قوله { وأولئك هم الفاسقون } وقالوا لا تقبل شهادته وإن تاب وهذا قول الكوفيين
والقول الثاني أن يكون الاستثناء من قوله تعالى { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } أي إلا من تاب فإنه تقبل شهادته
وهذا قول مسروق وعطاء ومجاهد وطاووس
ويروى عن عمر ابن الخطاب أنه قال لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك وهذا قول أهل المدينة
والقول الثالث يروى عن الشعبي أنه قال الاستثناء من الأحكام الثلاثة
فإذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء وقد قال اللّه عز وجل { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صال
ثم اهتدى }
قال أبو جعفر يجوز أن يكون الاستثناء من قوله { وأولئك هم الفاسقون } كما ذكرنا في القول الأول ويكون { الذين } في موضع نصب إلا أنه يجب أن يزول عنه اسم الفسوق فيجب قبول شهادته ويكون عدلا
ويجوز أن يكون الاستثناء من قوله { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } ويكون { الذين } في موضع خفض بمعنى { إلا الذين تابوا } ويكون قبول شهادته أوكد وهو أيضا متعارف عن عمر فهو أولى أيضا لهذا
ويجوز أن يكون كما روي عن الشعبي إلا أن الفقهاء على خلافه
وفي الكلام حذف المعنى والذين يرمون المحصنات بالز
ثم حذف لأن قبله ذكر الزانية والزاني
والفائدة في قوله جل وعز { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } أن { أبدا } مقدار مدة حياة الرجل ومقدار انقضاء قصته
فإذا قلت الكافر لا تقبل له شهادة أبدا فمعناه ما دام كافرا
وإذا قلت القاذف لا تقبل له شهادة أبدا فمعناه ما دام قاذفا وهذا من جهة اللغة وكلام العرب يؤكد قبول شهادته وألا يكون أسوأ حالا من القاتل
وقوله جل وعز { والذين يرمون أزواجهم }
في هذا قولان
أحدهما أن المعنى والذين يقولون لأزواجهم يا زواني أو يقول لها رأيتك تزنين وهذا قول أهل الكوفة
والقول الاخر أنه يقول لها رأيتك تزنين لا غير وهذا قول أهل المدينة
قال أبو جعفر والقول الأول أولى لأن الرمي في قوله { والذين يرمون المحصنات } هو أن يقول لها يا زانية أو رأيتك تزنين فيجب أن يكون هذا مثله
ثم قال جل وعز { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم }
روى إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه قال كان رجل معنا جالسا ليلة جمعة فقال إن أحدنا وجد مع امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه وإن تكلم حددتموه وإن سكت سكت عل غيظ اللّهم احكم فأنزلت { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } إلى آخر الآية
وقال سهل بن سعد جاء عويمر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم في وسط الناس فسأله وذكر الحديث وقال في آخره فطلقها ثلاثا
وقال عبد اللّه بن عمر فرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينهما
وقوله جل وعز { والخامسة أن لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين }
وتقرأ والخامسة بمعنى ويشهد الشهادة الخامسة
والمعنى أنه لعنة اللّه عليه وأنشد سيبويه
في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقوله جل وعز { ويدرأ عنها العذاب }
معنى { ويدرأ } يدفع
وفي معنى العذاب ههنا قولان
أحدهما أنه الحبس
والآخر أنه الحد
وقوله جل وعز { ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته وأن اللّه تواب حكيم }
في الكلام حذف
والمعنى ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لنال الكاذب منكم عذاب عظيم
وقوله جل وعز { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم }
قال الضحاك هم الذين قالوا لعائشة ما قالوا
قال أبو جعفر يقال للكذب إفك وأصله من قولهم أفكه يأفكه إذا صرفه عن الشيء فقيل للكذب إفك لأنه مصروف عن الصدق ومقلوب عنه ومنه المؤتفكات
والذين جاءوا بالإفك فيما روي عبد اللّه بي أبي
ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت
ثم قال تعالى { لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم }
فالمخاطبة لعائشة وأهلها وصفوان
أي تؤجرون فيه ونزل فيهم القرآن
وقوله جل وعز { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم }
روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال { والذي تولى كبره } عبد اللّه بن أبي بن سلول وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت هو عبد اللّه بن أبي
وقرأ حميد بن قيس ويعقوب { والذي تولى كبره } بضم الكاف
قال يعقوب كما تقول الذي تولى عظمه قال الفراء هو وجه جيد في النحو
قال أبو جعفر وخالفه في ذلك الرؤساء من النحويين قيل لأبي عمرو بن العلاء أتقرأ { والذي تولى كبره } فقال لا إنما الكبر في النسب
