سُورَةُ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَتِسْعُ آياَتٍ

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

{آلر} {١} ساكنة لأنها حروف جرت مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعهن في المعنى كمجاز ابتداء فواتح السور.

{تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ} {١} مجازها: هذه آيات الكتاب الحكيم، أي القرآن، قال الشاعر:

ما فَهم مِن الكِتاب أي أي القرآنِ

والحكيم: مجازه المُحكَم المبَّين الموضَّح، والعرب قد نضع فعيل في معنى مُفْعَل، وفي آية أخرى: {هَذَا مَا لَدَىَّ عَتِبدٌ} {٥٠٣٢}، مجازه: مُعَد،

وقال أبو ذُوءَيب:

إِني غداة إذٍ ولم أَشعر خَلِيفُ

أي ولم أشعر أني مُحْلِف، من قولهم: أخلفتُ المَوْعدَ. ومجاز آيات مجاز أعلام الكتاب وعجائبه، وآياته أيضاً: فواصِله، والعرب يخاطبون بلفظ الغائب وهم يعنون الشاهد، وفي آية أخرى: "آلم ذَلِكَ الكِتَابُ" {٢١} مجازه: هذا القرآن، قال عَنْتَرة:

شَطَّتْ مَزارَ العاشقين فأَصبحتْ

٢

عَسِراً عَلَىَّ طِلابُكِ ابنةَ مَحْرَمِ

{قَدَمَ صِدْقِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} {٢} مجازه:سابقة صدق عند ربهم، ويقال: له قدم في الإسلام وفي الجاهلية.

٣

{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} {٣} مجازه: ظَهر على العرش وعلا عليه، ويقال: استويت على ظهر الفرس، وعلى ظهر البيت.

٤

{إلَيْه مَرْجِعُكمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّه حَقّاً} {٤} وعْدَ اللّه: منصوب لأنه مصدر في مِوضع {وَعَدَ اللّه}، وإذا كان المصدر في موضع فَعَل، نصبوه كقول كَعْب:

تَسْعَى الوشاةُ جَنابيْها وقِيلَهُمُ

 

إنّك يا بْنَ أبي سُلْمَى لَمقتولُ

يقولون حكايةً عن أبي عمرو: وقِيلَهم منصوب لأنه في موضعِ ويقولون.

{وَعَملُوا الصَّالِحَاتِ بالْقِسْطِ} {٤} أي بالعدل {لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} {٤} كل حار فهو حميم، قال المرَقِّشُ الأصغر من بني سَعْد بن مالِك:

وكلُ يومٍ لهَا مِقطرةٌ

 

فيها كِباءٌ مُعدٍّ وحَميمُ

أي ماء حار يُستَحمّ به، كباءٌ مما تكبّيتَ به أي تبخَّرتَ وتجمَّرتَ سواء، وكبيً منقوص: هي الكُنَاسة والسُّباطة والكَساحة.

٥

{جَعَلَ الشَّمْسَ ضيَاءً} {٥} وصفها بالمصدر، والعرب قد تصف المؤنثة بالمصدر وتسقط الهاء، كقولهم: إنما خلقت فلانة لك عذاباً وسجناً ونحو ذلك بغير الهاء.

٧

قال: {الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} {٧} مجازه: لا يخافون ولا يخشون،

وقال:

إذا لسَعْته النحلُ لم يَرْجُ لَسْعها

١٠

وحالفها في بيت نوبٍ عوامِلِ

{دَعْوَاهُمْ فِيهَا} {١٠} أي دعاؤهم أي قولهم وكلامهم. {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَن الحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمينَ} {١٠}.

١١

{لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} {١١} مجازه: لفُزغ ولقُطع ونُبذ إليهم،

وقال أبو ذؤَيب:

وعَليهما مَسرودتانِ قضاهما

١٢

داودُ أو صَنَعُ السَوابغِ تُبَّعُ

{دَعَانَا لَجِنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أو قَائِماً} {١٢} مجازه: دعانا على إحدى هذه الحلات، ومجاز دعانا لجنبه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: دعانا وهو مضطجع لجنبه.

{مَرَّ كَأَن لمَّ يَدْعُنَا} {١٢} أي استمر فمضى.

١٥

{مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} {١٥} أي من عند نفسي.

١٦

{وَلاَ أَدْرَكُمْ بِهِ} {١٦} مجازه: ولا أفعلكم به؛ من دريت أنا به.

{عُمراً} {١٦} أي حِيناً طويلاً، مجازه من قولهم: مضى علينا حين من الدهر، والعُمْر والعُمُر والعَمر ثلاث لغات.

