مدنية وآياتها آية
بسم اللّه الرحمن الرحيم سورة الرعد وهي مدنية
من ذلك قوله جل وعز { المر تلك آيات الكتاب } آية هذا تمام الكلام
ومن ذهب إلى ان كل حرف من هذه يؤدي عن معنى قال المعنى أنا االلّه أرى
وقوله جل وعز { اللّه الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها } آية المعنى ترونها بغير عمد ويجوز أن يكون الضمير يعود على العمد
ثم قال جل وعز { وسخر الشمس والقمر } آية أي أنهما مقهوران مدبران فهذا معنى التسخير في اللغة
ثم قال تعالى { وهو الذي مد الأرض } آية أي بسطها
{ وجعل فيها رواسي } أي جبالا { ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } أي صنفين وكل صنف زوج
ثم قال تعالى { وفي الأرض قطع متجاورات } آية وفي هذا قولان
قال ابن عباس يعني الطيب والخبيث والسباخ والعذاب
وكذلك قال مجاهد
والقول الاخر أن في الكلام حذفا والمعنى وفي الأرض قطع متجاورات وغير متجاورات كما قال { سرابيل تقيكم الحر } والمعنى وتقيكم الب
ثم حذف ذلك لعلم السامع والمتجاورات المدن وما كان عامرا وغير متجاورات الصحارى وما كان غير عامر
ثم قال تعالى { وجنات من أعناب } آية أي وفيها جنات من أعناب
{ وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان } آيه { وقرا } صنوان بضم الصاد أبو رجاء وأبو عبد الرحمن وطلحة
وروى أبو غسحاق عن البراء قال الصنوان المجتمع وغير صنوان المتفرق
حدثنا زهير بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس قال حدثنا زهير بن معاوية قال أبو إسحاق عن البراء في قوله صنوان وغير صنوان قال الصنوان ما كان أصلحه واحدا وهو متفرق وغير صنوان التي تنبت وحدها
وكذلك هو في اللغة يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر صنوان فإذا تفرقت قيل غير صنوان
ثم قال جل وعز { يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل } آية أي في الثمر أي هي تأتي مختلفة وإن كان الهواء واحدا فقد علم أن ذلك ليس من أجل الهواء ولا الطبع وأن لها مدبرا
وروى سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } قال الحلو والحامض والفارسي والدقل
ثم قال تعالى { وإن تعجب فعجب قولهم } آية
أي إن تعجب من إنكارهم البعث بعد هذه الدلائل فإن ذلك ينبغي ان يتعجب منه
وقوله تعالى { ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة } آية
روى معمر عن قتادة قال بالعقوبة قبل العافية
قال غيره يعني قولهم { اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء }
ثم قال تعالى { وقد خلت من قبلهم المثلات } آية
قال مجاهد يعني المثال الأمثال
وقال قتادة يعني العقوبات
قال أبو جعفر وهذا القول أولى لأنه معروف في اللغة أن يقال للعقوبة الشديدة مثلة ومثلة وروى عن الأعمش أنه قرأ المثلات بضم الميم والثاء و هذا جمع مثله
وروي عنه أنه قرأ { المثلات } بضم الميم وإسكان الثاء وهذا أيضا جمع مثلة ويجوز المثلات تبدل من الضمة فتحة لثقلها
وقيل تأتي بالفتحة عوضا من الهاء
وروي عن الأعمش أيضا أنه قرأ { المثلات } بفتح الميم وإسكان الثاء فهذا جمع مث ثم حذف الضمة لثقلها
وقوله جل وعز { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } آية
روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال لما نزلت { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب } قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لولا عفو اللّه ورحمته وتجاوزه لما هنا أحدا عيش ولولا عقابه ووعيده وعذابه لاتكل كل واحد
وقوله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد } آية
قال مجاهد وقتادة وهذا معنى كلامهما { إنما أنت منذر } يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم { ولكل قوم هاد } أي نبي
يدعوهم
وروى سفيان عن أبي الضحى { إنما أنت منذر } قال النبي صلى اللّه عليه وسلم { ولكل قوم هاد } قال اللّه جل وعز
