مكية وآياتها آية
سورة الأعراف وهي مكية
قوله جل وعز { المص } آية قال أبو جعفر قد بين معنى فواتح السور في أول سورة البقرة فمن قال معنى { الم } أنا اللّه أعلم قال معنى { المص } أنا اللّه أفصل
وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير
وقوله جل وعز { كتاب أنزل إليك }
المعنى هذا كتاب أنزل إليك
ثم قال جل وعز { فلا يكن في صدرك حرج منه }
قال مجاهد وقتادة الحرج الشك
والمعنى على هذا القول فلا تشكوا فيه لأن الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم خطاب لأمته
والحرج في اللغة الضيق فيجوز أن يكون سمي ضيق لأن الشاك لا يعرف حقيقة الشيء فصدره يضيق به
ويجوز أن يكون المعنى فلا يكن في صدرك ضيق من أن تبلغه لأنه روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال
إني أخاف أن يثلغوا رأسي
وفي الكلام تقديم وتأخير المعنى كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه
وقوله عز وجل { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } آية
قيل هو القرآن والسنة لقوله جل وعز { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }
ثم قال جل وعز { ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون } آية
أي لا تتخذوا من عدل عن دين الحق وليا وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه
وروي عن مالك بن دينار رحمه اللّه أنه قرأ { ولا تتبعوا من دونه أولياء } أي لا تطلبوا
وقوله جل وعز { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون } آية
المعنى فجاءهم العذاب على غفلة بالليل وهم نائمون أو نصف النهار وهم قائلون
ومعنى أو ههنا التصرف مرة كذا ومرة كذا وهي بمنزلة أو التي تكون للإباحة في الأمر
وقوله جل وعز { فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا } آية
الدعوى ههنا بمنزلة الدعاء والدعوى تكون بمنزلة الإدعاء وتكون بمنزلة الدعاء وأجاز النحويون اللّهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك
والمعنى إنهم لم يحصلوا عند الهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين
وقوله جل وعز { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } آية
وهذا سؤال توبيخ وتقرير
فأما قوله تعالى { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } فمعناه أنه لا يسأل سؤال استعلام واللّه أعلم
وقوله جل وعز { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون } آية
قال عبيد بن عمير يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة
قال عمرو بن دينار إن الميزان له كفتان
وقوله جل وعز { ولقد مكناكم في الأرض } ( آية )
أي ملكناكم
{ وجعلنا لكم فيها معايش }
أي ما تعيشون به
ويجوز أن يكون المعنى ما تتوصلون به إلى المعيشة
وقوله جل وعز { ولقد خلقنا
ثم صورنا
ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } آية
في هذه الآية أقوال
قال الأخفش وهو أحد قول قط
ثم ههنا بمعنى الواو
وهذا القول خطأ على مذهب أهل النظر من النحويين ولا يجوز أن تك
ثم بمعنى الواو لاختلاف معنييهما
وق
ثم للإخبار
وقيل { ولقد خلقناكم } يعني في ظهر آدم صلى اللّه عليه وسلم
ثم صورناكم } أي في الأرحام هذا صحيح عن ابن عباس
{ ولقد خلقناكم } يعني ابن آدم وقد علم جل وعز أنه يخلق ذريته فهو بمنزلة ما خلق
وقال مجاهد رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح معنى { ولقد خلقنا
ثم صورناكم } في ظهر آدم
قال أبو جعفر وهذا أحسن الأقوال يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آ
ثم صورهم حين أخذ عليهم الميث
ثم كان السجود لآدم بعد
ويقوي هذا { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم }
والحديث أنه أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق
قال الزجاج المعنى خلقنا آدم من تر
ثم صورناه قال ويدل عليه { خلقه من تر
ثم قال له كن فيكون } فالتقدير خلقنا أصلكم
وقيل المعنى خلقناكم نط
ثم صورناكم
ثم قال جل وعز { فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين } آية
قيل استثنى إبليس من الملائكة وليس منهم لأنه أمر بالسجود معهم قال جل وعز { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك }
وقيل إنه كان منهم
قال أبو جعفر وقد استقصينا هذا في سورة البقرة
وقوله جل وعز قال { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } آية
هذا سؤال توبيخ وتقرير لأنه قد علم جل وعز ذلك ولا زائدة للتوكيد كما قال
فما ألوم البيض أن لا تسخرا لما رأينا الشمط القفندرا
فجاء بجواب لغير ما سئل عنه فقال { أنا خير منه } ولم يقل منعني كذا و إنما هو جواب من قيل له أيكما خير ولكنه محمول على المعنى كأنه قال منعني فضلي عليه
وقوله جل وعز { قال أنظرني إلى يوم يبعثون } آية
أي أخرني فلم يجب إلى هذا بعينه فأجيب إلى النظرة إلى يوم الوقت المعلوم
وقوله جل وعز { قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم } آية
قيل معناه فبما أضللتني
وقيل معناه خيبتن
وقيل أي فبما دعوتني إلى شيء ضللت من أجله واللّه أعلم بالمراد
قال مجاهد معنى { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } لأقعدن لهم على الحق
والصراط في اللغة الطريق والمعنى على صرا
ثم حذف على فتعدى الفعل
وقوله عز و
ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم { آية }
روى سفيان عن منصور عن الحكم بن عتيبة قال ح
{ من بين أيديهم } من دنياهم { ومن خلفهم } من آخرتهم { وعن أيمانهم } يعني حسناتهم { وعن شمائلهم } يعني سيئاتهم
وهذا قول حسن وشرطه أن معنى { لآتينهم من بين أيديهم } من دنياهم حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة
{ ومن خلفهم } من آخرتهم حتى يكذبوا بها
{ وعن أيمانهم } من حسناتهم وأمور دينهم
ويدل على هذا قوله تعالى { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } و { وعن شمائلهم } يعني سيئاتهم أي يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم
وقيل
{ ثم لآتينهم من بين أيديهم } من آخرتهم
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
{ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم }
أما قوله تعالى { من بين أيديهم } فيقول أشككهم في
آخرتهم { ومن خلفهم } أرغبهم في دنياهم { وعن أيمانهم } أشبه عليهم أمر دينهم { وعن شمائلهم } أشهي لهم المعاصي { ولا تجد أكثرهم شاكرين } يقول موحدين
وبهذا الإسناد { من بين أيديهم } يعني من الدنيا { ومن خلفهم } من الآخرة { وعن أيمانهم } قبل حسناتهم { وعن شمائلهم } من قبل سيئاتهم
قال أبو جعفر وذلك القول لا يمتنع لأن الآخرة لم تأت بعد فهي بين أيدينا وهي تكون بعد موتنا فمن هذه الجهة يقال هي خلفنا
وقيل معنى { ومن خلفهم } يخوفهم على تركاتهم ومن يخلفون بعدهم
وقيل معنى { وعن أيمانهم وعن شمائلهم } من كل جهة يعملون منها ويكون تمثيلا لأن أكثر التصرف باليدين قال اللّه عز وجل { ذلك بما قدمت يداك }
وقال مجاهد { من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم } من الحسنات { ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } من السيئات
وقوله جل وعز { قال اخرج منها مذؤوما مدحورا } آية
يقال ذأمته وذمته وذممته بمعنى واحد
وقرأ الأعمش{ منوما } والمعنى واحد إلا أنه خفف الهمزة
وقال مجاهد المذؤم المنفي والمعنيان متقاربان
والمدحور المطرود المبعد يقال اللّهم ادحر عنا الشيطان
وقوله جل وعز { ولا تقربا هذه الشجرة } آية
روي عن ابن عباس أنها السنبلة
وقوله جل وعز { ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما } آية
أي ليظهر لهما ما ستر عنهما من فروجهما ومن هذا تواريت من فلان
وقرأ الضحاك ويحيى بن أبي كثير{ ما أوري عنهما }
وقوله جل وعز { إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } آية
وأكثر الناس على فتح اللام وقال من احتج بكسر اللام قوله جل وعز { وملك لا يبلى } يدل على القراءة ملكين لأن ملكا من ملك
وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال لم يكن قبل
آدم صلى اللّه عليه وسلم ملك فيصيرا ملكين
