بسم اللّه الرحمن الرحيم
{ فَإخْوَانكُمْ فيِ الدِّينِ } أي إخوانكم في المِلّة وخرج مخرج فتىً والجميع فتيان وفيتية.
{ وَمَوَالِيكُمْ } أي بنو عمكم وولاتكم .
{ فيِ الكِتَابِ مَسْطُوراً } أي مكتوباً قال العجاج :
في الصُّحُف الأولى التي كان سَطِرْ
{ وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ } أي حارت وطمحت وعدلت وفي آية أخرى : { مَا زَاغَ البْصَرَ ُ} .
{ زُلِزْلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً } أي ابتلوا وفتنوا ومنه الزلازل .
{ يَثْرِبَ} اسم أرض ومدينة النبي صلى اللّه عليه في ناحية من يثرب قال حسان في الجاهلية :
سأُهدِي لها في كل عامٍ قصيدةً
وأَقعدُ مَكفِياً بيَثْرِبَ مُكَرمـا
{ لاَ مَقَامَ لَكُمْ } مفتوحة الأول ومجازها : لا مكان لكم تقومون فيه ومنه قوله :
فايٌّ ما وأيُّك كـان شـراً
فَقِيدَ إلى المقامة لا يراها
{ مِنْ أَقْطَارِهَا } أي من جوانبها ونواحيها وأحدها قطر .
{ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لأَتَوْهَا } أي لأعطوها .
{ فَإذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةِ حِدَادٍ } أي بالغوا في عيبكم ولا ائمتكم ومنه قولهم خطيب مسلقٌ ومنه الخاطب المسلاق وبالصاد أيضاً
وقال الأعشى :
فيهم الَحْزَمُ والسَّماحةُ والنَّجْد
ة فيهم والخاطب المِسْلاَقُ
ويقال : لسان حديد أي ذلقٌ وذليق .
{ الأحْزَابَ } واحدهم حزب يقال : من أي حزب أنت
وقال رؤبة :
وكيف أَضوَى وبِلالٌ حِزْبي .
{ فَمِنْهُم مَنْ قضَى نَحْبَهُ } أي نذره الذي كان نحب أي نذر والنحب أيضاً النفس أي الموت وجعله جرير الخطر العظيم فقال :
بِطَخْفةَ جالدنا المُلوكَ وَخَيْلنـا
عَشِيَّةَ بِسْطامٍ جَرينَ على نَحْبِ
أي خطر عظيم ، قال ومنه التنحيب قال الفرزدق :
وإذ نحبَّت كلبٌ على الناس أيُّهمْ
أحقٌّ بتاجٍ الماجد المُتـكـرِّم
وقال ذو الرمة :
قَضَى نَحْبَه في مُلْتَقى الخيل هَوْبَرُ
أي نفسه وإنما هو يزيد بن هوبر ويقال : نحب في سيره يومه أجمع إذا مدًّ فلم ينزل وليلته جميعاً .
{ الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ } أي عاونوهم وهو من التظاهر .
{ مِنْ صَياصِيهْم } أي من حصونهم وأصولهم يقال : جذ اللّه صيصة فلانٍ أي أصله وهي أيضاً شوك الحاكة قال :
وما راعني إلاّ الرماحُ تـنـوشُـهُ
كوَقْع الصَّياصي في النَّسيج الممُدَّد
وهي شوكتا الديك وهي قرن البقرة أيضاً .
{ يُضَاعَفْ لَهَا العْذَابُ ضِعفْيَن } أي يجعل لها العذاب ثلاثة أعذبة لأن ضعف الشيء مثله ، وضعفي الشيء مثلا الشيء ومجاز { يضاعف } أي يجعل الشيء ، شيئين حتى يكون ثلاثة فأما قوله ويضعف أي يجعل الشيء شيئين .
{ نُؤْتَها أَجْرَهَا } أي نُعطها ثوابها .
{ لَسْتُنَّ كأحَدٍ من النِّسَاءِ } أحد يقع على الذكر والأنثى بلفظ واحد يقع على ما ليس في الآدميين ، يقال : لم أجد فيها أحداً شاة ولا بعيراً .
{ وَقِرْنَ فيِ بُيُوتِكُنَّ } القاف مكسورة لأنها من وقرت تقر ، تقديره وزنت تزن ومعناه من الوقار ومن فتح القاف فإن مجازها من { قرّت تقر } تقديره : قررت تقر فحذف الراء الثانية فخففها وقد تفعل العرب ذلك
وقال الشاعر :
خَلا أنَّ العِتاق من المَطايا
أَحسْنَ به فهنَّ إليه شُوسُ
أراد أحسسن .
{ وَلاَ يَتَبَرَّجْنَ } وهو من التبرج وهو أن يبرزن محاسنهن فيظهرونها .
