بسم اللّه الرحمن الرحيم
{ وإنِّي خِفْتُ المْوَاَليَ مِن وَّرَائِي } أي بني العم من ورائي ، أي قدامي وبين يدي وأمامي ، قال :
أَتَرجو بني مَرْوان سَمْعي وطاعتي
وقَوْمي تمـيم والـفَـلاة ورائيا
قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهبٍ :
مَهْلاً بني عمنّا مَهْلاً مَوالينا
لا تُظهرنَّ لنا ما كان مَدْفونا
{وكانَتَ امْرَأَتِي عَاقِراً } أي لا تلد ، وكذلك لفظ المذكر مثل الأنثى ، قال عامر بن الطفيل :
لَبئس الفَتَى إِن كنتُ أعورَ عاقراً
جَباناً فما عُذْرى لَدَى كل مَحْضِر
{ فَهَبْ ليِ مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً } أي من عندك ولداً ووارثاً وعضداً رضياً يرثني ؛ يرفعه قوم على الصفة ، مجازه : هب لي ولياً وارثاً ، يقولون : ائتني بدابة أركبها ، رفع لأن معناها : ائتني بدابة تصلح لي أن أركبها ؛ ولم يرد الشرط ومن جزمه فعلى مجاز الشريطة والمجازاة كقولك : فإنك إن وهبته لي ورثني .
{ يَا زَكَريَّا } مجازه مجاز المختصر كأنك قلت : { فقلنا يا زكريا } وفيه ثلاث لغات : زكرّياء ممدود ، وزكرّيا ساكن ، وزَكَرىٌّ تقديره بختِيٌّ .
{ مِنَ الكِبَرِ عِتِيّاً } كل مبالغ من كبر أو كفرٍ أو فسادٍ فقد عتا يعتو عتياً .
{ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي أهون .
{ وَحَنَانا مِّن لَّدُنَّا } أي رحمة من عندنا ، قال أمرؤ القيس ابن حجر الكندي :
ويمنَحُها بنو شَمَجي بن جَرْمٍ
مَعِيزَهُمُ حَنَانكَ ذا الحَنـانِ
وقال الحطيئة :
تَحنَّنْ علىَّ هداكَ المليك
فإن لكل مقامٍ مقـالا
أي ترحم ، وعامة ما يستعمل في المنطق على لفظ الاثنين ، قال طرفة العبدي :
أبا مُنْذر أفنيت فاستبق بِـعـضـنَـا
حَنانَيْكَ بعض الشرّ أهونُ من بعضِ
{ إذِ انْتَبَذتْ مِنْ أَهْلِهَا } اعتزلت وتنحت .
{ مَكَاناً شرْقِيّاً } مما يلي المشرق وهو عند العرب خير من الغربي الذي يلي المغرب
{ مَكانَاً قَصِيّاً } أي بعيدا .
{ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلىَ جِذْعِ النَّخْلِة } مجازها أفعلها من جاءت هي وأجاء غيرها إليه ، ?يقال في المثل : شر ما أجاءني إلى مخه عرقوب ،
وقال زهير :
وجارٍ سار معتمداً إليكم
أجاءتْه المخافُة والرَّجاء
{ وكنْتُ نِسْياً مَّنْسِياً } وهو ما نُسي مِن عصاً أو أدواةٍ أو غير ذلك ، قال الشنفري :
كأَنَّ لها في الأرض نَسْياً تَقُصُّه
على أَمِّها وإنْ تُحَدّثْك تَبْـلَـتِ
أي تقطع الحديث استحياءً
وقال الكميت :
أتجعلنا قيسٌ لِكلب بـضـاعةً
ولسْتُ بِنسيٍ في مَعّد ولا دَخلِ
وقال دكين الفقيمي :
كالنَّسْي مُلْقىً بالجَهادِ البَسْبَسِ
الجهاد غلظٌ من الأرض .
{ سَرِيّاً } أي نهراً ، قال لبيد بن ربيعة :
فرمى بها عُرْضَ السَّرِيِّ فغادرا
مسجورةً متجاورِاً قُـلاّمُـهـا
مسجورة أي مملوءة ، القلام شجر يشبه القاقلي وهو نبت .
{ وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلِة } مجازه : هُزّي إليك جذع النخلة ، الياء من حروف الزوائد ،
وقال :
نَضرب بالبِيض ونرجو بالفَرَجْ
معناه : ونرجو الفرج .
