قال: {غيْر مُح لّ ي الصّيْد } {أوْفُواْ ب الْعُقُود } {غيْر مُح لّ ي الصّيْد } نصب (غير) على الحال.
[و] قال {لا تُح لُّواْ شعآئ ر اللّه} واحدها "شعيرة".
[و] قال {ولا يجْر منّكُمْ شنآنُ قوْمٍ} فـ"الشنئانُ" متحرك مثل "الدرجان" و"الميلان"، وهو من "شن ئْتُه" فـ"أنا أشنؤه" "شنئاناً".
وقال {لا يجْر منّكُمْ} أي: لا يُح قّنّ لكُمْ. لأنّ قوْلهُ {لا جرم أنّ لهُمُ الْنّار} انما هو حقٌّ أنّ لهُمْ النّار.
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثمانون بعد المئة]:
ولقدْ طعنْتُ أبّا عُييْنة طعْنةً * جرمتْ فزارةُ بعْدها أنْ يغْضبُوا
أي: حُقّ لهٌا.
وقوله {أن صدُّوكُمْ} يقول: "لأن صدُّوكُم" وقد قُرئت {إ نْ صدُّوكُم} [١٠١ء] على معنى "إنْ هُمْ صدُّوكُم" أي: "إنْ هُمْ فعلُوا" أي: إنْ همُّوا* ولم يكونوا فعلوا. وقد تقول ذلك أيضاً وقد فعلوا كأنك تحكي ما لم يكن؛ كقول اللّه تعالى {قالُواْ إ ن يسْر قْ فقدْ سرق أخٌ لّهُ م ن قبْلُ} وقد كان عندهم قد وقعت السرقة.
وقال {أن تعْتدُواْ} أي: لا يُح قنّ لكُمْ شنئانُ قوْم أنْ تعْتدُوا. أي: لا يحْم لنّكُم ذلك على العُدْوان . ثم قال {وتعاونُواْ على الْبرّ والتّقْوى}.
وقال {والْموْقُوذةُ} من (وُق ذتْ) فـ"ه ي موْقُوذةٌ".
{والنّط يحةُ} فيها الهاء لأنها جعلت كالاسم مثل "أك يلة الأسد ". وانما تقول: "ه ي أك يلٌ" و"ه ي نط يحٌ" "لأنّ كل ما فيه "مفْعُولة" فـ"الفع يل" فيه بغير الهاء نحو "القتي ل" و"الصريع" اذا عنيت المرأة و"ه ي جريحٌ" لأنك تقول "مجْرُوحةٌ".
وقال {ومآ أكل السّبُعُ} ولغة يخففون "السبْع".
{وما ذُب ح على النُّصُب } وجميعه: "الأنْصاب".
{وأنْ تسْتقْس مُواْ ب الأزْلام } يقول: "وحُرّ م ذلك " وواحدها "زُلم" و"زلم".
وقال {مخْمصةٍ} تقول: "خمصهُ الجُوع" نحو "المغْضبة" لأنّه أراد المصدر.
[وقال] {يئ س الّذ ين كفرُواْ} مهموزة الياء الثانية وهي من "فع ل" "يفْع ل" وكسر الياء الأولى لغة نحو "ل عْب" ومنهم من يكس ر اللام والعين ويسكنون العين ويفتحون [١٠١ ب] اللام أيضاً ويكسرونها وكذلك "يئس". وذلك أنّ "فعل" اذا كان ثانيه احد الحروف الستة كسروا أوله وتركوه على الكسر، كما يقولون ذلك في "فعيل" نحو "ش عير" و "ص هيل". ومنهم من يسكن ويكسر الأولى نحو "ر حْمهُ اللّه" فلذلك تقول: "ي ئْس" تسكر الياء وتسكن الهمزة. وقد قرئت هذه الآية {ن ع مّا يع ظُكُمْ ب ه } على تلك اللغة التي يقولون فيها "ل ع ب". وأُناس يقولون "نع م الرّجُلُ زيْدٌ" فقد يجوز كسر هذه النون التي في "نع م" لأن التي بعدها من الحروف الستة كما كسر "ل ع ب". وقولهم: "ان العين ساكنة من "ن ع مّا" اذا ادغمت خطأ لأنه لا يجتمع ساكنان. ولكن اذا شئت أخفيته فجعلته بين الادغام والاظهار فيكون في زنة متحرك كما قرئت {إ نّ ي ليحْزُنُن ي} يشمون النون الأولى الرفع.