وروى علي بن الحكم عن الضحاك { ولكل قوم هاد } قال اللّه عز وجل
وقال أبو صالح المعنى لكل قوم داعي هدى أو داعي ضلالة
والذي يذهب إليه جماعة من أهل اللغة أن المعنى أنهم لما اقترحوا الايات أعلم اللّه جل وعز أن لكل قوم نبيا يهديهم ويبين لهم وليس عليه أن يأتيهم من الآيات بما يقترحون
وروى سفيان عن عطاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى { إنما أنت منذر } قال النبي صلى اللّه عليه وسلم { ولكل قوم هاد } قال اللّه جل ذكره
وروى سفيان عن السدي عن عكرمة في قوله جل وعز { اللّه يعلم ما تحمل كل أنثى } قال سفيان يعني من ذكر أو أنثى
ثم قال تعالى { وما تغيض الأرحام وما تزداد } آية
قال الحسن والضحاك هو نقصان الولد عن تسعة أشهر وزيادته عليها
وقال قتادة تغيض السقط وتزداد على التسعة أشهر
وقال مجاهد الغيض النقصان فإذا اهراقت المرأة الدم وهي حامل انتقص الولد وإذا لم تهرق الدم عظم الولد وتم
وقال سعيد بن جبير إذا حملت المر
ثم حاضت نقص ولد
ثم تزداد به الحمل مقدار ما جاءها الدم به
وقال عكرمة الغيض أن ينقص الولد بمجيء الدم والزيادة أن يزيد مقدار ما جاءها الدم فيه حتى تستكمل تسعة أشهر
سوى الأيام التى جاءها الدم فيها
وقوله جل وعز { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار } آية
قال ابن عباس السارب الظاهر
قال قتادة السارب الظاهر الذاهب
وقال مجاهد { ومن هو مستخف بالليل } أي مستتر بالمعاصي وسارب بالنهار ظاهر
وقال بعض أهل اللغة { ومن هو مستخف بالليل } أي ظاهر من خفيته إذا أظهرته { وسارب بالنهار } أي مستتر من قولهم انسرب الوحش إذا دخل كناسه
قال أبو جعفر القول الأول أولى لجلالة من قال به وأشبه بالمعنى لأن المعنى واللّه أعلم سواء منكم من أسر منطقه أو
أعلنه واستتر بالليل او ظهر بالنهار وكل ذلك في علم اللّه سواء وهو في اللغة أشهر وأكثر
قال الكسائي يقال سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب
وحكى الأصمعي خل له سربه أي طريقه
ثم قال جل وعز { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه } آية في الآية ثلاثة أقوال
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال ملائكة يحفظونه فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه
وروى معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن ابن
عباس { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه } قال بإذن اللّه وهي من أمر اللّه وهي ملائكة
قال الحسن عن أمر اللّه
قال مجاهد وقتادة وهذا لفظ قتادة وهي ملائكة تتعاقب بالليل والنهار عن أمر اللّه أي بأمر اللّه
فهذا قول
والقول الثاني أنه روي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى { له معقبات من بين يديه ومن خلفه } قال هم السلاطين الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر اللّه فإذا جاء أمر اللّه لم ينفعوا شيئا
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو السلطان المتحرس من اللّه وذلك أهل الشرك
وروى شعبة عن شرقي عن عكرمة قال هم الأمراء فهذان قولان
والقول الثالث أن ابن جريج قال هو مثل قوله { عن اليمين وعن الشمال قعيد } فالذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات
و { يحفظونه } أي يحفظون عليه كلامه وفعله وأولى هذه الأقوال الأول لعلو إسناده وصحته
ويقويه أن مالك بن أنس روى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال للّه ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار وذكر الحديث
وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد اللّه بن مسعود في قوله تعالى { إن قرآن الفجر كان مشهودا } قال تدور كالحرس ملائكة الليل وملائكة النهار
وروى ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس انه قرأ { معقبات } من بين يديه ورقباء من خلفه من أمر اللّه يحفظونه فهذا قد بين المعنى