قال أبو جعفر يريد أنه يقال الكبر من ولد فلان لفلان
وقوله جل وعز { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا }
أي هلا ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا
أي بأهل دينهم ومن يقوم مقامهم
ومعنى قوله { أفضتم فيه } خضتم فيه
وقوله جل وعز { إذ تلقونه بألسنتكم }
قال مجاهد أي يرويه بعضكم عن بعض
وقرأت عائشة وابن يعمر { إذ تلقونه بألسنتكم } بكسر اللام وضم القاف يقال ولق يلق إذا أسرع في الكذب وغيره
وقوله جل وعز { يعظكم اللّه أن تعودوا لمثله أبدا }
قال مجاهد أي ينهاكم
وقوله جل وعز { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا }
روى سعيد عن قتادة قال أن يظهر الزنى
وقوله جل وعز { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة }
قل أبو جعفر فيه قولان
أحدهما رواه علي بن أبي طلحة عن أبن عباس قال لا يقسموا ألا ينفعوا أحدا
والآخر أن المعنى لا يقصروا من قولهم ما ألوت أن أفعل
قال هشام ومنه قول الشاعر
ألا رب خصم فيك ألوى رددته نصيح على تعذاله غير مؤتلي
قال أبو جعفر القول الأول أولى لأن الزهري روى عن سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة بن وقاص وعبيد اللّه بن عبد اللّه عن عائشة قالت كان أبو بكر ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته وفقره فقال واللّه لا أنفق عليه بعدما قال في عائشة ما قال فأنزل اللّه عز وجل { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى }
قال أبو جعفر والتقدير في العربية ولا يحلف أولو الفضل كراهة أن يؤتوا وعلى قول الكوفيين لأن لا يؤتوا
ومن قال معناه ولا يقصر فالتقدير عنده ولا يقصر أولو الفضل عن أن يؤتوا
فإن قيل { أولو } لجماعة وفي الحديث أن المراد أبو بكر
فالجواب أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال قال أبو بكر
وغيره من المسلمين لا نبر أحدا ممن ذكر عائشة فأنزل اللّه عز وجل { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } إلى آخر الآية
وقوله جل وعز { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم }
روى سفيان عن خصيف قال سألت سعيد بن جبير من قذف محصنة لعن في الدنيا
والآخرة فقال هذا خاص بعائشة
وروى سلمة بن نبيط عن الضحاك قال هذا في أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة
قال أبو جعفر وقول ابن عباس والضحاك أولى من القول الأول لأن قوله { المحصنات } يدل على جمع
وقيل خص بهذا أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم فقيل لمن قذفهن ملعون في الدنيا
والآخرة ومن قذف غيرهن قيل له فاسق ولم يقل له هذا
وقوله جل وعز { يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق }
الدين ههنا الحساب والجزاء كما قال تعالى { ذلك الدين القيم } و { مالك يوم الدين }
وقوله جل وعز { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات }
قال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد أي الكلمات الخبيثات
للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والخبيثات من الناس
والطيبات من الكلام للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من القول والطيبات من الناس
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية
والمعنى الكلمات الخبيثات لا يقولهن إلا الخبيثون والخبيثات من الناس والكلمات الطيبات لا يقولهن إلا الطيبون والطيبات من الناس
ودل على صحة هذا القول { أولئك مبرؤون مما يقولون }
أي عائشة وصفوان مبرءون مما يقول الخبيثون والخبيثات
وجمع وإن كانا اثنين كما قال تعالى { فإن كان له إخوة } هذا قول الفراء في الجمع
وفي قوله تعالى { الخبيثات للخبيثين } قولان آخران
أ قيل المعنى الخبيثات من الكلام إنما تلصق بالخبيثين والخبيثات من الناس لا بالطيبين والطيبات
ب وقيل المعنى الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال
وقوله جل وعز { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } قال عبد اللّه بن عباس إنما هو حتى تستأذنوا
قال مجاهد هو التنحنح والتنخم
قال أبو جعفر الاستئناس في اللغة الاستعلام يقال استأنست فلم أر أحدا كما قال النابغة
كأن رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد
أي على ثور قد فزع فهو يستعلم ذلك ومنه قول الشاعر
آنست نبأة وأفزعها القنا ص عصرا وقد دنا الإمساء
ومنه قوله جل وعز { فإن آنستم منهم رشدا } أي علمتم
ويبين لك هذا الحديث المرفوع
روى أبو بردة عن أبي موسى الأشعري قال جئت الى عمر بن الخطاب أستأذن عليه فقلت السلام عليكم أندخل ثلاث مرات فلم يؤذن لي فقال فهلا أقمت فقلت إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ليستأذن المرء المسلم على أخيه ثلاث مرات فإن أذن وإلا رجع فقال لتأتيني على هذا بمن يشهد لك أو لتنالنك مني عقوبة فجئت إلى أبي بن كعب فجاء فشهد لي