وقال {الْيوْم أكْملْتُ لكُمْ د ينكُمْ} لأّنّ الاسلام كان فيه بعض الفرائض فلما فرغ اللّه مما أراد منه قال {الْيوْم أكْملْتُ لكُمْ د ينكُمْ} {ورض يتُ لكُمُ الأ سْلام د يناً} لا على غير هذه الصفة.
وقال {فمن اضْطُرّ ف ي مخْمصةٍ غيْر مُتجان فٍ لإ ثْمٍ فإ نّ اللّه غفُورٌ رّح يمٌ} كأنه قال: "فإ نّ اللّه لهُ غفُورٌ رح يم". كما تقول: "عبدُ اللّه ضربْتُ" تريد: ضربته.
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والثمانون بعد المئة]:
[١٠٢ ء] ثلاثٌ كُلُّهُنّ قتلتُ عمْداً * فأخْزى اللّه رابعةً تعُود
وقال الآخر: [من الرجز وهو الشاهد الثاني والثمانون بعد المئة]:
قدْ أصْبحتْ أُمُ الخ يار تدّعي * عليّ ذنْباً كُلّهُ لمْ أصْنع
سورة ( المائدة )
وقال {ماذآ أُح لّ} فان شئت جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" وان شئت جعلتها زائدة كما
قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الثالث والثمانون بعد المئة]:
يا خُزْر تغْل ب ماذا بالُ ن سْوت كُم * لا يسْتف قن الى الديْريْن تحْنانا
فـ"ذا" لا تكون ها هنا إلاّ زائدة. [اذ] لو قلت: "ما الذي بال نسوتكم" لم يكُن كلاماً.
[و] قال {الْجوار ح } وهي الكواس بُ كما تقول: "فُلانٌ جار حةُ أهْل ه " و"مالهُمْ جار حةٌ" أي: مالهُم ممال يكُ "ولا حاف رةْ".
[و] قال {كُلُواْ م مّآ أمْسكْن عليْكُمْ} [فـ] أدخل {م نْ} كما أدخله في قوله: "كان م نْ حديث" و"قدْ كان م نْ مطرٍ".
وقوله {ويُكفّ رُ عنكُم مّ ن سيّ ئات كُمْ} و {يُنزّ لُ م ن السّمآء م ن ج بالٍ ف يها م ن بردٍ}. وهو فيما فسر "يُنزّ لُ من السّماء ج بالاً فيها بردٌ".
وقال بعْضُهُم {ويُنزّ لُ م ن السّمآء م ن ج بالٍ ف يها م ن بردٍ} أي: في السّماء جبالٌ م نْ برد. أي: يجْعلْ الج بال م نْ بردٍ في السّماء، ويجعل الإ نزال منها.
وقال {مُحْص ن ين غيْر مُساف ح ين ولا مُتّخ ذ ي أخْدانٍ} فيعني به الرجال.
وقال {أُح لّ لكُمُ الطّيّ باتُ} (و) أُح لّ {لكُمْ المُحْصنات} من النساء {مُحْص ن ين [١٠٢ ب] غيْر مُساف ح ين} أي: أُح لّ لكُمْ في هاذ ه الحال .
وقال {وامْسحُواْ ب رُؤُوس كُمْ وأرْجُلكُمْ} فرده إلى "الغسْل" في قراءة بعضه م لأنه قال {فاغْس لُواْ وُجُوهكُمْ}
وقال بعضهم {وأرْجُلكُمْ} على المسح أي: وامْسحوا بأرْجُل كُم. وهذا لا يعرفه الناس. وقال ابن عباس: "المسْح على الرّ جْليْن يُجْز ىءُ". "ويجوز الجر على الاتباع وهو في المعنى "الغسْل" نحو "هذا جُحْرُ ضبٍّ خر بٍ". والنصب أسلم وأجود من هذا الاضطرار. ومثله قول العرب: "أكلْتُ خبزا ولبنا" واللبن لا يؤكل. ويقولون: "ماسم عْتُ برائحةٍ اطيب من هذه ولا رأيتُ رائحةً أطيب من هذ ه" و"ما رأيتُ كلاماً أصوب من هذا".
