مدنية وآياتها آية
قوله تعالى { الم }
اختلف أهل التفسير واهل اللغة في معنى { الم } وما أشبها قال فحدثنا عبد اللّه بن ابر اهيم البغدادي بالرمله قال حدثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي ابو عمرو قال حدثنا ابو نعيم قال حدثنا شريك عن عطاء عن ابي الضحى عن ابن عباس في قوله تعالى { الم } قال انا اللّه اعلم { الم } انا اللّه أرى { المص } انا اللّه أفصل
وروى ابو اليقظان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبيرمثله وشرح هذا القول ان الالف تؤدي عن معنى اعلم أنا واللام تؤدي عن أسم اللّه جل وعز والميم تؤدي عن معنى اعلم ورأيت ورأيت أبا اسحق يميل الى هذا القول ويقو أذهب إلى ان كل حرف منها يؤدي عن معنى
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا ابو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحه عن ابن عباس { المص } و { طه } و { طس } و { طسم } و { يس } و { ص } و { حم عسق } و { ق } و { ن والقلم } وأشباه هذا هو قسم أقسم اللّه به من وهن من أسماء اللّه تعالى
وروى ابن عليه عن خالد الحذاء عن عكرمة قال
{ الم } قسم
وحدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمه قال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن قتاده في قوله تعالى { الم } قال اسم من اسماء القرآن
وروي عن مجاهد قولان
قال أبو عبيد حدثنا ابو مهدي عن سفيان عن خصيف او غيره هكذا قال عن مجاهد قال في كله هي فواتح السور
والقول الاخر حدثنا به محمد بن جعفر الانباري قال حدثني محمد بن بحر قال حدثنا موسى عن شبل عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال { الم } اسم من اسماء القرآن
قال ابو العباس وهو اختياره روي عن بعض أهل السلف انه قال هي تنبيه
وقال أبو عبيده والأخفش هي افتتاح كلام
و قطرب يذهب الى انها جيء بها لانهم كانوا ينفرون عند استماع القرآن فلما سمعوا { الم } و { المص } استنكروا هذا اللفظ فلما أنصتوا له صلى اللّه عليه وسلم اقبل عليهم بالقرآن المؤلف ليثبت في أ سماعهم وآ ذانهم ويقيم الحجة عليهم
وقال الفراء المعنى هذه الحروف يا محمد ذلك الكتاب
وقال أبو إسحاق ولو كان كما قال لوجب ان يكون بعده أبدا { ذلك الكتاب } او ما أشبهه
وهذه الأقوال يقرب بعضها من بعض لانه يجوز ان تكون اسماء للسورة وفيها معنى التنبيه
فأما القسم فلا يجوز لعلة اوجبت ذلك من العربية وابين هذه الأقوال قول مجاهد الأول انها فواتح السور وكذلك قول من قال هي تنبيه وقول من قال هي افتتاح كلام ولم يشرحوا ذلك بأكثر من هذا لانه ليس من مذهب الأوائل وإنما باقي الكلام عنهم مجم
ثم تأوله أهل النظر على ما يوجبه المعنى ومعنى افتتاح كلام وتنبيه انها بمنزلة ها في التنبيه و يا في النداء واللّه تعالى اعلم بما أراد وقد توقف بعض العلماء عن الكلام فيها وأشكالها حتى قال الشعبي للّه تعالى في كل كتاب سر وسره في القرآن فواتح السور
وقال أبو حاتم لم نجد الحروف المقطعة في القرآن الا في أوائل السور ولا ندري ما أراد اللّه تعالى بها
ثم قال جل وعز { ذلك الكتاب لا ريب فيه }
روى خالد الحذاء عن عكرمة قال { ذلك الكتاب } هذا الكتاب وكذا قول ابي عبيده وأنكره ابو العباس قال لان ذلك لما بعد و ذا لما قرب فأن دخل واحد منهما على الاخر انقلب المعنى قال ولكن المعنى هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا
وقال الكسائي كان الاشاره الى القرآن الذي في السماء والقول من السماء والكتاب والرسول في الارض فقال ذلك الكتاب يا محمد
قال ابن كيسان وهذا حسن قال الفراء يكون كقولك للرجل وهو يحدثك ذلك واللّه الحق فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب
والمعنى عنده ذلك الكتاب الذي سمعت به
وقيل { كتاب } لما جمع فيه يقال كتبت الشيء أي جمعته والكتب الخرز وكتبت البغله منه ايضا والكتيبة الفرقة المجتمع بعضها الى بعض
ثم قال تعالى { لا ريب فيه } قال قتاده لاشك فيه وكذا هو عند أهل اللغة
قال ابو العباس يقال رابني الشيء اذا تبينت فيه الريبة وأرابني إذا لم أتبينها منه
وقال غيره أراب في نفسه وراب غيره كما قال الشاعر
وقد رابني قولها يا هنا ه ويحك ألحقت شرا بشر
ومنه دع ما يريبك الى ما لا يريبك ومنه { ريب المنون } أي حوادث الدهر وما يستراب به
وأ خبر تعالى انه { لا ريب فيه}
ثم قال بعد { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا }
فالقول في هذا المعنى وان كنتم في قولكم في ريب وعلى زعمكم وان كنا قد أتيناكم بما لاريب فيه لانهم قالوا كما قال الذين من قبلهم { وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب }
ثم قال تعالى { هدى للمتقين } والهدى البيان والبصيرة
ثم قال تعالى { للمتقين } أي الذين يتقون ما نهوا عنه والتقوى أصلها من التوقي وهو التستر من ان يصيبه ما يهلك به
ثم قال تعالى { الذين يؤمنون بالغيب } اصل الإيمان التصديق ومنه قوله تعالى { وما أنت بمؤمن لنا } يقال آمنت بكذا أي صدقت به فإذا قلت مؤمن فمعناه مصدق باللّه تعالى لا غير ويجوز ان يكون مأخوذا من الأمان أي يؤمن نفسه بتصديقه وعمله واللّه المؤمن أي يؤمن مطيعه من عذابه
وروى شيبان عن قتاده { الذين يؤمنون بالغيب } أي آمنوا بالبعث والحساب والجنة والنار فصدقوا بموعد اله تعالى
قال ابو رزين في قوله تعالى { وما هو على الغيب بضنين } يعني القرآن
قال ابن كيسان وقيل { يؤمنون بالغيب } أي القدر والغيب في اللغة ما اطمأن من الارض ونزل عما حوله يستتر فيه من دخله
وقيل كل شيء مستتر غيب وكذلك المصدر
ثم قال تعالى { ويقيمون الصلاة } أي يؤدون الصلاة المفروضة تقول العرب قامت السوق و أقمتها أي أدمتها ولم أعطلها وفلان يقوم بعمله منه ومعنى إقامة الصلاة إدامتها في أوقاتها وترك التفريط في أداء ما فيها من الركوع والسجود
وقيل الصلاة مشتقة من الصلوين وهما عرقان في الردف ينحيان في الصلاة
وقيل الصلاة الدعاء فيها معروف قال الأعشى
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب ابي ألا وصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فا اغتمضي نوما فان لجنب المرء مضطجعا
والصلاة من اللّه تعالى الرحمه ومن الملائكة الدعاء ومن الناس تكون الدعاء والصلاة المعروفة
ثم قال تعالى { ومما رزقناهم ينفقون } أي يتصدقون ويزكون كما قال تعالى { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين }
قال الضحاك كانت النفقة قربانا يتقربون بها الى اللّه تعالى على قدر جدتهم حتى نزلت فرائض الصدقات والناسخات في براءه
ثم قال تعالى { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } أي لا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كما فعله اليهود والنصارى
ثم قال تعالى { وبالآخرة هم يوقنون } سميت آخره لانها بعد اولى وقيل لتأخرها من الناس وجمعها أواخر
ثم قال تعالى { أولئك على هدى من ربهم }
روى إبراهيم بن سعيد عن محمد بن إسحاق قال على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم من عند اللّ
ثم قال تعالى { وأولئك هم المفلحون } قال ابن إسحاق أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا واصل الفلاح في اللغة البقاء وقيل للمؤمن مفلح لبقائه في الجنة
وقال عبيد افلح بما شئت فقد يدرك بالضعف وقد يخدع الأريب أي ابق بما شئت من كيس وح
ثم اتسع في ذلك حتى قيل لكل من نال شيئا من الخير مفلح
ثم قال تعالى { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } هم الكفار الذين ثبت في علم اللّه تعالى انهم كفار وهو لفظ عام يراد به الخاص كما قال تعالى { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون
ثم قال جل وعز { ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد }
وقال تعالى { إنك لا تهدي من أحببت ولكن اللّه يهدي من يشاء }
ثم قال تعالى { ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم } أي طبع اللّه على قلوبهم وعلى أسماعهم وغطى عليها على جهة الجزاء بكفرهم وصدهم الناس عن دين اللّه وهؤلاء الكفار هم الذين سبق في علمه من انهم لا يؤمنون ويكون مثل قولهم أهلكه المال وهب المال بعقله أي هلك فيه وبسبه فهو كقوله { فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى } فان ذلك من اللّه عن فعلهم في أمره
ثم قال تعالى { وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم } قال سيبويه غشاوة أي غطاء
ثم قال تعالى { ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر } روى اسماعيل السدي عن ابن عباس قال هم المنافقون
قال آهل اللغة النفاق مأخوذ من نافقأء اليربوع وهو حجر يخرج منه اليربوع اذا اخذ عليه الجحر الذي يدخل فيه
فقيل منافق لانه يدخل الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعق
ثم قال تعالى { وما هم بمؤمنين }
فنفى عنهم الأيمان لانهم لا اعتقاد لهم ولا عمل
ثم قال تعالى { يخادعون اللّه والذين آمنوا }
المخادعة في اللغة إظهار خلاف الاعتقاد وتسمى التقية خداعا وهو يكون من واحد
قال ابن كيسان لان فيه معنى راوغت كأنه قابل شيئا بشيء
ثم قال تعالى { وما يخدعون إلا أنفسهم }
أي ان عقوبة ذلك ترجع عليهم
وفرق أهل اللغة بين خادع وخدع فقالوا خادع أي قصد الخدع وان لم يكن خدع وخدع معناه بلغ مراده
والاختيار عندهم يخادعون في الاولى لانه غير واقع والاختيار في الثاني يخدعون لانه اخبر تعالى انه واقع بهم لما يطلع عليه من أخبارهم فعاد ما ستروه وأظهروا غيره وبالا عليهم
وقال محمد بن يزيد يجوز في الثاني وما يخادعون أي بتلك المخادعة بعينيها إنما يخادعون أنفسهم بها لان وبالها يرجع عليهم
ثم قال تعالى { وما يشعرون }
أي وما يشعرون بذلك
والمعنى ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم
ثم قال تعالى { في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضا }
روى السدي عن ابي مالك وأبي صالح عن ابن عباس قال
يقول في قلوبهم شك
وقال غيره المرض النفاق والرياء والمرض في الجسد كما ان العمى في القلب ويقال مرض فلان أصابته عله في بدنه
فان قيل بم أصابهم المرض قيل فعل هذا بهم عقوبة
وقيل بإنزال القرآن أصابهم المرض كما قال تعالى { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون }
ثم قال تعالى { ولهم عذاب أليم }
يقال آلم اذا أوجع وهو مؤلم و أليم والألم الوجع وجمع اليم آلام كأشراف والأليم الشديد الوجع
ثم قال تعالى { بما كانوا يكذبون }
قال ابو حاتم أي بتكذيبهم الرسل وردهم على اللّه
وتكذيبهم بآياته قال ومن خفف فالمعنى عنده بكذب
وقولهم آمنا ولم يؤمنوا فذلك كذب
ثم قال تعالى { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون }
فيه قولان
أحدهما انهم قالوا نحن مصلحون فليس من عادتنا الإفساد
والآخر انهم قالوا هذا الذي تسمونه فسادا هو عندنا صلاح
وقوله تعالى { ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون }
معنى ذلك الا التنبيه كما قال الشاعر
الا ان الدهر يوم وليلة وليس على شيء قويم بمستمر
وقوله تعالى { ولكن لا يشعرون }
قال ابن كيسان يقال ما على من لم يعلم انه مفسد من ألزم إنما يذم اذا علم انه مف
ثم افسد على علم
قال ففيه جوابان
أحدهما انهم كانوا يعلمون الفساد ويظهرون الصلاح وهم لا يشعرون ان أمرهم يظهر عند النبي صلى اللّه عليه وسلم
والوجه الثاني ان يكون فسادهم عندهم صلاحا وهم لا يشعرون ان ذلك فساد وقد عصوا اللّه ورسوله في تركهم تبيين الحق واتباعه
ثم قال تعالى { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء }
قال ابن عباس الناس ههنا أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم
{ قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء }
قال ابو إسحاق اصل السفه في اللغة رقة الحلم يقال ثوب سفيه أي بال رقيق
ثم قال تعالى { ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون }
أي لا يعلمون ان وبال ذلك يرجع عليهم
ويقال اذا وصفوا بالسفه فلم لا يكون ذلك عذرا لهم
فالجواب انه إنما لحقهم ذلك اذ عابوا الحق فأنزلوا أنفسهم تلك المنزلة كما قال تعالى { إن هم إلا كالأنعام } لصدهم وإعراضهم اذ بعده { بل هم أضل سبيلا } لان الأنعام قد
يصرفها راعيها كيف شاء وهؤلاء لايهتدون بالانذار والعظة
وايضا فاذا سفهوا المؤمنين فهم في تلك الحال مستحقون لهذا الاسم
وقوله تعالى { ولكن لا يعلمون }
الجواب عنه كالجواب عن { ولكن لا يشعرون }
ثم قال جل وعز { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم }
روى اسباط عن السدي اما شياطينهم فهم رؤساؤهم في الكفر
ويبين ما قال قوله جل وعز { شياطين الإنس والجن }
وشيطان مشتق من الشطن وهو الحبل
أي هو ممدود في الشر ومنه بئر شطون
ثم قال جل وعز { قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون }
فاخبر سبحانه بما يكتمون
ثم قال جل وعز { اللّه يستهزئ بهم }
فيه اجوبه
أصحها ان معناه يجازيهم على استهزائهم فسمى جزاء الذنب بأسمه لازدواج الكلام وليعلم انه عقاب عليه وجزاء به
كما قال عز وجل { وجزاء سيئة سيئة مثلها }
وقيل هو ما روى في الحديث أن المؤمنين يعطون نورا فيحال بينهم وبينه
وقيل هو أن اللّه أظهر لهم من أحكامه خلاف مالهم في الآخرة كما أظهروا للمسلمين خلاف ما أ سروا
واستشهد صاحب هذا القول بأن بعده { ويمدهم في طغيانهم يعمهون }
وقيل هو مثل { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } وهذه الأقوال ترجع الى الاول لانها مجازة ايضا
ومن احسن ما قيل فيه أن معنى يستهزئ بهم يصيبهم كما قال تعالى { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم
ثم قال جل وعز { ويمدهم في طغيانهم يعمهون }
أي يمدهم في تجاوزهم متحيرين قال تعالى { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية }
وقال مجاهد يعمهون يترددون
والمعنى على قوله يترددون في ضلالتهم
وحكى أهل اللغة عمه يعمه عموها وعمها وعمهانا فهو عمه وعامه اذا حار
ثم قال جل وعز { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى }
قال مجاهد آمن
ثم كفروا
ويقال كيف قال اشتروا وإنما يقال اشتريت كذا
بكذا اذا دفعت شيئا أخذت غيره
والجواب عن قول مجاهد انهم كفروا بعد الأيمان فصار الكفر لهم بدلا من الأيمان وصاروا بمنزلة من باع شيئا بشيء
وقيل لما أعطوا بألسنتهم الأيمان وأبوه بقلوبهم فباعوا هذا الذي ظهر بألسنتهم بالذي في قلوبهم والذي في قلوبهم هو الحاصل لهم فهو بمنزلة العوض أخرج من أيديهم
وقيل لما سمعوا التذكرة والهدى ردوها واختاروا الضلالة فكانوا بمنزلة من دفع اليه شيء فاشترى به غيره
قال ابن كيسان قيل هو مثل قوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } فلما كان خلقهم للعبادة صار
ما خلفها مبدلا عنها بصدهم عما خلقوا له
واصل الضلاله الحيرة وسمي النسيان ضلاله لما فيه من الحيرة كما ذقال جل وعز { قال فعلتها إذا وأنا من الضالين } أي الناسين ويسمى الهلاك ضلاله كما قال عز وجل وقالوا { أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد }
ثم قال جل وعز { فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين }
فأنزلوا منزلة من اتجر لان الربح والخسران إنما يكونان في التجاره
والمعنى فما ربحوا في تجارتهم ومثله قول العرب خسر
بيعه لأنه قد عرف المعنى
ثم قال جل وعز { وما كانوا مهتدين }
أي بفعلهم الذي فعلوه من إيثار الضلالة على الهدى
ويجوز وما كانوا مهتدين في علم اللّه عز وجل
ثم قال جل وعز { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا }
قال ابن كيسان استوقد بمعنى أوقد ويجوز أن يكون استوقدها من غيره أي طلبها من غيره
قال الأخفش هو سعيد { الذي } في معنى جمع
قال ابن كيسان لو كان كذلك لأعاد عليه ضمير الجمع كما قال الشاعر
وان الذي حانت يفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا ام خالد
قال ولكنه واحد شبه به جماعة لان القصد كان الى الفعل ولم يكن الى تشبيه العين بالعين فصار مثل قوله تعالى { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } فالمعنى الا كبعث نفس واحده وكإيقاد الذي استوقد نارا
ثم قال جل وعز { فلما أضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم }
ويجوز ان يكون ما بمعنى الذي وان تكون زائدة وان تكون نكره
و المعنى أضاءت له فابصر الذي حوله
وقوله جل وعز { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }
سبب نزول هذه الآبه ان بعض المسلمين يسال النبي صلى اللّه عليه وسلم لم خلقت هذه الأهلة فأنزل اللّه عز وجل { قل هي مواقيت للناس والحج }
