مكية وآياتها آية
بسم اللّه الرحمن الرحيم & سورة الإسراء وهي مكية
من ذلك قوله تعالى جده { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } يروى أن النبي ( صلع ) سئل عن معنى { سبحان } فقال إنزاه اللّه من السوء وفي بعض الحديث براءة اللّه من السوء
قال سيبويه وغيره معناه براءة اللّه من السوء وأنشد
أقول لما جائني فخره سبحان من علقمة الفاخر
وروى معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي ( صلع ) قال قمت في الحجر لما كذبني قومي ليلة أسري بي فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس فرفع لي فجعلت أنعت لهم آياته
وروى سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول اللّه أي مسجد وضع أول فقال المسجد الحرام ق
ثم أي ق
ثم المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون س
ثم قال أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد
وقوله جل وعز { من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله } { من المسجد الحرام } يعني مكة { إلى المسجد الأقصى } يعني بيت المقدس { الذي باركنا حوله } قيل فجر حوله الأنهار وأنبت الثمار
ثم قال جل وعز { لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير } { لنريه من آياتنا } ما رأى من الأنبياء وآثارهم
وقوله جل وعز { وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل } أي دللناهم به على الهدى
ثم قال جل وعز { ألا تتخذوا من دوني وكيلا } ويقرأ{ أن لا يتخذوا } على إضمار بمعنى وعهدنا إليهم وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح { ألا تتخذوا من دوني وكيلا } قال شريكا قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة أن يقال لكل من قام مقام آخر في أي شيء كان هو شريكه وقال الفراء { ألا تتخذوا من دوني وكيلا } أي كافيا
وقوله جل وعز { ذرية من حملنا مع نوح } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال على النداء أي ذرية من حملنا
قال أبو جعفر أي حرف نداء مثل يا وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ { ذرية } بفتح الذال وتشديد الراء والياء
وروى عن زيد بن ثابت { ذرية } بكسر الذال وتشديد الراء والياء فأما عامر بن عبد الواحد فحكي أن زيدا قرأ { ذرية } بفتح الذال وتشديد الراء والياء
ثم قال جل وعز { إنه كان عبدا شكورا } روى معمر عن قتادة قال كان إذا لبس ثوبا قال بسم اللّه وإذا نزعه قال الحمد للّه
وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال شكره أنه إذا أكل قال بسم اللّه فإذا فرغ من الأكل قال الحمد للّه
وقوله جل وعز { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } قال سفيان أي على بني إسرائيل قال ابن عباس { قضينا } أعلمنا
وقوله جل وعز { فإذا جاء وعد أولاهما } أي أولى المرتين { بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لجاءوا من ناحية فارس أول مرة ومعهم بختنصر فهزمهم بنو إسرائ
ثم رجعوا في
الثانية فقتلوا بني إسرائيل ودمروهم تدميرا
قال قتادة بعث عليهم في أول مرة جالوت وفي الثانية بختنصر
ثم قال جل وعز { فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا } روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال { فجاسوا } مشوا قال أبو جعفر المعروف عند أهل اللغة أنه يقال جسنا دور بني فلان وجسناها إذا قهروهم وغلبوهم
وقوله جل وعز { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } أي الدولة { وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا }
يجوز أن يكون { نفيرا } بمعنى نافر مثل قدير وقادر
ويجوز أن يكون جمع نفر مثل عبيد وكليب ومعيز وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأصحابه
وقوله جل وعز { فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم } { فإذا جاء وعد الآخرة } أي من المرتين { ليسوؤوا وجوهكم }
روى زائد عن الأعمش قال اللّه ليسوء وجوهكم
وقال غيره ليسوء الوعد وجوهكم
ويروى عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قرأ{ لنسوء وجوهكم } بالنون وهي قراءة الكسائي وفي الكلام حذف والمعنى فاذا جاء وعد الآخرة بعثناهم لنسوء وجوهكم
وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ{ فإذا جاء وعد الآخرة لنسوءن وجوهكم } بالنون الخفيفة واللام المفتوحة والوقف عليه لنسوءا مثل لنسفعا وهو على غير حذف ومن قرأ{ ليسوءوا } فالمعنى عنده للعباد وفيه حذف
وقوله عز وجل { وليتبروا ما علوا تتبيرا } قال ابن جريج ليدمروا تدميرا كذا قال ابن عباس قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال تبر الشيء إذا
كسرة ومنه التبر
وقوله جل ذكره { وإن عدتم عدنا } روى مبارك عن الحسن قال إن عدتم الى المعصية عدنا الى العقوبة
وقوله جل وعز { وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } قال مجاهد أي يحصرون فيها وقال الحسن فراشا ومعادا وروى معمر عن قتادة قال محبسا قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال حصرت الرجل أي حبسته ويقال للموضع الذي يحبس فيه حصير ويقال أحصره المرض والأصل فيه واحد
وقوله جل وعز { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } المعنى يهدي للحال التي هي أقوم والحال التي هي أقوم توحيد اللّه واتباع رسله والعمل بطاعته
وقوله جل وعز { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا }
روى معمر عن قتادة قال يدعو الإنسان على نفسه بما لو استجيب له لهلك ويدعو على ولده وما
ثم قال تعالى { وكان الإنسان عجولا } قيل يعجل بالدعاء على نفسه ولا يعجل اللّه بالإجابة
وروى عن سلمان انه قال أول ما خلق اللّه من آدم
رأسه فاقبل ينظر الى سائره يخلق فلما دنا المساء قال رب عجل قبل الليل فقال اللّه تعالى { وكان الإنسان عجولا }
وقوله جل وعز { وجعلنا الليل والنهار آيتين }
الآية في اللغة الدلالة والعلامة أي جعلناهما دالين على أن خالقهما ليس كمثله شيء ودالين على عدد السنين والحساب