قال أبو جعفر فهذا يبين لك أن معنى { حتى تستأنسوا } حتى تستعلموا أيؤذن لكم أم لا
وقوله جل وعز { فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم }
المعنى حتى يأذن لكم أصحابها بالدخول لأنه لا ينبغي له أن يدخل إلى منزل غيره وإن علم أنه ليس فيه حتى يأذن له صاحبه
وقوله جل وعز { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم }
قال مجاهد كانت بيوت في طرق المدينة يجعل الناس فيها أمتعاتهم فأحل لهم أن يدخلوها بغير إذن
وروى سالم المكي عن محمد بن الحنفية قال هي بيوت الخانات والسوق
وقال الضحاك هي الخانات
وقال جابر بن زيد ليس يعني بالمتاع الجهاز وإنما هو البيت ينظر إليه أو الخربة يدخلها لقضاء حاجة وكل متاع الدنيا منفعة
وقال عطاء { فيها متاع لكم } للخلاء والبول
وهذه الأقوال متقاربة وأبينها قول مجاهد لأنه تعالى حظر عليهم بدءا أن يدخلوا غير بيوت
ثم أذن لهم إذا كان لهم في بيوت غيرهم متاع على جهة اكتراء أو نظيره أن يدخلوا
والذي قاله غير مجاهد جائز في اللغة لأن يقال لكل منفعة متاع ومنه { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره }
وقوله جل وعز { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } آية
قال قتادة أي عما لا يحل لهم
من ههنا لبيان الجنس
قال جرير بن عبد اللّه سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك
فأمره صلى اللّه عليه وسلم يصرف بصره لأنه إذا لم يصرف بصره كان تاركا ما أمره اللّه جل وعز به وكان ناظرا نظرة ثانية اختيارا كما قال أبو سلمة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يا علي إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة
وقوله جل وعز { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } آية
روى أبو اسحق عن أبي الأحوص عن عبد اللّه قال القرط والدملج والسوار
ثم قال جل وعز { إلا ما ظهر منها }
في هذا اختلاف
روى أبو الأحوص عن عبد اللّه قال الثياب
وهذا مبدأ أبي عبيد
وروى نافع عن ابن عمر قال الوجه والكفان
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الوجه والكف
وبعضهم يقول عن ابن عباس الكحل والخضاب وكذلك قال مجاهد وعطاء
ومعنى الكحل والخضاب ومعنى الوجه والكف سواء
وروت أم شبيب عن عائشة قالت القلب والفتخة والفتخة الخاتم وجمعها فتخ وفتخات
قال أبو جعفر وهذا قريب من قول ابن عمر وابن عباس وهو أشبه بمعنى الآية من الثيباب لأنه من جنس الزينة الأولى
وأكثر الفقهاء عليه ألا ترى أن المرأة يجب عليها أن تستر في
الصلاة كل موضع منها يراه المرء وانه لا يظهر منها إلا وجهها وكفاها
والقلب السوار قال ذلك يحيى بن سليمان الجعفي
وقوله جل وعز { أو نسائهن } آية
يعني النساء المسلمات
ولا يجوز أن يبدين ذلك للمشركات لقوله سبحانه { أو نسائهن }
ثم قال جل وعز { أو ما ملكت أيمانهن }
فيه أقوال
الأول أن لهن أن يبدين ذلك لعبيدهن وأن يروا شعورهن
وهذا القول معروف من قول عائشة وأم سلمة
جعلتا العبد بمنزلة المحرم في هذا لأنه لا يحل أن يتزوج بسيدته ما دام مملوكا لها كما لا يحل ذلك لذوي المحارم ويقوي هذا قوله سبحانه { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم }
والقول الثاني أنه ليس لعبيدهن أن يروا منهن إلا ما يرى الأجنبي
كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال ولا ينظر عبدها إلى شعرها ولا نحرها وأما الخلخال فلا ينظر إليه إلا الزوج
وهو مذهب عبد اللّه بن مسعود ومجاهد وعطاء والشعبي
وروى أبو مالك عن ابن عباس خلاف هذا قال ينظر العبد إلى شعر مولاته ويكون التقدير على القول الثاني { أو ما ملكت أيمانهن }
غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإر
ثم حذف كما قال الشاعر
نحن بما عندنا وأنت بم عندك راض والرأي مختلف
على أن يزيد بن القعقاع وعاصما قرءا { غير أولي الإربة } بنصب غير فعلى هذا يجوز أن يكون الاستثناء منهما جميعا
والقول الثالث أن يكون { أو ما ملكت أيمانهن } للإماء خاصة قال ذلك سعيد بن المسيب وقيل الصغار خاصة
قال أبو جعفر هذا بعيد في اللغة لأن ما عامة
وقوله جل وعز { أو التابعين غير أولي الإربة }
قال عطاء هو الذي يتبعك وهمه بطنه
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو المغفل وقيل الطفل
وقال الشعبي هو الذي لا أرب له في النساء
وقال عكرمة هو العنين
وهذه الأقوال متقاربة وهو الذي لا حاجة له في النساء نحو الشيخ الهرم والخنثى والمعتوه والطفل والعنين
والإربة والأرب الحاجة ومنه حديث وأيكم أملك لأربه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن رواه لإربه فقد أخطأ لأنه يقال قطعته إربا إربا أي عضوا عضوا
