مكية وآياتها آية
بسم اللّه الرحمن الرحيم سورة مريم وهي مكية
من ذلك قوله جل اسمه { كهيعص }
حدثنا أبو بكر بن نافع قال نا سلمة بن شبيب قال نا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن عيينة عن عطاء بن السايب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى { كهيعص } قال كاف من كاف وهاء من هاد وياء من حكيم و عين من عليم وصاد من صادق
قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن قتادة في قوله { كهيعص } قال اسم من أسماء القرآن
قال أبو جعفر وقد استقصينا ما في هذا في سورة البقرة
وقوله جل وعز { إذ نادى ربه نداء خفيا }
قال يونس بن عبيد كان الحسن يرى ان يدعو الإمام في القنوت ويؤمن من خلفه من غير رفع الصوت وتلا يونس { إذ نادى ربه نداء خفيا }
وقوله جل وعز { قال رب إني وهن العظم مني } قال أبو زيد يقال وهن يهن ووهن يوهن وقال غيره أي ضعف
ثم قال تعالى { واشتعل الرأس شيبا } يقال لمن كثر الشيب في رأسه اشتعل رأسه شيبا
ثم قال جل وعز { ولم أكن بدعائك رب شقيا } أي لم أكن أخيب إذا دعوتك
ثم قال جل وعز { وإني خفت الموالي من ورائي }
روى هشام عن اسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال الكلالة
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال العصبة وقال أبو عبيدة يعني بني العم قال و { من ورائي } أي من قدامي
وقول مجاهد أولى يقال للعصبة موال أي من يليه في النسب كما أن الأقرباء من يقرب إليه في النسب وبنو العم داخلون في هذا كما قال الشاعر
مهلا بني عمنا مهلا موالينا
وقوله أيضا { من ورائي } من قدامي مخالف لقول أهل التفسير لأن المعنى عندهم من بعد موتي
وقال سعيد بن العاص أمل علي عثمان بن عفان رحمة اللّه عليه { وإني خفت الموالي من ورائي } يعني بتشديد الفاء وكسر التاء وإسكان الياء قال ومعناه قلت
ثم قال جل وعز { وكانت امرأتي عاقرا } أي لا تلد كأن بها عقرا يمنعها من الولاد
ثم قال جل وعز { وقد بلغت من الكبر عتيا } قال مجاهد أي نحول العظم
ويروي أن عبد اللّه بن مسعود قرأ{ عسيا }
يقال عتا يعتو وعسى يعسو إذا بلغ النهاية في الشدة والكبر قال قتادة كان ابن بضع وسبعين سنة
وقوله جل وعز { يرثني ويرث من آل يعقوب }
روى هشيم عن اسماعيل عن أبي خالد عن أبي صالح قال يكون نبيا كما كانوا أنبياء
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانت وراثته علما وكان زكريا من آل يعقوب
وروى عن داود بن أبي هند عن الحسن { يرثني } أي يرث مالي { ويرث من آل يعقوب } النبوة
وأبو إسحاق يذهب الى القول الأول ويبعد أن يكون نبي
يشفق أن يورث ماله للحديث المأثور
وقوله جل وعز { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } أي قلنا يا زكريا
ثم قال جل وعز { لم نجعل له من قبل سميا } روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لم يسم أحد قبل يحيى بيحيي غيره وروى سفيان عن أبيه عن حسان بن أبي الأشرس { لم نجعل له من قبل سميا } قال عدلا
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال مثلا
قال أبو جعفر ويقوي هذا أن أهل التفسير منهم ابن جريج قالوا في قول اللّه { هل تعلم له سميا } أي مثلا أي شريكا
وقوله جل وعز { قال رب أنى يكون لي غلام } قال أبو اسحاق أراد أن يعلم من أي جهة يولد له وامرأته عاقر وقد كبر قال أبو جعفر وقد ذكرنا العاقر والعتي قبل هذا
ثم قال جل وعز { قال كذلك قال ربك هو علي هين } أي الأمر كما قيل لك
ثم قال تعالى { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } أي شيئا موجودا
ثم قال جل وعز { قال رب اجعل لي آية } أي علامة تدل على وقوع ما بشرت به
{ قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } قال عكرمة وقتادة والضحاك أي من غير خرس
وقوله جل وعز { فخرج على قومه من المحراب } قال أهل التفسير كان موضعا مرتفعا وكذلك هو عند اهل اللغة كأنه على حربة لارتفاعه ومنه قيل محراب للموضع الذي يصلي فيه كأنه أرفع المجلس
ثم قال جل وعز { فأوحى إليهم } قال قتادة أي فأومأ إليهم وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال كتب لهم فذلك الوحي