ثم قال جل وعز { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة }
روى هشيم عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس { فمحونا آية الليل } قال هو السواد الذي ترونه في القمر
ويروي أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب عن السواد الذي في القمر فقال لو سألت عما ينفعك في دنياك
وآخرتك ذاك أن اللّه يقول { وجعلنا الليل والنهار آيتين } الى آخر الآية فآية النهار الشمس وآية الليل القمر وصحوه السواد الذي فيه
وقوله جل ثناؤه { وجعلنا آية النهار مبصرة } روى الحسن عن قتادة قال منيرة قال أبو جعفر وهذا مذهب الفراء فقد قال { مبصرة } بمعنى مضيئة وقال غيره هذا على التشبيه أي ذات إبصار أي يبصرون بها
وقوله جل وعز { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه }
روى منصور وابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال عمله وقال الضحاك رزقه وأجله وشقاءه وسعادته
وروى ابن جريج عن عطاء الخرساني عن ابن عباس قال { طائره } ما قدر عليه يكون معه حيثما كان ويزول معه أينما زال
وقيل { طائره } حظه
قال أبو جعفر والمعاني متقاربة إنما هو ما يطير من خير أو شر على التمثيل كما تقول هذا في عنق فلان أي يلزمه كما تلزم القلادة
ثم قال جل وعز { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } روى جرير بن حازم عن حميد عن مجاهد أنه قرأ { ونخرج له يوم القيامة كتابا } قال يريد يعني ويخرج له الطائر كتابا أي عمله كتابا
وروى عن مجاهد { ويخرج } وكذلك قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وقرأ الحسن ويخرج له يوم القيامة كتابا بفتح الياء أيضا ورويت هذه القراءة عن ابن عباس فإنه قال سيحول عمله كتابا وقرأ الحسن { يلقاه } بضم الياء وتشديد القاف
وقوله جل وعز { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريره قال إذا كان يوم القيامة جمع اللّه أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم
والآخرس والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام فأرسل اليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسول قال ولو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما فيرسل اللّه عليهم رسولا فيطيعه من كان يريد أن يطي
ثم قرأ أبو هريرة { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }
وقال غيره يوم القيامة ليس بيوم تعبد ولا محنة فيرسل الى أحد رسول ولكن معنى الآية وما كنا معذبين أحدا في الدنيا بالإهلاك حتى نبعث رسولا
وقوله جل وعز { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } يقرأ هذا الحرف على وجوه
روى عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ { أمرنا } بالقصر والتخفيف وكذلك يروي عن ابن عباس
وروى عن علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه أنه قرأ { أمرنا مترفيها } وكذلك قرأ أبو عثمان النهدي وأبو العالية وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي اسحق { أمرنا مترفيها }
وروى { أمرنا مترفيها } على فعلنا عن ابن عباس هذه القراءة أيضا
قال أبو جعفر من قرأ { أمرنا مترفيها } ففي قراءته ثلاثة أقوال
أحدها وأثبتها ما قاله ابن جريج وزعم أنه قول ابن
عباس وهو أن المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا
قال محمد بن يزيد قد علم أن اللّه عز وجل لا يأمر إلا بالعدل والإحسان كما قال تعالى { إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان } فقد علم أن المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا قال مجاهد مترفوها فساقها وقال أبو العالية مستكبروها والمعنى أمرناهم بالطاعة والفاسق إذا أمر بالطاعة عصى فعصوا فحق عليهم القول بالعصيان أي وجب
والقول الثاني في معنى { أمرنا } قال معمر عن قتادة قال { أمرنا } أكثرنا
قال الكسائي يجوز أن يكون أمرنا بمعنى أمرنا من الإمارة وأنكر أن يكون أمرنا بمعنى أكثرنا وقال لا يقال في هذا إلا أمرنا
قال أبو جعفر وهذا القول الثالث أعني قول الكسائي ينكره أهل اللغة
وقد حكى أبو زيد وأبو عبيدة أنه يقال أمرنا بمعنى أكثرنا ويقوي ذلك الحديث المرفوع خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة والسكة المأبورة النخل الملقح والمهرة المأمورة الكثيرة النتاج
فأما معنى أمرنا ففيه قولان
أحدهما رواه معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أمرنا سلطنا وكذلك قال أبو عثمان النهدي
وروى وكيع عن ابي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه قرأ { أمرنا } مثقلة أي سلطنا مستكبريها
والقول الثاني رواه الكسائي عن ابي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية { أمرنا } أي أكثرنا وليس بمبعد ما رواه الكسائي ويكون مثل سمن الدابة وسمنته وأسنمته
قال أبو جعفر وهذا أولى قال جل وعز { ففسقوا فيها } فوصف أنهم جماعة والقرية الواحدة لا توصف إن فيها جماعة امراء
إن قيل يكون واحدا فقد قيل وهذا خصوص والهلاك بالكثرة فتكثر المعاصي فأما معنى ءآمرنا فأكثرنا كذلك
قال الحسن ويحتمل معنى آمرنا أكثرنا عدهم وأكثرنا يسارهم وحقيقة أمر كثرت املاكه من مال أو غير ذلك من حالة ومن { لقد جئت شيئا إمرا }
قال الكسائي عظيما وقال هارون في قراءة أبي{ وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيا أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول }
فاما معنى آمرنا فلا يكاد يعرف لأنه إنما يقال أمر القوم إذا كثروا وآمرهم اللّه أي أكثرهم ولا يعرف أمرهم اللّه
وقوله جل وعز { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء } { العاجلة } أي الدنيا { عجلنا له فيها ما نشاء } وتقرأ ما يشاء
قال ابو جعفر والمعنيان واحد أي ما شاء اللّه ويجوز أن يكون ل من
وقوله جل وعز
ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا } أي مباعدا يقال دحره يدحره دحرا ودحورا إذا أبعده
ثم أخبر تعالى أنه يرزق المؤمن والكافر فقال { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك }
وقوله جل ذكره { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } روى مبارك عن الحسن قال { قضى } أمر ألا تعبدوا إلا إياه
وروى سفيان عن الأعمش قال قرأ عبد اللّه بن مسعود ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه
ثم قال تعالى { وبالوالدين إحسانا } أي وأمر أن تحسنوا بالوالدين إحسانا
وقوله جل وعز { فلا تقل لهما أف }
روى عن مجاهد أنه قال لا تستقذرهما كما كانا لا يستقذرانك والمعنى عن أهل اللغة لا تستثقلهما ولا تغلظ عليهما في القول والناس يقولون لما يستثقلونه أف له وأصل هذا أن الإنسان إذا وقع عليه الغبار أو شيء يتأذى به نفخه فقال أف وقيل إن أف وسخ الأظفار وإن التف الشيء الحقير نحو وسخ الأذن والقول الأول أعرف
ثم قال جل وعز { ولا تنهرهما } أي لا تكلمهما بصياح ولا بضجر
يقال نهره وانتهره بمعنى واحد وبين هذا بقوله { وقل لهما قولا كريما }
وقوله جل وعز { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } قرأ سعيد بن جبير ويحيى بن وثاب وعاصم الجحدري { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } بكسر الذال ومعنى الضم كن لهما بمنزلة الذليل المقهور إكراما وإعظاما وتبجيلا
وروى هشام بن عروة عن أبيه وبعضهم يقول عن عائشة { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } هو أن يطيعهما ولا يمتنع من شيء أراداه وقال عطاء لا ترفع يدك عليهما
وقال سعيد بن المسيب هو قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ
ويقال ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذاك وذليل ومعنى الذل بالكسر السمح عنهما يقال رجل ذليل بين الذل إذا كان سمحا لينا مواتيا
وكذلك يقال دابة ذلول بين الذل إذا كان مواتيا ومنه { وذللت قطوفها تذليلا }
وقوله جل وعز { ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا }
روى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال ألأوابون الراجعون الى الخير كما في قول اللّه { إنه أواب }
قال أبو جعفر قريء على الفريابي عن قتيبة قال حدثنا ابن لهيعة عن أبي هبيرة عن حنش بن عبد اللّه عن ابن عباس انه قال الأواب الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله تعالى { فإنه كان للأوابين غفورا } قال هم الذين يذكرون ذنوبهم في الخلا، ثم يستغفرون اللّه
وروى يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب الأواب: الذي يُذنب ثم يتوب، ثم يُذنب ثم يتوب، ثم يُذنب ثم يتوب.
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة والأصل في هذا أنه يقال آب يئوب إذا رجع فهو آيب و أواب على التكثير
وقوله جل وعز { وآت ذا القربى حقه } قال عكرمة أي صلته التي تريد أن تصله بها
ثم قال تعالى { والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا }
روى حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال التبذير النفقة في غير طاعة اللّه وكذلك روى عن عبد اللّه بن مسعود { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } معنى إخوان الشياطين أي في المعصية لما عصوا وعصا أولئك جمعتهم المعصية فسموا إخوانا وكلما جمعت شيئا الى شيء فقد آخيت بينهما ومنه إخاء النبي له بين أصحابه
وقوله جل وعز { وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا }
قال قتادة أي عدهم وقال عكرمة إن أعرضت عنهم لرزق تنتظره فعدهم وقل لهم سيكون فإذا جاءنا شيء أعطيناكم وقال الحسن { قولا ميسورا } أي لينا
والمعنى عند أهل اللغة يسر فقرهم عليهم بدعائك لهم
ثم قال جل وعز { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا }
قال قتادة { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } أي لا تمتنع من النفقة في الطاعة { ولا تبسطها كل البسط } أي لا تنفق في معصية
{ فتقعد ملوما محسورا } قال عكرمة وقتادة أي نادما
وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد { فتقعد ملوما } قال مذنبا أو آثما { محسورا } قد انقطع بك
قال أبو جعفر وكذلك المحسور في اللغة يقول حسره السفر إذا انقطع به وكذلك البعير حسير ومحسور إذا انقطع ووقف وهو أشد من الكلال
وقوله جل وعز { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } الإملاق الفقر وكانوا يئدون بناتهم
وقوله جل وعز { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } بكسر الخاء والمد
وروى عن الحسن كان خطآء بفتح الخاء والمد قال أبو جعفر وأعرف هذه القراءات عند أهل اللغة { كان خطأ كبيرا } قال أبن جريج وزعم أنه قوله ابن عباس وهو قول مجاهد الخطأ الخطيئة
قال أبو جعفر وهذا المعروف في اللغة يقال خطيء يخطأ خطأ إذا اثم وتعمد الذنب وقد حكى في المصدر خطأ
وأخطأ يخطيء إخطاء والأسم الخطأ إذا لم يتعمد الذنب
فأما قراءة من قرأ كان خطاء بالكسر والمد والفتح والمد فلا يعرف في اللغة ولا في كلام العرب
وقوله جل وعز { ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق } بين هذا الحديث لا يحل دم أمرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث خلال شرك بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس
ثم قال جل وعز { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } اختلف المتقدمون من العلماء في السلطان الذي جعل للولي
فروى خصيف عن مجاهد قال حجته التي جعلت له أن يقتل قاتله
وذهب جماعة من العلماء الى أن هذا هو السلطان الذي جعل له وأنه ليس له أن يأخذ الدية إلا أن يشاء القاتل وقال الضحاك في السلطان الذي جعل له إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا
والقول عند أهل المدينة وأهل الكوفة قول مجاهد إن السلطان ههنا القود خاصة لا ما سواه
وذهب الشافعي رحمه اللّه الى قول الضحاك غير أنه قال كان يستحق إذا عفا أخذ الدية أشترط ذلك أو لم يشترطه والحجة له { فمن عفي له من أخيه شيء }
والحديث ولي المقتول بأحد النظرين
ثم قال جل وعز { فلا يسرف في القتل }