فجعلها اللّه عز وجل مواقيت لحج المسلمين وإفطارهم وصومهم ومناسكهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم واللّه اعلم بما يصلح خلقه
قال ابو إسحاق هلال مشتق من استهل الصبي اذا بكى وأهل القوم بحجة وعمرة أي رفعوا أصواتهم بالتلبية فقيل له هلال لانه حين يرى يهل الناس بذكره
وأهل واستهل ولا يقال أهللنا أي رأينا الهلال وأهللنا شهر كذا وكذا اذا دخلنا فيه
وسمي شهر لشهرته وبيانه
قال الأصمعي ولا يسمى هلالا حتى يحجر وتحجيره أن يستدير بخطة دقيقه
وقيل ليلتين وثلاث
وقيل حتى يغلب ضوءه وهذا في السابعة
قال ابو إسحاق والاجود عندي ان يسمى هلالا لليلتين لانه في الثالثة يتبين ضوء
وقوله جل وعز { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها }
روى شعبة عن ابي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول نزلت فينا هذه الآبه كانت الأنصار اذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا البيوت من أبوابها ولكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فنزلت هذه الآبه { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها }
وقوله عز وجل { وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا }
قبل أي ولا تقاتلوا من عاهدتم وعاقدتم
وقيل لاتقاتلوا من لم يقاتلكم
قال ابن ز
ثم نسخ ذلك فقال جل وعز { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } أي وجدتموهم { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } يعني مكة
ثم قال جل وعز { والفتنة أشد من القتل }
قال مجاهد ارتداد المؤمن اشد عليه من القتل
والفتنة في الاصل الاختبار فتأويل الكلام الاختبار الخبيث الذي يؤدي الى الكفر اشد من القتل وفتنته فلانة أي صارت له كا لمختبره أي اختبر بجمالها وفتنت الذهب في النار أي اختبرته لأعلم خالص هو ام مشوب
وقيل لهذا السبب لكل ما أحميته في النار فتنته لانه بذلك كالمختبر
وقيل في قوله عز وجل { يوم هم على النار يفتنون } هو من هذا أي يشوون
قال ابو العباس والقول عندي واللّه اعلم إنما هو يحرقون بفتنتهم أي يعذبون بكفرهم من فتن الكافر
وقيل يختبرون فيقال ما سلككم في سقر وأفتنه العذاب أي جزاه بفتنته كقولك كرب وأكربته والعلم للّه تعالى
يقال فتن الرجال وفتن وأفتنته أي جعلت فيه فيه فتنتة كقولك دهشته وكحلته هذا قول الخليل وأفتنته جعلته فاتنا وهذا خضر فتن
وقال الأخفش في قوله عز وجل { بأيكم المفتون } قال يعني الفتنه كقولك خذ ميسوره ودع معسوره
وكان سيبويه يأبى أن يكون المصدر على مفعول ويقول المعتمد خذ ما يسر لك منه
وقوله عز وجل { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه }
قال قتا
ثم نسخ ذلك بعد فقال { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }
قال ابن عباس أي شرك قال { ويكون الدين للّه } ويخلص التوحيد للّه
ثم قال { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين }
قال قتاده والظالم الذي آبى ان يقول لا اله الا اللّه
ثم قال عز وجل { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص }
أي قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام
قال مجاهد صدت قريش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة فأقضه اللّه منهم من قابل فدخل البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة وقضى عمرة
وقال غيره قال اللّه عز وجل { والحرمات قصاص } فجمع لانه جل ثناؤه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام
ثم قال عز وجل { فمن اعتدى عليكم }
قال مجاهد أي من قاتلكم فيه فاعتدوا عليه فاقتلوه فيه
سمي الثاني اعتداء لانه جزاء الأول
وقوله عز وجل { وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }
اصح ما قيل في هذا أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس لا تمسكوا النفقة في سبيل اللّه فتهلكوا
وحدثنا محمد بن جعفر الانباري قال حدثنا عبد اللّه بن يحي قال حدثنا عاصم قال حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن شقيق قال حذيفه التهلكة ترك النفقة
وقال البراء والنعمان بن بشير هو الرجل يذنب الذنب فيلقي بي
ثم يقول لا يغفر لي
وقال عبيدة هو الرجل يعمل الذنوب والكبا
ثم يقول ليس لي توبة فيلقي بيديه الى التهلكة
وقال ابو قلابة هو الرجل يصيب الذنب فيقول ليس لي توبة فينهمك في الذنوب
قال ابو جعفر والقول الأول اولى لان أبا أيوب الأنصاري يروي قال نزلت فينا معاشر الأنصار لما اعز اللّه دينه قلنا سرا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان أموالنا قد ضاعت فلو أقمنا فيها وأصلحنا منها ضاع فأنزل اللّه في كتابه يرد علينا ماهمننا به { وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }
فكانت التهلكة في الإقامة التي أردنا أن نقيم في أموالنا ونصلحها فأمرنا بالغزو
قال ابو جعفر فدل على وجوب الجهاد على المسلمين
وقيل أيضا معنى { وأحسنوا } وأنفقوا
قال ابو إسحاق واحسنوا في أداء الفرائض
وقال عكرمة أي احسنوا الظن باللّه
وقال ابن زيد عودوا على من ليس في يده شيء
والمعنى في قوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } على ما تقدم أي أن امتنعتم من النفقة في سبيل اللّه عصيتم اللّه فهلكتم ويجوز أن يكون المعنى قوتم عدوكم فهلكتم
وقوله جل وعز { وأتموا الحج والعمرة للّه }
يروى عن عمر أن إتمامهما ترك الفسخ لان الفسخ كان جائزا في اول الإسلام
وقال عبد اللّه بن سلمة سالت عليا عن قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة للّه } ما إتمامهما قال ان تحرم بهما من دويرة أهلك
قال ابو جعفر وذهب الى هذا جماعه من الكوفيين وقال وجعل الميقات حتى لا يتجاوز فأما الأفضل فما قال علي
وروى علقمة عن عبد اللّه قال لا يجاور بهما البيت
وقال مجاهد وإبراهيم إتمامهما أن يفعل ما أمر به فيهما
وهذا كأنه إجماع لان عليه أن يأتي المشاعر وما أمر به وبذلك يتم حجه
فأما الإحرام من بلده فلو كان من الإتمام لفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وقد قال الحسن أحرم عمران بن الحصين من البلد الذي كان فيه فأنكر ذلك عمر عليه وقال أيحرم رجل من أصحاب
رسول اللّه من داره
وقبل وقيل إتمامهما أن تكون النفقة حلالا
وقال سفيان إتمامهما ان يحرم لهما قاصدا لا لتجارة
وقرأ الشعبي والعمرة للّه بالرفع وقال العمرة تطوع والناس جميعا يقرءونها بالنصب وفي المعنى قولان
قال ابن عمر والحسن وسعيد بن جبير وطاووس وعطاء وابن سيرين هي فريضة
وقال جابر بن عبد اللّه والشعبي هي تطوع
وليس يجب في قراءة من قرأ بالنصب انها فرض لانه ينبغي لمن دخل في عمل هو للّه أن يتمه
قيل معنى الحج مأخوذ من قولهم حججت كذا أي تعرفت كذا فالحاج يأتي مواضع بتعرفها
قال الشاعر
يحج مأمومة في قعرها لجف فاست الطبيب قذاها كالمغاريد
وقوله جل وعز { فإن أحصرتم } يعني منعتم عن إتمامهما
وفي الأحصار قولان
أحدهما قاله ابن عمر وهو مذهب أهل المدينة قال لا يكون الا من عدو
قال ابو جعفر والقول الاخر قاله ابن مسعود وهو قول أهل الكوفة انه من العدو ومن المرض وأن من أصابه من ذينك شيء بعث بهدي فإذا نحر حل
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله
وروى طاووس عن ابن عباس مثل الأول وتلا فإذا آمنتم قال نهل ا لا من الا من خوف
فقد صار في الآية أشكال لان الاحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض الذي يحبس عن الشيء
فأما من العدو فلا يقال فيه الا حصر
يقال حصر حصرا وفي الأول احصر إحصارا
والقول في الآبه على مذهب ابن عمر انه يقال أقتلت الرجل عرضته للقتل و اقبره جعل له قبرا واحصرته على هذا عرضته للحصر كما يقال أحبسته أي عرضته للحبس وأحصر أي أصيب بما كان مسببا للحصر وهو فوت الحج
وقد روي عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول من عرج أو كسر فقد حل وعليه حجة أخرى
قال فحدثت بذا ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق
وإنما روى هذا عن عكرمة حجاج الصواف
وروى الجلة خلاف هذا
روى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس لا حصر الا من عدو
وروى ابونجيح عن عكرمة ان المحصر يبعث بالهدي فإذا بلغ الهدي محله حل وعليه الحج من قابل
ثم قال تعالى { فما استيسر من الهدي }
قال ابن عمر وابن الزبير وعائشة من الإبل والبقر خاصة شيء دون شيء
وروى جعفر عن ابيه عن علي رضوان اللّه عنه فما استيسر من الهدي شاه
وقال ابن عباس يكون من الغنم ويكون شركا في دم وهو مذهب سع
ثم قال تعالى { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله }
قال قال مجاهد يعني يوم النحر
وقال خالد بن ابي عمران عن القاسم بن محمد حتى ينحر
وقال اكثر الكوفيين ينحر عنه الهدي في أي يوم شاء في الحرم
وقال الكسائي في قوله { محله } إنما كسرت الحاء لانه من حل يحل حيث يحل أمره ولو أراد حيث يحل لكان محله وإنما هو على الحلا
ثم قال تعالى { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه }
روى مجاهد عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن كعب بن عجره انه لما كان مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم فآذاه القمل في رأسه فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يحلق رأسه وقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان أو انسك بشاه
قال ابو جعفر أي ذلك فعلت أجزأ عنك
وقال عطاء هذا لمن كان به قمل أو صداع أو ما أشبهما
قال ابو جعفر وفي الكلام حذف والمعنى فحلق أو اكتحل أو تداوى بشيء فيه طيب فعليه فدي
ثم قال تعالى { فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي }
قال الربيع بن انس اذا أمن من خوفه وبرأ من مرضه أي من خوف العدو والمرض
وقال علقمة اذا برأ من مرضه
ثم قال تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي }
التمتع عند الفقهاء المدنيين والكوفيين أن يعتمر الذي ليس أهله حاضري المسجد الحرام في اشهر الحج ويحل من عمر
ثم يحج في تلك السنة ولم يرجع الى أهله بين العمرة والحج فقد تمتع من العمرة الى الحج أي انتفع بما ينتفع به الحلال
والمتعة والمتاع في اللغة الانتفاع ومنه قوله تعالى
{ ومتعوهن }
وقال أهل المدينة وكذلك اذا اعتمر قبل اشهر ال
ثم دخلت عليه اشهر الحج ولم يحل فحل في أشهر ال
ثم حج
وقال الكوفيون ان كان طاف أكثر طواف العمرة قبل دخول أشهر الحج فليس بتمتع وان كان قد بقي عليه الأكثر فهو متمتع
وقال طاووس من اعتمر في السنة كلها في المحرم فما سواه من الشهور فأقام حتى يحج فهو متمتع
وروى ابن ابي طلحة عن ابن عباس { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج }
يقول من أحرم بالعمرة في اشهر الحج
وروى عنه عطاء العمرة لمن احصر ولمن خليت سبيله أصابتهما هذه الآبه
وروى عنه سعيد بن جبير على من احصر الحج في العام القابل فان حج فاعتمر في أشهر الحج فان عليه الفدية فهذه الأقوال عن ابن عباس متفقة وأصحها ما رواه سعيد بن جبير لان اتساق الكلام على مخاطبة من احصر وان كان ممن لم يحصر فتمتع فحكمه هذا الحكم
فعلى هذا يصح ما رواه عطاء عنه وكذلك ما رواه علي بن ابي طلحة غير أن نص التأويل على المخاطبة لمن أحصر
وقال عبد اللّه ابن الزبير ليس التمتع الذي يصنعه الناس اليوم يتمتع أحدهم بالعمرة قبل الحج ولكن الحاج اذا فاته الحج او ضلت راحلته او كسر حتى يفوته الحج فانه يجعله عمرة وعليه الحج من قابل وعليه ما استيسر من الهدي
فتأويل ابن الزبير انه لا يكون الا لمن فاته الحج لانه تعالى قال { فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } فوقع الخطاب لمن فاته الحج بالحصر
وخالفه في هذا الأئمة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وسعد فقالوا هذا للمحصرين وغيرهم
ويدلك على ان حكم غير المحصر غي هذا كحكم المحصر قوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } فهذا للمحصر وغيره سواء وكذلك التمتع
وقوله جل وعز { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم }
قالت عائشة وابن عمر الصيام لمن تمتع بالعمرة الى
الحج ممن لم يجد هديا ما بين ان يهل بالحج الى يوم عرفه ومن لم يصم صام أيام منى
وكان ابن عمر يستحب ان يصوم قبل يوم التروية ويوم عرفة
وقال الشعبي وعطاء وطاووس وإبراهيم { فصيام ثلاثة أيام في الحج } قبل يوم التروية يوما ويوم التروية ويوم عرفه
ثم قال جل وعز { وسبعة إذا رجعتم }
روى شعبة عن محمد ابن ابي النور عن حيان السلمي قال سألت ابن عمر عن قوله تعالى { وسبعة إذا رجعتم } قال اذا رجعتم اهليكم
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ان شاء صامها في الطريق إنما هي رخصة وكذا قال عكرمة والحسن
والتقدير عند بعض أهل اللغة اذا رجعتم من الحج أي اذا رجعتم الى ما كنتم عليه قبل الإحرام من الحل
وقال عطاء اذا رجعتم الى اهليكم وهذا كأنه إجماع
ثم قال عز وجل { تلك عشرة كاملة }
وقد علم انها عشرة واحسن ما قيل في هذا انه لو لم يقل تلك عشرة كأملة جاز ان يتوهم السامع انه إنما عليه ان يصوم ثلاثة في الحج او سبعة اذا رجع لانه لم يقل وسبعة أخرى
كما يقول أنا اخذ منك في سفرك درهما وإذا قدمت الا اثنين أي لا آخذ إذا قدمت إلا أثنين
وقال محمد بن يزيد لو لم يقل { تلك عشرة } جاز ان يتوهم السامع ان بعدها سيئا آخر فقوله { تلك عشرة } بمنزلة قولك في العدد فذلك كذا وكذا
وأما معنى { كاملة } فروى هشيم فيه عن عباد بن راشد عن الحسن قال { كاملة } من الهدي أي قد كملت في المعنى الذي جعلت له فلم يجعل معها غيرها وهي كاملة الأجر ككمال الهدي
ثم قال تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام }
قال مجاهد أهل الحرم
وقال الحسن وإبراهيم والأعرج ونافع هم أهل مكة
خاصة
وقال عطاء مكحول هم أهل المواقيت ومن بعدهم الى مكة
قال أبو جعفر وقول الحسن ومن معه اولى لان الحاضر للشيء هو الذي معه وليس كذا أهل المواقيت وأهل منى وكلام العرب لأهل مكة ان يقولوا هم أهل المسجد الحرام
قال أبو جعفر فتبين أن معنى { حاضري المسجد } لأهل مكة ومن يليهم ممن بينه وبين مكة مالا تقصر فيه الصلاة لان الحاضر للشيء هو الشاهد له و لنفسه وإنما يكون المسافر مسافرا لشخوصه الى ما يقصر فيه وان لم يكن كذلك لم يستحق اسم غائ
وقوله تعالى { الحج أشهر معلومات }
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا عبد اللّه بن يحيى قال اخبرنا حجاج بن محمد قال ابن جريج قلت لنافع مولى ابن عمر أسمعت ابن عمر سمى أشهر الحج
قال نعم سمى شوالا وذا القعدة وذا الحجة
وقال ابن عباس شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة
وقال أبو جعفر والقولان يرجعان الى شيء واحد لان ابن عمر إنما سمى ذا الحجة لان فيه الحج وهو شهر حج
ثم قال تعالى { فمن فرض فيهن الحج }
قال ابن مسعود وابن عمر فرض لبى
وعن ابن عباس أحرم وقيل معنى أحرم أوجب على نفسه الأحرام بالعزم وان لم يلب
قال ابو جعفر وحقيقته في اللغة ان فرض أوجب
والمعنى أوجب فيهن الحج بالتلبية أو بالنية واحتمل ان يكون معناه أوجب على نفسه الحج بالتلبية فيهن فتكون التلبية والحج جميعا فيهن
واحتمل أن يكون المعنى من و أوجب عل نفسه الحج فيهن بالتلبية في غيرهن
الا ان محمد بن جعفر ألا نباري حدثنا قال حدثنا عبداللّه بن يحي قال اخبرنا حجاج بن محمد قال جريج أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال لا ينبغي لأحد ان يحرم بالحج ألا في أشهر الحج من اجل قوله تعالى { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج }
فلا ينبغي لأحد أن يلبي بال
ثم يقيم بأرض
ثم قال تعالى { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج }
روى سفيان بن حصيف عن مقسم عن ابن عباس قال الرفث الجماع والفسوق السباب والجدال ان تماري صاحبك حتى تغضبه
وكذا قال ابن عمر
وروى طاووس عن ابن عباس وابن الزبير الرفث التعريض أي يقول لو كنا حلالين لكان كذا وكذا
وقال عطاء وقتاده الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال ان يماري بعضهم بعضا حتى يغضبه
وروى ابو يحي عن مجاهد في الجدال كما قال عطاء
وروى عنه أبن أبي نجيج لا جدال ولاشك فيه وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء
وعلى ذلك قرأ برفع رفث وفسوق وفتح جدال
وهذه الأقوال متقاربة لان التعريض بالنكاح من سببه والرفث أصله الإفح
ثم يكنى به الجماع ويبين لك انه يقع للجماع قوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم }
والفسوق في اللغة الخروج عن الشيء