وقوله جل وعز { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }
الطفل ههنا بمعنى الأطفال يدل على هذا قوله { الذين لم يظهروا على عورات النساء } أي لم يطيقوا ذلك كما تقول ظهر فلان على فلان أي غلبه وقوى عليه
ثم قال جل وعز { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن }
قال أبو الجوزاء كن يضربن بأرجلهن لتبدو خلاخيلهن
وقال أبو مالك كن يجعلن في أرجلهن خرزا ويحركنها حتى يسمع الصوت
قال غيره فنهين عن ذلك لأنه يحرك من الشهوة
وقوله جل وعز { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } آية
قال الضحاك هن اللواتي لا أزواج لهن يقال رجل أيم وامرأة أيم وقد آمت تئيم
وقرأ الحسن{ والصالحين من عبيدكم } يقال عبد وعباد وعبيد
وقوله تعالى { إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله } آية
وكذا قوله { وإن يتفرقا يغن اللّه كلا من سعته } أي بالنكاح لأنه لم يجعل كل زوج مقصورا على زوج أبدا
والفقر الحاجة إلى الشيء المذكور بعقبه ومثله { إنما الصدقات للفقراء } أي للفقراء إلى الصدقات وقد يكون الرجل فقيرا إلى الشيء وليس بمسكين
وقوله جل وعز { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا }
قيل هذا على الحض والندب لا على الحتم والوجوب ولولا الإذن لما علمنا أن ذلك يجوز
وكتاب ومكاتبة بمعنى واحد كما يقال قتال ومقاتلة
ثم قال جل وعز { إن علمتم فيهم خيرا }
قال أبو جعفر في هذا اختلاف
قال الحسن أي دينا وأمانة
وقال ابراهيم النخعي أي صدقا ووفاء
وقال عبيدة إن أقاموا الصلاة
وقال سعيد بن جبير إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير
قال أبو جعفر وأجمعها قول سعيد بن جبير لأنه إذا أراد بذلك الخير استعمل الوفاء كما يستعمل أهل الدين والوفاء والصدق والأمانة ومن يقيم الصلاة ويرى لها حقا
وفي الآية قول آخر
قال مجاهد وعطاء الخير ههنا المال
وهذا بعيد جدا لأنه كان يجب على هذا أن يقول إن علمتم لهم خيرا
وأيضا فإن العبد مال لمولاه فكيف يقال إن علمتم لهم مالا
وقال أشهب سئل مالك عن قوله جل وعز { إن علمتم فيهم خيرا } فقال إنه ليقال الخير القوة والأداء
قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي قوة على الاحتراف والاكتساب ووفاء بما أوجب نفسه وصدق لهجة فأما المال وإن كان من الخير فليس هو في العبد وإنما يكون عنده أو له
ثم قال جل وعز { وآتوهم من مال اللّه الذي آتاكم } آية
قال أبو جعفر في هذا ثلاثة أقوال
أحدهما أن يكون على الحض والندب
كما روى ابن بريدة عن أبيه قال حثهم على هذا
ويروى هذا عن عمر وعثمان والزبير وعن ابراهيم النخعي
ويكون المعنى وأعطوهم ما يستعينون به على قضاء الكتابة بدفع إليهم أو بإسقاط عنهم
والقول الثاني أن يسقط المكاتب عن مكاتبه شيئا محدودا
روي عن علي بن أبي طلب قال الربع وكذا قال مجاهد
وعن ابن مسعود قال الثلث
والقول الثالث قال سعيد بن جبير قال يضع عنه شيئا من كتابته ولم يحدوه
قال أبو جعفر قيل أولاها القول الأول لجلالة من قال به وأيضا فإن قوله تعالى { وآتوهم من مال اللّه الذي آتاكم } معطوف على قوله { فكاتبوهم } فيجب في العربية أن يكون مثله على الحض والندب
وأيضا فإن قول علي عليه السلام الربع وقول عبد اللّه الثلث لا يوجب أن يكون ذلك حتما واجبا ويحتمل أن يكون على الندب
وقوله جل وعز { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء }
قال مجاهد نزلت في عبد اللّه بن أبي بن سلول أمر أمته أن تزني فجاءته ببرد فأمرها أن تعود إلى الزنى فأبت فأنزل اللّه عز وجل { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء }
وروى أبو سفيان عن جابر وعكرمة عن ابن عباس قال نزلت في عبد اللّه بن أبي أكره أمته على الزنى فأنزل اللّه جل وعز { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء }
ويسأل عن قوله جل وعز { إن أردن تحصنا }
فالجواب أن المعنى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء البتة
وقوله جل وعز { إن أردن تحصنا } متعلق بقوله سبحانه { وأنكحوا الأيامى منكم } { إن أردن تحصنا }
ومعنى قوله { لتبتغوا عرض الحياة الدنيا } لتبتغوا أجورهن مما يكسبن
وقوله تعالى { ومن يكرههن فإن اللّه من بعد إكراههن غفور رحيم } آية
قال مجاهد فإن اللّه للمكرهات من بعد إكراههن غفور رحيم
ثم قال جل وعز { ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات } آية
قال قتادة يعني القرآن فيه بيان الحلال من الحرام
ويقرأ مبينات بكسر الياء أي بينات هاديات
وقوله جل وعز { اللّه نور السماوات والأرض } آية
هو تمثيل أي بنوره يهتدي أهل السموات والأرض
والتقدير اللّه ذو نور السموات والأرض