وقال الحسن في المعنى يحفظونه عن أمر اللّه وهذا قريب من الأول أي حفظهم إياه من عند اللّه لا من عند أنفسهم
وروى عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء في قوله { له معقبات من بين يديه ومن خلفه } قال النبي صلى اللّه عليه وسلم وهذا يريد الملائكة أيضا
وعن بعضهم أنه قرأ معاقيب من بين يديه ومن خلفه و معاقيب جمع معقب وتفسيره كتفسير الأول
وقوله جل وعز { وما لهم من دونه من وال } آية أي ليس أحد يتولاهم من دون اللّه
ووال وولي واحد كما يقال قدير وقادر وحفيظ وحافظ
وقوله جل وعز { هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا } آية
قال الحسن ومجاهد وقتادة أي خوفا للمسافر وطمعا للحاضر
والمعنى ان المسافر يخاف من المطر ويتأذى به
قال اللّه تعالى { أذى من مطر }
والحاضر المنتفع بالمطر يطمع فيه إذا رأى البرق
ثم قال تعالى { وينشئ السحاب الثقال } آية
قال مجاهد التي فيها المطر
ثم قال تعالى { ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته } آية
روى سفيان عن سالم عن أبي صالح قال الرعد ملك يسبح
وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال الرعد ملك يسمى الرعد ألا تسمع إلى قوله { ويسبح الرعد بحمده }
وروى سفيان عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب بصوته
وقال عكرمة الرعد ملك يصوت بالسحاب كالحادي بالإبل
وروي أن ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذي سبحت له
وروى مالك عن عامر بن عبد اللّه عن أبيه كان إذا سمع صوت الرعد لهي من حديثه وقال سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيف
ثم يقول إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد
ثم قال تعالى { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه } آية
يجوز أن تكون الواو واو حال أي يصيب بها من يشاء في حال مجادلته
لأنه يروى أن أربد سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال أخبرنا عن ربنا أهو من نحاس أو من حديد فأرسل اللّه صاعقة فقتلته
ويجوز ان يكون قوله { وهم يجادلون في اللّه } منقطعا من الأول
ثم قال تعالى { وهو شديد المحال } آية
قال ابن عباس أي الحول
وقال قتادة أي الحيلة
وقال الحسن المكر
وروي عن الحسن أنه قال أي الهلاك
وهذه أقوال متقاربة واشبهها بالمعنى واللّه أعلم أنه الإهلاك لأن المحل الشدة فكأن المعنى شديد العذاب والإهلاك
وقد قال جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيدة وابو عبيد هو المكر من قولهم محل به وأنشد بيت الأعشى
فرع نبع يهتز في غصن المجد غزير الندى شديد المحال
وقال أبو عبيد الشبه بقول ابن عباس ان يكون قرأ شديد المحال بفتح الميم
فأما الأعرج فالمعروف من قراءته المحال بفتح الميم
ومعناه كمعنى الحول من قولهم لا حول ولا قوة إلا باللّه
فأما معنى المكر من اللّه فهو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر
وقوله جل وعز { له دعوة الحق } آية
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لا إله إلا اللّه
وكذلك قال قتادة والضحاك
ثم قال تعالى { والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه } آية
قال مجاهد أي يشير إلى الماء بيده ويدعوه بلسانه
وقال غيره أي الذي يدعو الأصنام بمنزلة القابض على الماء لا يحصل له شيء
وقوله جل وعز { وللّه يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها } آية
قيل من أسلم طوعا ومن لم يسلم حتى فحص عن رأسه بالسيف فكان أول دخوله كرها
وقيل إنما وقع هذا على العموم لأن كل من عبد غير اللّه فإنما يقصد إلى ما يعظم في قلبه واللّه العظيم الكبير
والسجود في اللغة الخضوع والانقياد وليس شيء إلا وهو يخضع للّه وينقاد له
ثم قال تعالى { وظلالهم بالغدو والآصال } آية
يروى ان الكافر يسجد لغير اللّه وظله يسجد للّه وهذا من الانقياد والخضوع
وقيل الظلال ها هنا الأشخاص