ثم قال تعالى { أن سبحوا بكرة وعشيا } روى معمر عن قتادة قال صلوا وذلك معروف في اللغة
ومنه يقال للصلاة سبحة
ثم قال جل وعز { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } في الكلام حذف لعلم المخاطب المعنى فوهبنا له يحيى فقلنا يا يحيى خذ الكتاب بقوه قال مجاهد أي بجد وقال غيره أي بجد وعون من اللّه
ثم قال تعالى { وآتيناه الحكم صبيا } قال عبد الرزاق أخبرنا معمر قال بلغنا أن الصبيان قالوا ليحيى وهو صبي تعال حتى نلعب فقال ما للعب خلقنا فقال جل ثناؤه { وآتيناه الحكم صبيا }
قال أبو جعفر هذا معنى كلامه قال عكرمة الحكم اللب قال قتادة كان ابن سنتين أو ثلاث
ثم قال تعالى { وحنانا من لدنا } روى شعبة عن سماك عن عكرمة قال الحنان الرحمة وكذلك هو عند أهل اللغة وأصله من حنين الناقة على ولدها قال طرفة
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض
ثم قال جل وعز { وزكاة وكان تقيا } روى على بن الحكم عن الضحاك قال الزكاة العقل الزاكي الصالح وقال قتادة الزكاة الصدقة
وقوله جل وعز { وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا }
روى قتادة عن الحسن قال لما لقى يحيى عيسى عليهما السلام قال له يحيى أنت خير مني قال عيسى بل أنت خير مني سلم اللّه عليك وسلمت على نفسي
وقوله جل وعز { واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا } أي تنحت وتباعدت
ونبذت الشيء رميت به وقيل إنها قصدت مطلع الشمس لتغتسل من الحيض وقيل لتخلو بالعبادة
وقوله جل وعز { فأرسلنا إليها روحنا }
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال جبريل صلى اللّه عليه وسلم قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأن غيره قال هو عيسى يدل على ذلك قوله تعالى { فتمثل لها بشرا سويا } وعيسى بشر
وقوله جل وعز { قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا } قال أبو اسحاق أي فإن كنت تقيا فستتعظ بتعوذي باللّه جل وعز منك وقال غيره إن بمعنى ما والأول أولى
ثم قال جل وعز { قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا } ويقرأ { لأهب لك } فمعنى لأهب بالهمز محمول على المعنى أي قال أرسلته لأهب لك ويحتمل ليهب بلا همز أي يكون بمعنى المهم
ثم خففت الهمزة وقيل المعنى أرسلني اللّه ليهب لك
وقوله جل وعز { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر } أي لم يمسسني على جهة تزوج { ولم أك بغيا } أي لم يقربني على غير حد تزوج
وقوله جل وعز { قال كذلك قال ربك هو علي هين } أي الأمر كما قيل لك قال الكسائي هو من جاء وجئت به وأجأته وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد لأنه إذا ألجأها الى الذهاب الى جذع النخلة فقد جاء بها اليه قال زهير
وجار سار معتمدا أليكم أجاءته المخافة والرجاء
والمخاص الحمل
قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان قال مجاهد كان حمل النخلة عجوة وقال غيره كان جذعا بلا رأس وكان ذلك في الشتاء فأنبت اللّه له رأسا وخلق فيه رطبا وقال ابن عباس حملت ووضعت في ساعة واحدة وقال غيره أقا
ثمانية أشهر وتلك آية لأنه لا يولد مولود لثمانية اشهر فيعيش قال أبو اسحاق قوله تعالى { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } يدل على طول المكث واللّه أعلم
وقوله جل وعز { فحملته فانتبذت به مكانا قصيا } قال مجاهد أي قاصيا
قال الكسائي يقال قصا يقصو أي بعد وأقصاه اللّه وأقصى الشيء أبعده
وقوله جل وعز { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } قال ابن عباس ومجاهد أي فألجأها المخاض قال الكسائي هو من جاء وجئت به وأجأته وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد لأنه إذا ألجأها الى الذهاب الى جذع النخلة فقد جاء بها اليه قال زهير
ثم قال تعالى { قالت يا ليتني مت قبل هذا } أي لو خيرت بين الموت وهذا لاخترت الموت
ثم قال جل وعز { وكنت نسيا منسيا } قال عكرمة أي حيضة ملقاة
والنسي عند أهل اللغة على ضربين
أحدهما ما طال مكثه فنسى