والهدي يمثل بالنور
ثم قال جل وعز { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } آية
روى علي بن طلحة عن ابن عباس { اللّه نور السماوات والأرض }
قال هادي أهل أهل السموات والأرض كما هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه نار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء كذا قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى ونورا على نور
كما قال ابراهيم صلى اللّه عليه وعلى آله قبل أن تجيئه المعرفة حين رأى الكوكب { هذا ربي } من غير أن يخبره أحد أن له ربا فلما أخبره اللّه جل وعز أنه ربه ازداد هدى على هداه
قال ابن عباس هذا للمؤمن
وقال سعيد بن جبير أي مثل نور المؤمن
وروى أبو العالية عن أبي بن كعب أنه قرأ{ مثل نور المؤمن }
وقال زيد بن أسلم { مثل نوره } يعني القرآن
قال أبو جعفر ويجوز أن يكون المعنى مثل نوره للمؤمن ويكون معنى قول ابن عباس للمؤمن
ويجوز أن يكون معناه مثل نور المؤمن كمشكاة
قال ابن عباس وابن عمر المشكاة هي الكوة
وروى أبي بن كعب في قوله تعالى { لا شرقية ولا غربية } أي تصيبها الشمس وقت الشروق فهي شرقية غربية
وقال عكرمة لا تخلو من الشمس وقت الشروق والغروب وذلك أصفى لدهنها
ثم قال تعالى { يكاد زيتها يضيء } أي لصفائه { ولو لم تمسسه نار } تم الكلام
ثم قال جل وعز { نور على نور }
قال الضحاك أي الإيمان والعمل
وقال غيره نور السراج على نور الزيت والقنديل
وقال أبي بن كعب مثله كمثل شجرة التفت بها الشجر لا تصيبها الشمس عل حال فهي خضراء ناعمة فكذا المؤمن نور على نور كلامه نور وعلمه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة
وقال السدي نور النار ونور الزيت لا يغير واحدا تغير صاحبه وكذا نور القرآن ونور الإيمان
وقوله جل وعز { في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه }
والمعنى كمشكاة في بيوت
وقيل المعنى المصباح في بيوت
وقيل المعنى يسبح له رجال في بيوت
قال الحسن { في بيوت } أي مساجد { أذن اللّه أن ترفع } أي تعظم وتصان
وقال عكرمة هي البيوت كلها
وقال مجاهد { أن ترفع } أي تبنى
وقوله جل وعز { يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه }
قال عطاء أي لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن حضور الصلاة في جماعة
وقال سالم جاز عبد اللّه بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال فيهم نزلت { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة }
وقوله جل وعز { يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار }
أي تعرف القلوب الأمر عيانا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر ويزداد المؤمنون يقينا ويكشف عن الأبصار غطاؤها
فتنظر ومثله { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد }
ثم مثل جل وعز عمل الكافر بعد المؤمن فقال
{ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة }
قال الفراء قيعة جمع قاع كما يقال جيرة وجار
وقال أبو عبيدة قيعة وقاع واحد
والقاع والقيعة عند أهل اللغة ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبت
ثم قال جل وعز { يحسبه الظمآن ماء }
أي العطشان والسراب ما ارتفع نصف النهار فإذا رؤي من بعد ظن أنه ماء
ثم قال جل وعز { حتى إذا جاءه لم يجده شيئا }
أي حتى إذا جاء إلى الموضع الذي فيه السراب لم يجده شيئا مما قدره ووجد أرضا لا ماء فيها
وفي الكلام حذف فكذلك مثل الكافر يتوهم أن عمله ينفعه { حتى إذا جاءه } أي مات لم يجد عمله شيئا لأن اللّه جل وعز قد محقه وأبطله بكفره { ووجد اللّه عنده } أي عند عمله { فوفاه حسابه } أي جزاءه
فمثل جل وعز عمل الكافر بما يو
ثم مثله بما يرى فقال
قال جل وعز { أو كظلمات في بحر لجي }
وهو منسوب إلى اللج وهو وسط البحر
قال أبي بن كعب الكافر كلامه ظلمة وعمله ظلمة ومصيره إلى ظلمة
وقوله جل وعز { إذا أخرج يده لم يكد يراها }
قال أبو عبيدة أي لم يرها و { لم يكد يراها } أي لا يراها إلا على بعد
قال أبو أبو جعفر وأصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها وإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة
وقوله جل وعز { ألم تر أن اللّه يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه }
حدثنا الفريابي قال أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله { كل قد علم صلاته وتسبيحه } الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه
وقوله جل وعز { ألم تر أن اللّه يزجي سحابا }
أي يسوقه
ثم يؤلف بينه } أي يجمع القطع المتفرقة حتى تتألف
ثم يجعله ركاما } أي بعضه فوق بعض { فترى الودق يخرج من خلاله }
الودق المطر يقال ودقت سرته تدق ودقا ودقة وكل خارج وادق كما قال