وقوله جل وعز { أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم } آية
أي هل رأوا غير اللّه خلق مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم
وقوله تعالى { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } آية
قال ابن جريج أخبرني ابن كثير قال سمعت مجاهدا يقول بقدر ملئها
قال ابن جريج بقدر صغرها وكبرها
وقرأ الأشهب العقيلي { فسالت أودية بقدرها } والمعنى واحد
وقيل معناها بما قدر لها
ثم قال تعالى { فاحتمل السيل زبدا رابيا } آية
أي طالعا عاليا
قال مجاهد تم الكلام
ثم قال تعالى { ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله } آية
قال مجاهد المتاع الحديد والنحاس والرصاص
قال غيره الذي يوقد عليه ابتغاء حلية الذهب والفضة
ثم قال تعالى { فأما الزبد فيذهب جفاء } آية
قال مجاهد أي جمودا
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه اللّه يقال أجفأت القدر إذا غلت حتى ينضب زبدها وإذا جمد في أسفلها
قال أبو زيد وكان رؤبة يقرأ { فيذهب جفاء }
يقال جفلت الريح السحاب إذا قطعته وأذهبته
ثم قال تعالى { وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } آية
قال مجاهد وهو الماء وهذا مثل للحق والباطل أي إن الحق يبقى وينتفع به والباطل يذهب ويضمحل كما يذهب هذا الزبد وكذهاب خبث هذه الأشياء
ثم قال تعالى { كذلك يضرب اللّه الأمثال } آية
تم الكلام
ثم قال جل وعز { للذين استجابوا لربهم الحسنى } آية
قال قتادة هي الجنة
وقوله تعالى { أولئك لهم سوء الحساب } آية
قال أبو الجوزاء عن ابن عباس يعني المناقشة بالأعمال
ويدل على هذا الحديث من نوقش الحساب هلك
قال فرقد قال لي إبراهيم يا فرقد أتدري ما سوء الحساب قلت لا قال أن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شيء
وقوله تعالى { جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } آية
أي من كان صالحا
لا يدخلونها بالأنساب
ثم قال تعالى { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب } آية
أي تكرمة من اللّه لهم
ثم قال تعالى { سلام عليكم بما صبرتم } آية
أي يقولون سلام عليكم بما صبرتم
ثم قال جل وعز { فنعم عقبى الدار } آية
قال أبو عمران الجوني { فنعم عقبى الدار } الجنة من النار
وقوله جل وعز { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } آية
قال مجاهد أي تذهب
قوله عز وجل { قل إن اللّه يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } آية
أناب إذا رجع إلى الطاعة
ثم قال تعالى { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر اللّه } آية
أي بتوحيده والثناء عليه
ثم قال تعالى { ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب } آية
أي التي هي قلوب المؤمنين
قال مجاهد يعني أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم
ثم قال تعالى { الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم } آية
قال ابن عباس وابو أمامة طوبى شجرة في الجنة
وكذلك قال عبيد بن عمير
وقال مجاهد هي الجنة
وقال عكرمة أي نعم ما لهم
وقال إبراهيم طوبى أي خير وكرامة
وهذه الأقوال متقاربة لأن طوبى فعلى من الطيب أي من العيش الطيب لهم وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطيب
ثم قال تعالى { وحسن مآب } آية
قال مجاهد أي مرجع
وقوله تعالى { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } آية
قال ابن عباس قال الكفار للنبي صلى اللّه عليه وسلم سير لنا الجبال قطع لنا الأرض أحيي لنا الموتى
وقال مجاهد قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم بعد لنا هذه الجبال وادع لنا أن يكون لنا زرع وقرب منا الشام فإنا نتجر إليه وأحيي لنا الموتى
قال قتادة قالت قريش للنبي أحيي لنا الموتى حتى نسألهم عن الذي جئت به أحق هو فأنزل اللّه { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى }
قال لو فعل هذا بأهل الكتاب لفعل بكم