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه مَالاَ يَضُرُّهُم ولا يَنْفُعهُمْ وَيَقُولُون هؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّه} {٨} مجازما ها هنا مجاز الذين، ووقع معناها على الحجارة، وخرج كنايتها على لفظ كناية لآدميين، فقال: هؤلاء شفعاؤنا، ومثله في آية أخرى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاَءِ ينْطِقُونَ} {٢١٦٥}، وفي آية أخرى: {إِنِّي رَأيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والقْمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجدين} {١٢٤٩} والمستعمل في الكلام: ما تنطق هذه، ورأيتهن لي ساجدات،

وقال:

تمزَّزتُها والدِّيكُ يدعو صباحَه

 

إذا ما بنو نَعْشٍ دَنَوا فتصَوَّبوا

وفي آية أخرى {يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكَمْ لاَ يَحْطَمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ} {٢٧١٨} والمستعمل: ادْخُلن مساكنكن لا يحطمنكن سليمان.

٢١

{مِنْ بَعْدِ ضرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ في آيَاتِنَا} {٢١} مجاز المكر ها هنا مجاز الجحود بها والرد لها.

{قُلْ اللّه أُسْرَعُ مَكْراً} {٢١} أي أخداً وعُقوبة واستدراجاً لهم.

٢٢

{أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} {٢٢} مجازه: دنوا للّهلاك، ويقال: إنه محاط بك، والإدراكِ أي إنك مُدْرَك فُمهلكَ.

٢٤

{فَجَعَلّنَاهَا حَصِيداً} {٢٤} أي مستأصلين، والحصيد من الزرع والنبات المجذوذ من أصله وهو يقع أيضاً لفظه على لفظ الجميع من الزرع والنبات فجاء في هذه الآية على معنى الجميع، وقد يقال: حصائد الزرع، اللواتي تُحصَد.

٢٦

{وَلا يَرْهَقُ وُجوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلّةٌ} {٢٦} يرهق: أي يغشى، والقَتَر جميع قَتَرة، وفي القرآن: {تَرْهَقُها قَتَرةٌ} {٨٠٤١}، وهو الغبار قال الأخطل:

يَعلو القَناطِرَ يَبنيها ويهدمُها

 

مسَوَّماً فوقَه الرايات والقَتَرُ

وقال الفرزدق:

متَوَّجٌ بِرِداء المُلـكِ يَتْـبـعُـه

٢٧

مَوجٌ تَرى فَوْقَه الراياتِ والفَتَرا

{قِطَعاً من اللَّيْلِ مُظْلِماً} {٢٧} إذا أسكنت الطاء فمعناه بعضاً من الليل، والجميع: أقطاع من الليل، أي ساعات من الليل، يقال: أتيته بقطع من الليل؛ وهو في آية أخرى: بِقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ {١١٨١}. ومن فتح الطاء فإنه يجعلها جميع قطعة والمعنيان واحد. ويجعل مظلماً من صفة الليل وينصبها على الحال وعلى أنها نكرة وصفت به معرفة.

٣٠

{هنَالكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفسٍ} {٣٠} أي تخْبُر وتجد. وتَتْلُو تتْبع.

٣٧

{لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ أَمْ يَقولُونَ} {٣٧، ٣٨} مجاز أم ها هنا مجاز الواو ويقولون.

٣٨

{افْتَرَاه} ٣٨} أي اختلقه وابتشكه.

٥٠

{إِنْ أَتَاكمْ عَذَابُه بَيَاتاً} {٥٠} أي بيّتكم ليلا وأنتم بائتون.

٦١

{إِذْ تُفِيضونَ فيهِ} {٦١} أي تكِثرون وتلغَطون وتخلطِون.

{وَمَا يعْزُفَ عَنْ رَبِّكَ} {٦١} أي ما يغيب عنه، ويقال: أين عزب عقلك عنك.

{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} {٦١} أي زنة نملة صغيرة، ويقال خذ هذا فإنه أخف مثقالاً، أي وزناً.

٦٧

{وَالنَّهَارَ مبْصِراً} {٦٧} له مجازان أحدهما: أن العرب وصعوا أشياء من كلامهم في موضع الفاعل، والمعنى: أنه مفعول، لأنه ظرف يفعل فيه غيره لأن النهار لا يبصر ولكنه يبصر فيه الذي ينظر، وفي القرآن: "فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ" {٦١٢١} وإنما يرضى بها الذي يعيش فيها، قال جرير:

لقد لمتِنـا يا أُمَّ غَـيلانَ فـي الـسُّـرى

 

ونمتِ ومـا لـيل الـمَـطِـيِّ بـنـائمِ

والليل لا ينام وإنما يُنام فيه،

وقال رؤبة:

٦٨

 

فنام ليلى وتجلَّى همِّي

 

 

{إِنْ عِنْدَكمْ مِنْ سلْطانٍ بهذَا} {٦٨} مجازه: ما عندكم سلطان بهذا، ومن حروف الزوائد، ومجاز سلطان ها هنا: حجّةٌ وحقٌّ وبرهان.