روى خصيف عن مجاهد قال لا يقتل غير قاتله وروى منصور عن طلق بن حبيب قال لا تقتل غير قاتلك ولا تمثل به وروى خصيف عن سعيد بن جبير قال لا يقتل اثنين بواحد وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال لا يقتل أبا القاتل ولا ابنه وقرأ حذيفة{ فلا تسرف في القتل } بالتاء
وروى العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد قال هو للقاتل الأول والمعنى عنده على هذا فلا تسرف أيها القاتل
ثم قال جل وعز { إنه كان منصورا } روى ابن كثير عن مجاهد قال إن المقتول كان منصورا ومعنى قوله ان اللّه نصره بوليه
وروى أنه في قراءة أبي{ فلا تسرفوا في القتل } إن ولي المقتول كان منصورا
قال أبو جعفر الأبين بالياء وتكون للولي لأنه إنما يقال لا يسرف لمن كان له أن يقتل فهذا للولي
وقد يجوز بالتاء ويكون للولي أيضا إلا أنه يحتاج فيه الى تحويل المخاطبة
وقوله جل وعز { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } قال محمد سألت عبيدة عن قوله تعالى { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف }
فقال يستقرض فإذا استغنى
ثم تلا { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } وقال أبو العالية نحوا من هذا
وقال عمر بن الخطاب رحمة اللّه عليه ما يقوي هذا
حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد النحوي قال حدثنا الحسن بن غليب قال نا يوسف بن عدي قال نا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن يرفا مولى عمر قال قال عمر بن
الخطاب رضوان اللّه عليه يا يرفا إني أنزلت مال اللّه مني بمنزلة مال اليتيم إذا احتجت أخذت منه فإذا أيسرت رددته وإني إن استغنيت استعففت عنه فإني قد وليت من أمر المسلمين أمرا عظيما
وقال سعيد بن المسيب لا يشرب الماء من مال اليتم قال فقلت له إن اللّه يقول { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } قال فقال إنما ذلك لخدمتة وغسل ثوبه
وروى أبو يحيى وليث عن مجاهد قال لا تقرب مال اليتيم إلا للتجارة ولا تستقرض قال فأما قوله تعالى { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } فإنما معناه فليأكل من ماله بالمعروف يعني من مال نفسه
وقال بهذا جماعة من الفقهاء وأهل النظر حتى قال أبو
يوسف لعل قوله { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } منسوخ بقوله { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }
ثم قال جل وعز { حتى يبلغ أشده } وبيان هذا في قوله { حتى إذا بلغوا النكاح } قال مجاهد أي الحلم
وقوله جل وعز { وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم }
روى ابن جريج عن مجاهد قال القسطاس العدل وقال الضحاك هو الميزان
ثم قال تعالى { ذلك خير وأحسن تأويلا }
قال قتادة أي أحسن عاقبة أي ما يئول إليه الأمر في الدنيا
والآخرة وقيل أحسن من النقصان
وقوله جل وعز { ولا تقف ما ليس لك به علم }
روى عن ابن عباس قال لا تقل ما ليس لك به علم { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } قال يسأل أكان ذاك أم لا
وقال ابن الحنفية رحمة اللّه عليه هذا في شهادة الزور وروى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال { ولا تقف } لا ترم
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى معنى واحد وهو من قفوت الشيء أي اتبعت أثره والمعنى لا تتبعن لسانك ما لم تعلمه فتتكلم بالحدس والظن
وحكى الكسائي { ولا تقف } من القيافة وهو بمعنى الأول على القلب
وقوله جل وعز { ولا تمش في الأرض مرحا } أي متكبرا متبذخا
ثم قال جل وعز { إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } فيه لأهل اللغة قولان
أحدهما أن المعنى إنك لن تنقب الأرض
والآخر لن تقطعها كلها قال أبو جعفر وهذا أبين كأنه مأخوذ من الخرق وهو الصحراء الواسعة ويقال فلان أخرق من فلان أي أكثر سفرا وغزوا منه
وقوله جل ثناؤه { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } ويقرأ { سيئه عند ربك مكروها }
وقيل الأول أبين لأنه قد تقدم قوله { وآت ذا القربى حقه } وأشياء حسنة وسيئة فقال { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } وأيضا فإنه لم يقل مكروهة
ثم قال جل وعز { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع اللّه إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا } أي مقصى مباعدا ومنه اللّهم ادحر عنا الشيطان
ثم قال جل وعز { أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا } لأنهم قالوا الملائكة بنات اللّه تعالى اللّه
وقوله جل وعز { قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا }
قال قتادة المعنى إذا لتقربوا الى اللّه
وقال سعيد بن جبير إذا لطلبوا إليه طريقا للوصول ليزيلوا ملكه جل وعز
وقوله جل وعز { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم }
قيل تسبيحه لدلالته على قدرة اللّه وأنه خالقه وأكثر أهل التفسير منهم عكرمة على أن المعنى وإن من شيء فيه الروح إلا يسبح بحمده
قال أبو جعفر وهذا القول أولى لأنه قال { ولكن لا تفقهون تسبيحهم }
وقوله جل وعز { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } فيه قولان
أحدهما أن الحجاب الطبع على قلوبهم ودل على هذا { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } والقول الاخر أن الحجاب منع اللّه إياه منهم
ثم قال جل وعز { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا }
قال أبو الجوزاء الذكر قول لا إله إلا اللّه
ثم قال تعالى { نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى } أي ذوو نجوة أي سر
ثم بين ما يتناجون به فقال جل ثناءه { إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } في معناه قولان قال مجاهد أي مخدوعا وقال أبو عبيدة أي له سحر والسحر والسحر الرئة
والمعنى عنده إن تتبعون إلا بشرا أي ليس بملك قال أبو جعفر والقول الأول أنسب بالمعنى وأعرف في كلام العرب لأنه يقال ما فلان إلا مسحور أي مخدوع كما قال تعالى { إني لأظنك يا موسى مسحورا }
أي مخدوعا قال الشاعر
أرانا موضعين لحتم غيب ونسحر بالطعام وبالشراب
