مكية وآياتها آية
بسم اللّه الرحمن الرحيم سورة النحل وهي مكية
قال عبد اللّه بن عباس إلا ثلاث آيات نزلن بين مكة والمدينة حين رجع النبي ( صلع ) من أحد وقد قتل حمزة ومثل به فقال النبي لأمثلن بثلاثين منهم وقال المسلمون لنمثلن بهم فأنزل اللّه { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } الى آخر ثلاث آيات
قوله جل وعز { أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه } قال بعضهم { أتى } بمعنى يأتي لأنه قد عرف المعنى فصار مثل قولك إن أكرمتني أكرمتك وقيل أخبار اللّه بالماضي والمستقبل شيء واحد لأنه قد علم
أنه يكون فهو بمنزلة ما قد كان وقول ثالث وهو أحسنها وذلك أ نهم استبعدوا ماوعدهم اللّه من العقاب فأخبر اللّه جل وعز أن ذلك قريب فقال { أتى أمر اللّه } أي هو القرب بمنزلة ما قد أتى كما قال تعالى { اقتربت الساعة } وكما يقال أتاك الخبر أي قرب منك وقال الضحاك أي جاء القرآن بالفرائض والحكام والحدود
وقوله جل وعز { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده }
روى هشيم عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عباس قال الروح خلق من خلق اللّه وأمر من أمره صورهم على صور بني آدم لاينزل في السماء ملك إلا ومعه واحد منهم وروى ابن جريج عن مجاهد قال لاينزل ملك إلا ومعه روح وقال إسماعيل بن أبي خالد سألت أبا صالح عن الروح فقال لهم صور كصور بني آدم وليسوا منهم وقال الحسن تنزل الملائكة بالروح أي بالنبوة وروى معمر عن قتادة تنزل الملائكة بالروح قال بالوحي والرحمة قال أبو جعفر وهذا قول حسن وقد رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي ينزلهم بما هو بمنزلة الروح والحياة كما قال تعالى { فروح وريحان }
وقيل معناه رحمة
وقوله جل وعز { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } روى اسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال النسل وروى ابن جريج عن مجاهد قال الدفء لباس ينسج والمنافع الركوب والبن واللحم قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي ما يدفىء من أوبارها وغير ذلك وأحسب مذهب ابن عباس أن المنافع النسل لا الدفء على أن الأموي قد روى أن الدفء عند العرب نتاج الابل والانتفاع بها فيكون هذا فيه
وقوله جل وعز { ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون }
روى معمر عن قتادة قال إذا راحت أعظم ما تكون أسنمة من السمن وضروعها محفلة
قال أبو جعفر والمعنى عند أهل اللغة وتريحونهابالعشي يقال أرحت الإبل اذا انصرفت بها من المرعى الذي تكون فيه بالليل ويقال للموضع المراح وفي الحديث إذا سرقها من المراح قطع
ومعنى { تسرحون } تغدون بها الى المرعى سرحت الإبل أسرحها سرحا وسروحا إذا غدوت بها الى المرعى فخليتها ترعى وسرحت هي في المعتدي واللازم واحد
وقوله جل وعز { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } روى ابن جريج عن مجاهد قال إلا بمشقة وقال غيره المعنى لولا الإبل لم تبلغوا البلدان إلا بمشقة وقد قرئ { إلا بشق الأنفس } وهي بمعنى الأول إلا أنه مصدر
وقوله جل وعز { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } تأول هذا جماعة منهم عبد اللّه بن عباس على أنه لا يحل أكل هذه لقوله في الإبل { ومنها تأكلون } ولم يقل هذا في الخيل والبغال والحمير
وقوله جل وعز { ويخلق ما لا تعلمون } وظاهره عام إلا أن عبد الرحمن بن معاوية القرشي حدثنا قال حدثنا موسى بن محمد عن ابن السدي عن أبيه في قوله تعالى { ويخلق ما لا تعلمون } قال السوس في الثياب
وقوله جل وعز { وعلى اللّه قصد السبيل } قال الضحاك أي تبيين الهدى والضلالة وقال مجاهد أي طريق الحق وهذه تشبه { قال هذا صراط علي مستقيم } أي على منهاجي وديني وكذا { وعلى اللّه قصد السبيل } أي القصد فيها ما كان على دين اللّه وقيل هو تبيين الحق والبراهين والحجج
وقيل إنه يراد بالسبيل ها هنا الإسلام
ثم قال جل وعز { ومنها جائر } أي ومن السبل جائر أي عادل عن الحق وأنشدني أبو بكر ابن أبي الأزهر قال أنشدني بندار
لما خلطت دماءنا بدمائها سار الثفال بها وجار العاذل
وروى عن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قرأ ومنكم جائر وكذلك قرأ عبد اللّه بن مسعود ذا على التفسير
ثم قال تعالى { ولو شاء لهداكم أجمعين } أي لو شاء لأنزل آية تضطركم الى الإيمان ولكنة أراد أن يثيب ويعاقب