قال الشاعر: [من مجزوء الكامل وهو الشاهد الرابع والثمانون بعد المئة]:
يا ليْت زوجك قدْ غدا * مُتقلّ داً سيْفاً ورُمْحاً
ومثله {لا تُح لُّواْ شعآئ ر اللّه} [٢] {ولا آمّ ين الْبيْت الْحرام} [٢].
وقال {ما يُر يدُ اللّه ل يجْعل عليْكُم مّ نْ حرجٍ} أي: ما يُريدُ اللّه ل يجْعل عليْكُمْ حرجا.
سورة ( المائدة )
وقال: {وعد اللّه الّذ ين آمنُواْ وعم لُواْ الصّال حات لهُم مّغْف رةٌ وأجْرٌ عظ يمٌ} كأنه فسر الوعد ليبين ما وعدهم أي: هكذا وعدهم فقال {لهُم مّغْف رةٌ وأجْرٌ عظ يمٌ}.
[وقال] {وقال اللّه إ نّ ي معكُمْ لئ نْ أقمْتُمُ الصّلاة وآتيْتُمْ الزّكاة وآمنتُمْ ب رُسُل ي} {لأُكفّ رنّ عنْكُمْ سيّ ئات كُمْ} فاللام الأولى على معنى القسم [١٠٣ ء] والثانية على قسم آخر.
وقال {وم ن الّذ ين قالُواْ إ نّا نصارى أخذْنا م يثاقهُمْ} كما تقول: "م نْ عبد اللّه أخذْتُ د رْهمه".
سورة ( المائدة )
[و] قال {إ نّ ف يها قوْماً جبّار ين} فأعمل {إ نّ} في "القوم" وجعل "جبْار ين" من صفتهم لأنّ {ف يها} ليس باسم.
[و] قال {فلا تأْس على الْقوْم الْفاس ق ين} فهي من "أسي" "يأْسى" "أسى شد يداً" وهو الحزن. و"يئ س" من "اليأس " وهو انقطاع الرجاء من "يئ سوا"
وقوله {ولا تيْأسُواْ م ن رّوْح اللّه}: من انقطاع الرجاء وهو من: يئست وهو مثل "إ يٍس" في تصريفه. وإنْ ش ئْت مثل "خش يْتُ" في تصريفه. وأما "أسوْت" "تأْسُوا" "أسْواً" فهو الدواء للج راحة. و"أُسْتُ" "أؤُوسُ" أوْساً" في معنى: أعْطيْتُ. و"أُسْتُ" قياسها "قُلْتُ" و"أسوْتُ" [قياسها] "غزوْتُ".
[و] قال {واتْلُ عليْه مْ نبأ ابْنيْ آدم ب الْحقّ } فالهمزة لـ"نبأ" لأنها من "أنْباتُهُ". وأل ف "ابْنيْ" تذهب لأنها ألف وصل في التصغير. واذا وقفت [قلت] "نبأ" مقصور ولا تقول "نبا" لأنها مضاف فلا تثبت فيها الألف*.
سورة ( المائدة )
وقال {فطوّعتْ لهُ نفْسُهُ} مثل "فطوّعتْ" ومعناه: "رخّصتْ" وتقول "طوّقْتُهُ إمْري " أي: عصبْتُه به.
وقال {أعجزْتُ أنْ أكُون م ثْل هذاالْغُراب فأُوار ي} فنصب {فأُوار ي} لأنّك عطفْته بالفاء على {أنْ} وليس بمهموز لأنّه من "واريْتُ" وإنما [١٠٣ ب] كانت {عجزْتُ} لأنها من "عجز" "يعْج زُ"
وقال بعضهم "عجز" "يعْجُزُ"، و"عج ز" "يعْجزُ".