أي نعلل بهما فكأنهما نخدع ويبينه قوله تعالى { انظر كيف ضربوا لك الأمثال }
وقال في موضع أخر { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر }
وقوله جل وعز { وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا }
قال مجاهد أي ترابا وهو قول الفراء
وقال أبو عبيدة والكسائي يقال منه رفت رفتا أي حطم
ثم قال جل وعز { أئنا لمبعوثون خلقا جديدا } أي مجددا
ثم قال جل وعز { قل كونوا حجارة أو حديدا }
قال مجاهد أي ما شئتم فستعادون
قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة
ثم قال عز وجل { أو خلقا مما يكبر في صدوركم } أي يعظم
قال ابن عمر ومجاهد وعكرمة وأبو صالح والضحاك في قوله
تعالى { أو خلقا مما يكبر في صدوركم } هو الموت
وفي الحديث أنه يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار
وقوله جل وعز { فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو }
أي يحركونها من فوق الى أسفل ومن أسفل الى فوق كما يفعل المتعجب المستبطىء للشيء
يقال أنغض رأسه فنغض ينغض وينغض وينغض أي تحرك
وقوله جل وعز { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده } قال سفيان أي بأمره والمعنى عند أهل التفسير مقرين أنه خالقكم
وقوله جل وعز { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم } أي يفسد ويهيج
وقوله جل وعز { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة }
وقرأ عبد اللّه بن مسعود{ أولئك الذين تدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة }
قال هؤلاء من العرب عبدوا أناسا من الجن فاسلم الجنيون ولم يعلم الذين عبدوهم
وروى شعبة عن السدي عن ابي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } قال عيسى وعزير وقيل الملائكة الذين عبدوهم قوم من العرب
وقوله جل وعز { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا } قال مجاهد مبيدوها أو معذبوها
ثم قال جل وعز { كان ذلك في الكتاب مسطورا } أي مكتوبا يقال سطر إذا كتب
روى عن عبد اللّه بن عباس أنه قال أول ما خلق اللّه القلم فقال له اكتب فكتب ما هو كائن
وقوله جل وعز { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } هذه آية مشكلة وفي الكلام حذف
والمعنى ما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحتموها إلا أن تكذبوا بها فتهلكوا كما فعل بمن كان قبلكم
وقد أخر اللّه أمر هذه الأمة الى يوم القيامة فقال سبحانه { بل الساعة موعدهم }
ثم قال جل وعز { وآتي
ثمود الناقة مبصرة } قال مجاهد أي آية
والمعنى ذات إبصار يبصر بها ويتبين بها صدق صالح عليه السلام
ثم قال جل وعز { فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } أي فظلموا بتكذيبهم بها
وقوله جل وعز { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } روى شعبة عن أبي رجاء عن الحسن قال عصمك منهم
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم في قبضته
ثم قال جل وعز { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } قال سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك هي الرؤيا التي رآها ليلة أسرى به
وزاد عكرمة هي رؤيا يقظة
قال سعيد بن المسيب { إلا فتنة للناس } أي إلا بلاء للناس
ثم قال جل وعز { والشجرة الملعونة في القرآن }
قال سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك هي شجرة الزقوم
وقال غيرهم إنما فتن الناس بالرؤيا وشجرة الزقوم أن جماعة ارتدوا وقالوا كيف يسرى به الى بيت المقدس في ليلة واحدة وقالوا لما أنزل اللّه { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } كيف تكون في النار شجرة ولا تأكلها
فكان ذلك فتنة لقوم واستبصارا لقوم منهم أبو بكر الصديق رضى اللّه عنه
ويقال إنما سمى الصديق ذلك الوقت فإن قال قائل لم يذكر في القرآن لعن هذه الشجرة قال أبو جعفر ففي ذلك جوابان
أحدهما أنه لقد لعن آكلوها والجواب الآخر أن العرب تقول لك طعام ضار مكروه ملعون
وقوله جل وعز { قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي }
أي فضلت وفي الكلام حذف والمعنى أرأيتك هذا الذي فضلت علي لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من ط
ثم حذف هذا لعلم السامع
ثم قال جل وعز { لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا }
قال أبو جعفر أكثر أهل اللغة على أن المعنى لأستولين عليهم ولأستأصلنهم من قولهم احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله
وقيل هو من قولهم حنك الدابة يحنكها إذا ربط حبلا في حنكها الأسفل وساقها حكى ذلك ابن السكيت
وحكى أيضا احتنك دابته مثل حنك فيكون المعنى لأسوقنهم كيف شئت
ثم قال جل وعز { قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا } موفور وموفر واحد يقال وفرته ووفرته كما قال الشاعر
ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم
ثم قال جل وعز { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } أي استخف قال مجاهد { بصوتك } بالغناء والمزامير
ثم قال جل وعز { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد }
روى سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال كل خيل سارت في معصية اللّه وكل رجل مشت في معصية اللّه وكل مال أصيب من حرام وكل ولد غية فهو للشيطان
وقال غيره مشاركته في الأموال هي السائبة والبحيرة وفي الأولاد قولهم عبد العزى وعبد الحارث
وقرأ قتادة { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك }
ثم قال جل وعز { وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } هذا أمر فيه معنى التهدد والوعيد كما قال تعالى { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }
وقوله جل وعز { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } قيل أي خلصائي كما قال تعالى { فادخلي في عبادي }
ثم قال جل وعز { وكفى بربك وكيلا } أي منجيا لخلصائه من الشيطان
والفراء يذهب الى أن معنى { وكيلا } كاف وكذا قال في قوله جل وعز { ألا تتخذوا من دوني وكيلا }
