بسم اللّه الرحمن الرحيم
{ فِي صَلاَتِهمْ خَاشِعُونَ } أي لا تطمح أبصارهم ولا يلتفتون مكبون .
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلاَلةٍ مِنْ طِينٍ } مجازها الولد والنطفة قالت بنت النعمان بن بشير الأنصارية :
وهل كنتُ إلاّ مُهرةً عـربـيّة
سُلالة أَفراسٍ تجللّهـا بَـغْـلُ
فإن نُتِجتُ مُهراً كريماً فبالحَرَى
وإنْ يك إقرافٌ فمِن قِبل الفَحْل
تقول لزوجها روح بن زنباع الجذامي .
ويقال : سليلة
وقال :
يقذفن في اسلائها بالسلايلِ
وقال حسان :
فجاءت به عُضْبَ الأديم غَضَنفراً
سلالة فرْج كان غير حَصـينِ
ويقال لبن غضنفر أي خائر غليظ والأسد سمي غضنفر لكثافته وعظم هامته وأذنيه ، والغضنفر الغليظ من اللبن ومن كل شيء .
{ سَبْعَ طَرَائِقَ } مجازها أن كل شيء فوق شيء فهو طريقة من كل شيء والمعنى هنا السموات لأن بعضهن فوق بعض .
{ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ } مجازه تنبت الدهن والباء من حروف الزوائد وفي آية أخرى : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإلْحَادٍ } مجازه يريد فيه إلحاداً قال الراجز :
نحن بنو جعدة أصحاب الفَلـجُ
نَضِرب بالبيِض ونرجو بالفَرَجْ
أي نرجو الفرج .
{ طورِ سِينَاءَ } الطور الجبل قال العجاج :
دانَي جَناحَيْه مِن الطُّور فمرّ
و{ سِينَاء } اسم .
{ بِهِ جِنَّةٌ } مجازها مجاز الجنون وهما واحد .
{ فَاْسْلكْ فِيهَا مِنْ كلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } مجازها فاجعل واحمل وفي آية أخرى{ مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ } قال عدي بن زيد : وكنتُ لزِازَ خَصْمكَ لم أُعَرِّد ... وقد سلكوك في يوم عَصِيبِ وبعضهم يقول اسلك بالألف قال :
حتى إذا أسلكوهم في قتـائدة
شَلأ كما تطرد الجمالة الشُرُدا
{ فَإذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَّنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ } مجازه إذا علوت على السفينة وفي آية أخرى : { عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } أي علا
وقال آخرون : حتى إذا كنت أنت ومن معك في الفلك { لأن } في و { على } واحد كقوله { وَلاَ صَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ } أي على جذوع النخل والفلك هاهنا السفينة وقد يقع على الواحد والجميع بلفظ واحد .
{ فَقل الْحَمْدُ للّه } مرفوع لأنه حكاية يأمره أن يلفظ بهذا اللفظ ولم يعملوا فيه { قل خيرا } فينصبونه .
{ وَأَنْرْفَناهُمْ في الْحيَاةِ الدُّنْيَا } مجازه وسعنا عليهم فأترفوا فيها وبغوا ونِظروا فكفروا وأعجبوا قال العجاج :
وقد أراني بالديار مُترَفا
{ عَمَّا قَلِيلٍ } مجازه عن قليل وما من حروف الزوائد فلذلك جروه وفي آية أخرى { إنَّ اللّه لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } والعرب قد تفعل ذلك ، قال النابغة :
قالت ألا ليت ما هذا الحمام لنا
إلى حَمامتنا ونصفَه فـقـدِ
ويقال في المثل : ليت ما من العشب خوصة .
{ فَجَعَلْناَهُمْ غُثاَءً } وهو ما أشبه الزبد وما ارتفع على السيل وما أشبه ذلك مما لا ينتفع به في شيء .
{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَترَى } أي بعضهم في أثر بعض ومنه قولهم : جاءت كتبه تترى ، والوجه أن لا ينون فيها لأنها تفعل وقوم قليل ينونون فيه لأنهم يجعلونه اسماً ومن جعله اسماً في موضع تفعل لم يجاوز به ذلك فيصرفه .
{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } أي يتمثل بهم في الشر ولا يقال في الخير : جعلته حديثاً .
{ لنَا عَابِدُونَ } أي داينون مطيعون ، وكل من دان لملك فهو عابد له ومنه سمي أهل الخبرة العباد .
{ وَآوَيْناَهُماَ إلَى رَبْوَةٍ } تقديره أفعلنا وأوى وهو على تقدير عوى ومعناه ضممنا وربوة يضم أولها ويكسر وهي النجوة من الأرض ومنها قولهم : فلان في ربوة من قومه ، أي عز وشرف وعدد .
{ ذَاتِ قَرَار وَمَعِينٍ } أي تلك الربوة لها ساحةٌ وسعةٌ أسفل منها وذات معين أي ماء جار طاهر بينهم .
{ زُبُراً } أي قطعاً ، ومن قرأها زبرا - بفتح الباء - فإنه يجعل واحدتها زبرة كزبرة الحديد : القطعة .
{ إذَا هُمْ بَجْأَرُونَ } أي يرفعون أصواتهم كما يجأر الثور ، قال عدي بن زيد :
إنّني واللّه فاسمَع حَلِفِي
بأبيل كلما صَلَّى جَأَرْ
{ فَكْنتُمُ على أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ } يقال لمن رجع من حيث جاء : نكص فلان على عقبيه .
{سَامِراً تَهْجُرُونَ } مجازه : تهجرون سامراً وهو من سمر الليل ، قال ابن أحمر :
مِن دونهم إن جئتهم سَمَـراً
عَزْفُ القِيَانِ ومَجْلِسٌ غَمْرُ
وسامر في موضع { سمار } بمنزل طفل في موضع أطفال .
{ أمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً } أي أتاوة وغلةً كخرج العبد إلى مولاء ، أو الرعية إلى الوالي ، والخرج أيضاً من السحاب ومنه يرى اشتق هذا أجمع قال أبو ذؤيب :
إذا همَّض بالإقلاع هَبَّتْ له الصَّبا
وأعقَبَ نَوْءٌ بعـدَهـا وخُـرُوجُ
قال أبو عمرو الهذلي : إنما سمي خروجاً الماء يخرج منه .
{ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَا كِبوُنَ } أي لَعَادِلون ، يقال نكب عنه ، ويقال : نكب عن فلان ، أي عدل عنه ، ويقال : نكب عن الطريق ، أي عدل عنه .
{ قلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ } أي فكيف تعمون عن هذا وتصدون عنه وتراه من قوله : سحرت أعيينا عنه فلم ينصره .
{ منْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ } وهمز الشيطان غمزه الإنسان وقمعه فيه .
{ وَمِنْ وَرَائِهمْ بَرْزَخٌ } أي أمامهم وقدامهم ، قال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمي وطاعتي
وقومى تميم والـغُـلاةُ ورائيا
وما بين كل شيئين برزخ وما بين الدنيا والاخرة برزخ ، قال :
ومقدارُ ما بيني وبينكَ بَرْزَخُ
{ فَاتَّخَذْتُموهمْ سِخْرِيّاً } مكسورة الأولى لأنه من قولهم : يسخر منه ، وبعضهم يضم أوله ، لأنه يجعله من السخرة والتسخر بهم .
{ لاَ بُرْهَانَ } لا بيان .