[و] قال {م نْ أجْل ذلك كتبْنا على بن ي إ سْرائ يل}. وان شئت أذهبت الهمزة من {أجْل } وحركت النون في لغة من خفف الهمزة. و"الأجْلُ": الجناية من "أجل" "يأْج لُ"، تقول: "قدْ أجلْت عليْناا شرْاً" ويقول بعض العرب {م نْ جرّا} من: "الجريرة" ويجعله على "فعْلى".
وقال {أنّهُ من قتل نفْساً ب غيْر نفْسٍ أوْ فسادٍ ف ي الأرْض } يقول: "أوْ ب غيْر فسادٍ في الأرْض".
سورة ( المائدة )
وقال {لوْ أنّ لهُمْ مّا ف ي الأرْض جم يعاً وم ثْلهُ معهُ ل يفْتدُواْ ب ه م نْ عذاب يوْم الْق يامة ما تُقُبّ ل م نْهُمْ} يقول: "لوْ أنّ هذا معهُم ل لفداء ما تُقُبّ ل م نْهُم".
وقال {لا يحْزُنك} خفيفة مفتوحة الياء وأهْل المدينة يقولون {يُحْز نْك} يجعلونها من"أحْزن" والعرب تقول: "أحْزنْتُه" و"حزنْتُهُ".
وقال {الّذ ين يُسار عُون ف ي الْكُفْر م ن الّذ ين قالُواْ آمنّا ب أفْواه ه مْ} أي: "م نْ هؤُلاء وم نْ هؤلاء" ثم قال مستأنفاً {سمّاعُون ل قوْمٍ آخر ين} أي: هم سماعون. وان شئت جعلته على {وم ن الّذ ين ه ادُواْ} {سمّاعُون ل قوْمٍ آخر ين} ثم تقطعه من الكلام الأول. ثم قال {سمّاعُون ل لْكذ ب أكّالُون ل لسُّحْت } [٤٢] على ذلك الرفع للأول وأما قوله {لمْ يأْتُوك} فها هنا انقطع الكلام والمعنى "وم ن الّذ ين هادُوا سمّاعُون ل لْكذ ب يسْمعُون كلام النب يّ صلّى اللّه عليْه وسلّم [١٠٤ ء] ليكْذ بُوا عليْه سمّاعُون ل قوْمٍ آخرين لمْ يأتُوك بعْد" يقول: "يسْمعُون لهُم فيُخْب رونهُمْ وهُمْ لمْ يأْتُوك".
وقال {والْجُرُوح ق صاصٌ} اذا عطف على ما بعد "أنّ" نصب والرفع على الابتداء كما تقول: "إنّ زيْداً منْطل قٌ وعمْرٌ ذاهبٌ" وإ نْ شئت قلت: "وعمْراً ذاهبٌ" نصب ورفع.
سورة ( المائدة )
[و] قال {وآتيْناهُ الإ نج يل ف يه هُدًى ونُورٌ} لأنّ بعْضهم يقول: "ه ي الإ نْجيل" وبعضهم يقول: "هُو الإ نجيل". وقد يكون على أنّ "الإ نجيل" كتاب فهو مذكر في المعنى فذكروه على ذلك . كما قال {وإ ذا حضر الْق سْمة أُوْلُواْ الْقُرْبى} ثم قال {فارْزُقُوهُمْ مّ نْهُ} فذكّر و"الق سْمةُ" مُؤّنّثة لأنّها في المعنى "الميراث" و"المال" فذكر على ذلك .
وقال {ومُهيْم ناً عليْه } يقول: "وشااه داً عليْه " نصب على الحال.
وقال {ش رْعةً وم نْهاجاً} فـ"الشّ رْعةُ": الدين ، من "شرع" "يشْرعُ"، و"الم نْهااجُ": الطريقُ من "نهج" "ينْهجُ".
وقال {لا تتّخ ذُواْ الْيهُود والنّصارى أوْل يآء} ثم قال {بعْضُهُمْ أوْل يآءُ بعْضٍ} على الابتداء.
