أما قوله {الم} فان هذه الحروف اسكنت لان الكلام ليس بمدرج، وانما يكون مدرجا لو عطف بحرف العطف وذلك ان العرب تقول [٩ء] في حروف المعجم كلها بالوقف اذا لم يدخلوا حروف العطف فيقولون: "ألفْ باءْ تاءْ ثاءْ" ويقولون: "ألفٌ وباءٌ وتاءٌ وثاءٌ". وكذلك العدد عندهم ما لم يدخلوا حروف العطف [فـ] يقولون: "واحدْ اثنانْ ثلاثهْ". وبذلك على انه ليس بمدرج قطع ألف "اثنين" وهي من الوصل. فلو كان وصلها بالذي قبلها لذهبت ولكن هذا من العدد، والعدد والحروف كل واحد منها شيء مفصول على حياله.. ومثل ذلك {المص} و{الر} و{المر} و {كهيعص} و{طسم} و{يس} و{طه} و{حم} و{ق} و{ص}. الا ان قوما قد نصبوا {يس} و{طه} و{حم} وهو كثير في كلام العرب، وذلك انهم جعلوها اسماء كالأسماء الاعجمية "هابيل" و "قابيل" فاما ان يكونوا جعلوها في موضع نصب ولم يصرفوها كأنه قال: "اذكر حم وطس ويس". او جعلوها كالأسماء، التي [هي] غير متمكنة فحرّكوا آخرها حركة واحدة كفتح "أين"، وكقول بعض الناس {الْحمْد للّه}. وقرأ بعضهم {ص} و{ن} و{ق} بالفتح وجعلوها أسماء ليست بمتمكنة فألزموها حركة واحدة وجعلوها أسماء للسورة*، فصارت أسماء مؤنثة. ومن العرب من لا يصرف المؤنث اذا كان وسطه ساكنا [٩ب] نحو "ه نْد" و "جُمْل" و "دعد"**.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع].
وإني لأهوى بيت ه نْدٍ وأهلها * على هنواتٍ قد ذكرن على ه نْد
وهو يجوز في هذه اللغة أو يكون سماها بالحرف، والحرف مذكر واذا سمي المؤنث بالمذكر لم ينصرف، [ف] جعل {ص} وما أشبهها اسما للسورة ولم يصرف، وجعله في موضع نصب.
وقال بعضهم "صاد والقرآن " فجعلها من "صاديت" ثم أمركما تقول "رام " كأنه قال: "صاد الحقّ بعملك" اي: تعمده، ثم قال {والْقُرْآن } فأقسم، ثم قال {بل الّذ ين كفرُواْ ف ي ع زّةٍ وش قاقٍ}. فعلى هذا وقع القسم. وذلك أنهم زعموا أن "بل" هاهنا انما هي "إنّ" فلذلك صار القسم عليها.
وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور، فقال بعضهم: "انما هي حروف يستفتح بها" فان قيل "هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى"؟. فان معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت، وأنه قد أخذ في أخرى. فجعل هذا علامة لانقطاع ما بينهما، وذلك موجود في كلام العرب، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول [من الرجز وهو الشاهد الخامس]:
* بلْ. وبلدةٍ ما الانسُ من أُهّالها *
[١٠ء] أو يقول [من الرجز وهو الشاهد السادس]:
* بلْ. ما هاج أحزاناً وشجواً قد شجا *
فـ"بل" ليست من البيت ولا تعد في وزنه، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر. وقال قوم: "انها حروف اذا وصلت كانت هجاء لشيء يعرف معناه، وقد أوتى بعض الناس علم ذلك . وذلك ان بعضهم كان يقول: "ألر" و "حم" و "ن" هذا هو اسم "الرحمن" جل وعزّ، وما بقي منها فنحو هذا.
وقالوا ان قوله {كهيعص} كاف هاد عالم صادق فاظهر من كل اسم منها حرفا ليستدل به عليها. فهذا يدل على ان الوجه الأول لا يكون الا وله معنى. لانه يريد معنى الحروف. ولم ينصبوا من هذه الحروف شيئا غير ما ذكرت لك، لان {الم} و {طسم} و{كهيعص} ليست مثل شيء من الأسماء، وانما هي حروف مقطعة.
وقال {الم} {اللّه لا اله إ لاّ هُو } فالميم مفتوحة لانها لقيها حرف ساكن فلم يكن من حركتها بد.
فان قيل: "فهلا حركت بالجر"؟ فان هذا لا يلزم فيها [و] انما أرادوا الحركة، فاذا حركوها بأي حركة كانت فقد وصلوا الى الكلام بها، ولو كانت كسرت لجاز ولا أعلمها الا لغة.
وقال بعضهم: "فتحوا الحروف التي للّهجاء اذا لقيها الساكن [١٠ب] ليفصلوا بينها وبين غيرها. وقالوا: "م ن الرجل" ففتحوا لاجتماع الساكنين. ويقولون: "هل الرجل" و "بل الرجل" وليس بين هذين وبين "من الرجل" فرق، الا انهم قد فتحوا "م ن الرجل" لئلا تجتمع كسرتان، وكسروا {إ ذ الظّال مُون}. وقد اجتمعت كسرتان لان "م نْ اكثر استعمالا في كلامهم من "إذْ"، فادخلوها الفتح ليخف عليهم. وان شئت قلت "ألم" حروف منفصل بعضها من بعض، لأنه ليس فيها حرف عطف، وهي ايضاً منفصلة مما بعدها، فالاصل فيه ان تقول {الم أللّه} فتقطع ألف { اللّه} اذا كان ما قبله منفصلا منه كما قلت "واحد، إثنان" فقطعت. وكما قرأ القراء {ن والْقلم } فبينوا النون لانها منفصلة. ولو كانت غير منفصلة لم تبين الا ان يلقاها أحد الحروف الستة. الا ترى انك تقول " خذه من زيد" و "خذه من عمرو" فتبين النون في "عمرو" ولا تبين في "زيد". فلما كانت ميم ساكنة وبعدها حرف مقطوع مفتوح جاز أن تحرك الميم بفتحة الالف وتحذف الالف في لغة من قال "من ابوك" فلا تقطع. وقد جعل قوم (نون) بمنزلة المدرج فقالوا {نون والقلم } فاثبتوا النون ولم يبينوها. وقالوا {يس والْقُرْآن } فلم يبينوا ايضاً. وليست * هذه النون ها هنا بمنزلة قول {كهيعص} و{طس ت لْك} و{حم عسق} [فـ] هذه النونات لا تبين في القراءة في قراءة أحد، لان النون قريبة من الصاد، لأن الصاد والنون من مخرج طرف اللسان. وكذلك التاء والسين في {طس ت لْك} وفي {حم عسق}، فلذلك لم تبين النون اذ قربن منها. وتبينت النون في {يس} و{نون} لبعد النون من الواو لان النون بطرف اللسان والواو بالشفتين.
قال {لا ريْب ف يه هُدًى لّ لْمُتّق ين}
وقال {فلا إ ثْم عليْه } فنصبهما بغير تنوين. وذلك ان كل اسم منكور نفيته بـ"لا" وجعلت "لا" الى جنب الاسم فهو مفتوح بغير تنوين، لان "لا" مشبهة بالفعل، كما شبهت "إنْ" و "ما" بالفعل. و (فيه) في موضع خبرها وخبرها رفع، وهو بمنزلة الفاعل، وصار المنصوب بمنزلة المفعول به، و (لا) بمنزلة الفعل. وانما حذفت التنوين منه لانك جعلته و "لا" اسما واحدا، وكل شيئين جُع لا اسما لم يصرفا. والفتحة التي فيه لجميع الاسم، بني عليها وجعل غير متمكن. والاسم الذي بعد "لا" في موضع نصب عملت فيه "لا".
واما قوله {لا خوْفٌ عليْه مْ ولا هُمْ يحْزنُون} فالوجه فيه الرفع لان المعطوف عليه لا يكون الا رفعا [١١ب] ورفعته لتعطف الآخر عليه. وقد قرأها قوم نصبا وجعلوا الآخر [رفعا] على الابتداء.
وقوله {فلا رفث ولا فُسُوق ولا ج دال ف ي الْحجّ } فالوجه النصب لان هذا نفي ولانه كله نكرة. وقد قال قوم {فلا رفثٌ ولا فُسُوقٌ ولا ج دالٌ ف ي الْحجّ } فرفعوه كله، وذلك انه قد يكون هذا المنصوب كله مرفوعاً في بعض كلام العرب.
قال الشاعر: : [من البسيط وهو الشاهد السابع]:
وما صرمتُك حتى قلت معلنةً * لا ناقةٌ لي في هذا ولا جمل
وهذا جواب لقوله "هل فيه رفثٌ أو فسوقٌ" فقد رفع الأسماء بالابتداء وجعل لها خبراً، فلذلك يكون جوابه رفعاً. واذا قال "لا شيء" فانما هو جواب "هل من شىءٍ"، لان "هل م ن شيءٍ"* قد اعمل فيه "م ن" بالجر وأضمر الخبر والموضع مرفوع، مثل "بحسب ك أنْ تشتمني" [فـ] انما هو "حسبُك أنْ تشتمني". فالموضع مرفوع والباء قد عملت.
وقد قال قوم {فلا رفثٌ ولا فُسُوقٌ ولا ج دال ف ي الْحجّ } فرفعوا الأول على ما يجوز في هذا من الرفع، او على النهي، كانه قال "فلا يكونن فيه رفثٌ ولا فسوقٌ" كما تقول: "سمعُك اليّ" تقولها العرب فترفعها، وكما تقول للرجل **: "حسبُك" و "كفاك". وجعل الجدال [نصبا] على النفي. و
قال الشاعر [من الكامل وهو الشاهد الثامن].
[١٢ء] ذاكم وجدّ كُم الصّغار بأسر ه * لا أُمّ لي إنْ كان ذاك ولا أبُ
فرفع أحدهما ونصب الآخر.
واما قوله {لا ف يها غوْلٌ} فرفع لان "لا" [لا] تقوى أنْ تعمل إذا فصلت، وقد فصلتها بـ"فيها" فرفع على الابتداء ولم تعمل "لا".
وقوله {ف يه هُدًى لّ لْمُتّق ين} [فـ"فيه"] و "عليه" و "إليه"، وأشباه ذلك في القرآن كثير. وذلك ان العرب اذا كان قبل هذه الهاء التي للمذكر ياء ساكنة، حذفوا الياء التي تجيء من بعد الهاء او الواو، لان الهاء حرف خفي وقع بين حرفين متشابهين فثقل ذلك . فمن كان من لغته إلحاق الواو اذا كان قبلها كسرة ولم يكن قبلها الياء، ترك الهاء مضمومة اذا كان قبلها الياء الساكنة ومن كان من لغته إلحاق الواو اذا كان قبلها كسرة ولم يكن قبلها الياء، ترك الهاء مضمومة اذا كان قبلها الياء الساكنة ومن كان من لغته إلحاق الياء ترك الهاء مكسورة اذا كان قبلها الياء الساكنة. وكذلك اذا كان قبل الهاء الف ساكنة او واو فانه يحذف الواو التي تكون بعد الهاء، ولكن الهاء لا تكون الا مضمومة نحو {فألْقى مُوسى عصاهُ}
وقوله {فكذّبُوهُ}
وقوله {فأنجيْناهُ} وأشباه هذا في القرآن كثير.
ومن العرب من يتم لان ذلك من الاصل فيقول {فكذّبُوهو} {فأنجيْناهو} {وألقى موسى عصاهو} و {لا ريب فيهُو هُدىً للمتقين} وهي قراءة أهل المدينة. [١٢ب] وقد قال قوم {إ نّ ي لكُمْ مّ نْهُ نذ يرٌ مُّب ينٌ} فألقوا الواو وشبهوا الساكن بالياء والواو والالف. وهذا ليس بجيّد في العربية، وأجوده {منهو نذير} تُلْحقُ الواو وان كانت لا تكتب. وكل هذا اذا سكت عليه لم تزد على الهاء شيئا.
ولا تكسر هذه الهاء الا ان تكون قبلها ياء ساكنة، او حرف مكسور. وانما يكسر بنو تميم. فأما أهل الحجاز فانهم يضمون بعد الكسر وبعد الياء ايضا قال {ثُمّ اتّخذْتُمُ الْع جْل م ن بعْد ه وأنْتُمْ ظال مُون}. واهل الحجاز [يقولون] {من بعد هُو} فيثبتون الواو في كل موضع.
ومن العرب من يحذف الواو والياء في هذا النحو ايضاً, وذلك قليل قبيح يقول: "مررت ب ه قبلُ" و "ب هُ قبلُ" يكسرون ويضمون، ولا يلحقون واوا ولا ياء، ويقولون "رأيتُهُ قبلُ" فلا يلحقون واوا. وقد سمعنا بعض ذلك من العرب الفصحاء.
قد قرأ بعض القراء {ف يهْ هُدى} فادغم الهاء الأولى * في هاء {هُدى} لانهما التقتا وهما مثلان.
وزعموا ان من العرب من يؤنث "الهُدى". ومنهم من يسكن هاء الاضمار للمذكر
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع]:
فظ لْتُ لدى البيت العتيق أُخيلُه * [١٣ء] وم طواي مشتاقان لهْ أر قان
وهذه في لغة اسد السراة، زعموا، كثير.
قوله {وم مّا رزقْناهُمْ يُنْف قُون} ففيها لغتان، منهم من يقولها بالوقف اذا وصل، ومنهم من يلحق فيها الواو. وكذلك هو في كل موضع من القرآن والكلام إلاّ ان يكون ما قبلها مكسورا او ياء ساكنة، فان كانت ياء ساكنة او حرف مكسور نحو "عليْه م" و "ب ه مْ" و "م ن بعد ه مْ" فمن العرب من يقول: "عليه م ي" فيلحق الياء ويكسر الميم والهاء، ومنهم من يقول: "عليْهُمُو" فيلحق الواو ويضم الميم والهاء، ومنهم من يقول: "عليه م" و "عليهُم"، فيرفعون الهاء ويكسرونها، ويقفون الميم، ومنهم من يقول: "عليه مُو" فيكسرون الهاء ويضمون الميم ويلحقون الواو، ومنهم من يقول: "عليهُم ي" فيضمون الهاء ويكسرون الميم ويلحقون الياء.
وكل هذا اذا وقفت عليه فآخره ساكن والذي قبله مكسور هو بمنزلة ما قبله ياء. وهذا في القرآن كثير. ومنهم من يجعل ["كُمْ] في] "عليكم" و "بكم" اذا كانت قبلها ياء ساكنة او حرف مكسور بمنزلة "هُمْ" وذلك قبيح لا يكاد يعرف، وهي لغة لبكر بن وائل سمعناها من بعضهم يقولون "عليك مي" و "ب ك مي"
وأنشد [١٣ب] الاخفش قال سمعته من بكر بن وائل: [من الطويل وهو الشاهد العاشر]:
وإنْ قال مولاهمْ على جُلّ حاجةٍ * من الأمر رُدّوا فضْل أحلام ك م ردُّوا
وكل هذا اذا لقيه حرف ساكن حركت الميم بالضم ان كان بعدها واو, فان كان بعدها واو حذفت الواو، وان كان ياء حذفت الياء وحركت الميم بالكسر.
وكذلك الهاء التي للواحد المذكر من نحو "مررت به اليوم" و "رأيته اليوم".
وزعموا ان بعض العرب يحرك الميم ولا يلحق ياء ولا واوا في الشعر وذا لا يكاد يعرف. و
قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الحادي عشر]:
ت اللّه لولا شُعْبتي من الكرم * وشعبتي فيه م من خالٍ وعمّ
فأما قوله {سوآءٌ عليْه مْ أأنذرْتهُمْ أمْ لمْ تُنْذ رْهُمْ لا يُؤْم نُون} فانما دخله حرف الاستفهام وليس باستفهام لذكره السواء، لانه اذا قال في الاستفهام: "أزيدْ عندك أم عمْرو" وهو يسأل ايهما عندك فهما مستويان عليه، وليس واحد منهما أحق بالاستفهام من الآخر. فلما جاءت التسوية في قوله {أأنذرْتهُمْ} أشبه بذلك الاستفهام، اذ أشبهه في التسوية. ومثلها {سوآءٌ عليْه مْ أسْتغْفرْت لهُمْ أمْ لمْ تسْتغْف رْ لهُمْ} [١٤ء] ولكن {أسْتغْفرْت} ليست بممدودة, لان الالف التي فيها ألف وصل لانها من "اسْتغْفر" "يستغ فرُ" فالياء مفتوحة من "يفْعل" واما (أأنْذرتهم) ففيها الفان الف {أنْذرت} وهي مقطوعة لانه يقول "يُنْذ رُ" فالياء مضمومة ثم جعلت معها الف الاستفهام فلذلك مددت وخففت الآخرة منهما لانه لا يلتقي همزتان.
وقال {أفلا تُبْص رُون} {أمْ أنآ خيْرٌ مّ نْ هذاالّذ ي هُو مه ينٌ}.
وقال بعضهم انه على قوله {أفلا تُبْص رُون} وجعل قوله {أمْ أنآ خيْرٌ مّ نْ هذاالّذ ي هُو مه ينٌ} بدلا من {تُبْص رُون}. لان ذلك عنده بصرا منهم ان يكون عندهم هكذا وهذه "أم" التي تكون في معنى "أيهما". وقد قال قوم "انها يمانية" وذلك ان أهل اليمن يزيدون "أم" في جميع الكلام. واما ما سمعنا من اليمن فيجعلون "أم" مكان الالف واللام الزائدتين، يقولون "رأيت امْرجُل" و "قام امرجل" يريدون "الرجل". ولا يشبه ان تكون {أمْ أنآ خيْرٌ} على لغة أهل اليمن. وقد زعم ابو زيد انه سمع اعرابياً فصيحا ينشدهم:
[من الرجز وهو الشاهد الثاني عشر]:
يا دهرُ أمْ كان مشْي ي رقصا * بلْ قدْ تكونُ مشيتي ترقُّصا
فسأله فقال: "معناه ما كان مشيي رقصا فـ"أم" ها هنا زائدة. وهذا [١٤ب] لا يعرف. وقال علقمة بن عبدة: [من الطويل وهو الشاهد الثالث عشر]:
وما القلب أمْ ما ذكرُهُ ربع يّةً * يُخطُّ لها من ثرْمداء قل يبُ
يريد "ما ذكرُهُ ربيعةً " يجعله بدلا من "القلب"، وقال بعض الفقهاء: "ان معناه انه قال فرعون {أفلا تُبْص رُون} أم انتم بصراء". و
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر]:
فيا ظبية الوعساء بين جُلاج لٍ * وبين النّقا أأنت أمْ أُمُّ سال م
يريد: "أأنت أحسن أمْ أمُّ سال م" فأضمر "أحْسن". يريد: "أليس أنا خيراً من هذا الذي هو مهين". ولها موضع آخر تكون فيه منقطعة من الكلام كأنك تميل الى أوله قال {لا ريْب م ن رّبّ الْعالم ين} {أمْ يقُولُون افْتراهُ}. وهذا لم يكن قبله استفهام, وهذا قول العرب: "إنّها لإ بل" ثم يقولون * "أمْ شاءٌ" [وقولهم]** "لقد كان كذا وكذا أمْ حدّثتُ نفسي"، ومثل قول الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس عشر]:
كذبتْك عينُك أمْ رأيت بواس طٍ * غلس الظلام م ن الرّباب خيالا
وليس قوله {أمْ يقُولُون افْتراهُ} لانه شك، ولكنه قال هذا ليقبّح صنيعهم كما تقول: "ألست الفاعل كذا وكذا" ليس تستفهم انما توبخّه. ثم قال {بلْ هُو الْحقُّ م ن رّبّ ك}. ومثل هذا في القرآن كثير, قال {فذكّ رْ فمآ أنت [١٥ء] ب ن عْمة ربّ ك ب كاه نٍ ولا مجْنُونٍ} ثم قال {أمْ يقُولُون شاع رٌ نّتربّصُ ب ه } [و] ** {أمْ ع ندهُمْ خزآئ نُ ربّ ك} كل هذا على استفهام الاستئناف. وليس لـ"أمْ" غير هذين الموضعين لانه اراد أن ينبه، ثم ذكر ما قالوا عليه يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم ليقبح ما قالوا عليه، نحو قولك للرجل "ألْخيْرُ أحبُّ إليك أمْ الشرّ"؟ وأنت تعلم انه يقول "الخير" ولكن أردت أن تقبح عنده ما صنع. وأما قوله {ولا تُط عْ م نْهُمْ آث ماً أوْ كفُوراً} فقد نهاه عن الآثم والكفور جميعا. وقد قال بعض الفقهاء: : "إنّ" "أوْ" تكون بمنزلة الواو وقال [من المتقارب وهو الشاهد السادس عشر]:
يُه ينُون من حقروا شأيهُ * وإنْ كان فيه مْ يف ي أو يبرّ
يقول: "يف ي ويبرّ". وكذلك هي عندهم ها هنا وانما هي بمنزلة "كلُ اللحم أو التمر" اذا رخصت له في هذا النحو. فلو أكل كله أو واحدا منه لم يعص. فيقع النهي عن كل ذا في هذا المعنى فيكون ان ركب الكل او واحداً [قد] عصى. كما كان في الامر ان صنع واحداً أطاع.
وقال {وأرْسلْناهُ إ لى م ئة ألْفٍ أوْ يز يدُون} ومعناه "ويز يدُون" ومخرجها في العربية انك تقول: "لا تجالسْ زيداً أو عمراً أوْ خال داً" فإنْ أتى واحداً منهم أو كُلّهُم كان عاصياً. كما أنك إذا قلت: "إ جْل س الى فلان أو فلان [١٥ب] أوْ فلان "فجلس الى واحد منهم أوْ كل هّ م كان مطيعا. فهذا مخرجه من العربية. وأرى الذين قالوا: "إنّما" أو "بمنزلة الواو" انما قالوها لأنهم رأوها في معناها. واما {وأرْسلْناهُ إ لى م ئة ألْفٍ أوْ يز يدُون} فانما يقول {أرْسلْناهُ إ لى م ئة ألْفٍ} ع نْد الناس ", ثم قال {أوْ يز يدُون} عند الناس" لأنّ اللّه تبارك وتعالى لا يكون منه شكّ. وقد قال قوم" إنّما "أو" ها هنا بمنزلة "بل" وقد يقول الرجل "لأذْهبنّ إلى كذا وكذا" ثم يبدو له بعدُ فيقول "أوْ أقْعُد" فقال ها هنا {أرْسلْناهُ إ لى م ئة ألْفٍ} عند الناس" ثم قال {أوْ يزيدون}عند الناس" اي ان الناس لا يشكون أنهم قد زادوا. والوجه الآخر هكذا. أي "فكذا حال الناس فيهم "أي: ان الناس يشكون فيهم. وكذا حال "أم" المنقطعة ان شئت جعلتها على "بل" فهو مذهب حسن. وقال مُتمّ م بن نويرة [من الوافر وهو الشاهد السابع عشر]:
فلو كان البكاءُ يردُّ شيئاً * بكيْتُ على جُبيْرٍ أو ع فاقٍ
على المرْأيْن إذْ هلكا جميعا * بشأنهما وحزنٍ واشتياق
وقال ابنُ أحمر [من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر]:
فقلتُ الب ثي شهْريْن أوْ ن صْف ثالثٍ * إلى ذاك ما قد غيّبتن ي غ ياب يا
[١٦ء] واما قوله {أإ نّا لمبْعُوثُون}{أو آبآؤُنا الأوّلُون } فان هذه الواو واو عطف كأنهم قالوا: {أإ نا لمبْعُوثُون}فقيل لهُم: "نعم وآباؤكم الأوّلُون" فقالوا {أو آبآؤُنا},
وقوله {أولمْ ير الإ نسانُ} {أولمْ يهْد لهُمْ} وأشباه هذا في القرآن كثير. فالواو مثل الفاء في قوله {أفلمْ يهْد لهُمْ}
وقوله {أفلمْ يدّبّرُواْ الْقوْل} وان شئت جعلت هذه الفاءات زائدة. وان شئت جعلتها جواباً لشيء كنحو ما يقولون "قد جاءني فلان" فيقول "أفلمْ أقض حاجته" فجعل هذه الفاء معلقة بما قبلها.
أما قوله {ختم اللّه على قُلُوب همْ وعلى سمْع ه مْ وعلى أبْصار ه مْ غ شاوةٌ} فان الختم ليس يقع على الابصار. انما قال {ختم اللّه على قُلُوب همْ وعلى سمْع ه مْ} ثم قال {وعلى أبْصار ه مْ غ شاوةٌ} مستأنفا.
وقوله {ختم اللّه} لأن ذلك كان لعصيانهم اللّه فجاز ذلك اللفظ, كما تقول: "أهلكتْهُ فُلانةُ" إذا أُعْج ب بها. وهي لا تفعل به شيئا لانه هلك في اتباعها. او يكون "ختم" حكم بها انها مختوم عليها.
ثم قال {وم ن النّاس من يقُولُ آمنّا ب اللّه وب الْيوْم الآخ ر } فجعل اللفظ واحدا، ثم قال {وما هُم ب مُؤْم ن ين} فجعل [١٦ب] اللفظ. جميعا، وذلك ان {منْ} اللفظ بها لفظ واحد، ويكون جميعا في المعنى، ويكون اثنين. فان لفظت بفعله على معناه فهو صحيح. وان جعلت فعله على لفظه واحدا فهو صحيح [و] مما جاء من ذلك قوله {بلى منْ أسْلم وجْههُ للّه وهُو مُحْس نٌ فلهُ أجْرُهُ ع ند ربّ ه ولا خوْفٌ عليْه مْ ولا هُمْ يحْزنُون}
وقال {وم نْهُمْ مّن يسْتم عُون إ ليْك}
وقال {وم نهُمْ مّن ينظُرُ إ ليْك}
وقال {ومن يقْنُتْ م نكُنّ للّه ورسُول ه وتعْملْ صال حاً نُؤْت هآ أجْرها مرّتيْن } فقال {يقْنُتْ} فجعله على اللفظ، لان اللفظ في {من} مذكر وجعل {تعْملْ} و {نُؤْت هآ} على المعنى.
وقد قال بعضهم {ويعْملْ} فجعله على اللفظ لان لفظ {منْ} مذكر.
وقد قال بعضهم {ومنْ تقْنُتْ} فجعله على المعنى لانه يعني امرأة. وهي حجة على من قال: "لا يكون اللفظ في من على المعنى الا ان تكون {منْ} في معنى {الذي}، فاما [في] المجازاة والاستفهام فلا يكون اللفظ في {منْ} على المعنى.
وقولهم* هذا خطأ لان هذا الموضع الذي فيه {ومنْ تقْنُتْ} مجازاة. وقد قالت العرب "ما جاءتْ حاجتُك" فأنّثُوا "جاءتْ" لانها لـ"ما"، وانما انثوا لان معنى "ما" هو الحاجة. وقد قالت العرب او بعضُهُم "من كانت أمّك" فنصب و
قال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد التاسع عشر]:
[١٧ء] تعشّ فإ نْ عاهدتن ي لا تخونُني * نكُنْ مثل منْ يا ذئبُ يصطح بان
ويروى {تعال فإن}. وقد جعل {منْ} بمنزلة رجل.
قال الشاعر [من الرمل وهو الشاهد العشرون]:
رُبّ منْ انضجتُ غيظاً صدْرهُ * قد تمنّى ل ي شرّاً لم يُطعْ
فلولا انها نكرة بمنزلة "رجل" لم تقع عليها "ربّ".
وكذلك (ما) نكرة الا انها بمنزلة "شيء". ويقال: ان قوله: {هذاما لديّ عت يدٌ} على هذا. جعل (ما) بمنزلة "شيء" ولم يجعلها بمنزلة "الذي" فقال: "ذا شيْءٌ لديّ عتيد". و
قال الشاعر [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والعشرون]:
رُبّ ما تكْرهُ النفوسُ من الأمْر * له فرْجةٌ كحل الع قال
فلولا انها نكرة بمنزلة "منْ" لم تقع عليها "رُبّ". وقد يكون {هذا مالديّ عت يدٌ} على وجه آخر، أخبر عنهما خبرا واحدا كما تقول: "هذا أحمرُ أخضرُ". وذلك ان قوما من العرب يقولون: "هذا عبدُ اللّه مقبلٌ". وفي قراءة ابن مسعود {وهذا بعلي شيْخٌ} كأنه أخبر عنهما خبرا واحدا او يكون كأنه رفعه على التفسير كأنه اذا قال {هذا ما لديّ}، قيل: "ما هو"؟ أو علم انه يراد ذلك منه فقال {عت يد} اي ما عندي عتيد. وكذلك {وهذا بعْل ي شيخٌ}*. وقال الراجز [وهو الشاهد الثاني والعشرون]:
منْ يكُ ذابتٍّ فهذا بتّى * مُقيّ ظٌ مُصيّ ف مُشتّ ى
[١٧ب]
وقال {إ نّ اللّه ن ع مّا يع ظُكُمْ ب ه } فـ"ما" ها هنا اسم ليست له صلة لانك ان جعلت {يع ظُكُمْ ب ه } صلة لـ(ما) صار كقولك: "إنّ اللّه ن عْم الشيء" أو "نعم شيئا" فهذا ليس بكلام. ولكن تجعل (ما) اسما وحدها كما تقول: "غسلتُه غسْلاً ن ع مّا" تريد به: "ن عْم غسْلاً".
فان قيل: "كيف تكونُ (ما) اسما وحدها وهي لا يتكلم بها وحدها"
قلتُ: "هي بمنزلة "يا أيُّها الرجل" لان "ايا" ها هنا اسم ولا يتكلم به وحده حتى يوصف فصار (ما) مثل الموصوف ها هنا. لانك اذا قلت "غسلتُه غسْلاً ن ع مّا" فانما تريد المبالغة والجودة، فاسنغني بهذا حتى تكلم به وحده. ومثل "ما أحْسن زيدا" (ما) ها هنا وحدها اسم
وقوله "اني مما ان اصنع كذا وكذا" (ما) ها هنا وحدها اسم كأنه قال: "إنّي م ن الأمر" أو "منْ أمْري صنيعي كذا وكذا" ومما جاء على المعنى قوله "كمثل الذي استوقد ناراً أضاءتْ ما حولهُ ذهب اللّه بنور ه م}[١٧] لان "الذي" يكون للجميع، كما قال {والّذ ي جآء ب الصّ دْق وصدّق ب ه أُوْلائ ك هُمُ الْمُتّقُون}.
أما قوله {يُخاد عُون اللّه والّذ ين آمنُوا} ولا تكون المفاعلة الا من شيئين فانه إنمّا يقول: {يُخاد عُون اللّه} عند أنفسهم يمنونها ان لا يعاقبوا وقد علموا خلاف ذلك في انفسهم" [١٨ء] ذلك لحجة اللّه الواقعة على خلقه بمعرفته.
{وما يخْدعُون إ لاّ أنْفُسهُم}
وقال بعضهم {يُخاد عُون} يقول "يخْدعون انفسهم بالمخادعة لها "وبها نقرأ. وقد تكون المفاعلة من واحد في أشياء كثيرة تقول: "باعدْتُه مُباعدةً" و "جاوزتُه مجاوزةً" في أشياء كثيرة. وقد قال {وهُو خاد عُهُمْ} فذا على الجواب. يقول الرجل لمن كان يخدعه اذا ظفر به "أنا الذي خدعتُك" ولم تكن منه خديعة ولكن قال ذلك اذ صار الامر اليه. وكذلك {ومكرُواْ ومكر اللّه} و {اللّه يسْتهْز ىءُ ب ه مْ} [١٥] على الجواب. و اللّه لا يكون منه المكر والهزء. والمعنى ان المكر حاق بهم والهزء صار بهم.
أما قوله {فزادهُمُ اللّه مرضاً} فمن فخم نصب الزاي فقال {زادهم} ومن امال كسر الزاي فقال {زادهم} لانها من "ز دت" اولها مكسور. فناس من العرب يميلون ما كان من هذا النحو وهم بعض اهل الحجاز ويقولون ايضاً {ول منْ خ اف مقام ربّ ه }و {فانك حُواْ ما ط اب لكُمْ مّ ن النّ سآء } [و] {وقدْ خ اب} ولايقولون {ق ال} ولا (ز ار) لانه يقول (قُلْتُ) و (زُرْتُ) فأوله مضموم. فانما يفعلون هذا في ما كان اوله من "فعلتُ" مكسوراً إلاّ أنّهم ينحون الكسرة كما [١٨ب] ينحون الياء في قوله {وسق اهُمْ ربُّهُمْ}. و {قدْ أفْلح من زكّاها}. ويقرأ جميع ذلك بالتفخيم. وما كان من نحو هذا من بنات الواو وكان ثالثاً نحو {والْقمر إ ذا تلاها} ونحو {والأرْض وما طحاها}.
فان كثيراً من العرب يفخمه ولا يميله لانها ليست بياء فتميل اليها لانها من "طحوْتُ" و "تلوْتُ". فاذا كانت رابعة فصاعداً أمالوا وكانت الامالة هي الوجه، لانها حينئذ قد انقلبت الى الياء. الا ترى انك تقول "غزوْتُ" و "أغْزيْتُ" ومثل ذلك {واللّيْل إ ذا يغْشاها}. و {قدْ أفْلح من تزكّى}و {والنّهار إ ذا تجلّى} أمالها لأنّها رابعة, و "تجلّى" فعلْتُ منها بالواو لأنها من "جلوْت" و "زكا" من "زكوْتُ يزكو" و {واللّيْل إ ذا يغْشاها} من "الغشاوة".
وقد يميل ما كان منه بالواو نحو (تلا ها) و (طح اها) ناسٌ كثير، لأنّ الواو تنقلب الى الياء كثيرا مثل قولهم في (حُور) (ح ير) وفي "مشُوب" "مش يب" وقالوا "أرْضٌ مسْن يّة" اذا كان يسنوها المطر. فأمالوها الى الياء لانها تنقلب اليها.
