سُورَةُ مَرْيَمَ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانٍ وَتِسْعُونَ آيَةً

بسم اللّه الرحمن الرحيم

٥

{ وإنِّي خِفْتُ المْوَاَليَ مِن وَّرَائِي } أي بني العم من ورائي ، أي قدامي وبين يدي وأمامي ، قال :

أَتَرجو بني مَرْوان سَمْعي وطاعتي

 وقَوْمي تمـيم والـفَـلاة ورائيا

قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهبٍ‏‏‏ :

مَهْلاً بني عمنّا مَهْلاً مَوالينا

 لا تُظهرنَّ لنا ما كان مَدْفونا

{وكانَتَ امْرَأَتِي عَاقِراً } أي لا تلد ، وكذلك لفظ المذكر مثل الأنثى ، قال عامر بن الطفيل‏‏‏ :

لَبئس الفَتَى إِن كنتُ أعورَ عاقراً

 جَباناً فما عُذْرى لَدَى كل مَحْضِر

{ فَهَبْ ليِ مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً } أي من عندك ولداً ووارثاً وعضداً رضياً يرثني ؛ يرفعه قوم على الصفة ، مجازه : هب لي ولياً وارثاً ، يقولون : ائتني بدابة أركبها ، رفع لأن معناها : ائتني بدابة تصلح لي أن أركبها ؛ ولم يرد الشرط ومن جزمه فعلى مجاز الشريطة والمجازاة كقولك : فإنك إن وهبته لي ورثني .

٧

{ يَا زَكَريَّا } مجازه مجاز المختصر كأنك قلت : { فقلنا يا زكريا } وفيه ثلاث لغات : زكرّياء ممدود ، وزكرّيا ساكن ، وزَكَرىٌّ تقديره بختِيٌّ .

٨

{ مِنَ الكِبَرِ عِتِيّاً } كل مبالغ من كبر أو كفرٍ أو فسادٍ فقد عتا يعتو عتياً .

٩

{ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي أهون .

١٣

{ وَحَنَانا مِّن لَّدُنَّا } أي رحمة من عندنا ، قال أمرؤ القيس ابن حجر الكندي :

ويمنَحُها بنو شَمَجي بن جَرْمٍ

مَعِيزَهُمُ حَنَانكَ ذا الحَنـانِ

وقال الحطيئة‏‏‏ :

تَحنَّنْ علىَّ هداكَ المليك

فإن لكل مقامٍ مقـالا

أي ترحم ، وعامة ما يستعمل في المنطق على لفظ الاثنين ، قال طرفة العبدي‏‏‏ :

أبا مُنْذر أفنيت فاستبق بِـعـضـنَـا

حَنانَيْكَ بعض الشرّ أهونُ من بعضِ

١٦

{ إذِ انْتَبَذتْ مِنْ أَهْلِهَا } اعتزلت وتنحت .

{ مَكَاناً شرْقِيّاً } مما يلي المشرق وهو عند العرب خير من الغربي الذي يلي المغرب

٢٢

{ مَكانَاً قَصِيّاً } أي بعيدا .

٢٣

{ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلىَ جِذْعِ النَّخْلِة } مجازها أفعلها من جاءت هي وأجاء غيرها إليه ، ?يقال في المثل : شر ما أجاءني إلى مخه عرقوب ،

وقال زهير :

وجارٍ سار معتمداً إليكم

أجاءتْه المخافُة والرَّجاء

{ وكنْتُ نِسْياً مَّنْسِياً } وهو ما نُسي مِن عصاً أو أدواةٍ أو غير ذلك ، قال الشنفري :

كأَنَّ لها في الأرض نَسْياً تَقُصُّه

على أَمِّها وإنْ تُحَدّثْك تَبْـلَـتِ

أي تقطع الحديث استحياءً

وقال الكميت :

أتجعلنا قيسٌ لِكلب بـضـاعةً

 ولسْتُ بِنسيٍ في مَعّد ولا دَخلِ

وقال دكين الفقيمي :

كالنَّسْي مُلْقىً بالجَهادِ البَسْبَسِ

الجهاد غلظٌ من الأرض .

٢٤

{ سَرِيّاً } أي نهراً ، قال لبيد بن ربيعة :

فرمى بها عُرْضَ السَّرِيِّ فغادرا

 مسجورةً متجاورِاً قُـلاّمُـهـا

مسجورة أي مملوءة ، القلام شجر يشبه القاقلي وهو نبت .

٢٥

{ وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلِة } مجازه : هُزّي إليك جذع النخلة ، الياء من حروف الزوائد ،

وقال :

نَضرب بالبِيض ونرجو بالفَرَجْ

معناه : ونرجو الفرج .