{ يَسَّاقَطْ عَلَيْكِ } من جعل { يساقط } بالياء فالمعنى على الجذع ومن جعله بالتاء فالمعنى على النخلة وهي ساكنة إذا كانت في موضع المجازات وموضع { يسَّاقط } في موضع يسقط عليك رطباً جنياً والعرب تفعل ذلك ، قال أوفى ابن مطرٍ المازني :
تخاطَّأَت النَّبلُ أَحشاءَه
وأُخِّر يَومى فلم يُعَجلِ
تخاطَّأت وهو في موضع أخطأت ،
وقال الأعشى :
ربي كريمٌ لا يكدِّر نِعـمةً
وإذا تُنُوشد بالمهَارِقِ أنشدا
هو في موضع نشد ، أي سئل بالمهارق وهي الكتب ، قال أمرؤ القيس :
ومثِلك بيضاءِ العوارضِ طَفْـلةٍ
لَعوبٍ تنَاساِني إذا قمتُ سِربالِي
في معنى تنسيني .
وقال جرير :
لولا عظامُ طَرِيفٍ ما غفرتُ لكم
بيعى قرايَ ولا نسَّأتكم غَضَبي
أي ما أنسأتكم لولا عظام طريف ، يعني طريف بن تميم العنبري ، قتله حمصيصة الشيباني ، وهو ابن شراحيل .
{ إنيَّ نَذَرْتُ للرِحَّمْنِ صَوْماً } يقال لكل ممسك عن شيء من طعام أو شراب أو كلام أو عن أعراض الناس وعيبهم صائم ، قال النابغة الذبياني .
خَيلٌ صيامٌ وخيلٌ غير صـائمة
تحتَ العَجَاج وخيلٌ تَعْلُكُ الُلجُما
{شيئاً فَريّاً } أي عجباً فائقاً ، وكذلك كل شيء فائق من عجب أو عمل أو جرى فهو فريٌ .
{ مَنْ كاَنَ فيِ الْمَهْدِ صَبِيَّاً } ول{ كان } مواضع ، فمنها لما مضى ، ومنها لما حدث ساعته وهو : كيف نكلم من حدث في المهد صبياً ، ومنها لما يجيئ بعد في موضع { يكون } والعرب تفعل ذلك ، قال الشاعر :
إن يَسمعوا رِيبة طاروا بها فَرحاً
منى وما يَسمعوا من صالح دَفَنوا
أي يطيروا ويدفنوا . { وكاَنَ اللّه عَليماً حَكيِماً } فيما مضى والساعة ، وفيما يكون ويجي { كان } أيضاً زائدة ولا تعمل في الاسم ، كقوله :
فكيف إذا رأيت دِيارَ قومٍ
وجِيرانٍ لهم كانوا كِرامِ
والمعنى وديار جيرانٍ كرامٍ كانوا ، { وكانوا } فضلٌ لأنها لم تعمل فتنصب القافية ، قال غيلان بن حريث الربعي :
إِلى كِناسٍ كان مستعيِدِه
وكان فضل ، يريد إلى كِناسٍ مستعيدِ ، وسمعت قيس بن غالب البدري يقول : ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم ، أي لم يوجد مثلهم ، { كان } فضل .
{ كاَنَ بِيَ حَفِيَّاً } أي متحفياً ، يقال : تحفيت بفلان .
{ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِياًّ } .
{ وَاجْتَبَيْنَا } أي اخترنا .
{ وَبُكيّاً } جمع باكٍ .
{ لاَ يَسْمَعُون فِيهَا لَغْواً } أي هذراً وباطلاً { إلاّ سلاماً } فالسلام ليس من اللغو والعرب تستثني الشيء بعد الشيء وليس منه وذلك أنها تضمر فيه ، فكان مجازه : لا يسمعون فيها لغواً إلا أنهم يسمعون سلاماً ، قال :
يا بَن رُقَيع هل لها من مَغْبَقِ
ما شَرِبتْ بعد طَوِيِّ الكُرْبَـق
من قَطرةٍ غير النجاءِ الأدْفقِ
فاستثنى النجاء من قطرة الماء وليس منها ، قال أبو جندب الهذلي :
نَجا سالمٌ والنفسُ منه بشِـدْقـه
ولم بنَجْ إلاّ جفْنُ سَيفِ ومئزَرا
ولسيا منه .
{ هَلْ تَعْلَمُ لَهَ سَمِيّاً } هل تعرف له نظيراً ومثلاً ، إذا كان بعد هل تاء ففيها لغتان فبعضهم يبين لام { هل } وبعضهم يخمدها فيقول : { هتَّعلم } ، كأنها أدغمت اللام في التاء فثقلوا التاء .
{حَوْلَ جَهَنَّمِ جِثيِاًّ } جمع جاثٍ ، خرج مخرج فاعل والجميع فعول ، غير أنهم لا يدخلون الواو في المعتل .
{ عِتِيّاً } مصدر عتوت تعتو .