وأمالوا كل ما كان نحو "فعْلى" و "فُعْلى" نحو "بُشْرى" و "مرْضى" و "سكْرى"، لان هذا لوْثُنّ ي كان بالياء فمالوا اليها.
واما قوله {ب ما كانُوا يكْذ بُون} فـ(يُكذّ بُون): يجحدون وهو الكفر.
وقال بعضهم: (يكْذّ بُون) خفيفة [١٩ء] وبها نقرأ. يعني "يكذ بون على اللّه وعلى الرسل". جعل "ما" والفعل اسما للمصدر كما جعل "أنْ" والفعل اسما للمصدر في قوله "أُحبُّ أنْ تأت يني", واما المعنى فانما هو "بكذ به م" و "تكْذيب ه م". وأدخل "كان" ليخبر انه كان فيما مضى، كما تقول: "ما أحسن ما كان عبدُ اللّه" فأنت تعجّبُ من" عبد اللّه لا من "كونه". وانما وقع التعجبُ في اللفظ على كونه.
وقال {فاصْدعْ ب ما تُؤْمرُ} وليس هذا في معنى "فاصدع بالذي تؤمر به". لو كان هذا المعنى لم يكن كلاما حتى تجيء بـ"به" ولكن "إصدع بالأمر" جعل "ما تؤمر" اسما واحداً.
وقال {ولا تحْسبنّ الّذ ين يفْرحُون ب مآ أتوْاْ} يقول "بالإ تيان" يجعل "ما" و "أتوْا" اسما للمصدر. وإنْ شئت قلت: "أتوْا" ها هنا "جاءُوا" كأنه يقول: "بما جاءوا" يريد "جاءوه" كما تقول "يفرحون بما صنعوا" أي "بما صنعوه" ومثل هذا في القرآن كثير. وتقديره "بكون هم يكذبون" فـ"يكذبون" مفعول لـ"كان" كما تقول: "سرني زيد ب كونه يعقل" اي: بكونه عاقلا.
أما قوله {وإ ذا ق يل لهُمْ} فمنهم من يضم أوله لانه في معنى "فُع ل" فيريد ان يترك أوله مضموما ليدل على معناه، ومنهم من يكسره لان الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم والكسر القياس. [١٩ب] ومنهم من يقول في الكلام: "قد قُوله له" و "قد بُوع المتاع" اذا اراد "قدْ ب يع" و "ق يل". جعلها واوا حين ضم ما قبلها، لان الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم. ومنهم من يروم الضم في "قُيل" مثل رومهم الكسر في "ر دّ" لغةٌ لبعض العرب ان يقولوا "ر دّ" فيكسرون الراء ويجعلون عليها حركة الدال التي في موضع العين. وبعضهم لا يكسر الراء ولكنه يشمها الكسر كما يروم في "قيل" الضم. وقال الفرزدق: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والعشرون]:
وما ح لّ من جهل حُبا حُلمائ نا * ولا قائل المعروف فينا يُعنّفُ
سمعناه ممن ينشده من العرب هكذا.
أما قوله {أنُؤْم نُ كمآ آمن السُّفهآءُ ألا إنهّمْ هُمُ السُّفهآءُ} فقد قرأهما قوم مهموزتين جميعا، وقالوا {سوآءٌ عليْه مْ أأنذرْتهُمْ} [و] {ولا يح يقُ الْمكْرُ السّيّ ىءُ إ لاّ ب أهْل ه } وقالوا (أإ ذا) {أإ نّا} كل هذا يهمزون فيه همزتين، وكل هذا ليس من كلام العرب الا شاذا. ولكن اذا اجتمعت همزتان شتى ليس بينهما شيء فان احداهما. تخفف في جميع كلام العرب الا في هذه اللغة الشاذة القليلة وذلك انه اذا اجتمعت همزتان في كلمة واحدة أبدلوا الآخرة منهما أبدا فجعلوها ان كان ما قبلها مفتوحاً الفا ساكنة نحو "آدم" و "آخر" [٢٠ء] و "آمن" وإن كان ما قبلها مضموما جعلت واوا نحو "أُوْزُزْ" اذا أمرته ان يؤُز وان كان ما قبلها مكسورا جعلت ياء نحو "إ يْت " وكذلك إنْ كانت الآخرة متحركة بأي حركة كانت والأُولى مضمومة او مكسورة فالآخرة تتبع الأولى نحو "أن أفعل" من "أأب" [ف] تقول "أُووب". ونحو "جاء في الرفع والنصب والجر. فاما المفتوحة فلا تتبعها الآخرة اذا كانت متحركة لأنها لو تبعتها جعلت همزة مثلها. ولكن تكون على موضعها، فان كانت مكسورة جعلت ياء، وان كانت مضمومة جعلت واوا, وان كانت مفتوحة جعلت ايضاً واوا لان الفتحة تشبه الالف. وأنت إذا احتجت الى حركتها جعلتها واوا ما لم يكن لها اصل في الياء معروف فهذه الفتحة ليس لها اصل في الياء فجعلت الغالب عليها الواو نحو "آدم" و "أوادم". فلذلك جعلت الهمزتان اذا التقتا وكانتا من كلمتين شتى مخففة احداهما، ولم يبلغ من استثقالهما ان تجعلا مثل المجتمعتين في كلمة واحدة. ولان اللتين في كلمة واحدة لا تفارق احداهما صاحبتها, وهاتان تتغيران عن حالهما وتصير كل واحدة منها على حيالها أثقل منهما في كلمتين [٢٠ب] لأنّ ما في الكلمتين كلُّ واحدة على حيالها فتخفيف الآخرة أقيس، كما أبدلوا الآخرة حين اجتمعتا في كلمة واحدة، وقد تخفف الأولى. فمن خفف الآخرة في
قوله {كمآ آمن السُّفهآءُ ألا} قال {السفهاءُ ولا} فجعل الالف في (ألا) واوا. ومن خفف الأولى جعل الالف التي في (السفهاء) كالواو وهمز الف (ألاّ). واما {أأنْذرْتهُمْ} فإنّ الأولى لا تخفف لأنها اول الكلام. والهمزة اذا كانت اول الكلام لم تخفف لأن المخففة ضعفت حتى صارت كالساكن فلا يبتدأ بها.
وقد قال بعض العرب (آإذا) و (آأنذرتهم) و "آأنا قلت لك كذا وكذا" فجعل ألف الاستفهام اذا ضمت الى همزة يفصل بينها وبينها بألف لئلا تجتمع الهمزتان. كل ذا قد قيل وكل ذا قد قرأه الناس. واذا كانت الهمزة ساكنة فهي في لغة هؤلاء الذين يخففون ان كان ما قبلها مكسورا ياء نحو {أنب يهم بأسمايهم} ونحو (نبّ ينا)*. وإن كان مضموما جعلوها واوا نحو "جونه"، وان كان ما قبلها مفتوحا جعلوه الفا نحو "راس" و "فاس". وان كانت همزة متحركة بعد حرف ساكن حرّكوا الساكن بحركة ما بعده واذهبوا الهمزة [٢١ء] يقولون [في] "في الارض": (ف لرْض) [وفي] {ما لكُمْ مّ نْ اله}: (م ن لاهٍ) يحركون الساكن بالحركة التي كانت في الهمزة اي حركة كانت ويحذفون الهمزة.
واذا اجتمعت همزتان من كلمتين شتى والأولى* مكسورة والآخرة مكسورة فاردت ان تخفف الآخرة جعلتها بين الياء الساكنة وبين الهمزة، لان الياء الساكنة تكون بعد المكسورة نحو "هؤلاء يماء اللّه"، تجعل الآخرة بين بين والأولى محققة. وان كانت الآخرة مفتوحة نحو "هؤلاء أخواتك", أو مضمومة نحو "هؤلاء أُمّهاتُك" لم تجعل بين بين، وجعلت ياء خالصة لانكسار ما قبلها لانك انما تجعل المفتوح بين الالف الساكنة وبين الهمزة، والمضموم بين الواو الساكنة وبين الهمزة اذا اردت بين بين، وهذا لا يثبت بعد المكسور. وان كان الأول مهموزا او غير مهموز فهو سواء اذا اردت تخفيف الاخرة ومن ذلك قولهم "م ئين" و "مئير" في قول من خفف. وان كان الحرف مفتوحاً بعده همزة مفتوحة او مكسورة او مضمومة جعلت بين بين، لان المفتوح تكون بعده الالف الساكنة والياء الساكنة, نحو "البيْع" والواو الساكنة نحو "القوْل" وهذا مثل {يتفيّؤُا [٢١ب] ظ لالُهُ} و {ويُمْس كُ السّمآء أن تقع على الأرْض } و {آاذا} و {آانا} اذا خففت الآخرة في كل هذا جعلتها بين بين. والذي نختار تخفيف الآخرة اذا اجتمعت همزتان، الا انا نحققهما في التعليم كلتيهما نريد بذلك الاستقصاء وتخفيف الآخرة قراءة اهل المدينة، وتحقيقهما جميعا قراءة أهل الكوفة وبعض أهل البصرة. ومن زعم ان الهمزة لا تتبع الكسرة اذا خففت وهي متحركة، وانما تجعل في موضعها دخل عليه ان يقول "هذا قار وٌ" و "هؤلاء قار وُون" و (يستهز وون)، وليس هذا كلام من خفف من العرب انما يقولون {يسْتهْز ئُون} و {قار ئون}.
واذا كان ما قبل الهمزة مضموما وهي جعلتها بين بين. وان كانت مكسورة او مفتوحة لم تكن بين بين وما قبلها مضموم، لان المفتوحة بين الالف الساكنة والهمزة والمكسورة بين الياء الساكنة والهمزة. وهذا لا يكون بعد المضموم, ولكن تجعلها واوا بعد المضموم اذا كانت مكسورة او مفتوحة فتجعلها واوا خالصة لانهما يتبعان ما قبلهما نحو "مررت بأكمُوٍ" و "رأيت أكمُواً" و "هذا غلامُوبيك" تجعلها واوا اذا اردت التخفيف الا ان تكون المكسورة [٢٢ء] مفصولة فتكون على موضعها لانها قد بعدت.
والواو قد تقلب الى الياء مع هذا وذلك نحو "هذا غلاميخوانك" و (ولا يح يقُ الْمكْرُ السّيّ ىءُ يلا).
واذا كانتا في معنى "فُع ل" والهمزة في موضع العين جعلت بين بين لان الياء الساكنة تكون بعد الضمة ففي "قُيْل" يقولون "ق يل"، ومثل ذلك "سُي ل" و "رُي س" فيجعلها * بين بين اذا خففت، ويترك ما قبلها مضموما. وأما "رُو س" فليست "فُع ل" وانما هي "فُعْل" فصارت واوا لانها بعد ضمة معها في كلمة واحدة.
قوله {وإ ذا لقُواْ الّذ ين آمنُواْ قالُوا آمنّا} فأذهب الواو لانه كان حرفا "ساكنا لقي اللام وهي ساكنة فذهبت لسكونه ولم تحتج الى حركته لان فيما بقي دليلا على الجمع. وكذلك كل واو ما قبلها مضموما من هذا النحو. فاذا كان ما قبلها مفتوحا لم يكن بد من حركة الواو لانك لو القيتها لم تستدل على المعنى نحو {اشْترُواْ الضّلالة} وحركت الواو بالضم لانك لو قلت "اشتر الضلالة" فألقيت الواو لم تعرف انه جمع، وانما حركتها بالضم لان الحرف الذي ذهب من الكلمة مضموم، فصار يقوم مقامه. وقد قرأ قوم وهي لغة لبعض العرب {اشْترو اْ الضّلالة} [٢٢ب] لما وجدوا حرفاً ساكنا قد لقي ساكنا كسروا كما يكسرون في غير هذا الموضع، وهي لغة شاذة.
وأما قوله { وإ ذا خلوْاْ إ لى شياط ين ه مْ} فانك تقول "خلوت الى فلان في حاجة" كما تقول: "خلوت بفلان" إلاّ أن "خلوت بفلان" له معنيان احدهما هذا والآخر سخ رْتُ به. وتكون "إلى" في موضع "مع" نحو {منْ أنصار ي إ لى اللّه} كما كانت "من" في معنى (على) في قوله {ونصرْناهُ م ن الْقوْم }* اي: على القوم، وكما كانت الباء في معنى "على" في قوله "مررتُ ب ه " و "مررْتُ عليه". وفي كتاب اللّه عز وجل {مّنْ إ ن تأْمنْهُ ب د ينارٍ} يقول "على دينار". وكما كانت "في" في معنى "على" نحو {ف ي جُذُوع النّخْل } يقول "على جُذوع النخْل". وزعم يونس ان العرب تقول: "نزلت في أبيك" تريد "عليه" وتقول: "ظف رتُ عليه" اي "ب ه " و "رضيتُ عليه" أي: "عنْه"
قال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون]:
اذا رض يتْ عليّ بنو قُشيْر * لعمْرُ اللّه أعجبني ر ضاها
أما قوله {ويمُدُّهُمْ ف ي طُغْيان ه مْ يعْمهُون} فهو في معنى "ويمُدُّ لهُم" كما قالت العرب: "الغلام يلعب الك عاب" تريد: "يلعب ** بالك عاب" وذلك أنهم يقولون "قد مددْتُ له" و "أمْددْتُه" في غير هذا المعنى وهو قوله جل ثناؤه {وأمْددْناهُم ب فاك هةٍ}
وقال {ولوْ ج ئْنا ب م ثْل ه مدداً}.
وقال بعضهم [٢٣ء] (م دادا) و (مدّا) من "أمْددْناهُم" وتقول "مدّ النهرُ فهو مادّ" و "أمدّ الجُرُح فهو مُم دّ". وقال يونس: "ما كان من الشرّ فهو "مددْت" وما كان من الخير فهو "أمْددْت". [فـ] تقول كما فسرت له فاذا اردت أنك تركته قلت: "مددْتُ له" واذا أردت أنك اعطيته قلت: "أمْددْتُه".
قوله {فما رب حتْ تّ جارتُهُمْ} فهذا على قول العرب: "خاب سعيُك" وانما هو الذي خاب، وانما يريد "فما ربحوا في تجارتهم" ومثله {بلْ مكْرُ الْلّيْل والنّهار } [و] {ولكنّ الْب رّ منْ آمن ب اللّه} انما هو "ولكنّ البرّ برُّ من آمن باللّه" و
قال الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد الخامس والعشرون]:
* وكيف تُواص لُ من أصْبحتْ خلالتُه كأبي مرْحب *
و
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والعشرون]:
وشرُّ المنايا ميّ تٌ وسْط أهْل ه * كهُلْك الفتاة أسلم الحيّ حاضره
انما يريد "وشر المنايا منية ميّت وسط اهله،
ومثله: "اكثرُ شربي الماءُ" و "أكثر أكلي الخبرُ" وليس أكلك بالخبز ولا شربك بالماء. ولكن تريد اكثر اكلي اكل الخبز وأكثر شربي شرب الماء. قال {وسْئل الْقرْية} يريد: "أهل القرية"، (والع ير) أي: "واسأل اصحاب الع ير" [٢٣ب].
وقال {ومثلُ الّذ ين كفرُواْ كمثل الّذ ي ينْع قُ} فانما هو - و اللّه اعلم - "مثلُكُم ومثلُ الذين كفروا كمثل الناع ق والمنعوق به ". فحذف هذا الكلام,ودل ما بقي على معناه. ومثل هذا في القرآن كثير.
وقد قال بعضهم {ومثلُ الّذ ين كفرُواْ كمثل الّذ ي ينْع قُ} يقول "مثلُهم في دعائ هم الآلهة كمثل الذي ينع ق بالغنم" لان - الهتهم لا تسمعُ ولا تعقل، كما لا تسمع الغنم ولا تعقل.
قوله {كمثل الّذ ي اسْتوْقد ناراً} فهو في معنى "أوْقد"، مثل قوله "فلم يستجبه" أي "فلم يُج بْهُ" و
قال الشاعر:
[من الطويل وهو الشاهد السابع والعشرون]:
وداعٍ دعا يا من يُجيبُ الى الندى * فلم يستج بْهُ عند ذاك مُجيبُ
أي: "فلم يُج بْهُ".
وقال {وتركهُمْ ف ي ظُلُماتٍ لاّ يُبْص رُون} فجعل (الذي) جميعا فقال (وتركهم)* لان "الذي" في معنى الجميع، كما يكون "الانسان" في معنى "الناس".
وقال {وتركهُمْ ف ي ظُلُماتٍ لاّ يُبْص رُون [١٧] صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فهُمْ لا يرْج عُون} فرفع على قوله: "هُمْ صمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ" رفعه على الابتداء ولو كان على اول الكلام كان النصب فيه حسنا. وأما {حوْلهُ} فانتصب على الظرف، وذلك ان الظرف منصوب. والظرف هو ما يكون فيه الشيء, كما
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثامن والعشرون]:
[٢٤ء] هذا النهارُ بدا لها من همّ ها * ما بالُها بالليل زال زوالها
نصب "النهار" على الظرف وان شاء رفعه وأضمر فيه. وأما "زوالها" فانه كأنه قال: "أزال اللّه الليل زوالها".
أما {يكادُ الْبرْقُ يخْطفُ أبْصارهُمْ} فمنهم من قرأ (يخْط فُ) من "خطف" وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف. وقد رواها يونس (يخ طّ فُ) بكسر الخاء لاجتماع الساكنين. ومنهم من قرأ (يخْطفُ) على "خط ف يخطفُ" وهي الجيدة، وهما لغتان.
وقال بعضهم (يخ طّ فُ) وهو قول يونس من "يخْتط فُ" فأدغم التاء في الطاء لان مخرجها قريب من مخرج الطاء.
وقال بعضهم (يخطّ فُ) فحول الفتحة على الذي كان قبلها، والذي كسر كسر لاجتماع الساكنين فقال {يخ طّ فُ} ومنهم من قال {ي خ طّ فُ} كسر الخاء لاجتماع الساكنين ثم كسر الياء اتبع الكسرة الكسرة وهي قبلها كما اتبعها في كلام العرب كثيرا، يتبعون الكسرة في هذا الباب الكسرة يقولون "ق ت لوا" و "ف ت حوا" يريدون: ["اقت لوا"و ]* ا فْتحوا". قال ابو النجم [من الرجز وهو الشاهد التاسع والعشرون]:
* تدافُع الش يب ولم ت ق تّ ل *
وسمعناه من العرب مكسورا كله، فهذا مثل "ي خ ط ف" اذا كسرت [٢٤ب] ياؤها [لكسرة خائها] وهي بعدها فأتبع** الاخر الأول.
وقوله {ولوْ شآء اللّه لذهب ب سمْع ه مْ} فمنهم من يدغم ويسكن الباء الأولى لانهما حرفان مثلان. ومنهم من يحرك فيقول {لذهبْ ب سمْع ه مْ} وجعل "السمْع" في لفظ واحد وهو جماعة لان "السمْع" قد يكون جماعة و "قد] يكون واحداً و [مثله] قوله { ختم اللّه على قُلُوب همْ وعلى سمْع ه مْ} ومثله قوله {لا يرْتدُّ إ ليْه مْ طرْفُهُمْ}
وقوله {فإ ن ط بْن لكُمْ عن شيْءٍ مّ نْهُ نفْساً} ومثله {ويُولُّون الدُّبُر }.
قوله {فلا تجْعلُواْ للّه أنداداً} فقطع الالف لانه اسم تثبت الالف فيه في التصغير [فـ] اذا صغرت قلت: "أُنيْداداً"*. وواحد "الأنْداد ": ن دٌّ. و "الن دُّ": الم ثْل.
قوله {الّت ي وقُودُها النّاسُ والْح جارةُ} فـ"الوقُودُ"**: الحطب. و "الوُقودُ": الاتقادُ وهو الفعل. يقرأ {الوقود} و {الوُقود} ويكون ان يعني بها الحطب، ويكون ان يعني بها الفعل. ومثل ذلك "الوضُوءُ" وهو: الماء, و "الوُضُوءُ" وهو الفعل، وزعموا أنهما لغتان في معنى واحد.
قوله {أنّ لهُمْ جنّاتٍ تجْر ي م ن تحْت ها الأنْهارُ} فجرّ "جناتٍ" وقد وقعت عليها "أنّ" لأنّ كلّ جماعة في آخرها تاء زائدة تذهب في الواحد وفي تصغيره فنصبها جرّ، [٢٥ء] الا ترى انك تقول: "جنّه" فتذهب التاء.
وقال {خلْق السّماوات والأرْض} و "السماوات" جرّ، و "الأرض" نصب لان التاء زائدة. الا ترى انك تقول: "سماء"، و {قالُواْ ربّنآ إ نّآ أطعْنا سادتنا وكُبرآءنا} لان هذه ليست تاء إنّما هي هاء صارت تاءً بالاتصال, وانما تكون تلك في السكوت الا ترى انك تقول: "رأيتُ ساده" فلا يكون فيها تاء. ومن قرأ {أطعْنا سادات نا} جرّ لانك اذا قلت: "ساده" ذهبت التاء. وتكون في السكت فيها تاء، تقول: "رأيت ساداتٍ"، وانما جرّوا هذا في النصب ليجعل جرّه ونصبه واحداً، كما جعل تذكيره في الجر والنصب واحدا، تقول: "مسلمين و "صالحين" نصبه وجره بالياء.
وقوله {بُيُوتاً غيْر بُيُوت كُمْ} و {لا ترْفعُواْ أصْواتكُمْ} فان التاء من اصل الكلمة تقول "صوت" و "صويت" فلا تذهب التاء، و "بيت" [و "بُويْت"]* فلا تذهب التاء. وتقول: "رأيت بُويْتات العرب " فتجرّ، لان التاء الآخرة زائدة لانك تقول: "بيوت" فتسقط التاء الآخرة. وتقول: "رأيت ذوات مال" لان التاء زائدة، وذلك لانك لو سكت على الواحدة لقلت: "ذاه" ولكنها وصلت بالمال فصارت تاء لا يتكلم بها الا مع المضاف [٢٥ب] اليه.
وقوله {هذاالّذ ي رُز قْنا م ن قبْلُ وأُتُواْ ب ه مُتشاب هاً} لانه في معنى "جيئوا به" وليس في معنى "أُعْطوْهُ". فاما قوله: {مُتشاب هاً} فليس انه أشبه بعضه بعضا ولكنه متشابه في الفضل. أي كل واحد له من الفضل في نحوه مثل الذي للآخر في نحوه.
قوله: {إ نّ اللّه لا يسْتحْى أنْ} فـ"يستحي" لغة أهل الحجاز بياءين وبنو تميم يقولون "يسْتحى" بياء واحدة، والأولى هي الاصل لان ما كان من موضع لامه معتلا لم يعلّوا عينه. الا ترى انهم قالوا: "حي يْتُ" و "جو يْتُ" فلم تُقلّ العين. ويقولون: "قُلْتُ" و "ب عْتُ" فيعُلُّون العين لما لم تعتلّ اللام، وانما حذفوا لكثرة استعمالهم هذه الكلمة كما قالوا "لمْ يكُ" و "لمْ يكُنْ" و "لا أدْر " و "لا أدْر ي".
وقال {مثلاً مّا بعُوضةً} لان "ما" زائدة في الكلام وانما هو إنّ اللّه لا يستحي أن يضر ب بعوضةً مثلاً". وناس من بني تميم يقولون {مثلاً مّا بعُوضةً} يجعلون (ما) بمنزلة "الذي" ويضمرون "هو" كأنهم قالوا: "لا يستحي أن يضرب مثلاً الذي هو بعوضةٌ" يقول: "لا يستحي أن يضرب الذي هو بعوضةٌ مثلاً.
وقوله {فما فوْقها} قال بعضهم: "أعظم منها"
وقال بعضهم: كما تقول: "فلان صغ ير" فيقول: "وفوق ذلك " [٢٦ء] يريد: "وأصغرُ * من ذلك ".
وقوله {ماذآ أراد اللّه ب هذا مثلاً} فيكون "ذا" بمنزلة "الذي". ويكون "ماذا" اسما واحدا ان شئت بمنزلة "ما" كما قال {ماذا أنْزل ربُّكُمْ قالُواْ خيْراً} فلو كانت "ذا" بمنزلة "الذي" لقالوا "خيرٌ" ولكان الرفع وجه الكلام. وقد يجوز فيه النصب لانه لو قال "ما الذي قلت"؟ فقلت "خيراً" أي: "قلت خيراً" لجاز. ولو قلت: "ما قلت": "فقلت: "خيرٌ" أي: "الذي قلت خيرٌ" لجاز، غير انه ليس على اللفظ الأول كما يقول بعض العرب اذا قيل له: "كيف أصبحت"؟ قال: "صالحٌ" أي: "أنا صالحٌ". ويدلك على أن "ماذا" اسم واحد قول الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثلاثون]:
دع ي ماذا علمتُ سأتّقيه * ولكنْ بالمغيّب نبّ ئ يني
فلو كانت "ذا" ها هنا بمعنى (الذي) لم يكن كلاما.
أما قوله {عهْد اللّه م ن بعْد م يثاق ه ويقْطعُون مآ أمر اللّه ب ه أن يُوصل} فـ"أنْ يُوصل" بدل من الهاء في "به" كقولك "مررت بالقوم بعض هم".
وأما "ميثاقه" فصار مكان "التوثُّق" كما قال {أنبتكُمْ مّ ن الأرْض نباتاً} والاصل "إ نباتاً" وكما قال" العطاء" في مكان "الإ عطاء".
قوله {وكُنْتُمْ أمْواتاً فأحْياكُمْ ثُمّ يُم يتُكُمْ ثُمّ يُحْي يكُمْ} فانما يقول كنتم ترابا ونُطفا فذلك [٢٦ب] ميّت. وهو سائغ في كلام العرب، تقول للثوب: "قدْ كان هذا قُطْنا" و "كان هذا الرُّطبُ بُسْرا"*. ومثل ذلك قولك للرجل: "اعمل هذا الثوب" وانما معك غزل.
هذا باب من المجاز
أما قوله {ثُمّ اسْتوى إ لى السّمآء فسوّاهُنّ} وهو انما ذكر سماء واحدة، فهذا لأن ذكر "السماء" قد دل عليهن كلّهنّ. وقد زعم بعض المفسرين ان "السماء" جميع مثل "اللبن". فما كان لفظه لفظ الواحد ومعناه معنى الجماعة جازان يجمع فقال {سوّاهُنّ} فزعم بعضهم ان قوله {السّمآءُ مُنفط رٌ ب ه } جمع مذكر كـ"اللّبن". ولم نسمع هذا من العرب والتفسير الأول جيد. وقال يونس: {السّمآءُ مُنفط رٌ ب ه } ذكر كما يذكر بعض المؤنث كما
قال الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد الحادي والثلاثون]:
فلا مُزْنةٌ ودقتْ ودْقها * ولا أرضُ** أبقل إبقالها
وقوله: [من المتقارب وهو الشاهد الثاني والثلاثون]:
فإمّا تريْ ل مّتى بُدّ لتْ * فإنّ الحواد ث أوْدى ب ها
وقد تكون "السماء" يريد به الجماعة كما تقول: "هلك الشاةُ والبعيرُ" يعني كل بعير وكل شاة. وكما قال {خلق سبْع سماواتٍ وم ن الأرْض م ثْلهُنّ} أي: من الأرضين.
وأما قوله {اسْتوى إلى السمآء} فان ذلك لم يكن من اللّه تبارك وتعالى [٢٧ء] لتحول، ولكنه يعني فعله كما تقول: "كان الخل يفة في أهْل العراق يوليهم ثم تحوّل إلى أهل الشام" انما تريد تحول فعله.
أما قولُ الملائ كة {أتجْعلُ ف يها من يُفْس دُ ف يها} فلم يكن ذلك انكارا منهم على ربهم، انما سألوا ليعلموا، وأخبروا عن أنفسهم أنهم يُسبّ حون ويُقدّ سون. أو قالوا ذلك لانهم كرهوا أنْ يُعْصى اللّه، لان الجن قد كانت أمرت قبل ذلك فعصت.
وأما قوْلُه {نُسبّ حُ ب حمْد ك ونُقدّ سُ لك}
وقال {والْملائ كةُ يُسبّ حُون ب حمْد ربّ ه مْ}
وقال {فسبّ حْ ب حمْد ربّ ك واسْتغْف رْهُ} فذلك لان الذكر كله تسبيح وصلاة. تقول: "قضيْتُ سُبْحتي من الذك ر والصلاة" فقال "سبّ ح بالحمْد". أي: "لتكُنْ سُبْحتُك بالحمْد للّه".
وقوله {أتجْعلُ ف يها} جاء على وجه الاقرار كما
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والثلاثون]:
ألسْتُمْ خير من رك ب المطايا * وأنْدى العالم ين بطون راح
أي: أنتم كذلك .
قوله {الأسْمآء كُلّها ثُمّ عرضهُمْ} فيريد عرض عليهم أصحاب الأسماء ويدلك على ذلك قوله {أنْب ئُون ي ب أسْمآء هؤلاء} فلم يكن ذلك لان الملائكة ادّعوا شيئا، انما أخبر عن جهلهم بعلم الغيب وعلمه بذلك وفعله فقال {أنْب ئُون ي ب أسْمآء هؤلاء إ ن كُنْتُمْ [٢٧ب] صاد ق ين} كما يقول الرجل للرجل: "أنْب ئْني بهذا إنْ كنت تعْلم" وهو يعلم انه لا يعلم يريد انه جاهل. فأعظموه عند ذلك فقالوا: {سُبْحانك لا ع لْم لنآ}[٣٢] بالغيب على ذلك . ونحن نعلم أنه لا علم لنا بالغيب" إخباراً عن أنفسهم بنحو ما خبر اللّه عنهم.
وقوله {سُبْحانك لا ع لْم لنآ} فنصب "سبحانك" لانه أراد "نسبّ حك" جعله بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال: "نُسبّ حُك بسُبْحان ك" ولكن "سُبْحان" مصدر لا ينصرفُ. و "سُبْحان" في التفسير: براءة وتنزيه
قال الشاعر: [من السريع وهو الشاهد الرابع والثلاثون]:
أقولُ لمّا جاءني فخْرُه * سُبحان من علْقمة الفاخ ر
يقول: براءة منه.
هذا باب الاستثناء
قوله {فسجدُواْ إ لاّ إ بْل يس} فانتصب لانك شغلت الفعل بهم عنه فأخرجته من الفعل من بينهم. كما تقول: "جاء القومُ إلاّ زيداً" لأنّك لما جعلت لهم الفعل وشغلته بهم وجاء بعدهم غيرهم شبهته بالمفعول به بعد الفاعل وقد شغلت به الفعل.
وقوله {أبى واسْتكْبر وكان} ففتحت {استكبر} لأن كل "فعل" أو "فُع ل" فهو يفتح نحو: {قال رجُلان } ونحو {الّذ ي اؤْتُم ن أمانتهُ} ونحو {ذهب اللّه ب نُور ه مْ} [٢٨ء] ونحو {وكان م ن الْكاف ر ين} لانّ هذا كله "فعل" و "فُع ل".
باب الدعاء
قوله {يا آدمُ اسْكُنْ} و{يآءادمُ أنب ئْهُمْ} [٣٣] و {ياف رْعوْنُ إ نّ ي رسُولٌ} فكل هذا انما ارتفع لانه اسم مفرد، والاسم المفرد مضموم في الدعاء وهو في موضع نصب، ولكنه جعل كالأسماء التي ليست بمتمكنة. فاذا كان مضافا انتصب لانه الاصل. وانما يريد "أعني فلانا" و "أدعو" وذلك مثل قوله {ياأبانا ما لك لا تأْمنّا} و {ربّنا ظلمْنآ أنفُسنا} انما يريد: "يا ربّ نا ظلمْنا أنْفُسنا"
وقوله "ربّنا تقبّ لْ م نّا".
هذا باب الفاء
قوله {ولا تقْربا هاذ ه الشّجرة فتكُونا م ن الْظّال م ين} فهذا الذي يسميه النحويون "جواب الفاء". وهو ما كان جوابا للامر والنهي والاستفهام والتمني والنفي والجحود. ونصب ذلك كله على ضمير "أنْ"، وكذلك الواو. وان لم يكن معناها مثل معنى الفاء. وانما نصب هذا لان الفاء والواو من حروف العطف فنوى المتكلم ان يكون ما مضى من كلامه اسما حتى كأنه قال "لا يكُنْ منكما قربُ الشجرة" ثم أراد أن يعطف الفعل على الاسم [٢٨ب] فأضمر مع الفعل "أنْ" لأنّ "أنْ" مع الفعل تكون اسما فيعطف اسما على اسم. وهذا تفسير جميع ما انتصب من الواو والفاء. ومثل ذلك قوله {لا تفْترُواْ على اللّه كذ باً فيُسْح تكُم ب عذابٍ} هذا جواب النهي و {لا يُقْضى عليْه مْ فيمُوتُواْ} جواب النفي. والتفسير ما ذكرت لك.
وقد يجوز اذا حسن ان تجري الآخر على الأول ان تجعله مثله نحو قوله {ودُّواْ لوْ تُدْه نُ فيُدْه نُون} أي: "ودُّوا لوْ يُدْه نُون". ونحو قوله {ودّ الّذ ين كفرُواْ لوْ تغْفُلُون عنْ أسْل حت كُمْ وأمْت عت كُمْ فيم يلُون} جعل الأول فعلا ولم ينْو به الاسم فعطف الفعل على الفعل وهو التمني كأنه قال "ودُّوا لو تغْفلون ولوْ يم يلُون"
وقال {لا يُؤْذنُ لهُمْ فيعْتذ رُون} أي "لا يؤذن لهُمْ ولا يعْتذ رُون". وما كان بعد هذا جواب المجازاة بالفاء والواو فان شئت ايضاً نصبته على ضمير "أن" اذا نويت بالأول ان تجعله اسما كما قال {إ ن يشأْ يُسْك ن الرّ يح فيظْللْن رواك د على ظهْر ه } {أوْ يُوب قْهُنّ [ب ما كسبُوا]* ويعْفُ عن كث يرٍ} {ويعْلم الّذ ين} فنصب، ولو جزمه على العطف كان جائزا، ولو رفعه على الابتداء جاز ايضاً.