فسباب المسلم خروج عن طاعة اللّه
وقد روى ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم سباب المسلم فسق وقتاله كفر
وقيل قول عطاء وقتاده الفسوق المعاصي حسن جدا
على انه قد روى عبد اللّه بن وهب عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر قال الفسوق إتيان معاصي اللّه في الحرم أي من صيد وغيره
فهذا قول جامع لان سباب المسلم داخل في المعاصي وكذلك الأشياء التي منع منها المحرم وحده التي منع المحرم والحلال
ومعنى قول مجاهد لاشك فيه أنه في ذي الحجة
النسأة أن النساة كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ويقف بعضهم بجمع وبعضهم بعرفة ويتمارون في الصواب من ذلك وقال
النبي صلى اللّه عليه وسلم ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض وان الحج في ذي الحجة
وقال ابو زيد قال ابو عمرو أراد فلا يكونن رفث ولا فسوق في شيء يخرج من الحج
ثم ابتدأ النفي فقال { ولا جدال في الحج }
فاخبر أن الأول نهى
ثم قال تعالى { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى }
روى سفيان عن عمرو عن عكرمة قال كان اناس يقدمون مكة في الحج بغير زاد فأمروا بالزاد
وقال مجاهد كان أهل اليمن يقولون لا تتزودوا فتتوصلون من الناس فأمروا أن يتزودوا
وقال قتاده نحو منه
ثم قال تعالى { فإن خير الزاد التقوى }
أي فمن التقوى أن لا يتعرض الرجل لما يحرم عليه من المسألة
ثم قال تعالى { واتقون يا أولي الألباب }
أي العقول ولب كل شيء خالصه
ثم قال تعالى { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم }
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا الرمادي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا سفيان ابن عمر بن دينار قال قال ابن عباس كان ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية فلما كان الإسلام كرهوا ذلك حتى نزلت { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم }
في مواسم الحج
ثم قال تعالى { فإذا أفضتم من عرفات } أي اندفعتم
ويقال فاض الإناء اذا امتلأ ينصب من نواحيه ورجل فياض أي يتدفق بالعطاء
قال زهير
وأبيض فياض يداه غمامة على معتفيه ما تغب نوافله
وحديث مستعيض أي متتابع
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس قال إنما سميت عرفات لان جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام هذا موضع كذا فيقول عرفت وقد عرفت فلذلك سميت عرفات
وقال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء ونعيم بن ابي هند نحوا منه
وقال ابن المسيب قال علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه بعث اللّه جبريل الى إبراهيم صلى اللّه عليهما حتى اذا أتى عرفات قال عرفت وكان قد أتاها من قبل ذلك ولذلك سميت عرفة
ثم قال تعالى { فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام }
قال ابن عباس وسعيد بن جبير ما بيت الجبلين مشعر
قال قتاده هي جمع قال وإنما سميت جمعا لانه يجمع فيها بيت صلاة المغرب والعشاء
قال ابو اسحق المعنى واذكروا بتوحيده والمعنى الثناء عليه وان كنتم من قبله أي من قبل هدايته
وقوله تعالى { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس }
قالت عائشة وابن عباس كانت العرب تقف بعرفات فتتعظم قريش أن تقف معها فتقف قريش بالمزدلفة فأمرهم اللّه أن يفيضوا من عرفات مع الناس
وقال الضحاك الناس إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم
قال أبو جعفر والأول أولى
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه قال خرجت في طلب بعير لي بعرفة فرأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائما بعرفة مع الناس قبل أن يبعث فقلت واللّه أن هذا من الحمس فما شأنه واقفا ها هنا
قال ابو جعفر الحمس الذين شددوا في دينهم والحماسة الشدة ويق
ثم في اللغة تدل على الثاني بعد الأول وبنيهما مهلة وقد قال اللّه تعالى بعد { فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام }
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس }
وإنما الإفاضه من عرفات قبل المجيء الى المعشر الحرام
وفي هذا جوابان
أحدهما
ثم بمعنى الواو
والجواب الثاني وهو المختار
ثم على بابها والمع
ثم أمرتم بالإضافة من عرفات من حيث افاض الناس
وفي هذا معنى التوكيد لأنهم أمروا بالذكر عند المعشر الحرام وأفاضوا من عرف
ثم وكدت عليهم الإفاضة من حيث افاض الناس لا من حيث كانت قريش تفيض
وقال تعالى
ثم آتينا موسى الكتاب } ويقال فلان كر
ثم انه يتفقدنا وفلان يقاتل الن
ثم انه رديء في نفسه
ثم أزيدك في خبره
وفي الآية قول آخر حسن على قول الضحاك { الناس } إبراهيم عليه السلام فيكون المعنى من حيث أفاض إبراهيم الخليل وهو المشعر الحرام
ويكون هذا مثل الذين قال لهم الناس وذلك نعيم بن مسعود ألا شجعي
وقد روي عنه انه ق
ثم أفيضوا من حيث افاض الناسي يعني آدم وهذه قراءة شاذة
ثم قال تعالى { فإذا قضيتم مناسككم }
قال مجاهد إراقة الدماء
ثم قال تعالى { فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا }
روى أبو مالك وأبو صالح عن ابن عباس كانت العرب
اذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى فيقوم الرجال فيسأل اللّه فيقول اللّهم ان ابي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فاعطني مثل ما اعطيته
أي ليس يذكر اللّه تعالى إنما يذكر أب
ثم يسأل أن يعطى في الدنيا
وقوله جل وعز { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق }
قال ابن عباس الخلاق النصيب والمؤمنون يقولون { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } قال المال { وفي الآخرة حسنة } فال الجنة
وقال هشام عن الحسن آتتا في الدنيا حسنه قال العلم والعبادة وفي الآخرة حسنه قال الجنة
وروى معمر عن قتاده قال في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية
قال ابو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى شيء واحد الى ان الحسنة والنعمة من اللّه
ثم قال تعالى { وقنا } أي اصرف عنا
يقال منه وقيته كذا أقيه وقاية و وقاية ووفاء وقد يقال وقاك اللّه وقي
ثم قال تعالى { واللّه سريع الحساب }
أي اعلم ما للمحاسب وما عليه قبل توقيفه على حسابه وهو يحاسبه بغير تذكر ولا روية وليس الآدمي كذلك
ثم قال تعالى { واذكروا اللّه في أيام معدودات } أي بالتوحيد والتعظيم { في أيام معدودات } أي محصيات
أمروا بالتكبير أدبار الصلوات وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار
وروى سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن الديلي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيام منى ثلاثة أيام أيام التشريق فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه
وروى نافع عن ابن عمر الأيام المعلومات والمعدودات
جمعيهن أربعة أيام فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده والمعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر واذكروا اللّه في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا أثم على ومن تأخر فلا آثم عليه
وروي عن عبدا للّه بن مسعود وابن عمر وابن عباس فلا إثم عليه مغفور له
وقال عطاء وإبراهيم ومجاهد وقتاده فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه في تعجيله { ومن تأخر فلا إثم عليه } في تأخير
ثم قال تعالى { لمن اتقى }
قال عبد اللّه بن عمر أبيح ذا لتعجيل من اتقى فالتقدير على هذا الإباحة لمن أتقى
وقال ابن مسعود انها مغفرة للذنوب لمن اتقى في حجة
قال ابو جعفر وهذا القول مثل قوله الأول وأما قول إبراهيم ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخيره فتأويل بعيد لان المتأخر قد بلغ الغاية ولا يقال لا حرج عليه
وقد قيل يجوز ان يقال لا حرج عليه لان رخص اللّه يحسن الأخذ بها فأعلم اللّه تبارك وتعالى أنه لا أثم عليه في تركه الأخذ بالرخص
ويدل على صحة قول ابن مسعود حديث شعبة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه
والمعنى على هذا من حج فاتقى في حجه ما ينقصه فلا إثم عليه من الذنوب الخالية
أي قد كفر الحج عنه
والتقدير تكفير الإثم لمن اتقى
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان الثوري عن سمي عن ابي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء ألا الجنة
قال ابو جعفر وقول ابي العالية لا أثم عليه ذهب إثمه كله ان اتقى اللّه فيما بقي أي من عمر
وقوله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا }
قال ابن عباس علانيته ويشهد اللّه في الخصومة أن ما يريد الحق ولا يطلب الظلم وهو ألد الخصام ظالم
وقال محمد بن كعب هم المنافقون
وقرأ ابن محيصن ويشهد اللّه بفتح الياء الهاء والرفع ومعناه يعلم اللّه
ثم قال تعالى { وهو ألد الخصام }
قال مجاهد أي ظالم لا يستقيم
وقال قتاده شديد جدل بالباطل
والألد في اللغة الشديد الخصومة مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب كما قال الشاعر
أن تحت الأحجار حزما وجودا وخصيما ألد ذا مغلاق
ويروى معلاق ويقال هو من لديدي الوادي أي جانبيه
فصاحب هذه الصفه يأخذ من جانب ويدع الاستقامة واللدود في أحد الشقين
وقال ابو اسحق الخصام جمع خصم
ثم قال تعالى { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل }
أي اذا فارقك أسرع في فساد الحرث والنسل
وروى أبو مالك عن ابن عباس نزلت في ألا خنس بن شر يق خرج من عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر
وروى ابو اسحق عن التميمي عن ابن عباس قال الحرث حرث الناس والنسل نسل كل دابة
قال قتاده الحرث الزرع والنسل نسل كل شيء
وحدثنا محمد بن شعيب قال أخبرني أحمد بن سعيد قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا ابي عن علي بن الحكم عن الضحاك أما قوله ويهلك الحرث والنسل فالناس وكل دابة وأما الحرث فهي الجنان والأصل النابت
قال ابو جعفر وهذه الأقوال متقاربة المعاني والمعنى يحرق ويخرب ويقتل
ثم قال تعالى { وإذا قيل له اتق اللّه أخذته العزة بالإثم }
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن ابي اسحق عن سعيد بن وهب قال قال عبد اللّه كفى بالرجل أثما أن يقول له أخوه لتق اللّه فيقول عليك نفسك أأنت تأمرن
وقوله تعالى { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه }
أي يبيع ومعنى يبيع نفسه يبذلها في سبيل اللّه
قال سعيد بن المسيب أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى اللّه عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته فانتثر ما في كنانته واخذ قو
ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أنى من ارماكم رجلا وايم اللّه لا تصلون آلي حتى ارمي بما في كنان
ثم اضرب بسيفي ما بقي في يدي منه ش
ثم افعلوا ما شئتم فقالوا دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك
وعاهدوه ففعل فلما قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أبا يحي ربح البيع فأنزل اللّه { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه }
وقال قتاده هم المهاجرون والأنصار
ثم قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة }
قال مجاهد يعني الإسلام
وروى ابو مالك عن ابن عباس قال يقول في الإسلام جميعا
قال ابو جعفر وأصل السلم الصلح والمسالمة فيجوز أن يكون المعنى اثبتوا على الإسلام ويجوز أن يكون المعنى لمن آمن بلسانه
وقد روي ان قوما من اليهود أسلموا وأقاموا على تحريم السبت فأمرهم اللّه أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام
ثم قال تعالى { ولا تتبعوا خطوات الشيطان }
قال الضحاك هي الخطايا التي يأمر بها
قال ابو إسحاق أي لاتقفوا آثاره لان ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان
ثم قال تعالى { فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات }
أي تنحيتم عن القصد
{ فاعلموا أن اللّه عزيز } لا تعجزونه ولا يعجزه شيء حكيم فيما فطركم عليه وشرع لكم من دين
ثم قال تعالى { هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام }
قال مجاهد ان اللّه يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام
وقيل هل ينظرون الا ان يأتيهم اله بما وعد هم من الحسنات والعذاب
فاتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا أي بخذلانه إياهم وهذا قول ابي اسحق
وقال الأخفش سعيد ان يأتيهم اللّه يعني آمره لان اللّه تعالى لا يزول كما تقول خشينا ان تأتينا بنو أمية وإنما تعني حكمهم
{ وقضي الأمر } أي فرغ لهم ما كانوا يوعدون
ثم قال تعالى { وإلى اللّه ترجع الأمور } وهي راجعة اليه في كل وقت
قال قطرب المعنى ان المسالة عن الأعمال والثواب فيها والعقاب يرجع اليه يوم القيامة لأنهم اليوم غير مسؤولين عنها
وقال غيره وقد كانت في الدنيا أمور الى قوم يجورون فيها فيأخذون ما ليس لهم فيرجع ذلك كله الى اللّه يحكم فيه بالحق وبعده { وقضي بينهم بالحق } أي فصل القضاء بالعدل الخل
ثم قال تعالى { سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة }
أي في تصحيح أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم
وقال مجاهد ما ذكر منها في القرآن وما لم يذكر قال وهم يهود
ثم قال تعالى { ومن يبدل نعمة اللّه من بعد ما جاءته }
قال مجاهد أي يفكر بها وقيل لهم هذا لأنهم بدلوا ما في كتبهم
ثم قال تعالى { زين للذين كفروا الحياة الدنيا }
قال ابو اسحق أي زينها لهم إبليس لان اللّه قد زهد فيها واعلم انها متاع الغرور
وقيل معناه أن اللّه خلق الأشياء المعجبه فنظر أليها الذين
كفروا بأكثر من مقدورها
ثم قال عز وجل { ويسخرون من الذين آمنوا }
قال أي في ذات اليد
قال ابن جريح سخر ون منهم في طلب الآخرة
قال قتاده { فوقهم } أي الجنة
ثم قال تعالى { واللّه يرزق من يشاء بغير حساب }
ليس يرزق المؤمن على قدر أيمانه ولا يرزق الكافر على قدر كفره
أي ليس يحاسب في الرزق في الدنيا على قدر العمل
وقال قطرب المعنى واللّه اعلم انه يعطي العباد الشيء المقسوم لا من عدد اكثر منه اخذه منه كالمعطي من الآدميين الالف من الألفين
قال ووجه آخر أن من انفق سيئا لا يؤاخذ به كان ذلك بغير حساب
وقوله تعالى { كان الناس أمة واحدة }
قال مجاهد آدم امة واحدة
وروى سعيد بن جبير عن قتادة قال يقول كانوا على شريعة من الحق كلهم
ذكر لنا انه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم يعمل بطاعة اللّه على الهدى وعلى شريعة ال
ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث اللّه نوحا
قال ابو جعفر أمة من قولهم أممت كذا أي قصدته
فمعنى امة أن مقصدهم واحد ويقال للمنفرد أمة أي مقصده غير مقصد الناس
اللأمة القامة كأنها مقصد سائر البدن اللأمة بالكسر النعمة لان الناس يقصدون قصدها وقيل إمام لان الناس يقصدون قصد ما يفعل
ثم قال تعالى { وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه }
أي يفصل الكتاب بالحكم
وقرأ الجحدري ليحكم بضم الياء وفتح الكاف وقال الفرز دق
ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
ثم قال تعالى { وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه }
أي وما اختلف في الكتاب الا الذين أعطوه
قال ابو اسحق أي وما اختلف في حقيقة أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم الا الذين أعطوا علم حقيقته عليه الصلاة والسلام
{ بغيا بينهم } أي للبغي أي لم يوقعوا الاختلاف الا للبغي
وقوله جل وعز فهدى اللّه { الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه }
وروى ابو مالك عن ابن عباس اختلف الكفار فيه فهدى اللّه الذين آمنوا للحق من ذلك
وروى ابو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم انه قال
نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن اول الناس دخول الجنة بيد انهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا اللّه له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى
وفي بعض الحديث هدانا اللّه ليوم الجمعة
وقال زيد بن أسلم اختلفوا فاتخذت اليهود السبت والنصارى الأحد فهدى اللّه أمة محمد للجمعة
واختلفوا في القبلة واختلفوا في الصلاة والصيام فمنهم من يصوم عن بعض الطعام ومنهم من يصوم بعض النهار
واختلفوا في إبراهيم فهدى اللّه امة محمد للحق من ذلك
قال ابو زيد واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى ربا فهدى اللّه المؤمنين
قال ابو اسحق { بإذنه }
أي بعلمه
ثم قال تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } أم ههنا للخروج من حديث الى حدي