ثم قال جل وعز { ربكم الذي يزجي لكم الفلك } أي يسوق
وقوله جل وعز { أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا }
الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء وهي الحصى الصغار
وقوله جل وعز { أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح }
قال ابن عباس هي التي تغرق
قال أبو جعفر يقال قصفه إذا كسره كأنها من شدتها تكسر الشجر
وقوله جل وعز { فيغرقكم بما كفر
ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا }
قال مجاهد ثائرا
قال أبو جعفر وهو من الثأر وكذلك يقال لكل من طلب
بثأر أو غيره تبيع وتابع ومنه قوله تعالى { فاتباع بالمعروف } أي مطالبة
وقوله جل وعز { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا }
قال عبد اللّه بن عباس فضلوا بأنهم يأكلون بأيديهم والبهاثم تأكل بأفواهها
وقال غيره فضلوا بالفهم والتمييز وبما سخر لهم
ثم قال جل وعز { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم }
روى عن ابن عباس أي بنبيهم وقال الحسن والضحاك بكتابهم
قال أبو جعفر ويدل على هذا قوله بعد { فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا } الفتيل الذي يكون في شق النواة والنقير النقرة التي فيها والقطمير الفوقة التي تكون على النواة أي لا يظلمون مقدار هذا الحقير
ثم قال جل وعز { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا }
قال عكرمة قال رجل لعبد اللّه بن عباس كيف يكون في الآخرة أعمى فقال له أخطأت التأويل ألا ترى أنه جل وعز عدد الن
ثم قال { ومن كان في هذه أعمى } أي من عمي عن هذه النعم
التي يراها وتدله على قدرة اللّه فهو فيما لم يره من أمر الآخرة أعمى وكذلك قال قتادة
وقال غيره ومن كان في الدنيا أعمى وقد فسح اللّه له في العمر ووعده قبول التوبة ودعاه الى الطاعة فلم يجب وعمى عن ذلك فهو في الآخرة إذا كان لا تقبل منه توبة ولا إنابة أعمى وأضل سبيلا
ثم قال جل وعز { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك } المعنى كادوا يفتنونك لأن إن و اللام تدل على التوكيد
ويروي أنهم قالوا للنبي ( صلع ) اطرد عنا هؤلاء السقاط والموالي حتى نجلس معك ونستمع منك فهم النبي بذلك ميلا منه الى أن يؤمنوا فعصم ( صلع ) وأنزل اللّه تبارك وتعالى { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك } الى قوله { إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات }
قال مالك بن دينار سألت جابر بن زيد عن قوله { إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } فقال إذا لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات
قال أبو جعفر وكذلك معناه عند أهل اللغة وخوطب بهذا النبي ( صلع ) لأن الثواب به جزل كما قال تعالى { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } ولمشاهدة
الأنبياء والملائكة والآيات العظام كان في ذلك الخطاب من الفائدة أنه علم به أن هذا حكم اللّه فيمن عصاه من الأنبياء فكيف غيرهم
ثم قال جل وعز { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها } قيل المعنى يستفزونك بالقتل
قال عوف عن الحسن هموا بإخراج النبي ( صلع ) من مكة وأراد اللّه بقاء أهل مكة فأمره ان يخرج منها مهاجرا الى المدينة فخرج بأمر اللّه ولو أخرجوه لهلكوا كما قال سبحانه { وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا }
قال أهل التفسير { خلافك } أي بعدك
وحكى عن العرب جاء فلان خلف فلان وخلافة أي بعده وقد يجيء خلاف بمعنى مخالفة
وقوله جل وعز { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } روى سفيان عن ابي اسحاق عن الأسود عن عبد اللّه قال دلوكها غروبها
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس { لدلوك الشمس } لغروبها
وروى الشعبي عن ابن عباس دلوكها زوالها
وروى الزهري عن سالم عن ابن عمر { لدلوك الشمس } بعد نصف النهار وهو وقت الظهر
وروى مالك والليث عن نافع عن ابن عمر قال { لدلوك الشمس } زوالها
وكذلك روي عن جعفر بن محمد رحمة اللّه عليه
قال أبو جعفر الدلوك في اللغة الميل فهي تميل عند الزوال وعند الغروب إلا أن الزوال في هذا أكثر على ألسن الناس
ويدل عليه أن بعده { إلى غسق الليل } فيدخل فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبعده { وقرآن الفجر } فلا يمتنع أن يكون غسق الليل أوله وذلك عند غروب الشمس قال ذلك أبو هريرة وهو يقوي قول من قال الدلوك ميلها للزوال
قال أبن عباس { غسق الليل } اجتماع الليل وظلمته
وقال قتادة أوله
ثم قال جل وعز { وقرآن الفجر } فسمى الصلاة قرآنا لأنها لا تكون إلا بالقرآن
ثم قال جل وعز { إن قرآن الفجر كان مشهودا }
روى أبو هريرة عن النبي ( صلع ) قال صلاة الفجر تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار واقرءوا إن شئتم { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا }
وقوله عز وجل { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } قال علقمة والأسود التهجد بعد النوم
قال أبو جعفر التهجد عند أهل اللغة التيقظ والسهر والهجود النوم يقال تهجد إذا سهر وهجد إذا نام
يروى عن مجاهد أن هذا للنبي ( صلع ) خصيصا وأن معنى { نافلة لك } للنبي خاص لأنه قد غفر له ذنوبه فهي ناقلة من أجل أنه لا يعملها في كفارة الذنوب والناس يعملون ما سوى المكتوبات لكفارات الذنوب
وقال غيره { نافلة لك } أي ليست بفرض لأن النفل كل ما لا يجب فعله والنافلة في اللغة الزيادة
ثم قال جل وعز { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }
روى داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ( صلع ) في قوله تعالى { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال هو
المقام الذي أشفع فيه لأمتي
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال كل عسى واجبة
قال أبو عبيدة يعني في القرآن
وقوله جل وعز { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } قال الحسن وقتادة هو دخول المدينة وخروجه من مكة