سورة ( المائدة )
[و] قال {ويقُولُ الّذ ين آمنُواْ} نصب لأنه معطوف على قوله {فعسى اللّه أن يأْت ي ب الْفتْح } [٥٢] وقد قرىء رفعا على الابتداء. قال أبُو عمرو النصب محال لأنه لا يجوز "وعسى اللّه أنْ يقول الذين آمنوا" وإ نّما ذا "عسى أنْ يقول"، يجعل {أنْ يقُول} [١٠٤ ب] معطوفة على ما بعد "عسى" أوْ يكون تابعا، نحو قولهم: "أكلْتُ خُبْزاً ولبناً" و:
....................... * مُتقلّ داً سيْفاً ورُمْحاً
وقال {ب شرٍّ مّ ن ذلك مثُوبةً ع ند اللّه} كما قال {ب خيْرٍ م نْ ذل ك}*.
وقال {وعبد الطّاغُوت} أي: {من لّعنهُ اللّه} {وعبد الطّاغُوت}.
وقال {وأكْل ه مُ السُّحْت}
وقال {عن قوْل ه مُ الإ ثْم} نصبهما بإ سقاط الفعل عليهما.
سورة ( المائدة )
وقال {وقالت الْيهُودُ يدُ اللّه مغْلُولةٌ غُلّتْ أيْد يه مْ}. فذكروا أنّها "العط يّة" و"النّ عْمة". وكذلك {بلْ يداهُ مبْسُوطتان } كما تقول: "إنّ ل فُلانٍ ع نْد ي يداً" أي: ن عْمةً.
وقال: {أُوْل ي الأيْد ي والأبْصار } أي: أُولى النّ عم. وقد تكون "اليد" في وجوه، تقول "بيْن يدي الدار " تعْني: قُدامها، وليستْ للدار يدان.
وقال {فما بلّغْت ر سالتهُ}
وقال بعضهم {ر سالات ه } وكلٌّ صوابٌ لأنّ "الرّ سالة" قد تجمع "الرّسائ ل" كما تقول "هلك البع يرُ والشّاةُ" و"أهْلك الناس الدينارُ والد رْهمُ" تريد الجماعة.
وقال: {والصّاب ئُون والنّصارى} وقال في موضع آخر {والصّاب ئ ين} والنصب القياس على العطف على ما بعد {إ نّ} فاما هذه فرفعها على وجهين كأن قوله {إ نّ الّذ ين آمنُواْ} في موضع رفع في المعنى لأنه كلام مبتدأ لأنّ قوْلهُ: "إنّ زيْداً مُنْطل قٌ" و"زيْدٌ مُنْطل قٌ" من غير أن يكون فيه "إنّ" في المعنى سواء [١٠٥ ء]، فان شئت اذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت: "إنّ زيداً مُنْطل قٌ وعمرٌو". ولكنه اذا جعل بعد الخبر فهو احسن واكثر. وقال بضعهم: "لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو {الّذ ين هادُواْ} اجراه عليه فرفعه به وان كان ليس عليه في المعنى ذلك انه تجيء اشياء في اللفظ لا تكون في المعاني، منها قولهم: "هذا جُحْرُ ضبٍّ خر بٍ" وقولهم "كذب عليْكُمْ الحجُّ" يرفعون "الحجّ" بـ"كذب"، وانما معناه "عليْكُم الحجّ" نصب بأمرهم. وتقول: "هذا حبُّ رُمّان ي" فتضيف "الرُّمان" إليك وإ نّما لك "الحبُّ" وليس لك "الرُّمانُ". فقد يجوز أشباه هذا والمعنى علىخلافه.
