سُورَةُ الْكَهْفِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ مِائَةٌ وَعَشْرُ آياَتٍ

مكية وآياتها    آية

 بسم اللّه الرحمن الرحيم سورة الكهف وهي مكية

١

من ذلك قوله جل وعز { الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما } في هذا قولان

 أحدهما  أنها على التقديم والتأخير والمعنى الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا يروى هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد

 قال أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال نا عبد اللّه بن صالح قال نا معاوية بن صالح قال حدثني علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { ولم يجعل له عوجا قيما } يقول أنزل الكتاب عدلا قيما ولم يجعل له عوجا ملتبسا

 والقول الاخر رواه سعيد عن قتادة قال في بعض القراءات الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ولكن جعله قيما

  وفي قوله تعالى { ولم يجعل له عوجا } قولان

 أحدهما  أنه لم يجعله مختلفا كما قال سبحانه { ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }

 والقول الاخر أنه لم يجعله مخلوقا كما روى عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذي عوج } قال غير مخلوق

٢

  وفي قوله جل وعز { قيما } قولان

أحدهما  رواه جويبر عن الضحاك قال مستقيما والقول الاخر أنه قيما على الكتب أي يصدقها

 ثم قال جل وعز { لينذر بأسا شديدا من لدنه } المعنى لينذركم بأسا شديدا كما قال تعالى { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه }

٤

 ثم قال جل وعز { كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا } المعنى كبرت تلك الكلمة كلمة عند اللّه وهي قولهم { اتخذ اللّه ولدا } أي كبرت من كلمة

 وقيل فيه معنى التعجب كما يقال لقاض قضى بالحق ما أقضاه فيكون المعنى ما أكبرها من كلمة وقرأ الحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر { كبرت كلمة تخرج من أفواههم } بالرفع ومعناه عظمت يقال كبر الشيء إذا عظم وكبر إذا أسن

٦

 وقوله جل وعز { فلعلك باخع نفسك على آثارهم } روى سعيد عن قتادة قال قاتل نف

 ثم قال { على آثارهم } أي بعدهم

 ثم قال جل وعز { إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } قال قتادة أي غضبا قال مجاهد أي جزعا وهذا أشبه أي حزنا عليهم

٧

 وقوله جل وعز { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } قال قطرب أي ما على الأرض مما تزين به

 ثم قال جل وعز { لنبلوهم أيهم أحسن عملا } أي لنختبرهم

٨

  وقوله جل وعز { وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا } روى سعيد عن قتادة قال أي لا شجر فيها ولا نبات ولا بناء وقال مجاهد أي بلقعا قال أبو جعفر والصعيد في اللغة وجه الأرض ومنه قيل للتراب صعيد والجرز في اللغة الأرض التي لا نبات فيها

 قال الكسائي يقال جرزت الأرض تجرز وجرزها القوم يجرزونها إذا أكلوا كل ما فيها من النبات والزرع فهي مجروزة وجرز

٩

  وقوله جل وعز { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا }

 قال الضحاك { الكهف } الغار في الوادي و { والرقيم } الوادي

 وقال يزيد بن درهم سئل أنس بن مالك عن الكهف والرقيم فقال { الكهف } الجبل { والرقيم } الكلب

 وروى سفيان بن سعيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه سأل كعبا ما الرقيم فقال هو اسم القرية التي خرجوا منها

 وقال عكرمة { والرقيم } الدواة وقال مجاهد { والرقيم } الكتاب وقال السدي الصخرة وقال الفراء الرقيم لوح من رصاص كتبت فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم وممن هربوا

 وقال أبو عبيدة الرقيم الوادي الذي فيه الكهف وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كل القرآن أعلم إلا أربعا غسلينا وحنانا والأواه والرقيم

 وروى سفيان بن حسين عن يعلي بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه ذكر أصحاب الكهف فقال إن الفتية فقدوا فطلبهم أهلوهم فلم يجدوهم فرفع ذلك الى الملك فقال ليكونن لهم نبأ وأحضر لوحا من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في خزائنه فذلك اللوح هو الرقيم

 وروى وكيع عن ابي مكين عن سعيد بن جبير قال الرقيم لوح فيه أسماء فتية رقمت أسماؤهم في الصخرة فذلك الكتاب

 وفي بعض الروايات أنه كتب أسماؤهم وخبرهم في لوح وجعل على باب الكهف

 قال أبو جعفر والروايات التي رويت عن ابن عباس ليست بمتناقضة لأن القول الأول إنما سمعه من كعب والقول الثاني يجوز أن يكون عرف الرقيم بعده وأحسن ما قيل فيه أنه الكتاب وذلك معروف في اللغة يقال رقمت الشيء أي كتبته قال اللّه عز وجل { كتاب مرقوم } ورقيم بمعنى مرقوم كما يقال قتيل بمعنى مقتول

 وروى ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى { كانوا من آياتنا عجبا } قال هم عجب

 قال أبو جعفر يذهب مجاهد الى أنه ليس بإنكار على النبي ( صلع ) أن يكون عنده انهم عجب

 وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يقول ليس هم بأعجب آياتنا

١٠

  وقوله جل وعز { إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا } أي أرشدنا الى أحب الأشياء إليك

١١

  وقوله جل وعز { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا } أي منعناهم من أن يسمعوا

 والمعنى أنمناهم لأنهم إذا سمعوا انتبه

 ثم قال { سنين عددا }

 وفي الفائدة في قوله { عددا } قولان

أحدهما  أنه توكيد وإفراد من الواحدة

والآخر أنه توكيد معنى الكثرة لأن القليل لا يحتاج الى عدد لأنه قد عرف

  وقوله جل وعز

١٢

 ثم بعثناهم } أي من نومهم يقال لمن أحيي أو أقيم من نومه مبعوث لأنه كان ممنوعا من الانبعاث والتصرف

  ثم قال جل وعز { لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا }

 قال مجاهد أي عددا قال أبو جعفر والأمد في اللغة الغاية

١٤

  وقوله جل وعز { وربطنا على قلوبهم } قال قتادة أي بالإيمان والمعنى عند أهل اللغة صبرناهم وثبتناهم

  ثم قال جل وعز { إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها } فأنكروا أن يعبد مع اللّه غيره

  ثم قال تعالى { لقد قلنا إذا شططا } قال قتادة أي كذبا قال أبو جعفر والشطط في اللغة التجاوز في الجور