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
وخلال جمع خلل يقال جبل وجبال
ثم قال جل وعز { وينزل من السماء من جبال فيها من برد }
قيل المعنى من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد أي هذا خاتم حديد في يدي
كما يقال جبال من طين وجبال طين
وقيل إن المعنى من مقدار جب
ثم حذف كما تقول عند فلان جبال مال
والأخفش يذهب إلى أن من فيهما زائدة أي جبالا فيها برد
قال وقال بعضهم الجبال من برد { فيها } في السماء وتجعل الإنزال منها
وقوله جل وعز { يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار }
أي ضوء برقه وروى ربيعة بن أبيض عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال البرق مخاريق الملائكة
وقال عبد اللّه بن عمرو هو ما يكون من جبال البرد
حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثني عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرف أنه قرأ { يكاد سنا برقه }
قال أحمد بن يحيى وهو جمع برقة
قال أبو جعفر البرقة المقدار من البرق والبرقة المرة الواحدة مثل غرفة وغرفة
وقوله جل وعز { واللّه خلق كل دابة من ماء }
يقال لكل شيء من الحيوان مميزا كان أو غير مميز دابة
ثم قال جل وعز { فمنهم من يمشي على بطنه }
ولم يقل فمنها ولا فمنهن لأنه غلب ما يميز فلما وقعت الكناية على ما يكون لما يميز جاء ب من ولم يأت ب ما ألا ترى أنه قد خلط في أول الكلام ما يميز مع ما لا يميز
وقوله جل وعز { وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين }
قال عطاء أي مسرعين وهم قريش يقال أذعن إذا جاء مسرعا طائعا غير مكره
وقوله جل وعز { أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله }
والمعنى أم يخافون أن يحيف عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وقوله { أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم } افتتاح كلام ألا ترى أن قبله { وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم } ولم يقل ليحكما بينهم
وهذا كما يقال قد أعتقك اللّه وأعتقتك وما شاء الل
ثم شئت
وقوله جل وعز { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم }
خبر فيه معنى الأمر والتحضيض
أي إنما ينبغي أن يكونوا كذا
قرئ على بكر بن سهل عن عمرو بن هشام وهو البيروتي عن ابن أبي كريمة في قول اللّه جل عز { ومن يطع اللّه ورسوله ويخش اللّه ويتقه فأولئك هم الفائزون }
قال { ومن يطع اللّه } فيوحده { ورسوله } فيصدقه { ويخش اللّه } فيما مضى من ذنوبه { ويتقه } فيما بقى من عمره { فأولئك هم الفائزون }
قال أبو جعفر والفوز في اللغة النجاة
وقوله جل وعز { وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا }
{ قل لا تقسموا } تم الكل
ثم قال { طاعة معروفة } أي طاعة معروفة أمثل وهذا للمنافقين
أي لا تحلفوا على الكذب فالطاعة أمثل
ويجوز أن يكون المعنى لتكن منكم طاعة
وقوله جل وعز { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم }
والمعنى فإن تتول
ثم حذف ويدل على أن بعده { وعليكم ما حملتم } ولم يقل وعليهم
والمعنى فإنما على النبي صلى اللّه عليه وسلم التبليغ وعليكم القبول وليس عليه أن تقبلوا
وقوله جل وعز { وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض }
جاء باللام لأن معنى وعد وقال واحد
والمعنى ليجعلنهم يخلفون من قبلهم
{ وليمكنن لهم دينهم } وهو الإسلام
وقوله جل وعز { لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض }
أي هم في قبضة اللّه عز وجل
وقوله جل وعز { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم }
في هذه الآية أقوال
روى ابن جريح عن مجاهد قال هم العبيد المملوكون
وروى إسرائيل عن ليث عن نافع عن ابن عمر { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } الإناث
وروى سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال هي للنساء خاصة
أي إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت والنساء يستأذن في هذه الأوقات الخاصة
ولا يجوز في اللغة أن يقال للنساء الذين ولو كان للنساء خاصة لقيل اللاتي أو اللائي أو ما أشبه ذلك إلا أن يجتمع مذكر ومؤنث فيقال الذين لهم جميعا
وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين من أهل العراق سألاه عن قوله عز وجل { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } فقال إن اللّه جل وعز ستير يحب السترة ولم يكن للمسلمين يومئذ ستور ولا حجال فكان ولد
الرجل وخادمه ويتيمه ربما دخل عليه وهو مع أهله فأمر اللّه جل وعز بالاستئذان فلما بسط اللّه الرزق واتخذ الناس الستور والحجال رأوا أن ذلك يغنيهم عن الاستئذان وفي بعض الروايات فترك الناس العمل بالآية