ثم قال جل وعز { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } آية
أقسم لهما مثل طارقت النعل
وقيل حلفا أن لا يقبلا منه إلا أن يحلف فحلف لهما
وقوله جل وعز { فدلاهما بغرور } آية
المعنى فدلاهما في المعصية
ثم قال جل وعز { فلما ذاقا الشجرة } آية
وهذا يدل على أنهما لم يمعنا في الأكل
وقوله جل وعز { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } آية
أي أخذ يلزقان ومنه خصفت النعل أي رقعتها
قال ابن عباس وهو ورق التين أخذاه فجعلاه على سوءاتهما
والفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس أن إبليس أقام على الذنب وتاب آدم ورجع
قال اللّه جل وعز { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }
وقوله جل وعز { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } آية
قال مجاهد كان قوم من العرب يطوفون بالبيت عراة فأنزل اللّه عز وجل { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا }
قال مجاهد الريش المال
وقال الكسائي الريش اللباس
وقال أبو عبيدة الريش والرياش ما ظهر من اللباس والشارة
والريش عند أكثر أهل اللغة ما ستر من لباس أو معيشة وأنشد سيبوية
فريشي منكم وهواي معكم وإن كانت زيارتكم لماما
وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة وهبت له دابة بريشها أي بكسوتها وما عليها من اللباس
قال الفراء يكون الرياش جمعا للريش وبمعناه أيضا مثل لبس ولباس
ثم قال جل وعز { ولباس التقوى ذلك خير } آية
أي لباس التقوى خير من الثياب لأن الفاجر وإن لبس الثياب فهو دنس
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهيني قال { ولباس التقوى } الحياء
وقرأ الأعمش { ولباس التقوى ذلك خير } ولم يقرأ { ذلك }
وقوله جل وعز { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } آية
قبيله جنوده
قال مجاهد يعني الجن والشياطين
وقوله جل وعز { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا } آية
قال مجاهد كانت النساء تطوف بالبيت عراة عليهن الرهاط
وقال الرهاط جمع رهط خرقة من صوف أو سيور كذا قال الفراء
فهذه الفاحشة الذي قالوا { وجدنا عليها آباءنا }
وقال غيره كان الرجال يطوفون نهارا عراة والنساء بالليل ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا اللّه فيها
وقوله جل وعز { قل أمر ربي بالقسط } آية
أي بالعدل { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد }
قال مجاهد أي استقبلوا القبلة أينما كنتم ولو كنتم في كنيسة
وقال غيره معناه إذا أدركتكم الصلاة في مسجد فصلوا ولا يقل أحدكم لا أصلي إلا في مسجدي
ثم قال جل وعز { كما بدأكم تعودون } آية ح
قال مجاهد من بدىء سعيدا عاد سعيدا ومن بدىء شقيا عاد شقيا
وقال محمد بن كعب يختم للمرء بما بدىء به ألا ترى أن السحرة كانوا كفا
ثم ختم لهم بالسعادة وأن إبليس كان مع الملائكة مؤم
ثم عاد إلى ما بدىء به
وقوله جل وعز { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } آية
قال عطاء وطاووس والضحاك يعني اللباس لأن قوما من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وهو مذهب مجاهد
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت مسلم البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فنزلت { خذوا زينتكم عند كل مسجد }
قال الزهري كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس قريشا وأحلافها فقال اللّه جل وعز { خذوا زينتكم عند كل مسجد }
ثم قال جل وعز موبخا لهم { قل من حرم زينة اللّه التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } آية هو عام
وقيل أي من حرم لبس الثياب في الطواف ومن حرم ما حرموا من البحيرة وغيرها
قال الفراء إن قبائل من العرب كانوا لا يأكلون اللحم أيام حجهم ويطوفون عراة فأنزل اللّه جل وعز هذا
ثم قال جل وعز { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة } آية
قال الضحاك يشترك فيها المسلمون والمشركون في الدنيا وتخلص للمسلمين يوم القيامة
وقيل { في الحياة الدنيا } في الصلة أي آمنوا في ذا الوقت خالصة من الغم والتنغيص
وقوله جل وعز قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن { آية }
روى روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال { ما ظهر منها } نكاح الأمهات في
الجاهلية { وما بطن } الزنا
وقال قتادة سرها وعلانيتها
ثم قال جل وعز { والإثم } آية
وقال في موضع آخر { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } فدل بهاتين الآيتين على أن الخمر والميسر حرام
وقوله جل وعز { ولكل أمة أجل } آية أي وقت مؤقت
{ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة }
المعنى لا يستأخرون ساعة ولا أقل من ساعة إلا أن الساعة خصت بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات
وقوله عز وجل { فمن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا أو كذب بآياته } آية
المعنى أي ظلم أشنع من الافتراء على اللّه والتكذيب بآياته
ثم قال جل وعز { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } آية
روى جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال ما قدر لهم من خير وشر
وروى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } قال من الشقوة والسعادة
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ما وعدوا فيه من خير وشر
ومعنى هذا القول أنهم ينالهم نصيبهم من العذاب على قدر
كفرهم نحو قوله { إن اللّه لا يغفر أن يشرك به } و { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }
وقال جل وعز { يسلكه عذابا صعدا }
وكذلك قال الضحاك معناه ينالهم نصيبهم من العذاب
ثم قال جل وعز { حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم } آية
قيل أعوان ملك الموت لما جاءوهم أقروا أنهم كانوا كافرين
وقيل ملائكة العذاب
ومعنى { يتوفونهم } على هذا يتوفونهم عذابا كما تقول قتلته بالعذاب
ويجوز أن يكون من استيفاء العدد
وقوله جل وعز { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم } آية
قيل معنى في معنى مع وهذا لا يمتنع لأن قولك زيد في القوم معناه مع القوم وتجوز أن تكون في على بابها
وقال الأصمعي في قول امرىء القيس
وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
معنى في معنى مع
وقوله جل وعز { حتى إذا اداركوا فيها } آية
أي تتابعوا واجتعوا
{ قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا }
المعنى قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلون { لأولاهم } أي يعني أولاهم
وقوله جل وعز { قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون } آية
يجوز أن يكون المعنى ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب
ويجوز أن يكون المعنى لا تعلمون أيها المخاطبون
ومن قرأ { ولكن لا يعلمون } فمعناه عنده ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر
وقوله جل وعز { وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل } آية
قال مجاهد أي من تخفيف العذاب
وقال السدي قد ضللتم كما ضللنا
وقوله جل وعز { لا تفتح لهم أبواب السماء } آية
قيل يعني ابواب الجنة لأن الجنة في السماء
وأحسن ما قيل في هذا ما رواه سفيان عن منصور عن مجاهد قال لا تفتح أبواب السماء لكلامهم ولا لعملهم ويدل على صحة هذا القول قوله جل وعز { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }
وفي هذا حديث مسند رواه المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إن العبد الكافر أو المنافق إذا خرجت نفسه أخذتها الملائكة حتى تنتهي إلى سماء الدنيا يفوح منها كأنتن ريح جيفة كانت على وجه الأرض فيستفتح له فلا يف
ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { لا تفتح لهم أبواب السماء } فيقول اللّه اجعلوا كتابه في سجين
وأعيدوه إلى الأرض فتطرح طر
ثم قرأ عليه السلام { ومن يشرك باللّه فكأنما خر من السماء }
ثم قال جل وعز { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } آية
والمعنى لا يدخلون الجنة ألبتة والعرب تستعمل أمثال هذا كثيرا
وسئل عبد اللّه بن مسعود عن الجمل فقال هو زوج الناقة
كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعا
ويروى عن ابن عباس أنه قرأ { حتى يلج الجمل } بضم الجيم وتشديد الميم وقال هو القلس من حبال السفن
وقال أحمد بن يحيى هي الحبال المجموعة جمع جملة
ي وروى عن سعيد بن جبير أنه قرا { حتى يلج الجمل } بضم الجيم وتخفيف الميم
قيل هو القلس أيضا
والسم و السم ثقب الإبرة وقرا ابن سيرين بضم السين
والخياط والمخيط الإبرة ونظيره قناع ومقنع
ثم قال جل وعز { وكذلك نجزي المجرمين } آية
يعني الكافرين لأنه قد تقدم ذكرهم
ثم قال جل وعز { لهم من جهنم مهاد } آية
أي فراش
{ ومن فوقهم غواش } أي غاشية فوق غاشية من العذاب
{ وكذلك نجزي الظالمين } قيل يعني الكفار واللّه أعلم
وقوله جل وعز { ونزعنا ما في صدورهم من غل } آية
الغل في اللغة الحقد المعنى إن بعضهم لا يحقد على بعض بما كان بينه وبينه في الدنيا
ويجوز أن يكون المعنى أنه لا يحسد بعضهم على علو المرتبة
ويدل على أن القول هو الأول أنه روي عن علي بن أبي طالب رحمة اللّه عليه أنه قال أرجو أن ألون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال اللّه فيهم { ونزعنا ما في صدورهم من غل }
وقوله جل وعز { وقالوا الحمد للّه الذي هدانا لهذا } آية
أي لما صيرنا إلى هذا
وقوله جل وعز { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } آية
ويجوز أن يكون المعنى بأنه تلكم الجنة
ويجوز أن تكون أن مفسرة للنداء
والبصريون يعتبرونها بأي والكوفيون يعتبرونها بالقول والمعنى واحد كأنه ونودوا قيل لهم تلكم الجنة أي هذه تلكم الجنة التي وعدتموها في الدنيا
ويجوز ان يكون لما راوها قيل لهم قبل أن يدخلوها { تلكم الجنة }
والقول في معنى { أن قد وجدنا } و { أن لعنة اللّه على الظالمين } على ما قلنا في { أن تلكم الجنة }
وقوله جل وعز { يعرفون كلا بسيماهم } آية
قال قتادة يعرف أهل الجنة ببياض وجوههم وأهل النار
بسواد وجوههم
ثم قال جل وعز { لم يدخلوها وهم يطمعون } آية
قال أكثر أهل التفسير يعني أصحاب الأعراف
وقوله جل وعز { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم } آية
قال حذيفة أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فهم بين الجنة والن
ثم إن اللّه اطلع عليهم فرحمهم فقالوا { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون }
وروى عبيد اللّه بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال الأعراف الشيء المشرف
وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك
والأعراف في اللغة المكان المشرف جمع عرف
وقال أبو مجلز هم من الملائكة
قال والذين صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار أهل الجنة
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا مسلم بن خالد قال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في أصحاب الأعراف قال هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم على سور بين الجنة والنار وهم على طمع في دخول الجنة وهم داخلون
وقيل إن أصحاب الأعراف ملائكة بين الجنة والنار
قال أبو جعفر والقول الأول أشهر وأعرف
قال ابن عباس فقال اللّه جل وعز لهم { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون }
قال عبد اللّه بن الحارث وهم يدعون مساكين أهل الجنة
وقوله جل وعز { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } آية
قال مجاهد أي نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا
والمعنى فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل لقاء يومهم هذا
{ وما كانوا بآياتنا يجحدون } أي بجحودهم لآياتنا
وقوله جل وعز { هل ينظرون إلا تأويله } آية
قال مجاهد أي جزاءه
وقال قتادة أي عاقبتة
وهذا قول حسن ومعناه ما وعدوا فيه أنه كائن
ثم قال جل وعز { يوم يأتي تأويله } آية
يعني يوم القيامة
{ يقول الذين نسوه من قبل }
قال مجاهد أي أعرضوا عنه
وقوله جل وعز { إن ربكم اللّه الذي خلق السماوات والأرض في ستة أي
ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار } آية
المعنى يغشي الليل النهار ويغشي النهار الل
ثم حذف لعلم السامع
أي يدخل هذا في هذا وهذا في هذا
وقوله جل وعز { ألا له الخلق والأمر } آية
ففرق بين الشيء المخلوق وين والأمر وهو كلامه فدل على
أن كلامه غير مخلوق وهو قوله كن
وقيل هو مثل قوله جل ثناؤه { فيهما فاكهة ونخل ورمان }
وقيل المعنى وتصرف الأ
ثم حذف
وقوله جل وعز { ادعوا ربكم تضرعا } آية
أي مستكينين متعبدين { وخفية } أي وأخفوا العبادة لأن الدعاء عبادة
ثم قال تعالى { إنه لا يحب المعتدين } آية
قال قتادة فدل هذا على أن من الدعاء ما فيه اعتداء أي فلا تعتدوا في الدعاء
وقوله جل وعز { وادعوه خوفا وطمعا } آية
والمعنى خوفا منه ورجاء لما عنده
وقوله تعالى { وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته } آية
نشر جمع نشور يقال ريح نشور إذا أتت من ههنا وههنا وقيل نشر مصدر
ومن قرأ { نشرا } بضم النون وإسكان الشين فإلى هذا المعنى يذهب عند البصريين
وأما الفراء فزعم أنها لغة بمعنى النشر كما يقال خسف وخسف
ومن قرا { نشرا } فإنه يذهب إلى أن المعنى تنشر نشرا
ومن قرا { بشرا } فهو جمع بشير عنده مخففة وقد تكون جمع بشرة وقد يكون مصدرا مثل العمر وتقرا { بشرا } وبشرا
مصدر بشره يبشره بمعنى بشره
ومعنى { بين يدي رحمته } بين يدي المطر الذي هو من رحمته تعالى
ثم قال جل وعز { حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء } آية
{ حتى إذا أقلت سحابا ثقالا } أي حتى إذا حملت الريح سحابا ثقالا بالماء { سقناه } يعني السحاب { لبلد ميت فأنزلنا به الماء }
يجوز ان يكون المعنى فأنزلنا بالبلد الماء
ويجوز أن يكون المعنى فأنزلنا بالسحاب الماء { فأخرجنا به من كل الثمرات } أي بالماء ويجوز أن يكون المعنى بالبلد بالبلد
وقوله تعالى { كذلك نخرج الموتى } آية
قال مجاهد يبعث اللّه مطرا فيمطر فينبت الناس كما ينبت الزرع
ثم قال جل وعز { لعلكم تذكرون } آية
أي لتكونوا على رجاء من الاتعاظ بما تذكرون وتخبرون به
وقوله جل وعز { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا } آية
النكد في اللغة النزر القليل وهذا تمثيل
قال مجاهد يعني إن في بني آدم الطيب والخبيث
وقوله جل وعز { قال الملأ } آية
الرؤساء والأشراف أي المليئون بما يفوض إليهم
وقوله جل وعز { إنهم كانوا قوما عمين } آية
قال قتادة أي عن الحق
وقوله جل وعز { قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة } آية
السفاهة رقة الحلم والطيش يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا
ثم قال جل وعز جوابا لهم { قال يا قوم ليس بي سفاهة } آية
وهذا أدب في الاحتمال
وقوله جل وعز { وإ
ثمود أخاهم صالحا } آية
قيل إنما قال جل وعز { أخاهم } لأنه بشرا مثلهم من بنى آدم يفهمون عنه فهو أوكد عليهم في الحجة
وقيل إنما قال{ أخاهم } لأنه من عشيرتهم
وقوله جل وعز { قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة اللّه لكم آية } آية
يروى انها خرجت من صخرة صماء
وقوله جل وعز { وبوأكم في الأرض } آية
أي أنزلكم وقال الشاعر
وبوئت في صميم معشرها فنم في قومها مبوؤها
وقيل إنما كانوا ينحتون من الجبال بيوتا لطول أعمارهم لأن السقف والحيطان كانت تنهدم قبل فناء أعمارهم
ثم قال جل وعز { فاذكروا آلاء اللّه } آية
قال قتادة الآلاء النعم
وحكى ابو عبيدة واحدها ألى و إلى
وزاد غيره إلي
وقوله جل وعز { وعتوا عن أمر ربهم } ( آية ) أي تجاوزا في الكفر
وقوله جل وعز { فأخذتهم الرجفة } آية
الرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة
ثم قال تعالى { فأصبحوا في دارهم جاثمين } آية أي ساقطين على ركبهم ووجوهم
وأصل الجثوم للأرانب وما أشبهها والموضع مجثم قال الشاعر
بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وروى معمر عن عبد اللّه بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد اللّه انه قال لما مر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالحجر قال لا تسألوا الآيات فقد سالها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فأخذتهم الصيحة فأهمد اللّه من تحت السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم اللّه فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه
وقوله جل وعز { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } آية
دل بهذا على انه لم يتقدمهم أحد في اللواط ومعنى { إنهم أناس يتطهرون }
أي يتطهرون عن الفاحشة
وقوله جل وعز { فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين } آية
قال قتادة الباقين
والغابر عند أهل اللغة من الأضداد يقال لما بقي غابر ولما ذهب وغاب غابر
وقد قيل في الآية إن معناها { من الغابرين } عن النجاة
قيل من الباقين مع قوم لوط في الموضع الذي عذبوا فيه
و أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من المعمرين أي أنها قد هرمت
وقال حذيفه رفع جبريل صلى اللّه عليه وسلم مدينت
ثم قلبها فسمعت
امرأته الوجبة فالتفتت فأهلكت معهم
والأكثر في اللغة أن يكون الغابر الباقي قال الراجز
فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر
أي وما بقي
وقوله جل وعز { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } آية
البخس النقصان
ثم قال تعالى { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } آية أي بعد أن أصلحها اللّه بالأمر بالعدل وإرسال الرسل
وقوله جل وعز { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } آية
قال قتادة أي توعدون من أتى شعيبا وغشية وأراد الإسلام بالأذى
ويقال وعدته خيرا أو شرا فإذا قلت وعدته لم يكن إلا للخير وإذا قلت أوعدته لم يكن إلا للشر
ثم قال جل وعز { وتصدون عن سبيل اللّه من آمن به وتبغونها عوجا } آية
قال قتادة أي وتبغون السبيل عوجا عن الحق
والسبيل الطريق و المذهب
ثم قال جل وعز { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم } آية
يجوز أن يكونوا قليلي العدد ويجوز أن يكونوا فقراء فكثرهم بالغنى ويجوز أن يكونوا غير ذوي مقدرة
واللّه أعلم بما أراد إلا أنه ذكرهم نعمة من نعم اللّه جل وعز كما قال تعالى { فاذكروا آلاء اللّه }
وقوله جل وعز { قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا } آية
يقال كيف قالوا هذا لشعيب صلى اللّه عليه وسلم وهو نبي فعلى هذا جوابان
أحدهما أن يكون معنى { لتعودن } لتصيرن كما تقول عاد علي من فلان مكروه
والجواب الاخر أنهم لما خلطوا معه من آمن منهم جاز أن يقولوا { أو لتعودن في ملتنا } يعنون من آمن
{ قال أولو كنا كارهين } أي أنعود في ملتكم ولو كنا
كاره
وقوله { وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء اللّه ربنا } على التسليم للّه كما قال تعالى { وما توفيقي إلا باللّه }
والدليل على هذا أن بعده { وسع ربنا كل شيء علما على اللّه توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } قال قتادة أي اقض بيننا وبين قومنا بالحق
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى { فافتح بيني وبينهم فتحا } قال معناه النصر
وقوله جل وعز { كأن لم يغنوا فيها } آية
قال قتادة أي كأن لم يعيشوا ولم يتنعموا
قال الأصمعي يقال غنينا بمكان كذا أي أقمنا فيه والمنازل يقال لها المغاني
ومعنى { فكيف آسى } فكيف أحزن والأسى اشد الحزن
وقوله جل وعز { وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء } آية
قال مرة عن ابن مسعود الباساء الفقر والضراء المرض
وقيل البأساء المصائب في المال يقال بئس الرجل يبأس بأسا وبأساء إذا افتقر
والضراء ما لحق من الأمراض والمصائب في البدن
{ لعلهم يضرعون } أي يخضعون ويستكينون
وقوله تعالى
{ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } آية
قال مجاهد السيئة الشر والحسنة الرخاء والولد
ثم قال جل وعز { حتى عفوا } آية
قال مجاهد أي كثرت أموالهم وأولادهم
وذلك معروف في اللغة ومنه الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أعفوا اللحى أي كثروها
ثم خبر جل وعز عنهم أنهم لم يعتبروا بما أصابهم وقالوا إن العادة في الزمان الخير والشر فقال تعالى { وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة } آية
أي فجأة
وقوله جل وعز { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا } آية
يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء إذا جمعته
والبركات التي تأتي من السماء المطر والتي تأتي من الأرض النبات
وقوله جل وعز { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون } آية
أي أفأمن من كذب محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيهم باسنا { بياتا } أي ليلا
وقوله جل وعز { أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون } آية
ومعنى { وهم يلعبون } أي وهم فيما لا يجدي عليهم
يقال لكل من كان فيما يضره ولا يجدي عليه لاعب
ثم قال جل وعز { أفأمنوا مكر اللّه } آية
أي عذابه إذا وقع بهم ولم يعلموا أنه واقع بهم
وقوله جل وعز { أولم يهد للذين يرثون الأرض } آية
قال مجاهد أي أو لم يبين ومعنى { يهد } بالياء يتضح ويبين
وقوله جل وعز { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } آية
قال مجاهد هذا مثل قوله تعالى { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه }
وقال غيره هذا مخصوص به أقوام بأعيانهم خبر اللّه جل وعلا أنهم لا يؤمنون
وأما قول من قال معنى { فما كانوا ليؤمنوا } ليحكم لهم بالإيمان فلا يصح في اللغة ويدل على بطلانه أن بعده { كذلك يطبع اللّه على قلوب الكافرين } فدل بهذا على أنه قد طبع على قلوبهم هذا قول أبي إسحاق جزاء بما عملوا
وقوله جل وعز { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } آية
من زائدة وهي تدل على معنى الجنس ولولا من
لجاز أن يتوهم أنه واحد في المعنى
قال أبو عبيدة المعنى وما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا وفاء
وقوله جل وعز { فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } آية
اصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه فلما كفروا بها جعلوا موضع ما يجب من الإيمان الكفر فقيل { فظلموا بها } بمعنى كفروا بها
وقوله جل وعز { حقيق على أن لا أقول على اللّه إلا الحق } آية
قال أبو عبيدة أي حريص
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه اللّه وهي قراءة عبد اللّه{ حقيق أن لا أقول } وهذا يدل على التخفيف لأن حروف الجر
تحذف مع أن
وقال الكسائي هي في قراءة عبد اللّه{ حقيق بأن لا أقول على اللّه إلا الحق }
قال الفراء معنى { على أن لا } و{ بأن لا } واحد كما يقال جاء فلان على حال حسنة وبحال حسنة
ومن قرأ { حقيق على أن لا أقول على اللّه إلا الحق } فإن معناه عنده واجب علي
وقوله جل وعز { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين } آية
الثعبان الحية الذكر ومعنى { ونزع يده } أظهرها
قال مجاهد أخرجها من جيبه بيضاء من غير برص
ويروى أن موسى صلى اللّه عليه وسلم كان آدم اللون فلما أخرج يده بيضاء كان ذلك آية
وقوله جل وعز { قال الملأ من قوم فرعون } آية
الملأ عند أكثر أهل اللغة الأشراف وفي الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه عز وجل قال يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى
وقال بعض أهل اللغة الملأ الرهط والنفر الرجال الذين لا نساء معهم
وقوله جل وعز { قالوا أرجه وأخاه } آية
قال قتادة أي احبسه
والمعروف عند أهل اللغة أن يقال ارجأت الأمر إذا أخرته
ومن قرأ { أرجه وأخاه } ففي قراءته قولان
أصحهما أنها لغة وإن كانت ليست مشهورة
والقول الاخر حكي عن أبي العباس قال هو من رجا يرجو أي اتركه يرجو
وقوله جل وعز { واسترهبوهم } آية
أي استدعوا منهم الرهبة
وقوله جل وعز { فإذا هي تلقف ما يأفكون } آية
ومعنى { تلقف } تلتهم
قال أبو حاتم وبلغني في بعض القراءات{ تلقم } بالميم والتشديد
وقال خارجة قرأ الحسن{ تلقم } بفتح القاف
قال مجاهد معنى { ما يأفكون } ما يكذبون أي به وكذبهم أنهم يجعلون الحبال حيات
ويجوز أن يكون { فماذا تأمرون } جوابا من فرعون للملأ حين قالوا { إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم } فقال فرعون { فماذا تأمرون }
ويجوز ان يكون الملأ قالواهذا لفرعون ومن يخصه
قال مجاهد معنى { فوقع الحق } فظهر