١٥

  ثم قال جل وعز { هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين }

 روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس كل سلطان في القرآن فهو حجة

١٦

  وقوله جل وعز { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا اللّه } والمعنى اعتزلتم ما يعبدون إلا اللّه فإنكم لم تتركوا عبادته

 رووى سعيد عن قتادة قال في قراءة ابن مسعود{ وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون اللّه }

  ثم قال جل وعز { فأووا إلى الكهف } أي صيروه مأواكم

 ثم قال جل وعز { ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا }

 قريء بفتح الميم وكسرها وهو ما يرتفق به وكذلك مرفق الإنسان ومرفقه ومنهم من يجعل المرفق بفتح الميم وكسر الفاء من الأمر والمرفق من الإنسان وقد قيل المرفق بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان

٢٣

  وقوله جل وعز { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء اللّه } روى أن النبي ( صلع ) سئل عن فتية مضوا في الزمن الأول

وعن رجل طواف وعن الروح فقال رسول اللّه ( صلع ) غدا أخبركم عن ذلك ولم يستثن فمكث عنه جبريل بضع عشرة لي

 ثم جاءه بسورة الكهف ونزل في قوله أخبركم به غدا { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء اللّه }

  ثم قال جل وعز { وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا } أي عسى أن يعطيني من الآيات والدلائل ما هو أرشد وأبين من خبر أصحاب الكهف

٢٥

  ثم قال جل وعز { ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا } في معناه ثلاثة أقوال

أ قال مجاهد هذا عدد ما لبثوا ب وقال قتادة في قراءة ابن مسعود وقالوا لبثوا في كهفهم ج والقول الثالث أن اللّه خبر بما لبثوا الى أن بعثوا من الكهف ولا نعلم كم مذ بعثوا الى هذا الوقت فقال سبحانه { قل اللّه أعلم بما لبثوا } أي من أي وقت مبعثهم الى هذا الوقت

٢٦

 قال أبو جعفر واحسن هذه الأقوال الأول وإنما يقع الإشكال فيه لقوله جل وعز { قل اللّه أعلم بما لبثوا } ففر قوم الى أن قالوا هو معطوف على قوله تعالى { سيقولون }

 قال أبو جعفر وإنما اخترنا القول الأول لأنه أبلغ وأن

ابن فضيل روى عن الأجلح عن الضحاك قال لما أنزلت { ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة } قالوا أسنين أم شهروا أم أياما فأنزل اللّه جل وعز { سنين }

 قال أبو جعفر فأما ما أشكل من قوله تعالى { قل اللّه أعلم بما لبثوا } فنحن نبينه يجوز أن يكون لما اختلفوا في مقدار ما لبث

 ثم أخبر اللّه جل وعز به فقال { قل اللّه أعلم بما لبثوا } أي هو أعلم به من المختلفين فيه

 وقول آخر أحسن من هذا أن يكون اعلم بمعنى عالم وذلك كثير موجود في كلام العرب قال اللّه جل وعز { وهو الذي يبدأ الخ

 ثم يعيده وهو أهون عليه } أجود الأقوال فيه أن معناه هو هين عليه وهو اختيار أبي العباس ومنه اللّه اكبر بمعنى كبير ومنه قول الفرزدق

 إن الذي سمك السماء بنى لنا  بيتا دعائمه أعز وأطول 

 وقول الآخر

 أصبحت أمنحك الصدود وإنني  قسما إليك مع الصدود لأميل 

 وقول الآخر

 لعمرك ما أدري وإني لأوجل  على أينا تعدو المنية أول 

  وقوله جل وعز { أبصر به وأسمع } المعنى ما أبصره وأسمعه أي هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم

  ثم قال رجل وعز { ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا }

 نظيره قوله تعالى { فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول }

 ومن قرأ  ولا تشرك في حكمه أحدا فمعناه عنده لا تنسب أحدا الى أنه يعلم الغيب

٢٧

  وقوله جل وعز { لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا } قال مجاهد أي ملجأ أي يمنعك منه جل وعز

 قال أبو جعفر وهو حسن في اللغة وأصله في اللغة من اللحد وهو من الميل والملحد المائل عن الحق العادل عنه فإذا ألحدت الى الشيء فقد ملت اليه

٢٨

  قوله جل وعز { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه }

 روى ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال الصلاة المكتوبة

 قال مجاهد وإبراهيم الصلوات الخمس

  ثم قال جل وعز { ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا } أي لا تتجاوزهم الى المترفين

 وروى عن الحسن أنه قرأ{ ولا تعد عينيك عنهم }

بتشديد الدال والنصب

  ثم قال جل وعز { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } قال مجاهد أي ضياعا قال أبو جعفر وقيل إسرافا وقيل ندما وهذه الأقوال متقاربة وهو من الإفراط في الشيء والتجاوز فيه وبين هذا أن سفيان بن سعيد قال هو عيينه بن حصن وقال غيره قال أنا أشرف مضر وأجلها فهذا هو التجاوز بعينه

 وقال الفراء { فرطا } متروكا قد تركت فيه الطاعة

٢٩

  ثم قال جل وعز { وقل الحق من ربكم } المعنى وقل الذي جئتكم به الحق الحق من ربكم

  ثم قال جل وعز { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } هذا على التهديد

  ثم قال جل وعز { إنا أعتدنا للظالمين نارا } أي جعلناها لهم عتادا والعتاد الثابت اللازم وهو مثل العدة

  ثم قال جل وعز { أحاط بهم سرادقها } السرادق في اللغة كل شيء محيط بشيء

 قيل أنه يراد به الدخان الذي يحيط بالكفار يوم القيامة وهو الذي ذكره اللّه في قوله سبحانه { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب }

  ثم قال جل وعز { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه }

 روى هشيم عن عوف عن الحسن قال جاء قوم الى عبد اللّه بن مسعود يسألونه عن المهل فأخذ فضة فاذابها حتى انما

 ثم أذن لهم بالدخول فقال لهم هذا أشبه بالمهل

 وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال

المهل دردي الزيت وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال المهل القيح والدم قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة وإنما هو ما تمهل وسكن وأكثر ما يستعمل لدردي الزيت كما قال ابن عباس

  ثم قال جل وعز { يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا } المعنى وساءت النار مرتفقا قال مجاهد أي مجتمعا وقال غيره أي مجلسا