٧١

{ثمَّ لا يَكُنْ أَمْركُمْ عَلَيْكمْ غُمَّةً} {٧١} مجازها: ظلمة وضِيق وهمٌّ، قال العَجَّاج:

بل لو شَهدتَ الناس إذ تُكُمُوا

 

بغمَّةٍ لو لم تُفرَّجْ غُـمُّـوا

تكمّوا: تُغُمِّدوا، يقال تكمِّيت فلاناً أي تغَمَّدته، وقد كميتَ شهادتك إذا كتمتها، وفارس كَمِيُّ وهو الذي لا يظهر شجاعته إلا عند الحاجة إلى ذلك.

{ثمَّ اقْضُوا إليَّ وَلاَ تُنْظِرون} {٧١} مجازه كمجاز الآية الأخرى:

{وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} {١٧٤} أي أمرناهم.

٧٥

{إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ} {٧٥} أي أشراف قومه.

٧٨

{أجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} {٧٨} أي لتصرفنا عنه وتميلنا وتلوينا عنه، ويقال: لفت عنقه. كقول رؤبة:

يَدُقُّ صُلّباتِ العِظامِ لَفْتِى

 

لَفْتاً وتهزيعاً سَواءَ اللَّفْتِ

التهزيع: الدَّق؛ واللَّفت: اللَّى.

٨١

{قَالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} {٨١} مجاز ما ها هنا: الذي؛ ويزيد فيه قوم ألف الاستفهام، كقولك: آلسِّحر?.

٨٨

{اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} {٨٨} أي أذهِب أَموالهم، ويقال: طمسَتْ عينُه وذهَبتْ، وطمسَت الريح على الديار.

{واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} {٨٨} مجازه ها هنا كمجاز {اشددِ البابَ}، ألا نرى بعده: {فَلاَ يُؤْمِنوا} {٨٨} جزمُ، لأنه دعاء عليهم، أي فلا يؤمننَّ.

٩٠

{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} {٩٠} مجازه: تبعهم، هما سواء.

{بَغْياً وَعَدْواً} {٩٠} مجازه: عُدواناً.

٩٢

{فالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} {٩٢} مجازه: نُلِقيك على نَجْوة، أي ارتفاع ليصر علماً أنه قد غَرق.

{لتَكُونَ لَمِنْ خَلْفَكَ آيَةَ} {٩٢} أي علامة، ومجاز خلفك: بَعدك.

٩٦-٩٧

{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} {٩٦، ٩٧} مجازه: المؤِلم وهو الموجع، والعرب تضع فعيل في موضع مُفْعِل،

وقال في آية أخرى: {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} {٢٢٦١} أي مُبصِرٌ

وقال عَمْرو بن مَعْد يَكْربَ.

أمِنْ رَيْحانة الداعي السميعُ

يريد المسُمِع. رَيْحانة: أخت عمرو بن مَعْد يكرب كان الصِّمّة أَغار عليها وذهب بها،

وقال أبو عبيدة: كانت ريحانة أختَ عمرو وفسباها الصِّمّة وهي أم دُرَيد وخالد.

٩٨

{إِلا قَوْمَ يُونُسَ} {٩٨} مجاز إلاّ ها هنا مجاز الواو، كقولك: وقوم يونس لم يؤمنوا حتى رأوا العذاب الأليم فآمنوا ف{كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ}،

وقال في ذلك عَنَز بن دَجَاجةَ المازِنيُّ:

مَن كان أسرعَ في تَفَرُّقِ فالجٍ

 

فلَبونُه جَرِبتْ معاً وأغـدَّتِ

إِلاّ كنا شرةَ الذي ضَيَّعـتـمُ

 

كالْغصن في غُلَوائِه المُتَنَبِّتِ

وقال الأعشى:

من مبلغٌ كِسْرَى إذا ما جئتَـه

 

عنِّي قوافٍ غارماتٍ شُـرَّدا

إلاّ كخارجةَ المكلِّف نفـسَـه

 

وابْنَي قَبِيصةَ أن أَغيبَ ويَشَهدا

أي وكخارجةَ وابنّي قَبِيصةَ؛ ثم جاء معنى هذا {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمَانهَا} {٩٨} مجازه: فهّلا كانت قرية إذا رأت بأسنا آمنت فكانت مثلَ قوم يونس. ولها مجاز آخر قالوا فيه: {إِنَّ الّذينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يؤْمِنونَ وَلَوْ جَاءَتْهم كلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوا العَذَابَ الأَلِيمَ} {٩٦، ٩٧} ثم استثنى منهم فقال: إِلاّ أن قومَ يونسَ لمَّا رأوا العذاب آمنوا فنفعهم إيمانهم فكشفنا عنهم عذاب الخِزيِ.

ويقال: يونسْ ويؤنِس كأنه يُفعِل من: آنسَتُه.

١٠٨

{فإِنَّمَا يَضِلٌّ عَلَيْهَا} {١٠٨} مجازه: يضل لها أي لنفسه، وهداه لنفسه.