وقال {وإ ن تُبْدُواْ ما ف ي أنْفُس كُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاس بْكُمْ ب ه اللّه فيغْف رُ ل من يشآءُ} فتجزم {فيغف ر} اذا أردت [٢٩ء] العطف، وتنصب اذا أضمرت "إنْ" ونويت أن يكون الأول اسما، وترفع على الابتداء وكل ذلك من كلام العرب.
وقال {قات لُوهُمْ يُعذّ بْهُمُ اللّه ب أيْد يكُمْ ويُخْز ه مْ وينْصُرْكُمْ عليْه مْ} ثم قال {ويتُوبُ اللّه على من يشآءُ} فرفع {ويتُوبُ} لأنه كلام مستأنف ليس على معنى الأول. ولا يريد "قاتلوهم: "يتبْ اللّه عليهم" ولو كان هذا لجاز فيه الجزم لما ذكرت. و
قال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد الخامس والثلاثون]:
فإ نْ يهل كْ أبو قابوس يهل كْ * ربيعُ الناس والشهْرُ الحرامُ
ونُمْس ك بعده بذ ناب عيشٍ * أجبّ الظهر ليس له سنامُ
فنصب "ونمسك" على ضمير "أنْ" ونرى أنْ يجعل الأول اسما ويكون فيه الجزْم ايضاً على العطف والرفعُ على الابتداء.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والثلاثون]:
ومنْ يغتربْ عن قوم ه لا يزلْ يرى * مصارع مظلومٍ مجرّا ومسْحُبا
ومنْ يغتربْ عن قوم ه لا يج دْ لهُ * على منْ لهُ رهْطٌ حواليه مغْضبا
وتُدْفنُ منه المحسنات وان يُس ىءْ * يكُنْ ما أساء النار في رأس كبْكبا
فـ"تُدفنُ" يجوز فيه الوجوه كلها.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والثلاثون]:
فإن يرْجع النعمان نفْرحْ ونبْته جْ * ويأت معدّاً مُلْكُها وربيعُها
وإ نْ يهْل ك النعمانُ تُعْر مط يّةٌ * وتُخْبأُ في جوف العياب قُطُوعها
[٢٩ب]
وقال تبارك وتعالى {ومنْ عاد فينْتق مُ اللّه م نْهُ} فهذا لا يكون الا رفعا لانه الجواب الذي لا يستغنى عنه. والفاء اذا كانت جواب المجازاة كان ما بعدها أبدا مبتدأ وتلك فاء الابتداء لا فاء العطف. الا ترى أنك تقول "ان تأت ني فأمُرك عندي على ما تحبُّ". فلو كانت هذه فاء العطف لم يجز السكوت حتى تجيء لما بعد "إنْ" بجواب. ومثلها {ومن كفر فأُمتّ عُهُ قل يلاً}
وقال بعضهم {فأُمتّ عُهُ ثُمّ أضْطرُّهُ} فـ{أضْطرُّهُ} اذا وصل الالف جعله أمْرا. وهذا الوجه اذا أراد به الامر يجوز فيه الضم والفتح. غير ان الالف ألف وصل وانما قطعتها "ثُمّ" في الوجه الآخر، لانه كل ما يكون معناه "أفْعلُ" فانه مقطوع، من الوصل كان أو من القطع. قال {أناْ آت يك ب ه } وهو من "أتى" "يأتي"
وقال {أتّخ ذُ م ن دُون ه آل هةً} فترك الالف التي بعد ألف الاستفهام لانها الف "أفعل" وقال اللّه تبارك* وتعالى فيما يحكى عن الكفار {لوْلا أخّرْتن ي إ لى أجلٍ قر يبٍ فأصّدّق وأكُن مّ ن الصّال ح ين} فقوله {فأصّدّق} جواب للاستفهام، لأنّ {لوْلا} ها هنا بمنزلة "هلا" وعطف {وأكُن} على موضع {فأصّدّق} لأنّ جواب الاستفهام اذا لم يكن فيه فاء جزم. وقد قرأ بعضهم {فأصّدّق وأكُون}[٣٠ء] عطفها على ما بعد الفاء وذلك خلاف الكتاب. وقد قرىء {من يُضْل ل اللّه فلا هاد ي لهُ ويذرُهُمْ} جزم. فجزم {يذرْهُم} على انه عطف على موضع الفاء لان موضعها يجزم اذا كانت جواب المجازاة، ومن رفعها على أنْ يعطفها على ما بعد الفاء فهو أجود وهي قراءة.
وقال {وإ ن تُخْفُوها وتُؤْتُوها الْفُقرآء فهُو خيْرٌ لّكُمْ ويُكفّ رُ عنكُم} جزم ورفع على ما فسرت. وقد يجوز في هذا وفي الحرف الذي قبله النصب لأنه قد جاء بعد جواب المجازاة مثل
{ويعْلم الّذ ين يُجاد لُون ف ي آيات نا} [و] {ولمّا يعْلم اللّه الّذ ين جاهدُواْ م نكُمْ ويعْلم الصّاب ر ين} فانتصب الآخر لأن الأوّل نوى ان يكون بمنزلة الاسم وفي الثاني الواو. وان شئت جزمت على العطف كأنك قلت "ولمّا يعلم الصابرين". فان قال قائل: "ولما يعْلم اللّه الصابرين" {ولمّا يعْلم اللّه الّذ ين جاهدُواْ م نكُمْ} فهو لم يعلمهم؟ قلت بل قد عل م، ولكنّ هذا فيما يذكر أهل التأويل ليبين للناس، كأنه قال "ليعْلمه الناسُ" كما قال {ل نعْلم أيُّ الح زْبيْن أحْصى ل ما لب ثُواْ أمداً} وهو قد علم ولكن ليبين ذلك . وقد قرأ أقوام أشباه هذا في القرآن {ل يُعْلم أيُّ الحزبين} ولا أراهم قرأوه إلاّ لجهلهم بالوجه الآخر.
ومما جاء بالواو* {ولا تلْب سُواْ [٣٠ب] الْحقّ ب الْباط ل وتكْتُمُواْ الْحقّ} إنْ شئت جعلت {وتكْتُمُواْ الْحقّ} نصباً اذ نويت ان تجعل الأول اسما فتضمر مع {تكْتُمُوا} "أنْ" حتى تكون اسما. وان شئت عطفتها فجعلتها جزما على الفعل الذي قبلها. قال {ألمْ أنْهكُما عن ت لْكُما الشّجرة وأقُل لّكُمآ} فعطف القول على الفعل المجزوم فجزمه. وزعموا انه في قراءة ابن مسعود {وأقُولُ لّكُمآ} على ضمير "أن" ونوى أنْ يجعل الأوّل اسما, و
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والثلاثون]:
لقد كان في حوْلٍ ثواءٍ ثويته * تقضّ ي لُباناتٍ ويسْأم سائ مُ
- ثواءٌ وثواءً او ثواءٍ رفع ونصب وخفض - فنصب على ضمير "أنْ" لأن التقضي اسم، ومن قال "فتُقْضى" رفع: "ويسأمُ" لأنه قد عطف على فعل وهذا واجبٌ، و
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والثلاثون]:
فإ نْ لم أصدّ قْ ظنّكُمْ بتيقُّنٍ * فلا سقت الأوْصال م نّي الرّواع دُ
ويعلم أكفائي من الناس أنّني * أنا الفارسُ الحامي الذمار المذاودُ
و
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الأربعون]:
فإن يقد رْ عليك أبو قُبيْسٍ * نمُطّ ب ك المن يّة في هوان
وتُخْضب ل حيةٌ غدرتْ وخانتْ * ب أحْمر من نج يع الجوْف آن
[٣١ء] فنصب هذا كله لأنه نوى أن يكون الأوّل اسما فأضمر بعد الواو "أنْ" حتى يكون اسما مثل الأول فتعطفه عليه. وأما قوله {لوْ أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ م نْهُمْ } و {فلوْ أنّ لنا كرّةً فنكُون م ن الْمُؤْم ن ين} فهذا على جواب التمني، لأنّ معناه "ليْت لنّا كرّةً". و
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والأربعون]:
فلستُ بمدركٍ ما فات مني * بـ"لهف" ولا بـ"ليت" ولا "لواني"
فأنزل "لواني" بمنزلة "ليْت" لان الرجل اذا قال: "لو أنّي كنتُ فعلتُ كذا وكذا "فانما تريد "ود دتُ لو كنتُ فعلْتُ". وإنّما جاز ضمير "أنْ" في غير الواجب لأن غير الواجب يجيء ما بعده على خلاف ما قبله ناقضا له.
فلما حدث فيه خلاف لأوله جاز هذا الضمير. والواجب يكون آخره على أوله نحو قول اللّه عز وجل {ألمْ تر أنّ اللّه أنزل م ن السّمآء مآءً فتُصْب حُ الأرْضُ مُخْضرّةً} فالمعنى: "إسمعوا أنزل اللّه من السماء ماءً" فهذا خبر واجب و {ألمْ تر} تنبيه. وقد تنصب الواجب في الشعر.
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثاني والأربعون]:
سأترُكُ منزلي ل بني تميمٍ * وألْحقُ بالحجاز فأستريحا
وهذا لا يكاد يعرف. وهو في الشعر جائز. وقال طرفة [من الطويل وهو الشاهد الثالث والأربعون]:
[٣١ب] لها هضْبةٌ لا يدْخُلُ الذُلُّ وسْطها * ويأوى اليها المستجيرُ فيُعْصما
واعلم ان اظهار ضمير "أن" في كل موضع أضمر فيه من الفاء لا يجوز الا ترى انك اذا قلت: "لا تأت ه فيضر بك" لم يجز أن تقول: "لا تأْت ه فأنْ يضر بك" وانما نصبته على "أنْ" فلا يسحن اظهاره كما لا يجوز في قولك "عسى أنْ تفعل": "عسى الفعل" ولا في قولك: "ما كان ليفعل": "ما كان لان يفعل" ولا إظهار الاسم الذي في قولك "نعم رجلاً" فرب ضمير لا يظهر لأن الكلام إنما وضع على أن يضمر فاذا ظهر كان ذلك على غير ما وضع في اللفظ فيدخله اللبس.
أما قوله { فأزلّهُما الشّيْطانُ عنْها} فانما يعني "الزلل" تقول: "زلّ فلانُ" و "أزْللْتُه" و: "زال فلانُ" و "أزالهُ فُلانُ" والتضعيف القراءة الجيدة وبها نقرأ.
وقال بعضهم:
{فأزالهُما} أخذها من "زال، يزولُ". تقول: "زال الرجلُ" و "أزالهُ فلان".
وقال {اهْب طُواْ بعْضُكُمْ ل بعْضٍ عدُوٌّ } فانما قال {اهْب طُواْ} و اللّه اعلم لأنّ إبليس كان ثالثهم فلذلك جمع.
قوله {فتلقّى آدمُ م ن رّبّ ه كل ماتٍ} فجعل آدم المتلقى. وقد قرأ بعضهم {آدم} نصبا ورفع الكلمات جعلهن المتلّق يات.
قال {فإ مّا يأْت ينّكُم مّ نّ ي هُدًى فمن تب ع هُداي}[٣٢ء] وذلك أن "إمّا" في موضع المجازاة وهي "إما" لا تكون "أما" وهي "إنْ" زيدت معها "ما" وصار الفعل الذي بعدها بالنون الخفيفة أو الثقيلة وقد يكون بغير نون. وإنّما حسنت فيه النون لما دخلته "ما" لأنّ "ما" نفي وهو ما ليس بواجب وهي من الحروف التي تنفي الواجب فحسنت فيه النون نحو قولهم "ب عينٍ مّا أرينّك" حين أدخلت فيها "ما" حسنت النون. ومثل "إمّا" ها هنا قوله {فإ مّا تري نّ م ن البشر أحداً}
وقوله {قُل رّبّ إ مّا تُر ينّ ي ما يُوعدُون [٩٣] ربّ فلا تجْعلْن ي ف ي الْقوْم الظّال م ين} فالجواب في قوله {فلا تجْعلْن ي}. وأشباه هذا في القرآن والكلام كثير. واما "إمّا" في غير هذا الموضع الذي يكون للمجازاة فلا تستغني حتى ترد "إمّا" مرتيْن نحو قوله {إ نّا هديْناهُ السّب يل إ مّا شاك راً وإ مّا كفُوراً} ونحو قوله {حتّى إ ذا رأوْاْ ما يُوعدُون إ مّا العذاب وإ مّا السّاعة} وانما نصب لأنّ "إمّا" هي بمنزلة "أوْ" ولا تعمل شيئاً كأنه قال "هديْناهُ السبيل شاكراً أوْ كفُورا" فنصبه على الحال و "حتى رأوْا ما يُوعدُون العذاب أوْ الساعة" فنصبه على البدل.
وقد يجوز الرفع بعد "إمّا" في كل شيء يجوز فيه الابتداء [و]* لو قلت: "مررت برجل إمّا قاعدٍ وإمّا قائمٍ" جاز. وهذا الذي في القرآن جائز ايضاً، ويكون رفعا الا انه لم يقرأ.
وأما التي تستغني عن التثنية فتلك تكون مفتوحة الالف [٣٢ب] أبدا نحو قولك "أمّا عبد اللّه فمنطلق"
وقوله {فأمّا الْيت يم فلا تقْهرْ [٩] وأمّا السّآئ ل فلا تنْهرْ} و {وأمّا ثمُودُ فهديْناهُمْ}. فكلُّ ما لم يحتج فيه الى تثنية "أمّا" فألفها مفتوحة الا تلك التي في المجازاة.
و "أمّا" ايضاً لا تعمل شيئا الا ترى انك تقول {وأمّا السّآئ ل فلا تنْهرْ} فتنصبه بـ"تنهر" ولم تغيّر "أمّا" شيئا منه.
باب الاضافة.
اما قوله {فمن تب ع هُداي فلا خوْفٌ عليْه مْ} فانفتحت هذه الياء على كل حال لان الحرف الذي قبلها ساكن. وهي الالف التي في "هُدى". فلما احتجت الى حركة الياء حركتها بالفتحة لانها لا تحرك الا بالفتح. ومثل ذلك قوله {عصاي أتوكّأُ عليْها} ولغة للعرب يقولون "عصيّ يا فتى" و { هُديّ فلا خوْفٌ عليْه مْ} لما كان قبلها حرف ساكن وكان الفا، قلبته الى الياء حتى تدغمه في الحرف الذي بعده فيجرونها مجرى واحدا وهو أخف عليهم. واما قوله {هذاما لديّ عت يدٌ} و {هذا ص راطٌ عليّ مُسْتق يمٌ} [و] {ثُمّ إ ليّ مرْج عُكُمْ}. فانما حركت بالاضافة لسكون ما قبلها وجعل الحرف الذي قبلها ياء ولم يقل "علاي" ولا "لداي" كما تقول "على زيد" و "لدى زيد" ليفرقوا بينه وبين الأسماء، لان هذه ليست بأسماء. و "عصاي" و "هُداي" [٣٣ء] و "قفاي" اسماء. وكذلك {أفْتُون ي ف ي رُؤْياي} و {يابُشْرايا هذاغُلامٌ} لأنّ آخر "بُشْرى" ساكن.
وقال بعضهم {يا بُشْراي هذا غلام} لا يريد الاضافة، كما تقول "يا بشارة".
فاذا لم يكن الحرف ساكنا كنت في الياء بالخيار, ان شئت أسكنتها وان شئت فتحتها نحو {إ نّ يْ أنا اللّه} و {إ نّ ي أنا اللّه}، و {ول من دخل بيْت يْ مُؤْم ناً} و {بيْت ي}[و] {فلمْ يز دْهُمْ دُعآئ يْ إ لاّ ف راراً} و {دُعآئ ي إ لاّ}. وكذلك اذا لقيتها الف ولام زائدتان فان شئت حذفت الياء لاجتماع الساكنين وان شئت فتحتها كيلا يجتمع حرفان ساكنان. الا ان احسن ذلك الفتح نحو قول اللّه تبارك وتعالى {جآءن ي الْبيّ ناتُ م ن رّبّ ي} و {ن عْمت ي الّت ي} وأشباه ذا. وبه نقرأ. وإنْ لقيته ايضاً ألف وصل بغير لام فأنت فيه أيضاً بالخيار إلاّ أن أحسنه في هذا الحذف وبها نقرأ {إ نّ ي اصْطفيْتُك على النّاس } و { هارُون أخ ي اشْدُدْ ب ه أزْر ي}.
فاذا كان شيء من هذا الدعاء حذفت منه الياء نحو {ياع باد فاتّقُون } و {ربّ قدْ آتيْتن ي م ن الْمُلْك } و {رّبّ إ مّا تُر ينّ ي ما يُوعدُون}.
ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدعاء وغيره من كل شيء. وذلك قبيح قليل الا ما في رؤوس الآيْ، فانه يحذف الوقف. [٣٣ب] كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي نحو قوله : [من الطويل وهو الشاهد الرابع والاربعون]:
[أبا مُنْذ رٍ أفنيت فاستبق بعضنا] * حنانيك بعضُ الشرّ أهونُ من بعْض
وقوله: [من الوافر وهو الشاهد الخامس والأربعون]:
[ألا هُبّ ي ب صحْن ك فاصبحينا] * ولا تُبْق ي خُمور الأنْدرين
اذا وقفوا فاذا وصلوا قالوا: "من بعض" و "الأنْدرينا" وذلك في رؤوس الاي كثير نحو قوله {بل لّمّا يذُوقُواْ عذاب } [و] {وإ يّاي فاتّقُون }. فاذا وصلوا أثبتوا الياء. وقد حذف قوم الياء في السكوت والوصل وجعلوه على تلك اللغة القليلة وهي قراءة العامة وبها نقرأ لان الكتاب عليها.
وقد سكت قوم بالياء ووصلوا بالياء، وذلك على خلاف الكتاب، لان الكتاب ليست فيه ياء وهي اللغة الجيدة. وقد سمعنا عربيا فصيحا ينشد: [من الطويل وهو الشاهد السادس والاربعون]:
فما وجد النّهْد يُ وجْداً وجدْتُهُ * ولا وجد العُذْر يُّ قبل جم يلُ
يريد "قبل ي" فحذف الياء. وقد أعمل بعضهم "قبْل" اعمال ما ليس فيه ياء فقال: "قبلُ جميل" وهو يريد "قبلي". كما قال بعضُ العرب "يا ربُّ اغف ر لي" فرفع وهو يريد "يا ربّي".
واما قوله {وتظُنُّون ب اللّه الظُّنُوناْ} و {أضلُّونا السّب يلاْ} فتثبت فيه الالف لانهما رأس آية، لان قوما من العرب يجعلون أواخر القوافي اذا سكتوا عليها على مثل حالها اذا وصلوها وهم اهل الحجاز. [٣٤ء] وجميع العرب اذا ترنموا في القوافي أثبتوا في أواخرها الياء والواو والالف. وأما قوله {ياأبت إ نّ ي أخافُ} فأنث هذا الاسم بالهاء كقولك "رجُلٌ ربْعةٌ" و "غُلامٌ يفعةٌ". او يكون ادخلها لما نقص من الاسم عوضا. وقد فتح قوم كأنهم أرادوا "يا أبتا" فحذفوا الالف كما يحذفون الياء, كما
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والاربعون]:
[ولست بمدرك ما فات مني] * "لهف" ولا بـ"ليت" ولا لوآني"
يريد: "لهْفاه". ومما يدلك على ان هذا الاسم أنث بالهاء قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والاربعون]:
تقولُ ابنتي لما رأتن ي شاح باً * كأنّك فينا يا أبات غريبُ
فرد الالف وزاد عليها الهاء كما أنث في قوله "يا أمتاه" فهذه ثلاثة أحرف. ومن العرب من يقول: "يا أمّ لا تفعلي" رخّم كما قال: "يا صاح ". ومنهم من يقول "يا أميّ" و"يا أبي" على لغة الذين قالوا: "يا غلام ي. ومنهم من يقول "يا أب " و"يا أمّ " وهي الجيدة في القياس.
أما قوله {يابن ي إ سْرائ يل} فمن العرب من يهم زُ ومنهم من لا يهمز. ومنه من يقول {إسرائ ل} يحذف الياء التي بعد الهمزة ويفتح الهمزة ويكسرها.
باب المجازاة.
فاما قوله {وأوْفُواْ [٣٤ب] ب عهْد ي أُوف ب عهْد كُمْ} فانما جزم الآخر لانه جواب الامر، وجواب الامر مجزوم مثل جواب ما بعد حروف المجازاة، كأنه تفسير "إنْ تفْعلوا" أُوف بعهْد كُم وقال في موضع آخر {ذرُونا نتّب عْكُمْ}
وقال {فذرْهُمْ ف ي خوْض ه مْ يلْعبُون} فلم يجعله جوابا، ولكنه كأنهم كانوا يلعبون فقال "ذرْهُم في حال لعبهم"
وقال {ذرْهُمْ يأْكُلُواْ ويتمتّعُواْ ويُلْه ه مُ الأملُ} وليس من أجل الترك يكون ذلك ، ولكن قد علم اللّه انه يكون وجرى على الاعراب كأنه قال: "إنْ تركتهم ألْهاهُم الامل" وهم كذلك تركهم او لم يتركهم. كما ان بعض الكلام يعرف لفظه والمعنى على خلاف ذلك , وكما ان بعضهم يقول: "كذب عليكُمُ الحجّ".
فـ"الحجُّ" مرفوع وانما يريدون ان يأمروا بالحج.
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثامن والاربعون]:
كذب العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٍ * إن كنت سائ لتي غبوقاً فاذْهبي
وقال: [من الوافر وهو الشاهد التاسع والاربعون]:
وذُبْيان يةٌٍ توصي بينها * ألا كذب القراط فُ والقُروفُ
قال ابو عبد اللّه: "القراط فُ"، واحدها "قرْطفٌ": وهو كل ما له خملٌ من الثياب. و "القُروفُ"، واحدها "قرْفٌ": وهو وعاءٌ من جلود الابل [٣٥ء] كانوا يغلون اللحم ويحملونه فيه في أسفارهم". ويقولون "هذا جُحرُ ضبٍّ خر بٍ" والخرب هو الجُحْرُ. ويقولون، [أحدهم]: "هذا حبُّ رُمّاني". فيضيف الرُمّان اليه وانما له الحبّ وهذا في الكلام كثير.
وقوله {قُل لّ لّذ ين آمنُواْ يغْف رُواْ ل لّذ ين لا يرْجُون أيّام اللّه} و{وقُل لّ ع باد ي يقُولُواْ الّت ي ه ي أحْسنُ} فأجراه على اللفظ حتى صار جوابا للامر. وقد زعم قوم ان هذا انما هو على "فلْيغْف روا" و"قُلْ لع بادي فليقولوا" وهذا لا يضمر كله يعني الفاء واللام. ولو جاز هذا [لـ] جاز قول الرجل: "يقُمْ زيْدٌ"، وهو يريد "ليقُمْ زيْدٌ". وهذا الكلمة أيضاً أمثل لانك لم تضمر فيها الفاء مع اللام.
وقد زعموا ان اللام قد جاءت مضمرة,
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الخمسون]:
مُحمّدُ تفْد نفْسك كُلُّ نفْسٍ * إذا ما خ فْت من شيْءٍ تبالا
يريد: "ل تفْد ", وهذا قبيح.
وقال: "تق اللّه امرُؤٌ فعل كذا وكذا" ومعناه: "ليتّق اللّه". فاللفظ يجيء كثيرا مخالفاً للمعنى. وهذا يدل عليه.
قال الشاعر في ضمير اللام: [من الطويل وهو الشاهد الحادي والخمسون]:
على مثل أصحاب البعوضة فاخم شي * لك الويلُ حُرّ الوجْه أو يبْك من بكى
يريد "ليبك منْ بكى" فحذف [٣٥ب] وسمعت من العرب من ينشد هذا البيت بغير لام: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والخمسون]:
فيبْك على الم نْجاب أضيافُ قفْرةٍ * سروْا وأُسارى لم تُفكّ قيودُها
يريد: "فلْيبْك " فحذف اللام.
باب تفسير أنا وأنت وهو
باب تفسير أنا وأنت وهو.
وأما قوله {وإ يّاي فارْهبُون } [و] {وإ يّاي فاتّقُون } [٤١] فقال {وإيّاي} وقد شغلت الفعل بالاسم المضمر الذي بعده الفعل. لان كل ما كان من الأمر والنهي في هذا النحو فهو منصوب نحو قولك: "زيداً فاضْر بْ أخاهُ". لان الامر والنهي مما يضمران كثيراً ويحسن فيهما الاضمار، والرفع ايضاً جائز على ان لا يضمر.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون]:
وقائ لةٍ خولان فانكحْ فتاتهُمْ * وأُكْرومةُ الحيّيْن خ لّوُكما ه يا
وأما قوله {الزّان يةُ والزّان ي فاجْل دُواْ كُلّ واح دٍ مّ نْهُما} [و] {والسّار قُ والسّار قةُ فاقْطعُواْ أيْد يهُما} فزعموا - و اللّه أعلم - ان هذا على الوحي، كأنه يقول "وم مّا أقُصُّ عليكمُ الزانيةُ والزاني، والسارقة والسارقُ". ثم جاء بالفعل من بعد ما اوجب الرفع على الأول على الابتداء وهذا على المجاز كأنه قال "أمرُ السارق والسار قة وشأنُهما مما نقُصّ عليكم" [٣٦ء] ومثله قوله {مّثلُ الْجنّة الّت ي وُع د الْمُتّقُون} ثم قال {ف يهآ أنْهارٌ مّ ن مّآءٍ} كأنه قال: "وم مّا أقُصُّ عليكُمْ مثلُ الجنة" ثم أقبل يذكر ما فيها بعد أن اوجب الرفع في الأول على الابتداء. وقد قرأها قوم نصبا اذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأول، وهو في الامر والنهي. وكذلك ما وقع عليه حرف الاستفهام نحو قوله {أبشراً م نّا واح داً نتّب عُه}. وانما فُع ل هذا في حروف الاستفهام لانه اذا كان بعده اسم وفعل كان أحسن ان يبتدأ بالفعل قبل الاسم، فان بدأت بالاسم أضمرت له فعلا حتى تحسن الكلام به واظهار ذلك الفعل قبيح.
وما كان من هذا في غير الامر والنهي والاستفهام والنفي فوجه الكلام فيه الرفع، وقد نصبه ناس من العرب كثير. وهذا الحرف قد قرىء نصباً ورفعا {وأمّا ثمُودُ فهديْناهُمْ}.
وأما قوله {إ نّا كُلّ شيْءٍ خلقْناهُ ب قدرٍ} فهو يجوز فيه الرفع وهي اللغة الكثيرة غير ان الجماعة اجتمعوا على النصب، وربما اجتمعوا على الشيء كذلك مما يجوز والاصل غيره. لان قولك: "إنّا عبدُ اللّه ضربْناهُ". مثل قولك: "عبدُ اللّه ضربْناهُ" لان معناهما في الابتداء سواء.
قال الشاعر [من المتقارب وهو الشاهد الرابع والخمسون]:
[٣٦ب] فأمّا تم يمٌ تميمُ بنُ مُرٍّ * فألْفاهُمُ القومُ روْبى ن ياما
وقال [من الطويل وهو الشاهد الخامس والخمسون]:
إذا ابنُ أبي مُوسى بلالٌ بلغت ه * فقام بفأسٍ بين وصْليك جاز رُ
ويكون فيهما النصب. فمن نصب {وأما ثمُود} نصب على هذا.
وأما قوله {يُدْخ لُ من يشآءُ ف ي رحْمت ه والظّال م ين أعدّ لهُمْ}
وقوله {أأنتُمْ أشدُّ خلْقاً أم السّمآءُ بناها} ثم قال {والأرْض بعْد ذل ك دحاها}
وقال {الرحمن[١] علّم الْقُرْآن [٢] خلق الإ نسان [٣] علّمهُ البيان} ثم قال {والسّمآء رفعها ووضع الْم يزان}
وقال {وكُلاًّ ضربْنا لهُ الأمْثال وكُلاًّ تبّرْنا تتْب يراً} فهذا انما ينصب وقد سقط الفعل على الاسم بعده لان الاسم الذي قبله قد عمل فيه فأضمرت فعلا فأعملته فيه حتى يكون العمل من وجه واحد. وكان ذلك أحسن قال [الشاعر]: [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون].
نغالي اللحم للأضياف نيْئاً * ونُرْخ صُه إذا نض ج القُدور
يريد "نُغالي باللحم" فان قلت {يُدْخ لُ من يشآءُ} ليس بنصب في اللفظ فهو في موضع نصب قد عمل فيه فعل كما قلت: "مررت بزيدٍ وعمْراً ضربتُه، كأنك قلت: "مررت زيداً" وقد يقول هذا بعض الناس.
قال الشاعر: [من المنسرح وهو الشاهد السابع والخمسون]:
أصبحتُ لا أحْم لُ السلاح ولا * آم لْكُ رأس البعي ر إنْ نفرا
والذيب أخشاهُ إنْ مررْتُ به * وحد ي وأخشى الرياح والمطرا
[٣٧ء] وكلُّ هذا يجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب أجود وأكثر.
وأما قوله {يغْشى طآئ فةً مّ نْكُمْ وطآئ فةٌ قدْ أهمّتْهُمْ أنْفُسُهُمْ} فانما هو على قوله "يغْشى طائفةً منكم وطائفةٌ في هذه الحال". [و] هذه واو ابتداء لا واو عطف، كما تقول: "ضربتُ عبْد اللّه وزيدٌ قائم". وقد قرئت نصبا لأنها مثل ما ذكرنا، وذلك لانه قد يسقط الفعل على شيء من سببها وقبلها منصوب بفعل فعطفتها عليه وأضمرت لها فعلها فنصبتها به. وما ذكرنا في هذا الباب من قوله {والسّار قُ والسّار قةُ فاقْطعُواْ أيْد يهُما} [
وقوله] {الزّان يةُ والزّان ي فاجْل دُواْ} ليس في قوله {فاقْطعُواْ} و{فاجْل دُواْ} خبر مبتدأ لان خبر المبتدأ هكذا لا يكون بالفاء. [فـ] لو قلت "عبدُ اللّه فينْطل قُ" لم يحسن. وانما الخبر هو المضمر الذي فسرت لك من قوله "ومما نقص عليكم" وهو مثل قوله: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون]:
وقائلةٍ خولانُ فانكحْ فتاتهُم * [وأكرومةُ الحيّيْن خلوٌ كما ه يا]
كأنه قال: "هؤلاء خولانُ" كما تقول: "الهلالُ فانظرْ اليه " كأنك قلت: "هذا الهلالُ فانظُر إليه" فأضمر الاسم.
فأما قوله {واللّذان يأْت يان ها م نكُمْ فآذُوهُما} فقد يجوز ان يكون هذا خبر المبتدأ، لان "الذي" اذا كان صلته فعل جاز ان يكون خبره بالفاء نحو قول اللّه عز وجل {إ نّ الّذ ين توفّاهُمُ الْملائ كةُ [٣٧ب] ظال م ي أنْفُس ه مْ} ثم قال{فأُوْلائ ك مأْواهُمْ جهنّمُ}.
باب الواو.
أما قوله {واسْتع ينُواْ ب الصّبْر والصّلاة وإ نّها لكب يرةٌ} فلأنه حمل الكلام على "الصلاة ". وهذا كلام منه ما يحمل على الأول ومنه ما يحمل على الاخر.
وقال {واللّه ورسُولُهُ أحقُّ أن يُرْضُوهُ} فهذا يجوز على الأول والآخر، وأقيس هذا اذا ما كان بالواو ان يحمل عليهما جميعاً. تقول: "زيد وعمرو ذاهبان". وليس هذا مثل "أو" لان "أو" انما يخبر فيه عن أحد الشيئين. وأنت في "أو" بالخيار ان شئت جعلت الكلام على الأول وان شئت على الآخر، وأن تحمله على الآخر أقيس لانك ان تجعل الخبر على الاسم الذي يليه [الخبر] فهو أمثل من أن تجاوزه الى اسم بعيد منه. قال {وإ ذا رأوْاْ ت جارةً أوْ لهْواً انفضُّواْ إ ليْها} فحمله على الأول، وقال في موضع آخر {وم ن رّحْمت ه جعل لكُمُ الْلّيْل والنّهار ل تسْكُنُواْ ف يه }
وقال {ومن يكْس بْ خط يئةً أوْ إ ثْماً ثُمّ يرْم ب ه بر يئاً} فحمله على الآخر.
قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الثامن والخمسون]:
أمّا الوسامةُ أو حُسْنُ الن ساء فقدْ * أُوتيت م نْهُ لو انّ العقل محتن كُ
وقال ابنُ أحمر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والخمسون]:
[٣٨ء] رماني بداءٍ كنتُ منهُ ووالدي * بريئاً ومن أجْل الطو يّ رماني
وقال الآخر: [من المنسرح وهو الشاهد الستون]:
نحنُ ب ما عندنا وأنت بما * عندك راضٍ والرأيُ مُخْتل فُ
وهذا مثل قول البرجمي: [من الطويل وهو الشاهد الحادي والستون]:
منْ يكُ أمْسى بالمدينة دارُهُ * فإنّي وقيّاراً ب ها لغر يبُ
وأما قوله {ب اتّ خاذ كُمُ الْع جْل فتُوبُواْ إ لى بار ئ كُمْ}
فانتصب {الْع جْل} لانه مفعول به، تقول: "عجبت من ضرب ك زيداً".