{ يَسَّاقَطْ عَلَيْكِ } من جعل { يساقط } بالياء فالمعنى على الجذع ومن جعله بالتاء فالمعنى على النخلة وهي ساكنة إذا كانت في موضع المجازات وموضع { يسَّاقط } في موضع يسقط عليك رطباً جنياً والعرب تفعل ذلك ، قال أوفى ابن مطرٍ المازني :

تخاطَّأَت النَّبلُ أَحشاءَه

وأُخِّر يَومى فلم يُعَجلِ

تخاطَّأت وهو في موضع أخطأت ،

وقال الأعشى :

ربي كريمٌ لا يكدِّر نِعـمةً

وإذا تُنُوشد بالمهَارِقِ أنشدا

هو في موضع نشد ، أي سئل بالمهارق وهي الكتب ، قال أمرؤ القيس :

ومثِلك بيضاءِ العوارضِ طَفْـلةٍ

 لَعوبٍ تنَاساِني إذا قمتُ سِربالِي

في معنى تنسيني .

وقال جرير :

لولا عظامُ طَرِيفٍ ما غفرتُ لكم

بيعى قرايَ ولا نسَّأتكم غَضَبي

أي ما أنسأتكم لولا عظام طريف ، يعني طريف بن تميم العنبري ، قتله حمصيصة الشيباني ، وهو ابن شراحيل .

٢٦

{ إنيَّ نَذَرْتُ للرِحَّمْنِ صَوْماً } يقال لكل ممسك عن شيء من طعام أو شراب أو كلام أو عن أعراض الناس وعيبهم صائم ، قال النابغة الذبياني .

خَيلٌ صيامٌ وخيلٌ غير صـائمة

تحتَ العَجَاج وخيلٌ تَعْلُكُ الُلجُما

٢٧

{شيئاً فَريّاً } أي عجباً فائقاً ، وكذلك كل شيء فائق من عجب أو عمل أو جرى فهو فريٌ .

٢٩

{ مَنْ كاَنَ فيِ الْمَهْدِ صَبِيَّاً } ول{ كان } مواضع ، فمنها لما مضى ، ومنها لما حدث ساعته وهو : كيف نكلم من حدث في المهد صبياً ، ومنها لما يجيئ بعد في موضع { يكون } والعرب تفعل ذلك ، قال الشاعر :

إن يَسمعوا رِيبة طاروا بها فَرحاً

 منى وما يَسمعوا من صالح دَفَنوا

أي يطيروا ويدفنوا . { وكاَنَ اللّه عَليماً حَكيِماً } فيما مضى والساعة ، وفيما يكون ويجي { كان } أيضاً زائدة ولا تعمل في الاسم ، كقوله :‏‏‏

فكيف إذا رأيت دِيارَ قومٍ

 وجِيرانٍ لهم كانوا كِرامِ

والمعنى وديار جيرانٍ كرامٍ كانوا ، { وكانوا } فضلٌ لأنها لم تعمل فتنصب القافية ، قال غيلان بن حريث الربعي :

إِلى كِناسٍ كان مستعيِدِه

وكان فضل ، يريد إلى كِناسٍ مستعيدِ ، وسمعت قيس بن غالب البدري يقول : ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم ، أي لم يوجد مثلهم ، { كان } فضل .

{ كاَنَ بِيَ حَفِيَّاً } أي متحفياً ، يقال : تحفيت بفلان .

٥٢

 { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِياًّ } .

٥٨

{ وَاجْتَبَيْنَا } أي اخترنا .

{ وَبُكيّاً } جمع باكٍ .

٦٢

{ لاَ يَسْمَعُون فِيهَا لَغْواً } أي هذراً وباطلاً { إلاّ سلاماً } فالسلام ليس من اللغو والعرب تستثني الشيء بعد الشيء وليس منه وذلك أنها تضمر فيه ، فكان مجازه : لا يسمعون فيها لغواً إلا أنهم يسمعون سلاماً ، قال :

يا بَن رُقَيع هل لها من مَغْبَقِ

ما شَرِبتْ بعد طَوِيِّ الكُرْبَـق

من قَطرةٍ غير النجاءِ الأدْفقِ

فاستثنى النجاء من قطرة الماء وليس منها ، قال أبو جندب الهذلي :

نَجا سالمٌ والنفسُ منه بشِـدْقـه

ولم بنَجْ إلاّ جفْنُ سَيفِ ومئزَرا

ولسيا منه .

٦٥

{ هَلْ تَعْلَمُ لَهَ سَمِيّاً } هل تعرف له نظيراً ومثلاً ، إذا كان بعد هل تاء ففيها لغتان فبعضهم يبين لام { هل } وبعضهم يخمدها فيقول : { هتَّعلم } ، كأنها أدغمت اللام في التاء فثقلوا التاء .

٦٨

{حَوْلَ جَهَنَّمِ جِثيِاًّ } جمع جاثٍ ، خرج مخرج فاعل والجميع فعول ، غير أنهم لا يدخلون الواو في المعتل .

