سُورَةُ الْفاَتِحَةِ الْكِتاَبِ

مَكِّيَّةٌ وَهِيَ سَبْعُ آياَتٍ

١

بِسمِ اللّه الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ

{بسم اللّه} إنما هو باللّه لأن اسم الشيء هو الشيء بعينه، قال لبيد:

إلَى الَحوْلِ ثُمَّ اسمُ السَّلامِ عليكما

 ومن يَبْكِ حَولاً كاملاً فقدِ اعتَذَرْ

{إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} {٧٥:١٧}: أي تأليفه؛ {فإذَا قَرَأْنَاهُ} {٧٥:١٨} أي إذا جمعناه؛ ومجازه مجاز قول عَمْرو بن كُلْثوم:

هِجانِ اللَوْن لم تَقْرأ جَنينا

أي لم تضمَّ في رحمها، ويقال للتي لم تلد: ما قرأَتْ سَلًى قطّ.

نزل القرآن بلسان عربي مُبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أَعظم القول، ومن زعم أن {طه} {٢٠} بالنَّبطِيّة فقد أكبر، وإن لم يعلم ما هو، فهو افتتاح كلام وهو اسم للسورة وشعار لها. وقد يوافق اللفظُ اللفظَ ويقار به ومعناهما واحد وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها. فمن ذلك الإسْتبْرَق بالعربية، وهو الغليظ من الدِّيباج، والفِرِند، وهو بالفارسية إسْتَبْرَهْ؛ وكَوْز وهو بالعربية جوز؛ وأشباه هذا كثير. ومن زعم أن {حِجَارةً مِنْ سِجِّيلٍ} {١٠:٥٤} بالفارسية فقد أعظم، من

قال: إنه سَنْك وكِلْ إنما السجيل الشديد. 

والقرآن: اسم كتاب اللّه، لا يسمَّى به غيرهُ من الكتب، وذلك لأنه جَمَع وضمَّ السور؛ ومجازه من قوله: {إنَّ علَينا جَمْعَه وقُرْآنَه} {٧٥:١٨}، أي تأليف بعضه إلى بعض، {فإذا قَرَأْنَاهُ فاتَّبِعْ قُرْآنَه}؛ وسُمِّى الفرقانَ لأنه يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.

ففي القرآن ما في الكلام العربيّ من الغريب والمعاني، ومن المحتمِل من مجاز ما اختُصِر، ومجاز ما حُذف، ومجاز ما كفَّ عن خبره، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد ووقع على الجميع، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع ووقع معناه على الاثنين، ومجاز ما جاء لفظه خبر الجميع على لفظ خبر الواحد، ومجاز ما جاء الجميع في موضع الواحد إذا أُشرك بينه وبين آخر مفرد، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للواحد أو للجميع وكُفَّ عن خبر الآخر، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأول منهما، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأخر منهما، ومجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان والمَوَات على لفظ خبر الناس؛ والحيوانُ كل ما أكل من غير الناس وهي الدواب كلُّها، ومجاز ما جاءت مخاطبتهُ مخاطبة الغائب ومعناه مخاطبة الشاهد، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تُركت وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب، ومجاز ما يزاد من حروف الزوائد ويقع مجازُ الكلام على إلقائهن، ومجاز المضمر استغناءً عن إظهاره، ومجاز المكرر للتوكيد، ومجاز المجمل استغناءً عن كثرة التكرير، ومجاز المقدَّم والمؤخَّر، ومجاز ما يحوّل من خبره إلى خبر غيره بعد أن يكون من سببه، فيجعل خبره للذي من سببه ويترك هو. وكل هذا جائز قد تكلموا به.

بِسمِ اللّه الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ

أُمُّ الكتاب {١}

مجاز تفسير ما في سورة {الحمد} وهي {أم الكتاب} لأنه يبُدأ بكتابتها في المصاحف قبل سائر القرآن، ويبدأ بقراءتها قبل كلّ سورة في الصلاة؛ وإنما سُمِّيت سورةً لا تُهمز، لأن مجازها من سُور البناء أي منزلة ثم منزلة، ومَن همزها جعلها قطعةً من القرآن، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سُمِّى قرآنا. قال النَّابغة:

ألم تر أَن اللّه أعطاك سورةً

 ترى كلَّ مَلْك دونَها يتَذبذبُ

أي منزلة، وبعضُ العرب يهمز سورة، ويذهب إلى {أسأرتُ}. نقول: هذه ليست من تلك.

فمجاز تفسير قوله {بسم اللّه} مضمر، مجازه كأنك قلت: بسم اللّه قبل كل شيء وأول كل شيء ونحو ذلك، قال عبد اللّه بن رَوَاحة:

بسم الإله وبه بَـدِينـا

 ولو عبَدْنا غيرَه شَقِينا

يقال: بدأتُ وبدَيت، وبعضهم يقول: بدِينا لغة.