وقوله جل وعز { هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون } قال قتادة والضحاك { فيه تسيمون } فيه ترعون قال أبو جعفر وكذا هو في اللغة يقال أسمت الإبل أي رعيتها فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة
وقوله جل وعز { وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه } قال قتادة من الدواب والأشجار والثمار
وقوله جل وعز { وترى الفلك مواخر فيه } قال الضحاك تذهب وتجيء والمخر في اللغة الشق يقال محرت السفينة تمخر وتمخر إذا شقت الماء وسمعت لها صوتا وذلك عند هبوب الرياح ومخر
الأرض إنما هو شق الماء إياها
وقوله جل وعز { وألقى في الأرض رواسي } قال الحسن أي جبالا قال أبو جعفر يقال رسا يرسو إذا ثبت وأق
ثم قال تعالى { أن تميد بكم } قال ابراهيم أي تكفأ قال أبو جعفر يقال ماد يميد إذا تحرك ومال
وروى معمر عن قتادة قال سمعت الحسن يقول لما خلق اللّه الأرض كادت تميد فقالوا لا تقر هذه عليها أحدا فأصبحوا وقد خلق اللّه الجبال ولم تدر الملائكة مما خلقت الجبال
ثم قال جل وعز { وأنهارا وسبلا }
أي وجعل فيها أنهارا وسبلا قال قتادة أي طرقا
ثم قال جل وعز { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } روى سفيان عن منصور عن ابراهيم قال من النجوم علامات ومنها ما يهتدي به وقال الفراء الجدي والفرقدان قال أبو جعفر والذي عليه أهل التفسير وأهل اللغة سواه أن النجم ها هنا بمعنى النجوم وخلق اللّه النجوم زينة للسماء ورجوما للشياطين وليعلم بها عدد السنين والحساب وليهتدي بها
وقوله جل وعز { والذين يدعون من دون اللّه لا يخلقون شيئا وهم يخلقون } يعني الأوثان
وقرأ محمد اليماني { والذين يدعون من دون اللّه } بضم الياء وفتح العين
وقوله جل وعز { أموات غير أحياء } أي هم أموات غير أحياء { وما يشعرون أيان يبعثون } يجوز أن يكون المعنى وما تشعر الأصنام ويجوز أن يكون المعنى وما يشعر المشركون متى يبعثون
وقوله جل وعز { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } الوزر في اللغة الحمل الثقيل وقيل للإثم وزر على التمثيل
ثم قال تعالى { ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم }
قال مجاهد يحملون إثم من أضلوه ولا ينقص من إثم المضل شيء
وقوله جل وعز { قد مكر الذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم } وقرأ الأعرج { السقف } قال مجاهد يعني بهذا نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه ويروي أنه بنى بنيانا عظيما فخر وقد قيل هذا تمثيل أي أهلكهم اللّه فكانوا بمنزلة من سقط عليه بينانه وهلك وقيل أحبط اللّه أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه والفائدة في قوله تعالى { من فوقهم } أنه قد يقال سقط
على منزل كذا إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه
وقوله جل وعز
ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم } المعنى أين الذين كنتم تدعون أنهم شركائي أي أين شركائي على قولكم واللّه جل وعز لا شريك له
وقوله جل وعز { فألقوا السلم } أي الإستسلام أي أذعنوا واستسلموا
وقوله جل وعز { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } أي لقبض أرواحهم { أو يأتي أمر ربك } أي بالعذاب والزلزلة والخسف
وقوله جل وعز { وقال الذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا }
قال قوم ذم اللّه هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته وقال قوم من قال هذا فقد كفر
قال أبو جعفر هذا غلط في التأويل ولا يقبل في التفسير على أنهم قالوا هذا على جهة الهزء كما قال قوم شعيب لنبيهم { إنك لأنت الحليم الرشيد } أي إنك أنت الحليم الرشيد على قولك وقد تبين هذا بقوله { إن تحرص على هداهم فإن اللّه لا يهدي من يضل } وفي قراءة أبي{ فإن اللّه لا هادي لمن أضل اللّه } وهو شاهد لمن قرأ { لا يهدي } وهي القراءة البينة كما قال { وما توفيقي إلا باللّه }
وروى عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ { لا يهدي من يضل } وأحسن ما قيل في هذا ما رواه أبو عبيد عن الفراء أنه يقال هدى يهدي بمعنى اهتدى يهتدي قال تعالى { أم من لا يهدي إلا أن يهدى } بمعنى يهتدي