قال أبو جعفر والمعروف في اللغة أن المرتفق المتكأ وانشد أهل اللغة

  إني أرقت فبت الليل مرتفقا  كأن عيني فيها الصاب مذبوح 

 قال أبو جعفر ولا يمتنع أن يكون المعنى موضع مرتفق

٣٠

  وقوله جل ذكره { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا }

 قال أبو جعفر حدثنا أبو عبد اللّه أحمد بن علي بن سهل قال حدثنا محمد بن حميد قال نا يحيى بن الضريس عن زهير بن معاوية عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال قدم أعرابي الى رسول اللّه ( صلع ) في حجة الوداع والنبي واقف بعرفات على ناقته الصهباء فقال إني رجل متعلم فأخبرني عن قول اللّه { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } قال النبي عليه السلام يا أعرابي ما أنت منهم ببعيد وما هم منك ببعيد هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف معي

أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فاعلم قومك أن هذا الآية نزلت في هؤلاء الأربعة

٣١

  وقوله جل وعز { أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار } العدن الإقا

 ثم قال { تجري من تحتهم الأنهار } أي ماء الأنهار

  ثم قال جل وعز { يحلون فيها من أساور من ذهب } أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار ويقال سوار

 وحكى قطرب أن أساور جمع أسوار ولا يعرف ذلك

  ثم قال جل وعز { ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق } السندس رقيق الديباج والإستبرق ثخينه

  ثم قال جل وعز { متكئين فيها على الأرائك } وهي السرر في الحجال

  ثم قال جل وعز { نعم الثواب وحسنت مرتفقا } أي حسنت الجنة مرتفقا

٣٢

  وقوله جل وعز { واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب }

 يروى أن اليهود قالوا سلوه عن أصحاب الكهف وعن الروح وعن رجلين فأنزل اللّه عز وجل هذا وجعله مثلا لجميع الناس

  ثم قال جل وعز { وحففناهما بنخل } أي حوطناهما به وقد حف القوم بفلان إذا حدقوا

  ثم قال جل وعز { وجعلنا بينهما زرعا } فأخبر أنه ليس بينهما إلا عمران

٣٣

  ثم أخبر أنهما في تأدية الحمل والثمر على النهاية فقال { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا } أي ولم تنقص

ثم قال جل وعز { وفجرنا خلالهما نهرا }

 فأخبر أن شربهما كان من نهر وهو أغزر الشرب

٣٤

  ثم قال جل وعز { وكان له ثمر } ويقرأ

 ثمر } فالثمر معروف وفي الثمر قولان أ قال مجاهد كل ما كان في القرآن

 ثمر فهو المال وما كان

 ثمر فهو من الثمار ب وقال أبو عمران الجوني الثمر أنواع المال والثمر الثمرات

 ج وقال أبو يزيد المدني الثمر الأصل والثمر الثمرة

 قال أبو جعفر وكأنه يريد بالأصل الشجر وما أشبهها

 وهذه الثلاثة الأقوال ترجع الى معنى واحد وهو ان الثمر المال

 والقول الاخر حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال حدثنا شعيب بن إسحق قال حدثنا هارون قال حدثني أبان بن تغلب عن الأعمش أن الحجاج قال لو سمعت أحدا يقول { وكان له ثمر } لقطعت لسانه فقلت للأعمش اتأخذ بذلك قال لا ولا نعمة عين فكان يقرأ

 ثمر } ويأخذه من جمع الثمر

 قال أبو جعفر فالتقدير على هذا القول أنه ج

 ثمرة ع

 ثم

 ثم ج

 ثمارا ع

 ثمر وهو حسن في العربية إلا أن القول الأول أشبه واللّه أعلم لأن قوله تعالى { كلتا الجنتين آتت أكلها } يدل على أن

 ثمرا

  ثم قال جل وعز { فقال لصاحبه وهو يحاوره } أي يخاطبه { أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا }

النفر الرهط وهو ما دون العشرة وأراد ها هنا الأتباع والخدم والولد

٣٥

  قال اللّه جل وعز { ودخل جنته وهو ظالم لنفسه } وكل من كفر فقد ظلم نفسه لأنه يولجها النار

  ثم قال تعالى { قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة }

 فكفر بالبعث وبأن الدنيا تفنى

٣٦

  ثم قال جل وعز { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا } وهذا مما يسأل عنه فيقال كيف ينكر البعث ويقول { ولئن رددت إلى ربي } ويحكم أنه يعطي خيرا منهما

 فالجواب أن المعنى ولئن رددت الى ربي على قولك وقد أعطاني في الدنيا فكما أعطاني في الدنيا فهو يعطيني في الآخرة

ونظير هذا قوله جل وعز { أين شركائي } أي على قولكم ومن قرأ { منها } أراد الجنة

٣٧

 ثم قال جل وعز { قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تر

 ثم من نطفة } فألزمه الكفر بقوله

  ثم قال جل وعز

 ثم سواك رجلا } أي كملك

٣٨

  ثم قال جل وعز { لكن هو اللّه ربي ولا أشرك بربي أحدا } فدل هذا على أنه كان مشركا

والمعنى لكن أنا

٣٩

  ثم قال جل وعز { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه } المعنى هذه الجنةهي ما شاء اللّه ويجوز أن يكون المعنى ما شاء اللّه كان والمعنى لا يكون لأحد إلا ما شاء اللّه وليس لأحد في بدنه ولا ماله قوة إلا باللّه

 وروى عمرو بن ميمون عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه ( صلع ) ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة من تحت العرش

قال قلت بلى بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه قال لا قوة إلا باللّه إذا قالها العبد قال اللّه أسلم عبدي واستسلم

  ثم قال جل وعز { إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك }

 يجوز أن يكون أراد في الدنيا وأن يكون أراد في الآخرة

  ثم قال جل وعز { ويرسل عليها حسبانا من السماء } قال قتادة والضحاك أي عذابا

 وقال أبو عبيدة هي المرامي جمع مرماة وشيء فيه الحصب

 والمعروف في اللغة ان الحسبان والحساب واحد قال اللّه جل وعز { الشمس والقمر بحسبان }

 وقول قتادة والضحاك صحيح المعنى كأنه قال أو يرسل عليها عذاب حساب ما كسبت يداه وهو مثل قوله تعالى { واسأل القرية }

 ثم قال جل وعز { فتصبح صعيدا زلقا } الصعيد في اللغة وجه الأرض الذي لا نبات عليه والزلق ما نزل فيه الأقدام