وقوله {بار ئ كُمْ} مهموز لانه من [٤٢ب] "برأ اللّه الخلق" "يبْرأُ" "برْءاً". وقد قرأ بعضهم هذه الهمزة بالتخفيف فجعلها بين الهمزة وبين الياء. وقد زعم قوم انها تجزم ولا أرى ذلك الا غلطا منهم، سمعوا التخفيف فظنوا انه مجزوم والتخفيف لا يفهم الا بمشافهة* ولا يعرف في الكتاب. ولا يجوز الاسكان، الا ان يكون اسكن وجعلها نحو "علْم" و"قدْ ضُرْب" و"قدْ سمْع" ونحو ذلك .
سمعت من العرب من يقول: {جآءتْ رُسُلْنا} جزم اللام وذلك لكثرة الحركة
قال الشاعر: [من السريع وهو الشاهد الثاني والسبعون]:
وأنت لو باكرت مشْمولةً * صهباء مثل الفرس الأشْقر
رُحْت وفي رجليك ما فيهما * وقد بداهنْك من الم ئز ر
وقال امرؤ القيس [من السريع وهو الشاهد الثالث والسبعون]:
فاليوم أشربْ غير مُستحقبٍ * إ ثماً من اللّه ولا واغ ل
وقال آخر: [من الرجز وهو الشاهد الرابع والسبعون]:
* إنّ بن ي ثمرةْ فُؤادي *
وقال آخر: [من الرجز وهو الشاهد الخامس والسبعون]:
يا علْقمة يا علْقمة يا علقمة * خير تميمٍ كلّ ها وأكرمهْ
وقال: [من الرجز وهو الشاهد السادس والسبعون]:
إذا اعوججْن صاحبْ قوّ م * بالدّوّ أمثال السفين العُوّم
ويكون "رُسُلْنا" على الادغام، يدغم اللام في النون ويجعل فيها غنة. [٤٣ء] والاسكان في {بارئْكُم} على البدل لغة الذين قالوا: "أخْطيْت" وهذا لا يعرف.
باب اسم الفاعل.
قال {الّذ ين يظُنُّون أنّهُم مُّلاقُو ربّ ه مْ} فأضاف قوله {مُّلاقُو ربّ ه مْ} ولم يقع الفعل. وانما يضاف اذا كان قد وقع الفعل تقول: "هم ضاربوا ابيك" اذا كانوا قد ضربوه. واذا كانوا في حال الضرب او لم يضربوا قلت: "هم ضاربون أخاك" الا ان العرب قد تستثقل النون فتحذفها في معنى اثباتها وهو نحو {مُّلاقُو ربّ ه مْ} مثل { كُلُّ نفْسٍ ذآئ قةُ الْموْت } ولم تذق بعد.
وقد قال بعضهم: {ذائقةٌ الموت} على ما فسرت لك. وقال اللّه جل ثناؤه {إ نّا مُرْس لُو النّاقة } وهذا قبل الارسال ولكن حذفت النون استثقالا.
وقال {وكلْبُهُمْ باس طٌ ذ راعيْه } فأثبت التنوين لانه كان في الحال.
وقال {إ نّا كاش فُو الْعذاب قل يلاً} على ذلك ايضاً. وزعموا [٣٨ب] ان هذا البيت ينشد هكذا: [من البسيط وهو الشاهد الثاني والستون]:
هل أنت باعثُ دينارٍ لحاجت نا * او عبد ربٍّ أخا عمرو بن م خْراق
فأضاف ولم يقع الفعل ونصب الثاني على المعنى لان الأول فيه نية التنوين، كقول اللّه جل وعزّ {وجعل الْلّيْل سكناً والشّمْس والْقمر حُسْباناً} ولو جررت "الشمس" و"القمر" و"عبد رب اخا عمرو" على ما جررت عليه الأول جاز وكان جيدا.
وقال {إ نّا مُنجُّوك وأهْلك إ لاّ امْرأتك} فالنصب وجه الكلام لأنّك لا تجرى الظاهر على المضمر، والكاف في موضع جرّ لذهاب النون. وذلك لان هذا اذا سقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون ان كان في الحال وان لم يفعل، تقول: "هو ضاربُك الساعة أو غداً" و"هم ضاربوك". واذا أدخلت الالف واللام قلت: "هو الضارب زيداً" ولا يكون ان تجرّ زيداً لأن التنوين كأنه باق في "الضارب" اذا كان فيه الالف واللام، لأن الالف واللام تعاقبان التنوين. وتقول: "هما الضاربان زيداً" و"هما الضاربا زيدٍ" لأن الألف واللام لا تعاقبان التنوين في الاثنين والجمع. فاذا أخرجت النون من الاثنين والجمع من اسماء الفاعلين [٣٩ء] أضفت وان كان فيه الالف واللام، لأن النون تعاقب الاضافة وطرح النون ها هنا كطرح النون في قولك: "هما ضاربا زيد" ولم يفعلا، لأن الأصل في قولك: "الضاربان" اثبات النون لأن معناه واعماله مثل معنى "الذي فعل" واعماله.
قال الشاعر: "من المنسرح وهو الشاهد الثالث والستون]:
الحافظو عورة العشير لا * يأتيُهمُ من ورائ نا نطف
وفي كتاب اللّه {والْمُق يم ي الصّلاة } وقد نصب بعضهم فقال {والْمُق يم ي الصّلاة} و"الحافظو* عورة" استثقالاً للاضافة كما حذفت نون "اللذين " و "الذين".
قال الشاعر: [ من الكامل وهو الشاهد الرابع والستون]:
أبن ي كُليْبٍ إنّ عمّيّ اللذا * قتلا المُلوك وفكّكا الأغْلالا
وقال: {من الطويل وهو الشاهد الخامس والستون]:
فإنّ الذي حانتْ بفلْجٍ دماؤُهم * همُ القومُ كلُّ القوم يا أُمّ خالد
فالقى النون. وزعموا أن عيسى بن عمر كان يجيز: [من المتقارب وهو الشاهد السادس والستون]
فألفيتُهُ غير مُستعْت بٍ * ولا ذاك ر اللّه الاّ قليلا
كأنه انما طرح التنوين لغير معاقبة اضافة وهو قبيح الا في كل ما كان معناه "اللذين" و "الذين" فحينئذ يطرح منه ما طرح من ذلك . ولو جاز هذا البيت لقلت: "هم ضاربو زيدا" وهذا لا يحسن. وزعموا أن بعض [٣٩ب] العرب قال {واعْلمُواْ أنّكُمْ غيْرُ مُعْج ز ي اللّه} وهو أبو السمّال وكان فصيحا. وقد قرىء هذا الحرف {إ نّكُمْ لذآئ قُو الْعذاب الأل يم } وهو في البيت أمثل لانه اسقط التنوين لاجتماع الساكنين. واذا ألحقْت النون نصبت لان الاضافة قد ذهبت، قال {والْمُق يم ين الصّلاة والْمُؤْتُون الزّكاة} [و]
وقال {والذّاك ر ين اللّه كث يراً}
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والستون]
النازلون بكلّ معترك * والطيبونُ معاقد الأُزْر
باب اضافة الزمان الى الفعل.
قال {واتّقُواْ يوْماً لاّ تجْز ي نفْسٌ عن نّفْسٍ شيْئاً} فنون اليوم لانه جعل "فيه" مضمرا، وجعله من صفة اليوم كأنه قال "يوماً لا تجْز ى نفسٌ عن نفسٍ فيه شيئاً". وانما جاز إضمار "فيه" كما جاز اضافته الى الفعل تقول: "هذا يومُ يفعل زيد". وليس من الأسماء شيء يضاف الى الفعل غير اسماء الزمان، وذلك جاز اضمار "فيه". وقال قوم: "إنّما أضمر الهاء اراد "لا تجْز يه " وجعل هذه الهاء اسما لليوم مفعولا، كما تقول: "رأيتُ رجلاً يحبُّ زيدٌ" تريد: "يحبُّه زيد". وهو في الكلام يكون مضافا، تقول: "اذكر يوم لا ينفعُك شيء" أي: "يوم لا منفعة" [٤٠ء] وذلك أن اسماء الحين قد تضاف الى لفعل قال {هذايوْمُ لا ينط قُون} أي "يومُ لا نطق"، وقد يجوز فيه "هذا يومُ لا ينط قون" اذا أضمرت "فيه " وجعلته من صفة "يوم" لأنّ يوما نكرة وقد جعلت الفعل لشيء من سببه وقدمت الفعل. فالفعل يكون كله من صفة النكرة كأنك أجريته على اليوم صفة له اذا كان ساقطا على سببه،
وقد قال بعضهم {هذايوْمُ لا ينط قُون} وكذلك {هذايوْمُ الْفصْل } وكل ما أشبه هذا فهو مثله. ولا يضاف الى الفعل شيء الا الحين، الا انهم قد قالوا [من الوافر وهو الشاهد الثامن والستون]:
بآية تقد مون الخيل زُورا * كأنّ على سناب ك ها مُداما
[وقالوا] [من الوافر وهو الشاهد التاسع والستون]:
ألا من مُبْل غٌ عنّي تميماً * بآية ما تُح بّون الطّعاما
فأضاف "آية" الى الفعل. وقالوا: "إذهبْ بذي تسْلم" و"بذي تسْلمان" فقوله: "ذي" مضاف الى "تسلم" كأنه قال: "اذهبْ ب ذ ي سلامت ك" وليس يضاف الى الفعل غير هذا. ولو قلت في الكلام: "واتقوا يوم لا تجزى نفسٌ فيه " فلم تنون اليوم جاز، كأنك أضفت وأنت لا تريد ان تجيء بـ"فيه " ثم بدالك بعد فجئت به، كما تقول: "اليوم آتيك فيه" فنصبت "اليوم" لانك جئت بـ"فيه" بعد ما أوجبت النصب [٤٠ب] وقال قوم: "لا يجوز اضمار "فيه". الا ترى انك لا تقول: "هذا رجلٌ قصدتُ" وأنت تريد "إليه" ولا "رأيتُ رجلاً أرغبُ" وأنت تريد "فيه " والفرقُ بينهما أن اسماء الزمان يكون فيها ما لا يكون في غيرها، وان شئت حملتها* على المفعول في السعة كأنك قلت: "واتقوا يوما لا تجزيه نفسٌ" ثم القيت الهاء كما تقول: "رأيتُ رجلاً أُح بُّ" وأنت تريد "أحبه".
باب من التأنيث والتذكير.
اما قوله {تجْز ي نفْسٌ عن نّفْسٍ شيْئاً} فهو مثل قولك: "لا تجْز ي عنك شاة" و"يجزى عنك درهم" و "جزى عنك درهمٌ" و"وجزتْ عنك شاةٌ". فهذه لغة أهل الحجاز لا يهمزون. وبنو تميم يقولون في هذا المعنى: "أجْزأتْ عنهُ وتُجز ىءُ عنه شاة"
وقوله "شيئا" كأنه قال: "لا تُجْز ىءُ الشاةُ مُجْزى ولا تُغْن ي غناءٌ".
وقوله {عن نّفْسٍ} يقول: "م نْها" أي: لا تكون مكانها.
وأما قوله {ولا يُقْبلُ م نْها شفاعةٌ} فانما ذكر الاسم المؤنث لان كل مؤنث فرقت بينه وبين فعله حسن أن تذكر فعله، إلاّ أنّ ذلك يقبح في الانس وما أشبههم مما يعقل. لأنّ الذي يعقل أشد استحقاقا للفعل. وذلك ان هذا انما يؤنث ويذكر ليفصل بين [٤١ء] معنيين. والموات كـ"الارض" و "الجدار" ليس بينهما معنى كنحو ما بين الرجل والمرأة. فكل ما لا يعقل يشبه بالموات، وما يعقل يشبه بالمرأة والرجل نحو قوله {رأيْتُهُمْ ل ي ساج د ين} لما أطاعوا صاروا كمن يعقل، قال {ولوْ كان ب ه مْ خصاصةٌ} فذكر الفعل حين فرّق بينه وبين الاسم،
وقال {لا يُؤْخذُ م نكُمْ ف دْيةٌ} وتقرأ {تُؤْخذُ}. وقد يقال أيضاً ذاك في الانس، زعموا أنهم يقولون "حضر القاضي امرأةٌ". فأما فعل الجميع فقد يذكّر ويؤنث لأن تأنيث الجميع ليس بتأنيث الفصل الا ترى أنك تؤنث جماعة المذكرّ فتقول: "ه ي الرّ جالُ" و"ه ي القومُ"، وتسمي رجلا بـ"بعال" فتصرفه لان هذا تأنيثٌ مثلُ التذكير، وليس بفصل. ولو سميته بـ"عناق " لم تصرفه، لان هذا تأنيث لا يكون للذكر، وهو فصل مابين المذكر والمؤنث تقول: "ذهب الرجل" و"ذهبت المرأة" فتفصل بينهما. وتقول: "ذهب النساء" و"ذهبت النساء" و"ذهب الرجال" و"ذهبت الرجال". وفي كتاب اللّه: {كذّبتْ قوْمُ نُوحٍ الْمُرْسل ين} و {وكذّب ب ه قوْمُك}.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السبعون]:
[٤١ب] فما تركتْ قومي لقوم ك حيّةً * تقلّبُ في بحْرٍ ولا بلدٍ قفْر
وقال {جآءهُمُ الْبيّ ناتُ} [و] {وقال ن سْوةٌ ف ي الْمد ينة }. [و]
قال الشاعر اشد من ذا وقد أخر الفعل، قال: [من المتقارب وهو الشاهد الثاني والثلاثون]:
فإمّا تريْ ل مّت ى بُدّ لّتْ * فإنّ الحواد ث أوْداى بها
اراد "أودتْ بها" مثل فعل المرأة الواحدة يجوز ان يذكر [فـ] ذكر هذا. وهذا التذكير في الموات اقبح وهو في الانس أحسن، وذلك ان كل جماعة من غير الانس فهي مؤنثة تقول: "هي الحمير" ولا تقول "هم". الا انهم قد قالوا: "أولئك الحمير"، وذلك أن "أولئك" قد تكون للمؤنث والمذكر تقول: "رأيت اولئك النساء".
قال الشاعر:[من الكامل وهو الشاهد الحادي والسبعون]:
ذُمّى المناز لُ بعد منز لة اللّ وى * والعيش بعد أولئك الأيّام
أما قوله {وإ ذْ نجّيْناكُم مّ نْ آل ف رْعوْن} و{وإ ذْ فرقْنا ب كُمُ الْبحْر}[٥٠] وامكنة كثيرة، فانما هي على ما قبلها، انما يقول: "إذكرُوا نعمتي" و"اذكُروا إذ نجّيْناكُم" و"اذكروا إذْ فرقْنا بكُم البحْر" و"اذكرُوا إذْ قُلتُم يا مُوسى لنْ نصْب ر"
وقال بعضهم "فرّقنا".
باب أهْل وآل.
وقوله {مّ نْ آل ف رْعوْن يسُومُونكُمْ سُوء الْعذاب } وقد قال {وإ ذْ نجّيْناكُم مّ نْ آل ف رْعوْن} فانما حدث عما كانوا يلقون منهم. و {يسُومُونكُمْ} في موضع رفع وان شئت جعلته في موضع نصب على الحال كأنه يقول "واذ نجّيْناكُم من آل فرعون سائ مين لكم" والرفع على الابتداء. واما "آلُ" فانها تحسن اذا أضيفت الى اسم خاص نحو: "أتيتُ آل زيد" و"أهل زيد"]*، و"أهل مكة" و"آل مكة" و"أهل المدينة " و"آل المدينة ". ولو قلت: "أتيتُ آل الرجل " و"آل المرأة " لم يحسن، ولكن: "أتيت آل اللّه" وهُم زعموا أهلُ مكة. وليس "آلُ" بالكثير في اسماء الارضين وقد سمعنا من يقول ذلك ، وانما هي همزة أبدلت مكان الهاء مثل "هيْهات" و "أيْهات".
{وإ ذْ فرقْنا ب كُمُ الْبحْر فأنجيْناكُمْ} يقول فرقنا بين الماءين حين مررتم فيه.
قال {وإ ذْ واعدْنا مُوسى أرْبع ين ليْلةً} اي: واعدناه انقضاء اربعين ليلة، أي: رأس الأربعين، كما قال {وسْئل الْقرْية}[٤٢ء] وهذا مثل قولهم "اليوم أربعون يوماً منذُ خرج" و"اليوم يومان " أي: "اليوم تمامُ الأربعين" و"تمامُ يوْميْن".
باب الفعل.
أما قوله {حتّى نرى اللّه جهْرةً} فيقول: "ج هاراً" أي: "ع يانا يكشف ما بيننا وبينه" كما تقول: "جه رتْ الرك يّةُ" اذ كان ماؤها قد غطاه الطين فنفّي ذلك حتى يظهر الماء [و] يصفو.
أما قوله {وظلّلْنا عليْكُمُ الْغمام وأنزلْنا عليْكُمُ الْمنّ والسّلْوى } فـ"الغمامُ" واحدتُه "غمامةٌ" مثل "السّحاب " واحدتُه "سحابة". وأما "السّلْوى" فهو طائر لم يسمع له بواحد، وهو شبيه أن يكون واحده "سلْوى" مثل جماعته، كما قالوا: "د فْلى" للواحد والجماعة، و"سُلامى" للواحد والجماعة. وقد قالوا "سُلاميات". وقالوا "حُبارى" للواحد، وقالوا للجماعة: "حُباريات"،
وقال بعضُهم للجماعة "حُبارى".
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والسبعون]:
وأشلاءُ لحْمٍ من حُبارى يصيدُها * إذا نحْنُ ش ئْنا صاحبٌ مُتألّفُ
وقالوا: "شُكاعى" للواحد والجماعة،
وقال بعضهم للواحد: "شُكاعاة".
قوله {وقُولُواْ ح طّةٌ} اي: "قولوا": "لتكن منك ح طّةٌ لذُنُوب نا" كما تقول للرجل: "سمْعُك إليّ". كأنهم قيل لهم: "قُولُوا: "يا رب لتكُن [٤٣ب] م نْك ح طّةٌ ل ذُنوب نا". وقد قرئت نصبا على انه بدل من اللفظ بالفعل. وكلُ ما كان بدلا من اللفظ بالفعل فهو نصب بذلك الفعل، كأنه قال: "أحْطُطْ عنّا ح طّةً" فصارت بدلا من "حُطّ" وهو شبيه بقولهم: "سمْعٌ وطاعةٌ"، فمنهم من يقول: "سمْعاً وطاعة" اذا جعله بدل: "أسْمعُ سمعا وأطيعُ طاعةً". واذا رفع فكأنه قال: أمْر ي سمْعٌ وطاعةٌ".
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والسبعون]:
اناخوا بأيدي عُصْبةٍ وسُيوفُهم * على أُمّهات الهام ضرْباً شآم يا
وقال الآخر: [من الوافر وهو الشاهد التاسع والسبعون]:
تركْنا الخيل وهْي عليه نوْحاً * مُقلّدةً أع نّتها صُفُونا
وقال بعضهم: "وهْي عليْه نوْحٌ" جعلها في التشبيه هي النوح لكثرة ما كان ذلك منها كما تقول: "إنّما أنت شرٌّ" و"إنّما هُو ح مارٌ" في الشبه، او تجعل الرفع كأنه قال: "وهْي عليْه صاح بةُ نوْحٍ"، فألقى الصاحبة وأقام النوح مُقامها. ومثل ذلك قول الخنساء. [من البسيط وهو الشاهد الثمانون]:
ترْتعُ ما رتعتْ حتّى إذا ذكرتْ * فإنّما ه ي إقْبالٌ وإدْبارُ
ومثله {قالُواْ معْذ رةً إ لى ربّ كُمْ} كأنهم قالوا: "موعظتُنا إ ياهُمْ معْذ رةٌ" وقد نصب على: "نعْتذ رُ معْذ رةً"
وقال {فأوْلى لهُمْ} {طاعةٌ وقوْلٌ مّعْرُوفٌ}[٤٤ء] على قوله {إ ذا جآءتْهُمْ ذ كْراهُمْ} {فأوْلى لهُمْ} {طاعةٌ وقوْلٌ مّعْرُوفٌ} جعل الطاعة مبتدأ فقال {طاعةٌ وقوْلٌ مّعْرُوفٌ} خير من هذا، او جعل الطاعة مبتدأ فقال "طاعةٌ وقوْلٌ معْرُوف خيرٌ من هذا". وزعم يونس انه قيل لهم "قُولوا ح طةٌ" أي: تكلموا بهذا الكلام. كأنه فُر ض عليهم أنْ يقولوا هذه الكلمة مرفوعة.
قال {فأنزلْنا على الّذ ين ظلمُواْ ر جْزاً م ن السّمآء }
وقال {والرُّجْز فاهْجُرْ}
وقال بعضهم {والر جْز}*. وذكروا أن "الرُجْز": صنم كانوا يعبدونه فأما "الر جْز" فهو: "الر جْسُ. [والر جْسُ: النجس]
وقال {إ نّما الْمُشْر كُون نجسٌ} و"النجسُ": القذر.
قال {فانفجرتْ م نْهُ اثْنتا عشْرة عيْناً} يكسر الشين بنو تميم، وأما أهل الحجاز فيسكنون {اثْنتا عشْرة عيْناً}.
وقوله {ولا تعْثوْاْ ف ي الأرْض مُفْس د ين}. من "عث ي"* "يعْثى"
وقال بعضهم: "يعْثُو" من "عثوْتُ" فـ"أنا أعْثُو" مثل: "غزوْتُ" فـ"أنا أغْزُو".
باب زيادة "م نُ".
أما قوله {يُخْر جْ لنا م مّا تُنْب تُ الأرْضُ م ن بقْل ها وق ثّآئ ها} فدخلت فيه (م نْ) كنحو ما تقول في الكلام: "أهلْ البصْرة يأكلون من البُرّ والشعير" وتقول: "ذهبتُ فأصبْتُ من الطّعام" تريد "شيْئا" ولم تذكر الشيء. وكذلك {يُخْر جْ لنا م مّا تُنْب تُ الأرْضُ} شيئا، ولم يذكر الشيء وان شئت [٤٤ب] جعلته على قولك: "ما رأيت م نْ أحدٍ" تريد: "ما رأيتُ أحداً" و"هلْ جاءك م نْ رجْلٍ" تريد هل جاءك رجُلٌ. فان قلت: "انما يكون هذا في النفي والاستفهام" فقد جاء في غير ذلك ، قال {ويُكفّ رُ عنكُم مّ ن سيّ ئات كُمْ} فهذا ليس باستفهام ولا نفي. وتقول: "زيدْ م نْ أفْضل ها" تريد: هو أفضلها، وتقول العرب: "قد كان م نْ حد يثٍ فخلّ عنّي حتّى أذهب" يريدون: قدْ كان حديثٌ. ونظيره قولهم: "هلْ لك في كذا وكذا" ولا يقولون: "حاجةُ، و: لا عليْك" يريدون: لا بأس عليْك*.
وأما قوله {اهْب طُواْ م صْراً}
وقال {ادْخُلُواْ م صْر إ ن شآء اللّه} فزعم بعض الناس انه يعني فيهما جميعا "م صْر" بعينها، ولكن ما كان من اسم مؤنث على هذا النحو "ه نْد" و"جُمْل" فمن العرب من يصرفه ومنهم من لا يصرفه.
وقال بعضهم: "أما التي في "يوسف" فيعني بها "م صْر" بعينها، والتي في "البقرة" يعني بها م صْراً من الأمصار.
وأما قوله {وبآءُو ب غضبٍ مّ ن اللّه} يقول: "رجعُوا ب ه " اي صار عليهم، وتقول "باء ب ذنْب ه يبُوءُ بوْءاً".
وقال {إ نّ ي أُر يدُ أن تبُوء ب إ ثْم ي وإ ثْم ك} مثله.
باب من تفسير الهمز.
أما قوله {ويقْتُلُون النّب يّ ين ب غيْر الْحقّ } [و] {ويقْتُلُون الأنْب يآء} كل ذلك [٤٥ء] جماعة العرب تقوله.
ومنهم من يقول {النُّباء} أولئك الذين يهمزون "النب ىء" فيجعلونه مثل "عريف" و"عُرفاء". والذين لم يهمزوه جعلوه مثل بنات الياء فصار مثل "وص يّ" و"أوْص ياء" ويقولون ايضاً: "هُمْ وص يُّون". وذلك ان العرب تحوّل الشيء من الهمزة حتى يصير كبنات الياء، يجتمعون على ترك همزة نحو "الم نْسأة " ولا يكاد أحد يهمزها الا في القرآن فان اكثرهم قرأها بالهمز وبها نقرأ، وهي من "نسأْتُ". وجاء ما كان من "رأيْتُ" على"يفْعلُ" أو"تفْعلُ" أو"نفْعلُ" أو"أفْعلُ" غير مهموز، وذلك ان الحرف الذي كان قبل الهمزة ساكن، فحذفت الهمزة وحرك الحرف الذي قبلها بحركتها كما تقول: "من ابوك". قال {أفتُمارُونهُ على ما يرى}
وقال {لتروُنّ الْجح يم}
وقال {إ نّي أرى ما لا تروْن}
وقال {إ نّا لنراك ف ي ضلالٍ مُّب ينٍ}. واما قوله {أرأيْت الّذ ي يُكذّ بُ ب الدّ ين } و{أرأيْت إ ن كان على الْهُدى} وما كان من "أرأيْت" في هذا المعنى ففيه لغتان، منهم من يهمز ومنهم من يقول "أريْت". وانما يفعل هذا في "أرأيْت" هذه التي وضعت للاستفهام لكثرتها. فأما "أرأيْت زيْداً" اذا أردت "أبْصرْت زيداً" فلا يتكلم بها إلاّ مهموزة [٤٥ب] أو مخففة. ولا يكاد يقال "أريْت" لأنّ تلك كثرت في الكلام فحذفت كما حذفت في "[أمانّه] ظريف" يريدون: "أما إ نّه ظريفٌ" [ف] يحذفون ويقولون أيضاً "له نّك لظريفٌ" يريدون: " [لـ] إنّك لظريفٌ". ولكن الهمزة حذفت كما حذفوا في قولهم: [من البسيط وهو الشاهد الحادي والثمانون]:
لاه ابنُ عمّ ك لا أفْضلْت في حسبٍ * عنّي ولا أنت ديّاني فتخْزُوني
و
قال الشاعر "من الكامل وهو الشاهد الثاني والثمانون]:
أرأيْت إنْ أهْلكْتُ مال ي كُلّهُ * وتركْتُ ما لك فيم أنْت تلُومُ
[فهمز] وقال الآخر: [من المتقارب وهو الشاهد الثالث والثمانون]:
اريْت امْرءاً كنتُ لمْ أبْلُهُ * أتان يْ وقال اتّخ ذْن ي خل يلا
فلم يهمز. وقال [من الكامل وهو الشاهد الرابع والثمانون]:
يا خاتم النُّباء إ نّك مُرْسلٌ * ب الحقّ كُلُّ هُدى السّبيل هُداكا
واما قوله {ب ما عصوْا} [فـ] جعله اسما هنا كالعصيان يريد: بعصيانهم، فجعل "ما" و"عصوْا" اسما.
قوله {وإ ذْ أخذْنا م يثاقكُمْ ورفعْنا فوْقكُمُ الطُّور خُذُواْ مآ آتيْناكُم ب قُوّةٍ} فهذا على الكلام الأول. يقول: "اذُكروا اذ أخذْنا ميثاقكُم ورفعنا فوقكُم الطور خُذُوا" يقول: "فقلنا لكُم": "خُذُوا". كما تقول: "أوْحيتُ إليْه : قُمْ" كأنه يقول: "أوْحيْتُ إليْه فقلتُ له: "قُمْ "وكان في قولك [٤٦]: "أوْحيْتُ إليْه " دليل على أنّك قد قلت له.
أما قوله {ولقدْ عل مْتُمُ الّذ ين اعْتدواْ م نْكُمْ ف ي السّبْت } يقول: "ولقد عرفْتُمْ" كما تقول: "لقد عل مت زيْداً ولمْ أكُنْ أعلمُه".
وقال {وآخر ين م ن دُون ه مْ لا تعْلمُونهُمُ اللّه يعْلمُهُمْ} يقول: "يعْر فُهُم".
وقال {لا تعْلمُهُمْ نحْنُ نعْلمُهُمْ} أي: لا تعْر فُهم نحْنُ نعْر فهُم. واذا أردت العلم الآخر قلت: "قدْ عل مْتُ زيْداً ظريفاً" لانك تحدث عن ظرفه. فلو قلت: "قدْ عل مْتُ زيْداً" لم يكن كلاما.
وأما قوله {كُونُواْ ق ردةً خاس ئ ين} فلانك تقول: "خسأْتُهُ" "فخس ىء" "يخْسأُ خسْأً شديدا" فـ"هُو خاس ىءٌ" و"هُمْ خاس ئُون".
أما قوله {فجعلْناها نكالاً} فتكون على القردة، وتكون على العقوبة التي نزلت بهم فلذلك أُنّثت.
أما قوله {أتتّخ ذُنا هُزُواً} فمن العرب والقراء من يثقله، ومنهم من يخففه وزعم عيسى بن عمر أنّ كل اسمٍ على ثلاثة أحرف أوّلُهُ مضْموم فمن العرب من من يثقله ومنهم من يخففه نحو: "اليُسُر" [و "اليُسْر"]، و"العُسُر" [ و"العُسْر"]، و"الرُحُم" [و "الرُحْم"].
وقال بعضهم {عُذْراً} خفيفة {أونُذُراً} مثقلة، وهي كثيرة وبها نقرأ. وهذه اللغة التي ذكرها عيسى بن عمر تحرك أيضاً ثانية بالضم.
أما قوله {إ نّها بقرةٌ لاّ فار ضٌ [٤٦ب] ولا ب كْرٌ عوانٌ} فارتفع ولم يصر نصبا كما ينتصب النفي لان هذه صفة في المعنى للبقرة. والنفي المنصوب لا يكون صفة من صفتها، انما هو اسم متبدأ وخبره مضمر, وهذا مثل قولك: "عبدُ اللّه لا قائمٌ ولا قاعدٌ" أدخلت "لا" للمعنى وتركت الاعراب على حاله لو لم يكن فيه "لا".
أماقوله {بقرةٌ صفْرآءُ فاق عٌ} فـ"الفاق عُ": الشديد الصفرة. ويقال: "أبْيضُ يققٌ": أي: شديدُ البياض، و "ل هاقٌ" و"لهقٌ" و"لهاقٌ"، و"أخضرُ ناض رٌ" و"أحْمرُ قان ىءٌ" و"ناص عٌ" و"فاق مٌ". ويقال: "قدْ قنأتْ ل حْيتُهُ" فـ"هي "تقْنأُ قُنُوءا" أي: احمّرت.
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس والثمانون]:
............. * كما قنأتْ أنام لُ صاح ب الكرْم
و "قاط فُ الكرْم ". وقال آخر: [من الكامل وهو الشاهد السادس والثمانون]:
م نْ خم رّ ذي نطفٍ أغنّ كأنّما * قنأتْ أنام لُهُ م ن الف رْصاد
أما قوله {إ نّ البقر تشابه عليْنا} [فـ] جعل "البقر" مذكرا مثل "التمْر" و"البُسْر" كما تقول: "إنّ زيداً تكلم يا فتى" وان شئت قلت (يشّابهُ) وهي قراءة مجاهد. ذكّر "البقر" يريد {يتشابهُ} ثم أدغم التاء في الشين. ومن أنّث البقر" قال {تشّابهُ} فادغم، وان شاء حذف التاء الاخرة ورفع كما تقول [٤٧ء] "إنّ هذ ه تكلّمُ يا فت ى" لانها في "تتشابهُ" احداهما تاء "تفْعلُ" والاخرى التي في "تشابهتْ" فهو في التأنيث معناه "تفْعلُ". وفي التذكير معناه "فعل" و "فعل" أبدا مفتوح كما ذكرت لك والتاء محذوفة اذا أردت التأنيث لانك تريد "تشابهتْ" فـ" هي "تتشابهُ" وكذلك كل [ما كان] من نحو "البقر " ليس بين الواحد والجماعة [فيه] الا الهاء، فمن العرب من يذكره ومنهم من يؤنثه، ومنهم من يقول: "هي البُرُّ والشعير"
وقال: {والنّخْل باس قاتٍ لّها طلْعٌ نّض يدٌ} فأنث على تلك اللغة وقال "باسقات" فجمع لان المعنى جماعة. وقال اللّه جل ثناؤه {ألمْ تر أنّ اللّه يُزْج ي سحاباً ثُمّ يُؤلّ فُ بيْنهُ} فذكر في لغة من يذكر
وقال {ويُنْش ىءُ السّحاب الثّ قال} فجمع على المعنى لان المعنى معنى سحابات.
وقال {وم نْهُمْ مّن ينْظُرُ إ ليْك}
وقال {وم نْهُمْ مّن يسْتم عُون إ ليْك} على المعنى واللفظ.
وقد قال بعضهم: {إنّ الباق رُ} مثل "الجام ل" يعني "البقر" و"الج مال"
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والثمانون]:
مال ي رأيتُك بعد أهْل ك مُوح شا * خل قاً كحوْض الباق ر المُتهدّ م
وقال: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والثمانون]
[فإ نْ تكُ ذا شاءٍ كث يرٍ فإنّهُمْ] * ذوُو جام لٍ لا يهْدأُ اللّيْل سام رُهُ
وأما قوله {إ نّها بقرةٌ لاّ ذلُولٌ تُث يرُ الأرْض ولا تسْق ي الْحرْث}[٤٧ب] {مُسلّمةٌ}[٧١] "مسلمة" على "إنّها بقرةٌ مُسلّمةٌ".
{لاّ ش ية ف يها} يقول: "لا وشْي فيها" من "وشيْتُ ش يةً" كما تقول: "وديْتُه د يةً" و"وعدْتُهُ ع دةً". واذا استأنفت (ألآن) قطعت الألفين جميعا لأن الأل ف الأولى مثل ألف "الرّجل" وتلْك تُقطع إذا استُؤنفت، والأُخرى همزة ثابتة تقول "ألآن" فتقطع ألف الوصل، ومنهم من يذهبها ويثبت الواو التي في (قالُوا) لأنّه إنّما كان يذهبها لسكون اللام، واللام قد تحرّكت لأنّه قد حوّل عليها حركة الهمزة.