ومعنى { أفرغ علينا صبرا } أنزل علينا صبرا يشملنا
وقوله جل وعز { ويذرك وآلهتك } آية
وقرأ ابن عباس{ إلاهتك } وقال معناه وعبادتك
لأن فرعون كان يعبد ولا يعبد
وقال من احتج لهذه القراءة الدليل على أنه كان يعبد ولا يعبد أنه قال { ما علمت لكم من إله غيري }
ومن قرأ { وآلهتك } فإنه يذهب إلى جهتين
إحداهما أنه يعني بالآلهة ههنا من كان يطيعه فرعون كما قيل في قول اللّه تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه } أنهم ماعبدوهم ولكن أطاعوهم فصار تمثيلا
والجهة الأخرى أن سليمان التيمي قال بلغني أن فرعون كان يعبد البقر
قال التيمي فقلت للحسن هل كان فرعون يعبد شئيا فقال نعم إن كان ليعبد شيئا قد جعله اللّه في عنقه
وقال إسماعيل قول فرعون { أنا ربكم الأعلى } يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره
وقد يكون معنى { وآلهتك } أنها آلهة يأمرهم بعبادتها
وقوله جل وعز { قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } آية
قال مجاهد أي من قبل أن ترسل إلينا
وقال غيره الأذى الذي لحقهم من قبل أن يرسل إليهم قتل أبنائهم والأذى الذي لحقهم بعد أن فرعون قال { سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم }
وقوله جل وعز { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } آية
قال مجاهد أي بالجوائح
وهذا معروف في اللغة أن يقال أصابتهم سنة أي جدب وتقديره سنة ج
ثم حذف
ثم قال جل وعز { ونقص من الثمرات } آية
قال مجاهد أي دون ذلك
ثم قال جل وعز { لعلهم يذكرون } آية
أي يعتبرون بما أصابهم
ثم قال جل وعز { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه } آية
قال مجاهد الحسنة ههنا العافية والرخاء { لنا هذه } أي بحق أصابتنا
وقال غير مجاهد أي كذا العادة أن يصيبنا الخير
ثم قال جل وعز { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } آية
قال مجاهد السيئة ههنا البلاء ومعنى { يطيروا } يتشاءموا
ثم قال جل وعز { ألا إنما طائرهم عند اللّه } آية
قال مجاهد { ألا إنما طائرهم عند اللّه } أي إنما الشؤم فيما يلحقهم يوم القيامة مما وعدوا به من الشر
ثم قال جل وعز { ولكن أكثرهم لا يعلمون } آية
أي هم غافلون عن هذا
وقوله جل وعز { فأرسلنا عليهم الطوفان } آية
قال عطاء الطوفان الموت
وقال مجاهد هو الموت على كل حال
وقال قتادة سال عليهم الماء حتى قاموا قياما فسألوا موسى أن يدعو اللّه أن يكشفه ففعل
وقال الضحاك جاءهم من المطر شيئ كثير فسألوا موسى أن يدعو اللّه أن يكشفه عنهم ويرسلوا معه بني إسرائيل فدعا اللّه فكشفه عنهم وأمرعت البلاد وأخصبت فعادوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فصب اللّه على زرعهم الجراد فأكله فسألوا موسى فدعا اللّه فكشف ذلك عن
ثم عادوا
قال أبو جعفر الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل أي ما يطيف بهم فيهلكهم
قال مجاهد أرسل اللّه عليهم الجراد فأكل مساومير
أرتجتهم وثيابهم وأرسل عليهم القمل وهو الدبى فكان يدخل في ثيابهم وفرشهم
وقال عكرمة القمل الجنادب بنات الجراد
وقال حبيب بن أبي ثابت القمل الجعلان
والقمل عند أهل اللغة ضرب من القردان
قال أبو الحسن الأعرابي العدوي القمل دواب صغار من جنس القردان إلا أنها أصغر منه واحدتها قملة
وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير لأنه يجوز ان تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم وهي كلها تجتمع في أنها تؤذيهم
قال مجاهد كانوا يجدون الدم في ثيابهم وشرابهم وطعامهم
ومعنى { آيات مفصلات } بعضها منفصل عن بعض بين كل واحدة منهم مدة
يروى أنه بين الآية والآ
ثمانية أيام
وقوله جل وعز { ولما وقع عليهم الرجز } آية
وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد { الرجز }
قال مجاهد وهو العذاب
{ قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك } قال أبو عبيدة بما أوصاك وأعلمك
{ لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل } يروى أنهم كدوهم في العمل
قال مجاهد { إلى أجل هم بالغوه } إلى عدة مسماة من أيامهم { فأغرقناهم في اليم } وهو البحر
وقوله جل وعز { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } آية
القوم ههنا بنوإسرائيل وكان فيهم داود و سليمان عليهما السلام
قال قتادة التي بورك فيها الشام
وقيل مصر
ثم قال عز وجل { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا } آية
قيل يعني بالكلمة { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض }
قال مجاهد في قوله جل وعز { وما كانوا يعرشون }
آية قال يبنون البيوت والمساكن
ومعنى { يعكفون } يواظبون ويلازمون ومنه قيل اعتكف فلان
ومعنى { متبر } مهلك ومدمر ويقال تبرت الشيء إذا كسرته واسم ما انكسر منه التبر
وقوله جل وعز { قال أغير اللّه أبغيكم إلها } آية
معنى أبغي أطلب ومعنى { يسومونكم } يولونكم
وقوله جل وعز { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } آية
يجوز أن يكون المعنى وفي إنجائه بني إسرائيل نعمة
ويجوز أن يكون المعنى في سومكم بني إسرائيل سوء العذاب بلية عظيمة
وقوله جل وعز { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } آية
قال مجاهد الثلاثون ذو القعدة والعشر عشر من ذي الحجة
والفائدة في قوله { فتم ميقات ربه أربعين ليلة } أنه قد دل على أن العشر ليال وأنها ليست بساعات
وقيل هو توكيد
وقيل هو بمنزلة فذلك أي فليس بعدها شيء يذكر
وقوله جل وعز { ولما جاء موسى لميقاتنا } آية
أي للميقات الذي وقتناه له
{ وكلمه ربه } أي خصه بذلك
وقوله جل وعز { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } آية
قال قتادة دك بعضه بعضا
وقال عكرمة إنما هو { جعله دكاء } من الدكاوات والتقدير على هذه القراءة جعله أرضا دكاء وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا
قال عكرمة لما نظر اللّه جل وعز إلى الجبل صار صحراء ترابا
ثم قال جل وعز { وخر موسى صعقا } آية
قيل ميتا
وقال سعيد بن عروبة عن قتادة مغشيا عليه فلما افاق قال سبحانك إني تبت إليك
قال مجاهد أي تبت من أن أسألك الرؤيا { وأنا أول المؤمنين } أي أول من آمن أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات
لأن سؤاله كان في الدنيا
قال قتادة لما أخذ الألواح فراى فيها وصف أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم وتقريظهم فقال يا رب اجعلهم أمتي فقال تلك أمة أحمد فقال فاجعلني منهم قال إنك لن تدركهم وقال يا موسى { إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } فرضي موسى صلى اللّه عليه وسلم
وقوله جل وعز { وكتبنا له في الألواح من كل شيء } آية
قال سفيان أي من الحلال والحرام
ثم قال تعالى { موعظة وتفصيلا لكل شيء } آية
قال سعيد بن جبير أي تفصيلا لما أمروا به ونهوا عنه
ثم قال جل وعز { فخذها بقوة } آية
أي بقوة في دينك وحجتك وقيل بجد وعزم
ثم قال جل وعز { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } آية وكلها حسنة
فقيل المعنى أنهم أمروا أن يأخذزا بما هو أحسن مما هو مطلق لهم وإن لن آتانا جعيعاء مطلقين نحو قوله تعالى { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } فهذا مباح والعفو أحسن
وقيل { بأحسنها } بالأحسن منها
وقيل أمروا بشيء وخبروا بما لهم فيه ونهوا عن شيء وخبروا بما عليهم فيه فقيل لهم خذوا بأحسنها
وقيل بالناسخ
ثم قال تعالى { سأريكم دار الفاسقين } آية
قال الحسن يعني جهنم
وقال مجاهد يعني مصيرهم في الآخرة
وقرأ قسامة بن زهير { سأريكم دار الفاسقين }
وقوله جل وعز { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } آية
قال سفيان بن عيينة أي أمنعهم من كتابي
قال أبو إسحاق المعنى سأجعل جزاءهم على كفرهم الإضلال عن هداية آياتي
وقل سأصرفهم عن نفعها
وقيل عن عزها
ومعنى { يتكبرون } يحقرون الناس ويرون أن لهم فضلا عليهم ويتكبرون عن الإيمان واتباع النبي صلى اللّه عليه وسلم
وقوله جل وعز { وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا } آية
ويقرأ { سبيل الرشد }
وقرأ عبد الرحمن المقرىء سبيل الرشاد
قال أبو عمرو بن العلاء الرشد الصلاح والرشد
في الدين