قال أبو عبيد ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء وليس بمتهم فيما يحكيه قال أبو جعفر حكى لي عن محمد بن يزيد كأن معنى { لا يهدي من يضل } من علم ذلك منه وسبق له ذلك عنده قال ولا يكون يهدي بمعنى يهتدي إلا أن تقول يهدي أو يهدي
وقوله جل وعز { ليبين لهم الذي يختلفون فيه } يحتمل معنيين
أحدهما أن يكون متعلقا بفعل محذوف دل عليه جملة الكلام وهو أن يكون المعنى بل يبعثهم ليبن لهم الذي يختلفون فيه والقول الاخر أن يكون متعلقا بقوله
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } فيكون المعنى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين
وقوله جل وعز { والذين هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا }
يقال إنه يراد به بلال وصهيب والذي يوجب جملة الكلام أن يكون عاما ويروي أن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه كان إذا دفع الى المهاجرين أعطياتهم قال لهم هذا ما وعدكم اللّه في الدنيا وما ذخر لكم في الآخرة أك
ثم يتلو { والذين هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر } وروى هشيم عن داود ابن أبي هند عن الشعبي في قوله { لنبوئنهم في الدنيا حسنة } قال المدينة وكذا قال الحسن وقال الضحاك يعني بالحسنة النصر والفتح { ولأجر الآخرة أكبر } الجنة وروى ابن جريج عن مجاهد { لنبوئنهم في الدنيا حسنة } قال لسان صدق
وقوله جل وعز { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم } قيل لهم هذا لأنهم قالوا { أبعث اللّه بشرا رسولا }
ثم قال تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } قيل يعني به أهل الكتاب لأنهم مقرون أن الرسل من بني آدم وقال وكيع سألت سفيان عن قوله { فاسألوا أهل الذكر } فقال سمعنا أنهم من أسلم من أهل التوراة والأنج
ثم قال تعالى { بالبينات والزبر } أي بالبراهين والكتب
وقوله جل وعز { أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين } روى معمر عن قتادة قال في أسفارهم وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال بالليل والنهار
ثم قال تعالى { أو يأخذهم على تخوف } قال الضحاك آخذ طائفة وادع طائفة فتخاف الطائفة الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس أو يأخذهم على تخوف قال على تنقص وتفزع وروى ابن جريج عن ابن كثير عن مجاهد قال تنقصا قال أبو جعفر وهذا القول هوالمعروف عند أهل اللغة يقال أخذهم على خوف وعلى تخوف إذا تنقصهم كما قال ابن عباس ومجاهد ومعنى التنقص أن ينقصهم في أموالهم وفي زروعهم وفي
خيرهم شيئا بعد شيء حتى يهلكهم وقال الليث على تخوف سمعت أنه على عجل وقول الضحاك { على تخوف } أي يأخذ هذه القرية ويدع هذه عندها أي فتخاف
وقوله جل وعز { يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا للّه } قال قتادة الفيء الظل وقال غيره التفيؤ رجوعه من موضع الى موضع خاضعا منقادا وكذلك معنى السجود وقال قتادة { عن اليمين } بالغد
وقوله { والشمائل } بالعشي
ثم قال اللّه جل وعز { وهم داخرون } قال قتادة أي صاغرون
وقوله جل وعز { وللّه يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة } قيل المعنى وللّه يسجد ما في السموات من الملائكة وما في الأرض من دابة والملائكة أي والملائكة الذين في الأرض واللّه أعلم بما أراد وقال الضحاك كل شيء فيه روح دابة يسجد للّه عز وجل
وقوله جل وعز { وقال اللّه لا تتخذوا إلهين اثنين } أي لا تعبدوا من دون اللّه شيئا وإن كنتم تتقربون بعبادته الى اللّه وجاء باثنين توكيدا وقيل المعنى لا تتخذوا اثنين إلهين
وقوله جل وعز { وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا }
روى عكرمة عن ابن عباس قال واجبا وقيل الطاعة على كل الأحوال وإن كان فيها الوصب وهو التعب وهذا معنى قول الحسن
وروى معمر عن قتادة { وله الدين واصبا } قال دائما ألا تسمع الى قوله { ولهم عذاب واصب } أي دائم وكذا قال ميمون بن مهران
وروى ابن جريج عن مجاهد { وله الدين واصبا } قال الإخلاص والواصب الدائم
وهذا هو المعروف في اللغة يقال وصب يصب وصوبا إذا
دام والدين الطاعة والمعنى أن كل من يطاع تزول طاعته بهلاك أو زوال إلا اللّه جل وعز
ثم قال تعالى { وما بكم من نعمة فمن اللّه } أي ما يكن بكم من سعة في رزق أو صحة في بدن فمن اللّه
{ ثم إذا مسكم الضر } وهو البلاء والمشقة { فإليه تجأرون } أي تدعون وتستغيثون يقال جأر يجأر جؤارا إذا رفع صوته مستغيثا من جوع أو غيره