والآخر الشيء الحقير الذي لا يعبأ به وقرأ محمد بن كعب{ وكنت نسئا } وقرأ نوف{ وكنت نسا } وهو من نسأ اللّه في أجله أي أخره قال حماد بن سلمة قال لي عاصم كيف تقرأ فاجأها قلت أقرؤها { فأجاءها } فقا إنما هو فاجأ من المفاجأة
وقوله جل وعز { فناداها من تحتها }
كذا روى عن أبي بن كعب والبراء بن عازب وإبراهيم النخعي أنهم قرءوا { من } بالفتح وتأولوه على أنه عيسى عليه السلام وقرأ ابن عباس وعمرو بن ميمون والضحاك { فناداها من تحتها } وفسروه أنه جبريل صلى اللّه عليه وسلم قال الضحاك كان جبريل أسفل منها فناداها من ذلك الموضع { ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا } وروى سفيان عن أبي اسحاق عن البراء قال السري الجدول والنهر الصغير وكذلك هو في كلام العرب قال لبيد
فتوسطا عرض السرى وصدعا مسجورة متجاوزا قلامها
وقوله جل وعز { فقولي إني نذرت للرحمن صوما } روى سلمان التيمي عن أنس قال صمتا وذلك معروف في اللغة يقال لكل ممسك عن كلام أو طعام صائم كما قال الشاعر
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
صيام ممسكة عن الحركة ساكنة
وقوله جل وعز { قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا } قال مجاهد أي عظيما وقال سعيد بن مسعدة أي مختلقا مفتعلا يقال فريت وأفريت بمعنى واحد
قال قطرب زعم أبو خيرة العدوى أن الفري الجديد من الأسقية قال قطرب فكأن معنى فري بديع وجديد لم يسبق إليه قال وكان معنى افترى على اللّه جاء بأمر بديع جديد لم يكن
وقال أبو عبيدة فري عجيب
وقوله جل وعز { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء } روى معمر عن قتادة قال كان هارون صالحا من قومهما فقالوا يا شبيهه هارون قال أبو جعفر ويقوي هذا الحديث المرفوع كانوا يتسمون
بأسماء أنبيائهم والصالحين منهم
ثم قال جل وعز { وما كانت أمك بغيا } أي فاجرة والبغاء الزنا
وقوله جل وعز { فأشارت إليه } والمعنى فأشارت الى عيسى أن كلموه ودل على هذا قوله تعالى { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا } قيل كان ها هنا زائدة لأن الناس كلهم لا يخلون من أن يكونوا هكذا وقيل كان بمعنى وقع وخلق
وقيل فيه معنى الشرط أي من كان صبيا فكيف نكلمه
وقوله جل وعز { قال إني عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت } روى سفيان عن سماك عن عكرمة في قوله تعالى { آتاني الكتاب } قال قضى أن يؤتينه وقيل معنى { وأوصاني بالصلاة والزكاة } أي أوصاني بالصلاة والطهارة
وقوله تعالى { ذلك عيسى ابن مريم } أي ذلك الذي قال هذا عيسى بن مريم عبد اللّه
ثم قال جل وعز { قول الحق الذي فيه يمترون }
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون } قال اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر أخرج كل قوم عالمهم فامتروا في عيسى حين رفع فقال أحدهم هو اللّه هبط الى الأرض أحيا من أحيا وأمات من أم
ثم صعد الى السماء وهم اليعقوبية قال فقال الثلاثة كذبت
ثم قال اثنان منهم للثالث قل فيه قال هو ابن اللّه وهم النسطورية قال فقال الاثنان كذ
ثم قال الاثنان للآخر قل فيه قال هو ثالث ثلاثة اللّه إله وهو إله وأمه إله وهم الإسرئيلية ملوك النصارى
قال الرابع كذبت بل هو عبد اللّه ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون فكانت لكل رجل منهم اتباع على ما قال فاقتتلوا فظهروا على المسلمين فذلك قول اللّه جل وغز { ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس }
قال قتادة وهم الذين قال اللّه { فاختلف الأحزاب من بينهم } أختلفوا فيه فصاروا أحزابا
وقوله جل وعز { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم } روى مبارك عن الحسن قال يوم القيامة
وقوله جل وعز { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا }
روى سعيد عن قتادة قال ذلك واللّه يوم القيامة سمعوا حين لا ينفعهم السمع وأبصروا حين لا ينفعهم البصر
قال أبو جعفر والمعنى عند أهل اللغة ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة لأنهم عاينوا ما لا يحتاجون معه الى فكر ولا روية