قال غيره الغي الضلال
وقوله جل وعز { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } آية
ويجوز أن يكونوا في تركهم الإيمان وتدبر الحق بمنزلة الغافلين
ويجوز أن يكون غافلين عما يجازون به كما يقال ما أغفل فلانا عما يراد به
وقوله جل وعز { واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار } آية
أي من بعد ما جاء للميقات
{ من حليهم } يقال لما حسن من الذهب والفضة حلي والجمع حلي وحلي { عجلا جسدا } أي عجلا
جثة أي لا يعقل ولا يميز
وقيل لم يكن له رأس إنما كان جسدا فقط { له خوار } أي صوت
قال مجاهد جمع الحلي فأخذ قبضة من أثر فرس جبريل صلى اللّه عليه وسلم فرماها عليه
وقوله جل وعز { ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا } آية
يقال للنادم المتحير سقط في يديه وأسقط
و يقرأ { ولما سقط في أيديهم } أي ولما سقط الندم
في ايديهم
وقوله جل وعز { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } آية
الأسف الشديد الغضب المغيظ ويكون الحزين
ومعنى { أعجلتم أمر ربكم } اسبقتم ولم تنتظروا أمره ونهيه
ثم قال جل وعز { وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه } آية
قال مجاهد كانت من زمردة خضراء
قال مجاهد في قوله { ولا تجعلني مع القوم الظالمين }
يعني الذين عبدوا العجل
وقوله جل وعز { قال رب اغفر لي ولأخي } آية
أي اغفر الغضب الذي القيت من أجله الألواح واغفر لأخي ما كان من مساهلته في بني إسرائيل إذ كان ذلك من خشية غضب موسى حين قال { إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي }
وقيل إنما استغفر لذنوب كانت قبل هذا الوقت لأن غضبه ايضا كان للّه جل وعز وهارون عليه السلام إنما أخر بني إسرائيل لئلا يتفرقوا ويتحاربوا
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لم يبق من الألواح إلا سدسها
وقوله جل وعز { إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم } آية
المعنى إن الذين اتخذوا العجل إلها حذف لعلم السامع
وقيل معنى وذلة في الحياة الدنيا إنها الجزية
وقيل هو ما أمروا به من أن يقتل بعضهم بعضا وما راوه من ضلالهم قال اللّه جل وعز { ورأوا أنهم قد ضلوا }
قال أبو جعفر وهذا القول أصح من الأول لأن الجزية لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذريتهم
وقوله جل وعز { ولما سكت عن موسى الغضب } آية
معناه سكن
قال أبو إسحاق يقال سكت يسكت سكتا إذا سكن وسكت يسكت سكوتا وسكتا إذا قطع الكلام
ومعنى { وفي نسختها } وفيما نسخ منها أي فيها هدى ورحمة
قال ابن كيسان { وفي نسختها } فيه قولان
أحدهما أنها جددت له في لوحين
وقيل فيما انتسخ منها وكانت قد تكسرت فذهب أكثرها وانتسخ ما قدر عليه منها وفي تلك النسخة { هدى } أي بيان { ورحمة } أي ما يدل على ما يوجب الرحمة ولهذا قال { هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون }
يجوز أن يكون معنى اللام معنى من أجل كما تقول أنا أكرم فلانا لك
ويجوز أن يكون المعنى رهبتهم لربهم
وقوله جل وعز { واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا } آية
أي ممن لم يعبدوا العجل والمعنى من قومه
ثم قال جل وعز { فلما أخذتهم الرجفة } آية
قال مجاهد أميت
ثم أحيوا
والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا
قال ابن عباس إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد
العجل ولم يرضوا عبادته
{ قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي } أي أمتهم كما قال تعالى { إن امرؤ هلك }
قال ابن كيسان أي لو شئت { أهلكتهم من قبل } لأنهم أذنبوا بأنهم لم ينهوا من عبد العجل
{ وإياي } بذنبي حين قتلت القبطي فقد رحمتنا ولم تهلكنا بذنوبنا نحن أفتهلكنا بذنوب السفهاء الذين عبدوا العجل وأنت متفضل علينا بالعفو قبل هذا
قال أبو جعفر حقيقة المعنى لست تهلكنا وألف الاستفهام تدل على هذا المعنى في كثير من المواضع كما تقول ما أنا أفعل مثل هذا أي لست أفعله
{ إن هي إلا فتنتك تضل بها } أي بالفتنة { من تشاء } أن تبتليه فتجعله عاصيا
وقوله عز وجل { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك } آية
قال مجاهد وأبو العالية وقتادة في قوله تعالى { إنا هدنا إليك } قالوا تبنا
ثم قال جل وعز { قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء } آية
قال الحسن وقتادة وسعت البر والفاجر في الدنيا وهي للتقي خاصة يوم القيامة
وقوله جل وعز { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } آية
روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال كتبها اللّه جل وعز لهذه الأمة
وقوله جل وعز { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } آية
الأمي الذي لا يكتب
وقيل نسب النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى أم القرى وهي مكة
{ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } فكان هذا من براهينه صلى اللّه عليه وسلم لأنه خبرهم بما في كتابهم
فيجوز أن يكون { يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر } بما هو مكتوب عندهم
ويجوز أن يكون مستأنفا
{ ويحل لهم الطيبات }
يجوز أن يكون الحلال
ويجوز أن يكون ما حرم عليهم من الطعام
{ ويحرم عليهم الخبائث } العرب تقول لكل حرام خبيث
{ ويضع عنهم إصرهم }
قال سعيد بن جبير الإصر شدة العبادة
وروي عن مجاهد فيه قولان
روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال كانوا قد شدد عليهم فس أشياء فمن أسلم وآمن بالنبي صلى اللّه عليه وسلم خفف عنه
وروى موسى بن قيس عنه أنه قال هي عهود كانت عليهم
والقولان متقاربان أي ما يثقل عليهم
وكذلك الأغلال التي كانت عليهم إنما هو تمثيل أي أشياء قد كلفوعا وضمنوها فهي بمنزلة الأغلال
ويروى أن أحدهم كان إذا أصاب جلده بول وجب عليه أن يقطعه وإذا قتل رجل رجلا لم يكن بد من قتله ولا تؤخذ منه دية
ثم قال جل وعز { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه } آية وقيل معنى { وعزروه } وعظموه
وقيل ومنعوا منه أعداء والمعاني متقاربة
{ واتبعوا النور الذي أنزل معه } بمنزلة النور في البيان
ثم قال { فآمنوا باللّه ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن باللّه وكلماته } آية
قال مجاهد معنى يؤمن باللّه وكلمته { يؤمن باللّه }
وبعيسى
وقال غيره الكلمة والكلام ح صهنا واحد
وقوله جل وعز { وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما } آية
الأسباط الفرق والواحد سبط والأسباط في ولد إسحاق صلى اللّه عليه وسلم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل صلى اللّه عليه وسلم
والأسباط مأخوذ من السبط وهو شجر تعلفه الإبل
ومعنى { فانبجست } فانفجرت
وقوله جل وعز { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } آية
أمره أن يسألهم سؤال توبيخ ليقررهم بما يعرفونه من عصيان آبائهم ويخبرهم بما لا يعرف إلا من كتاب أو وحي
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن إدريس قال نا
يونس قال أخبرنا ابن وهب وكذا أخبرني حيوة عن عقيل عن ابن شهاب قال القرية التي كانت حاضرة البحر طبرية والقرية التي قال فيها { واضرب لهم مثلا أصحاب القرية } إنطاكية
وعن ابن عباس { التي كانت حاضرة البحر } أيلة
ومعنى { يعدون } يعتدون ويجاوزون الحق
والشرع الظاهرة
وقرأ الحسن { يسبتون } أي يدخلون في السبت
مثل أهللنا ومن فتح الباء قال معناه يعظمون السبت
كما كانوا يعظمونه هذا قول الكلبي وأبي عبيدة
قال مجاهد كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت من غير أن يطلبوها ابتلاء من اللّه جل وعز لهم أي اختبارا
وقوله جل وعز { وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا } آية
معنى أو هاهنا لأحد الأمرين أي قد ظهر منهم ما سيلحقهم من أجله أحد هذين
{ قالوا معذرة إلى ربكم } أي موعظتنا معذرة أي إنما يجب علينا أن نأمرهم بالمعروف ولعلهم يرجعون بموعظتنا
{ فلما نسوا ما ذكروا به } أي تركوا { أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس }
قال ابن عباس ما أدري ما فعل بالفرقة التي لم تأمر ولم تنه
وقال غيره نجيت لأنها لم تشارك كالذين عصوا