قال الشعبي ليست بمنسوخة
وأولى ما في هذا وأصحه إسنادا ما رواه عبد الملك عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول ثلاث آيات ترك الناس العمل بها
أ قوله { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم }
وقوله { إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم }
ويقول فلان أنا أكرم من فلان وإنما أكرمهما أتقاهما
قال عطاء ونسيت الثالثة
قال أبو جعفر فهذا من ابن عباس على جهة الإنكار وهو مفسر لما رواه عكرمة في رواية من قال فترك الناس العمل بها
وقد روى ابن عيينة عن عبيد اللّه بن أبي يزيد عن ابن عباس قال إني لآمر جاريتي هذه وأومأ إلى جارية بيضاء قصيرة أن تستأذن علي
ثم بين المرات فقال سبحانه { من قبل صلاة الفجر } لأنه الوقت الذي يلبس الناس فيه ثيابهم يخرجون من فرشهم { وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } لأنه وقت القائلة
{ ومن بعد صلاة العشاء } قال الزهري وهي التي يسميها الناس العتمة
قال فيستأذنون في هذه الأوقات خاصة فأما غيرهم فيستأذنوا كل وقت
ثم قال تعالى { ثلاث عورات لكم }
أي أوقات الاستئذان ثلاث عورات
والنصب بمعنى يستأذنون وقت ثلاث عورات لكم
{ ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن } أي في الدخول بغير إذن
{ طوافون عليكم } أي يخدمونكم
{ بعضكم على بعض } أي يطوف بعضكم على بعض
وقوله جل وعز { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا }
قال الزهري أي يستأذن الرجل على أمه وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية
ثم قال تعالى { كما استأذن الذين من قبلهم }
يعني البالغين
وقوله جل وعز { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا }
قال أبو جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى اللواتي قعدن عن الولد
وقال غيره يراد بهذا العجوز الكبيرة التي قعدت عن التصرف لأنها قد تقعد عن الولد وفيها بقية
قال ربيعة هي التي إذا رأيتها استقذرتها
ثم قال تعالى { فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن }
روى أبو وائل عن عبد اللّه بن مسعود قال يعني الرداء
قال أبو جعفر والمعروف من قراءة عبد اللّه{ أن يضعن من ثيابهن }
وقوله جل وعز { وأن يستعففن خير لهن }
قال مجاهد أي يلبسن الجلباب خير لهن
وقوله جل وعز { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج }
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا زيد بن أجزم قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان
المسلمون يوعبون في النفير مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل اللّه جل وعز { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم } إلى آخر الآية
قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي
يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما وضع فيه
والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن
قال معمر سألت الزهري عن قوله تعالى { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } ما بال هؤلاء ذكروا ههنا فقال أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه أن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمنى وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك
ويتوقون ويقولون إنما أطلقوا لنا عن غير طيب نفس فأنزل اللّه الآية { ليس على الأعمى حرج }
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا بين أي ليس عليهم في الأكل شيء
والقول الاخر قول ابن عباس حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم } إلى قوله { جميعا أو أشتاتا } وذلك لما أنزل اللّه جل وعز { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } فقال المسلمون إن اللّه عز وجل قد نهى أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل اللّه جل وعز بعد ذلك { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج } إلى قوله
{ أو ما ملكتم مفاتحه } وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته
قال أبو جعفر والذي رخص اللّه جل وعز أن يؤكل من ذلك الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص اللّه لهم فقال جل وعز { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا }
قال أبو جعفر فبين ابن عباس في هذا الحديث ما الذي رخص لهم فيه من الطعام
وفي غير هذه الرواية عنه أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعه وكان الأعرج يتحرج لاتساعه في الموضع والمريض لرائحته وما يلحقه فأباح اللّه جل وعز لهم الأكل مع غيرهم
وهذا معنى رواية صالح عنه