سورة ( المائدة )
[و] قال {ثُمّ عمُواْ وصمُّواْ كث يرٌ مّ نْهُمْ} ولم يقل "ثُمّ عم ي وصمّ" وهو فعل مقدم لأنه أخبر عن قوم انهم عمُوا وصمُّوا، ثم فسر كم صنع ذلك منهم كما تقول "رأيتُ قوْمك ثُلُثيْه م" ومثل ذلك {وأسرُّواْ النّجْوى الّذ ين ظلمُواْ} وان شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون "أكلُوني البراغ يثُ" كما قال: [من الطويل وهو الشاهد الخامس والثمانون بعد المئة]:
ولك نْ د ياف يٌّ أبُوهُ وأُمُّهُ * ب حوْران يعْصُرْن السّل يطُ أقار بُه
[و] قال {لّقدْ كفر الّذ ين قالُواْ إ نّ اللّه ثال ثُ ثلاثةٍ} وذلك انهم جعلوا معه "ع يْسى" [١٠٥ ب] و"مرْيم". كذلك يكون في الكلام اذا كان واحد مع اثنين قيل "ثال ثُ ثلاثةٍ" كما قال {ثان ي اثْنيْن } وانما كان معه واحد. ومن قال: "ثالث اثْنيْن " دخل عليه أنْ يقول: "ثان ي واح دٍ". وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح.
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السادس والثمانون بعد المئة]:
ولك نْ لا أخُونُ الجار حتّى * يُزيلُ اللّه ثال ثة الأثاف ي
ومن قال: "ثان ي اثْنيْن " و"ثالثُ ثلاثةٍ" قال: حادي أحد عشر" اذا كان رجل مع عشرة. ومن قال "ثالثُ اثْنيْن " قال: "حادي عشْرة" فأمّا قوْلُ العرب : "حادي عشر" و"ثاني عشر" فهذا في العدد اذا كنت تقول: "ثان ي" و"ثالث" و"رابع" و"عاشر" من غير ان تقول: عاشر كذا وكذا"، فلما جاوز العشرة أراد أنْ يقول: "حادي" و"ثاني" فكان ذلك لا يعرف معناه الا بذكر العشرة فضم إليه شيئا من حروف العشرة.
وقال {ليبْلُونّكُمُ اللّه ب شيْءٍ مّ ن الصّيْد } على القسم أي: و اللّه ليبْلُونّكُمْ. وكذلك هذه اللام التي بعدها النون لا تكون * الا بعد القسم.
سورة ( المائدة )
وقال: {فجزآءٌ مّ ثْلُ ما قتل م ن النّعم } أي: فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم.
[و] قال {يحْكُمُ ب ه ذوا عدْلٍ مّ نْكُمْ هدْياً} انتصب على الحال {بال غ الْكعْبة } من صفته وليس قولك [١٠٦ ء] {بال غ الْكعْبة } بمعرفة لأن فيه معنى التنوين لأنه اذا قال "هذا ضاربُ زيْدٍ" في لغة من حذف النون ولم يفعل بعد فهو نكرة. ومثل ذلك {هذاعار ضٌ مُّمْط رُنا} ففيه بعض التنوين غير انه لا يوصل اليه من أجل الاسم المضمر.
ثم قال {أوْ كفّارةٌ طعامُ مساك ين} أيْ: أوْ عليه كفارةٌ. رفعٌ منون ثم فسر فقال "ه ي طعامُ مساكين"
وقال بعضهم {كفّارةُ طعام مساك ين} باضافة الكفارة اليه.
[و] قال {أو عدْلُ ذلك ص ياماً} يريد: أوْ عليْه مثلُ ذلك من الصيام. كما تقول: "عليْها مثلُها زُبْداً".
وقال بعضهم {أوْ ع دلُ ذلك صياما} فكسر وهو الوجه لأن "الع دْل": الم ثْل. وأمّا "العدْل" فهو المصدر تقول: "عدلْتُ هذا بهذا عدْلاً حسنا"، و"العدْل" أيْضا: الم ثْلُ.
وقال {ولا يُقْبلُ م نْها عدْلٌ} أي: م ثْلٌ ففرقوا بين ذا وبين "عدل المتاع" كما تقول: "امرأةٌ رزانٌ" و"حجرٌ رز ينٌ".
وقال {جعل اللّه الْكعْبة الْبيْت الْحرام ق ياماً لّ لنّاس }
وقال {والْهدْي والْقلائ د} أي: وجعل لكُمْ الهدْي والقلائ د.