٦٩

{ عِتِيّاً } مصدر عتوت تعتو .

٧٠

{ ِصِليّاً } مصدر { صليت تصلى } خرج مخرج فعلت فعولاً ولا يظهرون في هذا أيضاً الواو .

٧٣

{ وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } أي مجلساً والندى والنادي واحد ، قال حاتم طي :

ودُعيتُ في أُولَى الـنَّـدِىِّ

ولم يُنظَر إليَّ بأَعْيُن خُزْرِ

والجميع منها أندية ، قال سلامة بن جندل :

يَوْمانِ يومُ مقَامـاتٍ وأنـديةٍ

ويوم سُير إلى الأعداء تأويبِ

٧٤

{ أثَاثاً } أي متاعا وهو جيد المتاع .

{ ورِئْياً } وهو ما ظهر عليه ورأيته عليه .

٧٧

{ أَفَرَأَيْتَ الذَّيِ كَفَرَ بِآيَاتَنَا } إذا استفهموا ب { رأيت } فمنهم من يدعها على حالها كأنه لم يعده أحدث فيها شيئاً كما أحدث في { يَرَى } فيبقى همزتها ، ومنهم من يرى أنه أحدث فيها شيئاً فيدع همزتها ، قال أبو الأسود :

أَرَيْتَ اَمْرَءاً كنتُ لم أبْلُهُ

أتاني فقال اتَّخِذْني خليلا

فخاللتُه ثـم أكـرمـتُـه

فلم أستفد مِن لَديه فَتِيلا

ألستُ حقيقاً بـتـوديعـه

وإِتباعِ ذلك صَرْماً جميلا

وقال المتوكل الليثي :

أرأيتَ إن أهلكتُ مالِيَ كلَّه

وتركت مالَك فيمَ أنْتَ تلومُ

{ تَؤُزُّهُمْ أزَّاً } أي تهيجهم وتغوبهم ، فقال رؤبة :

لا يأخذ التأفيكُ والتَّـحـزّي

فينا ولا قذفُ العُدَى ذو الأَزِّ

العدى بضم العين الأعداء ، والعدى بكسر العين الغرباء .

٨٥

{إلَى الرَّحْمنِ وَفْداً } جمع وافد .

٨٦

{ إلَى جَهَنّمَ وِرْداً } مصدر { وَرَد يَردِ } .

٨٩

{ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } عظيماً من أعظم الدواهي ، قال رؤبة :

نَطَحَ بَني أُدٍ رؤوس الأدادْ

وقال :

كيْلاً على دُجوَةَ كَيْلا إدّاً

كيْلا عليه أربعين مُدّا

وكذلك { إمْراً } وكذلك { شيئاً نُكْراً } وكذلك { شَيْئاً فَرِيّاً } عظيماً من أعظم الدواهي .

٩٠

{ تَكاَدُ السَّموَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } أي يتشققن كما يتفطر الزجاجة والحجر ، ويقال : فطر نابه إذا شق نابه .

{ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدَّاً } مصدر هددت ، أي سقطت ؛ فجاء مصدره صفةً للجبال .

٩١

{ أَنْ دَعَوْا للِرَّحمْنِ وَلَداً } وليس هو من دعاء الصوت ، مجازه : أن جعلوا للّه ولداً ، قال الشاعر :

أَلا رُبَّ مَن تدعو نصيحا وإن تغب

تجده بغيب غير منتصِح الصـدْرِ

وقال ابن أحمر :

أهْوَى لها مِشْقَصاً حَشْراً فَشَبْرقَها

وكنتُ أدعو قَذاها الإثمِدَ القَـرِدا

القرد المنقطع من الإثمد يلزم بعضه بعضاً ، أدعو أجمل ؛ الحشر السهم الذي حشر حشراً ، وهو المخفف الريش ويقال للحمار : حشرٌ ، إذا كان خفيفاً ، وللرجل إذا كان صدعاً ، والصدع : الربعة من الرجال .

٩٦

{ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدَّاً } أي محبة ، وهو مصدر

{ وددت } ، { سيجعل لهم } أي سيثيبهم ويزرقهم ذلك . .

٩٧

{ قَوْماً لُدّاً } واحدهم : ألد ، وهو الشديد الخصومة الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل ، قال مهلهل :

إنّ تحت الأحجار حَدَّاً وليناً

وخَصيماً أَلدّ ذا مِغـلاقِ

ويروى مغلاق الحجة عن أبي عبيدة

وقال رؤبة :

أَسْكَتَ أَجراسَ القُرُوم الألواد

الضَّيْغَمّياتِ العِظام الألـدادْ

٩٨

{ رِكْزاً } الركز : الصوت الخفي والحركة كركز الكتيبة ، قال لبيد :

فتوجَّست رِكْزَ الأَنيس فَرابَهـا

عن ظهر غيبٍ والأنيسُ سَقامُها