٤١

  ثم قال جل وعز { أو يصبح ماؤها غورا } أي غائرا والتقدير ذا غور

  ثم قال جل وعز { فلن تستطيع له طلبا } أي لم يبق له أثر فيطلب من أجله

٤٢

  ثم قال جل وعز { وأحيط بثمره } أي أحاط اللّه العذاب بثمره

  ثم قال تعالى { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها } وهذا يوصف به النادم

 ثم قال جل وعز { وهي خاوية على عروشها }

الخاوية في اللغة الخالية والعروش السقوف والمعنى أن حيطانها قيام وقد سقطت سقوفها فكان الحيطان على السقوف

٤٣

  وقوله جل وعز { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون اللّه } قال مجاهد أي عشيرة

٤٤

  وقوله جل وعز { هنالك الولاية للّه الحق } أي يؤمنون باللّه وحده ويتبرءون مما كانوا يعبدون ويقرأ الولاية بكسر الواو والمعنى على الفتح لأن الولاية المعروف أنها الإمارة

ثم قال جل وعز { هو خير ثوابا وخير عقبا }

العقب عند أهل اللغة والعقبى والعاقبة واحد وهو ما يصير إليه الأمر

٤٥

  ثم قال جل وعز { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما } الهشيم ما جف من الثياب أو تفتت ويقال هشمته أي كسرته

  ثم قال جل وعز { تذروه الرياح } أي تنسفه ضرب اللّه هذا المثل للحياة الدنيا لأن ما مضى منها بمنزلة ما لم يكن

٤٦

  وقوله جل وعز { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا }

 قال أبو جعفر حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا خالد هو ابن عبد اللّه عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس قال { والباقيات الصالحات } سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر

 وحدثنا أبو بكر قال حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في الباقيات الصالحات إنها قول العبد

 سبحان اللّه واللّه أكبر والحمد للّه ولا إله إلا اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه

 قال أبو جعفر وروى عن ابن عباس أيضا أنه قال { والباقيات الصالحات } الصلاة والصوم والحج والغزو والتهليل والتسبيح

 ولا يمتنع شيء من هذا عند أهل اللغة لأنه كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا

  ثم قال جل وعز { وخير أملا } أي خير ما يؤمل

٤٧

  ثم قال جل وعز { ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة } في قوله { بارزة } قولان

أحدهما  قد اجت

 ثمارها وقلعت جبالها وهدم بنيانها فهي بارزة أي ظاهرة وعلى هذا القول أهل التفسير وهو البين

 والقول الاخر إن معنى { بارزة } قد أبرز من فيها من الموتى فيكون هذا على النسب كما قال كليني لهم يا أميمة ناصب

  ثم قال جل وعز { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } أي لم نبق

٤٨

  ثم قال جل وعز { وعرضوا على ربك صفا } أي لا يسترهم شيء ولا يحجبهم

  ثم قال جل وعز { لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة } قيل معناه بعثناكم كما خلقناكم أول مرة وقيل هو كما روى أنهم يحشرون حفاة عراة غرلا

  ثم قال جل وعز { بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا } أي كنتم تنكرون البعث

٤٩

  ثم قال جل وعز { ووضع الكتاب } في الكلام حذف والمعنى ووضع الكتاب في يد كل أمريء إما في يمينة وإما في شماله

  ثم يبين هذا بقوله { فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } أي تراهم خائفين وجلين مما فيه من أعمالهم السيئة ويقولون ما شأن هذا الكتاب لا يبقى صغيرة من ذنوبنا ولا كبيرة إلا حفظها وضبطها

  ثم قال جل وعز { ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا } أي إنما تقع العقوبة على المجازاة وأصل الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه

٥٠

  وقوله جل وعز { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } في هذا قولان

أحدهما  أنه نسب الى الجن لأنه عمل عملهم والقول الاخر أنه منهم

  ثم قال جل وعز { ففسق عن أمر ربه } أي فخرج وحكى الفراء فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها وقال رؤبة

  يهوين في نجد وغورا غائرا  فواسقا عن قصدها جوائرا 

وفي هذه الآية سؤال

 يقال ما معنى { ففسق عن أمر ربه } ففي هذا قولان

 أحدهما  وهو مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى اتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب الفسق أمر ربه كما تقول أطعمته عن جوع

 والقول الاخر وهو مذهب محمد بن قطرب أن المعنى ففسق عن رد أمر ربه

  ثم قال جل وعز { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو }

أي عداء

  ثم قال جل وعز { بئس للظالمين بدلا } أي بئس ما اسبتدلوا من طاعة اللّه طاعة إبليس

٥١

  ثم قال جل وعز { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم } أي لم يكونوا موجودين إذ ذاك

  ثم قال جل وعز { وما كنت متخذ المضلين عضدا } روى معمر عن قتادة قال أعوانا قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال عضدني فلان وعاضدني أي أعانني وأعزني

٥٢

  وقوله جل وعز { ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا } وفي معناه أقوال روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال مهلكا وكذلك قال الضحاك وروى معمر عن قتادة قال هلاكا وروى يزيد بن درهم عن أنس بن مالك في قوله تعالى { وجعلنا بينهم موبقا } قال واديا من قيح ودم في جهنم

 وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال واد في جهنم وكذلك قال نوف إلا أنه قال يحجر بينهم وبين المؤمنين وقال أبو عبيدة { موبقا } موعدا

وقال عوف { موبقا } أي جعلنا بينهم عداوة قال أبو جعفر واصح هذه الأقوال الأول لأنه معروف في اللغة أن يقال وبق يوبق ويابق وييبق ووبق يبق إذا هلك وأوبقه اللّه أي أهلكه ومنه { أو يوبقهن بما كسبوا } ومنه أوبقت فلانا ذنوبه فالمعنى جعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكا لهم في الآخرة إلا أنه يجوز أن يسمى الوادي موبقا لأنه يهلك

٥٣

  ثم قال جل وعز { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها } روى معمر عن قتادة قال أيقنوا

  ثم قال جل وعز { ولم يجدوا عنها مصرفا } قال أبو عبيدة أي معدلا

٥٤

  وقوله جل وعز { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } قيل يراد بالإنسان ها هنا الكفار وهو في معنى جماعة كما قال تعالى { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقيل هو عام وفي الحديث ما يدل على أنه عام أن النبي ( صلع ) لما لام على بن أبي طالب رضى اللّه عنه وفاطمة معه في ترك الصلاة بالليل قال علي أنفسنا بيد اللّه إذا شاء أطلقها فخرج النبي ( صلع ) وهو يقول { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا }

٥٥

  وقوله جل وعز { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين } في الكلام حذف والمعنى إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين وسنة الأولين معاينة العذاب لأنهم قالوا { اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } فطلبوا العذاب

  ثم قال جل وعز { أو يأتيهم العذاب قبلا } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فجأة

 قال الكسائي أي عيانا والمعنيان متقاربان ويقرأ { قبلا } فأكثر أهل اللغة على أنه جمع قبيل أي أنواعا وضروبا وقال بعضهم معنا يقابلهم كما يقال جاءه من قبل ومعنى قبلا أي استئنافا كما يقال لا أكلمك الى عشر من ذي قبل

٥٨

  وقوله جل وعز { بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا }

 روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ملجأ وحكى أهل اللغة وأل يئل إذا نجا

٥٩

  وقوله جل وعز { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا }

 والمعنى أهل القرى

  ثم قال جل عز { وجعلنا لمهلكهم موعدا } يجوز أن يكون المعنى لإهلاكهم فيكون مصدرا ويجوز أن يكون المعنى لوقت إهلاكهم ومن قرأ { لمهلكهم } ذهب الى أن المعنى لهلاكهم كما يقال جلس مجلسا واسم الموضع المجلس

وهلك مهلكا واسم الموضع المهلك

 قال مجاهد { موعدا } أي أجلا

٦٠

  ثم قال جل وعز { وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح } قيل إنما قيل له فتاه لأنه كان يخدمه وهو يوشع ومعنى { لا أبرح } أي لا أزال وليس معناه لا أزول

  ثم قال جل وعز { حتى أبلغ مجمع البحرين } روى معمر عن قتادة قال بحر الروم بحر فارس

وقال غيره هو الموضع الذي وعده اللّه أن يلقى فيه الخضر

  ثم قال تعالى { أو أمضي حقبا } روى عمرو بن ميمون عن عبد اللّه بن عمرو قال الح

 ثمانون سنة وروى ابن نجيح قال الحقب سبعون خريفا وروى معمر عن قتادة قال الحقب زمان قال أبو جعفر الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب

والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود كما أن قوما و رهطا مبهم غير محدود والحقب بضمتين جمعه أحقاب ويجوز أن يكون أحقاب جمع حقب وحقب جمع حق

٦١

 ثم قال جل وعز { فلما بلغا مجمع بينهما } قال مجاهد أي بين البحرين وقال أبي بن كعب رحمه اللّه افريقيه

  ثم قال جل وعز { نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا } قيل كان النسيان من موسى ( صلع ) أن يتقدم الى يوشع بشيء من أمر الحوت

وكان النسيان من يوشع عليه السلام يخبره بسربه وقيل أن يقد

 ثم قال { فاتخذ سبيله في البحر سربا } السرب في اللغة المذهب والمسلك

٦٤

   وقوله جل وعز { قال ذلك ما كنا نبغ } أي الذي كنا نبغي لأنه وعد أن يلقى الخضر في الموضع الذي ينسرب فيه

   ثم قال جل وعز { فارتدا على آثارهما قصصا } أي رجعا في الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر قصصا والقصص أتباع الأثر

٦٥

   وقوله جل وعز { فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما } يعني به الخضر وقيل إنما سمى الخضر لأنه كان إذا صلى في مكان اخضر ما حوله

 وفيما فعله موسى وهو من جله الأنبياء وقد أوتى التوراة من طلبه العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأحاط بأكثر ما يدركه أهل زمانه وأن يتواضع لمن هو أعلم منه

٦٦

   وقوله جل وعز { قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } هذا سؤال الملاطف والمخاطب المبالغ في حسن الأدب والمعنى هل يتفق لك ويخف عليك أن تأذن لي في مرافقتك لأقتبس من علمك ما يرشدني وهذا كما في الحديث هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول اللّه ( صلع ) يتوضأ

 والرشد والرشد بمعنى واحد وهو كثير في اللغة العربية نحو

البخل والبخل والعرب والعرب

٦٧

   وقوله جل وعز { قال إنك لن تستطيع معي صبرا } هذا قول الخضر لمو

٦٨

 ثم أعلمه العلة في ترك الصبر فقال { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا }

 أي وكيف تصبر على ما ظاهره خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه والأنبياء لا يقرون على منكر ولا يسعهم التقرير أي لا يسعك السكوت جريا على عادتك وحكمك

٦٩

   وقوله جل وعز { قال ستجدني إن شاء اللّه صابرا }

 هذا قول موسى للخضر أي سأصبر بمشيئة اللّه { ولا أعصي لك أمرا } أي قد ألزمت نفسي طاعتك ولن أعصي أمرك إن شاء اللّه

٧٠

   وقوله جل وعز { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا }

 أي إن إنكرته فلا تعجل بالمسألة الى أن أبين لك الوجه فيه وحتى أكون أنا الذي أفسره لك

 شرط عليه قبل بدء الرحله ألا يسأله ولا يستفسر عن شيء من تصرفاته حتى يكشف له عن سرها فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم

٧١

   وقوله جل وعز { فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها }

 انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينه فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر فلما ركبا في السفينة عمد الخضر الى فأس فقلع لوحا من ألواح السفينه بعد أن أصبحت في لجة البحر فذلك قوله تعالى { حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } أي خرقها الخضر

   وقوله جل وعز { قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا } أي قال له موسى منكرا عليه أخرقت السفينة لتغرق ركابها لقد فعلت شيئا عظيما هائلا

 ومعنى { أمرا } أي شيئا عظيما من المنكر

 ويروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخ

 ثم قال للخضر قوم حملونا بغير أجر عمدت الى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد فعلت أمرا هائلا عظيما

٧٢

{ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا } أي قال له الخضر ألم أخبرك من أول الأمر إنك لا تستطيع أن تصبر على ما ترى من صنيعي ذكره بلطف في مخالفته للشرط

٧٣

   ثم قال جل وعز { قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا }

 معنى { ترهقني } تغشيني أي عاملني باليسر لا بالعسر

 روى عن النبي ( صلع ) أنه قال كانت الأولى من موسى نسيانا وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم اللّه تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر

٧٤

   وقوله جل وعز { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله }

 أي فقبل عذره وانطلقا بعد نزولهمامن السفينة يمشيان فمرابغلمان يلعبون وفيهم غلام وضيء الوجه جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بي

 ثم رماه في الأرض { قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا } أي قال له موسى أقتلت نفسا طاهرة بريئة لم تذنب قط ولم تقتل نفسا حتى تقتل به لقد فعلت شيئا منكرا عظيما لا يمكن السكوت عنه

٧٥

{ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا } أي قال له الخضر ألم أخبرك أنك لن تستطيع الصبر على ما ترى مني وقره في الأ

 ثم واجهة بكاف الخطاب بقوله { لك } لعدم العذر هنا

 ومعنى { زكية } أي بريئة لم ير ما يوجب قتلها

 وقال هنا { نكرا } أي منكرا فظيعا أنكر من الأمر الأول وهو أبلغ من قوله { أمرا } في الآية السابقة وهو منصوب على ضربين

أحدهما  معناه أتيت شيئا نكرا

والثاني معناه جئت بشيء نكر فلما حذف الباء أفضى الى الفعل فنصبه

٧٦

   ثم قال جل وعز { قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا }

 أي إن انكرت عليك بعد هذه المرة واعترضت على ما يصدر منك فلا تصحبني معك فقد أعذرت الى ونبهتني على مخالفتي الشرط فأنت معذور عندي

٧٧

   وقوله جل وعز { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها } أي مشيا حتى وصلا الى قرية فطلبا طعاما فلم يعطوهما واستضافاهم فلم يضيفوهما

 قال ابن عباس هي انطاكية وقال ابن سيرين هي الأيلة

   ثم قال تعالى { فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه }

 والمعنى وجدا في القرية حائطا مائلا يوشك أن يسقط ويقع فمسحه الخضر بيده فاستقام وقيل إنه هد

 ثم بناه

 وروى أن موسى قال للخضر قوم استطعمناهم فلم يطعمونا وضفناهم فل يضيفو

 ثم قعدت تبني لهم الجدار { لو شئت لاتخذت عليه أجرا }

 وقوله تعالى { يريد أن ينقض } أي يوشك ان يسقط وهذا مجاز وتوسع وهو في كلام العرب وأشعارها كثير فمن ذلك قول عنترة

  وازور من وقع القنا بلبانه  وشكا الى بعبرة وتحمحم 

 وقول الآخر

 يريد الرمح صدر أبي براء  ويرغب عن دماء بني عقيل

٧٨

   وقوله جل وعز { قال هذا فراق بيني وبينك } سيبويه يذهب الى أن إعادة بين في مثل هذا على التوكيد أي فراق بيننا كما يقال أخزى اللّه الكاذب مني ومنك أي منا

٧٩

   وقوله جل وعز { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر }

 أهل اللغة جميعا لا نعلم بينهم اختلافا يقولون المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له الشيء اليسير وأكثر الفقهاء على ضد هذا فيهما ويحتجون بهذه الآية قال أبو جعفر قيل وليس قوله { فكانت لمساكين يعملون في البحر }

يدل على أنهم كانوا يملكونها ألا ترى أن النبي ( صلع ) قال من باع عبدا له مال فماله للبائع

 فليس قوله له مال مما يوجب أنه يملكه وهذا كثير جدا منه قول اللّه جل وعز { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت }

 ومنه قولهم باب الدار وجل الدابة والأشياء تضاف الى الأشياء ولا يوجب ذلك ملكا فأضيفت إليهم لأنهم كانوا يعملون فيها كما أضيف المال الى العبد لأنه معه

 والاشتقاق يوجب ما قال أهل اللغة لأن مسكينا مأخوذ من السكون وهو عدم الحركة فكأنه بمنزلة الميت

 والفقير كأنه الذي كسر فقاره فقد بقيت له بقية

ويدل على هذا أيضا حديث النبي ( صلع ) حدثنا أحمد بن منصور الحاسب قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا حماد ابن سلمة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريره يقول سمعت أبا القاسم عليه السلام يقول إن المسكين ليس بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان والأكله والأكلتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ويسأل الناس إلحافا

   وقوله جل وعز { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ{ وكان أمامهم ملك } قال أبو جعفر في وراء ها هنا قولان

أحدهما  أنه بمعنى أمام

والآخر أنه بمعنى خلف على بابه كأنه قال على

طريقهم إذا رجعوا

 والقول الأول أحسن لقراءة ابن عباس رحمه اللّه به وأن اللغة تجيزه لأن ما توارى عنك فهو وراء فهذا يقع لما كان أما

 ثم قال { يأخذ كل سفينة غصبا } وقرأ عثمان رحمه اللّه{ كل سفينه صالحة غصبا }

٨٠

   ثم قال جل وعز { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين }

 روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ{ وكان أبواه مؤمنين وكان كافرا }

وروى أبي بن كعب عن النبي ( صلع ) قال طبع على الكفر فألقى على أبويه محبته

   ثم قال جل وعز { فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا } { فخشينا أن يرهقهما }

٨١

{ فأردنا أن يبدلهما }

 قال أبو حاتم هذا من كلام صاحب موسى يعني الخضر وقال غيره هو من قول اللّه جل وعز فان قال قائل كيف يجوز أن يكون { فخشينا } إخبارا عن اللّه

 فالجواب عنه أن الفراء قال { فخشينا } بمعنى فعلمنا كما يقال ظننا بمعنى علمنا

وقال البصريون يقال خشيت الشيء بمعنى كرهته وبمعنى فزعت منه كما يقال للرجل أخشى أن يكون كذا وكذا أي أكره

 وقال الأخفش وفي قراءة أبي{ فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا } وقال غيره وكذلك هو في مصحف عبد اللّه والكلام في خفت و خشيت واحد حكى الأخفش خفت أن تقولا بمعنى كرهت أن تقولا ومعنى { أن يرهقهما } أن يلحقهما أي أن يحملهما على الرهق وهو الجهل

وقال أبو زيد أرهقته كلفته

   وقوله جل وعز { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما } قال ابن جريج { زكاة } أي إسلاما وقال الفراء إصلاحا قال ابن جريج وحدثني عبد اللّه بن عثمان بن خشم عن سعيد بن جبير قال أبدلا منه جارية قال ابن جريج وهما بها أرحم قال ابن عباس أبدلا منه جارية فولدت نبيا