فأما قوله تعالى { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم }
فقيل معناه من بيوت عيالكم
وقيل معناه من بيوت أولادكم لأن أولادهم من كسبهم فنسبت بيوتهم إليهم
واستدل صاحب هذا القول بأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد
ومعنى إخوانكم وإخوتكم واحد
وفي غير رواية معاوية عن ابن عباس { أو ما ملكتم مفاتحه } يعني العبيد
وقيل يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا للغزاة
وقرأ سعيد بن جبير { أو ما ملكتم مفاتحه } بضم الميم وتشديد اللام
وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى وبالأعرج وبالمريض إلى بيت أبيه أو غيره من الأقرباء فيتحرج من ذلك ويقول هو بيت غيره فنزلت هذه الآية رخصة
وقيل { ليس على الأعمى حرج } أي في الغزو وكذا الأعرج المريض
{ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم }
أي من بيوت أنفسكم لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك لأنه قد يكون في بيت الرجل ما ليس له
وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره وإن أذن له فأبيح ذلك لهذا إذا أذن له أحد من هؤلاء
وذكر فيهم الخص والعام لأن قوله { أو بيوت إخوانكم } عام
وقوله جل وعز { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم }
روى عمر بن دينار عن ابن عباس { فإذا دخلتم بيوتا } قال المساجد
{ فسلموا على أنفسكم } يقول السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين
وقال أبو مالك إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من المسلمين فقولوا السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين
وقال ماهان إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا من ربنا
وقال الحسن { فسلموا على أنفسكم } ليسلم بعضكم على بعض
كما قال تعالى { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم }
قال الضحاك فسلموا على أهليكم وغيرهم
قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول صحيح في اللغة والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه لأن دينهما واحد وعلى كل واحد منهما نصح صاحبه وقال الشاعر
قد جعلت نفسي في الأديم
يعني الماء لأن الماء به العيش فجعله نفسه فكذلك المسلم يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه
والأولى أن يكون لجميع البيوت لأن اللفظ عام والمعنى فليحيي بعضكم بعضا تحية من عند اللّه مباركه طيبه
ثم خبر أن السلام طيب مبارك فقال { تحية من عند اللّه مباركة طيبة }
وقوله جل وعز { إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه }
قال سعيد بن جبير إذا حزبهم أمر من حرب أو غيرها استأذنوه قبل أن يذهبوا
وقال مجاهد هذا في الغزو ويوم الجمعة
وقال قتادة والضحاك { وإذا كانوا معه على أمر جامع } أي على أمر طاعة
قال أبو جعفر قول سعيد بن جبير أولاها أي إذا احتاج الإمام إلى جمع المسلمين لأمر يحتاج إلى اجتماعهم فيه فالإمام مخير في الإذن لمن رأى الإذن له
فأما إذا انتقض وضوءه يوم الجمعة فلا وجه لمقامه في المسجد ولا معنى لاستئذانه الإمام في ذلك لأنه لا يجوز له منعه
وقوله تعالى { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم }
قال قتادة وقد قال سبحانه { عفا اللّه عنك لم أذنت لهم }
فنسخت هذه يعني التي في سورة النور التي في سورة براءة
وقوله جل وعز { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }
قال مجاهد قولوا يا رسول اللّه في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم
وقال قتادة أمروا أن يفخموه ويشرفوه
ويروى عن ابن عباس كان يقول دعوة الرسول عليكم واجبة فاحذروها وهذا قول حسن لكون الكلام متصلا لأن الذي قبله
والذي بعده نهي عن مخالفته أي لا تتعرضوا لما يسخطه فيدعو عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس
وقوله جل وعز { قد يعلم اللّه الذين يتسللون منكم لواذا }
قال مجاهد أي خلافا
وقيل حيادا كما تقول لذت من فلان أي حدت عنه
وقيل { لواذا } في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
وقول مجاهد يدل عليه { فليحذر الذين يخالفون عن أمره }
و لواذ مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره لياذ
وزعم أبو عبيدة أن قوله { فليحذر الذين يخالفون عن أمره }
معناه يخالفون أمره
قال أبو جعفر وهذا القول خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي لا يزادان وعن في موضعها غير زائدة
والمعنى يخالفون بعد ما أمر كما قال الشاعر
نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
وحقيقة عن ههنا إن شئت خلافهم أن تأمر فخلافهم عن أمره وهذا مذهب الخليل وسيبويه كذا قالا في قوله جل وعز { ففسق عن أمر ربه }
انتهت سورة النور