وقوله جل وعز
{ ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم } قيل المعنى ليجعلوا النعمة سببا الى الكفر كما قال تعالى { ربنا ليضلوا عن سبيلك }
وقيل ليجحدوا النعمة التي أنعم عليهم كما قال الشاعر
والكفر مخبثة لنفس المنعم
ثم قال تعالى { فتمتعوا فسوف تعلمون } وهذا على التهديد كما قال تعالى { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } فإنا قد أرسلنا الرسل وبينا وأنذرنا فمن شاء فليكفر بعد هذا فإن العقوبة حالة به
ثم قال جل وعز { ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم } يعني ما كانوا يجعلونه لأصنامهم من زرعهم وأنعامهم كما قال تعالى { فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا }
ثم قال جل وعز { ويجعلون للّه البنات سبحانه ولهم ما يشتهون }
أي ولهم البنون
ثم قال جل وعز { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا } أي ظل كئيبا مغموما والعرب تقول هذا لكل مغموم قد تغير لونه من الغم أسود وجهه
ثم قال جل وعز { وهو كظيم } الكظيم الحزين الذي يخفي غيظه ولا يشكو ما به
ثم قال جل وعز { يتوارى من القوم من سوء ما بشر به }
يروى أن أحدهم كان إذا ولد له يتوارى في ذلك الوقت أو قبله فإن ولد له ذكر سر به وإن ولدت له أنثى استتر وربما وأدها
ثم بين ذلك بقوله تعالى { أيمسكه على هون أم يدسه في التراب } وقرأ الجحدري{ أم يدسها في التراب } يردها على قوله بالأنثى ويلزمه أن يقرأ{ أيمسكها }
وقرأ عيسى بن عمر{ أيمسكه على هوان } وقال هوان وهون واحد وقرأ الأعمش{ أيمسكه على سوء }
وحكى أبو عبيد عن الكسائي قال في لغة قريش الهون والهوان بمعنى واحد وقال لغة بني تميم يجعل الهون مصدر الشيء الهين
ثم قال جل وعز { ألا ساء ما يحكمون }
لأنهم جعلوا للّه البنات وهم يكرهونها هذه الكراهية
ثم قال جل وعز { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء وللّه المثل الأعلى } وروى سعيد عن قتادة قال { المثل الأعلى } الإخلاص والتوحيد المعنيان واحد أي للّه جل وعز التوحيد ونفى كل معبود دونه
وقوله جل وعز { ولو يؤاخذ اللّه الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } أي على الأرض ولم يجر لها ذكر لأنه قد عرف المعنى
وقوله جل وعز { ويجعلون للّه ما يكرهون } يعني البن
ثم قال تعالى { وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى } قال مجاهد هو قولهم لنا البنون وقال غيره الحسنى الجنة
ثم قال جل وعز { لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون } وقيل لا رد لكلامهم وجرم بمعنى وجب وحق وقال أبو جعفر وقد استقصينا القول فيه
ثم قال تعالى { وأنهم مفرطون }
كذا قرأ الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير بفتح الراء والتخفيف واختلفوا في تفسيره فقال الحسن { مفرطون } معجلون الى النار وقال هشيم أخبرنا أبو بشر وحصين عن سعيد ابن جبير { وأنهم مفرطون } قال متروكون منسيون وروى ابن جريح عن مجاهد قال { مفرطون } منسيون
قال أبو جعفر وقول الحسن أشهر في اللغة وأعرف وحكى أهل اللغة هو فارط وفرط وفي حديث النبي ( صلع )
أنا فرطكم على الحوض أي متقدمكم إليه حتى تردوا على وأفرطته إذا قدمته وأنشد جماعة من أهل اللغة
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا كما تعجل فراط لوراد
وقال بقول سعيد بن جبير ومجاهد أبو عبيدة والكسائي والفراء قال أبو جعفر فعلى قول الحسن معجلون مقدمون الى النار وعلى قول سعيد بن جبير ومجاهد متروكون في النار وقرأ عبد اللّه بن مسعود وابن عباس { وأنهم مفرطون } مبالغون في الإساءة كما يقال فرط فلان على فلان إذا أربى عليه وقال له أكثر مما قال من الشر
وقرأ أبو جعفر والسدي { وأنهم مفرطون } ومعناه
مضيعون أي كانوا مضيعين في الدنيا
وقوله جل وعز { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا } الفرث ما يكون في الكرش يقال أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها والمعنى أن الطعام يكون فيه ما في الكرش ويكون منه ال
ثم يخلص اللبن من الدم
ثم قال تعالى { سائغا للشاربين } أي سهلا لا يشجي به من شربه
ثم قال جل وعز { و
ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } روى عمرو بن سفيان عن ابن عباس قال السكر ما حرم
ثمرتها والزرق الحسن ما كان حلالا