أما قوله {وإ ذْ قتلْتُمْ نفْساً فادّارأْتُمْ ف يها} فانما هي "فتدارأْتُم" ولكن التاء تدغم احياناً كذا في الدال لان مخرجها من مخرجها. فلما أدغمت فيها حوّلت فجعلت دالا مثلها، وسكنّت فجعلوا الفاً قبلها حتى يصلوا الى الكلام بها كما قالوا: "اضرْب" فألحقوا الالف حين سكنت الضاد. الا ترى انك اذا استأنفت قلت "ادّارأتم" ومثلها {يذّكّرُون} و {تذّكّرُون} [و] {أفلمْ يدّبّرُواْ الْقوْل} ومثله في القرآن كثير. وانما هو "يتدبّرون" فأدغمت التاء في الدال لأن التاء قريبة المخرج من الدال، مخرج الدال بطرف اللسان وأطراف الثنيتين ومخرج التاء بطرف اللسان وأصول الثنيتين. فكل ما قرب مخرجه فافعل به هذا [٤٨ء] ولا تقل في "يتنزّلون": "ينّزّلون" لان النون ليست من حروف الثنايا كالتاء.
قال {فه ي كالْح جارة أوْ أشدُّ قسْوةً} وليس قوله: {أوْ أشدُّ} كقولك: "هُو زيدٌ أو عمرو" إنّما هذه {أوْ} التي في معنى الواو، نحو قولك: "نحْنُ نأكُل البُرّ أوْ الشعير أو الأُرُزّ، كلّ هذا نأْكُلُ" فـ{أشدُّ} ترفع على خبر المبتدأ. وانما هو "وهي أشدُّ قسْوةً"
وقال بعضهم {فهْي كالح جارة } فأسكن الهاء وبعضهم يكسرها. وذلك ان لغة العرب في "هي" و"هو" ولام الأمر اذا كان قبلهن واو أو فاء أسكنوا أوائلهن. ومنهم من يدعها. قال {وهُو اللّه لا اله إ لاّ هُو} [و] قال {وهُو الْعز يزُ الْحك يمُ}. [و] قال {ولْيتوبوا} وقف وكسر.
وقال {فلْيعْبُدُواْ}. وقف وكسر.
باب إ نّ وأنّ.
قال {وإ نّ م ن الْح جارة لما يتفجّرُ م نْهُ الأنْهارُ وإ نّ م نْها لما يشّقّقُ فيخْرُجُ م نْهُ الْمآءُ وإ نّ م نْها لما يهْب طُ} فهذه اللاّم لام التوكيد وهي منصوبة تقع على الاسم الذي تقع عليه "إنّ" اذا كان بينها وبين "إ نّ" حشو نحو هذا. [و] هو مثل: "إنّ في الدار لزيْداً". وتقع أيضاً في خبر "إنّ" وتصرف "إ نّ" الى الابتداء، تقول: "أشْهدُ إنّهُ لظريفٌ "قال اللّه عزّ وجل {واللّه يعْلمُ إ نّك لرسُولُهُ واللّه يشْهدُ إ نّ الْمُناف ق ين [٤٨ب] لكاذ بُون}
وقال {أفلا يعْلمُ إ ذا بُعْث ر ما ف ي الْقُبُور [٩] وحُصّ ل ما ف ي الصُّدُور [١٠] إ نّ ربّهُم ب ه مْ يوْمئ ذٍ لّخب يرٌ} وهذا لو لم تكن فيه اللام كان "أنّ ربّهُمْ" لان "أنّ" الثقيلة اذا كانت هي وما عملت فيه بمنزلة "ذاك" أوْ بمنزلة اسم فهي أبدا "أنّ" مفتوحة. وإنْ لم يحسن مكانها وما عملت فيه اسم فهي "إنّ" على الابتداء. ألا ترى إلى قوله {اذْكُرُواْ ن عْمت ي الّت ي أنْعمْتُ عليْكُمْ وأنّ ي فضّلْتُكُمْ على الْعالم ين} يقول: "اذْكُرُوا هذا"
وقال {فلوْلا أنّهُ كان م ن الْمُسبّ ح ين للب ث} لانه يحسن في مكانه "لولا ذاك" وكل ما حسن فيه "ذاك" أنْ تجعله مكان "أنّ" وما عملت فيه فهو "أنّ". واذا قلت {يعْلمُ إ نّك لرسُولُهُ} لم يحسن أنْ تقول: "يعْلم لذال ك". فان قلت: "ا طْرح اللام أيضاً وقل "يُعْلمُ ذاك" فاللام ليست مما عملت فيه "إ نّ". واما قوله {إ لاّ إ نّهُمْ ليأْكُلُون الطّعام} فلم تنكسر هذه من اجل اللام [و] لو لم تكن فيها لكانت "إنّ" أيْضاً لأنّهُ لا يحسن أنْ تقول "ما أرْسلْنا قبْلك إلاّ ذاك" و"ذاك" هو القصة.
قال الشاعر: [من المنسرح وهو الشاهد التاسع والثمانون]:
ما أعْطيان ي ولا سألْتُهُما * إلاّ وإني لحاج ز ي كرمي
فلو أُلْق يتْ من هذه اللام ايضاً لكانت "أن".
وقال {ذال كُمْ فذُوقُوهُ [٤٩ء] وأنّ ل لْكاف ر ين عذاب النّار } كأنه قال: "ذاك الأمْر" وهذا قوله {وأنّ ل لْكاف ر ين عذاب النّار } تقع في مكانه "هذا".
وقال {ذال كُمْ وأنّ اللّه مُوه نُ كيْد الْكاف ر ين} كأنه على جواب من قال: "ما الأمْرُ"؟ أو نحو ذلك فيقول للذين يسألون: "ذلك م ..." كأنه قال: "ذل كُمْ الأمرُ وأنّ اللّه موهنُ كيد الكافرين" فحسن أن يقول: "ذلك م" و"هذا". وتضمر الخبر او تجعله خبر مضمر.
وقال {إ نّ لك ألاّ تجُوع ف يها ولا تعْرى} {وأنّك لا تظْمأُ ف يها ولا تضْحى} لانه يجوز ان تقول: "إنّ لك ذاك" و"هذا" وهذه الثلاثة الأحرفُ يجوز فيها كسر "إ نّ" على الابتداء. {فنادتْهُ الْملائ كةُ . . أنّ اللّه يُبشّ رُك} فيجوز أن تقول: "فنادته الملائكة ب ذاك" وان شئت رفعته على الحكاية كأنه يقول: "فنادتْهُ الملائكةُ فقالتْ: "إ نّ اللّه يُبشّ رُك" لأنّ كُلّ شيء بعد القول حكاية، تقول: "
قُلْتُ: "عبدُ اللّه مُنْطل قٌ" وقلت: "إنّ عبد اللّه زيداً مُنْطل قٌ" إلاّ في لُغة من أعمل القول من العرب كعمل الظن فذاك ينبغي [له] أنْ يفتح "أنّ".
وقال {إ نّ هاذ ه أُمّتُكُمْ أُمّةً واح دةً} فيزعمون أنّ هذا "ولأنّ هذه أمّتكُم أُمّةٌ واحدةٌ وأنا ربُّكُّمْ فاتّقُون " يقول: "فاتّقُون لأنّ هذ ه أُمّتكُمْ" [٤٩ب] وهذا يحسن فيه كذاك، فان قلت: "كيف تلحق اللام ولم تكن في الكلام". فان طرح اللام واشباهها من حروف الجرّ من "أنّ" حسن ألا تراه يقول "أشْهد أنّك صاد قٌ" وإنّما هو "أشهد على ذلك ".
وقال {وأنّ الْمساج د للّه فلا تدْعُواْ مع اللّه أحداً} يقول: "فلا تدعوا مع اللّه
أحدا لأنّ المساجد للّه"، وفي هذا الاعراب ضعف، لانه عمل فيه ما بعده، أضافه اليه بحرف الجر. ولو قلت "أنّك صال حٌ بلغن ي" لم يجز، وان جاز في ذلك . لأنّ حرف الجر لما تقدم ضميره قوي. وقد قرىء مكسورا. قال بعضهم: "إنّما هذا على {أُوح ي إ ليّ أنّهُ اسْتمع نفرٌ مّ ن الْج نّ } و"أُوح ي إلي أنّ المساج د للّه" و"أُوْح ي إليّ أنهُ لمّا قام عبْدُ اللّه". وقد قرىء {وأنّهُ تعالى جدُّ ربّ نا} ففتح كل "أنْ" يجوز فيه على الوحي.
وقال بعضهم {وإ نّهُ تعالى جدُّ ربّ نا} فكسروها من قول الجن. فلما صار بعد القول صار حكاية وكذاك ما بعده مما هو من كلام الجن.
وأما "إنّما" فاذا حسن مكانها "أنّ" فتحتها، واذا لم تحسن كسرْتها. قال {إ نّمآ أناْ بشرٌ مّ ثْلُكُمْ يُوحى إ ليّ أنّمآ الهكُمْ اله واح دٌ} فالاخرة يحسن مكانها "أنّ" فتقول: "يُوحى إليّ أنّ إلهكُم إلهٌ واحد"
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التسعون]:
[٥٠] أران ي - ولا كُفْران للّه - إنّما * أُواخ ي من الأقْوام كُلّ بخ يل
لأنّهُ لا يحْسُنُ ها هُنا "أنّ" [فـ] لو قلت: "أراني أنما أواخي من الأقْوام" لم يحسن.
وقال: [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والتسعون]:
أبْل غ الحارث بن ظال م المُو * ع د والناذ ر النُّذُور عليّا
أنّما تقْتُلُ النّ يام، ولا تقْـ * ـتُلُ يقْظان ذا س لاحٍ كم يّا
فحسن أن تقول: "أنّك تقْتُلُ النّ يام". وأمّا قوله عز وجل {أيع دُكُمْ أنّكُمْ إ ذا م تٌّمْ وكُنتُمْ تُراباً وع ظاماً أنّكُمْ مُّخْرجُون} فالآخرةُ بدلٌ من الأُولى.
وأمّا "إنْ" الخفيفة فتكون في معنى "ما" كقول اللّه عز وجل {إ ن الْكاف رُون إ لاّ ف ي غُرُورٍ} أيْ: ما الكافرون.
وقال {إ ن كان ل لرّحْمان ولدٌ} أيْ: ما كان للرحمن ولد {فأناْ أوّلُ الْعاب د ين} م نْ هذه الامة للرّحْمن، ب نفْي الولد عنْهُ.
أي: أنا أوّلُ العاب د ين بأنّهُ ليْس للرحمن ولد.
وقال بعضُهُمُ {فأنا أوّلُ العب د ين} يقول: "أنا أوّلُ منْ يغْضبُ من ادّعائ كُمْ للّه ولدا".
ويقول: "عب د" "يعْبدُ" "عبدا" أي: غض ب.
وقال {وتظُنُّون إ ن لّب ثْتُمْ إ لاّ قل يلاً} فهي مكسورة ابدا اذا كانت في معنى "ما" وكذلك {ولقدْ مكّناهُمْ ف يمآ إ ن [٥٠ب] مّكّنّاكُمْ ف يه } فـ"إنْ" بمنزلة "ما"، و"ما" التي قبلها بمنزلة "الذي". ويكون للمجازاة نحو قوله {وإ ن تُبْدُواْ ما ف ي أنْفُس كُمْ أوْ تُخْفُوهُ} {وإ ن تعْفُواْ وتصْفحُواْ }. وتزاد "إنْ" مع "ما", يقولون: "ما إنْ كان كذا وكذا" أي: "ما كان كذا وكذا"، و: "ما إنْ هذا زيْدٌ". ولكنها تغير "ما" "فلا يُنْصبُ ب ها الخبر. و
قال الشاعر: من الوافر وهو الشاهد الثاني والتسعون]:
وما إنْ ط بْنا جُبْنٌ ولك نْ * منايانا وطُعْمةُ آخر ينا
وتكون خفيفة في معنى الثقيلة وهي مكسورة ولا تكون إلاّ وفي خبرها اللام، يقولون: "إنْ زيْدٌ لمنطل قٌ" ولا يقولونه بغير لام مخافة ان تلتبس بالتي معناها "ما". وقد زعموا ان بعضهم يقول: "إنْ زيداً لمنُْطل قٌ" يعملها على المعنى وهي مثل {إ ن كُلُّ نفْسٍ لّمّا عليْها حاف ظٌ} يقرأ بالنصب والرفع و "ما" زيادة للتوكيد، واللام زيادة للتوكيد وهي التي في قوله {وإ ن كان أصْحابُ الأيْكة لظال م ين} ولكنها انما وقعت على الفعل حين خففت كما تقع "لكنْ" على الفعل إذا خففت. ألا ترى أنك تقول: "لكن قد قال ذاك زيد". ولم يُعرُّوها من اللام في قوله {وإ ن كان أصْحابُ الأيْكة لظال م ين}[٥١ء] وعلى هذه اللغة فيما نرى - و اللّه أعلم - {إ نْ هاذان لساح ران } وقد شددها قوم فقالوا {إنّ هذان } وهذا لا يكاد يعرف إلا أنهم يزعمون أن بلحارث بن كعب يجعلون الياء في أشباه هذا ألفا فيقولون: "رأيت أخواك" و"رأيت الرجلان" وأوضعته علاه" و"ذهبت إلاهُ" فزعموا أنه على هذه اللغة بالتثقيل تقرأ. وزعم أبو زيد أنه سمع أعرابياً فصيحا من بلحارث يقول: "ضربْتُ يداهُ" و"وضعته علاه" يريد: يديْه وعليه .
وقال بعضهم {إنّ هذيْن لساح ران} وذلك خلاف الكتاب.
قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثالث والتسعون]:
طاروا عليهن فشُلٌ علاها * واشْدُدُ بمثْنى حقبٍ حقْواها
ناجيةً وناج ياً أباها.
وأمّا "أنْ" الخفيفة فتكون زائدةً مع "فلمّا" و"لمّا" قال {فلمّآ أن جآء الْبش يرُ} وانما هي "فلمّا جاء البش ير"
وقال {ولمّا جآءتْ رُسُلُنا} يقول "ولمّا جاءتْ" وتزاد أيضاً مع "لوْ" يقولون: "أنْ لوْ ج ئْتني كان خيراً لك" يقول "لوْ ج ئْتني". وتكون في معنى "أي" قال {وانطلق الْملأُ م نْهُمْ أن امْشُواْ} يقول "أيْ امشوا". وتكون خفيفة في معنى الثقيلة في مثل قوله {أن الْحمْدُ للّه} و{أنّ [٥١ب] لعْنة اللّه عليْه } على قولك "أنْهُ لعْنةُ اللّه". و "أنْهُ الحمْدُ للّه". وهذه بمنزلة قوله* {أفلا يروْن ألاّ يرْج عُ إ ليْه مْ قوْلاً} [و] {وحس بُواْ ألاّ تكُون ف تْنةٌ} ولكن هذه اذا خففت وهي الى جنب الفعل لم يحسن الا ان معها "لا" حتى تكون عوضا من ذهاب التثقيل والاضمار. ولا تعوض "لا" في قوله {أن الْحمْدُ للّه} لانها لا تكون، وهي خفيفة، عاملة في الاسم. وعوّضتها "لا" اذا كانت مع الفعل لانهم أرادوا ان يبيّنوا أنها لا تعمل في هذا المكان وأنها ثقيلة في المعنى. وتكون "أنْ" الخفيفة تعمل في الفعل وتكون هي والفعل اسما للمصدر، نحو قوله {على أن نُّسوّ ي بنانهُ} انما هي "على تسوية ب نان ه ".
باب من الاستثناء.
{وم نْهُمْ أُمّ يُّون لا يعْلمُون الْك تاب إ لاّ أمان يّ} منصوبة لانه مستثنى ليس من أول الكلام، وهذا الذي يجيء في معنى "لكن" خارجا من أول الكلام انما يريد "لكنْ أمانيّ" و"لك نّهُم يتمنّون". وانما فسرناه بـ"لكن" لنبين خروجه من الأول. الا ترى أنك اذا ذكرت "لكن" وجدت الكلام منقطعاً من أوله، ومثل ذلك في القرآن كثير [منه قوله عز وجل] {وما لأحدٍ ع ندهُ [٥٢ء] م ن نّ عْمةٍ تُجْزى} {إ لاّ ابْت غآء وجْه ربّ ه }
وقال {ما لهُمْ ب ه م نْ ع لْمٍ إ لاّ اتّ باع الظّنّ }
وقال {فلوْلا كان م ن الْقُرُون م ن قبْل كُمْ أُوْلُواْ بق يّةٍ ينْهوْن عن الْفساد ف ي الأرْض إ لاّ قل يلاً} يقول: "فهلاّ كان منهُمْ منْ ينْهى" ثم قال: "ولكنْ قليلاً م نْهُمْ منْ ينْهى" ثم قال "ولكنْ* قليلٌ م نْهُمْ قدْ نهوْا" فلما جاء مستثنى خارجاً من الأول انتصب. ومثله {فلوْلا كانتْ قرْيةٌ آمنتْ فنفعهآ إ يمانُها إ لاّ قوْم يُونُس} يقول "فُهلاّ" كانت ثم قال: "ولكنّ* قوم يونس" فـ"إلا" تجيء في معنى "لكنّ"*. واذا عرفت انها في معنى "لكنّ" فينبغي أن تعرف خروجها من أوله. وقد يكون {إ لاّ قوْمُ يُونُس} رفعا، تجعل "إلاّ" وما بعده في موضع صفة بمنزلة "غير" كأنه قال: "فهلا كانتْ قريةٌ آمنتْ غيرُ قرية قوم يونس" ومثلها {لوْ كان ف يه مآ آل هةٌ إ لاّ اللّه لفسدتا} فقوله {إ لاّ اللّه} صفة [و] لولا ذلك لانتصب لأنه مستثنى مقدم يجوز القاؤه من الكلام. وكل مستثنى مقدم يجوز القاؤه من الكلام نصب، وهذا قد يجوز القاؤه [فـ] لو قلت "لو كان ف يه ما آل هةٌ لفسدتا" جاز، فقد يجوز فيه النصب ويكون مثل قوله "ما مرّ بي أحدٌ إلاّ زيداً مثلُك".
قال الشاعر فيما هو صفة: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والتسعون]:
[٥٢ب] أُن يختْ فألقتْ بلْدةً فوْق بلْدةٍ * قليلٌ بها الأصْواتُ إلاّ بُغامُها
وقال: [من الوافر وهو الشاهد الخامس والستعون]:
وكُلُّ أخٍ مُفار قُهُ أخُوه * لعمْرُ إ بيك إلا الفرْقدان
ومثل المنصوب الذي في معنى "لكنْ" قول اللّه عز وجل {وإ ن نّشأْ نُغْر قْهُمْ فلا صر يخ لهُمْ ولا هُمْ يُنقذُون} {إ لاّ رحْمةً مّ نّا} وهو في الشعر كثير وفي الكلام. قال الفرزدق: [من الطويل وهو الشاهد السادس والتسعون]:
وما سجنُوني غير أني ابْنُ غال ب * وأني من الأثرين غيْر الزعان ف
يقول: "ولكنّني"، وهو مثل قولهم: "ما فيها أحدٌ إلا حماراً" لما كان ليس من أول الكلام جعل على معنى "لكنّ"
ومثله: [من الخفيف وهو الشاهد السابع والتسعون]:
ليس بيْن ي وبين قيسٍ ع تاب * غير طعْن الكُلا وضرْب الر قاب
وقوله: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والتسعون]:
حلفْتُ يميناً غير ذ ي مثْنو يّةٍ * ولا ع لْم إلاّ حُسْن ظنٍّ ب غاي ب
وبصاحب.
باب الجمع.
وأمّا تثْق يلُ {الأمان يُّ} فلأن واحدها "أُمْن يّة" مُثْقّل. وكلُّ ما كان واحده مثقلا مثل: "بُخْت يّة" و"بخات يّ" فهو مُثقّل. وقد قرأ بعضهم {إلاّ أمان ي} فخفف وذلك جائز لان الجمع على غير واحده وينقص منه ويزاد فيه. فأما "الأثاف ي" فكُلُّهُم يخفّفها وواحدها "أُث فيّة" مثقّلة [٥٣ء] وانما خففوها لانهم يستعملونها في الكلام والشعر كثيرا، وتثقيلها في القياس جائز. ومثل تخفيف "الأمان ي" قولهم: "م فْتاح" و"مفات ح" وفي "م عْطاء" "معاطٍ" قال الأخفش: "قد سمعت بلعنبر تقول: "صحار ي" و"معاط يّ" فتثقل.
وقوله {وإ نْ هُمْ إ لاّ يظُنُّون} اي: فماّ هُمْ إلاّ يظُنُّون".
{فويْلٌ لّ لّذ ين يكْتُبُون الْك تاب } يرفع "الويلُ" لانه اسم مبتدأ جعل ما بعده خبره. وكذلك "الويْحُ و"الويْلُ" و"الويْسُ" إذا كانت بعدهنّ هذه اللام ترفعهن. واما "التعْسُ" و"البُعْدُ" وما أشبههما فهو نصب أبدا، وذلك أنّ كل ما كان من هذا النحو تحسن أضافته بغير لام فهو رفع باللام ونصب بغير لام نحو {ويْلٌ لّ لْمُطفّ ف ين} و"ويْلٌ ل زيْدٍ" ولو ألقيت اللام قلت: "ويل زيدٍ" و"ويح زيدٍ" و"ويس زيدٍ"، فقد حسنت إضافته بغير لام فلذلك رفعته باللام مثل {ويْلٌ يوْمئ ذٍ لّ لْمُكذّ ب ين}. وأما قوله {ألا بُعْداً لّ مدْين} و{ألا بُعْداً لّ ثمُود} و{والّذ ين كفرُواْ فتعْساً لّهُمْ} فهذا لا تحسن إضافتهُ بغير لام. ولو قلت: "تعْسهُم" أو "بُعْدهُم" لم يحسن. وانتصاب هذا كله بالفعل، كأنك قلت: "أتْعسهُم اللّه تعْساً" "وأبْعدهُم اللّه بُعدا". واذا قلت "ويْل زيدٍ" فكأنك قلت [٥٣ب] "ألْزمهُ اللّه الويْل". وأما رفعك اياه باللام فانما كان لانك جعلت ذلك واقعا واجبا لهم في الاستحقاق. ورفعه على الابتداء، وما بعده مبني عليه، وقد ينصبه قوم على ضمير الفعل وهو قياس حسن، فيقولون: "ويْلاً لزيد" و"ويْحاً ل زيد".
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والتسعون]:
كسا اللُؤْمُ تيْماً خُضْرةً في جُلُودها * فويْلاً ل تيْمٍ من سرابيلها الخُضْر
قال الاخفش: "حدثني عيسى بن عمر أنه سمع الاعراب ينشدونه هكذا بالنصب, ومنهم من يرفع ما ينصب في هذا الباب. قال أبو زُبيد: [من الطويل وهو الشاهد المئة]:
أغار وأقْوى ذات يومٍ وخيْبةٌ * لأوّل منْ يلْقى غيٌ مُيسّرُ
باب اللام.
وقوله {ل يشْترُواْ ب ه ثمناً قل يلاً} فهذه اللام إذا كانت في معنى "كيْ" كان ما بعدها نصبا على ضمير "أنْ"، وكذلك المنتصب بـ"كيْ" هو أيضاً على ضمير "أنْ" كأنه يقول: "الاشتراء "، فـ"يشترُوا" لا يكون اسما الا بـ"أنْ"، فـ"أنْ" مضمرة وهي الناصبة وهي في موضع جر باللام. وكذلك {كيْ لا يكُون دُولةً} "أنْ" مضمرة وقد جرتها "كيْ" وقالوا: "كيْمهْ" فـ"مهْ" اسم لانه "ما" التي في الاستفهام وأضاف "كيْ" اليها. وقد تكون "كيْ" بمنزلة "أنْ" هي الناصبة [٥٤ء] وذلك قوله {لّ كيْلا تأْسوْاْ} فاوقع عليها اللام. ولو لم تكن "كيْ" وما بعدها اسما لم تقع عليها اللام وكذلك ما انتصب بعد "حتّى" إنّما انْتصب بضمر "أنْ" قال {حتّى يأْت ي وعْدُ اللّه} و{حتّى تتّب ع م لّتهُمْ} إنّما هو "حتّى أنْ يأْت ي " و"حتّى أنْ تتّبع"، وكذلك جميع ما في القرآن من "حتّى". وكذلك {وزُلْز لُواْ حتّى يقُول الرّسُولُ} اي: "حتّى أنْ يقول" لأنّ "حتّى" في معنى "إلىّ"، تقول "أقمْنا حتّى الليل " أيْ: "إلى اللّيْل ".
فإن قيل: إظهارُ "أنْ" ها هنا قبيح
قلتُ: "قد تُضمر أشياءُ يقبحُ إظهارها إذا كانوا يستغنون عنها". ألا ترى أنّ قولك: "إنْ زيداً ضربْتهُ" منتصب بفعل مضمر لو اظهرته لم يحسن. وقد قرئت هذه الآية {وزُلْز لُواْ حتّى يقُول الرّسُولُ}يريد: "حتّى الرّسُولُ قائلٌ"، جعل ما بعد "حتّى" مبتدأ. وقد يكون ذلك نحو قولك: "س رْتُ حتّى أدْخُلُها" إذا أردت: "سرت فإذا أنا داخ لٌ فيها" و"س رْتُ أمس حتّى أدْخُلُها اليوم" أيْ: حتّى "أنا اليوم أدْخُلْها فلا أُمْنعْ". واذا كان غاية للسير نصبته. وكذلك ما لم يجب مما يقع عليه "حتّى" نحو {لا أبْرحُ حتّى أبْلُغ مجْمع
الْبحْريْن أوْ أمْض ى حُقُباً}. واما {ولن يُخْل ف اللّه وعْدهُ} فنصب بـ"لنْ" كما نصب بـ"أنْ" وقال [٥٤ب] بعضهم: إنما هي "أنْ" جُع لتْ "لا" كأنه يريد "لا أنْ يُخْل ف اللّه وعْدهُ" فلما كثرت في الكلام حذفت، وهذا قول، وكذلك جميعُ "لنْ" في القرآن. وينبغي لمنْ قال ذلك القول أن يرفع "أزيدٌ لنْ تضْر بُ" لأنّه في معنى "أزيدُ لا ضرْب له". وكذلك ما نصب بـ"إذنْ" تقول: "إذنْ آتيك" تنصب بها كما تنصب بـ"أنْ" وبـ"لنْ" فاذا كان قبلها الفاء أوْ الواو رفعت نحو قول اللّه عز وجل {وإ ذاً لاّ تُمتّعُون إ لاّ قل يلاً}
وقال {فإ ذاً لاّ يُؤْتُون النّاس نق يراً} وقد يكون هذا نصبا أيضاً عنده على اعمال "إذنْ". وزعموا أنّهُ في بعض القراءة منصوب وإنّما رفع لأنّ معتمد الفعل صار على الفاء والواو ولم يحمل على "إذنْ"، فكأنه قال: "فلا يُؤتُون الناس إذاً نق يرا" [و] "ولا تُمتّعُون إذنْ"
وقوله {لّ ئلاّ يعْلم أهْلُ الْك تاب أنْ لا يقْد رُون على شيْءٍ} [و] {وحس بُواْ أنْ لا تكُون ف تْنةٌ} و {أنْ لا يرْج عُ إ ليْه مْ قوْلاً} فارتفع الفعل بعد "أنْ لا" لأنّ ["أنْ"] هذه مثقّلة في المعنى، ولكنها خففت وجعل الاسم فيها مضمرا، والدليل على ذلك أنّ الاسم يحسن فيها والتثقيل. ألا ترى أنّك تقول "أفلا يروْن أنّه لا يرجعُ إليه مْ"، وتقول: "أنّهُمْ لا يقْد رون على شيْء" [و] "أنّهُ لا تكونُ [٥٥ء] فتنة".
وقال {آيتك أنْ لا تُكلّ م الناس} نصب لأن هذا ليس في معنى المثقّل, انما هو {آيتُك أنْ لا تُكلّ م} كما تقول: {آيتُك أنْ تُكلّ م} وأدخلت {لا} للمعنى الذي أريد من النفي. ولو رفعت هذا جاز على معنى آيتك أنك لا تكلم, ولو نصب الآخر جاز على أن تجعلها "أنْ" الخفيفة التي تعمل في الأفعال. ومثل ذلك {إ نّهُ ظنّ أن لّن يحُور}
وقال {تظُنُّ أن يُفْعل ب ها فاق رةٌ}
وقال {إ ن ظنّآ أن يُق يما حُدُود اللّه} وتقول: "عل مْت أنْ لا تُكرّ مُني" و"حس بْتُ أنْ لا تُكْر مُن ي". فهذا مثل ما ذكرت لك. فانما صار "عل مْتُ" و"اسْتيْقنْتُ" ما بعده رفع لأنه واجب. فلما كان واجبا لم يحسن أن يكون بعده "أنْ" التي تعمل في الأفعال، لأن تلك إنما تكون في غير الواجب، الا ترى أنك تقول "أُريدُ أنْ تأْت يني" فلا يكون هذا الا لأمر لم يقع، وارتفع ما بعد الظن وما أشبهه لأنه مشاكل للعلم لأنه يعلم بعض الشيء اذا كان يظنه. وأما "خش يتُ أنْ لا تُكْر مني" فهذا لم يقع. ففي مثل هذا تعمل ان الخفيفة ولو رفعته على أمر قد استقر عندك وعرفته كأنك جريته فكان لا يكرمك فقلت: "خش يتُ أنْ لا تُكْر مُني" أي: خشيتُ أنّك [٥٥ب] لا تُكْر مُني جاز.
وزعم يونس أن ناسا من العرب يفتحون اللام التي في مكان "كيْ"
وانشدوا هذا البيت فزعم انه سمعه مفتوحا: [من الوافر وهو الشاهد الحادي بعد المئة]:
يُؤام رُني ربيعةُ كُلّ يومٍ * لأُهْل كهُ وأقْت ني الدّجاجا
وزعم خلف أنها لغة لبني العنبر وانه سمع رجلا ينشد هذا البيت منهم مفتوحا: [من الطويل وهو الشاهد الثاني بعد المئة]:
فقُلْتُ لكلْب يّيْ قُضاعة إنّما * تخبّرْ تُماني أهْل فلْجٍ لأمْنعا
يريد "م نْ أهل فلْجٍ". وقد سمعت أنا ذلك من العرب، وذلك أن اصل اللام الفتح وانما كسرت في الاضافة ليفرق بينها وبين لام الابتداء. وزعم أبو عبيدة انه سمع لام "لعلّ" مفتوحة في لغة من يجرّبها ما بعدها في قول الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث بعد المئة]:
ل علّ اللّه يُمْك نُن ي عليْها * ج هاراً من زُهيْرٍ أوْ أس يد
يريد "ل علّ عبد اللّه" فهذه اللام مكسورة لأنها لام اضافة. وقد زعم انه قد سمعها مفتوحة فهي مثل لام "كيْ". وقد سمعنا من العرب من يرفع بعد "كيما"
وأنشد: [من الطويل وهو الشاهد الرابع بعد المئة]:
إذا أنْت لم تنْفعْ فضُرّ فإنّما * يُرجّى الفتى كيما يضُرُّ وينْفعُ
فهذا جعل "ما" اسما وجعل "يضرُّ" و"ينْفعُ" من صلته جعله اسما للفعل وأوقع "كيْ" [٥٦ء] عليه وجعل "كيْ" بمنزلة اللام.
وقوله {ألمْ يعْلمُواْ أنّهُ من يُحاد د اللّه ورسُولهُ فأنّ لهُ نار جهنّم}
وقوله {أنّهُ من عم ل م نكُمْ سُوءًا ب جهالةٍ ثُمّ تاب م ن بعْد ه وأصْلح فأنّهُ غفُورٌ رّح يمٌ} فيشبه ان تكون الفاء زائدة كزيادة "ما" ويكون الذي بعد الفاء بدلا من "أن" التي قبلها. وأجوده أن تكسر "إن" وأن تجعل الفاء جواب المجازاة. وزعموا أنه يقولون "أخُوك فوُج د" "بل أخوك فجُه د" يريدون "أخوك وُج د" و"بل أخوك جُه د" فيزيدون الفاء. وقد فسر الحسن {حتّى إ ذا جآءُوها وفُت حتْ أبْوابُها وقال لهُمْ خزنتُها} على حذف الواو.
وقال: "معناها: قال لهُمْ خزنتُها"، فالواو في هذا زائدة.
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس بعد المئة]:
فإذا وذل ك يا كُبيْشةُ لمْ يكُنْ * إلاّ كلمّة حال مٍ ب خيال
وقال: "من الكامل وهو الشاهد السادس بعد المئة]:
فإذا وذلك ليس إلاّ حينُه * واذا مضى شيْءٌ كأنْ لمْ يُفْعل
كأنه زاد الواو وجعل خبره مضمرا, ونحو هذا مما خبره مضمر كثير.
قوله {وإ ذْ أخذْنا م يثاق بن ي إ سْرائ يل لا تعْبُدُون إ لاّ اللّه}.
وقوله {وب الْوال ديْن إ حْساناً} فجعله أمْراً كأنّه يقول: "وإحساناً بالوالدين " أي: "أحْس نُوا إحْسانا".
وقال {وقُولُواْ ل لنّاس حُسْناً} فهو على أحد وجهين إمّا أنْ يكون يراد بـ"الحُسْن " "الحسن" كما تقول: "البُخْل" و"البخل"، وإمّا أنْ يكون جعل "الحُسْن" هو "الحسن" في التشبيه كما تقول: "إنّما أنْت أكلٌ وشُرْبٌ".