{ فلَمَّا قَضًى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً } أي أرباً وحاجة قال الشاعر :
ودَّعَني قبـل أن أُودّعَـه
لمّا قضى من شَبابنا وَطَرا
أي أرباً وحاجة .
{ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللّه لَهُ سُنَّةَ اللّه في الذّينَ خَلَوَا مِنْ قَبْلُ } سنة اللّه منصوبة لأنها في موضع مصدر من غير لفظها ؛ من حرج أي من ضيق وإثم ، خلوا أي مضوا .
{ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } ما بين العصر إلى الليل .
{ هُوَ الذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ } أي يبارك عليكم قال الأعشى :
عليكِ مِثْل الَّذِي صلَّيْتِ فاغْتمضى
نَوْماً فإن لجنب المَرْء مُضطَجعاً
{ ألّتي أَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } أي أعطيت مهورهن .
{ مَّمِا أَفَاءَ اللّه عَلَيْكَ } أي مما فتح اللّه عليك من الفيء .
{ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةٌ إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبيِّ} مجازه : إن تهب والموضع موضع مجازاة والعرب قد تجازى بحرف وتضمر الآخر معهما قال ذو الرمة :
وإني متى أُشِرفْ على الجانب الذي
به أنتِ ما بين الجَوانـب نـاظـرُ
قال القطامي :
والناسُ من يَلْقَ خيراً قائلون له
ما يشتهي ولأُمِّ المُخطئ الهَبَلُ
قال { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ للنَّبيِّ } إن أراد النبي أن يستنكحها { خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المؤُمْنِينَ } وهبت في موضع { تهب } والعرب تفعل ذلك قال :
إن يَسمعوا ريبةً طاروا بها فَرَحاً
وإن ذُكرتُ بسوءٍ عندهم أَذنِـوا
أي يطيروا . والعرب قد تخاطب فتخبر عن الغائب والمعنى للشاهد فترجع إلى الشاهد فتخاطبه قال عنترة :
شَطَّتْ مزارُ العاشقين فأَصبحْت
عَسِراً عَلَىَّ طلابُك ابنةَ مَخْرَم
{ تُرْجِى مَنْ تَشَاءُ } أي تؤخر .
{ وتُؤْوِى إِلَيْكَ مَنْ تَشَاء } أي تضم .
{ لاَ يَحَلُِّ لَكَ النساءُ مِنْ بَعْدُ } إذا جعلت العرب من فعل المؤنث وبينها شيئاً ذكروا فعلها ؛ وبعد مرفوعه بغير تنوين لأنه غاية لم تصف وحرم على النبي صلى اللّه عليه وسلم غير هؤلاء ، فإن قال قائل إنهن لم يحرمن
عليه فإن الآية إذا منسوخة { عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً } أي حفيظاً قال أبو داود :
كمقاعد الرُّقباء للضُّرباء أيديهم نَوَاهِدْ
{ إلىَ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ } أي إدراكه وبلوغه ويقال أبي لك أن تفعل ، يأني أنياً والاسم إني وأبى أبلغ أدرك قال :
تمخَّضت المَنونَ له بيوم
أَنى ولكلِّ حاملةٍ تَمـامُ
{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَؤْذُوا رَسُولَ اللّه وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً } مجازه : ما كان لكم أن تفعلوا شيئاً منذ لك وكان من حروف الزوائد قال :
فكيف إذا رأيتَ ديار قومٍ
وجيرانٍ لهم كانوا كرامِ
القافية مجرورة والقصيدة لأنه جعل كانوا زائدة للتوكيد ولو أعمل { كان } لنصب القافية
وقال العجاج :
إلى كِناسٍ كان مُسْتَعِيدِه
وقال الفزاري :
لم يُوجَدْ كان مثلُ بني زِياد
فرفع مثل بني زياد لأنه ألقى { كان } وأعمل { يوجد } .
{ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي لنسلطنك عليهم .
{ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } مجازه مجاز الظرف هاهنا ولو كان وصفاً للساعة لكان قريبة وإذا كان ظرفاً فإن لفظها في الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث واحد بغير الهاء وبغير تثنية وبغير جمع .
{ فَأَضَلُونَا السَّبِيلاَ } ويقال أيضاً في الكلام . أضلى عن السبيل ومجازه عن الحق والدين .
{ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً } قصداً ، قال أوس بن حجر :
وما جَبُنوا إني أَسُدُّ علـيهـمُ
ولكن لقواً ناراً تَحُسُّ وتَسفَعُ
ويروى : ناراً تخش توقد ، وتحس : تستأصل ؛ أسد أقول عليهم السداد ، يقال أسددت بالقوم إذا قلت عليهم حقاً وسدداً .