قال مجاهد { بئيس } أليم شديد وهذا معروف في اللغة يقال بؤس فهو يبأس إذا اشتد
ومن قرأ بيس ففيه قولان
قال الكسائي الأصل فيه بئس خففت الهمزة فالتقت ياءان فحذفت إحداهما وكسر أوله كما يقال رغيف وشهيد
وقيل أراد بئس على فعل فكسر أوله وخففت الهمزة وحذفت الكسرة كما يقال رحم ورحم
قال أبوإسحاق بئيس أي شديد وقد بئس إذا افتقر وبؤس إذا اشتد
قال علي بن سليمان بيس رديء وليس بجار على
الفعل أنما هو كما يقال ناقة نضو والعرب تقول جاء ببنات بيس أي ببنات شيئ رديء
قال أبو جعفر وفيه قراءات سوى هاتين سنذكرها في الإعراب إن شاء اللّه
وقوله جل وعز { وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } آية
قال أهل التفسير معناه أعلم ربك
وهذا قول حسن لأنه يقال تعلم بمعنى أعلم وأنشد أبو إسحاق لزهير في مثل هذا
فقلت تعلم إن للصيد غرة فإن لا تضيعها فإنك قاتله
وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله جل وعز { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } قال يعني أخذ الجزية
فإن قيل فهم قد مسخوا فكيف تؤخذ منهم الجزية
فالجواب إنها تؤخذ من أبنائهم وقد مسخوا ولحق أولادهم الذل فهم أذل قوم وهم اليهود
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن محمد بن سلامة قال نا عيسى بن إسحاق الأنصاري قال نا يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير في قول اللّه تعالى { وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة } قال العرب { من يسومهم سوء العذاب } قال الخراج
وقيل عليهم على اليهود بين أنه كان أخبر بذلك
ثم قال جل وعز { وقطعناهم في الأرض أمما } آية
أي فرقناهم فرقا
وقوله جل وعز { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } آية أي واختبرناهم بالشدة والرخاء والخصب والجدب
وقوله جل وعز { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب } آية
قال مجاهد يعني النصارى
وقال غيره يعني أبنائهم
قال أبو جعفر وهذا أولى القولين واللّه أعلم لأنه يقال لولد الرجل خلفه يقال للواحد وللاثنين والجمع والمؤنث على لفظ واحد والجمع خلوف
وقيل إنما يستعمل للرديء من الأبناء
فأما الخلف بتحريك اللام فهو البدل من الشيء من ولد أوغيره
ثم قال جل وعز { يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا }
آية
قال ابن عباس رحمه اللّه يستقبلون الدنيا فيأكلونها ويتأولون كتاب اللّه هذا معنى قوله تعالى { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه }
قال مجاهد يأخذون في يومهم ما كان من حلال أو حرام وإن وجدوا ذلك لغد أخذوه
وقال غيره يأخذون الرشى في الحكم ويقولون سيغفر
لنا وهم لا يتوبون
ودل على انهم لا يتوبون قوله تعالى { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه }
والعرض في اللغة متاع الدنيا أجمع
والعرض بتسكين الراء ما كان من المال سوى الدنانير والدراهم وما كان من الدنانير والدراهم قيل له نقد وغيره
ومعنى { ودرسوا ما فيه } أي قد قرأوه وهم قريبو عهد بقراءته
ثم قال تعالى { والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين } آية
معنى { يمسكون بالكتاب } يتبعون ما فيه ويحكمون به
{ إنا لا نضيع أجر المصلحين } أي من أصلح منهم وآمن ولم يعاند
وقوله جل وعز { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } آية
يقال نتقت الشيء أنتقه نتقا ونتوقا إذا زعزعته ورميت به أو قطعته منه امرأة ناتق أي كثيرة الولد كأنها ترمي بالأولاد
ويقال نتقت السقاء إذا نقضته لتخرج ما فيه من الزبد
قال قتادة رفع الجبل على رؤوسهم وقال لهم موسى صلى اللّه عليه وسلم إن قبلتم ما في الكتاب وإلا سقط عليكم
ومعنى { بقوة } بجد
وقوله جل وعز { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } آية
أحسن ما قيل في هذا ما تواترت به الأخبار عن النبي صلى اللّه عليه وسلم
إن اللّه جل وعز مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق
فكأن يفهمهم ما أراد جل وعز كما قال تعالى { قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم }
وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة
أي على ابتداء أمره حين أخذ عليهم العهد
حدثنا أبو جعفر قال نا عبد اللّه بن إبراهيم المقرىء البغدادي بالرملة قال نا عباس الدوري قال نا عبداللّه بن موسى قال نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } إلى قوله { المبطلون } قال جمعهم فجعلهم أزوا
ثم صور
ثم استنطقهم فقال { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } إنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك و لا إله لنا غيرك قال فارسل إليكم رسلي وأنزل عليكم كتبي فلا تكذبوا رسلي وصدقوا وعيدي وإني سأنتقم ممن اشرك بي ولم يؤمن بي فأخذ عهدهم وميثاقهم وذكر الحديث
قال أبو جعفر ونذكر حديث عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذه الاية في الإعراب وغيره إن شاء اللّه
ثم قال جل وعز { قالوا بلى } آية
وهذا التمام على قراءة من قرأ { أن تقولوا } بالتاء
قال أبو حاتم وهي مذهبنا لقوله { ألست بربكم } يخاطبهم فقال على المخاطبة { أن تقولوا } أي لأن لا تقولوا
وقرأ بن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما { أن يقولوا } بالياء والمعنى على هذه القراءة وأشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا
وقوله جل وعز { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } آية
وروى شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد اللّه قال هو بلعام
وروى ابن أبي جريج عن عبد اللّه بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس قال هو بلعام بن باعر من بني إسرائيل
قال سعيد بن جبير كان معه اسم اللّه الأعظم فسألوه أن يدعوا اللّه على موسى عليه السلام واصحابه فقال أخروني وكان لا يدعو على أحد حتى يرى ذلك في نومه فبات فنهي في نومه فعادوا إليه وكان موسى صلى اللّه عليه وسلم قد جاءهم
ثمانين ألفا خلف الفرات فلما سألوه أن يدعو عليه بعدما نهي قال لهم أخرجوا إلى أصحابه النساء ليفتتنوا فتنتصروا عليهم فانسلخ مما كان فيه وكان قد أمر في نومه أن يدعو له
قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص رحمهما اللّه هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت
وقال عكرمة هو من كان من اليهود والنصارى لم يصح إسلامه
يذهب إلى أنهم منافقوا أهل الكتاب
وقال ابن عباس في قوله تعالى { فانسلخ منها } هو ما نزع منه من العلم
ثم قال جل وعز { فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين } آية
يقال اتبعه إذا أدركه وتبعه إذا سار في أثره هذا الجيد
وقيل هما لغتان
وقوله جل وعز { ولو شئنا لرفعناه بها } آية
قال مجاهد أي لرفعناه عنه ومعناه لعصمناه مما فعل
ثم قال جل وعز { ولكنه أخلد إلى الأرض } آية
قال مجاهد أي سكن والتقدير إلى نعيم الأرض ولذاتها
وقوله جل وعز { فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } آية
قال مجاهد أي إن تحمل عليه بدابتك أو رجلك يلهث أو تتركه يلهث وكذلك من يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه
وقال غير مجاهد هذا شر تمثيل في أنه قد غلب عليه هواه حتى صار لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بكلب لاهث أبدا حمل عليه أو لم يحمل عليه هو لا يملك ترك اللّهثان
وقوله جل وعز { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس } آية ح
أي خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس
يقال ذرا اللّه خلقه يذرؤهم ذرءا أي خلقهم
وقوله تعالى { أولئك كالأنعام } وصفهم بأنهم بمنزلة من لا يعقل
ثم قال جل وعز { بل هم أضل } آية لأن الأنعام إذا أبصرت مضارها اجتنبتها أو أكثرها ولا تكفر معاندة
وقوله جل وعز { وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها } آية
روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أن للّه تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة
وقال بعض أهل اللغة يجب على هذا أن لا يدعى اللّه عز وجل إلا بما وصف به نفسه فيقال يأجواد و لا يقال يا سخي