 وحكى الفراء رحمته رحمة ورحمة وحكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء رحمة اللّه رحما

ويجوز على مذهب الخليل رحما بالفتح

٨٢

   وقوله جل وعز { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما } قال سعيد بن جبير ومجاهد علم وقال قتادة وعكرمة مال

 وهذا القول أولى من جهة اللغة لأنه إذا قيل عند فلان كنز فإنما يراد به المال المدفون والمدخر فإن أراد غير ذلك بين فقال عنده كنز علم وكنز فهم ويحتمل أن يكون كما روى أنه لوح من ذهب مكتوب فيه لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه فهذا يجمع المال والعلم

   وقوله جل وعز { وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا } يدل على أن ذلك كان بوحي

٨٣

   وقوله جل وعز { ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا }

 روى ابو الطفيل أن ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه عن ذي القرنين أكان نبيا أو ملكا فقال لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحب اللّه فأحبه ونصح اللّه فنصحه اللّه ضرب على قرنه الأيمن فمات فبعثه الل

 ثم ضرب على قرنه الأيسر فمات ففيكم مثله

 قال أبو جعفر وهذا أجل اسناد روى في تسميه بذي القرنين

وقد قيل كانت له ضفيرتان وقيل لأنه بلغ قطري الأرض المشرق والمغرب قال محمد بن إسحاق حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه إن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح قال ابن هشام واسمه الاسكندر وهو الذي بنى الاسكندرية فنسبت اليه

 قال محمد بن إسحق وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي وكان رجلا قد أدرك الناس أن رسول اللّه ( صلع ) سئل عن ذي القرنين فقال ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب

 وقال خالد سمع عمر بن الخطاب رحمه اللّه عليه

رجلا يقول ياذا القرنين فقال عمر اللّهم غفرا أما رضيتم أن تسموا بالنبيين حتى تسميتم بالملائكة

٨٤

   وقوله جل وعز { إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا }

 روى على بن أبي طلحة عن ابن عباس قال علما والمعنى على هذا التفسير علما يصل به الى المسير في أقطار الأرض

٨٥

   ثم قال تعالى { فأتبع سببا } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال منزلا وطريقا بين المشرق والمغرب

٨٦

   ثم قال جل وعز { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة }

قرأ عبد اللّه بن مسعود وابن الزبير { حامية } وقرأ ابن عباس { حمئة }

 قال أبو جعفر حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا عمرو بن ميمون قال سمعت أبا حاضر يقول سمعت ابن عباس يقول كنت عند معاوية فقرأ { تغرب في عين حمئة } فقلت ما نقرؤها إلا حمئة فقال لعبد اللّه بن عمرو كيف تقرؤها يا عبد اللّه بن عمرو قال كما قرأتها يا أمير المؤمنين فقلت في بيتي يا أمير المؤمنين أنزل القرآن

 فأرسل معاوية الى كعب فقال أين تجد الشمس تغرب في التوراة فقال أما في العربية فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين وأشار بيده الى المغرب فقلت لابن عباس لو كنت عندك فرفدتك بكلمة تزداد بها بصيرة في حمئة قال ابن عباس ما هي قلت فيما نأثر من قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين من قوله

 بلغ المشارق والمغارب يبتغي  أسباب أمر من حكيم مرشد 

 فرأى مغيب الشمس عند غروبها  في عين ذي خلب وثاط حرمد 

 فقال ابن عباس ما الخلب فقال الطين بكلامهم قال وما الثاط قلت الحمأة قال وما الحرمد قلت الأسود

 قال أبو جعفر فهذا تفسير الحمأة يقال حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة وأحمأتها ألقيت فيها الحمأة وحمأتها أخرجت منها الحمأة

 فأما قراءة من قرأ { حامية } فيحتمل معنيين

 أحدهما  أن يكون المعنى حمئة فكأنه قال حامئة أي ذات حم

 ثم خففت الهمزة

 والمعنى الآخر أن يكون بمعنى حارة

ويحوز أن تكون حارة وهي ذات حمأ واللّه أعلم بحقيقته قال القتبي يجوز أن تكون هذه العين من البحر ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها فيقام حرف الصفة مقام صاحبة واللّه اعلم بذلك

   وقوله جل وعز { ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا } قال إبراهيم بن السري خيره بين هذين كما خير محمدا ( صلع ) فقال { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم }

 وقال علي بن سليمان المعنى قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين

٨٧

قال لأن بعده { قال أما من ظلم فسوف نعذ

 ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا }

 فكيف يقول لربه

 ثم يرد إلى ربه } وكيف يقول فسوف تعذبه والعبد لا يخاطب بهذا ولم يصح أن ذا القرنين نبي فيقول اللّه { قلنا يا ذا القرنين }

 قال أبو جعفر وهذا موضع مشكل وليس بممتنع حذف القول واللّه أعلم بما أراد

 وروى معمر عن قتادة في قوله جل وعز { فسوف نعذبه } قال بالقتل

   وقوله جل وعز

 ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا }

لأن عذاب الآخرة أنكر من القتل   

٨٨

 ثم قال جل وعز { وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى } قيل الحسنى ها هنا الجنة ويقرأ { فله جزاء الحسنى } أي الإحسان

   ثم قال جل وعز { وسنقول له من أمرنا يسرا } أي قولا جميلا

  وقوله جل وعز

٨٩

{ ثم أتبع سببا } ويقرأ

 ثم أتبع } بقطع الألف أي سببا من الأسباب التي تؤدية الى أقطار الأرض قال الأصمعي يقال أتبعت القوم بقطع الألف أي لحقتهم

واتبعتهم بوصل الألف إذا مررت في آثارهم وإن لم تلحقهم

٩٠

   ثم قال جل وعز { حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا } أي ليس لهم بنيان ولا قمص

 قال الحسن إذا طلعت نزلوا الماء حتى تغرب

٩١

 فأما معنى { كذلك } فقيل فيه حكمهم كحكم الذين تغرب عليهم الشمس أي هم كأولئك

   وقوله جل وعز

٩٢

{ ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين } ويقرأ { السدين }

وقد فرق بينهما أبو عمرو وجماعة من أهل اللغة

 فقال بعضهم السد ما كان من صنع اللّه والسد بالفتح ما كان من صنع الآدميين وقيل السد ما رأيته والسد ما ستر عينيك والصحيح في هذا ما قاله الكسائي أنهما لغتان بمعنى وإن زيد في هذا قيل السد المصدر والسد الأسم