ثم قال تعالى { ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم }
حكى النضر بن شميل ان مثل يكون بمعنى صفه
ويجوز ان يكون المعنى ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم وخلوا أي مضوا
مستهم البأساء والضراء أي الفقر والمرض
وزلزلوا خوفوا وحركوا بما يؤذي
قال ابو اسحق اصل الزلزلة من زل الشيء عن مكانه فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلزلته من مكانه
ثم قال تعالى { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر اللّه }
أبي بلع يبلغ الجهد بهم حتى استبطاوا النصر
وقال تعالى { ألا إن نصر اللّه قريب } أي هو ناصر أوليائه لا محالة
ثم قال تعالى { يسألونك ماذا ينفقون }
أي يتصدقون ويعطون { قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل }
قيل كانوا سألوا على من ينبغي أن يفضلوا فقيل أولى من أفضل عليه هؤلا
ثم قال تعالى { وما تفعلوا من خير فإن اللّه به عليم } أبي يحصيه و اذا أحصاه جازى عليه
ثم قال تعالى { كتب عليكم القتال وهو كره لكم }
أكثر أهل التفسير على ان الجهاد فرض وان المعنى فرض عليكم القتال الا ان بعضهم يكفي من بعض
قال تعالى { وقاتلوا في سبيل اللّه }
قال ابو طلحة في قوله تعالى { انفروا خفافا وثقالا } ما سمعت اللّه عذر أحدا
الا ان سفيان الثوري قال الجهاد تطوع ومعنى { كتب عليكم القتال }
على تفضيله
ثم قال { وهو كره لكم }
قال ابو اسحق التأويل وهو ذو كره لكم وكرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية
وقال الكسائي كأن الكره من نفسك والكره بالفتح ما أكرهت عليه
{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم }
أي ان قتل كان شهيد وان قتل أثيب وغنم وهدم أمر الكفر واستدعى بالقتال دخول من يقاتله في الاسلام
{ وعسى أن تحبوا شيئا } القعود عن القتا
ثم قال تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير }
روى سعيد عن قتاده قال فكان القتال فيه كبيرا كما قال تعا
ثم نسخ في براءة { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة }
روى ابو السيار عن حندب بن عبدا للّه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى صبابة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فبعث عبداللّه بن جحش وكتب له كتابا وأمره لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال لا تكرهن أصحابك على المسير فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال سمعا وطاعة للّه ورسوله قال فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا ان ذلك اليوم من
رجب فقال المشركون قتلتم في الشهر الحرام فأنزل اللّه تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام } الآية
وقيل ان لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل اللّه تعالى { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه } الى آخر الآية
قال مجاهد قل قتال فيه كبير أي عظيم
وتم الكل
ثم ابتداء فقال وصد عن سبيل اللّه وكفر به أي باله والمسجد الحرام أي وصد عن المسجد الحرام
واخرج أهله منه يعني المسجد الحرام أكبر عند اللّه من القتل في الشهر الحرام { والفتنة أكبر من القتل }
قال الشعبي أي الكفر والمعنى أفعالكم هذه كفر والكفر أكبر من القتل في الشهر الحرام
ثم قال تعالى { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } قال مجاهد يعني كفار قريش
وقوله تعالى { أولئك يرجون رحمة اللّه }
ومعنى يرجون رحمة اللّه وقد مدحهم أنهم لا يدرون ما يختم لهم به
وقوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس }
روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس
ثم انزل { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم الس
ثم ان ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي اللّه فأنزل اللّه تعالى { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه }
فحرم اللّه الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان
وروى ابو توبة عن ابن عمر أنزلت إنما الخمر إلى قوله فهل انتم منتهون فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حرمت
وقال عمرو بن شرحبيل فقال عمر انتهينا فأنها تذهب المال والعقل
وأهل التفسير يذهبون الى ان المحرم لها هذا
وقال بعض الفقهاء المحرم لها آيتان
احداهما { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم }
قال ابو اسحق الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها ان يقال له خمر وان يكون بمنزلتها في التحريم لان
إجماع العلماء ان القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها
وتأويل الخمر في اللغة انه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور
ودخل في خمار الناس أي الكثير الذي يستتر فيه
وخمار المرأة قناعها لانه يغطي الرأس والخمرة التي سجد عليها لانها تستر الوجه عن الارض وكل مسكر خمر لانه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر
قال سعيد بن جبير ومجاهد الميسر القمار كله
فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه
والقمار يورث العداوة لان مال الإنسان يصير الى غيره بغير جزاء يأخذه عليه
والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشيء الى الإنسان في القمار بغير كد
وقال الضحاك منافعهما قبل التحريم وأثمهما بعد التحريم
وقوله تعالى { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو }
قال طاووس اليسير من كل شيء
وقال خالد بن ابي عمران سالت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى
وقال قتادة هو الفضل
قال ابو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى شيء واحد لان العفو في اللغة ما سهل
يقال خذ ما عفا لك صلى اللّه عليه وسلم أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم افضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى
فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر
قال مجاهد هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على
القول الأول
ثم قال تعالى { كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة }
قال ابو جعفر حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول اللّه تعالى { لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة }
قال يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا
والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا
قال ابو جعفر والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا
والآخرة
وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين اللّه لكم الآيات في أمر الدنيا
والآخرة لعلكم تتفكرو
ثم قال تعالى { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير }
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } الى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم ان الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } الى آخرها
وقوله تعالى { واللّه يعلم المفسد من المصلح }
أي يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة
ثم قال تعالى { ولو شاء اللّه لأعنتكم }
قال مجاهد أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في ألا دم والمرعى
وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء اللّه لاعنتكم قال لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا
وقال ابو عبيدة { لأعنتكم } لأهلككم
وقال ابو اسحق حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون
قال وأصل العنت في اللغة من قولهم عنت البعير عنتا اذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها
ان اللّه عزيز أي يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد
حكيم ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره
وقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن }
أكثر أهل العلم على هذه الآية منسوخة نسخها { اليوم أحل لكم الطيبات } الى قوله { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم }
هذا قول ابن عباس و مكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والاوزاعي
وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال لا بأس به قال قلت فان اللّه يقول { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } فقال أهل الأوثان
والمجوس
وروى معمر عن قتادة { ولا تنكحوا المشركات } قال المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفه يهودية او نصرانية
فأما { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } فقيل هن العفائف والإماء
ثم قال تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا }
أي لا تزوجوهم بمسلمات { ولو أعجبكم } أي وان أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره الى النار
{ أولئك يدعون إلى النار } أ ي يعلمون بأعمال أهلها فيكون نسلكم يتربى مع من هذه حاله { واللّه يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه }
أي يدعوكم الى أعمال أهل الجنة
{ والمغفرة بإذنه }
أي بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم اليه وصلة إليهما
وقيل بما أمركم به { ويبين آياته } أي علاماته
{ لعلهم يتذكرون } ليكونوا على رجاء التذكر
ثم قال تعالى { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى }
قال قتاده أي قذر
وروى ثابت عن أنس أن اليهود كانوا اذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فلم يؤكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في بيت فسئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فأنزل اللّه عز وجل { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } الآية فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء الا النكاح
فتبين بهذا الحديث معنى { فاعتزلوا النساء في المحيض } أن معناه فاعتزلوهن في الجماع
ثم قال تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن }
أي حتى ينقطع الدم عنهن
وقرأ أهل الكوفة { يطهرن } أي يغتسلن
وكذا معنى{ يتطهرن } قرأبه بن مسعود وأبي وقد عاب قوم يطهرن بالتخفيف قالوا لانه لايحل المسيس حتى يغتسلن
قال ابو جعفر وهذا لا يلزم فيجوز ان يكون معناه كمعنى { يطهرن } ويجوز ان يكون معناه حتى يحل لهن ان يتطهرن كما يقال للمطلقة اذا انقضت عدتها قد حلت للرجال وقد بين ذلك بقوله { فإذا تطهرن }
ثم قال تعالى { فأتوهن من حيث أمركم اللّه }
قال مجاهد من حيث نهوا عنه في محيضهن
وقال إبراهيم في الفرج
وقال ابن الحنيفة من قبل التزويج من قبل الحلال
وقال ابو رزين من قبل الطهر
وقال ابو العالية { ويحب المتطهرين } من الذنوب
وقال عطاء بالماء
قال ابو جعفر وقول عطاء أولى للحديث أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأهل مسجد قباء ان اللّه قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني قالوا يا رسول اللّه نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء
وهذا لما نزل { فيه رجال يحبون أن يتطهروا
وقوله قال تعالى { نساؤكم حرث لكم }
أي موضع حرث لكم كما تقول هذه الدار منفعة لك أ ي مكان نفع لك فالمعنى أنكم تحرثون منهن الولد
ثم قال تعالى { فأتوا حرثكم أنى شئتم }
أصح ما روي في هذا ان مالك بن انس وسفيان وشعبة رووا عن محمد بن المنكدر عن جابر ان اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها احول فأنزل اللّه { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم }
وكذلك قال مجاهد قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج
وروى ابو إسحاق عن زايدة عن عميرة قال سالت ابن عباس عن العزل فقال { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ان شئت فاعزل وان شئت فلا تعزل
قال ابو جعفر وقال الضحاك { أنى شئتم } متى شئتم
ومعناه من أين شئتم أبي من أبي الجهان شئتم
قال ابو جعفر وأصل الحرث ما يخرج مما يزرع واللّه تعالى يخلق من النطفة الولد
وقوله تعالى { واتقوا اللّه } فدل على العظة في ان لا يجاوزوا هذا
ثم قال تعالى { وقدموا لأنفسكم }
أي الطاعة
وقيل في طلب الول
وقوله تعالى { ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس }
قال سعيد بن جبير و مجاهد وهذا لفظ سعيد وهو الرجل يحلف ان لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له بر فيقول قد حلفت
والتقدير في العربية كراهة ان تبروا
وقوله تعالى { لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم }
فيه أقوال
قال ابو هريرة وابن عباس وهذا لفظ ابي هريرة لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن انه كما حلف عليه
فاذا هو غير ذلك
وقال الحسن بهذا القول ومجاهد ومنصور ومالك
وروى مالك وشعبة عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة انها قالت لغو اليمين قول الإنسان لا و اللّه و بلى واللّه وقال بهذا الشعبي
وقال سعيد بن جبير هو الرجل يحلف في الأمر الحلال يحرمه
وقال زيد بن أسلم قولا رابعا قال وهو قول الرجل أعمى اللّه بصري ان لم افعل كذا اخر جني اللّه من مالي ان لم آتك غدا فلو اخذه بهذا لم يترك له شيئا
{ ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم }
قال نحو الرجل هو كافر هو مشرك لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قبله
قال ابو جعفر وأولى هذه الأقوال قول عائشة لان يحيى القطان قال حدثنا هشام بن عروة قال اخبرني ابي عن عائشة في قوله { لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم } قالت نزلت في قول الرجل لا و اللّه وبلى واللّه
فهذا أخبار منها عن عملها بحقيقة ما نزلت فيه هذه الآية
واللغو في اللغة ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا واللّه وبلى واللّه مما يعقده عليه قلبه
وقول ابي هريرة وابن عباس غير خارج من ذا ايضا لان
الحالف اذا حلف على الشيء يظن انه الذي حلف عليه فلم يقصده الى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو واللّه اعلم
فأما قول سعيد بن جبير فبعيد لان ترك ما حلف عليه من حلال يحرمه اذا كفر فليس مذنبا معفوا عنه بل مثابا قابلاأمر اللّه
وقول زيد بن اسلم محال لان قول الرجل أعمى اللّه بصري دعاء وليس بيمين
وقيل ألغو قد الغي أثم
ثم قال تعالى { واللّه غفور رحيم }
أي غفر لكم يمين اللغو فلم يأمركم فيها بكفارة ولا إلزامكم عقوبة { حليم } في تركه المعاجلة بالعقوبة لمن حلف كاذبا واللّه اعلم
وقوله تعالى { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم }
قال ابن جريج قلت لعطاء قلت لشيء اعمده واللّه لا افعله ولم أعقده قال وذلك أيضا مما كسبت قلوبكم وتلا { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } قال عطاء والتعقيد واللّه الذي لا اله الا هو
ففسر عطاء ان قوله واللّه لا افعل مما اكتسبه القلب
وفيه الكفارة وان اليمين واللّه لا اله الا هو
وروى ابن نجيح عن مجاهد { بما كسبت قلوبكم } قال بما عقدتم عل
وقوله تعالى { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر }
قال ابو جعفر والتقدير في العربية للذين يؤلون من اعتزال نسائهم أبي ان يعدلوا نسائهم
روى عطاء عن ابن عباس قال كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنين واكثر من ذلك فوقت اللّه لهم اربعة اشهر فمن كان إيلاءه منهم اقل من اربعة اشهر فليس بإيلاء
وفي حديث ابن عباس انهم كانوا ابن عباس انهم كانوا يفعلون ذلك اذا لم يريدوا المرأة وكرهوا ان يتزوجها غيرهم ألوا أي حلفوا ان لا يقربوها
فجعل اللّه الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة اربعة اشهر وإذا تمت ولم يفئ أي لم يرجع الى وطء امرأسه فقد طلقت في قول ابن مسعود وابن عباس
وقرأ ابي بن كعب{ فان فاؤوا فيهن }
وقال قوم لا يكون موليا حتى يحلف على اكثر من اربعة اشهر فإذا تمت له اربعة ولم يجامع فيحنث في يمينه اخذ بالجماع او الطلاق
وروي هذا عن عمر وعلي وأبي ألد رداء رواه مالك عن نافع ابن عمر
وقال مسروق والشعبي الفيء الجماع
قال ابو جعفر والفيء في اللغة الرجوع فهو على هذا الرجوع الى مجامعتها والطلاق مأخوذ من قولهم أطلقت الناقة فطلقت اذا أرسلتها من عقال او قيد وكان ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق
ويدل على هذا ان أمللك فلان معناه صير يملك المرأة الا ان المستعمل أطلقت الناقة فطلقت وطلقت المرأة فطلقت وطلق
وقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }
وقال عمر وعلي ومعاذ وأبو ألدرداء وأبو موسى ثلاث حيض
وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر ثلاثة أطهار
ويحتج للقول الأول بان عدة الأمة حيضتان وإنما عليها نصف ما على الحرة وقد قال عمر لو قدرت ان اجعلها حيضة ونصف حيضة لفعلت
والقرء عند أهل اللغة الوقت فهو يقع لهما جميعا
قال الأصمعي ويقال أقرأت الريح اذا هبت لوقتها
وحدثني احمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا محمود بن حسان النحوي قال حدثنا عبد الملك بن هشام عن ابي يزيد النحوي عن ابي عمرو بن العلاء قال من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمى الحيض مع الطهر قرءا
وقوله تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن }
وقال ابن عمر وابن عباس يعني الحبل والحيض
وقال قتادة علم ان منهن كواتم يكتمن ويذهبن بالولد الى غيره فنها هن اللّه عن ذلك
ثم قال تعالى { إن كن يؤمن باللّه واليوم الآخر }
فليس هذا على انه أبيح لمن لا يؤمن ان يكتم وإنما هذا كقولك ان كنت مؤمنا فاجتنب الإثم أي فينبغي ان يحجزك الأيمان عنه لانه ليس من فعل أهل الأيمان
ثم قال تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } وقال إبراهيم وقتادة في الإقراء الثلاثة والتقدير في العربية الأجل
ثم قال تعالى { إن أرادوا إصلاحا }
أي ان أراد الأزواج بردهن الإصلاح الاضرار
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس { إن أرادوا إصلاحا } وذلك ان الرجل كان اذا طاق امرأته فهو أحق برجعتها وان طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال
{ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
وقوله تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } روى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } قال أني لأحب ان أتزين للمرأة كما احب ان تتزين لي
وقال ابن زيد يتقون اللّه فيهن كما عليهن ان يتقين اللّه فيه
ثم قال تعالى { وللرجال عليهن درجة }
قال مجاهد هو ما فضل اللّه به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها
وقال ابو مالك له ان يطلقها وليس لها من الأمر شيء
وقوله تعالى { الطلاق مرتان }
روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس { الطلاق مرتان } قال اذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق اللّه في التطليقة الثالثة فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها وإما يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا
وقال عروة بن الزبير كان الرجل يطلق امرأته ويرتجعها قبل ان تنقضي عدتها وكان ذلك له ولو فعله ألف مرة ففعل ذلك
رجل مرارا فأنزل اللّه تعالى { الطلاق مرتان } فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق او لم يطلق
والتقدير في العربية الطلاق الذي لا يملك مع اكثر منه الرجعة مرتان
ويروى ان رجلا قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم فأين الثالثة فقال التسريح بإحسان
ثم قال تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } أي فالواجب عليكم إمساك بما يعرف انه الحق
{ أو تسريح بإحسان } أي يستهل أمرها بان يطلقها الثالثة
والسرح في كلام العرب السهل
وقوله تعالى { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه }
هذا في الخلع الذي بين الزوجين
قال ابو عبيدة الخوف هاهنا بمعنى اليقين
قال ابو اسحق حقيقته عندي ان يكون الغالب عليهما الخوف من المعاندة
قال ابن جريج كان طاووس يقول يحل الفداء قال اللّه
تعالى { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه } ولم يكن يقول قول السفهاء لا تحل حتى تقول لا اغتسل من جانبة ولكنه كان يقول { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه } فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة
والمعنى على هذه القراءة الا ان يخاف الزوج والمرأة
وقرأ الأعمش وأبو جعفر وابن وثاب والأعرج وحمزة { إلا أن يخافا } بضم الياء
وفي قراءة عبد اللّه{ الا ان تخافوا } بالتاء
وقيل المعنى على هاتين القراءتين الا ان يخاف السلطان ويكون الخلع الى السلطان
وقد قال بهذا الحسن قال شعبة قلت لقتادة عن من اخذ الحسن قوله لا يكون الخلع دون السلطان فقال اخذه عن زياد وكان وليا لعمر وعلي رضي اللّه عنهما
قال ابو جعفر واكثر العلماء على ان ذلك الى الزوجين
ثم قال تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وقد قال في موضع اخر { فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا }
وروى معمر عن الزهري قال لا يحل لرجل ان تختلع امرأته الا ان يؤتى ذلك منها فأما ان يكون يؤتى ذلك منه
يضارها حتى تختلع منه فان ذلك لا يصلح
وقال أهل الكوفة حظر عليه ما كان ساقه الى المرأة من الصداق في قوله تعالى { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا
ثم اطلقه { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه } فلا يحل له ان يأخذ اكثر مما ساقه أليها
وليس في الآية ما يدل على انه لا يحل له اكتر مما أعطاها
وقول الزهري بين ويكون قوله { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه } يبين قوله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا }
أي لا تأخذوا منهن شيئا غصبا
ومعنى { حدود اللّه } ما منع منه والحد مانع من الاجتراء على الفواحش واحدة المرأة امتنعت من الزينة ورجل محدود ممنوع من الخير والبواب حداد أي مانع ومعنى { فلا تعتدوها } فلا تتجاوزها
ثم قال تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } المعنى فان طلقها الثالثة
وأهل العلم على ان النكاح هاهنا الجماع لانه قال { زوجا غيره } فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع
الا سعيد بن جبير فانه قال النكاح هاهنا التزويج الصحيح اذا لم يرد إحلالها
قال ابو جعفر ويقوي القول الأول حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم لا تحل له حتى تذوق العسيلة
وعن علي حتى يهزها به
ثم قال تعالى { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا }
روى منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضوان اللّه عليه
قال ما أشكل علي شيء ما أشكلت هذه الآية في كتاب اللّه { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } فمازلت ادرس كتاب اللّه حتى فهمت فعرفت ان الرجل الآخر اذا طلقها رجعت الى زوجها الأول ان شاء اللّه
ثم قال تعالى { إن ظنا أن يقيما حدود اللّه }
قال طاووس ان ظنا ان كل واحد منهما يحسن عشرة
صاحبه
وقال مجاهد ان علما ان نكاحهما على غير دلسة
ثم قال تعالى { وتلك حدود اللّه يبينها لقوم يعلمون }
أي يعلمون ان أمر اللّه حق لا ينبغي ان يتجاوز
ثم قال تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف }
أجلهن وقت انقضاء العدة
و معنى{ فبلغن أجلهن } على قرب البلوغ كما تقول اذا بلغت مكة فاغتسل قبل ان تدخله
ثم قال تعالى { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا }
روى أبو الضحاك عن مسروق { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا }
قال يطلقها حتى اذا كادت تنقضي عدتها راجعها ايضا ولا يريد إمساكها ويحبسها فذلك الذي يضار ويتخد آيات اللّه هزوا
وقال مجاهد وقتادة نحو
ثم قال تعالى { ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه }
أي عرضها لعذاب اللّه
ثم قال تعالى { ولا تتخذوا آيات اللّه هزوا }
يروى عن الحسن ان الرجل كان يط
ثم يقول إنما كنت لاعبا فنزل هذا
وروى ابو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم
ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والرجعة
وقيل من طلق امرأته فوق ثلاثة فقد اتخذ
آيات اللّه هزوا
وروي عن عائشة ان الرجل كان يطلق امرأ
ثم يقول واللّه لا أورثك ولا ادعك وكيف ذاك وقال اذا كدت تقضين عدتك راجعتك فنزلت { ولا تتخذوا آيات اللّه هزوا }
قال ابو جعفر وهذا من أجود هذه الأقوال لمجيئها بالعلة التي أنزلت من اجلها الآية والأقوال كلها داخلة في معنى الآية لانه يقال لمن سخر من آيات اللّه اتخذوها هزوا ويقال ذلك لمن كفر بها ويقال ذلك لمن اطرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية
وآيات اللّه دلائله وأمره ونهيه
وقوله تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن }
روى سماك بن حرب عن ابن أخي معقل عن معقل بن سنان او يسار وقال لي الطحاوي وهو معقل بن سنان ان
أخته كانت عند رجل فطلق
ثم أراد ان يرجعها فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف }
قال ابو جعفر ومعنى { ولا تعضلوهن } في اللغة لا تحسبوهن
وحكى الخليل دجاجة معضل أي قد احتبس بيضها
وقد قيل في معنى هذه الآية أن انهي للأزواج لان المخاطبة لهم مثل قوله { ولا تمسكوهن ضرارا }
وقد يجوز ان يكون للاولياء وخوطبوا بهذا لانهم ممن يقع لهم هذا وقد تقدم أيضا نهي الازواج
والاجود ان يكون لهما جميعا ويكون الخطاب عاما أي يا ايها الناس اذا طلقتم النساء فلا تعضلوهن
قال ابو جعفر وحقيقة { فلا تعضلوهن } فلا تضيقوا عليهن بمنعكم اياهن أيها الاولياء في مراجعة ازواجهن
وتقول عضل يعضل وعضل يعضل ومنه الداء العضال الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج
ومعنى { واللّه يعلم } أي ما لكم فيه الصلاح
وقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين }
لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الامر لمافيه من الالزام
وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط عن
بعجة الجهني قال تزوج رجل امرأة فولدت لستة اشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي اللّه عنه وقال ان اللّه يقول { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال { وفصاله في عامين }
وقال ابن عباس فاذا ذهبت رضاعته فانما الحمل في ستة أشهر
و الفائدة في { كاملين } ان المعنى كاملين للرضاعة
كما قال تعالى { تلك عشرة كاملة } أي من الهدي
وقال تعالى { فتم ميقات ربه أربعين ليلة } لانه قد كان يجوز ان ياتي بعد هذا شيء اخر او تكون العشرة ساعات
ثم قال تعالى { لمن أراد أن يتم الرضاعة } أي ذلك وقت لتمام الرضاعه وليس بعد تمام الرضاعة رضا
ثم قال تعالى { وعلى المولود له } أي على الاب الذي ولد له { رزقهن وكسوتهن } أي رزق الامهات { وكسوتهن بالمعروف } أي لا تقصير في النفقة والكسوة ولاشطط
ثم قال تعالى { لا تضار والدة بولدها } على النهي
وقرا ابان عن عاصم{ لا تضارر والدة } بكسر الراء الاولى
وقيل المعنى لا تدع رضاع ولدها لتضربه غيظا على ابيه
وقرأ ابو عمرو وابن كثير { لا تضار والدة } بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الالزام
وروى يونس عن الحسن قال يقول لا تضار زوجها فتقول لاارضعه ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول انا ارضعه
ثم قال تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك }
روى مجاهد عن ابن عباس قال وعلى الوارث ان لا يضار
وكذلك روي عن الشعبي والضحاك
وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة { وعلى الوارث مثل ذلك } أي الكسوة والرضاع
وروي عن الضحاك الوارث الصبي فان لم يكن له
مال فعلى عصبته والا أجبرت المرأة على رضاعه
قال ابو جعفر وزعم محمد بن جرير الطبري ان اولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله انه يراد بالوارث المولود وان يكون { مثل ذلك } معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وان كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وان كانت من اهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على ولده لها من اجر الرضاعه ولا يكون غير هذا الا بحجة واضحة لان الظاهر كذا
قال ابو جعفر والقول الأول ابين لان الاب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن } وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما
تجب عليه ما دام رضيعا
ثم قال ابو حنيفة وأصحابه { وعلى الوارث مثل ذلك } أي الرضاع والكسوة والرزق اذاكان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن
ثم قال تعالى { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور }
قال مجاهد وقتادة أي فطاما دون الحولين
قال ابو جعفر وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى { عن تراض } من الابوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير اضرار
منهما بالولد
ثم قال { فلا جناح عليهما } أي فلا اثم
ثم قال تعالى { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم }
أي تسترضعوهم قوما
قال ابو اسحاق أي لاولادكم غير الوالدة
{ فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم } أي سلمتم ما أعطيتم من ترك الاضرار
وقال مجاهد اذا سلمتم حساب ما ارضع به الصبي
ثم قال تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا }
روي عن علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه انه قرأ { والذين يتوفون منكم } بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون اعمارهم أي يستوفونها واللّه اعلم
ثم قال تعالى { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا }
العشر عدد الليالي الا انه قد علم ان مع كل ليلة يومها
قال محمد بن يزيد المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة
وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا لانه يتبين حملها ان كانت حاملا
قال الاصمعي ويقال ان ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض وقال غيره اركضت فهي مركض وانشد
ومركضة صريحي أبوها تهان له الغلامة والغلام
ثم قال تعالى { فإذا بلغن أجلهن }
قال الضحاك { أجلهن } انقضاء العدة
وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد { فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } قال النكاح الحلال الطيب
وقوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء }
روى مجاهد عن ابن عباس قال هو ان يقول أريد ان اتزوج وكره ان يقول لا تبسقيني بنفسك في العدة
وقال القاسم بن محمد هو ان يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها انك علي لكريمة واني فيك لراغب وان اللّه لسائق اليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول
وقالت سكينة بنت حنظلة وكانت تحت ابن عم لها فتوفي فدخل علي ابو جعفر محمد بن علي وانا في عدتي فس
ثم قال كيف اصبحت فقلت بخير جعلك اللّه بخير فقال انا من قد علمت قرابته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقرابته من علي وحقي في الاسلام وشرفي في العرب
قالت فقلت له غفر اللّه لك يا ابا جعفر انت رجل يؤخذ منك ويروى عنك تخطبني في عدتي قال ما فعلت انما اخبرتك بمنزلتي من رسول اللّه صلى اللّه عليه وس
ثم قال دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ام سلمة بنت ابي امية بن المغيرة
المخزومية وتأيمت من ابي سلمة بن عبد الاسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكر منزلته من اللّه حتى اثر الحصير في يده من شدة ما يعتمد عليه بيده فما كانت تلك خطبة
ثم قال تعالى { أو أكننتم في أنفسكم }
قيل من أمر النكاح
ثم قال تعالى { علم اللّه أنكم ستذكرونهن }
قال الحسن أي في الخطبة
وقال مجاهد أي في نفسه
ثم قال تعالى { ولكن لا تواعدوهن سرا }
قال سعيد بن جبير السر ان يعاقدها على ان لا تتزوج
غيره
وقال مجاهد هو ان يقول لا تفوتيني بنفسك
وقال ابو مجلز وابراهيم والحسن هو الزنا
وقال ابو عبيدة هو الافصاح في النكاح
قال محمد بن يزيد قوم يجعلون السر زنا وقوم يجعلونه الغشيان وكلا القولين خطا انما هو الغشيان من غير وجهه قال اللّه تعالى { ولكن لا تواعدوهن سرا } فليس هذا موضع الزنا
قال ابو جعفر الذي قال محمد بن يزيد من ان السر الغشيان من غير وجهه عند أهل اللغة كما قال الا ان الاشبه في الآية ما قال سعيد بن جبير ان المعنى لا تواعدوهن نكاحا
فسمي النكاح سرا لان الغشيان يكون فيه وزعم محمد بن جرير ان اولى الاقوال باصواب ان السر الزنا ولا يصح قول من قال السر ان يقول لها ل تسبقيني بنفسك لانه قول علانية فان اراد ان يقال سرا قيل له فهو اذا مطلق علانية وهذا لايقوله احد ولا يكون السر النكاح الصحيح لانه لا يكون الا بولي وشاهدين وهذا علانية
ومعنى { ستذكرونهن } ستذكرون خطبتهن { ولكن لا تواعدوهن سرا } يقال لها قد ذكرتك في نفسي وقد صرت زوجتي فبغرها بذلك حتى يصل الى جماعها زن