وقوله جل وعز { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } آية
قال ابن جريج اشتقوا العزى من العزيز واللات من اللّه
قال أبو جعفر والإلحاد في اللغة الجور والميل ومته لحد القبر لأنه ليس في الوسط إنما هو مائل في ناحيته
قال أبو جعفر وفرق الكسائي بين ألحد ولحد فقال ألحد عدل عن القصد ولحد ركن إلى الشيء
وعلى هذا قرأ في النحل { يلحدون } بفتح الياء بمعنى الركون
وقوله جل وعز { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } آية
يقال استدرج فلان فلانا إذا اتى بأمر يريد ليلقيه في هلكة
ولا يكون الاستدراج إلا حالا بعد حال ومنه فلان يدرج فلانا ومنه أدرجت الثوب
وقوله جل وعز { وأملي لهم إن كيدي متين } آية
ومعنى أملي أؤخر والملاوة القطعة من الدهر ويقال بالضم والكسر ومنه تمل حبيبك والمتين الشديد
وقوله جل وعز { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } آية
قال سفيان يعني خلق السموات والأرض
وقوله جل وعز { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } آية
قال قتادة أي متى قيامها
وقال غيره يقال رسى الشيء يرسو رسوا إذا ثبت وأرسيته أثبته
ثم قال جل وعز { قل إنما علمها عند ربي } آية ح
أي لا يعلم متى قيامها غلا اللّه
ثم قال جل وعز { لا يجليها لوقتها إلا هو } آية
يقال جلى لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه
ثم قال جل وعز { ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة } آية
أي خفي علمها وإذا خفي الشيء ثقل
وقيل أي ثقلت المسالة عنها أي عظمت
ثم قال جل وعز { لا تأتيكم إلا بغتة } آية
أي فجأة
وقوله جل وعز { يسألونك كأنك حفي عنها } آية ح
قال قتادة قالت قريش للنبي صلى اللّه عليه وسلم نحن أقرباؤك فأسر إلينا متى الساعة فأنزل اللّه جل وعز { يسألونك كأنك حفي عنها } أي حفي بهم
والمعنى على هذا التقديم والتأخير أي يسألونك عنها
كأنك حفي لهم أي فرح لسؤالهم
وهو معنى قول سعيد بن جبير أبي يسالونك كأنك حفي لهم
وقوله جل وعز { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } آية روي عن ابن عباس أنه قال لو أني أعلم سنة القحط والجدب لهيأت لها ما يكفيني
وقيل لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العبادة فيكون الخير ها هاهنا هن العبادة
وقيل إن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يسال عما في قلوب الناس وما يسرونه فقال { ولو كنت أعلم الغيب } أي ما يسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه لكان أحرى أن تجيبوني إلى ما أدعوكم
{ لاستكثرت من الخير } أي من إجابتكم إلى ما أدعوكم { وما مسني السوء } منكم بتكذيب أو عداوة إذ كنت عندكم كذلك
ودل على هذا الجواب { إن أنا إلا نذير } أي لست أعلم من الغيب إلا ما علمني اللّه
وقيل { ولو كنت أعلم الغيب } أي كتب اللّه
وقال الحسن { لاستكثرت من الخير } من الوحي
وقوله جل وعز { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } آية
يعني آدم صلى اللّه عليه وسلم { وجعل منها زوجها } يعني حواء { فلما تغشاها } كناية عن الجماع { حملت حملا خفيفا فمرت به }
قال الحسن أي فاستمرت به والمعنى أنها مرت به وجاءت لم يثقلها
وقرأ ابن يعمر { فمرت به } خفيف أي شكت في الحمل
روي عن ابن عباس رحمه اللّه فاستمرت به
قال أبو حاتم أي استمر بها الحمل فقلب الكلام كما يقال أدخلت الخف في رجلي { فلما أثقلت } أي استبان حملها { دعوا اللّه ربهما لئن آتيتنا صالحا }
قال الحسن أي غلاما
وقال ابو البختري خافا ان يكون بهيمة
ثم قال جل وعز { فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما } آية
روى خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال أنا أخرجتكما من الجنة فإن أطعتماني وإلا جعلت له قرنين فشق بطنك أو أخرجته ميتا فقضي أن يخرج مي
ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقضي أن يخرج مي
ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقالت له حواء فيم تريد ان أطيعك قال سميه عبد الحارث فسمته فقال اللّه جل وعز { جعلا له شركاء فيما آتاهما }
قال غيره يعني في التسمية خاصة وكان اسم إبليس الحارث
ثم قال تعالى { فتعالى اللّه عما يشركون } آية
أي عما يشرك الكفار ويدل على هذا { أيشركون ما لا يخلق شيئا } يعني الأصنام
وروي عن عكرمة أنه قال لم يخص بهذا آدم وحواء وحدهما والتقدير على هذا الجنس كله أي خلق كل واحد منكم { من نفس واحدة وجعل منها } أي من جنسها { زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها } على الجنس كله وكذا { دعوا } يراد به الجنسان الكافر
ثم حمل { فتعالى اللّه عما يشركون } على معنى الجميع فهذا أولى واللّه أعلم من أن ينسب إلى الأنبياء عليهم السلام مثل هذا
وقال بعض أهل النظر يراد به غير آدم وحواء وإنما ذكرا لأنهما أصل الناس
وقوله جل وعز { إن الذين تدعون من دون اللّه عباد أمثالكم } آية أي اللّه جل وعز يهلكهم كما يهلككم
وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ { إن الذين تدعون من دون اللّه عباد أمثالكم } و إن ها هنا بمعنى ما والمعنى ما الذين تدعون من دون اللّه عباد أمثالكم أي هم الأصنام والقراءة الأولى أكثر وأعرف والسواد عليها
وقوله جل وعز { إن وليي اللّه الذي نزل الكتاب } آية
قال الأخفش وقرىء{ إن ولي اللّه الذي نزل الكتاب } يعني جبريل صلى اللّه عليه وسلم
قال أبو جعفر هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أولى لقوله تعالى { وهو يتولى الصالحين }
وقوله جل وعز { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } آية
يعني الأصنام
قال الكسائي يقال داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت قريبة منها
وقوله جل وعز { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } آية
قال عطاء العفو الفضل
قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ما كان فضلا ولم يكن بتكلف
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال أنبأنا داود الضبي قال نا مسلم بن خالد عن ابن ابي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز { خذ العفو } قال خذ من أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس
قال الضحاك والسدي هذا قبل أن تفرض الصدقة وقد نسخته الزكاة
وقال وهب بن كيسان سمعت ابن الزبير رحمه اللّه يقول { خذ العفو } واللّه ما أمر أن يؤخذ إلا من أخلاق الناس واللّه لآخذنه منهم ما صحبتهم
ثم قال جل وعز { وأمر بالعرف } آية
والعرف المعروف
وقوله جل وعز { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } آية النزغ أدنى حركة
وقوله جل وعز { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا } آية
قال مجاهدالطيف الغضب
قال الكسائي الطيف اللمم والطائف كل ما طاف حول الإنسان
وقال أبو عمرو الطيف الوسوسة وحقيقته في اللغة من طاف يطيف إذا تخيل في القلب أو رؤي في النوم وهو طائف وطيف بمعناه
وقوله جل وعز { وإخوانهم يمدونهم في الغي } آية
أي يزيدونهم
وقوله جل وعز { وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها } آية
قال قتادة أي جئت بها من عند نفسك
وكذلك هو في اللغة يقال اجتبيت الشيء وارتجلته واخترعته واختلقته إذا جئت به من عند نفسك
وقوله جل وعز { ودون الجهر من القول بالغدو والآصال } آية
الآصال العشايا الواحد أصل وواحد أصل أصيل
وقوله جل وعز { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } آية
هذا عام يراد به الخاص
وقال إبراهيم النخعي وابن شهاب والحسن هذا في الصلاة
وقال عطاء هذا في الصلاة والخطبة
قال أبو جعفر القول الأولى أول لأن الخطبة يجب السكوت فيها إذا قرىء القرآن وإذا لم يقرأ
والدليل على صحة ما رواه إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال كانوا يتكلمون في الصلاة فأنزل اللّه جل وعز { وإذا قرئ القرآن } إلى آخرها
قال أبو جعفر ولم يختلف في معنى قوله تعالى { واذكر ربك في نفسك } أنه في الدعاء
وقال بعضهم في قوله جل وعز { فاستمعوا له وأنصتوا } كان هذا لرسول اللّه خاصة ليعيه عنه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه ( تمت سورة الأعراف )