بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله : { يس} مجازه مجاز ابتداء أوائل السور .
{ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ } أي وجب .
{ إِلى الأْذَقانِ } الذقن مجتمع اللحيين .
{ فَهُمْ مُقْمَحُونَ } المقمح والمقنع واحد ، تفسيره أي يجذب الذقن حتى يصير في الصدر ثم يرفع رأسه قال بشر بن أبي خازم الأسدي :
ونحن على جوانبها قُـعـودٌ
نَغضُّ الّطرفَ كالإبل القِماحِ
{ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تَنْذِرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } لها ثلاثة مواضع ، لفظها لفظ الاستفهام وليس باستفهام قال زهير :
سواءٌ عليه أي حينٍ أتيتَـه
أساعةَ نَحْسٍ تُتَّقَى أم بِأَسْعُدِ
فخرج لفظها على لفظ الاستفهام وإنما هو إخبار وكذلك قال حسان بن ثابت :
ما أُبالي أَنَبَّ بالحَزْنِ تَيْسٌ
أُم لحَاني بظره غيبٍ لئيمُ
وكذلك قول زهير :
وما أدرى وسوف إخُال أدرى أقومٌ آلُ حِصْنٍ أَم نِساءُ
{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ } أي جعلناه .
{ فيِ إِمَام ٍمُبِينٍ} أي في كتاب مبين .
{ فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي قوينا وشددنا قال النمر بن تولب :
كأنّ جَمْرَةَ أَو عَزَّت لها شَبهاً
بالجِذع يوم تلاقَينا بإِرْمـامِ
أوعزتها : أو غلبتها ، يقال في المثل من عزَّ بزَّ : من قهر سلب وتفسير { بزَّ } انتزع ، قال علي بن أبي طالب :
فعفَفتُ عن أَثوابه ولوَ أنْني
كنتُ المُقطَّر بَزّنى أَثوابِي
{ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكْمُ } أي حظكم من الخير والشر .
{ قَال يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المْرُسْلَينَ } بعض العرب يقول : يا قوم ، يكسرها ولا يطلق ياء الاضافة كما حذفوا التنوين من نداء المفرد قالوا : يا زيد أقبل وبعضهم ينشد بيت زهير :
تبيَّنْ خليلِ هل تَرى مِنْ ظَعائنٍ
تَحَمَّلْنَ بِالَعْلياء من فوق جُرْثُمِ
{ اتَّبِعُوا مَنْ لا َيْسَئُلكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ } { من } في موضع جميع .
{ وَلاَ يُنْقِذُونِ } تكف هذه الياء - كما تكف ياء الاضافة - هاهنا وفي آية أخرى { رَبِّى أكْرَمَنِ وأَمَّا إذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } قال الأعشى :
ومِن كاشحٍ ظاهر غمِرُه
إذا ما انتسبتُ له أَنْكَرَنْ
والعرب تكف الياءات المكسورات والمفتوحات من الأرداف قال لبيد ابن ربيعة :
وقبـيلٌ مـن لُـكَـيْزٍ شـاهـدٌ
رَهْطُ مرجومٍ ورَهْط ابن المَعلّ
مرجوم العصري من بني عصرٍ من عبد القيس ؛ وابن المعلى جد الجارود الجذمي .
{ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ } مثل ومجازها : اسمعوني اسمعوا مني .
{ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } عمل الفعل الذي قبلها فيها { أَلَمْ يَرَوْا } إذا كانت معلقة بما قبلها فهي مفتوحة .
{ وإنْ كُلٌّ } إذا خففت إن رفعت بها وإن ثَقَّلتَها نصبت { لَمَّا جَميعٌ } تفسيرها وإن كلٌّ لجميع و { ما } مجازها مجاز { مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } و { عَمَّا قَليلِ } .
{ الأرْضُ الْمَيْتَةُ } مخففةٌ الميت والميت قال قوم : إذا كات قد مات فهو خفيف وإذا لم يكن مات فهو مثقل وقوم يجعلونه واحداً ، الأصل الثقيل وهذا تخفيفها ، مجازهن مجاز { هيّن } ، { ليّن } ثم يخففون فيقولون : هيْن ، ليْن ، كما قال ابن الرعلاء الغساني :
ليس منَ مات فأستراح بمَيْتٍ
إنما الْمَيت مَـيِّت الأَحْـياء
فجعله خفيفاً جميعاً موضعٌ : قد مات وموضع : لم يمت ثم ثقل الخفيف .
{ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ } مجاز هذا مجاز قول العرب يذكرون الاثنين ثم يقتصرون على خبر أحدهما وقد أشركوا ذاك فيه وفي القرآن { والذَّيْنَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُْنِفُقونَهَا في سَبِيلِ اللّه }
وقال الأزرق بن طرفة ابن العمرد الفراصي من بني فراص من باهلة :
رماني بأَمرٍ كنتُ منه ووالدي
بَرِئاً ومن دَون الطَّوِىِّ رمَانِي
اقتصر على خبر واحد وقد أدخل الآخر معه
وقال حسان بن ثابت :
إن شَرْخَ الشباب والشَّعَر الَأْسود
ما لم يعاص كـان جـنـونـاً
ولم يقل : يعاصيا وكانا .
{ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } نميزه منه فنجئ بالظلمة { فَإذَ هُمْ مُّظْلِمُونَ } أي يقال للرجل : سلخه اللّه من دينه .
{ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ القَدِيمِ } هو الإهان إهان العِذْق الذي في أعلاه العَثا كِيل وهي الشَّماريخ والعذق بفتح العين النخلة .
{ لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَدْرِكَ القْمَرَ } مجازها : لا يكون أن تفوت .
{ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } مجاز هذا مجاز الموات الذي أجرى مجرى الناس في القرآن { رأَيَتْهُمُ ليِ سَاجِدِينَ } وفي آية أخرى { لَقَدَ عَلَمِتَ مَا هُؤُلاَءِ يَنْطِقُون } .
{ في الفْلُكِ الْمَشْحُونِ } المملوء يقال : شحنَها عليه خيلاً ورجالاً أي ملأها ، والفلك القطب الذي تدور عليه السماء ، والفلك السفينة ، الواحد والجميع من السفن .
{ لاَ صَرِيخَ لَهُمْ } لا مغيث لهم .
{وَلاَ هُمْ يُنْقَذُونَ إلاّ رَحْمةً مِّنَّا} مجازها مجاز المصدر الذي فعله بغير لفظه قال رؤبة :
إنّ نِزاراً أصبحتْ نِزارا
دعوةَ أبرارٍ دعوا أبرارا
وقال الأحوص :
إنّي لأمْنِحَكَ الصَّدود وإننـي
قَسَمَاً إليك مع الصدود لأميلُ
{ وَنُفِخَ في الصَّورِ } جميع صورةٍ فخرجت مخرج بسرة وبسر ولم تحلم على ظلمة وظلم ولو كانت كذلك لقلت { صُوَرٌ } فخرجت الواو بالفتحة ومجازها كسورة المدينة والجميع سور قال جرير :
لما أَتَى خبر الزُّبيِر تواضَعَتْ
سورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ
ومنها سور المجد أي أعاليه
وقال العجاج :
فرب ذي سُرداقٍ مَحْجـورِ
سِرتُ إليه في أعالي السُوْرِ
{ مِنَ الأَجْدَاثِ } واحدها جدثٌ وهي لغة أهل العالية ، وأهل نجد يقولون { جَذَفٌ } .
{ يَنْسِلونَ } يسرعون ، والذئب يعسل وينسل .
{ يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِناَ } أي من منامنا ثم جاء { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ } استئناف .
{ مُحْضَرُونَ } مشهدون .
{ فيِ شُغُلٍ فِكُهونَ } الفكه الذي يتفكه تقول العرب للرجل إذ كان يتفكه بالطعام أوبالفاكهة أو بأعراض الناس ، إن فلاناً لفكهٌ بأعراض قال خنساء أو عمرة بنتها :
فَكِهٌ عَلَى حينِ العـشـاء إذا
حضَر الشتاء وعَزَّت الجُزُرُ
ومن قرأها فاكهون جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة قال الحطيئة :
ودعوتَني وزعمتَ أن
كَ لاَبِنٌ بالصيف تامِرُ
أي ذو لبن وتمرٍ أي عنده لبن كثير وتمر كثير وكذلك عاسل ولاحم وشاحم .
{ في ظِلالٍ } واحدها ظلةٍ وجميع الظل أظلال وهو الكن أي لا يضحون .
{ عَلَى الأرائِكِ } واحدتها أريكة وهي الفرش في الحجال قال ذو الرمة وجعلها فراشاً :
خُدوداً جَفَتْ في السَّير حتى كأنما
يباشِرن بالمْعزاء مَـسَّ الأرائك
{ مَا يَدَّعُونَ } أي ما يتمنون ، تقول العرب : أدع على ما شئت أي تمنى على ما شئت .
{ سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } { سلام } رفع على { لَهُم } عملت فيها . { وقولاً } خرجت مخرج المصدر الذي يخرج من غير لفظ فعله .
{ وَامْتَازُوا } أي تميزوا .
{ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً } مثقل وبعضهم لا يثقل ويضم الحرف الأول ويثقل اللام ومعناهن الخلق والجماعة .
{ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ } يقال : أعمى طمسٌ ومطموسٌ وهو أن لا يكون بين جفنى العين غر وهو الشق بين الجفنين والريح تطمس الأثر فلا يرى الرجل يطمس الكتاب .
{ عَلَى مَكَانَتِهِمْ } المكان والمكانة واحد .
{ رَكُوبُهُمْ } ما ركبوا والحلوبة ما حلبوا و { رُكوبهم } فعلهم إذا ضم الأول .
{ وَهِيَ رَميمٌ } الرفات .
{ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } والملك واحد .