وقوله تبارك وتعالى { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون }
روى سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار جييء بالموت في صورة كبش أملح فينادي يا أهل الجنة فيشرئبون ينظر
ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون ينظرون فيقال أتعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وليس منهم إلا من يعرفه فيذبح بين الجنة والن
ثم يقال يا أهل الجنة خلود لا موت فيه ويا أهل النار خلود لا موت فيه فذلك قول اللّه جل وعز { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر }
وروى أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
سعيد الخدري عن النبي ( صلع ) في قوله { وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } قال في الدنيا وحدثنا أسامة بن أحمد قال حدثنا هارون بن سعيد الأيلي قال حدثني أنيس بن عياض قال أخبرني محمد بن عمرو وعن أبي سلمة عن أي هريرة أن رسول اللّه ( صلع ) قال يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف عل الصر
ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم ف
ثم يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين رجاء أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم يا ربنا هذا الموت فيؤمر به فيذبح على الصر
ثم يقال يا أهل الجنة خلودا فيما تجدون لا موت فيه أبدا
وقوله جل وعز { واذكر في الكتاب إبراهيم } والمعنى واذكر في الكتاب الذي أنزل عليك وهو القرآن قصة إبراهيم وخبره
ثم قال جل وعز { إنه كان صديقا نبيا } صديق مأخوذ من الصدق وفيه معنى المبالغة والتكثير يقال لمن صدق باللّه وأنبيائه وفرائضه وعمل بها صديق ومنه قيل لأبي بكر صديق
وقوله جل وعز { يا أبت لا تعبد الشيطان } والمعنى لا تطعه فيما يامرك به من الكفر والعصيان فتكون بمنزلة من عبده
وروى علي بن الحكم عن الضحاك { لئن لم تنته لأرجمنك } بالقول قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال رجمه ورماه إذا شتمه ومنه قوله تعالى { والذين يرمون المحصنات }
ثم قال جل وعز { واهجرني مليا }
قال سعيد بن جبير ومجاهد أي حينا وقال الحسن أي زمانا طويلا وقال عكرمه أي دهرا وقال الضحاك أي سالما لا تصيبك مني معرة قال أبو جعفر القول عند أهل اللغة أنه بمعنى زمانا ودهرا قال الكسائي يقال هجرته مليا وملوة وملوة وملاوة وملاوة
قال أبو جعفر ومنه تمل حبيبك أي عش معه دهرا ومنه أمليت له ومنه قيل لليل والنهار الملوان كما قال الشاعر
أمل عليها بالبلى الملوان
ثم قال جل وعز { سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا } الحفي اللطيف البار يقال حفي به وتحفى إذا بره أي كان يجيبني إذا دعوته
وقوله جل وعز { ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا } أي أبقينا عليهم ثناء حسنا قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يجعل اللسان موضع القول لأن القول به يكون كما قال الشاعر
إني أتاني لسان لا أسر بها من علو لا عجب منها ولا سخر
وقوله جل وعز { واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا } أي أخلصناه فجعلناه مختارا خالصا من الدنس ومعنى مخلصا بكسر اللام وحد اللّه عز وجل بطاعته وأخلص نفسه من الدنس
وقوله جل وعز { وقربناه نجيا }
حدثنا الحسن بن عمر الكوفي قال حدثنا هناد قال حدثنا وكيع وقبيصة عن سفيان عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول اللّه { وقربناه نجيا } قال أدنى حتى سمع صريف القلم
وقوله جل وعز { واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا } قيل إنه سأل ملك الموت أن يريه النار فأراه إيا
ثم
سأله أن يدخله الجنة فأدخله إيا
ثم قال له اخرج فقال كيف أخرج وقد قال اللّه { وما هم منها بمخرجين } قال أبو جعفر فيجوز أن يكون اللّه أعلم هذا إدر
ثم نزل القرآن به وقيل معناه في المنزلة والرتية وأصح من هذين القولين لعلو إسنادة وصحته ما رواه سعيد عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك بن صعصعة ان النبي ( صلى ) لما أسرى به قال رأيت إدريس في السماء الرابعة