ثمرتها وروى شعبة عن مغيره عن إبراهيم والشعبي قالا السكر ما حرم وقد نسخ
وروى معمر عن قتادة قال السكر نبيذ للأعاجم وقد نسخت
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال السكر قد حرم وقال مجاهد السكر ما حرم من الخمر والرزق الحسن ما أحل من التمر والعنب قال أبو جعفر الأولى أن تكون الآية منسوخة لأن تحريم الخمر كان بالمدينة والنحل مكية
والرواية عن ابن عباس كأن معناها أن الآية على الإخبار بأنهم يفعلون ذلك لا أنه أذن لهم في ذلك وذلك معناه وهي رواية تضعف من جهة عمرو بن سفيان
قال أبو جعفر وفي معنى السكر قول آخر قال أبو عبيدة السكر الطعم وأنشد
جعلت عيب الأكرمين سكرا
أي جعلت ذمهم طعما
قال أبو جعفر قال الزجاج وقول أبي عبيدة هذا لا يعرف وأهل التفسير على خلافة ولا حجة له في البيت الذي أنشده لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس
وقوله جل عز { وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا } روى عن الضحاك أنه قال ألهمها
وأصل الوحي في اللغة الإعلان بالشيء في ستره فيقع ذلك بالإلهام وبالإشارة وبالكتابة وبالكلام الخفي
وقوله جل وعز { فاسلكي سبل ربك ذللا } روى معمر وسعيد عن قتادة قال مطيعة قال أبو جعفر ويحتمل في اللغة أن يكون قوله { ذللا } للسبل لأنه يقال سبيل ذلول وسبل ذلل أي سهلة السلوك ويحتمل أن يكون للنحل أي هي منقادة مسخرة
وقوله جل وعز { يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء } للشفاء فيه قولان أحداهما أن المعنى في القرآن شفاء للناس وهذا قول حسن أي فيما قصصنا عليكم من الآيات
والبراهين شفاء للناس وقيل في العسل شفاء للناس وهذا القول بين أيضا لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل
وقوله جل وعز { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } أي يهرم حتى ينقص عقله
ثم قال جل وعز { لكي لا يعلم بعد علم شيئا } أي حتى يعود بعد العلم جاهلا أي لتعلموا أن الذي رده الى هذه الحال قادر على أن يمي
ثم يحييه
وقوله جل وعز { واللّه فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء }
روى سعيد عن قتادة قال هذا مثل ضربه اللّه أي إذا كان لأحدكم مملوك لم تسغ نفسه أن يعطيه مما يملك واللّه جل وعز أولى أن ينزه عن هذا
ومنى هذا القول أنهم عمدوا الى رزق اللّه فجعلوا للأصنام منه نصيبا وله نصيبا والمعنى إنكم كلكم بشر ويكون لأحدكم المملوك فلا يرد عليه مما يملك شيئا ولا يساويه فيه فكيف تعمدون الى رزق اللّه فتجعلون منه نصيبا وللأوثان نصيبا
ثم قال جل وعز { أفبنعمة اللّه يجحدون } أي أفأن أنعم اللّه عليهم جحدوا بالنعمة وجعلوا ما رزقهم لغيره وقيل المعنى أفأن أنعم عليهم بالبيان والبراهين جحدوا نعمه
قال الضحاك هذا المثل للّه جل وعز وعيسى أي أنتم لا تفعلون هذا بعبيدكم فكيف ترضون لي باتخاذ بشر ولدا تعالى اللّه عما يقولون علوا كبيرا
وقوله جل وعز { واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا } روى سعيد عن قتادة في قوله { واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا } قال خلق حواء من ضلع آدم
وقال غيره { جعل لكم من أنفسكم أزواجا } أي من جنسكم
ثم قال جل وعز { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد اللّه بن
مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد اللّه قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان الى بنى فلان وصاهر وقول عبد اللّه بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين
وقوله جل وعز { ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا }
أي لا يملكون أن يرزقوهم شيئا
ثم قال جل وعز { ولا يستطيعون فلا تضربوا للّه الأمثال } قال الضحاك لا تعبدوا من دونه ما لا ينفعكم ولا يضركم ولا يرزقكم
وقوله جل وعز { ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا } هذه الآية مشكلة وفيها أقوال قال مجاهد والضحاك هذا المثل للّه جل ذكره ومن عبد من دونه وقال قتادة هذا المثل للمؤمن والكافر
يذهب قتادة الى أن العبد المملوك هو الكافر لأنه لا ينتفغ في الآخرة بشيء من عبادته والى أن معنى { ومن رزقناه منا رزقا حسنا } المؤمن
وقال بعض أهل اللغة القول الأول أحسن لأنه وقع بين كلامين لا نعلم بين أهل التفسير اختلافا إلا من شذ منهم انهما للّه جل وعز وهما { فلا تضربوا للّه الأمثال } وبعده { وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه } يعني الوثن لأنه كل على من عنده وثقل والمولى الولي