ثم قال تعالى { إلا أن تقولوا قولا معروفا }
قال مجاهد هو التعريض
وقال سعيد بن جبير ان يقول لها أنى لأرجو ان نجتمع أني إليك لمائل
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } حتى تنقضى العدة
والتقدير في اللغة حتى يبلغ فرض الكتاب ويجوز ان يكون الكتاب بمعنى الفرض تمثيل
ثم قال تعالى { واعلموا أن اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه }
أي يعلم ما تحتالون به
وقوله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن }
قال ابن عباس الجماع
{ أو تفرضوا لهن فريضة } الفريضة ههنا المهر
قال ابو جعفر واصل الفرض الواجب كما قال كانت فريضة ما تقول قطيعتي
ومنه فرض السلطان لفلان
ثم قال تعالى { ومتعوهن على الموسع قدره } وهو الغني { وعلى المقتر قدره } وهو الفقير
قال سعيد ابن جبير ومجاهد والضحاك وهذا معنى قولهم في المطلقة قبل الدخول بها ولم يفرض لها صداق لها المتعة واجبة
وقال شريح لا يقضى عليه لانه قال { حقا على المحسنين }
ثم قال تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم }
فقال قوم لها المتعة مع ذلك كما روي عن علي ابن ابي طالب رضي اللّه عنه والحسن وسعيد ابن جبير
لكل مطلقة متعه
وقال آخرون لا متعة لها
روي ذلك عن عبد اللّه بن عمرو وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي
ثم قال تعالى { إلا أن يعفون } قال الزهري والضحاك المرأة اذا طلقت تدع النصف جعل له
ثم قال تعالى { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح }
حدثنا محمد ابن إدريس بن اسود قال حدثنا ابر أهيم بن مرزوق قال حدثنا عبيد اللّه بن عبد المجيد قال حدثنا جرير وهو ابن حازم قال حدثنا عيسى ابن عاصم عن شريح قال سألني علي بن أبي طالب عن { الذي بيده عقدة النكاح }
قال قلت هو الولي قال لا بل الزوج
وكذلك قال جبير بن مطعم وسعيد بن جبير ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب
وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم هو الولي يعنون الأب خاصة
قال ابو جعفر حديث علي إنما رواه عن شريح عيسى بن عاصم ورواه الجلة عن شريح من قوله منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي
واصح ما روي فيه عن صحابي قول ابن عباس
قرىء على عبد اللّه بن احمد بن عبد السلام عن ابي الأزهر احمد بن الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال اخبرني عمرو ابن دينار قال سمعت عكرمة يقول قال ابن عباس ان اللّه رضي العفو وأمر به فان عفت فذلك وان عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح وضنت جاز وان أبت
قال ابو جعفر والذي يدل عليه سياق الكلام واللغة انه الولي وهو الذي يجوز ان يعقد النكاح على المرأة بغير أمرها كما قال { ولا تعزموا عقدة النكاح } وإنما بيد الزوج ان يطلق
فان قيل بيده عقدة نكاح نفسه فذا لا يناسب الكلام الأول وقد جرى ذكر الزوج في قوله { وقد فرضتم لهن فريضة } فلو كان للزوج لقيل او تعفوا وهذا أشبه بسياق الكلام
وان كان يجوز تحويل المخاطبة الى الأخبار عن غائب
فأما اللغة فتوجب اذا أعطي الصداق كاملا ان لا يقال له عاف ولكن يقال له واهب لان العفو إنما هو ترك الشيء وإذهابه ومنه عفت الديار والعافية دروس البلاء وذهابه ومنه عفا اللّه عنك
ثم قال جل وعز { وأن تعفوا أقرب للتقوى }
قيل يعنى به الأزواج وقيل يعنى به الذي بيده عقدة النكاح والنساء جميعا
هذا قول ابن عباس وهو حسن لانه يقل وان
تعفون فيكون للنساء وان يعفو فيكون للذي بيده عقدة النكاح
وقوله عز وجل { حافظوا على الصلوات }
قال مسروق على وقتها
{ والصلاة الوسطى }
روى جابر بن زيد ومجاهد وأبو رجاء عن ابن عباس قال هي صلاة الصبح
وكذا روى عنه عكرمة الا انه زاد عنه يصلي بين سواد الليل وبياض النهار
وقيل لانها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار
وروى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن بن زيد بن ثابت قال هي الظهر
وفيها قول ثالث هو أولاها
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن
سليمان قال حدثنا محمد بن مصعب قال حدثنا ابو جزء عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قول اللّه جل وعز { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } هي صلاة العصر
وروى عبدة ويحيى بن الجزار وزر عن علي ابن ابي طالب رضوان اللّه عليه قال قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن العصر حتى كربت الشمس ان تغيب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه اللّهم ابلاء قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا وإملاء بيوتهم نارا وإملاء قبورهم نارا
قال زر قال علي كنا نرى انها صلاة الفجر
وقيل لها الوسطى لانها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار
ثم قال تعالى { وقوموا للّه قانتين }
قال ابن عباس والشعبي القنوت الطاعة
وقال مجاهد القنوت السكوت
قال ابو جعفر وهذان القولان يرجعان الى شيء واحد لان السكوت في الصلاة طاعة
وحدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا عبد اللّه بن
يحيى قال حدثنا يحيى اخبرنا يعلى هو ابن عتبة قال حدتنا اسماعيل بن ابي خالد عن الحارث بن شبيل عن ابي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة فيكلم أحدنا صاحبه فيما بينه وبينه حتى نزلت هذه الآية { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين } فأمرنا بالسكوت
وقيل هو القنوت في الصبح وهو طول القيام
وروى الجعفي عن بن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي الهيثم عن ابي سعيد يعني الخدري عن الني صلى اللّه عليه وسلم قال كل حرف في القرآن من القنوت فهو
الطاعة
ثم قال تعالى { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا }
روى ابو مالك عن ابن عباس أما { رجالا } فعلى ارجلكم اذا قاتلتم يصلي الرجل يومي براسه اينما توجه
وقال مجاهد وكيف قدر
وقوله جل وعز { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج }
روى حبيب بن الشهيد عن ابن ابي ملكية عن ابن الزبير قال قلت لعثمان الآية التي في البقرة { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم } لم اثبتها وقد نسختها الآية الآخرى قال يا ابن اخي لا أغير شيئا عن مكانه
وروى حميد عن نافع عن زينب بنت ام سلمة كانت
المرأة اذا توفي زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر س
ثم تعطى بعرة فترمي بها فأنزل اللّه عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول } يعني لنسائهم وكان للمرأة أن تسكن في بيت زوجها سنة وإن شائت خرجت فاعتدة في بيت أهلها أو سكنت في وصيتها الى الح
ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول } فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض اللّه من الربع والثمن ونسخ اجل الحول بان جعل اجلها اربعة اشهر وعشر
وفي حديث الفريعة فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم امكثي في منزلك حتى يبلغ الكتاب اجله
ثم قال تعالى { كذلك يبين اللّه لكم آياته لعلكم تعقلون }
أي لعلكم تتجنبون ما ليس بمستقيم كان العاقل الذي يعقل نفسه عما ليس بمستقيم
ثم قال تعالى { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت }
قال ابن عباس كانوا اربعة الاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا ناتي ارضا ليس بها موت فأماتهم اللّه فمر بهم نبي ودعا اللّه فاحياهم
وقيل انهم مات
ثمانية ايام
قال الحسن اماتهم اللّه قبل آجالهم عقو
ثم بعثهم الى بقية آجالهم
وقال الضحاك خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الل
ثم أحيا
ثم أمرهم أن يرجعوا الى الجهاد
وذلك قوله تعالى { وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أن اللّه سميع عليم }
قال ابو جعفر وفي رواية ابن جريج { وهم ألوف } انهم اربعون الفا وهذا اشبه لان الوفا للكثير وآلافا للقليل وان كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الاخر
واما قول ابن زيد { ألوف } مؤتلفة قلوبهم فليس
بمعروف
والقياس في جمع الف أألف كأفلس الا انهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في اوله الف او واو نحو وقت واوقات
وكذلك الياء نحو يوم وايام وقد قيل أألف
ثم قال جل وعز { من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا }
أصل القرض ما يفعل ليجازى عليه كما قال
واذا اجزيت قرضا فاجزه انما يجزي الفتى غير الجمل
ثم قال تعالى { واللّه يقبض ويبسط }
أي يقتر ويوسع
وقيل يسلب قوما ما انعم به عليهم ويوسع على اخرين
وقيل يقبض الصدقات ويخلفها بالثواب او في الدنيا
وقوله جل وعز { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى }
قال مجاهد هم الذين قال اللّه فيهم { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم }
قال الضحالك واما قوله { ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه } فذلك حين رفعت التوراة واستخرج الايمان وسلط على بني اسرائيل عدوهم فبعث طالوت ملكا { قالوا أنى يكون له الملك علينا } لان الملك كان في سبط بعينه لا يكون في غيره ولم يكن طالوت منه فلذلك وقع الانكار
وقوله عز وجل { أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم }
حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن ابي الاحوص عن علي قال السكينة لها وجه كوجه الانسان وهي بعد ريح هفافة
وروى خالد ابن عرعرة عن علي قال ارسل اللّه السكينة الى ابراهيم وهي ريح خجوج لها راس
وروى الضحاك عن ابن عباس قال السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع فاذا التقى الجمعان اخرجت يدها ونظرت اليهم فينهزم الجيش من ذلك الرعب
وقال الضحاك السكينة الرحمة والبقية القتال
وروي عن ابن عباس السكينة طست من ذهب الجنة كانت تغسل فيها قلوب الانبياء
وروى اسماعيل بن ابي خالد عن ابي صالح { وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون } قال عصا موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة
وقال ابو مالك السكينة طست من ذهب القى فيها موسى الالواح والتوراة وعصاه والبقية رضاضة الالواح التي كتب فيها التوراة
وقرىء على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن ابي الازهر عن روح بن عبادة قال حدثنا محمد بن عبد الملك عن ابيه قال قال مجاهد اما السكينة فما تعرفون من الايات التي تسكنون اليها قال والبقية العلم والتوراة
وقال ابو جعفر وهذا القول من احسنها وأجمعها لان السكينة في اللغة فعيلة من السكون أي آية يسكون اليها
وبين معنى { تحمله الملائكة } أنه روي ان جالوت وأصحابه كان التابوت عندهم فا بتلاهم اللّه بالناسور فعلموا انه من اجل التابوت فحملوه على ثور فساقته الملائكة فهذا مثل قولهم
حملت متاعي الى موضع كذا
ثم قال تعالى { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين }
أي ان في رد التابوت بعد ان اخذه عدوكم لآية لكم ان كنتم مصدقين
وقوله جل وعز { إن اللّه مبتليكم بنهر }
معناه مختبركم والفائدة في ذلك أن يعلم من يقاتل ممن لا يقاتل
قال عكرمة وقتادة هو نهر بين الاردن وفلسطين
وقال قتادة كان الكفار يشربون فلا يرون وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك
قال ابو جعفر الغرفة في اللغة ملء الكف أو المغرفة والغرفة الفعلة الواحدة
ومعنى { فإنه مني } فانه من اصحابي
وحكى سيبويه انت مني فرسخين
ثم قال تعالى { فشربوا منه إلا قليلا منهم }
روى ابو اسحاق عن البراء كنا نتحدث ان اصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر
على عدة اصحاب طالوت ممن جاز معه النهر يوم جالوت وما جاز معه الا مؤمن
{ فلما جاوزه } يعني النهر وراوا كثرة أصحاب جالوت وقلتهم { قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا اللّه } أي يوقنون
وقيل يتوهمون أنهم يقتلون في هذه الواقعة لقلتهم
والفئة الفرقة من فأوت رأسه وفاأيته
{ فهزموهم } أي كسروهم وردوهم يقال سقاء مهزوم اذا كان منثنيا جاف
وقوله جل وعز { ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض }
روى ابن أبي نجيج عن مجاهد قال يقول لولا دفع اللّه بالمؤمنين الفجار ودفعه بتقية أخلاق الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض بهلاك اهلها
قال ابو جعفر وهذا الذي عليه أكثر أهل التفسير أي لولا ان اللّه يدفع بمن يصلي عن من لا يصلي وبمن يتقي عن من لا يتقي لاهلك الناس بذنوبهم
وقيل لولا أن اللّه أمر بحرب الكفار لعم الكفر
فأهلك جميع الناس
وذا راجع الى الاول
وقيل لولا أن اللّه أمر بحرب الكفار لكان افسادهم على المسلمين اكثر
ويقرأ{ ولولا دفاع اللّه }
حكى ابو حاتم أن العرب تقول أحسن اللّه عنك الدفاع والمدافعة مثل ناولتك الشيء
ثم قال تعالى { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم اللّه }
قال مجاهد يقول كلم موسى
ثم قال جل وعز { ورفع بعضهم درجات }
قال مجاهد أرسل محمدا صلى اللّه عليه وسلم الى الناس كافة
ثم قال تعالى { وآتينا عيسى ابن مريم البينات }
أي الحجج الواضحة { وأيدناه } أي قويناه { بروح القدس } قال الضحاك جبريل صلى اللّه عليه وسلم
ثم قال تعالى { ولو شاء اللّه ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات }
فيه قولان
أحدهما ان المعنى لو شاء اللّه ما أمرنا بالقتال بعد وضوح الحجة واظهار البراهين
وقيل لو شاء اللّه أن يضطرهم الى الايمان لفعل كما قال { ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى }
وقوله جل وعز { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة }
قوله { أنفقوا } تصدقوا والخلة الصداقة
وقوله جل وعز { اللّه لا إله إلا هو }
أي لا اله للخلق الا هو
{ الحي القيوم } أي القائم بخلقه المدبر لهم
وروي عن ابن عباس { القيوم } الذي لا يزول
وقرأ عمر بن الخطاب رحمة اللّه عليه{ القيام }
وقرأ علقمة{ الحي القيم }
قال ابن كيسان القيوم فيعول من القيام وليس بفعول لانه ليس في الكلام فعول من ذوات الواو
ولو كان ذلك لقيل قووم
والقيام فيعال اصله القيوام
وأصل القيوم القيووم واصل القيم في قول البصرين
القيوم
وقال الكوفيون الاصل القويم
قال ابن كيسان ولو كان كذا في الاصل لم يجز فيه التغير كما لايجوز في طويل وسويق
وقوله جل وعز { لا تأخذه سنة ولا نوم }
قال الحسن وقتادة نعسة
وأنشد أهل اللغة
وسنان اقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
والمعنى لا يفصل عن تدبير أمر الخلق
قال تعالى { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }
لما قالوا الاصنام شفعاؤنا عند اللّه
فأعلم اللّه أن المؤمنين انما يصلون على الانبياء ويدعون للمؤمنين كما أمروا وأذن لهم
ثم قال تعالى { يعلم ما بين أيديهم } أي ما تقدمهم من الغيب { وما خلفهم } ما يكون بعدهم
{ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }
لا يعلمون من ذلك شيئا الا ما اراد أن يطلعهم عليه أو يبلغه أنبياؤه تثبيتا لنبوته
ثم قال تعالى { وسع كرسيه السماوات والأرض }
وحكى يعقوب الحضرمي وسع كرسيه السموات والارض ابتداء وخبر
وروى سفيان وهشيم عن مطرف عن جعفر عن ابي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { وسع كرسيه السماوات والأرض }
قال علمه الا ترى الى قوله { ولا يؤوده حفظهما }
وقد استشهد لهذا القول ببيت لايعرف وهو ولا يكرسىء علم اللّه مخلوق
أي لا يعلم علم اللّه مخلوق وهو ايضا لحن لان الكرسي غير مهمور
وقيل { كرسيه } قدرته التي يمسك بها السموات والارض كما تقول اجعل لهذا الحائط كرسيا أي ما يعمده وهذا قريب من قول ابن عباس
وقال أبو هريرة الكرسي بين يدي العرش
وفي الحديث ما السموات والارض في جوف الكرسي الا كحلقة في ارض فلاة
واللّه جل وعز أعلم بما اراد غير ان الكرسي في اللغة الشيء
الذي يعتمد عليه وقد ثبت ولزم بعضه بعضا ومنه الكراسة والكرسى ما تلبد بعضه على بعض
وقال الحسن الكرسي هو العرش
ومال محمد ابن جرير الى قول ابن عباس وزعم انه يدل على صحته ظاهر القرآن وذلك قوله عز وجل { ولا يؤوده حفظهما }
وقال جل وعز اخبارا { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما }
فأخبر أن علمه وسع كل شيء وكذا وسع كرسيه السموات
والارض
والضمير الذي في { حفظهما } للسموات والارض
ثم قال تعالى { ولا يؤوده حفظهما }
قال الحسن وقتادة لا يثقل عليه
قال ابو اسحاق فجائز ان تكون الهاء للّه عز وجل وجائز ان تكون للكرسي و اذا كانت للكرسي هو من أمر اللّه