وروى سفيان عن هارون عن ابي سعيد الخدري { ورفعناه مكانا عليا } قال السماء الرابعة
وروى الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن إساف قال كنا عند كعب الأحبار إذ أقبل عبد اللّه بن عباس فقال هذا
ابن عم نبيكم فوسعنا له فقال يا كعب ما معنى { ورفعناه مكانا عليا } فقال كعب إن إدريس صلى اللّه عليه وسلم كان له صديق من الملائكة وأوحى اللّه اليه إني أرفع لك كل يوم مثل عمل أهل الأرض فقال إدريس للملك كلم لي ملك الموت حتى يؤخر قبض روحي فحمله الملك تحت طرف جناحه فلما بلغ السماء الرابعة لقى ملك الموت فكلمه فقال اين هو فقال ها هو ذا فقال من العجب إني أمرت أن أقبض روحه في السماء الرابعة فقبضها هناك
وقوله جل وعز { فخلف من بعدهم خلف } قال أبو عبيدة حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال ذلك عند قيام الساعة وذهاب صالحي هذه الأمة أمة محمد ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زنا
قال أبو جعفر الخلف بتسكين اللام لا يستعمل إلا للرديء كما قال لبيد
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
فإذا قلت خلف بتحريك اللام فهو للجيد كم يقال جعل اللّه فيك خلفا من أبيك
ثم قال جل وعز { أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } قال القاسم بن مخيمرة أضاعوها أخروها عن وقتها ولو تركوها لكفروا وقيل أضاعوها تركوها البتة
وهذا أشبه لقوله بعد { إلا من تاب وآمن } وهذا يدل على أنهم كفروا
ثم قال جل وعز { فسوف يلقون غيا }
روى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد اللّه بن مسعود قال هو واد في جهنم
قال أبو جعفر والتقدير عند أهل اللغة فسوف يلقون جزاء الغي كما قال جل ذكره { ومن يفعل ذلك يلق أثاما } ويجوز أن يكون الوادي يسمى غيا لأن الغاوين يصيرون إليه
وقوله جل وعز { جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب }
جنات إقامة يقال عدن بالمكان إذا قام به ومنه قيل معدن لمقام أهله به شتاء وصيفا لا ينتجعون منه
وقوله جل وعز { إنه كان وعده مأتيا }
مأتي مفعول من الإتيان وكل ما وصل إليك فقد وصلت إليه كما تقول وصل إلي من فلان خير ووصلت منه إلى خير
فالضعيف في العربية يقول مفعول بمعنى فاعل
وقوله جل وعز { لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما }
اللغو الباطل وما يؤثم فيه وما لا معنى له
والسلام كل ما يسلم منه وهو اسم جامع للخير أي لا يسمعون إلا كل ما يحبون
ثم قال جل وعز { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا }
روى الضحاك عن ابن عباس قال في مقادير الليل والنهار
قال أبو جعفر ومعنى هذا أن الجنة ليست فيها غداة ولا عشية ولكن المعنى في مقادير هذه الأوقات
وقال قتادة كانت العرب إذا وجد الرجل منهم ما يأكل بالغداة والعشي عجب به فأعلمهم اللّه أن ذلك في الجنة
وقوله جل وعز { وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك }
وروى عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لجبريل عليه السلام لم لا تزورنا أكثر مما تزورنا فأنز اللّه { وما نتنزل إلا بأمر ربك } إلى آخر الآية وكان هذا الجواب له
وروى أبو حصين عن سعيد بن جبير في قوله { ما بين أيدينا } قال من أمر الآخرة { وما خلفنا } من أمر الدنيا { وما بين ذلك } ما بين الدنيا
والآخرة أي البرزخ
وقوله عز وجل { وما كان ربك نسيا }
قيل معناه لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي
وقيل هو عالم بما كان وبما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع حافظ له لم ينس منه شيئا
وقوله جل وعز { هل تعلم له سميا }
روى اسرائيل عن سماك عن عكرمة ابن عباس قال هل تعلم أحدا سمي الرحمن سواه
قال أبو جعفر وهذا أجل إسناد علمته روي في هذا الحرف وهو قول صحيح لا يقال الرحمن إلا للّه وقد يقال لغير اللّه رحيم
وقد بينا لم لا يقال الرحمن إلا للّه في سورة الحمد
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد { هل تعلم له سميا } قال مثلا
وروى حجاج عن ابن يجريج { هل تعلم له سميا } قال لا شريك له لا مثل