وقال {ياأيُّها الّذ ين آمنُواْ عليْكُمْ أنْفُسكُمْ لا يض رْكُمْ} خفيفة، فجزم لأن جواب الامر جزم فجعلها من "ضار" "يض ير". وقال [١٠٦ ب] بضعهم {يُض رّكُمْ} و{يضُرُّكْمْ} فجعل الموضع جزما فيهما جميعا، الا انه حرك لان الراء ثقيلة فأولها ساكن فلا يستقيم اسكان آخرها فيلتقي ساكنان وأجود ذلك {لا يضُرُّكُمْ} رفع على الابتداء لأنه ليس بعلة لقوله {عليْكُمْ أنْفُسكُمْ} وانما أخبر انه لا يضُرُّهُم.
سورة ( المائدة )
وقال {شهادةُ بيْن كُمْ} ثم قال {اثْنان ذوا عدْلٍ مّ نْكُمْ} أيْ: شهادة بين كم شهادةُ اثنين. فلما القى "الشهادة" قام "الاثنان" مقامها وارتفعا بارتفاعها كما قال {وسْئل الْقرْية} يريد: أهْل القرية . وانتصب (القرية) بانتصاب "الأهْل " وقامت مقامه. ثم عطف {أوْآخران } على "الاثنين".
وقال: {م ن الّذ ين اسْتحقّ عليْه مُ الأوْليان } أيْ: من الأوّليْن الذين استْحقّ* عليهم.
وقال بعضهم {الأوْليان } وبها نقرأ. لأنّه حين قال {يقُومان مقامهُما م ن الّذ ين اسْتحقّ عليْه مُ} كان كأنه قد حدهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى فقال {الأوْليان } فأجرى المعرفة علهيما بدلا. ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير. قال الراجز: [وهو الشاهد السابع والثمانون بعد المئة]:
عليّ يوم تملكُ الأُمُورا * صوْمُ شُهورٍ وجبتْ نُذُورا
* وبدناً مُقلّداً منْحُورا *
فجعله على "أوْجب" لأنه في معنى "قدْ أوْجب".
[وقال] {قال ع يسى ابْنُ مرْيم اللّهمّ ربّنآ [١٠٧ ء] أنز لْ عليْنا مآئ دةً مّ ن السّمآء تكُونُ لنا ع يداً لأوّل نا وآخ ر نا} فجعل {تكونُ} من صفة "المائدة" كما قال {هبْ ل ي م ن لّدُنْك ول يّاً ير ثُن ي} رفع اذا جعله صفة وجزم اذا جعله جوابا كما تقول: "أعْط ني ثوْباً يسعُني" اذا أردت واسعا و"يسعْ ني" اذا جعلته جوابا كأنك تشترط أنه يسعك.
[و] قال {وآيةً مّ نْك} عطف على "العيد" كأنه قال: "يكونُ ع يداً وآيةً" وذكر ان قراءة ابن مسعود {تكُنْ لنا ع يداً}.
وليس قولهم {هلْ يسْتط يعُ} [١١٢] لأنهم ظنوا انه لا يطيق. ولكنه كقول العرب: أتسْتطيعُ أنْ تذْهب في هذه الحاجة وتدعنا من كلام ك"، وتقول: "أتسْتطيعُ أنْ تكُفّ عنّي فإ نّ ي مغْمُوم". فليس هذا لأنه لا يستطيع ولكنه يريد "كُفّ عنّ ي" ويذكر له الاستطاعة ليحتج عليه أيْ: إ نّك تستطيعُ. فاذا ذكّره إ ياها علم أنها حجة عليه. وانما قرئت {هلْ تسْتطيعُ ربّك} فيما لديّ لغموض هذا المعنى الآخر و اللّه أعلم. وهو جائز كأنه أضمر الفعل فأراد "هلْ تستطيعُ أنْ تدعو ربّك" أوْ "هلْ تستطيعُ ربّك أنْ تدْعُوهُ"، فكل هذا جائز.
و"المائ دةُ" الطعام. و"فعلْتُ" منها: "م دْتُ" "أم يدُ".
قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثامن والثمانون بعد المئة]:
نُهْد ى رُؤوس المُجْر مين الأندادْ * إلى أم ير المؤم ن ين المُمْتاد
[١٠٧ ب] [ و["المُمْتاد"] هو "مُفْتع لٌ" من "م دْتُ".