ثم قال جل وعز { هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم } يعني نفسه جل وعز وكذا قال قتادة اللّه جل وعز يأمرنا بالعدل وهو على صراط مستقيم
والمعنى على هذا في قوله جل وعز { ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا } أنه يعني به ما عبد من دونه لأنه لا يملك ضرا ولا نفعا و { ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا } وهذا للّه جل وعز لأنه الجواد الرزاق للأنسان من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم
وروى عن ابن عباس وهذا لفظه المروي عنه قال نزلت هذه الآية { ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق منه سرا وجهرا ومولاه أبو الجواب الذي كان ينهاه وقيل نزلت في رجلين { وضرب اللّه مثلا رجلين } الأبكم منهما الكل على مولا أسيد بن أبي العاص والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رحمة اللّه عليه كان عثمان يكفل مولاه فعثمان الذي ينفق
بالعدل وهو على صراط مستقيم
والآخر الأبكم وقال الحسن { عبدا مملوكا } هو الصنم
وأولى الأقوال في هذا قول ابن عباس رواه عنه حماد بن سلمة عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم عن ابراهيم عن عكرمة عن ابن عباس فبين ابن عباس رحمه اللّه أن هذه الآية نزلت في عبد بعينه لم يكن له مال ولا يقال في كل عبد لا يقدر على شيء فنزلت فيه وفي سيد كان له مال ينفق منه وأن الآية الأخرى نزلت في رجل بعينه لم يكن له مال وكان كلا على مولاه أي ابن عمه أو قريبه وضرب اللّه هذه الأمثال ليعلم أنه إله واحد وأنه لا ينبغي أن يشبه به غيره ولا يصح قول من من قال إنه صنم لأن الصنم لا يقع عليه اسم عبد
وقوله جل وعز { وللّه غيب السماوات والأرض } أي علم ما غاب فيهما عن العب
ثم قال { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } قال قتادة هو أن يقول جل وعز كن فذلك كلمح البصر أو هو أقرب وقال غيره المعنى أو هو أقرب عندكم ولم يرد أنها على هذا القرب وانما أراد أن يعرفنا قدرته
وقوله جل وعز { ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء } الجو الهواء البعيد وأبعد منه السكاك الواحدة سكاكة
وقوله جل وعز { واللّه جعل لكم من بيوتكم سكنا }
أي موضعا تسكنون فيه
ثم قال جل وعز { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا } يعني بيوت الأدم وما أشبهها والأنعام الإبل والبقر والغنم
ثم قال تعالى { تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم } أي يخف عليكم حملها في سفركم وإقامتكم
ثم قال تعالى { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } فالأصواف للضأن والأوبار للإبل والأشعار للمعز قال قتادة الأثاث المال وقال الضحاك الأثاث المال والزينة والأثاث عند أهل اللغة متاع البيت نحو الفرش والأكسية
وقد أث يئث أثا إذ صار ذا أثاث قال أبو زيد واحد الأثاث أثا
ثم قال تعالى { ومتاعا إلى حين } روى معمر عن قتادة الى أجل وبلغة
وقوله جل وعز { واللّه جعل لكم مما خلق ظلالا } يعني ظلالا الشجر واللّه أعلم
ثم قال تعالى { وجعل لكم من الجبال أكنانا } أي ما يكنكم الواحد كن
ثم قال تعالى { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر } روى معمر عن قتادة قال يعني قمص الكتان
ثم قال تعالى { وسرابيل تقيكم بأسكم } قال قتادة يعني الدروع
وروى عثمان بن عطاء عن أبيه قال إنما خوطبوا بما يعرفون قال جل وعز { وجعل لكم من الجبال أكنانا } وما جعل لهم من السهل أكثر وأعظم ولكنهم كانوا أصحاب جبال { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر } وما يقي البرد أكثر ولكنهم أصحاب حر
وقال الفراء يحي بن زياد المعنى تقيكم الحر وتقيكم الب
ثم حذف كما قال الشاعر
فما أدري إذا يممت وجها أريد الخير أيهما يليني
والمعنى أي الخير والشر لأنه إذا أراد الخير أتقى الشر
ثم قال تعالى { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } روى عن ابن عباس { لعلكم تسلمون } وقال أي من الجراحات وإسناده ضعيف رواه عباد بن العوام عن حنظلة عن شهر بن حوشب عن ابن عباس وظاهر القرآن يدل على الإسلام لأنه عدد الن
ثم قال { لعلكم تسلمون }