{ ِصِليّاً } مصدر { صليت تصلى } خرج مخرج فعلت فعولاً ولا يظهرون في هذا أيضاً الواو .
{ وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } أي مجلساً والندى والنادي واحد ، قال حاتم طي :
ودُعيتُ في أُولَى الـنَّـدِىِّ
ولم يُنظَر إليَّ بأَعْيُن خُزْرِ
والجميع منها أندية ، قال سلامة بن جندل :
يَوْمانِ يومُ مقَامـاتٍ وأنـديةٍ
ويوم سُير إلى الأعداء تأويبِ
{ أثَاثاً } أي متاعا وهو جيد المتاع .
{ ورِئْياً } وهو ما ظهر عليه ورأيته عليه .
{ أَفَرَأَيْتَ الذَّيِ كَفَرَ بِآيَاتَنَا } إذا استفهموا ب { رأيت } فمنهم من يدعها على حالها كأنه لم يعده أحدث فيها شيئاً كما أحدث في { يَرَى } فيبقى همزتها ، ومنهم من يرى أنه أحدث فيها شيئاً فيدع همزتها ، قال أبو الأسود :
أَرَيْتَ اَمْرَءاً كنتُ لم أبْلُهُ
أتاني فقال اتَّخِذْني خليلا
فخاللتُه ثـم أكـرمـتُـه
فلم أستفد مِن لَديه فَتِيلا
ألستُ حقيقاً بـتـوديعـه
وإِتباعِ ذلك صَرْماً جميلا
وقال المتوكل الليثي :
أرأيتَ إن أهلكتُ مالِيَ كلَّه
وتركت مالَك فيمَ أنْتَ تلومُ
{ تَؤُزُّهُمْ أزَّاً } أي تهيجهم وتغوبهم ، فقال رؤبة :
لا يأخذ التأفيكُ والتَّـحـزّي
فينا ولا قذفُ العُدَى ذو الأَزِّ
العدى بضم العين الأعداء ، والعدى بكسر العين الغرباء .
{إلَى الرَّحْمنِ وَفْداً } جمع وافد .
{ إلَى جَهَنّمَ وِرْداً } مصدر { وَرَد يَردِ } .
{ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } عظيماً من أعظم الدواهي ، قال رؤبة :
نَطَحَ بَني أُدٍ رؤوس الأدادْ
وقال :
كيْلاً على دُجوَةَ كَيْلا إدّاً
كيْلا عليه أربعين مُدّا
وكذلك { إمْراً } وكذلك { شيئاً نُكْراً } وكذلك { شَيْئاً فَرِيّاً } عظيماً من أعظم الدواهي .
{ تَكاَدُ السَّموَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } أي يتشققن كما يتفطر الزجاجة والحجر ، ويقال : فطر نابه إذا شق نابه .
{ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدَّاً } مصدر هددت ، أي سقطت ؛ فجاء مصدره صفةً للجبال .
{ أَنْ دَعَوْا للِرَّحمْنِ وَلَداً } وليس هو من دعاء الصوت ، مجازه : أن جعلوا للّه ولداً ، قال الشاعر :
أَلا رُبَّ مَن تدعو نصيحا وإن تغب
تجده بغيب غير منتصِح الصـدْرِ
وقال ابن أحمر :
أهْوَى لها مِشْقَصاً حَشْراً فَشَبْرقَها
وكنتُ أدعو قَذاها الإثمِدَ القَـرِدا
القرد المنقطع من الإثمد يلزم بعضه بعضاً ، أدعو أجمل ؛ الحشر السهم الذي حشر حشراً ، وهو المخفف الريش ويقال للحمار : حشرٌ ، إذا كان خفيفاً ، وللرجل إذا كان صدعاً ، والصدع : الربعة من الرجال .
{ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدَّاً } أي محبة ، وهو مصدر
{ وددت } ، { سيجعل لهم } أي سيثيبهم ويزرقهم ذلك . .
{ قَوْماً لُدّاً } واحدهم : ألد ، وهو الشديد الخصومة الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل ، قال مهلهل :
إنّ تحت الأحجار حَدَّاً وليناً
وخَصيماً أَلدّ ذا مِغـلاقِ
ويروى مغلاق الحجة عن أبي عبيدة
وقال رؤبة :
أَسْكَتَ أَجراسَ القُرُوم الألواد
الضَّيْغَمّياتِ العِظام الألـدادْ
{ رِكْزاً } الركز : الصوت الخفي والحركة كركز الكتيبة ، قال لبيد :
فتوجَّست رِكْزَ الأَنيس فَرابَهـا
عن ظهر غيبٍ والأنيسُ سَقامُها