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثامن بعد المئة]:
وخيْلٍ قدْ دلفْتٌ لها ب خيْلٍ * تح يّةُ بيْن ه مْ ضرْبٌ وج يعٌ
"دلفْتُ": "قصدْتُ" [٥٧ء] فجعل التحية ضربا. وهذه الكلمة في الكلام ليست بكثيرة وقد جاءت في القرآن.وقد قرأها بعضهم {حسنا} يريد "قولوا لهم حسناً"
وقال بعضهم {قولوا للناس حُسْنى} يؤنثها ولم ينّونها، وهذا لا يكاد يكون لا "الحُسْنى" لا يتكلم بها الا بالالف واللام، كما لا يتلكم بتذكيرها الا بالالف واللام [فـ] لو قلت: "جاءني أحْسنُ وأطْولُ" لم يحْسُن حتّى تقول: "جاءني الأحْسنُ والأطْولُ" فكذلك هذا يقول: "جاءتْن ي الحُسْنى والطُولى". إلاّ أنهم قد جعلوا أ شياء من هذا أسماء نحو "دُنْيا" و "أُوْلى". قال الراجز: [وهو الشاهد التاسع بعد المئة]:
* في سعْي دُنْيا طال ما قدْ مدّت *
ويقولون: "هي خيْرةُ الن ساء " ["هنّ خيْراتُ النّ ساء"] لا يكادون يفردونه وافراده جائز. وفي كتاب اللّه عز وجل {ف يه نّ خيْراتٌ ح سانٌ} وذلك انه لم يرد "أفْعل" وانما اراد تأنيث الخير لأنه لما وصف فقال: "فلانٌ خيْرٌ" أشبه الصفات فأدخل الهاء للمؤنث.
وأما قوله {وإ ذْ أخذْنا م يثاق بن ي إ سْرائ يل} ثم قال {وقُولُواْ ل لنّاس حُسْناً} ثم قال {ثُمّ تولّيْتُمْ مّ ن بعْد ذال ك} فلأنه خاطبهم من بعدما حدث عنهم وذا في الكلام والشعر كثير.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد العاشر بعد المئة]:
أسيئي ب نا أوّ أحْس ن ي لا ملُومةٌ * لديْنا ولا مقْليةٌ إ نْ تقلّب
[٥٨/ ء] وانما يريدون "تقلّيْت ". وقال الآخر: [من الكامل وهوالشاهد الحادي عشر بعد المئة]:
شطّتْ مُزار العاش قين فأصبحتْ * عس راً عليّ ط لابُك ابْنةٌ مخْرم
إنّما أراد "فأصبحت ابنةُ مخرمٍ عسراً على طلابُها". وجاز ان يجعل الكلام كأنه خاطبها لانه حين قال: "شطّتْ مزار العاش قين" كأنه قال: "شططْت مزار العاش قين" لأنه إيّاها يريدُ بهذا الكلام. ومثله مما يخرج من أوله قوله: [من الرجز وهو الشاهد الثاني عشر بعد المئة]:
* إنّ تميماً خُل قتْ ملْمُوما *
فأراد القبيلة بقوله: "خُل قتْ" ثم قال "ملْمُوما" على الحي أو الرجل، ولذلك قال:
* مثل الصّفا لا تشْتك ي الكُلُوما *
ثم قال:
* قوماً ترى واحدهُم ص هْم يما *
فجاء بالجماعة لانه اراد القبيلة او الحي ثم قال:
* لا راح م الناس ولا مُرْحُوما *
و
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثالث عشر بعد المئة]:
أقولُ لهُ والرمحُ يأط رُمتْنهُ * تأمّل خُفافاً إ نّن ي أناذل كا
و "تبيّنْ خْفافاً"، يريد: "أنا هُو". وفي كتاب اللّه عز وجل {حتّى إ ذا كُنتُمْ ف ي الْفُلْك وجريْن ب ه م} فأخبر بلفظ الغائب وقد كان في المخاطبة لان ذلك يدل على المعنى. وقال الأسْود: [من البسيط وهو الشاهد الرابع عشر بعد المئة]:
وجفْنةٍ كإ زاء الحوْضُ مُتْرعةٍ * ترى جوان بها ب الشّحْم مفْتُونا
[٥٨ب] فيكون على انه حمله على المعنى أي: ترى كلّ جانبٍ منها، او جعل صفة الجميع واحدا كنحو ما جاء في الكلام.
وقوله "مأط رُ متْنه" يثنى متنه. وكذلك {الْحمْدُ للّه ربّ الْعالم ين} ثم قال {إ يّاك نعْبُدُ} لان الذي أخبر عنه هو الذي خاطب. قال رؤبة: [من الرجز وهو الشاهد الخامس عشر بعد المئة]:
الحمْدُ للّه الاعزّ الأجْلل * أنْت مل يكُ الناس ربّاً فاقْبل
وقال زهير: [من الوافر وهو الشاهد السادس عشر بعد المئة]:
فإنّي لوْ أُلاق يك أجْتهدْنا * وكان ل كُلّ مُنْكرةٍ ك فاء
فأُبْر ىء مُوضحات الرأس م نْهُ * وقدْ يشْف ى من الجرب اله ناءُ
وقال اللّه تبارك وتعالى {ذُوقُواْ ف تْنتكُمْ هذاالّذ ي كُنتُمْ ب ه تسْتعْج لُون} فذكّر بعد التأنيث كأنه أراد: هذا الامر الذي كنتم به تستعجلون. ومثله {فلماّ رأى الشّمْس باز غةً قال هذاربّ ي هاذآ أكْبرُ فلمّآ أفلتْ} فيكون هذا على: الذي أرى ربّي أي: هذا الشيء ربي. وهذا يشبه قول المفسرين {أُح لّ لكُمْ ليْلة الصّ يام الرّفثُ إ لى ن سآئ كُمْ} قال: إنّما دخلت "إلى" لأن معنى "الرفث" و"الأفْضاء" واحد، فكأنه قال: "الافضاءُ إلى ن سائ كُمْ"، وانما يقال: "رفْث بامرأت ه" ولا يقال: "إلى امرأته" وذا عندي كنحو ما يجوز من "الباء" في مكان "إلى" في [قوله تعالى: { وقدْ أحْسن بي إ ذْ أخْرجن ي م ن السّ جْن } وانما هو "أحسن اليّ" فلم "إلى" ووضع "الباء" مكانها] وفي مكان "على" في قوله [٥٩ء] {فأثابكُمْ غمّاً ب غمٍّ} انما هو "غمّاً على غمٍّ" [
وقوله] {وم نْ أهْل الْك تاب منْ إ ن تأْمنْهُ ب ق نْطارٍ} أي: "على ق نطارٍ" كما تقول: "مررتُ ب ه " و"مررت عليْه " كما
قال الشاعر: - وأخبرني من أثق به أنه سمعه من العرب -: [من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون]:
إذا رض يتْ عليّ بنُو قُشيْرٍ * لعمْرُ اللّه أعْجبن ي ر ضاها
يريد: "عنى". وذا يشبه {وإ ذا خلوْاْ إ لى شياط ين ه مْ} لانك تقول: "خلوْتُ إليْه وصنعنا كذا وكذا" و"خلوْتُ به". وان شئت جعلتها في معنى قوله {منْ أنصار ي إ لى اللّه} أي: "مع اللّه", وكما قال {ونصرْناهُ م ن الْقوْم } أي: "على القوْم "
[
وقوله]* {وإ ذْ أخذْنا م يثاقكُمْ لا تسْف كُون د مآءكُمْ} فرفع هذا لانه كُلّ ما كان من الفعل على "يفْعلُ هو" و"تفْعل أنت" و"أفْعلٌ أنا" و"نفْعلُ نحن" " فهو أبداً مرفوع لا تعمل فيه الا الحروف التي ذكرت لك من حروف النصب او حروف الجزم والامر والنهي [٥٦ب] والمجازاة. وليس شيء من ذلك ها هنا وانما رفع لموقعه في موضع الأسماء. ومعنى هذا الكلام حكاية، كأنه قال: "ا سْتحْلفْناهُم لا يعْبُدون" أي: قُلْنا لهُم: "واللّه لا تُعْبدوْن"، وذلك أنها تقرأ {يعْبُدون} و{تعْبُدون}. قال {وح فْظاً مّ ن كُلّ شيْطانٍ مّار دٍ} {لاّ يسّمّعُون إ لى الْملإ الأعْلى ويُقْذفُون} فإن شئت جعلت "لا يسّمّعُون" مبتدأ وإنْ شئت قلت: هو في معنى "أنْ لا لا يسّمّعُوا" فلما حذفت "أنْ" ا رتفع, كما تقول: "أتيْتُك تُعْط يني وتُحْس نُ إ ليّ وتنْظُرُ في حاجتي" ومثله "مُرْهُ يُعط يني" إنْ شئت جعلته على "فهْو يُعط يني" وإنْ شئت على "أنْ يُعط يني". فلما ألْقيْت "أنْ" ارتفع.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع بعد المئة]:
أ لا أيُّهذا الزاج ر ي احضر الوغي * وأنْ أتْبع اللّذّات هلْ انت مُخْل د ي
فـ"أحْضُر" في معنى" أنْ أُحْضُر".
قال {تظاهرُون عليْه مْ ب الإ ثْم والْعُدْوان } فجعلها من "تتظاهرُون" وأدغم التاء في الظاء وبها نقرأ. وقد قرئت {تظاهرون} مخففة بحذف التاء الآخر ة لأنّها زائدة لغير معنى.
وقال {وإ ن يأتُوكُمْ أسْرى} وقرئت {أُسارى}. وذلك لأن "أسير" "فع يل" وهو يشبه "مر يضاً" لأنّ به عيبا [٥٧ب] كما بالمريض، وهذا "فع يل" مثله. وقد قالوا في جماعة "المريض": "مرْضى" وقالوا {أُسارى} فجعلوها مثل "سكارى" و"كُسالى"، لأنّ جمع "فعْلان" الذي به علة قد يشارك جمع "فع يل" وجمع "فع ل" نحو: "حب طٌ" و"حبْطى" و"حُباطى" و"حب جٌ" و"حبْجى" و"حُباجى". وقد قالوا {أسارى} كما قالوا {سكارى}.
وقال بعضهم {تفْدُوهم} من "تفْد ى" وبعضهم {تُفادُوهم} من "فادى" يُفاد ي" وبها نقرأ وكل ذلك صواب.
وقال {فما جزآءُ من يفْعلُ ذلك م نكُمْ إ لاّ خ زْيٌ},
وقال {ما هذاإ لاّ بشرٌ مّ ثْلُكُمْ} و{ومآ أمْرُنآ إ لاّ واح دةٌ}رفع، لأن كل ما لا تحسن فيه الباء من خبر "ما" فهو رفع، لأن "ما" لا تشبه في ذلك الموضع بالفعل، وانما تشبه بالفعل في الموضع الذي تحسن فيه الباء، لأنها حينئذ تكون في معنى "ليس" لا يشركها معها شيء. وذلك قول اللّه عز وجل {ما هذابشراً}.، وتميم ترفعه، لانه ليس من لغتهم أن يشبهوا "ما" بالفعل.
وقال {ثُمّ أنْتُمْ هؤلاء} وفي موضع آخر {ها أنْتُمْ هؤلاء} كبعض ما ذكرنا وهو كثير في كلام العرب. وردّد* التنبيه توكيدا. وتقول: "ها** أنا هذا" و"ها**" أنْت هذا فتجعل "هدا" للذي يخاطب، وتقول: "هذا أنت". وقد جاء أشد من ذا. قال اللّه عز وجل {مآ إ نّ مفات حهُ لتنُوءُ ب الْعُصْبة أُوْل ي الْقُوّة } والعصبة هي تنوء بالمفاتيح. قال [وهو الشاهد السابع عشر بعد المئة من مجزوء الوافر]:
تنُوءُ ب ها فتُثْق لُها * عج يزتُها......
يريد: "تنوء بعجزيتها، اي: لا تقوم الا جهدا بعد جهد"
قال الشاعر [من البسيط وهو الشاهد الثامن عشر بعد المئة]:
م ثْلُ القناف ذ هدّاجُون قدْ بلغت * نجْران أوْ بلغتْ سوآت ه م هجرُ
[٥٩ب] وهو يريد أن السؤات بلغت هجراً، و "هجرُ" رفعٌ لأنّ القصيدة مرفوعة ومثلُ ذا قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع عشر بعد المئة]:
وتلْحقُ خيْلٌ لا هوادة بينها * وتشْقى الرّ ماحُ بالضياط رةُ الحُمْر
والضياطرةُ هم يشقون بالرماح. و"الضياطرةُ" هم الع ظام وواحد هم "ضيْطار" مثل "بيْطار" ومثل قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد العشرون بعد المئة]:
لقدْ خ فْتُ حتّى ما تزيدُ مخافت ي * على وع لٍ ب ذ ي الفقارة عاق ل
يريد: حتى ما تزيد مخافةُ وع لٍ على مخافتي.
قال {فقل يلاً مّا يُؤْم نُون} وتفسيره: فقليلاً يؤمنون" و"ما" زائدة كما قال {فب ما رحْمةٍ مّ ن اللّه ل نت لهُمْ} يقول: "فب رحْمةٍ م ن اللّه"
وقال {إ نّهُ لحقٌّ مّ ثْل مآ أنّكُمْ تنط قُون} أي: لحقٌّ مثل أنّكُمْ تنْط قُون وزيادة "ما" في القرآن والكلام نحو ذا كثير. قال [من المنسرح وهو الشاهد الحادي والعشرون بعد المئة]:
لوْ بأبانيْن * جاء يخْط بُها * خُضّ ب ما أنْفُ خاط بٍ ب دم
أي: خُضّ ب ب دمٍ أنفُ خاط بٍ.
قال {ولمّا جآءهُمْ ك تابٌ مّ نْ ع ند اللّه مُصدّ قٌ لّ ما معهُمْ وكانُواْ م ن قبْلُ يسْتفْت حُون على الّذ ين كفرُواْ فلمّا جآءهُمْ مّا عرفُواْ كفرُواْ ب ه } فان قيل فأين جواب {ولمّا جآءهُمْ [٦٠ء] ك تابٌ مّ نْ ع ند اللّه مُصدّ قٌ لّ ما معهُمْ} قلت: "جوابه في القرآن كثير، [و] استغني عنه في هذا الموضع اذ عرف معناه. كذلك جميع الكلام إذا طال تجيء فيه أشياء ليس لها أجوبة في ذلك الموضع ويكون المعنى مستغنى به ** نحو قول اللّه عز وجل {ولوْ أنّ قُرْآناً سُيّ رتْ ب ه الْج بالُ أوْ قُطّ عتْ ب ه الأرْضُ أوْ كُلّ م ب ه الْموْتى بل للّه الأمْرُ جم يعاً} فيذكرون [ان] تفسيره: "لوْ سُيّ رتْ الج بالُ بقرآنٍ غير هذا لكان هذا القرآنُ ستُسيّر ب ه الج بالُ" فاستُغْن ي عن اللّفْظ بالجواب إذْ عُر ف المعْنى.
وقال {لا تحْسبنّ الّذ ين يفْرحُون ب مآ أتوْاْ وّيُح بُّون أن يُحْمدُواْ ب ما لمْ يفْعلُواْ فلا تحْسبنّهُمْ ب مفازةٍ مّ ن الْعذاب } ولم يجيء لـ"تحسبنّ" الأول بجواب وتُر ك للاستغناء بما في القرآن من الأجوبة.
وقال {ولا يحْسبنّ الّذ ين يبْخلُون ب مآ آتاهُمُ اللّه م ن فضْل ه هُو خيْراً لّهُمْ} معناه "لا يحسبُنّهُ خيْراً لهُمْ" وحذف ذلك الكلام وكان فيما بقي دليل على المعنى. ومثله {وإ ذا ق يل لهُمُ اتّقُواْ ما بيْن أيْد يكُمْ وما خلْفكُمْ لعلّكُمْ تُرْحمُون} ثم قال {وما تأْت يه م مّ نْ آيةٍ} من قبل أن يجيء بقوله "فعلُوا كذا وكذا" لان ذلك في القرآن كثير، استغني به. وكان في قوله {وما تأْت يه م مّ نْ آيةٍ مّ نْ آيات ربّ ه مْ إ لاّ كانُواْ عنْها مُعْر ض ين} دليل على أنّهُمْ أعرضُوا فاستغني بهذا [٦٠ب] وكذلك جميع ما جاز
فيه نحو هذا.
وقال {فإ ذا جآء وعْدُ الآخ رة ل يسُوءُواْ وُجُوهكُمْ ول يدْخُلُواْ الْمسْج د كما دخلُوهُ أوّل مرّةٍ ول يُتبّ رُواْ ما علوْاْ تتْب يراً}
وقال {ل يُتبرّ واْ} على معنى: "خلّيْناهُمْ وإيّاكُمْ لمْ نمْنعْكُمْ م نْهُم ب ذُنُوب كُم".
وقال {ل يسُوءُواْ وُجُوهكُمْ} ولم يذكر أنه خلاهم واياهم على وجه الترك في حال الابتلاء بما أسْلفوا ثم لم يمنعهم من أعدائهم أن يسلطوا عليهم بظلمهم.
وقال {ولوْ ترى إ ذ الظّال مُون ف ي غمرات الْموْت } فليس لهذا جواب.
وقال {ولوْ يرى الّذ ين ظلمُواْ إ ذْ يروْن الْعذاب} فجواب هذا انما هو في المعنى، وهذا كثير. وسنفسر كل ما مررنا به إن شاء اللّه. وزعموا ان هذا البيت ليس له جواب: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المئة]:
ودوّ يّةٍ قفْرٍ تمشّى نعامُها * كمشْي النّصارى في خ فاف الأرنْدج
يريد: "ورُبّ دوّ يّةٍ" ثم لم يأت له بجواب.
وقال: [من البسيط وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المئة]:
حتى إذا أسْلكُوهُ في قُتائ دةٍ * شلاًّ كما تطْرُدُ الجمالةُ الشرُدُا
فهذا ليس له جواب الا في المعنى. وزعم بعضُهم أنّ هذا البيت: [من الكامل وهو الشاهد الخامس بعد المئة]:
فإذا وذل ك يا كُبيْشةُ لمْ يكنْ * إلاّ كلمّة حال مٍ ب خ يال
قالوا: الواو فيه ليست بزائدة ولكن الخبر مضمر.
قال {ب ئْسما اشْتروْاْ ب ه أنْفُسهُمْ أن يكْفُرُواْ ب مآ أنزل اللّه بغْياً أن يُنزّ لُ اللّه م ن فضْل ه }[٦١ء] فـ{ما} وحدها اسم، و{أن يكْفُرُواْ} تفسير له نحو: "ن عْم رجُلاً زيْدٌ" و {أنْ يُنزّ ل}بدلٌ من {ب مآ أنزل اللّه}.
قال {وهُو الْحقُّ مُصدّ قاً لّ ما معهُمْ قُلْ فل م تقْتُلُون أنْب يآء اللّه} فنصب {مُصدّ قاً} لأنه خبر معرفة. و{تقْتُلُون} في معنى "قتلْتُم". كما
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الرابع والعشرون بعد المئة]:
ولقدْ أمرُّ على اللّئ يم يسُبُّني * فمضيْتُ ثُمّت قُلتُ لا يعْن يني
يريد: "لقد مررْتُ" بقوله "أمُرُّ".
قوله {وما هُو ب مُزحْز ح ه م ن الْعذاب أن يُعمّر} فهو نحو "ما زيْدٌ ب مُزحْز ح ه أنْ يُعمّر" و"ما زيْدٌ ب ضارّ ه أنْ يقُوم" [فـ"أنْ يُعمّر"] في موضع رفع وقد حسنت الباء كما تقول: "ما عبدُ اللّه بملاز م ه زيْدٌ".
قوله {من كان عدُوّاً لّ ج بْر يل} ومن العرب من يقول {ل ج برئ يل} فيهمزون ولا يهمزون، وكذلك {إسرائيل} منهم من يهمز ومنهم من لا يهمز، ويقولون {م يكائ يل} فيهمزون ولا يهمزون ويقولون {م يكال} كما قالوا {ج بْر يل}.
وقال بعضهم {جبرعل} ولا أعلم [وجهه] الا أني قد سم عت {إ سرائ ل}
وقال بعضهم {إسْر ييل } فأمال الراء. قال أبو الحسن: "في" "جبريل" "ست لغات: جبْراييل وجبْرئيل وجبْرئ لْ جبْراعيل جبْرع يل جبرعل وجبْريل وج بريل فعليل ف عليل وجبْرائ ل. جبراعل.
قال {من كان عدُوّاً للّه وملائ كت ه ورُسُل ه وج بْر يل وم يكال فإ نّ اللّه عدُوٌّ لّ لْكاف ر ين} فأظهر [٦١ب] الاسم وقد ذكره في أوّل الكلام.
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد المئة]:
ليت الغُراب غداة ينْعبُ دائ باً * كان الغُرابُ مُقطّع الأوْداج
قال {أوكُلّما عاهدُواْ عهْداً} فهذه واو تجعل مع حرف الاستفهام وهي مثل الفاء التي في قوله {أفكُلّما جآءكُمْ رسُولٌ ب ما لا تهْوى أنْفُسُكُمْ} فهذا في القرآن والكلام كثير، وهما زائدتان في هذا الوجه. وهي مثل الفاء التي في قولك: "أفا اللّه لتصْنعنّ كذا وكذا" وقولك للرجل: "أفلا تقُوم". وان شئت جعلت الفاء والواو ها هنا حرف عطف.
قوله {ومآ أُنْز ل على الْملكيْن ب باب ل هارُوت ومارُوت} معطوفان على {الْملكيْن }، او بدل منهما، ولكنهما أعجميان فلا ينصرفان وموضعهما جر. و{ بابل} لم ينصرف لتأنيثه، وذلك أن اسم كل مؤنث على حرفين أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن فهو ينصرف، وما كان سوى ذلك من المؤنث فهو لا ينصرف ما دام اسما للمؤنث.
وقال {حتّى يقُولا إ نّما نحْنُ ف تْنةٌ فلا تكْفُرْ فيتعلّمُون م نْهُما} فليس قوله {فيتعلّمُون} جوابا لقوله {فلا تكْفُرْ}، إنما هو مبتدأ ثم عطف عليه فقال {ويتعلّمُون ما يضُرُّهُمْ ولا ينفعُهُمْ}.
وقال {يُفرّ قُون ب ه بيْن الْمرْء وزوْج ه } لأنّ كلّ واحدٍ منهما زوج، فالمرأة زوج والرجل زوج. قال {وخلق [٦٢ء] م نْها زوْجها}
وقال {م ن كُلٍّ زوْجيْن اثْنيْن }. وقد يقال أيضاً "هُما زوْجٌ" للاثنين كما تقول: "هُما سواءٌ" و: "هُما س يّان ". [والزوْج أيضاً: النمطُ يُطْرحُ على الهوْدج].
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المئة]:
م نْ كُلّ محْفُوفٍ يظُلُّ غ صيّةُ * زوْجٌ عليه ك لّةٌ وق رامُها
وقد قالوا: "الزوْجة".
قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المئة]:
زوْجةُ أشْمط مرْهُوبٍ بواد رُهُ * قدْ صار في رأْس ه التخْويصُ والنزعُ
وقال {ولقدْ عل مُواْ لمن اشْتراهُ ما لهُ ف ي الآخ رة م نْ خلاقٍ} فهذه لامُ الابتداء تدخل بعد العلم وما أشبهه ويبتدأ بعدها، تقول: "لقدْ علمت لزيدٌ خيرٌ منك" قال {لّمن تب عك م نْهُمْ لأمْلأنّ جهنّم }
وقال {ليُوسُفُ وأخُوهُ أحبُّ إ لى أب ينا م نّا}.
وقال* {ولقدْ عل مُواْ لمن اشْتراهُ} ثم قال {لوْ كانُواْ يعْلمُون} يعني بالأولين الشياطين لأنهم قد علموا {ولّوْ كانُواْ يعْلمُون} يعني الانس. وكان في قوله {لمثُوبةٌ} دليل على "أُث يبُوا" فاستغني به عن الجواب [٦٢ب].
قال {ولوْ أنّهُمْ آمنُواْ واتّقوْا لمثُوبةٌ مّ نْ ع ند اللّه خيْرٌ} فليس لقوله {ولوْ أنّهُمْ آمنُواْ واتّقوْا} جواب في اللفظ ولكنه في المعنى يريد لأُث يبُوا" فقوله {لمثوبةٌ} يدل على "لأُث يبُوا" فاستُغْن ي به عن الجواب.
وقوله {لمثُوبةٌ} هذه اللام للابتداء كما فسرت لك.
قال {مّا يودُّ الّذ ين كفرُواْ م نْ أهْل الْك تاب ولا الْمُشْر ك ين} أي: "ولا م ن المُشْر ك ين" لا يودُّون {أن يُنزّل عليْكُمْ}.
قال {ما ننسخْ م نْ آيةٍ أوْ نُنس ها نأْت ب خيْرٍ مّ نْها أوْ م ثْل ها}
وقال بعضهم {ننْسأْها} أي نُؤخّ رْها، وهو مثل {إ نّما النّس يءُ ز يادةٌ ف ي الْكُفْر }لأنّهُ تأخير. [و] "النس يئةُ" و"النس يءُ" أصْلُهُ واحدٌ من "أنسأت"* إلاّ أنّك تقول: "أنْسأتُ الشيْء" أي: أخّرْتُه ومصدره: النس يءُ. و: "أنْسأْتُك الديْن" أي: جعلتك تؤخّ ره. كأنه قال: "أنْسأْتُك" فـ"نسأْتُ" و "النس يء" أنّهم كانوا يدخلون الشهر في الشهر.
وقال بعضهم {أوْ ننْسها} كل ذلك صواب. وجزمه بالمجازاة. والنسيءُ في الشهر: التأخير.
قال {أمْ تُر يدُون أن تسْألُواْ رسُولكُمْ كما سُئ ل مُوسى م ن قبْلُ} ومن خفف قال {سُي ل}
فان قيل: كيف جعلتها بين بين وهي تكون بين الياء الساكنة وبين الهمزة. والياء الساكنة لا تكون بعد ضمة، والسين مضمومة؟" قلت: "أمّا في "فُع ل" فقد تكون الياء الساكنة بعد الضمة لانهم قد قالوا "قُيْل" و"بُيْع" وقد تكون الياء في بعض "فُع ل" واوا خالصة لانضمام ما قبلها وهي معه في حرف واحد كما تقول: "لم توْطُؤ الدابّةُ" وكما تقول: "قدْ رُؤ س فلان".
قال {لن يدْخُل الْجنّة إ لاّ من [٣٦ء] كان هُوداً أوْ نصارى} فزعموا أن "الهُود": جماعة "الهائ د"*. و"الهائد"*: التائ ب الراجع الى الحق. وقال في مكان آخر {وقالُواْ كُونُواْ هُوداً} أي: كونوا راجعين الى الحق، [ويقال] "هائ د" و"هُوّد" مثل "ناق ه" [و "نُقّه"، و] "عائ دْ" و"عُوّد"، و"حائ ل" و"حُوّل"، و"باز ل" و"بُزّل". وجعل {من كان} واحدا لأنّ لفظ {منْ} واحدٌ وجمع في قوله {هُوداً أوْ نصارى}. وفي هذا الوجه تقول: "منْ كان صاحبك".
قال {ومنْ أظْلمُ م مّنْ مّنع مساج د اللّه أن يُذْكر ف يها اسْمُهُ} انما هو "م نْ أنْ يُذْكرُ فيها اسمه" ولكن حروف الجرّ تحذف مع "أنْ" كثيراً ويعمل ما قبلها فيها حتى تكون في موضع نصب، أو تكون {أن يُذْكر} بدلا من "المساج د" يريدون: "منْ أظْلمُ م مّنْ منع أنْ يُذْكر.
وقال {وسعى ف ي خراب هآ} فهذا على "منع" و"سعى"* ثم قال {أُوْلائ ك ما كان لهُمْ أن يدْخُلُوهآ إ لاّ خآئ ف ين} فجعله جميعاً لأنّ {منْ} تكونُ في معنى الجماعة.
قال {فأيْنما تُولُّواْ فثمّ وجْهُ اللّه} لأنّ {أيْنما} من حروف الجزم من المجازاة والجواب في الفاء.
قال {وإ ذا قضى أمْراً فإ نّما يقُولُ لهُ كُنْ فيكُونُ} فرفعه على العطف كأنه انما يريد أن يقول: "إنّما يقُولُ كُنْ فيكونُ" وقد يكون ايضاً رفعه على الابتداء.
وقال {إ ذآ أردْناهُ أن نّقُول لهُ كُنْ فيكُونُ} فان جعلت {يكُون} ها هنا معطوفةً. [٦٣ب] نصبت لأنّ {أنْ نقُول} نصب بـ"أنْ" كأنه يريدُ: {أنْ نقُول} {فيكون}. فان قال: "كيف والفاء ليست في هذا المعنى؟ فان الفاء والواو قد تعطفان على ما قبلهما وما بعدهما، وان لم يكن في معناه نحو "ما أنت وزيداً"، وانما يريد "لم تضرب زيداً" وترفعه على "ما أنت وما زيد" وليس ذلك معناه. ومثل قولك: "إيّاك والأسد". والرفع في قوله {فيكُونُ} على الابتداء نحو قوله {لّ نُبيّ ن لكُمْ ونُق رُّ ف ي الأرْحام ما نشآءُ}
وقال {ل يُض لّ عن سب يل اللّه ب غيْر ع لْمٍ ويتّخ ذها هُزُواً}. وقد يكون النصب في قوله {ويتّخذها} وفي {نُق رّ في الأرْحام } أيضاً على أوّل الكلام.
قال الشاعر فرفع على الابتداء: [من الوافر وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المئة]:
يُعال جُ عاق راً أعْيتْ عليْه * ل يلْق حها فينْت جُها حُوارا
و
قال الشاعر أيضاً: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المئة]:
وما هُو إلاّ أنّ أراها فُجاءةً * فأبْهتُ حتّى ما أكادُ أُج يبُ
والنصب في قوله {فأبْهتُ} على العطف والرفع على الابتداء.
قال {إ نّا أرْسلْناك ب الْحقّ بش يراً ونذ يراً ولا تُسْألُ عنْ أصْحاب الْجح يم } وقد قرئت {ولا تسْألُ} وكلّ هذا رفعٌ لأنه ليس بنهيٍ وإنّما هو حال كأنه قال "ارْسلناك بشيراً ونذيراً وغير سائ لٍ أو غير مسؤْول" وقد قرئتا جزما جميعا [٦٤ء] على النهي.
قال {يتْلُونهُ حقّ ت لاوت ه } كما يقولون: "هذا حقٌّ عالمٍ" وهو مثل "هذّا عال مٌ كُلُّ عال مٍ".
قال {وإ ذ ابْتلى إ بْراه يم ربُّهُ ب كل ماتٍ} أي: اختبره. و{إ بْراه يم} هو المبتلي فلذلك انتصب.
وقال {لا ينالُ عهْد ي الظّال م ين} لأنّ العهْد هو الذي لا ينالُهُم،
وقال بعضهم {لا ينالُ عهدي الظال مُون} والكتاب بالياء. وانما قالوا {الظالمون} لانهم جعلوهُم الذين لا ينالون.
قال {وإ ذْ جعلْنا الْبيْت مثابةً لّ لنّاس وأمْناً} على {اذْكُرُواْ ن عْمت ي الّت ي أنْعمْتُ عليْكُمْ}[١٢٢] {وإ ذْ جعلْنا الْبيْت مثابةً لّ لنّاس } وأُلْح قتْ الهاءُ في "المثابة" لما كُثُر منْ يثُوب اليه كما تقول: "نسّابة" و"سيّارة" ل منْ يكثُر ذلك منه.
وقال {واتّخ ذُواْ م ن مّقام إ بْراه يم مُصلًّى} يُريدُ {واتّخذُوا} كأنّهُ يقولُ "واذْكُروا ن عْمتي وإذْ اتّخذُوا مُصلى من مقام إبراهيم" و{اتخّذُوا} بالكسر وبها نقرأ لأنّها تدلّ على الغرْض.
وقال {والرُّكّع السُّجُود } فـ{السُّجُود } جماعة "السّاجد" كما تقول: "قوْمٌ قُعُودٌ" و"جُلوسٌ".
قال {وارْزُقْ أهْلهُ م ن الثّمرات منْ آمن م نْهُمْ} فـ{منْ آمن} بدل على التبيان كما تقول: "أخذْتُ المال ن صْفهُ" و"رأيتُ القوم ناساً م نْهُم". ومثل ذلك {يسْئلُونك عن الشّهْر الْحرام ق تالٍ ف يه } يريد: عنْ ق تالٍ فيه. وجعله بدلا. ومثله [٦٤ب] {وللّه على النّاس ح جُّ الْبيْت من اسْتطاع إ ليْه سب يلاً} ومثله {قال الْملأُ الّذ ين اسْتكْبرُواْ م ن قوْم ه ل لّذ ين اسْتُضْع فُواْ ل منْ آمن م نْهُمْ} شبيه هذا ايضاً إلاّ أنه قدر فيه حرف الجرّ.
وقال {ومن كفر فأُمتّ عُهُ قل يلاً} على الامر {ثُمّ أضْطرُّهُ} فجزم {فأمْت عْهُ} على الأمر وجعل الفاء جواب المجازاة.
وقال بعضهم {فأُمتّ عُهُ} وبها نقرأ رفع على الخبر وجواب المجازاة الفاء.
قال {وإ ذْ يرْفعُ إ بْراه يمُ الْقواع د م ن الْبيْت وإ سْماع يلُ ربّنا تقبّلْ م نّآ} أي كان إسْماع يلُ الذي قال: {ربّنا تقبّلْ م نّآ}.
قال {وأر نا مناس كنا}
وقال بعضهم {وأرْنا} أسكنْ الراء كما تقول "قدْ علْم ذلك " وبالكسر نقرأ. وواحد "المناس ك": "منْس ك" مثل "مسْج د" ويقال ايضا: "منْسك".