وقوله تعالى { لا إكراه في الدين }
حدثنا احمد بن محمد بن سلمة يعنى الطحاوي قال حدثنا ابراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن ابي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { لا إكراه في الدين } قال كانت المرأة من الانصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير اذا فيهم ناس من ابناء الانصار فقالت الانصار يا رسول اللّه أبناؤنا
فأنزل اللّه { لا إكراه في الدين }
قال سعيد ابن جبير فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل الاسلام
قال ايو جعفر أي وأقام
وقال الشعبي هي في أهل الكتاب خاصة لا يكرهون اذا أدوا الجزية
وقال سليمان بن موسى نسخها { جاهد الكفار والمنافقين } وتأولها عمر على انه لا يكره المملوك على الاسلام
وقيل لا يقال لمن اسلم من أهل الحرب أسلمت مكرها لانه اذا ثبت على الاسلام فليس بمكره
وقوله جل وعز { فمن يكفر بالطاغوت }
روي عن عمر بن الخطاب انه قال الطاغوت الشيطان والجبت السحر
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك الطاغوت الشيطان
وقال الحسن الطاغوت الشياطين
وحدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا محمد بن مالك عن يزيد عن يزيد عن محمد بن سلمة عن خصيف قال الجبت الكاهن والطاغوت الشيطان
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك الطاغوت الشيطان
وقال مجاهد في قوله تعالى { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } هو كعب بن الاشرف
قال ابو حعفر وهذه الاقوال متقاربة وأصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي عن معناه من غير اشتقاق كما قيل اللآل من اللؤلؤ
قال سيبويه وأما الطاغوت فهو اسم واحد مؤنث يقع
على الجمع
فعلى قول سيبويه اذا جمع فعله ذهب به الى الشياطين و اذا وحده ذهب به الى الشيطان
قال ابو جعفر ومن حسن ما قيل في الطاغوت انه من طغى على اللّه وأصله طغووت مثل جبروت من طغى اذا تجاوز ح
ثم تقلب اللام فتجعل عينا وتقلب العين فتجعل لاما كجبذ وج
ثم تقلب الواو الفا لتحركها وتحرك ما قبلها فتقول طاغوت
والمعنى فمن يجد ربوبية كل معبود من دون اللّه ويصدق باللّه
وأصل الجبت في اللغة الذي لا خير فيه
وقال قطرب أصله الجبس وهو الثقيل الذي لاخير فيه
وقال ابو عبيدة الجبت والطاغوت كل ما عبد من دون اللّه
قال ابو جعفر وهذا غير خارج مما قلنا وخالف محمد بن يزيد سيبويه في قوله هو اسم واحد فقال الصواب عندي انه جماعة
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد { فقد استمسك بالعروة الوثقى } أي الايمان
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس { بالعروة الوثقى } لا اله الا اللّه
ثم قال تعالى { لا انفصام لها }
قال مجاهد أي لا يغير اللّه ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي لا يزيل عنهم اسم الايمان حتى يكفروا
يقال فصمت الشيء أي قطعت
ثم قال تعالى { اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور }
قال الضحاك الظلمات الكفر والنور الايمان ومثل الكفر بالظلمات والايمان بالنور
قرىء على احمد بن شعيب عن محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا المعتمر قال سمعت منصورا يحدث رجل عن عبدة ابن ابي لبابه في هذه الآية { اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } الى قوله { هم فيها خالدون } قال هم اناس كانوا آمنوا بعيسى فلما جاء محمد كفروا به قال وكان ناس قد كفروا بعيسى فلما جاء محمد آمنوا به فنزلت هذه الآية فيهم
قال ابو عبد الرحمن رواه جرير عن منصور عن مجاهد
فان قيل مامعنى { يخرجونهم من النور إلى الظلمات } ولم يكونوا في نور قط
فالجواب انه يقال رأيت فلانا خارج الدار وان لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وان لم يكن كان فيه
وقيل هذا تمثيل لما صرفوا عنه كانوا بمنزلة من اخرج منه كما يقال لم اخرجتني من ملتك
وقيل لما ولدوا على الفطرة وهي اخذ الميثاق وما فطروا عليه من معرفة اللّه جل و
ثم كفروا كانوا قد أخرجوا من
النور
قال الاخفش { اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } يحكم بأنهم كذلك تقول قد أخرجكم اللّه من هذا الامر ولم تكونوا فيه قط
قال ابو اسحاق ليس هذا بشيء انما هو يزيدهم بايمانهم هدى وهو وليهم في حجاجهم وهدايتهم وفي نصرهم على عدوهم ويتولى ثوابهم
قوله جل وغز { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } وهذه ألف التوقيف وفي الكلام معنى التعجب أي
اعجبوا له
قال ابن عباس ومجاهد هو نمروذ بن كنعان
قال سفيان فدعا برجلين فقتل
أحدهما واستحيا الاخر
قال سفيان { فبهت الذي كفر } فسكت فلم يجبه بشيء
وقرىء { فبهت الذي كفر }
أي فبهت ابراهيم الذي كف
وقوله عز وجل { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها }
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال يقال هو عزير والقرية بيت المقدس
{ فأماته اللّه مائة عام } فكان أول شيء حيي منه رأسه فجعل ينظر الى كل ما يخلق منه والى حماره
قال سعيد عن قتادة وذكر لنا انه عزير أتى على بيت المقدس بعدما خربه بختنصر قال فقال أنى تعمر هذه بعد خربها
ثم قال تعالى { فأماته اللّه مائة عام }
ذكر لنا انه مات ضحى وبعث قبل غيبوبة الشمس بعد مائة عام فقال لبثت يوما او بعض يوم
وقال كعب هو عزير
قال مجاهد هو رجل من بني اسرائيل
قال عن اللّه بن عبيد بن عمير هو أرميا وكان نبيا
والخاوية الخالية
وقال الكسائي يقال خوت خويا وخواء وخواية
والعروش السقوف أي ساقطة على سقوفها
قال ابو عبيدة ويقال خوت عروشها بيوتها والعروش الخيام وهي بيوت الاعراب
قال الكسائي والفراء الكاف في قوله { أو كالذي } عطف على معنى الكلام أي هل رأيت كالذي حاج ابراهيم او كالذي مر على قرية
وقيل هي زائدة كما قال { ليس كمثله شيء }
وقوله تعالى { لم يتسنه }
قال عكرمة وقتادة لم يتغير
وقال مجاهد لم ينتن
قال بعض أهل اللغة لم يتسن من قولهم آسن الماء اذا انتن
وقال ابو عمر الشيباني { لم يتسنه } لم يتغير
من قوله تعالى { من حمإ مسنون
ثم أبدل من احدى النونين ياء كما قيل تقصيت وتظنيت وقصيت اظافري
قال ابو جعفر والقولان خطأ لو كان من قولهم أسن الماء اذا انتن لكان يتأسن
قال ابو اسحاق وليس مسنون لان مسنونا مصبوب على سنة الارض
قال ابو جعفر والصحيح انه من السنة أي لم تغيره السنو
ثم قال تعالى { ولنجعلك آية للناس }
قال سفيان عن الاعمش قال رجع الى بنيه شيوخا وهو شاب
قال الكسائي لا يكون الملام الا باضمار فعل
والمعنى عنده فعلنا هذا لنجعلك دليلا للناس وعلما على قدرتنا ومثله { وحفظا }
ثم قال جل وعز { وانظر إلى العظام كيف ننشزها }
أي نحييها { ننشزها } بالزاي معجمة أي نركب بعض
العضام على بعض ونرفع بعضها الى بعض
والنشز والنشز ما ارتفع عن الارض
ومن قرأ { قال أعلم أن اللّه على كل شيء قدير }
فقال قتادة في قراءته أنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه الى بعض لان أول ما خلق منه راسه وقيل له انظر فقال عن ذلك هذا
وروى طاووس عن ابن عباس { قال أعلم } على الامر
وانما قيل له ذلك
قال هارون في قراءة عبد اللّه{ قيل اعلم } على وجه الامر
وقد يجوز ان يكون خاطب نفسه بهذا
وقوله عز وجل { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي }
فيه قولان
أحدهما ان المعنى ليطمأن قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فاذا رآه اطمان والانسان قد يعلم الشيء من ج
ثم يطلب أن يعلمه من غيرها
وهذا القول مذهب الجلة من العلماء وهو مذهب ابن عباس والحسن
قال الحسن ولا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان
والقول الاخر ان المعنى { ولكن ليطمئن قلبي } بأني اذا سألتك أجبتني
كما روى عن سفيان عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال { أو لم تؤمن } بالخلة قال توقن بالخلة
وروى أبو الهيثم عن سعيد بن جبير { ولكن ليطمئن قلبي } ليزدا
ثم قال تعالى { قال فخذ أربعة من الطير }
حدثنا عبد الباقي بن احمد بن محمد بن عبد العزيز الاموي قال حدثنا ابي قال حدثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكير حدثنا عبد اللّه بن لهيعة عن عبيد اللّه بن هبيرة السبيني عن حنش الصنعاني عن عبد اللّه بن عباس في قول اللّه جل وعز { فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك } قال هو الحمام والطاووس والكركي والديك
وروى الحكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس قال اخذ الديك والطاووس والغراب والحمامة
قال مجاهد { فصرهن } انتفهن بريشهن ولحومهن
قال ابو عبيدة صرت قطعت وصرت جمعت
وحكى ابوعبيدة صرت عنقه أصورها وصرتها أصيرها أملتها وقد صور
يقرأ بالضم والكسر واكثر القراء على الضم
قال الكسائي من ضمها جعلها من صرت الشيء املته وضممته الي قال وصر وجهك الي أبي أقبل به
والمعنى على هذه القراءة فضمهن اليك وقطع
ثم حذف وقطعهن لانه قد دل عليه
ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا }
ومن قرأ { فصرهن } بالكسر ففيه قولان
أحدهما انه بمعنى الاول
والآخر أن أبا مالك والضحاك قالا فقطعهن
قال ابو حاتم هو من صار اذا قطع قال ويكون حينئذ على التقديم والتأخير كأنه قال فخذ اربعة من الطير اليك فصرهن
قال غيره ومنه قيل للقطيع من بقر الوحش صوار وصوار أي انقطعت فانفردت ولذلك قيل لقطع المسك أصورة كما قال اذا تقوم يضوغ المسك أصورة
قال ابو جعفر وأولى ما قيل في معنى فصرهن وصرهن أنهما بمعنى القطع على التقديم
والتأخير أي فخذ اليك اربعة من الطير فصرهن
ولم يوجد التفريق صحيحا عن احد من المتقدمين
ثم ادعهن }
قال ابن عباس تعالين باذن اللّه فطار لحم ذا الى لحم ذا { سعيا } أي عدوا على ارجاهن ولا يقال للطائر اذا طار سعى
{ واعلم أن اللّه عزيز } أي لا يمتنع عليه ما يريد
{ حكيم } فيما يدبر
فلما قص ما فيه البراهين حث على الجهاد وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا ياتي به الا نبي فله في جهاده الثواب العظيم
فقال تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه } الى قوله { واسع عليم }
أي جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة { عليهم } اين يضعه
ثم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى }
أي لاتمتنوا بما أعطيتم وتعتدوا به وكأنكم تقصدون ذلك
والاذى أن يوبخ المعطى
فاعلم أن هذين يبطلان الصدقة كما تبطل صدقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم انه مؤمن
ثم قال تعالى { فمثله } أي فمثل نفقته { كمثل صفوان } وهو الحجر ا لاملس والوابل المطر العظيم القطر
{ فتركه صلدا }
قال قتادة ليس عليه شيء
والمعنى لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق فأذهب كما أذهب المطر التراب على الصفا ولم يوافق في الصفا مثبتا
ثم قال { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتا من أنفسهم }
أي وينفقونها مقرين ثابتين أنها مما يثيب اللّه عليه
قال الحسن اذا اراد أن ينفق تثبت فان كان اللّه أمضى والا أمسك
وقال قتادة { تثبيتا } أي احتسابا
وقال مجاهد يتثبتون أين يضعون أموالهم أي زكواتهم
وقال الشعبي تصديقا ويقينا
قال ابو جعفر ولو كان كما قال مجاهد لكان وتثبيتا من تثبت كتكرمت تكرما
وقول قتادة واحتسابا لا يعرف الا أن يراد به أن أنفسهم تثببتهم محتسبة وهذا بعيد
وقول الشعبي حسن أي تثبيتا من أنفسهم لهم على أنفاق ذلك في طاعة اللّه جل وعز يقال ثبت فلانا في هذا الامر أي صححت عزمة وقويت فيه رأيه اثبته تثبيتا أي انفسهم قوقنة مصدقة بوعد اللّه على تثبيتهم في ذلك
ثم قال تعالى { كمثل جنة بربوة }
قال مجاهد هي الارض المرتفعة المستوية أضعفت في ثمرها
قال قتادة { بربوة } يقول نبشز من الارض قال وهذا مثل ضربه اللّه لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما انه ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان ان أصابها وأبل وهو المطر الشديد وان اصابها طل قال مجاهد هو الندى
وقيل مطر صغير في القدر يدوم
قال محمد بن يزيد أي فالطل يكفيه
ثم قال جل وعز { أيود أحدكم أن تكون له جنة } الى قوله { فاحترقت }
قال ابن ملكية عن عبيد بن عمير سألهم عمر عن هذه الآية وذكرها فقالوا اللّه أعلم فغضب عمر وقال قولوا نعلم او لانعلم قال فقال ابن عباس ان في نفسي منها شيئا فقال قل ولا تحقر نفسك قال ضرب مثلا للعمل قال أي العمل قال فقال عمر هذا رجل كان يعمل بطاعة اللّه فبعث اليه الشيطان فعمل بالمعاصي فأحرق الاعمال
وروي عن ابن عباس بغير هذا الاسناد هذا مثل ضربه اللّه للمرائين بالاعمال يبطلها اللّه يوم القيامة أحوج ما كانوا اليها كمثل رجل كانت له جنة وكبر وله أطفال لا ينفعونه فأصاب الجنة اعصار ريح عاصف فيها سموم شديدة فاحترقت ففقدها
أحوج ما كان اليها
وروي عن ابن عباس انه قال الاعصار الريح الشديدة
قال ابو جعفر والاعصار هي التي يسميها الناس الزوبعة
ثم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم }
أي تصدقوا بالجيد
وحدثنا احمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن ابي مالك عن البراء قال كانوا يجيئون في الصدقان بأرد ا تمرهم وأراد طعامهم فنزلت { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } الى قوله { إلا أن تغمضوا فيه }
قال لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه الا وانتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم
قال ابو اسحاق في قوله تعالى { واعلموا أن اللّه غني حميد } أي لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم
فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه
ثم قال تعالى { الشيطان يعدكم الفقر } أي بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الردىء في الزكاة { ويأمركم بالفحشاء } بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا
{ واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا }
أي بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف
{ واللّه واسع عليم }
يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة
ثم قال تعالى { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا }
روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } قال المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله
قال مجاهد العقل والعفة والاصابة في القول
وقال زيد بن أسلم الحكمة العقل في دين اللّه
وقال الضحاك الحكمة القرآن
وقال قتادة الفهم
قلت وهذه الاقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لانه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم
وقال ابراهيم النخعي الفهم في القرآ
ثم قال تعالى { وما يذكر إلا أولوا الألباب }
أي ومل يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات الا ذوو العقول ومن فهم اللّه عز وجل أمره ونهيه
ثم قال عز وجل { وما أنفقتم من نفقة }
قال ابو اسحاق أي في فرض لانه ذكر صدقة الزكاة
{ أو نذرتم من نذر }
كل ما نوى الانسان أن يتطوع به فهو نذر
وقيل المعنى ما انفقتم من نفقة من غير نذر او انذر
ثم عقدتم على أنفسكم أنفاقه { فإن اللّه يعلمه } أي لا يخفى عليه فهو يجازي به
قال مجاهد { يعلمه } أي يحصيه
ثم قال تعالى { إن تبدوا الصدقات }
أي تظهروها
وفي الحديث صدقة السر تطفىء غضب الرب
وقيل كان في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاما اليوم فالناس يسيئون الظن
قال الحسن اظهار الزكاة أحسن واخفاء التطوع أفضل لانه أدل على انه يراد اللّه عز وجل به وحده
وقال الضحاك كان هذا يعمل به { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية } فلما نزلت برأءة بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة الي
وقوله جل وعز { ليس عليك هداهم }
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس كانوا يكرهون أن يتصدقوا على اقربائهم من المشركين فرخص لهم في ذلك فنزلت { ليس عليك هداهم } الى آخر الآي
وقوله عز وجل { للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه }
قال مجاهد يعني مهاجري قريش الذين كانوا بالمدينة
وقال غيره معنى { أحصروا في سبيل اللّه } منعهم فرض الجهاد من التصرف
وقيل شغلهم عدوهم بالقتال عن التصرف
قال ابو جعفر واللغة توجب ان { أحصروا } من المرض الا انه يجوز ان يكون المعنى صودفوا على هذه الحا
ثم قال تعالى { لا يستطيعون ضربا في الأرض }