وهذه الأقوال كلها توجب أن الجواب محذوف لعلم السامع لأنهم سألوا فكان سؤالهم دليلا على جواب لو
ونظيره { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد }
وقال الشاعر
فلو لأنها نفس تموت سوية ولكنها نفس تساقط أنفسا
فحذف جواب لو أي لتسلت
وفي الحذف من الاية قولان
أكثر أهل اللغة يذهب إلى أن المعنى ولو أن قرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن
وقال بعضهم المعنى لو فعل بهم هذا لما آمنوا كما قال تعالى { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه }
قال أبو جعفر وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أي وهم يكفرون ولو وقع هذا
وقوله جل وعز { أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا } آية
قال أبو جعفر في هذه الاية اختلاف كثير
روى جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم وعكرمة عن ابن عباس أنه قرأ{ أفلم يتبين الذين آمنوا } مختصر
وفي كتاب خارجة ان ابن عباس قرأ{ أفلم يتبين للذين آمنوا }
وروى المنهال بن عمير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أفلم ييأس الذين آمنوا } أي افلم يعلم
واكثر أهل اللغة على هذا القول
وممن قال به أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة قال سحيم بن وثيل
اقول لهم بالشعب إذ ييسرونني الم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
ويروى إذ ياسرونني
فمعنى { أفلم ييأس الذين آمنوا } ألم يعلموا
وروى معاوية بن صالح بن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال افلم يعلم
وفي الآية قول آخر
قال الكسائي لا أعرف هذه اللغة ولا سمعت من يقول يئست بمعنى علمت ولكنه عندي من اليأس بعينه والمعنى إن الكفار لما سألوا تسيير الجبال بالقرآن وتقطيع الأرض وتكليم الموتى اشرأب لذلك المؤمنون وطمعوا في أن يعطى الكفار ذلك فيؤمنوا فقال اللّه { أفلم ييأس الذين آمنوا } أي افلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لعلمهم أن اللّه لو أراد أن يهديهم لهداهم كما تقول قد يئست من فلان ان يفلح والمعنى لعلمي به
وقوله تعالى { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } آية
قال ابن عباس يعني السرايا
وكذلك قال عكرمة وعطاء الخراساني إلا أن ابا عاصم روى عن شبيب عن عكرمة عن ابن عباس قال النكبة
وقال مجاهد قارعة أي سرية ومصيبة تصيبهم
والقارعة في اللغة المصيبة العظيمة
ثم قال جل وعز { أو تحل قريبا من دارهم } آية
قال مجاهد وعكرمة وقتادة أو تحل انت يا محمد قريبا من دارهم
حدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا مخلد بن مالك
عن محمد بن سلمة عن خصيف قال القارعة السرايا التي كان يبعث بها رسول اللّه أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم
قال الحسن أو تحل القارعة قريبا من دارهم
ثم قال تعالى { حتى يأتي وعد اللّه } آية
قال مجاهد وقتادة أي فتح مكة
وقوله تعالى { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } آية
قال قتادة هو اللّه جل جلاله
وقال الضحاك يعني نفسه جل وعز وهو القائم على عباده من كان منهم برا ومن كان منهم فاجرا يرزقهم ويطعمهم وقد جعلوا للّه شركاء
قال اللّه { قل سموهم } ولو سموهم لكذبوا وأنبؤه بما لا يعلمه وذلك قوله تعالى { أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض } آية
وقوله تعالى { مثل الجنة التي وعد المتقون } آية
روى النضر بن شميل عن الخليل قال مثل بمعنى صفة فالمعنى على هذا صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار كما تقول صفة فلان أسمر لأن معناه فلان أسمر
وقال أبو إسحاق مثل اللّه لنا ما غاب بما نراه وكذلك كلام العرب فالمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من تحتها الأنهار
وقوله تعالى { وإليه مآب } آية
قال قتادة أي إليه مصير كل عبد
وقوله تعالى { يمحو اللّه ما يشاء ويثبت } آية