قال {إ لاّ من سف ه نفْسهُ} فزعم أهل التأويل انه في معنى: "سفّه نفسه" وقال يونس: "أُراها لُغة". ويجوز في هذا القول: "س ف هْتُ زيْداً"، وهو يشبه "غ بن رأيه" و"خس ر نفْسه" الا ان هذا كثير، ولهذا معنى ليس لذاك. تقول: "غ بن في رأي ه " و"خس ر في أهْل ه " و"خس ر في بيع ه". وقد جاء لهذا نظير، قال: "ضُر ب عبدُ اللّه الظهر والبطْن" ومعناه: على الظهر والبطن" كما قالوا: "دخلْتُ البيت" وإنما هو "دخلْتُ في البيت ".
وقوله: "توجّه مكّة [٦٥ء] والكُوفة" وانما هو: إلى مكّة والكُوفة . ومما يشبه هذا قول الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون]:
نُغال ي اللّحْم ل لأضْياف ن يْئاً * ونبْذُلُهُ إذا نض ج القُدورُ
يريد: نُغالى باللحم. ومثل هذا {وإ نْ أردتُّمْ أن تسْترْض عُواْ أوْلادكُمْ} يقول: "لأوْلاد كمُ" [و] {ولا تعْز مُواْ عُقْدة النّ كاح } أي: على عُقْدة الن كاح . وأحسن [من] ذلك أن تقول: "إنّ سف ه نفْسهُ" جرت مجرى "سفُه" إذْ كان الفعل غير متعد، وانما عداه الى "نفْس ه" و"رأي ه " وأشباهُ ذا م مّا هو في المعنى نحو "سف ه" اذا لم يتعد. واما "غب ن" و"خس ر" فقد يتعدى* الى غيره تقول: "غب ن خمْسين" و"خس ر خمْس ين".
قال {ووصّى ب هآ إ بْراه يمُ بن يه ويعْقُوبُ يابن يّ} فهو - و اللّه اعلم - "وقال يعقوبُ يا بن يّ" لانه حين قال {ووصّى ب هآ} قد أخبر انه قال لهم شيئا فأجرى الاخير على معنى الأول وان شئت قلت {ويعْقُوبُ} معطوف كأنك قلت: "ووصّى بها ابراهيمُ بنيه ويعقوبُ" ثم فسر ما قال يعقوبُ، قال: "يا بني".
قال {أمْ كُنتُمْ شُهدآء} استفهام مستأنف.
وقال {إ ذْ حضر يعْقُوب الْموْتُ إ ذْ قال ل بن يه } فأبْدل "إذْ" الاخرة من الأولى.
وقال {الهك واله آبائ ك إ بْراه يم وإ سْماع يل وإ سْحاق} على البدل وهو في موضع جر إلا أنها [٦٥ب] أعجمية فلا تنصرف.
وقوله {الهاً واح داً} على الحال.
قال {ت لْك أُمّةٌ قدْ خلتْ لها ما كسبتْ} يقول: "قدْ مضتْ" ثم استأنف فقال: {لها ما كسبتْ}.
قال {بلْ م لّة إ بْراه يم} بالنصب.
قال {ص بْغة اللّه} بالنصب. لانهم حين قالوا* لهم {كُونُواْ هُوداً}[١٣٥] كأنه قيل لهم: "اتّخ ذُوا ه ذ ه الم لّة" فقالوا: "لا {بلْ م لّة إ بْراه يم} أي: نتّب عُ م لّة إبْراهيم، ثم أبدل "الصّ بْغة" من "الم لّة" فقال {ص بْغة اللّه} بالنصب. او يكون أراد: "كونوا أصحاب م لّةٍ" ثم حذف "أصْحاب" كما قال: {ولكنّ الْب رّ منْ آمن ب اللّه} يريد: "ب رّ منْ آمن باللّه". والصّ بْغةُ: هي الدين.
قال {أتُحآجُّونّا} مثقلة لأنهما حرفان مثلان فأدغم أحدهما في الآخر، واحتمل الساكن قبلهما اذ كان من حروف اللين، وحروف اللين الياء والواو والالف اذا كن سواكن.
وقال بعضهم {أتُحاجُّوننا} فلم يدغم ولكن أخفى فجعل حركة الأولى خفيفة وهي متحركة في الوزن، وهي في لغة الذين يقولون: "هذ ه م ئةُ دّ رْهمٍ" يشمون شيئاً من الرفع ولا يبينون وذلك الاخفاء. وقد قرىء هذا الحرف على ذلك {ما لك لا تأْمنّا على يُوسُف} بين الادغام والاظهار. ومثل ذلك {إ نّ ي ليحْزُنُن ي أن تذْهبُواْ ب ه } وأشباه هذا كثير وادغامه أحسن [٦٦ء] حتى يسكن الأول.
قال {أمْ يقُولُون إ نّ إ بْراه يم} قال بعضهم {أمْ تقُولُون} على {قُلْ أتُحاجّوننا} و{أمْ تقُولُون}. ومن قال {أمْ يقُولُون} جعله استفهاما مستأنفا كما تقول: "إنّها لإ ب لٌ" ثم تقول: "أمْ شاءٌ".
قال {وإ ن كانتْ لكب يرةً} يعني "الق بْلة" ولذلك أنث.
قال {ولئ نْ أتيْت الّذ ين أُوتُواْ الْك تاب ب كُلّ آيةٍ مّا تب عُواْ ق بْلتك} لأنْ معنى قوله {ولئ نْ أتيْت}. ولو أتيْت. الا ترى أنك تقول: "لئ نْ ج ئْتن ي ما ضربْتُك" على معنى "لوْ" كما قال {ولئ نْ أرْسلْنا ر يحاً فرأوْهُ مُصْفرّاً لّظلُّواْ} يقول: "ولو أرْسلْنا ر يحاً" لان معنى "لئ نْ" مثل معنى "لوْ" لأنّ "لوْ" لم تقع وكذلك "لئ نْ" كذا يفسره المفسرون. وهو في الاعراب على أنّ آخرهُ معتمد لليمين كأنه قال "و اللّه ما تب عُوا" أي: ما هم بمتّب عين.
قال {الْحقُّ م ن رّبّ ك} على ضمير الاسم ولكن استُغْن ي عنه لما ذكره كأنه قال. "هُو الحقُّ م نْ ربّ ك".
قال {ول كُلٍّ و جْهةٌ هُو مُولّ يها} على: "ول كل أمّةٍ وُجْهةٌ" وقد قال قوم {ول كُلّ وُجْهةٍ} فلم ينونوا "كلّ". وهذا لا يكون لانك لا تقول: "ل كُلّ رجُلٍ هُو ضار بُه". ولكن تقول: ل كُلّ رجُلٍ ضار بٌ" فلو كان "هُو مُولٍّ" كان كلاما. فأما "مُولّ يها" على وجه ما قرأ فليس بجائز.
O٠
[٦٦ب]
وقال {ل ئلاّ يكُون ل لنّاس عليْكُمْ حُجّةٌ إ لاّ الّذ ين ظلمُواْ} فهذا معنى "لكنّ". وزعم يونس انه سمع اعرابياً فصيحا يقول: "ما أشْتك ي شيْئاً إلاّ خيْراً" وذلك أنه قيل له: "كيْف تج دُك". وتكون "إلاّ" بمنزلة الواو نحو قول الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثلاثون بعد المئة]:
وأرى لها داراً بأغْد رة السـ * ـي دان لم يدْرُسْ لها رسْمُ
إلاّ رماداً هام داً دفعتْ * عنْهُ الرياح خوال دٌ سُحْمُ
أراد: أرى لها داراً ورماداً. وقال بعضُ أهْل الع لم ان الذين ظلموا ها هنا هم ناس من العرب كانوا يهوداً أو نصارى، فكانوا يحتجون على النبي صلى اللّه عليه، فاما سائر العرب فلم يكن لهم حجة وكانت حجة من يحتج منكسرة. الا انك تقول لمن تنكسر حجته "ان لك علي الحجة ولكنها منكسرة وانك تحتج بلا حجة وحجتك ضعيفة".
وقال {ولأُت مّ ن عْمت ي عليْكُمْ} يقول: "لأنْ لا يكُون للناس عليْكُمْ حُجة ولأُت مّ ن عْمتي عليكُم" عطف على الكلام الأول.
قوله {كمآ أرْسلْنا ف يكُمْ رسُولاً مّ نْكُمْ يتْلُواْ عليْكُمْ آيات نا ويُزكّ يكُمْ ويُعلّ مُكُمُ الْك تاب والْح كْمة} {فاذْكُرُون ي أذْكُرْكُمْ}[١٥٢] اي كما فعلت هذا فاذكروني.
قال {ولا تقُولُواْ ل منْ يُقْتلُ ف ي سبيل اللّه [٦٧ء] أمْواتٌ} على: ولا تقُولُوا هُمْ أمواتٌ.
وقال {ولا تحْسبنّ الّذ ين قُت لُواْ ف ي سب يل اللّه أمْواتاً} نصب على "تحْسبُ"، ثم قال {ب لْ أحْياءٌ} أي: بلْ هُمْ أحياءٌ. ولا يكون أن تجعله على الفعل؛ لأنهُ لو قال: "بلْ احْسبُوهم أحياء" كان قد أمرهم بالشك.
قال {فلا جُناح عليْه أن يطّوّف ب ه ما} "إطّوّف" "يطّوّفُ"؛ وهي من "تطوّف". فأدغم التاء في الطاء، فلما سكنت جعل قبلها الفا حتى يقدر على الابتداء بها. وانما قال {لا جُناح عليْه } لان ذلك كان مكروها في الجاهلية في الجاهلية فأخبر أنه ليس بمكروه عنده.
قال {أُولئ ك عليْه مْ لعْنةُ اللّه والْملائ كة والنّاس أجْمع ين} لانه اضاف اللعنة ثم قال {خال د ين ف يها}[١٦٢]نصب على الحال.
قال {ولوْ ترى الّذ ين ظلمُواْ إ ذْ يروْن الْعذاب إ نّ الْقُوّة للّه جم يعاً} فـ"إنّ" مكسورة على الابتداء اذْ قال {ولوْ ترى}.
وقال بعضهم {ولو يرى الذين ظلموا اذْ يروْن العذاب أن القوة للّه جميعاً} يقول: "ولوْ يروْن أنّ القُوّة للّه" أي: "لوْ يعْلمون" لانهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب، وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم. فاذا قال {ولوْ ترى} فانما يخاطب النبي صلى اللّه عله وسلم ولو كسر "إنّ" اذْا قال {ولوْ يرى الذين ظلمُوا} على الابتداء جاز لو يرى أو يعلم. وقد تكون في معنى لا يحتاج معها الى شيء تقول [٦٧ب] للرجل: "أما واللّه لوْ تعْلم" و"لوْ يعْلم"
قال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المئة]:
إنْ يكُنْ ط بّك الدّلالُ فلوْف ي * سال ف الدّهْر والسنين الخوال ي
فهذا ليس له جواب إلاّ في المعنى.
وقال: [من الخفيف وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المئة]:
فب حظٍّ م ما تعيشُ ولا تذْ * هبْ ب ك التُّرهاتُ في الأهْوال
فأضمر "فعيشي".
وقال بعضهم {ولوْ ترى} وفتح {أنّ} على {ترى} وليس ذلك لان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لم يعلم، ولكن أراد [أن] يُعْل م ذلك الناس كما قال {أمْ يقُولُون افْتراهُ} ليخبر الناس عن جهلهم وكما قال {ألمْ تعْلمْ أنّ اللّه لهُ مُلْكُ السّماوات والأرْض }.
قال {إ نّما حرّم عليْكُمُ الْميْتة} وانما هي "الميّ تةُ" خففت وكذلك قوله {بلْدةً ميْتاً} يريد به "ميّتا" ولكن يخففون الياء كما يقولون في "هيّن" و"ليّن": هيْن" و "ليْن" خفيفة.
قال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الثالث والثلاثون بعد المئة]:
ليْس منْ مات فاستراح ب ميْتٍ * إنّما الميْتُ ميّ تُ الأحْياء
فثقل وخفف في معنى واحد. فاما "الميتة" فهي الموت.
قال {فمآ أصْبرهُمْ على النّار } فزعم بعضهم أنه تعجب منهم كما قال {قُت ل الإ نسانُ مآ أكْفرهُ} تعجبا من كفره.
وقال بعضهم {فمآ أصْبرهُمْ} أي: ما أصْبرهُم، و: ما الذي أصْبرهم.
قال [٦٨ء] {ذل ك ب أنّ اللّه نزّل الْك تاب ب الْحقّ } فالخبر مضمر كأنه يقول: "ذلك معلوم لهم بأن اللّه نزل الكتاب" لأنه قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك قد قيل لهم فالكتاب حق.
قال {ولكنّ الْب رّ منْ آمن ب اللّه والْيوْم الآخ ر والْملائ كة والْك تاب والنّب يّ ين} ثم قال {وآتى الْمال على حُبّ ه } {وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة} فهو على أول الكلام "ولكنّ البرّ برُّ منْ آمن باللّه وأقام الصلاة وآتى الزكاة" ثم قال {والْمُوفُون ب عهْد ه مْ إ ذا عاهدُواْ والصّاب ر ين} فـ"{المُوفُون} رفع على "ولكنّ الموفين"* يريد "ب رّ الموفين" فلما لم يذكر "البرّ" أقام {الموفون} مقام البرّ كما قال {وسْئل الْقرْية} فنصبها على {اسأل} وهو يريد "أهل القرية"، ثم نصب {الصّاب ر ين} على فعل مضمر كما قال {لّاك ن الرّاس خُون ف ي الْع لْم م نْهُمْ والْمُؤْم نُون} ثم قال {والْمُق يم ين} فنصب على فعل مضمر ثم قال {والْمُؤْتُون الزّكاة} فيكون رفعا على الابتداء أو بعطفه على "الراسخين".
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والستون]:
لا يبْعُدنْ قوْم ي الذين هُمُ * سُمُّ العُداة وآفةُ الجزْر
الناز لين ب كُلّ مُعْتركٍ * والطّيّ بُون معاقد الأُزْر
ومنهم من يقول "النازلون" و"الطيبين". ومنهم من يرفعهما جميعا وينصبهما جميعا [٦٨ب] كما فسرت لك. ويكون {الصّاب ر ين} معطوفا على ذو ي الْقُرْبى} {وآتى الصّاب ر ين}.
وقال {ف ي الْبأْسآء والضّرّاء } فبناه على "فعْلاء" وليس له "أفْعلُ" لانه اسم، كما قد جاء "أفْعل" في الأسماء ليس معه "فعْلاء" نحو "أحْمدُ". وقد قالوا "أفْعلُ" في الصفة ولم يجىء له "فعْلاءُ"، قالوا: "أنْت م نْ ذاك أوْجلُ" و"أوْجرُ" ولم يقولوا: "وجْلاءُ" ولا "وجْراءُ" وهما من الخوف. و [منه] "رجلٌ أوْجلُ" و"أوْجرُ".
قال {فاتّ باعٌ ب الْمعْرُوف وأدآءٌ إ ليْه ب إ حْسانٍ} أي: "فعليه اتباعٌ بالمعروف أوْ أداءٌ إليْه بإحْسان" على الذي يُطْلبُ.
قال {إ ن ترك خيْراً الْوص يّةُ ل لْوال ديْن والأقْرب ين} فـ{الْوص يّةُ} على الاستئناف، كأنه - و اللّه أعلم - {إ ن ترك خيْراً} فالوصية {ل لْوال ديْن والأقْرب ين ب الْمعْرُوف حقّاً}.
قال {كُت ب عليْكُمُ الصّ يامُ كما كُت ب على الّذ ين م ن قبْل كُمْ}.
ثم قال {أيّاماً} أيْ: كُت ب الصّ يامُ أياماً. لأنّك شغلْت الفعل بالصيام حتى صار هو يقوم مقام الفاعل، وصارت الأيّامُ كأنك قد ذكرْت منْ فعل ب ها.
وقال {فمن كان م نكُم مّر يضاً أوْ على سفرٍ فع دّةٌ مّ نْ أيّامٍ أُخر} يقول "فعليْه ع دّةٌ" رفع، وإنْ ش ئْت نصبْت "الع دّة" على "فلْيصُمْ ع دّةً" إلاّ أنّهُ لمْ يُقرأ.
وقال {وعلى الّذ ين يُط يقُونهُ ف دْيةٌ طعامُ م سْك ينٍ} وقد قرئت {ف دْيةُ طعام م سكين} وهذا ليس بالجيد، انما الطعام تفسير للفدية، وليست الفدية بمضافة الى الطعام.
وقوله {يُط يقُونهُ} يعني الصيام.
وقال بعضهم {يُطوّقُونه} أي يتكلّفون الصيام. ومن قال {مساك ين} فهو يعني جماعة الشهر لان لكل يوم مسكينا. ومن قال {م سْكين} فانما أخبر ما يلزمه في ترك اليوم الواحد.
وقال {وأن تصُومُواْ خيْرٌ لّكُمْ} لان "أن" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة الاسم كأنه قال: "والصيامُ خيْرٌ لكم".
{ول تُكْم لُواْ الْع دّة} وهو معطوف على ما قبله كأنه قال "ويريدُ ل تُكْم لُوا الع دّة" {ول تُكبّ رُواْ اللّه}. [٦٩ء] وأما قوله {يُر يدُ اللّه ل يُبيّ ن لكُمْ} فانما معناه يريد هذا ليبين لكم.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والثلاثون بعد المئة]:
أُر يدُ لأنْسى ذ كْرها فكأنما * تمثّلُ ل ي ليْلى ب كُلّ سبيل
فمعناه: أريد هذا الشيء لأنسى ذكرها "أوْ يكُونُ أضْمر" "أنْ" بعد اللام وأوصل الفعل إليْها بحرف الجر. قال {فهدى اللّه الّذ ين آمنُواْ ل ما اخْتلفُواْ ف يه } فعدّى الفعل بحرف الجر، والمعنى: عرّفهم الاختلاف حتى تركوه".
ثم قال { شهْرُ رمضان} على تفسير الايام، كأنه حين قال {أيّاماً مّعْدُوداتٍ} فسرها فقال: "ه ي شهْرُ رمضان". وقد نصب بعضهم {شهْر رمضان} [وذلك ]* جائز على الامر، كأنه قال: "شهْر رمضان فصُوموا"، أو جعله ظرفا على {كُت ب عليْكُمُ الصّ يامُ} {شهْرُ رمضان}[٦٩ب] اي: "في شهْر رمضان" و"رمضان" في موضع جر لأن الشهر أضيف اليه ولكنه لا ينصرف.
وقال {الّذ ي أُنْز ل ف يه الْقُرْآنُ هُدىً لّ لنّاس وبيّ ناتٍ مّ ن الْهُدى} فموضع {هُدىً} و {بيّ ناتٌ} نصب لانه قد شغل الفعل بـ{الْقُرْآنُ} وهو كقولك: "وجد عبد اللّه ظريفا".
وأما قوله {والْفُرْقان } فجرّ على "وبيناتٍ من الفرقان".
قوله {يرْشُدُون} لأنها من: "رشد" "يرْشُد" ولغة للعرب "رش د" "يرْشد" وقد قرئت {يُرْشدُون}.
قال {ولا تأْكُلُواْ أمْوالكُمْ بيْنكُمْ ب الْباط ل وتُدْلُواْ ب ها إ لى الْحُكّام } جزم على العطف ونصب اذا جعله جوابا بالواو.
قال {ه ي مواق يتُ ل لنّاس والْحجّ } فجر {الحجّ} لأنه عطفه على "الناس" فانجر باللام.
وقال {ولكنّ الْب رّ من اتّقى} يريد "ب رّ منْ اتقّى".
أما قوله {فإ ن انتهوْاْ فإ نّ اللّه غفُورٌ رّح يمٌ} يريد: فإنّ اللّه لهم.
قوله {فلا عُدْوان إ لاّ على الظّال م ين} لانه يجوز ان يقول {إ ن انتهوْاْ} وهو قد علم انهم لا ينتهون الا بعضهم فكأنه قال: "إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم" فأضمر. كما قال {فمن تمتّع ب الْعُمْرة إ لى الْحجّ فما اسْتيْسر} [١٩٦] أي: فعليه ما استيسر كما تقول "زيدا أكرمت" وأنت تريد "أكرمته" وكما تقول "إلى منْ تقْصُد أقصد" تريد "إليه".
أما قوله {فاعْتدُواْ عليْه } فان اللّه لم يأمر بالعدوان، وانما يقول: "إ يتوا إليهم الذي كان يُسمى بالاعتداء" أي: افعلوا بهم كما فعلوا بكم، كما تقول: "إنْ تعاطيْت مني ظُلْما [٧٠ء] تعاطيْتُهُ م نْك" والثاني ليس بظالم. قال عمْرُو بن شأس: [من الطويل وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المئة]:
جزيْنا ذو ي العُدْوان بالأمْس م ثْلهُ * قصاصاً سواءً حذْوك النّعْل بالنّعْل
قال {ولا تُلْقُواْ ب أيْد يكُمْ إ لى التّهْلُكة } يقول: "إلى الهلكة ". والباء زائدة نحو زيادتها في قوله {تنبُتُ ب الدُّهْن } وانما هي: تنبت الدهن.
قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المئة]:
كث يراً بما يتْرُكْن في كُلّ حُفْرةٍ * زفير القواض ي نحْبها وسُعالها
يقول: "كثيراً يتْرُكْن" وجعل الباء و"ما" زائدتين.
أما قوله {فإ نْ أُحْص رْتُمْ} فلأنك تقول: "أحصرني بوْلي" و"أحصرني مرض ي" أي: جعلني أحْصُرُ نفسي. وتقول: "حصرْتُ الرجل" أي: حبسته، فهو "محْصور". وزعم يونس عن ابي عمرو انه يقول: "حصرْتُهُ [إذا منعته]* عن كُلّ وجْهٍ" وإذا منعته من التقدم خاصة فقد "احْصرْتُهُ"، ويقول بعض العرب في المرض وما اشبهه من الاعياء والكلال: "أحْصرْتُهُ".
وقال {فف دْيةٌ مّ ن ص يامٍ} أي: فعليه فدية.
وقال {فمن لّمْ يج دْ فص يامُ ثلاثة أيّامٍ ف ي الْحجّ وسبْعةٍ إ ذا رجعْتُمْ [٧٠ب] ت لْك عشرةٌ كام لةٌ} فانما قال {عشْرةٌ كام لةٌ} وقد ذكر سبعة وثلاثة ليخبر انها مجزية، [و] وليس ليخبر عن عدتها، ألا ترى أن قوله {كام لةٌ} إنما هي "وافية".
وقد ذكروا أنّهُ في حرف ابْن مسْعودٍ {ت سْعٌ وت سْعُون نعْجةً} أُنْثى وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه كما قال {فسجد الْملائ كةُ كُلُّهُمْ أجْمعُون}. وقد يستغنى بأحدهما، ولكن تكرير الكلام كأنه أوجب. الا ترى أنك تقول: "رأيت أخويك ك ليْه ما" ولو قلت: "رأيت أخويك" أستغنيت فتجيء بـ"كليهما" توكيدا.
وقال بعضهم في قول ابن مسعود "أُنْثى" انه انما اراد "مُؤنّثة" يصفها بذلك لان ذلك قد يستحب من النساء.
وقال {ذلك ل من لّمْ يكُنْ أهْلُهُ حاض ر ي الْمسْج د الْحرام } واذا وقفت قلت: "حاضري" لان الياء انما ذهبت في الوصل لسكون اللام من "المسجد"، وكذلك {غيْر مُح لّ ي الصّيْد }
وقوله {عمّ يتسآءلُون} و{ف يم أنت م ن ذ كْراها} وأشباه هذا مما ليس هو حرف اعراب. وحرف الاعراب الذي يقع عليه الرفع والنصب والجر ونحو "هو" و"هي"، فاذا وقفت عليه فانت فيه بالخيار ان شئت الحقت الهاء وان شئت لم تلحق. وقد قالت العرب في نون الجميع ونون الاثنين في الوقف [٧١ء] بالهاء فقالوا: "هُما رجُلان ه" و"مُسْل مُونهُ" و"قد قُمْتُهْ" اذا أرادوا: "قدْ قُمْتُ" وكذلك ما لم يكن حرف اعراب الا ان بعضه أحسن من بعض، وهو في المفتوح اكثر. فاما "مررْتُ بأحْمر" و"يعْمر" فلا يكون الوقف في هذا بالهاء لان هذا قد ينصرف عن هذا الوجه. وكذلك ما لم يكن حرف اعراب ثم كان يتغير عن حاله فانه لا تلحق فيه الهاء اذا سُك ت عليه. واما قوله {إ نّ ي أُر يدُ أن تبُوء ب إ ثْم ي وإ ثْم ك} فاذا وقفت قلت "تبُوءْ" لأنها "أنْ تفْعل" فاذا وقفت على "تفْعل" لم تحرّك. قال {وأوْحيْنآ إ لى مُوسى وأخ يه أن تبوّءا} اذا وقفت عليه لانه "أنْ تفعّلا" وأنت تعني فعل الاثنين فهكذا الوقف عليه قال {ولقدْ بوّأْنا بن ي إ سْرائ يل مُبوّأ ص دْقٍ} فاذا وقفت قلت: "مبوّأْ" ولا تقول "مبوّءا" لانه مضاف، فاذا وقفت عليه لم يكن ألف. ولو أثبت فيه الالف لقلت في وقف {غيْر مُح لّ ي الصّيْد }: "محلين" ولكنه مثل "رأيتُ غُلامي زيد" فاذا وقفت قلت: "غلامي".
وقال {فلمّا تراءى الْجمْعان } فاذا وقفت قلت: "تراءى" ولم تقل: "تراءيا" لانك قد رفعت الجمعين بذا الفعل، ولو قلت: "تراءيا" كنت قد جئت باسم مرفوع بذا الفعل وهو الالف ويكون قولك "الجمْعان " [٧١ب] ليس بكلام الا على وجه آخر.
قال {فإ ذآ أفضْتُم مّ نْ عرفاتٍ فاذْكُرُواْ اللّه ع ند الْمشْعر الْحرام } فصرف "عرفاتٍ" لانها تلك الجماعة التي كانت تتصرف، وانما صرفت لأن الكسرة والضمة في التاء صارت بمنزلة الياء والواو في "م سلمين" و"مُسلمون" لانه تذكيره، وصارت التنوين في نحو "عرفاتٍ" و"مُسْل ماتٍ" بمنزلة النون. فلما سمي به ترك على حاله كما يترك "مسلمون" اذا سمي به على حاله حكاية. ومن العرب من لا يصرف [ذا] اذا سمي به ويشبه التاء بهاء التأنيث [في] نحو "حمْدة" وذلك قبيح ضعيف.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المئة]:
تنوّرْتُها من أذْر عاتٍ وأهلُها * بيثرب أدْنى دار ها نظرٌ عال
ومنهم من لا ينوّن "اذْر عات"* ولا "عانات" وهو مكان.
قال {ومن تأخّر فلا إ ثْم عليْه ل من اتّقى} كأنه حين ذكر هذه الرخصة قد أخبر عن أمر فقال {ل من اتّقى}: أي: ذلك لمن اتقى.
قال {ويُشْه دُ اللّه على ما ف ى قلْب ه } اذا كان هو يشهد
وقال بعضهم: {ويشْهدُ اللّه} أي إن اللّه هو الذي يشهد.
وقال {وهُو ألدُّ الْخ صام } من "لد دْتُ" "تلدُّ" و"هو ألدُّ" و"هُمْ قوْمٌ لُدٌّ" و"امْرأةٌ لدّاءُ" و"نسوةٌ لُدُّ".
قال {وم ن النّاس من يشْر ي نفْسهُ ابْت غآء مرْضات اللّه} يقول: "يبيعُها" كما تقول: "شريْتُ هذا المتاع" أي: ب عْتُهُ [٧٢ء] و "شريْتُهُ"": اشْتريتهُ أيضاً، يجوز في المعنيين جميعا، كما تقول: "إنّ الج لّ لأفْضلُ المتاع "، و"إنّ "الج لّ لأرْدؤُهُ"، وعلى ذلك يجوز مع كثير مثله. وكذلك "الجللُ" يكون العظيم ويكون الصغير. وكذلك "السّدفُ" يكون الظُلْمة والضوْء. و
قال الشاعر:
[من الرمل وهو الشاهد الثامن والثلاثون بعد المئة]:
وأرى أربْد قد فارقني * ومن الآرْزاء رُزْء ذُو جلل
أي: عظيم. وقال الآخر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والثلاثون بعد المئة]:
ألا إنّما أبْكي ل يوْمٍ لق يتُه * ب جُرْثُم صادٍ كلُّ ما بعْدهُ جلل
أي: صغير.
وأما قوله {ابْت غآء مرْضات اللّه} فان انتصابه على الفعل وهو على "يشْر ي" كأنه قال "لابت غاء مرْضاة اللّه" فلما نزع اللام عمل الفعل. ومثله {حذر الْموْت } وأشباه هذا كثير.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الاربعون بعد المئة]:
واغْف رُ عوْراء الكر يم ادّخاره * وأُعْر ضُ عنْ شت م اللئيم تكرُّما
لما حذف اللام عمل فيه الفعل.
قال {ادْخُلُواْ ف ي السّ لْم كآفّةً} و"السّ لْمُ": الإ سْلامُ.
وقوله {وتدْعُواْ إ لى السّلْم وأنتُمُ الأعْلوْن} ذلك : الصُلْح.
وقد قال بعضهم في "الصلح": "السّ لم.
وقال {ويُلْقُواْ إ ليْكُمُ السّلم} وهو الاستسلام.
وقال {وإ ذا خاطبهُمُ الجاه لُون قالُواْ سلاماً} أي: قالوا "براءةً م نْكُم" [٧٢ب] لأنّ "السّلام" في بعض الكلام هو: البراءة. تقول: "إنّما فلانٌ سلامٌ ب سلام" أي: لا يُخال طُ إ حداً.
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والاربعون بعد المئة]:
سلامك ربّنا في كلّ فجْرٍ * بريئا ما تغنّثُك* الذُّمومُ
يعني تأوّبك، يقول: "براءتك".
وقال {إ ذْ دخلُواْ عليْه فقالُواْ سلاماً قال سلامٌ} وهذا فيما يزعم المفسرون: قالوا خيراً. كأنه - و اللّه اعلم - سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيرا، فلما عرف انهم موحدون قال: "سلامٌ عليْكُم" فسلم عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء.
وقال بعضهم: "ما كان من كلام الملائكة فهو نصب وما كان من الانسان فهو رفع في السلام". وهذا ضعيف ليس بحجة.
وقال {فاصْفحْ عنْهُمْ وقُلْ سلامٌ} فهذا يجوز على معنى: "سلامٌ عليْكُم" في التسليم. او يكون على البراءة الا انه جعله خبر المبتدأ كأنه قال "أم ري سلامٌ". اي: أمري براءة منكم، وأضمر الاسم كما يضمر الخبر. و
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر]:
فيا ظبْية الوعْساء بيْن جلاج لٍ * وبين النّقا آأنْت أمْ أُمُ سال م
على: "أ أنْت ه ي أمْ أم سال م " أيْ: أشْكلْت عليّ ب شبه أمّ سال م ب ك . وكل هذا قد اضمر الخبر فيه. ومثل ذلك {لا يسْتو ي م نكُم [٧٣ء] مّنْ أنفق م ن قبْل الْفتْح وقاتل أُوْلائ ك أعْظمُ درجةً مّ ن الّذ ين أنفقُواْ م ن بعْدُ وقاتلُواْ}فلما قال {أُوْلائ ك أعْظمُ درجةً مّ ن الّذ ين أنفقُواْ م ن بعْدُ وقاتلُواْ} كان فيه دليلٌ* على معنى {لا يسْتو ي م نكُم مّنْ أنفق م ن قبْل الْفتْح } "ومن أنفق من بعد الفتح" أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء.
وقال {ولا تتّب عُواْ خُطُوات الشّيْطان } لان كل اسم على "فُعْلة" خفيف اذا جمع حرك ثانية بالضم نحو" ظُلُمات" و"غُرُفات" لان مخرج الحرفين بلفظ واحد اذا قرب أحدهما من صاحبه [كان]** أيسر عليهم. وقد فتحه بعضهم فقال: "الرُكبات" و"الغُرفات" و"الظُلُمات"، واسكن بعضهم ما كان من الواو كما يسكن ما كان من الياء نحو "كُلْيات" أسكن اللام لئلا تحوّل الياء واوا فاسكنها في "خُطْوات" لان الواو اخت الياء. وما كان على "فعْلة" نحو: "سلْوة" و"شهْوة" حرّك ثانية في الجمع بالفتح نحو "سلوات" و"شهوات" فاذا كان أوله مكسورا كسر ثانيه نحو "ك سْره" و"ك س رات"، و"س دْرة"، و"س د رات". وقد فتح بعضهم ثاني هذا كما فتح ثاني المضموم واستثقل الضمتين والكسرتين. وما كان من نحو هذا ثانيه واو أو ياء أو التقى فيه حرفان من جنس واحد لم يحرّك، نحو: "دُوْمة" و"دُومات"، و"وعُوذة" و"عوذات" وهي: المعاذة، و"بيْضة" و"بيْضات" [٧٣ب]، و"ميْتة" و"ميْتات". لان هذا لو حرّك لتغير وصار الفا فكان يغير بناء الاسم فاستثقلوا ذلك . وقالوا: "ع ضةٌ" و"ع ضات" فلم يحركوا لان هذا موضع تتحرك فيه لام الفعل فلا يضعف ولولا انه حرك لضعف وأكثر [ما] في "الظُلُمات" و"الك س رات" وما أشبههما ان يحرك الثاني على الأول. وقد دعاهم ذلك إلى أن قالوا "أذْكُر" فضموا الالف لضمة الكاف وبينها حرف فذلك أخلق.