قيل قد الزموا انفسهم الجهاد كما يقال لا أستطيع أن أعصيك أي قد ألزمت نفسي طاعتك
ثم قال تعالى { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف }
ليس الجهل ها هنا ضد العقل وانما هو ضد الخبرة
ثم قال تعالى { تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا }
يقال الحف في المسألة أخفى والح بمعنى واحد
وفي الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من سال وله أربعون درهما خقد ألحف
قال ابو اسحاق معناه فقد شمل بالمسالة ومنه اشتق الحاف قال ومعنى لا يسالون الناس الحافا لا يكون منهم سؤال فيكون الحاف كما قالي الشاعر
على لا حب لا يهتدى بمنارة اذا سافه العود النباطي جرجرا
أي ليس به منار فيهتدى به
وقوله عز وجل { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار }
حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن ابيه عن ابن عباس في قوله { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية } قال نزلت في علي بن ابي طالب رضوان اللّه عليه كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما
وقوله عز وجل { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس }
المعنى { الذين يأكلون الربا } في الدنيا { لا يقومون } في الاخرة { إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس }
قال قتادة أي الجنون
وقال غيره هذا علامة لهم يوم القيامة يخرج الناس من قبورهم مسرعين كما قال تعالى { يخرجون من الأجداث سراعا } الا اكلة الربا فانهم يقومون ويسقطون أربى اللّه الربا في بطونهم يوم القيامة حتى ثقلهم منهم ينهضون ويسقطون ويريدون الاسراع فلا يقدرو
ثم قال تعالى { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى }
قال سفيان يعني القرآن
ومعنى { فله ما سلف } مغفور له
ثم قال تعالى { وأمره إلى اللّه }
قال ابو اسحاق أي اللّه جل وعز وليه
قال غيره وامره الى اللّه في عصمته وتوفيقه ان شاء عصمه عن اكله وان شاء خذله عن ذلك
وقال بعض أهل التفسير { وأمره إلى اللّه } في المستقبل
وهذا قول حسن بين أي وأمره الى اللّه في المستقبل ان شاء ثبته على التحريم وان شاء اباحه
ثم قال تعالى { ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } قال سفيان من عاد فعمل بالربا حتى يموت
وقال غيره من عاد فقال انما البيع مثل الربا فقد كفر
وقوله جل وعز { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا }
قال مجاهد كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه ويزيد
وقوله جل وعز { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله }
أي فا يقنوا يقال أذنت بالشيء فانا اذين به كما قال فاني اذين ان رجعت مملكا
ومعنى فآذنوا فأعملوا غيركم انكم على حربهم
ثم قال تعالى { وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون
ثم قال الضحاك كانوا في الجاهلية يتبايعون بالربا فجاء الاسلام وقد بقيت لهم اموال فامروا ان يأخذوا رءوس أموالهم ولا يأخذوا الربا الذي كانوا أربوا به وأمروا أن يتصدقوا على من كان معسر
ثم قال جل وعز { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة }
قال ابراهيم نزلت في الربا
قال الربيع بن خيثم هي لكل معسر ينظر
قال ابو جعفر وهذا القول الحسن لان القراءة بالرفع بمعنى وان وقع ذو عسرة من الناس أجمعين أم كان فيمن تطالبون أو تبايعون ذو عسر ة
ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه بمعنى وان كان الذي عليه الربا ذا عسر ة
على ان المعتمر قد روى عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان وان كان ذا عسر ة والمعنى فعليكم النظرة أي التأخير الى أن يوسر
وروى عن عطاء أنه قرأ فناظرة الى ميسرة على جهة الامر
ثم قال تعالى { وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون }
قال ابرهيم أي برأس المال
قال الضحاك وأن تصدقوا من رأس المال خير من النظرة
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال زعم ابن عباس ان اخر آية نزلت من القرآن { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه }
قرىء على احمد بن شعيب عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين قال حدثني أبي عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه } الآية انها آخر آية انزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وقوله جل وعز { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه }
في معناها أقوال
منها ان هذا على الندب وليس بحتم
ومنها ان أبا نضرة روى عن أبي سعيد الخدري أنه تلا هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } حتى بلغ { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } قال نخست هذه الآية ما قبلها
وقيل ان هذا واجب في الاجل والاشهاد في العاجل وانما الرخصة في الرهن
ويقال داينت الرجل اذا اقرضته واستقرضت منه وكذلك تداين القوم
وأدنت الرجل بعته بدين ودنت وادنت أي أخذت بدين وأنا دائن ومدان
والمدين الملك اذا دان الناس له أي سمعوا واطاعوا
ومما يسأل عنه ان يقال ما وجه بدين وقد دل تداينهم على الدين فهل تكون مداينة بغير دين
فالجواب ان العرب تقول تداينا أي تجارينا وتعاطينا الاخذ والاعطاء فجاء بدين مبينا للمعنى المقصود
وقوله جل وعز { وليكتب بينكم كاتب بالعدل }
قال السدي بالحق أي لا يكتب لصاحب الحق اكثر مما له ولا اقل
ثم قال تعالى { ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه اللّه }
قيل كما علمه اللّه من الكتابة بالعدل
وقيل كما فضله اللّه بعلم الكتابة
ثم قال تعالى { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو }
قال ابن وهب أخبرني يونس انه سال ربيعة ما صفة السفيه
فقال الذي لا يثمر ماله في يدعه و لا أبتياعه و لا يمنع نفسه لذة يسقط في المال سقوط من لايعد المال شيئا الذي لا يرى له عقل في مال
وروي عن ابن عباس انه قال السفيه الجاهل با لاملاء والضعيف الاخرق
وقال ابو اسحاق السفيه الخفيف العقل ومن هذا تسفهت الريح اذا حركته واستخفته ومنه
مشين كما اهنزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النوسم
وحكى غيره ان السفه كل ما يقبح فعله أي هو فعل ليس بمحكم من قولهم ثوب سفيه اذا كان متخلخلا
فأما الضعيف فهو واللّه اعلم الذي فيه ضعف من خرس أو هرم أو جنون
ثم قال تعالى { فليملل وليه بالعدل }
في معنى هذا قولان
روى سفيان عن يونس عن الحسن { فليملل وليه بالعدل }
قال الضحاك ولى السفيه الذي يجوز عليه أمره فهو ولية
أي يقوم بأمره { بالعدل } هو الذي يملي الحق
والقول الاخر عن ابن عباس ان المعنى فليملل ولي الذي هو عليه
واحتج بهذا القول من ذهب الى نفي الحجر عن الاحرار البالغين العقلاء وهو مذهب محمد بن سيرين وابراهيم النخعي
ثم قال عز وجل { واستشهدوا شهيدين من رجالكم }
قيل من أهل ملتك
ثم قال تعالى { ممن ترضون من الشهداء }
أي ممن ترضون مذهبه
قال ابراهيم ممن لم تظهر له ريبة
ثم قال تعالى { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى }
أي أن تنسى
أحدهما فتذكرها الاخرى
وروي عن الجحدري { أن تضل } أي تنسى كما يقال أنسيت كذا
فأما ما روي عن ابن عيينة من انه قال تصير شهادتهما بمنزلة شهادة الذكر فلا يعرفه أهل اللغة وهو ايضا خطأ لانه لو كان انما معناه نجعلها بمنزلة الذكر لم يحتج الى ان تضل لانها
كانت تجعلها بمنزلة الذكر ضلت او لم تضل
ولا يجوز ان تصيرها بمنزلة الذكر وقد نسيت شهادتها
واما فتح ان فنذكره في الاعراب ان شاء اللّه
ثم قال عز وجل { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا }
روى ابن نجيح عن مجاهد قال اذا دعي ليشهد وقد كان أشهد
وقال الحسن واذا ما دعوا ابتداء للشهادة ولا يأبوا اذا دعوا لاقامتها
قال ابوجعفر قيل قول الحسن أشبه لانه لو كان ذلك لهم لتويت الحقوق ولان بعده { ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله } أي لا تملوا ان تكتبوا الحق كان كثيرا أو قليلا كما يقال لاعطينك حقك صغر او كبر
وقال الاخفش { أن تكتبوه } فاضمر الشاهد قال وقال { إلى أجله } أي الى الاجل الذي تجوز فيه شهادته و اللّه اعلم
هذا في كلام الاخفش نصا
قال ابو جعفر واختار محمد بن جرير قول مجاهد ان المعنى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } ان ذلك اذا كانت عندك شهادة فدعيت وهو قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة والشعبي والنخعي
قال محمد ابن جرير لان اللّه قد الزمهم اسم الشهداء وانما يلزمهم اسم الشهداء اذا شهدوا على شيء قبل ذلك وغير جائز ان يقال لهم شهداء ولم يشهدوا
ولو كان ذلك لكان الناس كلهم شهداء بمعنى انهم يشهدون فصار المعنى اذا مادعوا ليؤدوا الشهادة وايضا فدخول الالف واللام يدل على ان المعني بالنهي شخص معلوم
ثم قال تعالى { ذلكم أقسط عند اللّه وأقوم للشهادة }
قال سفيان معناه أع
ثم قال { وأقوم للشهادة } أي أثبت لان الكتاب يذكر الشاهد ما شهد عليه
ثم قال تعالى { وأدنى ألا ترتابوا }
أي لا تشكوا
ثم رخص في ترك الكتابة فيما يجري بين الناس كثيرا فقال تعالى { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم }
وقوله جل وعز { ولا يضار كاتب ولا شهيد }
فيه أقوال
منها أن المعنى على قول عطاء لايمتنعا اذا دعيا
كما روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال كان عمر يقرأ ولا يضارر كاتب ولا شهيد
وقال طاووس لا يضارر كاتب فيكتب ما لم يملل
عليه
وقال الحسن ولا يضارر الشهيد أن يزيد في شهادته
وروي عن ابن عباس ومجاهد { ولا يضار كاتب ولا شهيد } قالا نهي ان يجاء الى الشاهد والكاتب فيدعيا الى الكتابة والشهادة وهما مشغولان فيضارا فيقال قد أمركما اللّه الا تمتنعا وهو مستغن عنهما
والتقدير على هذا القول ولا يضارر وكذا قرأ ابن مسعود
فنهى اللّه جل وعز عن هذا لانه لو أطلقه لكان فيه شغل عن أمر دينهما ومعاشهما
ثم قال جل وعز { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم }
قال سفيان { فإنه فسوق بكم } قال معصية
ثم قال تعالى { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة }
وقرأ ابن عباس كتابا
وقال قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة
وكذا قرأ أبو العالية وعكرمة والضحاك ومجاهد
وقيل ان كتابا جمع كاتب كما يقال قايم وقيام
وقيل هما بمنزلة اثنين
ثم قال تعالى { فرهان مقبوضة }
قرىء فرهن مقبوضة رهن جميع رهان ويجوز ان يكون جمع رهن مثل سقف وسقف
وقوله عز وجل { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه }
فيها أقوال
روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى { لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها }
الا ان علي بن ابي طلحة روى عن ابن عباس انه قال لم تنسخ ولكن اذا جمع اللّه الخلائق يقول اني أخبركم بما كنتم في
أنفسكم فاما المؤمنون فيخبر
ثم يغفر لهم
وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب فذلك قوله عز وجل { يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء }
وهو قول جل وعز { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } من الشك والنفاق
وحدثنا احمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه } دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من قبل فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم قولوا سمعنا و أطعنا وسلمنا فألقى اللّه الايمان في قلوبهم
فأنزل اللّه عز وجل { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } الآية وأنزل { لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال قد فعلت { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا }
قال قد فعلت { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } قال قد فعلت
وروى اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي قال نسختها الآية التي بعدها { لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها }
وروى مقسم عن ابن عباس نزلت في الشهادة أي في
اظهارها وكتمانها
وقال مجاهد هذا في الشك واليقين
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية انها سالت عائشة عن هذه الآية { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه } وسألتها عن هذه الآية { من يعمل سوءا يجز به } فقالت عائشة ما سألني عنهما أحد منذ سألت رسول اله صلى اللّه عليه وسلم فقال يا عائشة هذه معاتبة اللّه العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى ان المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الاحمر من الكير
وقال الضاحك يعلمه اللّه يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه
وقيل لا يكون في هذا نسخ لانه خبر ولكن يبينه { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم }
فالمعنى واللّه اعلم وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه من الكبائر والذي رواه علي بن ابي طلحة عن ابن عباس حسن واللّه اعلم بما اراد
فأما ما روي عن ابن عباس من النسخ فمما يجب ان يوقف على تأويله اذ كانت الاخبار لا يقع فيها ناسخ ولا منسوخ
فان صح فتاويله ان الثاني مثل الاول كما تقول نسخت هذا من هذا
وقيل فيه قول أخر يكون معناه فأزيل ما خالط قلوبهم من ذلك وبين
وقوله جل وعز { كل آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله }
أي كلهم آمن باللّه
وقرأ ابن عباس{ وكتابه } وقال كتاب أكثر من كتب يذهب الى انه اسم للجنس
وقوله جل وعز { لا نفرق بين أحد من رسله }
روي عن ابن مسعود وابن عباس ويحيى بن يعمر أنهم
قرءوا{ لا يفرق } بمعنى كل لا يفرق أي لا يفرق الرسول والمؤمنون بين احد من رسله
ومن قرأ بالنون فالمعنى عنده قالوا لا نفرق بين احد من رسله أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض
ويدل على النون ربنا
ثم قال تعالى { وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير }
ومعنى غفرانك اغفر لنا غفرانا
وقوله جل وعز { لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
وسمعها أي طاقتها أي لا يكلفها فرضا من الفروض لا تطيقه
{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
قال محمد بن كعب لها ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من الشر
وقال غيره معناه لا يؤاخذ احد بذنب احد
وقوله جل وعز { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا }
قال قطرب النسيان ههنا الترك كقول الرجل للرجل لا تنسني من عطيتك أي تتركني منها
قال او أخطانا أي خطئنا واذنبنا ليس على الخطأ
قال ابو جعفر الذي قال قطرب في نسينا معروف في اللغة قال عز وجل { نسوا اللّه فنسيهم }
وقد يجوز ان يكون من النسيان لان النسيان قد يكون سببه الاقبال على ما لا يحل حتى يقع النسيان
والذي قال في { أخطأنا } لا يعرفه أهل اللغة لانه انما يقال خطينا أي تعمدنا الذنب وأخطأنا اذا لم نتعمده فلا يكون
أحدهما بمعنى ألاخر و لا يكون معنى أخطأنا دخلنا في الخطيئة كما يقال أظلمنا وأصبحنا وأنجدنا
وقوله جل وعز { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا }
قال مجاهد الاصر العهد
قال سعيد بن حبير الاصر شدة العمل وما غلظ على بني اسرائيل من البول ونحوه
وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ان اللّه تجاوز لامتي عما حدثت به انفسها ما لم تعمل به أو تكلم به
قال الضحاك كانوا يحملون أمور ا شدادا
قال مالك الاصر الامر الغليظ
قال ابو عبيدة الاصر الثقل
قال ابو جعفر وهذه الاقوال ترجع الى معنى واحد أي لا تأخذ عهدنا بما لا نقوم به الا بثقل أي لا تحمل علينا اثم العهد كما قال تعالى { وأخذتم على ذلكم إصري } وما امروا به فهو بمنزلة ما اخذ عهدهم به ومعنى ما تأصرني على فلان آصرة أي ما يعطفني عليه عهد ولا قرابة
وقوله جل وعز { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به }
معنى { ما لا طاقة لنا به } ما يثقل نحو { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة } كما يقال لا اطيق مجالسة فلان أي ذلك يثقل علي
والاصر ثقل العهد والفرض وما لا طاقة لنا به ما يقل بالاضافة وقد يجوز ان يخف على غيرن
ثم قال جل وعز { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }
{ واعف عنا } أمي إمح عنا نوبنا والعافي الدارس الممحي والعافية دروس البلاء
{ واغفر لنا } أي غط على عقوبتنا واسترها
وقيل أي امح عنا ذنوبنا
{ أنت مولانا } أي ولينا وناصرنا وقال لبيد
فغدت كلا الفرجين تحسب انه مولى المخافة خلفها وأمامها تمت سورة البقرة