٩٤

   وقوله جل وعز { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } ويقرأ{ خراجا }

 قال الفراء الخرج المصدر والخراج الاسم

 وروى معمر عن قتادة { خرجا } قال عطية

 وكذلك هو في اللغة يقال لك عندي خرج أي عطية وجعل والخراج هو المتعارف وإن كان اصله من ذا

٩٥

   وقوله جل وعز { قال ما مكني فيه ربي خير } أي خير مما بذلتم لي

   ثم قال جل وعز { فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما } والردم في اللغة أكثر من السد لأنه شيء متكاثف بعضه على بعض

 وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس { بين السدين } الجبلين أرمينية وأذربيجان

٩٦

   ثم قال جل وعز { آتوني زبر الحديد } الزبر القطع الكبار من الحديد

 ثم قال تعالى { حتى إذا ساوى بين الصدفين } روى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الجبلين

   وقوله جل وعز { قال انفخوا حتى إذا جعله نارا }

 قيل جعل قطع الحديد وجعل بينهما الحطب والفحم وأوقد عليها والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار فذلك قوله { حتى إذا جعله نارا }

 ثم أذاب الصفر فأفرغه عليه فذلك قوله تعالى { قال آتوني أفرغ عليه قطرا } أي أعطوني قطرا أفرغ عليه

ومن قرأ { ائتوني } فالمعنى عنده تعالوا أفرغ عليه نحاسا

٩٧

   قال جل اسمه { فما اسطاعوا أن يظهروه } أي أن يعلوا عليه لطوله واملاسه يقال ظهرت على السطح أي علوت عليه

 قال كعب فهم يعالجون فيه كل يوم فإذا أمسوا قالوا غدا ننقضه ولا يوفق لهم أن يقولوا إن شاء اللّه فإذا أذن اللّه في إخراجهم قالوا ان شاء اللّه فينقضونه فيخرجون فيشرب أولهم دجله والفرات حتى يمر آخرهم فيقول قد كان هنا هنا مرة ماء ويتأذى بهم أهل الأرض ويدعو عليهم عيسى صلى اللّه عليه وسلم فيهلكون

٩٨

   وقوله جل وعز { قال هذا رحمة من ربي } أي هذا التمكين رحمة من ر

 ثم قال تعالى { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء } أي لاصقا بالأرض يقال ناقة دكاء أي لا سنام لها

٩٩

   وقوله جل وعز { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } ويجوز أن يكون يعني ب { يومئذ } يوم يخرجون من السد وأن يعني به يوم القيامة لقوله تعالى { ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا }

١٠١

   وقوله جل وعز { وكانوا لا يستطيعون سمعا } أي لعداوتهم النبي ( صلع ) لا يستطيعون أن يسمعوا منه شيئا

 أي يثقل ذلك عليهم كما تقول أنا لا أستطيع أن أكلمك

١٠٢

   وقوله جل وعز { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء }

 قال أبو إسحاق المعنى أفحسب الذين كفروا أن ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء

 وروى عباد بن الربيع أن علي بن أبي طالب رحمة اللّه عليه قرأ { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء }

 قال أبو عبيدة أي أرضوا بذلك أكفاهم ذلك

   ثم قال جل وعز { إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا }

النزل عند أهل اللغة ما هيء للضيف وما أشبهه والنزل بفتحتين الريع

١٠٣

   ثم قال جل وعز { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا }

 روى أبو الطفيل أن عليا قال هم أهل حروراء

 وروى عبد اللّه بن قيس عن علي قال هم الرهبان قال الأسود رؤى من علي بن أبي طالب فرح ومزاح فقام ابن الكوا اليشكري فقال يا أمير المؤمنين من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أهم الحرورية فقال لا هم أهل الكتاب كان أولهم على ال

 ثم كفروا وأشركوا

 وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال قلت لسعد من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أهم الخوارج فقال هم اليهود والنصارى أما اليهود فلم يؤمنوا

١٠٥

بمحمد وأما النصارى فلم يؤمنوا بالقيامة لأنهم قالوا ليس في الجنة أكل ولا شرب فضل سعيهم وبطل عملهم وهم يحسبون أنهم على هدى { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه }

 وأما الخوارج فهم الذين قال اللّه فيهم { الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل }

   ثم قال جل وعز { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا }

 روى أبو هريرة عن النبي ( صلع ) قال يؤتى يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضه اقرءوا إن شئتم { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا }

١٠٧

   وقوله جل وعز { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا } سئل أبو أمامة عن الفردوس فقال هي سرة الجنة وقال كعب هي التي فيها الأعناب

 قال أبو اسحاق الفردوس البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين وكذلك هو عند أهل اللغة ولم نسمعه إلا في بيت حسان

  وإن ثواب اللّه كل موحد  جنان من الفردوس فيها يخلد

 قرىء على جعفر بن محمد الفريابي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم قال إن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين ما بين السماء والأرض والفردوس أعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس

١٠٨

   وقوله جل وعز { خالدين فيها لا يبغون عنها حولا }

 روى ابن نجيح عن مجاهد قال متحولا

 وقال غيره هو من الحيلة أي لا يحتالون في غيرها

١٠٩

   وقوله جل ذكره { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي }

 قال مجاهد يعني العلم

   ثم قال تعالى { ولو جئنا بمثله مددا } قيل { مددا } يمعنى مدادا

 وقيل هو من قولهم نحن مدد له وقرأ ابن عباس { ولو جئنا بمثله مددا }   

١١٠

 وقوله جل وعز { فمن كان يرجو لقاء ربه } قيل يرجو بمعنى يخاف كما قال الشاعر

  إذا لسعته النحل لم يرج لسعها  وحالفها في بيت نوب عوامل

وقال سعيد بن جبير { لقاء ربه } أي ثواب ربه قال أبو جعفر وعلى هذا يكون { يرجو } على بابه وإذا رجا ثواب ربه خاف عقابه

   وقوله جل وعز { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } قال مجاهد يعني الرياء وقال سعيد بن جبير أي لا يرائي

 وقال كثير بن زياد سألت الحسن عن قوله { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا } فيمن نزلت فقال نزلت في المؤمن قلت أيكون مشركا فقال يشرك في العمل إذا عمل عملا أراد اللّه له والناس وذلك الذي يرد عليه إنتهت سورة الكهف