وقد قال بعضهم: "أنا أُنْبُوك" و"أنا أُجُوك" فضم الباء والجيم لضمة الهمزة ليجعلها على لفظ واحد، فهذا اشد من ذاك.
وقال: "هذا هُو مُنْحدُرٌ من الجبل" يريد "مُنْحدرٌ" فضم الدال لضمة الراء، كما ضم الباء والجيم في "أُنْبُوك" و "أُجُوك".
قال {هلْ ينظُرُون إ لاّ أن يأْت يهُمُ اللّه ف ي ظُللٍ مّ ن الْغمام والْملائ كةُ} على "وفي الملائكة".
وقال بعضهم {والْملائ كة } أي: وتأتيهم الملائكةُ. والرفع هو الوجه وبه نقرأ. لانه قد قال ذلك في غير مكان قال {وجآء ربُّك والْملكُ}
وقال {إ لاّ أن تأْت يهُمُ الْملائ كةُ أوْ يأْت ي ربُّك} و"الملكُ" في هذا الموضع جماعة كما تقول: "أهْلك الناس الدينارُ والدرهمُ" و"هلك البع يرُ والشّاءُ" تريد*: جماعة الابل والشاء.
وقوله {إ لاّ أن يأْت يهُمُ اللّه} يعني أمرهُ، لأنّ [٧٤ء] اللّه تبارك وتعالى لا يزُولُ كما تقول: "قدْ خش ينا أنْ تأْت ينا بنُو أُميّة". وانما تعني حكمهم.
قال {وما اخْتلف ف يه إ لاّ الّذ ين أُوتُوهُ م ن بعْد ما جآءتْهُمُ الْبيّ ناتُ بغْياً بيْنهُمْ} يقول: "وما اختلف فيه إلاّ الذين أُوتُوهُ بغْياً بيْنهُمْ م نْ بعد ما جاءتْهُمْ البيّ ناتُ".
قال {كُت ب عليْكُمُ الْق تالُ وهُو كُرْهٌ لّكُمْ}
وقال بعضهم {حملتْهُ أُمه كرْها}
وقال بعضهم: {كُرْها} وهما لغتان مثل "الغُسْل" و"الغسْل"، و"الضُعْف" و"الضّعْف" الا أنه قد قال بعضهم انه اذا كان في موضع المصدر كان "كُرْهاً" كما تقول: "لا تقوم الا كرْهاً" وتقول: "لا تقوم الا على كُرْهٍ" وهما سواء مثل "الرُّهْب " و"الرّهْب "
وقال بعضهم: "الرّهب" كما قالوا: "البُخْل" و"البخْل" و"البخل". وانما قال {كُرْهٌ لكُم} أي: ذُو كُرْهٍ وحذف "ذو" كما قال {وسْئل الْقرْية}.
قال: {وصدٌّ عن سب يل اللّه}.
وقال: {وكُفْرٌ ب ه والْمسْج د الْحرام } على "وصدٌّ عن المسْج د الحرام ".
ثم قال: {وإ خْراجُ أهْل ه م نْهُ أكْبرُ} على الابتداء.
وقال: {ومن يرْتد دْ م نكُمْ عن د ين ه فيمُتْ وهْو كاف رٌ فأُوْلـائ ك حب طتْ أعْمالُهُمْ} فضعّف لأن أهل الحجاز اذا اكنت لام الفعل ساكنة ضعفوا وهي ها هنا ساكنة أسكنها بالجزاء. [٧٤ب]
وقال: {ومنْ يرْتدّ م نْكُمْ عنْ د ين ه فسوْف} فلم يضاعف في لغة من لا يضاعف لأن من لا يضاعف* كثير.
قال: {ويسْألُونك ماذا يُنف قُون قُل الْعفْو} اذا جعلت {ماذا} بمنزلة (ما). وان جعلت {ماذا} بمنزلة "الذي" قلت: {قُلْ الْعفْوُ} والأُولى منصوبة وهذا مرفوعة كأنه قال: {ما الذي يُنْف قُون} فقال: "الذي يُنْف قون العفُو". واذا نصبت فكأنه قال: "ما يُنْف قُون" فقال: "يُنْف قُون العفْو" لأن {ما} اذا لم تجعل بمنزلة "الذي" فـ"العفْو" منصوب بـ"يُنْف قُون". وان جعلت بمنزلة "الذي" فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال {مّاذآ أنْزل ربُّكُمْ قالُواْ أساط يرُ الأوّل ين} جعل {مّاذآ} بمنزلة "الذي"
وقال {ماذا أنْزل ربُّكُمْ قالُواْ خيْراً} جعل {ماذا} بمنزلة "ما". وقد يكون اذا جعلها بمنزلة "ما" وحدها الرفع على المعنى. لانه لو قيل له: "ما صنعْت"؟ فقال: "خيرٌ"، أي: الذي صنعت خيرٌ، لم يكن به بأس. ولو نصبت اذا جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" كان ايضاً جيدا لانه لو قيل لك: "ما الذي صنعت" فقلت: "خيراً" أي: صنعتُ خيراً. كان صوابا.
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثلاثون]:
دع ي ماذا عل مْتُ سأتّق يه * ولك نْ ب المُغيّب نبئّ يني
[٧٥ء] جعل "ما" و"ذا" بمنزلة "ما" وحدها، ولا يجوز ان يكون "ذا" بمنزلة "الذي" في هذا البيت لانك لو قلت: "دعي ما الذي علمت" لم يكن كلاما. وقال أهل التأويل في قوله {ماذا أنْزل ربُّكُمْ قالُواْْ أساط يرُ الأوّل ين } لأن الكفار جحدوا أنْ يكون ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم: "ما تقولون أنتُم أساطيرُ الأوّلين" أي: "الذي تقولون أنْتُم أساطيرُ الأولين" ليس على "أنزل ربُّنا أساطير الأولين". وهذا المعنى فيما نرى و اللّه أعلم - كما قال {وإ نْ تُخال طُوهُمْ فإ خْوانُكُمْ}[٢٢٠] أي: فهم اخوانكم.
قال { ويسْألُونك عن الْمح يض } وهو: الحيْضُ. وإ نما أكثر الكلام في المصدر إ ذا بني هكذا أنْ يراد به "المفْعل" نحو قولك: "ما في بُرّ ك مكالٌ" أي: كيْلٌ. وقد قيلت الأخرى أي: قيل "مك يلٌ" وهو مثل "مح يضٍ" من الفعل اذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي اقل.
قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثاني والاربعون بعد المئة]:
بُن يتْ مراف قُهُنّ فوْق مز لّةٍ * لا يسْتط يعُ ب ها القُرادُ مقيلا
يريد: "قيْلُولةً". وتقول: "ج ئْتُ مجيئاً حسناً". فبنوه على "مفْع ل" وهو مصدره.
وقال {ولا تقْربُوهُنّ حتّى يطْهُرْن} لانك تقول: "طهرتْ المرأةُ" فـ"ه ي تطْهُرُ".
وقال بعضهم "طهُرت". وقالوا: "طلقتْ" "تطْلُق" [٧٥ب] "و "طلُقت" "تطْلُقُ" ايضا. ويقال للنفساء اذا اصابها النفاس: "نُف ست" فاذا أصابها الطلْقُ [قيل]: طُل قتْ".
قال {لاّ يُؤاخ ذُكُمُ اللّه ب الّلغْو ف ي أيْمان كُمْ} نقول: "لغوْتُ في اليمين" فـ"أنا ألغْو" "لغْواً" ومن قال: "هو يمْحا" قال: "هو يلْغا" "لغْواً" و"محْواً". وقد سمعنا ذلك من العرب. وتقول: "لغ يتُ باسم فلانٍ" فـ"أنا ألْغى به" "لغى" أي: أذْكُرُهُ.
قال {لّ لّذ ين يُؤْلُون م ن نّ سآئ ه مْ} تقول: "آلى* م ن امرأت ه " "يُؤْلي" "إيْلاءً" و"ظاهر م نْها" "ظ هاراً" كما تقول: "قاتل" "ق تالاً". {تربُّصُ أرْبعة أشْهُرٍ}{لّ لّذ ين يُؤْلُون} جعل ذلك لهم أجلا {فإ نْ فآءُوا} يعني: "فان رج عُوا" لأنك تقول: "ف ئْتُ إلى الحقّ ".
قال {ثلاثة قُرُوءٍ} ممدودة مهموزة وواحدها "القرْءُ" خفيفة مهموزة مثل: "القرْع" وتقول: "قدْ أقْرأت المرأةُ" "إ قْراءً" بالهمز، إذا صارت صاحبة حيض. وتقول: "ما قرأتْ حيْضةً قطْ" مثل: "ما قرأتْ قُرآناً". و: "قدْ قرأتْ حيْضةً أوْ حيْضتيْن " بالهمز، و"ما قرأتْ جن ينا قطُّ" مثلها. أي: ما حملتْ. و"القرْءُ": انْقْطاعُ الحيْض.
وقال بعضهم: "ما بيْن الحيْضتيْن
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والاربعون بعد المئة]:
[٧٦ء] ذ راعيْ بكْرةٍ أدْماء بكْرٍ * ه جان اللّوْن لمْ تقْرأ جنينا
وأما قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والاربعون بعد المئة]:
فتُوض ح فالم قراة لمْ يعْفُ رسْمُها * ل ما نسجتْها م نْ جنُوبٍ وشمْأل
فان "الم قرْاة": المس يل وليس بمهموز.
قال {فلا تعْضُلُوهُنّ} ينهى أزواجهن أن يمْنعُوهن من الازواج.
وقال {ذلك يُوعظُ ب ه } و {ذال كُمْ [٧٧ء] أزْكى لكُمْ وأطْهرُ} لانه خاطب رجالا، وقال في موضع آخر "ذل كُنّ الذي لُمْتُنّني فيه" لانه خاطب نساء، ولو ترك "ذلك " ولم يلحق فيها أسماء الذين خاطب كان جائزا.
وقال {من يأْت م نكُنّ ب فاح شةٍ مُّبيّ نةٍ يُضاعفْ لها الْعذابُ ض عْفيْن وكان ذل ك على اللّه يس يراً} ولم يقل {ذل كُنّ}
وقال {فاسْتبْش رُواْ ب بيْع كُمُ الّذ ي بايعْتُمْ ب ه وذل ك هُو الْفوْزُ الْعظ يمُ}. وقال في المجادلة {ذل ك خيْرٌ لّكُمْ وأطْهرُ} وليس بأبعد من قوله {حتّى إ ذا كُنتُمْ ف ي الْفُلْك وجريْن ب ه م} فخاطب ثم حدّث عن غائب لان الغائب هو الشاهد في ذا المكان.
وقال {هلْ أُنبّ ئُكُمْ ب شرٍّ مّ ن ذلك مثُوبةً}.
قال {حوْليْن كام ليْن ل منْ أراد أن يُت مّ الرّضاعة} لانه يقول: "بيني وبيْنك رضاعةٌ" و"رضاعٌ" وتقول: "اللُّؤمُ والرّضاعةُ" وهي في كل شيء مفتوحة. وبعض بني تميم يكسرها اذا كانت في الارتضاع يقول "الرّ ضاعة".
وقال {لا تُكلّفُ نفْسٌ إ لاّ وُسْعها لا تُضآرّ وال دةٌ} رفع على الخبر يقول: "هكذا في الحكم أنه لا تضارُّ والدةٌ بولدها" يقول: "ينْبغي" فلما حذف "ينْبغي" وصار "تُضارُّ" في موضعه صار على لفظه.
ومثله: {والّذ ين يُتوفّوْن م نكُمْ ويذرُون أزْواجاً}[٢٣٤] فخبر {والّذ ين يُتوفّوْن}{يتربّصْن}[٢٣٤] بعْد موْت ه م" ولم يذكر "بعْد موْت ه مْ" كما يحذف بعض الكلام يقول: "ينْبغي لهُنّ أنْ يتربّصْن" فلما حذف "ينْبغي" وقع "يتربّصْن" موقعه*.
قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الخامس والاربعون بعد المئة]:
على الحكم المأْت يّ يوْماً إذا قضى * قض يّتهُ أنْ لا يجُور ويقْص دُ
[٧٦ب] فرفع "ويقْص دُ" على قوله: "وينْبغي". ومن جعل {لا تُضآرّ} على النهي قال {لا تُضآرّ} على النصب وهذا في لغة من لم يضعف فاما من ضعف فانه يقول {لا تضاررْ} اذا أراد النهي لان لام الفعل ساكنة اذا قلت "لا تُفاعلْ"** وأنت تنهي. الا ان "تضار" ها هنا غير مضعفة لان ليس في الكتاب الا راء واحدة.
قال {ولا جُناح عليْكُمْ ف يما عرّضْتُمْ ب ه م نْ خ طْبة النّ سآء } فـ"الخ طْبة " الذ كر، و "الخُطْبة": التشهُّد.
وقال {ولكن لاّ تُواع دُوهُنّ س رّاً} لانه لما قال {لا جُناح عليْكُمْ} كأنه قال: "تذكرون {ولكن لاّ تُواع دُوهُنّ س رّاً إ لاّ أن تقُولُواْ} استثناء خارج على "ولكنْ".
قال {فن صْفُ ما فرضْتُمْ} أي: فعليكم نصفُ ما فرضتم {إ لاّ أنْ يعْفُون} وإنْ شئت نصبْت {نصف ما فرضْتُمْ} على الامر.
وقال {وأن تعْفُواْ أقْربُ ل لتّقْوى ولا تنسوُاْ الْفضْل بيْنكُمْ}
وقال بعضهم {ولا تناسوْا}، وكلٌّ صوابٌ.
وقال بعضهم {ولا تنْسو ا الفضْل} فكسر الواو لاجتماع الساكنين كما قال {اشْترُواْ الضّلالة}.
قال {فإنْ خ فْتُمْ فر جالاً أوْ رُكْباناً} يقول: "صلُّوا ر جالاً أوْ صلُّوا رُكْبانا".
قال {وص يّةً لأزْواج ه مْ} كأنه [قال]: "لأزْواج ه مْ وص يّةٌ {مّتاعاً إ لى الْحوْل } ونصب {متاعاً} لانه حين قال {لأزْواج ه مْ}{وص يّةً} فكأنه قد قال: "فمتّ عُوهُنّ" {متاعاً} فعلى هذا انتصب قوله {مّتاعاً إ لى الْحوْل غيْر إ خْراجٍ } يقول "لا إخْراجاً" أي: "متاعاً لا إخْراجاً" أي: لا تُخْر جُوهُن إخْراجاً. وزعموا أنها في حرف ابن مسعود {كُت ب عليكُم وص يّةٌ لأزْواج كم}.
قال {ول لْمُطلّقات متاعٌ ب الْمعْرُوف حقّاً} أي: أُح قُّ ذل ك حقّاً.
وقال بعضهم {وص يّةٌ لأزْواج ه مْ}(٢٤٠)[٧٧ب] فنصب على الامر [ورفع] أي: عليْكُمْ وصيةٌ بذلك " [و] "أوْصُوا لهُنّ وص يّةً".
قال {مّن ذا الّذ ي يُقْر ضُ اللّه قرْضاً حسناً فيُضاع فهُ لهُ}
وقال بعضهم {فيُضعّ فُه لهُ}. وتقرأ نصبا أيضاً اذا نويت بالأول الاسم لانه لا يكون أن تعطف الفعل على الاسم، فأضمر في قوله {فيُضاع فه} "أنْ" حتى تكّون اسما فتُجْر يه على الأوّل إذا نوى به الاسم. والرفع لغة بني تميم لانهم لا ينْوون بالأول الاسم فيعطفون فعلا على فعل. وليس قوله {يُقْر ضُ اللّه} لحاجة باللّه ولكن هذا كقول العرب: "لك ع نْدي قرضُ ص دْقٍ" و"قرْضُ سوءٍ" لأمر تأتي فيه مسرّتُه أو مساءته.
قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السادس والاربعون بعد المئة]:
لا تخْل طنّ خبيثاتٍ ب طيّ بةٍ * واخْلعْ ثيابك م نْها وانجُ عُرْيانا
كُلُّ امر ىءٍ سوف يُجْزى قرضهُ حسناً * أوْ سيّ ئاً أوْ مد ينا مثل ما دانا
فـ"القرْض": ما سلف من صالح او من سيء.
قال {وما لنآ ألاّ نُقات ل ف ي سب يل اللّه } فـ{أنْ} ها هنا زائدة كما زيدت بعد "فلما" و"لما" و"لوْ" فهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. ومعناه "ومالنا لا نُقات لُ" فأعمل "أنْ" وهي زائدة كما قال: "ما أتاني منْ أحدٍ" فأعمل "م نْ" وهي زائدة قال الفرزدق: [من البسيط وهو الشاهد السابع والاربعون بعد المئة]:
[٧٨ء] لوْ لمْ تكُن غطفانٌ لا ذُنُوب لها * إليّ لامتْ ذوو أحْساب ها عُمرا
المعنى: لوْ لمْ تكُنْ غطفانٌ لها ذُنُوب. و"لا" زائدة وأعملها.
قال {ف يه سك ينةٌ مّ ن رّبّ كُمْ}. و"السّك ينةُ" هي: الوقارُ. وأما الحديدُ فهو: "السّ كّ ينُ، مشدد الكاف.
وقال بعضهم: "هي السّ كّ ينُ" مثلها في التشديد إلا أنّها مؤنثة فأنث. والتأنيث ليس بالمعروف وبنو قُشير يقولون: "س خّ ين" للسكين.
وقال {وآتتْ كُلّ واح دةٍ مّ نْهُنّ س كّ يناً}.
قال {ولوْلا دفْعُ اللّه النّاس بعْضهُمْ ب بعْضٍ} فنصبت {النّاس} على ايقاعك الفعل بهم ثم أبدلت منهم {بعْضهُمْ} للتفسير.
قال {مّ نْهُمْ مّن كلّم اللّه} اي كلمه اللّه [فلفظ الجلالة]* في ذا الموضع رفعٌ.
وقال {ورفع بعْضهُمْ درجاتٍ} أي رفع اللّه بعضهم درجات.
قال {لا تأْخُذُهُ س نةٌ ولا نوْمٌ} تقول "وس نُ" يوسنُ" "س نّة" و"وسناً"**
وقال {ولا يؤُودُهُ ح فْظُهُما} لانه من "آدُه" "يؤُودُهُ" "أوْداً" وتفسيره: لا يُثْق لُهُ.
قال {قد تّبيّن الرُّشْدُ م ن الْغيّ } وان شئت {الرّشدُ من الغيّ } مضمومة ومفتوحة.
[قال] {والّذ ين كفرُواْ أوْل يآؤُهُمُ الطّاغُوتُ} جماعة في المعنى وهو في اللفظ واحد وقد جمع فقالوا "الطواغيتُ". وأما قوله:
{يُخْر جُهُمْ مّ ن الظُّلُمات إ لى النُّور }[٧٨ب] فيقول: "يحْكُم بأنّهم كذاك" كما تقول: "قدْ أخْرجُك اللّه من ذا الأمر" ولم تكن فيه قط. وتقول: "أخْرجن ي فُلانُ من الك تْبة " ولم تكن فيها قط. أي: لمْ يجعلْني من أهلها ولا فيها.
قال {فبهت الّذ ي كفر} أي: بهتهُ ابراهيمُ و{بُه ت} أجود وأكثر.
قال {أوْ كالّذ ي مرّ على قرْيةٍ} الكاف زائدة والمعنى - و اللّه اعلم - {ألمْ تر إ لى الّذ ي حآجّ إ بْراه يم ف ي ر بّ ه }[٢٥٨] {أوْ كالّذ ي مرّ على قرْيةٍ} والكاف زائدة. وفي كتاب اللّه {ليْس كم ثْل ه شيْءٌ} يقول: "ليْس كهُو" لأنّ اللّه ليس له م ثْل.
وقال {لمْ يتسنّهْ} فتثبت الهاء للسكوت واذا وصلت حذفتها مثل {إخْشهْ}. وأثبتها بعضهم في الوصل فقال {لمْ يتسنّهْ وانْظُرْ} فجعل الهاء من الاصل وذلك في المعنى: لم تمرر عليه السنون "فـ" السّنةُ" منهم من يجعلها من الواو فيقول: "سُنيّةٌ" ومنهم من يجعلها من الهاء فيقول: "سُنيْهةٌ" يجعل الذي ذهب منها هاء كأنه أبدلها من الواو كما قالوا: "أسْنتُوا": إذا أصابتهم السنون. أبدل التاء من الهاء ويقولون: "ب عْتُه مُساناةً" و"مُسانهةً". ويكون: {لمْ يتسنّهْ} أن تكون هذه الهاء للسكوت. ويُحْملُ قول الذين وصلوا بالهاء على الوقف الخفي وبالهاء نقرأ في الوصل.
وقال {وانْظُرْ إ لى ح مار ك ول نجْعلك [٧٩ء] آيةً ل لنّاس وانْظُرْ إ لى الع ظام كيْف نُنْش زُها} من "نشرْتُ" التي هي "ضدُّ "طويْتُ"
وقال بعضهم {نُنْش زُها} لانه قد تجتمع "فعلْتُ" و"أفْعلْتُ" كثيراً في معنى واحد تقول: "صددْتُ" و"أصْددْتُ" وقد قال {ثُمّ إ ذا شآء أنشرهُ}
وقال بعضهم {نُنْش رُها} أي: نرْفعها. تقول: "نشز هذا" و"أنْشزْتُهُ".
وقال {أعْلمُ أنّ اللّه على كُلّ شيْءٍ قد يرٌ} إذا عنى نفسه.
وقال بعضهم {قال اعْلمْ} جزم على الامر كما يقول: "اعْلمْ أنّه قدْ كان كذا وكذا" كأنه يقول ذاك لغيره وانما ينبه نفسه والجزم أجود في المعنى إلا أنه أقل في القراءة والرفع قراءة العامة وبه نقرأ.
اما قوله {ربّ أر ن ي كيْف تُحْي ي الْموْتى} فلم يكن ذلك شكا منه ولم يُر د. به رؤية القلب وانما أراد به رؤية العين.
وقوله اللّه عز وجل له {أولمْ تُؤْم ن} يقول: "ألسْت قدْ صدقت" أيْ: أنت كذاك.
قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والثلاثون]:
ألسْتُمْ خير منْ رك ب المطايا * وأنْدى العالم ين بُطُون راح
وقوله {لّ يطْمئ نّ قلْب ي} أي: قلبي ينازعني الى النظر فاذا نظرت اطمأن قلبي.
قال {فخُذْ أرْبعةً مّ ن الطّيْر فصُرْهُنّ إ ليْك} أي: قطّ عْهُنّ وتقول منها: "صار" "يصُورُ".
وقال بعضهم {فصُرْهُنّ} فجعلها من "صار" "يص يرُ" [٧٩ب]
وقال {إ ليْك} لانه يريد: "خُذْ أربعةً إليك فصرهُنّ".
قال {كمثل صفْوانٍ} والواحدة "صفْوانةٌ". ومنهم من يجعل "الصّفْوان" واحدا فيجعله: الحجر. ومن جعله جميعا جعله: الح جارة مثل: "التمْرة " و"التمْر". وقد قالوا "الكذّان ": الكذّانةُ" وهو شبه الحجر من الطين.
قال {كمثل جنّةٍ ب ربْوةٍ}
وقال بعضهم {ب ربْوة} و{ب ر بْوة} و{ب ر باوة} و{ب رباوة} كلٌّ من لغات العرب وهو كله من الرابية وفعله: "ربا" "يرْبو".
قال {فآتتْ أُكُلها ض عْفيْن }
وقال {مُخْتل فاً أُكُلُهُ} و"الأُكْلُ": هو: ما يؤكل. و"الأكْلُ" هو الفعل الذي يكون منك. تقول: "أكلْتُ أكْلاً" و"أكلْت أكْلةً واحدةً" واذا عنيْت الطعام قلت: "أُكْلةً واحدةً". قال: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والاربعون بعد المئة]:
ما أكْلةٌ أكلْتُها ب غنيمةٍ * ولا جوْعةٌ أنْ جعْتُها ب غرام
ففتح الألف لأنه يعني الفعل. ويدلك عليه "ولا جوْعةٌ" وان شئت ضممت "الأكْلة" وعنيت به الطعام.
و[قال {فإ ن لّمْ يُص بْها واب لٌ فطلٌّ }]*
وتقول في "الواب ل" وهو: المطرُ الشديد: "وبلتْ السماء [٨٠ء] و"أوْبلتْ" مثل "مطرتْ" و"أمْطرتْ"، و"طلّتْ" و"أطلّتْ" من "الطلّ", و"غاثتْ" و"أغاثتْ" من "الغيْث". وتقول: "وُب لتْ الأرض" فهي "موْبُولةٌ" مثل "وُث ئتْ ر جْلُهُ" [و]* لا يكون "وبلتْ"
وقوله {أخْذاً وب يلا} من ذا يعني: شديدا.
قال {لهُ ف يها م ن كُلّ الثّمرات وأصابهُ الْك برُ ولهُ ذُرّ يّةٌ ضُعفآءُ فأصابهآ إ عْصارٌ ف يه نارٌ فاحْترقتْ} وقال في موضع آخر {ذُرّ يّةً ض عافاً} وكلٌّ سواء لانك تقول: "ظريفٌ" و"ظ رافٌ" و"ظُرفاءُ" وهكذا جمع "فع يل".
قال {الشّيْطانُ يع دُكُمُ الْفقْر}
وقال بعضهم {الفُقْر} مثل: "الضعْف" و"الضُعْف" وجعل "يع دُ" متعدياً الى مفعولين.
قال {ومآ أنفقْتُمْ مّ ن نّفقةٍ أوْ نذرْتُمْ مّ ن نّذْرٍ فإ نّ اللّه يعْلمُهُ} تحمل الكلام على الآخر كما قال {ومن يكْس بْ خط يئةً أوْ إ ثْماً ثُمّ يرْم ب ه بر يئاً}. وان شئت جعلت تذكير هذا على "الكسْب" في المعنى كما قال {إ ن تُبْدُواْ الصّدقات فن ع مّا ه ي وإ ن تُخْفُوها وتُؤْتُوها الْفُقرآء فهُو خيْرٌ لّكُمْ}[٢٧١]يقول: "فالإ يْتاءُ خيْرٌ لكُمْ والإ خْفاء".
وقوله {ومآ أنزل عليْكُمْ مّ ن الْك تاب والْح كْمة يع ظُكُمْ ب ه } فهذا على {ما}.
وقوله {أوْ نذرْتُمْ} تقول: "نذر" "ينْذُرُ على نفْس ه " "نذْراً" و"نذرْتُ مالي" فـ"أنا أنْذرُهُ" "نذْراً" أخبرنا بذلك يونس عن العرب وفي كتاب اللّه عز و جل {إ نّ ي نذرْتُ لك ما ف ي بطْن ي مُحرّراً}.
قال الشاعر: [من مجزوء الكامل وهو الشاهد التاسع والأربعون بعد المئة]:
هُمْ ينْذُرُون دمي وأنْذُرُ أنْ * لق يتُ بأنْ أشُدّا
وقال عنترة*: [من الكامل وهو الشاهد الخمسون بعد المئة]:
الشات م يْ ع رْض ي ولمْ أشْت مُهما * والنّاذ ريْن إذا لمْ الْقهُما دم ي
[٨٠ب]
وقال {الّذ ين يُنْف قُون أمْوالهُمْ ب اللّيْل والنّهار س رّاً وعلان يةً فلهُمْ أجْرُهُمْ ع ند ربّ ه مْ ولا خوْفٌ عليْه مْ} فجعل الخبر بالفاء اذ كان الاسم "الذي" وصلته فعل لانه في معنى "منْ". و"منْ" يكون جوابها بالفاء في المجازاة لان معناها "من ينفق ماله فله كذا".
وقال {الّذ ين كفرُواْ وصدُّواْ عن سب يل اللّه ثُمّ ماتُواْ وهُمْ كُفّارٌ فلن يغْف ر اللّه لهُمْ}
وقال {والّذ ين قُت لُواْ ف ي سب يل اللّه فلن يُض لّ أعْمالهُمْ} وهذا في القرآن والكلام كثير ومثله "الذي يأتينا فله درهم".
قال {فإ ن لّمْ تفْعلُواْ فأْذنُواْ ب حرْبٍ} تقول "قدْ أذ نْتُ ** م نْك ب حرْبٍ" و"هو يأْذنُ".
وقال {لا تظْل مُون ولا تُظْلمُون}.
وقال بعضهم {لا تُظْلمُون ولا تظْل مون} كله سواء في المعنى.
قال {وإ ن كان ذُو عُسْرةٍ فنظ رةٌ إ لى ميْسرةٍ} يقول: "وانْ كان م مّن تُقاضُون ذو عسرة فعليكم ان تنظروا الى الميسرة"
وقال بعضهم {فنظْرة} وان شئت لم تجعل لـ"كان" خبرا مضمرا وجعلت "كان" بمنزلة: "وقع"
وقال بعضهم {ميْسُر ه } وليست بجائزة لانه ليس في الكلام "مفْعُلٌ". ولو قرؤها {مُوسر ه } جاز لانه من "أيْسر" مثل: "أدْخل" فـ"هُو مُدْخل".
وقال بعضهم {فناظ رْهُ الى ميْسرةٍ} و{ميْسرةٍ} فجعلها "فاع لْ" [٨١ء] م نْ "ناظر" وجزمها للامر.
وقال {وأن تصدّقُواْ خيْرٌ لّكُمْ} يقول: "الصدقةُ خيْرٌ لكُمْ". جعل {أنْ تصدّقُواْ} اسما مبتدأ وجعل {خيْرٌ لّكُمْ} خبر المبتدأ.
قال {واسْتشْه دُواْ شه يديْن مّ ن رّ جال كُمْ فإ ن لّمْ يكُونا رجُليْن } أيْ: إنْ لمْ يكُنْ الشه يدان رجُليْن . {فرجُلٌ وامْرأتان } فالذي يُسْتشْهدُ رجُلٌ وامرأتان.
وقال {ولا تسْأمُواْ} لانها من "سئ مْتُ" "تسْأمُ" "سآمةً" و"سأْمةً" و"سآماً" و"سأْماً".
[وقال] {ولا يأْب الشُّهدآءُ} جزم لانه نهي واذا وقفت قلت "يأْب" فتقف بغير ياء.
وقال {إ لاّ أن تكُون ت جارةٌ حاض رةٌ} أي تقعُ ت جارةٌ حاض رةٌ. وقد يكون فيها النصب على ضمير الاسم "إلاّ أنْ تكُون تلك ت جارةً.
وقال {ولا يُضآرّ كات بٌ ولا شه يدٌ} على النهي والرفع على الخبر. وهو مثل {لا تُضآرّ وال دةٌ ب ولد ها} إلاّ إنهُ لمْ يُقْرأ {لا تُضارُّ} رفعا.
وقوله {إ ذا تداينتُم ب ديْنٍ} فقوله {ب ديْنٍ} تأكيد نحو قوله {فسجد الْملائ كةُ كُلُّهُمْ أجْمعُون} لأنّك تقُول "تداينّا" فيدل على قولك "ب ديْنٍ"
قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الحادي والخمسون بعد المئة]:
داينْتُ أرْوى والدُّيونُ تُقْضى * [فمطلتْ بعْضاً وأدّتْ بعْضا]
تقوله: "داينْتُها وداينتْن ي فقد تداينّا" كما تقول: "قابلْتُها وقابلتْن ي فقد تقابلْنا".
وقال {٨٢ء] {أن تكْتُبُوهُ صغ يراً أو كب يراً إ لى أجل ه } فأضمر "الشاهد".
وقال {إ لى أجل ه } الى الاجل الذي تجوز فيه شهادته و اللّه أعلم.
قال {فر هانٌ مّقْبُوضةٌ} تقول: "رهْنٌ"، و"ر هانٌ" مثل: "حبْلٌ" و"ح بالٌ". وقال أبو عمرو: "فرُهُنٌ" وهي قبيحةٌ لأنّ "فعْلاً" لا يجمع على "فُعُل" إلا قليلاً شاذاً، زعم أنهم يقولون: "سقْفٌ" و"سُقُفٌ" وقرأوا هذه الآية {سقْفاً م نْ ف ضّةٍ} وقالوا: "قلْبٌ" و"قُلُبٌ" و"قلْبٌ" من "قلْب النّخْلةٍ" و"لحْد" و"لُحُد" لـ"لحْد القبْر " وهذا شاذٌ [٨١ب] لا يكاد يعرف. وقد جمعُوا "فعْلاً" على "فُعْلٍ" فقالوا: "ثطٌّ" و"ثُطٌّ"، و"جوْنٌ" و"جُونٌ"، و"ورْدٌ" و"وُرْدٌ". وقد يكون "رُهُنٌ" جماعةً لـ"الرّ هان " كأنّه جمع الجماعة و"ر هانٌ" أمْثلُ* من هذا الاضطرار. وقد قالوا: "سهْمٌ خشْنٌ" في "س هامٍ خُشْنٍ". خفيفة. وقال أبو عمرو: "قالت العرب: "رُهُنٌ" ليفصلوا بينه وبين ر هان الخيل قال الاخفش: "كلُّ جماعةٍ على "فُعْل" فإنّه يقال فيها "فُعُل".
وقال{فلْيُؤدّ الّذ ي اؤْتُم ن أمانتهُ} وهي من "أدّى" "يُؤدّ ي" فلذلك همز و"اؤْتُم ن" همزها لانها من "الأمانة " [و] موضع الفاء منها همزة، إلاّ أنك إذا استأنفت ثبتتْ الفُ الوصلْ فيها فلم تهْم ز موضع الفاء لئلا تجتمع همزتان.
قال {غُفْرانك ربّنا} جعله بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال: ا غْف ر لنا غُفْرانك ربّنا" [و] مثله "سُبْحانك" إنما هو "تسبيحك" أي "نسبحك تسبيحك" وهو البراءة والتنزيه.