وقال الضحاك هو خروجه من مكة ودخوله مكة يوم الفتح آمنا
وقال مجاهد هو دخوله في الرسالة وأمر اللّه جل وعز
ثم قال جل وعز { واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } قال الشعبي وعكرمة أي حجة ثابتة وقال مجاهد أي حجة
وذهب الحسن الى أنه العز والنصر وإظهار دينه على الدين كله
وقوله جل وعز { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }
روى معمر عن قتادة قال { الحق } القرآن { والباطل } الشيطان قال { وزهق } هلك
وقوله جل وعز { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين }
ليست من ها هنا للتبعيض وإنما هي لبيان الجنس
والمعنى وننزل ما هو شفاء ورحمة للمؤمن
ثم بين فقال { من القرآن } كما قال سبحانه { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }
وقوله جل وعز { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه } قال مجاهد أي تباعد منا
وقرأ يزيد بن القعقاع { ونأى بجانبه } الهمزة مؤخرة واللغة الأولى أعرف وهذا على قلب الهمزة
ثم قال جل وعز { وإذا مسه الشر كان يؤوسا }
روى سعيد عن قتادة قال يئس قنط
وقوله جل وعز { قل كل يعمل على شاكلته } قال الحسن على نيته
وقال مجاهد أي على حدته وعلى طبيعته وقال الضحاك على ناحيته وهذا يرجع الى قول الحسن ومجاهد
وحقيقة المعنى واللّه أعلم كل يعمل على النحو الذي جرت به عادته وطبعة
والمعنى وليس ينبغي أن يكون كذلك إنما ينبغي أن يتبع الحق حيث كان وقد ظهرت البراهين وتبين الحق
قال أبو جعفر وهذا يرجع الى قول الحسن
وقوله جل وعز { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي }
روي عن عبد اللّه بن مسعود قال كنت مع النبي ( صلع ) فسألته اليهود عن الروح فسكت فحسبت أنه يوحى اليه فتنحيت فأنزل عليه { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }
يعني اليهود فقالوا نجد مثله في التوراة قل الروح من أمر ربي
قال أبو جعفر وقد تكلم العلماء في الروح
فروى عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح اللّه الى يوم القيامة
وقال أبو صالح الروح خلق كخلق بني آدم وليسوا بني آدم لهم أيد وأرجل
وقيل الروح جبريل عليه السلام واحتج صاحب هذا القول بقوله سبحانه { نزل به الروح الأمين }
قال محمد بن إسحق وزعموا أنه ناداهم يعني النبي ( صلع ) الروح جبريل وكذا روى عن ابن عباس والحسن
قال ابن عباس وجبريل قائم بين يدي اللّه جل ثناؤه يوم القيامة
وقيل هو عيسى صلى اللّه عليه وسلم أي هو من أمر اللّه وليس كما يقول النصارى
وقيل الروح القرآن لقوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا }
واللّه أعلم بما أراد غير أنه قد أخبرنا أنه من أمر اللّه جل وعز
فإن قال قائل كيف قيل لليهود { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } وقد أوتوا التوراة
فالجواب أن قليلا وكثيرا إنما يعرفان بالإضافة الى غيرهما فإذا أضيفت التوارة الى علم اللّه جل وعز كانت قليلا من كثير ألا ترى الى قوله تعالى { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا }
وقوله جل وعز { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك }
أي لو شئنا لأذهبناه من الصدور والكتب
ثم لا تجد لك به علينا وكيلا } أي من يتوكل في رده
قال الحسن أي يمنعك منا إذا أردناك
ثم قال جل وعز { إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا } وهذا استثناء ليس من الأول أي لكن اللّه ثبته رحمة منه وتفضلا
وقوله جل وعز { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } قال الحسن أي معينا
وقوله جل وعز { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } أي وجهنا القول بكل مثل وهو من قوله صرفت اليك كذا أي عدلت به اليك
ثم أخبر اللّه أنهم لما عجزوا أن يأتوا بمثله وانقطعت حجتهم اقترحوا الآيات فقال جل وعز { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } وقد أراهم اللّه من الآيات ما هو أكثر من هذا من انشقاق القمر وغير ذلك
وقال مجاهد ينبوع عيون
قال أبو جعفر وهو عند أهل اللغة من نبع ينبع وينبع
ومنه سمى مال علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه ينبع
وقوله جل وعز { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا }
روى معمر عن قتادة قال { كسفا } قطعا
وحكى الفراء أنه سمع أعرابيا يقول أعطني كسفه من هذا الثوب أي قطعة
ويقرأ { كسفا } والمعنى على هذه القراءة للسماء كلها أي طبقا
واشتقاقه من كسفت الشيء أي غطيته
ثم قال جل وعز { أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا }
روى معمر وسعيد عن قتادة قال { قبيلا } أي عيانا
قال أبو جعفر ذهب الى أنه من المقابلة
وقال غيره { قبيلا } أي كفيلا يقال قبلت به أي كفلت وتقبل فلان بكذا أي تكفل به
ثم قال جل وعز { أو يكون لك بيت من زخرف }
روى مجاهد قال كنا لا ندري ما الزخرف فرأيناه في قراءة ابن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب
وقال أبو جعفر الزخرف في اللغة الزينة والذهب من الزينة
وقوله جل وعز { أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه } أي كتابا بنبوتك
فأعلم اللّه أنه لو فعل بهم ذلك ما آمنوا فقال تعالى { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين }
وقوله جل وعز { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث اللّه بشرا رسولا }
فاعلم اللّه أن الأعدل الأبلغ أن يبعث الى كل خلق من كان من جنسه فقال { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا } فقالوا من يشهد لك بهذا
فقال جل وعز { قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم }
وقوله جل وعز { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما }
وفي الحديث عن النبي ( صلع ) ان الذي امشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم
قال ابن عباس { عميا } لا يرون شيئا يسرهم { وبكما } لا ينطقون بحجة { وصما } لا يسمعون ما يسرون به
ثم قال جل وعز { مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا }
قال مجاهد { كلما خبت } أي كلما طفئت أو قدت وقال الضحاك كلما سكنت
قال أبو جعفر يقال خبت النار إذا سكن لهبها فإن سكن لهبها وعاد الجمر رمادا قيل كبت فإن طفيء بعض الجمر وسكن اللّهب قيل خمدت فإن ظفئت كلها قيل
همدت تهمد همودا
ومعنى { زدناهم سعيرا } زدناهم نارا تسعر أي تلتهب
وقوله جل وعز { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق }
روى حجاج عن ابن جريج قال { الإنفاق } الفقر عن ابن عباس
وروى معمر عن قتادة قال الإنفاق الفقر وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم واقتر إذا قل ماله
ثم قال جل وعز { وكان الإنسان قتورا }
روى حجاج عن ابن جريج قال { قتورا } بخيلا عن ابن عباس
وقوله جل وعز { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات }
روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد اللّه بن سلمة عن صفوان بن عسال أن يهوديا قال لصاحبه تعال حتى نسأل هذا النبي ( صلع ) فقال له الآخر لا تقل له النبي فإنه إن سمعها صارت له أربعة أعين قال فأتاه فسأله عن هذه الآية { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } فقال لا تشركوا باللّه شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء الى سلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت قال فقبلوا يده وقالوا نشهد انك رسول اللّه قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا إن دواد ( صلع ) دعا ألا يزال في ذريته نبي وإنا نخشى إذا اتبعناك ان تقتلنا اليهود
وقال الحسن والشعبي ومجاهد والضحاك في قوله تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الثمرات واليد والعصا
هذا معنى قولهم
ثم قال جل وعز { فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم }
روى عن أبن عباس أنه قرأ{ فسأل بني أسرائيل }
والمعنى على هذه القراءة فسأل بني إسرائيل والمعنى فلم يرد فرعون ما جاء به موسى ( صلع ) من الآيات والبراهين بأكثر من انه أخبر أنه ظان ان موسى عليه السلام ساحر فقال { إني لأظنك يا موسى مسحورا }
وقوله جل وعز { قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر }
وروى عن علي بن أبي طالب رحمه اللّه عليه أنه قرأ { لقد علمت } بضم التاء وقال واللّه ما علم فرعون وإنما هو موسى الذي علم
قال أبو جعفر والقراء كلهم على فتح التاء إلا الكسائي فإنه ضمها ولو صح الحديث عن علي رحمة اللّه لم يحتج في ذلك الى نظر وكانت القراءة به أولى ولكن إنما رواه أبو اسحق عن رجل من مراد عن علي رحمة اللّه عليه
وعلم فرعون بذلك أوكد في الحجة عليه وقد احتج في ذلك عبد اللّه بن عباس بحجة قاطعة فقال إنما هو { لقد علمت }
كما قال تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم }
حدثنا إبراهيم بن شريك قال نا أحمد بن عبد اللّه بن يونس قال نا زهير قال حدثنا أبو أسحق قال سمعت أبا عبيدة يسأل سعد بن عياض عن قوله تعالى { لقد علمت ما أنزل هؤلاء } قال سعد هو كقول الرجل لصاحبه وهو يحاوره لقد علمت
قال زهير قال أبو اسحاق وحدثني رجل من مراد أنه سمع عليا يقول واللّه ما علم عدو اللّه ولكن موسى الذي علم قال { لقد علمت } أ
ثم قال { وإني لأظنك يا فرعون مثبورا }
روى المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ملعونا
وروى ابن جريج عن مجاهد قال هالكا
وروى معمر عن قتادة قال مهلكا
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال ملعونا وروى عنه جويبر قال هالكا
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى شيء واحد لأنه حكى أهل اللغة ما ثبرك عن هذا أي ما منعك منه وصرفك عنه فالمعنى ممنوع من الخير
ثم قال جل وعز { فأراد أن يستفزهم من الأرض } أي يزيلهم عنها إما بقتل أو بتنحيه
وقوله جل وعز { وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا } قال مجاهد وقتادة أي جميعا وروى سفيان عن منصور عن أبي رزين قال من كل قوم قال أبو جعفر وهذا أولى عند أهل اللغة لأنه يقال لففت الشيء إذا خلطته
وقال الأصمعي اللفيف جمع ليس له واحد وهو مثل الجميع
وقوله جل وعز { وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا } أي تبشر المطيعين الجنة وتنذر العاصين بالنار
وقوله جل وعز { وقرآنا فرقناه } قال أبو عمرو رحمه اللّه { فرقناه } بيناه
ثم قال تعالى { لتقرأه على الناس على مكث } قال مجاهد أي على تؤدة
وقوله جل وعز { إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا } قال الحسن أي للجباه وقال قتادة أي للوجوه والذقن عند أهل اللغة مجتمع اللحيين وهو أقرب
الأشياء الى الأرض من الوجوه إذا ابتدىء السجود
ثم قال جل وعز { قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن } فيروى أنهم قالوا ندعو اثنين فأعلم اله جل جلاله أنه لا يدعى غيره بأسمائه فقال { أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى }
ثم قال جل وعز { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا } فيها وجهان
أحدهما رواه الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول اللّه ( صلع ) يعلن إذا قرأ فيسب المشركون القرآن ومن أنزله ومن جاء به فصار يخفي
القراءة فأنزل اللّه جل وعز { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها }
والقول الاخر رواه هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة يا ابن أختي أتدري فيم أنزل { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال قلت لا قالت أنزل في الدعاء
قال أبو جعفر والإسنادان حسنان والدعاء يسمى صلاة ولا يكاد يقع ذلك للقراءة قال الأعمش
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصابا والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
ويقال إنه إنما قيل صلاة أنها لا تكون إلا بدعاء والدعاء صلاة فسميت باسمه
وقوله جل وعز { ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل } أي لم يحتج الى من ينتصر له
ثم قال عز وجل { وكبره تكبيرا } أي عظمه تعظيما أنتهت سورة الإسراء وللّه الحمد والمنة