وقرأ ابن عباس { ويثبت }
روي عنه يحكم اللّه جل وعز أمر السنة في شهر رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت إلا الحياة والموت والشقوة والسعادة
وفي رواية أبي صالح { يمحو اللّه } مما كتب الحفظة ما ليس للإنسان وليس عليه { ويثبت } ما له وعليه
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { يمحو اللّه ما يشاء }
يقول يبدل اللّه من القرآن ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله
{ وعنده أم الكتاب } يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وكذلك قال قتادة
وقال ابن جريج { يمحو اللّه ما يشاء } أي ينسخ وكأن معنى { ويثبت } عنده لا ينسخه فيكون محكما
ويثبت بالتشديد على التكثير
قال أبو جعفر ويثبت بالتخفيف أجمع لهذه الأقوال من يثبت
وكان أبو عبيد قد اختار { ويثبت } على أن أبا حاتم قد أوما إلى أن معناهما واحد
وروى عوف عن الحسن قال يمحو من جاء أجله ويثبت من لم يجيء أجله بعد إلى أجله
قوله عز وجل { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } آية
أي إما نرينك بعض ما وعدناك من إظهار دين الإسلام على الدين كله { أو نتوفينك } قبل ذلك فإنما عليك أن تبلغهم وعلينا أن نحاسبهم فنجازيهم بأعمالهم
ثم بين جل وعز أنه كان ما وعد
فقال { أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } آية
يظهر الإسلام بإخراج ما في يد المشركين وإظهار المسلمين عليهم
وفي هذه الاية أقوال هذا أشبهها بالمعنى
ومن الدليل على صحته قوله جل وعز { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون } وهذا القول مذهب الضحاك
وروى سلمة بن نبيط عنه أنه قال في قول اللّه تعالى { أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } قال هو ما تغلب عليه من بلادهم
وروى عكرمة عن ابن عباس قال هو خراب الأرض حتى يكون في ناحية منها أي حتى يكون العمران في ناحية منها
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد { ننقصها من أطرافها } قال الموت موت الفقهاء والعلماء
ثم قال تعالى { واللّه يحكم لا معقب لحكمه } آية
قال الخليل لا راد لقضائه
قال أبو جعفر والمعنى ليس أحد يتعقب حكمه بنقض ولا تغيير
وقوله تعالى { قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } آية
قال ابن جريج عن مجاهد عبد اللّه بن سلام
وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد { ومن عنده علم الكتاب } هو اللّه تبارك وتعالى
وقال سليمان التيمي هو عبد اللّه بن سلام
وقال قتادة منهم عبد اللّه بن سلام فإنه قال نزل في قر
ثم تلا { ومن عنده علم الكتاب }
وأذكر هذا القول الشعبي وعكرمة
قال الشعبي نزلت هذه الآية قبل أن يسلم عبد اللّه بن سلام
وقال سعيد بن جبير وعكرمة هذه الاية نزلت بمكة فكيف نزلت في عبد اللّه بن سلام
وقال الحسن أي كفى باللّه شهيدا وباللّه مرتين يذهب إلى ان من تعود على اسم اللّه
قال أبو جعفر وهذا احسن ما قيل في هذه الاية من وجهات
إحداها أنه يبعد ان يستشهد اللّه بأحد من خلقه
ومنها ما أنكره الشعبي وعكرمة
ومنها أنه قرىء { ومن عنده علم الكتاب } بكسر الميم والدال والعين روي ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وإن كان في الرواية ضعف روى ذلك سليمان بن الأرقم عن الزهري بن سالم عن ابيه ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ ومن عنده علم وكذلك روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قرآ
ولا اختلاف بين المفسرين ان المعنى ومن عند اللّه فأن
يكون معنى القراءتين واحدا أحسن
وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني أنه قرأ ومن عنده علم الكتاب بضم العين ورفع الكتاب
قال أبو جعفر وقول من قال هو عبد اللّه بن سلام وغيره يحتمل أيضا لأن البراهين إذا صحت وعرفها من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمرا مؤكدا
واللّه أعلم بحقيقة ذلك انتهت سورة الرعد