وقيل هل تعلم أحدا تقول له اللّه إلا هو
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
وإنما المعنى هل تعلم أحدا يقال له هذا على استحقاق إلا
اللّه لأنه الذي وسعت رحمته كل شيء وهو القادر والرازق
وقيل المعنى إن اسمه المذكور في هذا الآية لا يسمى به غيره وهو { رب السماوات والأرض وما بينهما }
وقوله جل وعز { ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان }
أي لا يتفكر وينظر ويذكره بعلم ويتبينه
وقوله جل وعز { فوربك لنحشرنهم والشياط
ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا }
قال مجاهد وقتادة أي على ركبهم
والمعنى أنهم لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام
وقوله جل وعز
ثم {لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا }
روى سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص قال يبدأ بالأكابر جرما
ومعنى هذا القول نبدأ بتعذيب أكبرهم جر
ثم الذي يل
ثم الذي يليه
قال مجاهد { من كل شيعة } من كل أمة { عتيا } أي كفرا
وقوله جل وعز { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا }
في هذه الآية خمسة أقوال أ قيل ورودها دخولها لأن بعده { ونذر الظالمين فيها }
وإنما يقال { نذر } لما حصل فينجي اللّه الذين اتقوا ويصيرون إلى رحمته فيعرفون مقدار ما خلصوا منه لأنهم قد دخلوا النار وخلصوا منها وهذا قول ابن عباس وإسناده جيد
روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال تمارى ابن عباس ونافع الأزرق فقال نافع ليس الورود الدخول وقال ابن عباس هو الدخول أرأيت قول اللّه تعالى { إنكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم أنتم لها واردون }
أوردوا أم
وقوله تعالى { وبئس الورد المورود } فأما أنا وأنت فسنردها وأرجو أن يخرجني اللّه منها ولا يخرجك منها لتكذيبك فقال له نافع { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته }
وروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم
يعني الورود
ب وقيل يردها المؤمنون وهي جامدة
وروى سفيان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا يارب ألم توعدنا أنا نرد النار فيقول قد وردتموها وهي جامدة ج وقيل يعني القيامة د وقيل { وإن منكم إلا واردها } يراد به المشركون واستدل صاحب هذا القول بأن عمر بن الوليد روى عن عكرمة أنه قرأ { وإن منكم إلا واردها } ه والقول الخامس أن ورودها بلاغها والممر بها
وروى معمر عن قتادة { وإن منكم إلا واردها } قال الممر بها
وروى الحسن بن مسلم عن عبيد اللّه بن عمير { وإن منكم إلا واردها }
قال حضورها
فهذه خمسة أقوال واللّه أعلم بما أراد إلا أنه معروف في كلام العرب أن يقال وردت كذا أي بلغته ولم أدخله قال زهير
فلما وردن الماء زرقا جمامة وضعن عصي الحاضر المتخيم
وقرأ أبي بن كعب
{ ثم ننجي الذين اتقوا } أي في ذلك الموضع
قال أبو جعفر وأبين ما في هذه الأقوال قول من قال { وإن منكم إلا واردها } إنها القيا
وقوله تعالى { فوربك لنحشرنهم } يدل على ذكر القيامة فكنى عنها بهذا
وكذلك ذكر جهنم يدل على القيامة لأنها فيها واللّه جل وعز يقول { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } فيبعد أن يكون مع
هذا دخول النار
وقرأ ابن عباس
ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }
وقوله جل وعز { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا }
روى أبو ظبيان عن ابن عباس في قوله { أي الفريقين خير مقاما } قال منزلا { وأحسن نديا } قال مجلسا
قال الكسائي الندي والنادي المجلس
قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال ندوت القوم أندوهم أي جمعتهم ومنه قيل دار الندوة لأنهم كانوا يجتمعون فيها إذا حزبهم الأمر ومنه قوله تعالى { وتأتون في ناديكم المنكر }
وقوله جل وعز { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا }
روى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الأثاث المتاع والرئى المنظر
قال أبو جعفر والأثاث في اللغة المتاع وقال الأحمر واحدته أثاثة
وقال الفراء لا واحد له