{الرَّحْمَن} مجازه ذو الرحمة، و{الرَّحِيم} مجازه الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، قال بُرْج بن مُسْهِر الطائيّ، جاهلي:

ونَدْمانٍ يزيد الكأسَ طِيبـاً

 سَقيتُ وقد تغوَّرت النجومُ

وقال النُعْمان بن نَضْلَة، عَدويُّ من عَدي قُريش:

فإن كنتَ نَدْماني فبالأكبر أسْقِني

 ولا تَسقِني بالأصغر المُتَثـلْـمِ

وقال بُرَيق الهذليّ عدَوَيّ من عَدي قريش:

رُزينا أبا زيدٍ ولا حيَّ مِثْلَه

 وكان أبو زيد أخي ونديميِ

وقال حَسّان بن ثابت:

لا أخـدِشُ الـخَــدْش ولا

 يَخْشَى نَدِيمي إذا انتشيتُ يَدِي

٢

{رَبِّ العَالمِين} أي المخلوقين، قال لبيد بن ربيعة:

ما إن رأيتُ ولا سمع

 تُ بمثلهم في العالمَينا

وواحدهم عالَم،

وقال العجّاج:

فَخِنْدِفٌ هامةُ هذا العالِمَ

٤

{مَالِك يَوْمِ الدِّين} نصب على النِّداء، وقد تُحذف ياء النداء، مجازه: يا مالك يوم الدين، لأنه يخاطب شاهداً، ألا تراه يقول: {إيّاكَ نَعْبُدُ} فهذه حجة لمن نصب، ومن جره

قال: هما كلامان.

{الدِّين} الحساب والجزاء، يقال في المثل: {كما تَدين تُدان}،

وقال ابن نُفيل

واعلمْ وأَيقِن أنّ مُلككَ زائل

 واعلم بأنَّ كما تَدِين تُـدانُ

ومجازُ مَن جرّ {مَالِك يَوْمِ الدِّين} أنه حدّث عن مخاطبة غائب، ثم رجع فخاطب شاهداً

٥

فقال: {إيَّاكَ نَعْبُد وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا} {٥}، قال عَنْترة بن شَدّاد العَبْسِيّ:

شَطّتْ مَزَارَ العاشقين فأصبحتْ

 عَسِراً علىَّ طِلابُكِ ابنةَ مَخْرَمِ

وقال أبو كبير الهذليّ:

يا لَهْفَ نفسي كان جِدّةُ خالـدٍ

 وبَياضُ وَجْهك للتُّراب الأَعْفرِ

ومجاز {إيّاك نَعْبُد}: إذا بُدئ بكناية المفعول قبل الفعل جاز الكلام، فإن بدأتَ بالفعل لم يجز، كقولك: نعبد إياك، قال العجّاج:

إيّاك أدعو فتقَّبلْ مَلَقِى

ولو بدأتَ بالفعل لم يَجز كقولك: أدعو إيّاك، محالٌ، فإن زدتَ الكناية في آخر الفعل جاز الكلام: أدعوك إياك.

٦

{الصِّرَاط}: الطريق، المنهاج الواضح،

قال:

فصدّ عن نَهْج الصِّراط القَاصِدِ

وقال جرير:

أميرُ المؤمنين على صراطٍ

 إذا أعوجَّ المواردُ مستقيمِ

والموارد: الطرق، ما وردتَ عليه من ماء، وكذلك القَرِىُّ

وقال:

وَطِئنا أرضهم بالخَيْل حتى

 تركناهم أذلَّ من الصراطِ

٧

{غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهم وَلاَ الضَّالِّين} مجازها: غير المغضوب عليهم والضالين، و{لا} من حروف الزوائد لتتميم الكلام، والمعنى إلقاؤها،

وقال العجاج:

في بئرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ

أي في بئر خور أي هلكة،

وقال أبو النجم:

فما ألوم البيضَ ألا تَسخَرا

 لمّا رأين الشَّمَطَ القَفَنْدَرا

القَفَندر: القبيح الفاحش، أي فما ألوم البيض أن يسخرن،

وقال:

ويَلْحَيْننَى في اللّهو أَلاّ أُحبّه

 وللّهو داعٍ دائبٌ غير غافلِ

والمعنى: ويَلحَيْنَنى في اللّهو أن أحبه. وفي القرآن آية أخرى: {ما مَنَعَك أَلاّ تَسْجُدَ} :١١} مجازها: ما منعك أن تسجد. {ولا الضَّالِّين}: {لا} تأكيدٌ لأنه نفيٌ، فأُدخلت {لا} لتوكيد النفي، تقول: جئت بلا خير ولا بركة، وليس عندك نفع ولا دَفع.

قال أبو خِراش:

فإنكِ لو أبصرتِ مَصْـرَعَ خـالـدٍ

 بجنب السِّتار بين أظْلَمَ فالـحَـزْمِ

إذاً لـرأيتِ الـنَّـابَ غـيرَ رَزِيّةٍ

 ولا البَكْرَ لأضطمَّتْ يداكِ على غُنْم