ثم قال جل وعز { فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمة الل
ثم ينكرونها } روى سفيان عن السدي قال يعني محمدا ( صلع ) قال أبو جعفر وهذا القول حسن والمعنى يعرفون أن امر
النبي صلى اللّه عليه وسلم
ثم ينكرونه
وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني المساكين والأنعام وما يرزقون منها والسرابيل من الحديد والثياب أنعم اللّه بذلك عليهم فلم يشكروا وقالوا إنما كان لآبائنا وورثناها عنهم
وقوله جل وعز { ويوم نبعث من كل أمة شهيدا } يروى أن نبي كل أمة شاهد عليها
وقوله جل وعز { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } أي جحدتم آلهتهم كما قال تعالى { سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا }
ثم قال جل وعز { وألقوا إلى اللّه يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون }
روى سعيد عن قتادة قال استسلموا وذلوا { وضل عنهم ما كانوا يفترون } أي يشركون
وقوله جل وعز { الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابا فوق العذاب }
روى مسروق عن عبد اللّه قال زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال
وقوله جل وعز { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } روى أبان بن ثعلب عن مجاهد قال تبيانا للحلال من الحرام
وقوله تعالى { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } قال مجاهد يعني تغليظ اليمين
وقوله جل وعز { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة } هذه آية مشكلة تحتاج الى تدبير قال قتادة الدخل الخيانة
وقال غيره المعنى لا تحلفوا أو تؤكدوا عليكم الأيم
ثم تحنثوا فتكونوا كامرأة غزلت غزلا فأبرمته وأحكم
ثم نقضته والأنكاث ما نقض من الخز والوبر وغيرهما ليغزل ثانية ومنه قيل ناكث
وروى في التفسير أن امرأة يقال لها ربطة ابنة سعد كانت تغزل بمغزل كبير فإذا أبرمته وأتقنته أمرت جارتها فنقضته
قال الضحاك في قوله تعالى { أن تكون أمة هي أربى من أمة } أي أكثر قال فأمروا بوفاء العهد وإن كانوا كثيرا
وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال كانوا يحلفون القوم ويعاهدونهم فاذا علموا أن غيرهم أكثر منهم وأقوى نقضوا عهدهم وحالفوا غيرهم فنهاهم اللّه جل ذكره عن ذلك
والمعنى عند أهل اللغة لأن تكون أمة وبأن تكون أمة هي أربى من أمة أي هي أغنى وأكثر أي لا تعاهدوا قوما فإذا أمنوا نقضتم العهد ليكون أصحابكم أغنى وأقوى
وقوله جل وعز { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } روى عن أبن عباس أنه قال الحياة الطيبة الرزق الحل
ثم
يصير الى اللّه فيجزية أجره بأحسن ما كان يعمل وروى عن ابن عباس رواه الحكم عن عكرمة عنه أنه قال الحياة الطيبة القناعة وروى ابن كثير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى { فلنحيينه حياة طيبة } قال في الآخرة يحييه حياه طيبة
وروى عوف عن الحسن ليس لأحد حياة طيبة إلا في الجنة
وقوله جل وعز { فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم }
المعنى إذا أردت أن تقرأ وهذا كما تقول إذا أكلت فقل بسم اللّه ومثله في كتاب اللّه عز وجل { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة }
وقوله جل وعز { إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } روى ابن نجيح عن مجاهد قال { سلطانه } حجته قال { والذين هم به مشركون } يعدلونه برب العالمين وقال غير مجاهد لو كان المعنى على أنهم أشركوا بالشيطان لكانوا مؤمنين ولكن المعنى والذين والذين هم من أجله مشركون كما تقول صار فلان بك عالما أي من أجلك
وقوله جل وعز { وإذا بدلنا آية مكان آية } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال رفعناها وجعلنا موضعها غيرها وقال غيره أي نسخنا آية بأية هي أشد عليهم منها { قالوا إنما أنت مفتر } أي كاذب فقال جل وعز { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات اللّه } أي الذي إذا رأوا آية لا يأتي بها إلا نبي كذبوا بها فهؤلاء أكذب الكاذبين
وقوله جل وعز { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عكرمة قال هو غلام لبني عامر بن لؤي يقال أرى له يعيش وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو سلمان الفارسي رحمه اللّه وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد هو عبد اللّه بن الحضرمي وهو رومي كان يحسن الكتابة قال أبو عبيد وقال غير مجاهد أسمه جبر