وكذلك الرئى المنظر من رأيت أي ما ترى في صورة
الإنسان ولباسه ويقرأ{ وريا } بلا همزة وهو جيد على تخفيف الهمز
وهو حسن ها هنا لتتفق رؤوس الآيات
ويجوز أن يكون من الري والنعمة
وقال الأخفش يجوز أن يكون من ري المطر والزي بالزاي الهيئة والحسن يقال زيت المرأة أي زينتها وهيأتها
وقوله جل وعز { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا }
يقال ما معنى الأمر ها هنا
قال أبو جعفر الجواب أن هذا أبلغ فلو قلت إن تجئني فلأكرمك كان أبلغ من قولك إن تجئني فأكرمك وإنما صار أبلغ لأن فيه معنى الإلزام
ثم قال جل وعز { حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة }
العذاب ها هنا أن ينصر اللّه المسلمين عليهم فيعذبوهم بالقتل والسبي
والساعة القيامة أي وأما تقوم القيامة فيصيرون إلى النار { فسيعلمون من هو شر مكانا } إذا صاروا إلى النار { وأضعف جندا } إذا نصر اللّه المسلمين عليهم
ثم قال جل وعز { ويزيد اللّه الذين اهتدوا هدى }
قيل نزيدهم هدى بالناسخ والمنسوخ
وقيل نزيدهم هدى مجازاة
وقد ذكرنا معنى { والباقيات الصالحات } في سورة الكهف
وقوله جل وعز { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا }
قال أبو جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو الأزهر قال حدثنا روح ابن عبادة قال شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب قال كنت قينا في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل حتى اجتمعت لي عليه دراهم فجئت أتقاضاه فقال لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فقلت لا أكفر بمحمد حتى تموت وتبعث قال وإني لمبعوث قلت نعم قال فإنه سيكون
ثم مال وولد فأقضيك فأنزل اللّه عز وجل { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا } إلى آخر القصة
قال أبو جعفر وهذا معنى الحديث
وفي قوله تعالى { أم اتخذ عند الرحمن عهدا }
أقوال
قال سفيان عملا صالحا
وقيل العهد ها هنا توحيد اللّه والإيمان به
وقيل العهد ها هنا الوعد بما قال
وقال الأسود بن زيد قال عبد اللّه يقول اللّه عز وجل يوم القيامة من كان له عندي عهد فليقم فقالوا يا أبا عبد الرحمن فعلمنا قال قولوا اللّهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك عهدا في هذه الحياة الدنيا إنك إن تكلني إلى عملي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعله لي عندك عهدا تؤديه إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد
قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة والعهد في اللغة يكون الأمان ومنه أهل العهد ومنه قول اللّه تعالى { قال لا ينال عهدي الظالمين }
قال أبو عبيد كأنه قال لا أؤمنهم من عذاب يوم القيامة
وكذلك قول قتادة قال في الآخرة فأما في الدنيا فقد أكلوا وشربوا وعاشوا وأبصروا
فإذا قيل للتوحيد عهد فلأنه يؤمن به وكذلك الوعد
وقوله جل وعز { ونرثه ما يقول ويأتينا فردا }
قال قتادة أي نرثه ما عنده أي قوله { لأوتين مالا وولدا }
قال وفي قراءة ابن مسعود{ ونرثه ما عنده }
وقيل نبقي عليه الاثم فكأنه موروث
قال أبو جعفر قيل هذا مفسر في حديث خباب قيل
والمعنى واللّه أعلم نسلبه ماله وولده يوم القيامة ألا ترى أن بعده { ويأتينا فردا }
قال أبو جعفر وأصح ما قيل في هذا أن معنى { ونرثه ما يقول } نحفظ عليه ما يقول حتى نوفيه عقوبته عليه
ومن هذا حديث أبي الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء
ومنه { وأورثكم أرضهم وديارهم }
وقوله جل وعز { واتخذوا من دون اللّه آلهة ليكونوا لهم عزا }
أي أعوانا
ثم قال سبحانه { كلا سيكفرون بعبادتهم }
كلا عند أهل العربية تنقسم قسمين
أحدهما أن يكون ردعا وتنبيها وردا لكلام وهي ها هنا كذلك أي ارتدعوا عن هذا وتنبهوا على وجه الضلالة فيه
فإذا كانت كذا فالوقوف عليها التمام
وتكون ردعا وتنبيها ولا تكون ردا لكلام نحو قوله تعالى { كلا إن الإنسان ليطغى }
وقوله جل وعز { ويكونون عليهم ضدا }
أي أعوانا
قال مجاهد أي تكون أوثانهم عليهم في النار تخاصمهم وتكذبهم
وقوله جل وعز { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا }
في معناه قولان
أحدهما لم تعصمهم من الشياطين
والقول الاخر قيضنا لهم الشياطين مجازاة على كفرهم قال اللّه جل وعز { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا }
ومعنى { أرسلنا } في اللغة هاهنا سلطنا
ثم قال سبحانه { تؤزهم أزا }
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال تغريهم إغراء
قال ابن جريج الشياطين تؤز الكافرين إلى الشر امضوا
امضوا حتى توقعهم في النار
قال قتادة { تؤزهم } أي تزعجهم إلى المعاصي
قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة المعاني وأصله من أززت الشيء أوزة أزا وأزيزا أي حركته ومنه الحديث إن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل أي من البكاء
وقوله جل وعز { فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا }
روى هشيم عن أبي يزيد عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله تعالى { إنما نعد لهم عدا } قال كل شيء حتى
الأنفاس
وقوله جل اسمه { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا }
قال أهل التفسير أي ركبانا
قال النعمان بن سعد قرأ علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا } فقال أما واللّه لا يحشرون على أقدامهم ولكنهم يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها عليه أرحلة الذهب وأزمتها الزبر
ثم تنطلق بهم إلى الجنة حتى يقرعوا بابها
وقوله جل وعز { ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا }
قال أهل التفسير أي عطاشا
قال أهل اللغة هو مصدر وردت فالتقدير عندهم ذوي ورد
وقد حكوا أنه يقال للواردين الماء ورد فلما كانوا يردون على
النار كما يرد العطاش على الماء قيل لهم ورد فعلى هذا يوافق اللغة
ثم قال جل وعز { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا }
إن جعلت من بدلا من الواو كان المعنى لا يملك الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه يشفع
وإن جعلته استثناء ليس من الأول كان المعنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه يشفع فيه
وقوله جل وعز { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا }
قال مجاهد أي عظيما
وذلك معروف في اللغة يقال جاء شيئا إدا وجاء بشيء إد
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي { إدا } بفتح الهمزة
والكسر أعرف
قال أبو عبيد ومنه الحديث أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه اللّه لما هم بقتل علي رضوان اللّه عليه ذاكر فلانا قال أبو عبيد وقد سماه فقال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا أتقتل علي بن أبي طالب
وقوله جل وعز { تكاد السماوات يتفطرن منه }
قال مجاهد الإنفطار الانشقاق
قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال فطر ناب البعير إذا انشق اللحم وخرج
وقوله جل وعز { وتخر الجبال هدا }
أي سقوطا
وقوله جل وعز { أن دعوا للرحمن ولدا }
أي لأن دعوا للرحمن ولدا ومن أن دعوا
وقوله جل وعز { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا }
روى مجاهد عن ابن عباس قال محبة
قال مجاهد يحبهم اللّه ويحببهم إلى خلقه
ثم قال جل وعز { فإنما يسرناه بلسانك }
أي سهلناه وأنزلناه بلغتك
وقوله جل وعز { وتنذر به قوما لدا }
روى سفيان عن اسماعيل عن أبي صالح قال عوجا عن الحق
وقال مجاهد الألد الظالم الذي لا يستقيم
وقال الحسن اللد الصم
وقال أبو عبيدة هو الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل وأنشد
إن تحت الأحجار حدا ولينا وخصيما ألد ذا مغلاق
ويروى معلاق بالعين
قال أبو جعفر أحسن هذه الأقوال الأول واللديدان صفحتا العنق فكأنه تمثيل
وقوله جل وعز { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد }
يقال هل أحسست صاحبك أي هل أبصرته
ثم قال جل وعز { أو تسمع لهم ركزا }
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال صوتا
قال أبو جعفر الركز في اللغة الصوت الخفي الذي لا يكاد يتبين
وصلى اللّه على خير خلقه محمد نبيه وعلى آله وسلم
تمت سورة مريم وللّه الحمد والمنة