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يجوز أن يكونوا أومأوا الى هؤلاء جميعا وزعموا أنهم يعلمونه وأصل الألحاد في اللغة الميل
وقوله جل وعز { من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رحمة اللّه لأنه قارب بعض ما ندبوه اليه
ثم قال تعالى { ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه }
أي من فتح صدره لقبوله
وقوله جل وعز
{ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتن
ثم جاهدوا وصبروا } هذا كله في عمار والمعنى وصبروا على الجهاد
وقوله جل وعز { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها }
يروى أن كعبا قال لعمر بن الخطاب رحمه اللّه تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول يا رب نفسي حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليجثو على ركبتيه ويقول لا أسألك إلا نف
ثم قال كعب إن هذا لفي كتاب اللّه وتلا { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } وقال غيره يدل على هذا { يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه }
وقوله جل وعز { وضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة } روى معمر عن قتادة قال هي مكة وقال غيره كان أهلها في أمن ود
ثم ابتلاهم اللّه بالقتل والجوع سبع سنين قال تعالى { فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف } وأصل الذوق بال
ثم استعمل للابتلاء وللاختبار
وقوله جل وعز { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } قال أبو جعفر قد ذكرناه في سورة البقرة وروى عن ابن عباس أنه قال من أكل الميتة وهو غير مضطر
إليها فهو باغ عاد
وروى عن سعيد بن جبير ومجاهد أنهما قالا إذا أخاف السبيل وقطع الطريق لم تحلل له الميتة هذا معنى قولهما
وقوله جل وعز { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } قال مجاهد يعني البحائر والسيب
وقوله جل وعز { وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } قال قتادة هو قوله تعالى { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر }
وقوله جل وعز { إن إبراهيم كان أمة قانتا للّه } روى الشعبي عن مسروق قال تلا عبد اللّه بن مسعود رحمه
اللّه { إن إبراهيم كان أمة قانتا للّه } فقال إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا للّه أتدرون ما الأمة هو الذي يعلم الناس الخير أتدرون ما القانت هو المطيع قال أبو جعفر لم يقل في هذه الآية أحسن من هذا لأنه إذا كان يعلم الناس الخير فهو يؤتم به وهذا مذهب أبي عبيدة والكسائي
القنوت القيام فقيل للمطيع قانت لقيامه بطاعة اللّه وروى أبو يحيى عن مجاهد { إن إبراهيم كان أمة قانتا للّه } قال كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار وقال بعض أهل اللغة يقوي هذا حديث النبي ( صلع ) أنه ذكر زيد بن عمرو بن نفيل فقال كان أمة وحده
وقوله { وآتيناه في الدنيا حسنة } قال مجاهد لسان صدق
وقوله جل وعز { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه }
روى سعيد بن جبير عن قتادة قال أحله بعضهم وحرمة بعضهم وقال مجاهد تركوا الجمعة واختاروا السبت
وقوله جل وعز { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } { وجادلهم بالتي هي أحسن } هي منسوخة
وقوله جل وعز { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } قال قتادة لما مثلوا بحمزة رضي اللّه عنه قال لنمثلن بهم فأنزل اللّه جل وعز هذه الآية وروى على بن الحكم عن الضحاك قال نزلت هذه الآية قبل القتال وقبل سورة براءة
قال أبو جعفر وهذا القول أولى وقد قال زيد بن أسلم نحوه
قال لما قدم رسول اللّه ( صلع ) المدينة أذن له في جهاد المشركين والغلظة عليهم ويدلك على أن هذا نزل بمكة قوله تعالى { ولا تك في ضيق مما يمكرون } وأكثر مكرهم وحزنه ( صلع ) عليهم كان بمكة
فأما حديث أبي هريرة وابن عباس لما قتل حمزه رحمة اللّه عليه قال النبي ( صلع ) لأمثلن بسبعين منهم فنزلت { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } فإسنادهما ضعيف
وقوله جل أسمه { إن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } روى عن الحسن أنه قال اتقوا اللّه جل وعز فيما حرم عليكم وأحسنوا في أداء فرائضه أنتهت سورة النحل